التوحيد والشرك في القرآن الكريم

الشيخ جعفر السبحاني

التوحيد والشرك في القرآن الكريم

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ٢
ISBN: 964-357-214-5
الصفحات: ٢٣٢

١
٢

تقديم :

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين.

نفتتح المقال بكلمة مباركة مأثورة عن الأكابر وهي : بني الإسلام على دعامتين : كلمة التوحيد وتوحيد الكلمة.

أمّا الأُولى فقد اتفق عليها المسلمون قاطبة ، وشعارهم في جميع المواقف هو لا إله إلّا الله ولا نعبد إلّا إيّاه ، فإذا كان للتوحيد مراتب فالكل متفقون على أنّه لا خالق ولا مدبّر ولا معبود إلّا إيّاه ، ولا يمكن تسجيل اسم واحد في سجل الإسلام إلّا إذا شهد بالتوحيد بعامة مراتبه ، وأخصّ بالذكر منها انّه لا معبود سوى الله سبحانه ولا مستعان غيره ، ولأجل ذلك نرى أنّ المسلمين يقولون في كل يوم وليلة في صلواتهم : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) ويذكر القرآن الكريم أنّ التوحيد في العبادة هو الهدف الوحيد من بعث الأنبياء قال سبحانه : (وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) (النحل ـ ٣٦) وقال سبحانه : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) (الأنبياء ـ ٢٥).

ولا أظن أنّ أحداً من المسلمين يشك في هذه القاعدة الكلية.

نعم ربّما يقع الكلام والنقاش في الجزئيات والمصاديق الخارجية وأنّه هل هي

٣

عبادة أو لا؟ مثلاً يقع البحث في أنّ التوسّل بالرسول بذاته وشخصيته ودعائه حيّاً وميتاً عبادة للرسول أو توسل بالسبب.

والذي دعاني إلى تأليف هذا الكتاب هو إيضاح بعض الأُمور الرائجة بين المسلمين من عصر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى يومنا هذا ولم يكن هناك أي اختلاف فيها إلى القرن الثامن ، ولكن بدأ الخلاف والنقاش فيها منذ قرون واستفحل في عصرنا هذا ، فصار ذلك سبباً لتفريق الكلمة وتبدد الأُمّة إلى طائفتين : فطائفة : ترى التوسل وطلب الشفاعة والتبرك تمسكاً بالأسباب التي ندب إليها الشرع كتاباً وسنّة ، وأُخرى : تنظر إليها كأنّها لا تلائم التوحيد في العبادة.

وقد عالج لفيف من المحقّقين هذه الناحية من مشاكلنا الدينية ولكن دراستهم لم تكن مركزة على البحث القرآني ، فحاولت أن أعالج الموضوع من منظار القرآن الكريم وأنظر إلى التوحيد والشرك من ذلك الجانب حتى يستبين حكم هذه الأُمور التي عُدت شركاً مضاداً للتوحيد.

وأمّا الثانية فقد دعى إليها الإسلام وقال : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا) ، ولا يشك أحد في أنّ صيانة كيان الإسلام وإعادة مجده التالد رهن توحيد الكلمة وتقريب الخطى.

وأحسب أنّي خدمت كلتا الكلمتين فأوضحت حال حكم هذه الموضوعات من كونها عبادة أم لا ، وبذلك دعمت الكلمة الثانية ، أعني :

توحيد الكلمة. وأرجو من الله أن يكون مصباحاً لمن يريد الاهتداء. انّه بذلك قدير وبالإجابة جدير.

والله من وراء القصد.

جعفر السبحاني

٢٠ ـ محرم الحرام ـ ١٤١٦ ه

٤

مراتب التوحيد

التوحيد أساس دعوة الأنبياء

التوحيد ونبذ الشرك من أهم المسائل الاعتقادية التي تصدّرت المفاهيم والتعاليم السماوية على الإطلاق ، ويُعَدُّ أساساً لسائر التعاليم والمعارف الإلهية العليا التي جاء بها أنبياء الله ورسله في ما أُوتوا من كتب.

ثمّ إنّ مسألة التوحيد والشرك من المسائل التي اتّفق فيها جميع المسلمين ، ولم يختلف في أُصولها أحد منهم ، فهم عن بكرة أبيهم يوحّدون الله سبحانه من حيث الذات ، والفعل ، والعبادة.

فالله سبحانه ـ عندهم جميعاً ـ واحد في ذاته لا نظير له في الوجود ولا مثيل ، كما أنّه هو المؤثر والخالق الواقعي في كل ما نسمّيه مؤثراً وخالقاً. فلو كان هناك مؤثر سواه أو خالق غيره ، فإنّما يفعل ويخلق بقدرته سبحانه وإرادته.

كما أنّه هو المعبود الوحيد لا معبود سواه ، ولا تحل عبادة غيره على الإطلاق. كل ذلك ممّا يؤيّده الكتاب والسنّة والعقل والإجماع.

هذا وبما أنّ للتوحيد مراتب قد فصّلها علماء الإسلام في كتبهم الكلامية والاعتقادية نأتي بها ـ هنا ـ على سبيل الإجمال ، ونردف كل قسم من تلك الأنواع بما

٥

يدل عليه من القرآن الكريم. غير أنّنا نركّز البحث على «التوحيد في العبادة» الذي صار ذريعة بأيدي البعض. فنقول : للتوحيد مراتب عديدة هي :

الأُولى : التوحيد في الذات

والمراد منه هو أنّه سبحانه واحد لا نظير له ، فرْدٌ لا مثيل له ، بل لا يمكن أن يكون له نظير أو مثيل.

ويدل عليه ـ مضافاً إلى البراهين العقلية ـ قوله سبحانه :

(فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ). (الشورى ـ ١١).

وقوله سبحانه :

(قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ* اللهُ الصَّمَدُ* لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ* وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ). (سورة الإخلاص).

وقوله سبحانه :

(هُوَ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ) (الزمر ـ ٤).

وقوله سبحانه :

(وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ) (الرعد ـ ١٦).

إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أنّه تعالى واحد لا نظير له ولا مثيل ، ولا ثان له ولا عديل.

وأمّا البراهين العقلية في هذا المجال ، وإبطال خرافة «الثنوية» و «التثليث» فموكول إلى الكتب المدونة لذلك (١).

__________________

(١). وقد جاء تفصيل الكلام في هذا النوع من التوحيد وغيره من الأنواع والمراتب في كتاب «مفاهيم القرآن في معالم التوحيد» الصفحة ٢٧٤ للمؤلف ، وللاستزادة فراجع.

٦

الثانية : التوحيد في الخالقية

والمراد منه هو أنّه ليس في صفحة الوجود خالق أصيل غير الله ، ولا فاعل مستقل سواه سبحانه ، وأنّ كل ما في الكون من كواكب وأرض وجبال وبحار ، وعناصر ومعادن ، وسحب ورعود ، وبروق وصواعق ، ونباتات وأشجار ، وإنسان وحيوان ، وملك وجن ، وكل ما يطلق عليه أنّه فاعل وسبب فهي موجودات غير مستقلّة التأثير ، وأنّ كل ما ينتسب إليها من الآثار ليس لذوات هذه الأسباب بالاستقلال ، وإنّما ينتهي تأثير هذه المؤثرات إلى الله سبحانه ، فجميع هذه الأسباب والمسببات ـ رغم ارتباط بعضها ببعض ـ مخلوقة لله ، فإليه تنتهي العلّية ، وإليه تؤول السببية ، وهو معطيها للأشياء ، وهو مجرِّد الأشياء من آثارها إن شاء.

ويدل على ذلك ـ مضافاً إلى الأدلة العقلية ـ قوله سبحانه :

(قُلِ اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ) (الرعد ـ ١٦).

وقوله سبحانه :

(اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) (الزمر ـ ٦٢).

وقوله سبحانه :

(ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ ..) (المؤمن ـ ٦٢).

وقوله سبحانه :

(ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ ..) (الأنعام ـ ١٠٢).

٧

(هُوَ اللهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى ..) (الحشر ـ ٢٤).

وقوله سبحانه :

(أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ ..) (الأنعام ـ ١٠١).

وقوله تعالى :

(يا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ ..) (فاطر ـ ٣).

وقوله تعالى :

(أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) (الأعراف ـ ٥٤)

وأمّا البرهان العقلي على حصر الخالقية في الله سبحانه فبيانه موكول أيضاً إلى الكتب الاعتقادية والكلامية.

الثالثة : التوحيد في الربوبية والتدبير (١)

والمراد منه هو أنّ للكون مدبّراً واحداً ، ومتصرّفاً واحداً لا يشاركه في التدبير شيء ، فهو سبحانه المدبّر للعالم ، وانّ تدبير الملائكة وسائر الأسباب بعضها لبعض إنّما هو بأمره سبحانه ، وهذه على خلاف ما كان يذهب إليه بعض المشركين حيث كان يعتقد أن الذي يرتبط بالله تعالى إنّما هو الخلق والإيجاد والابتداء ، وأمّا تدبير الأنواع والكائنات الأرضية فقد فُوّض إلى الأجرام السماوية

__________________

(١). فسر كتّاب الوهابيّة «التوحيد في الخالقية» بالتوحيد في الربوبية مع أنّ الثاني غير الأول ؛ فإنّ الثاني ناظر إلى التوحيد في التدبير والإدارة والأول ناظر إلى التوحيد في الخلق والإيجاد ، وكان المشركون موحّدين في المجال الأوّل أي التوحيد في الخالقية ، وإن كان بعضهم مشركاً في المجال الثاني أي التوحيد في التدبير والإدارة.

٨

والملائكة والجن والموجودات الروحية التي كانت تحكي عنها الأصنام المعبودة ، وليس له أيّ دخالة في أمر تدبير الكون وإرادته ، وتصريف شئونه.

إنّ القرآن الكريم ينص ـ بمنتهى الصراحة ـ على أنّ الله هو المدبّر للعالم ، وينفي أيّ تدبير مستقل لغيره سبحانه ، وانّه لو كان هناك مدبّر سواه فإنّما يدبّر بأمره. قال سبحانه :

(إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) (يونس ـ ٣).

وقال تعالى :

(اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ) (الرعد ـ ٢).

فإذا كان هو المدبّر وحده فيكون معنى قوله سبحانه :

(فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً) (النازعات ـ ٥). وقوله سبحانه : (وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً ..) (الأنعام ـ ٦١). أنّ هؤلاء مدبّرات بأمره وبإرادته ، فلا يُنافي ذلك انحصار التدبير الاستقلالي في الله سبحانه.

ومن كان مُلمّاً بما ورد في القرآن الكريم عرف بأنّه سبحانَه حينما ينسب كثيراً من الأفعال إلى نفسه وفي الوقت نفسه ينسبها إلى غيره في مواضع أُخرى لا يكون هناك أيّ تناقض أو تناف بين ذلك النفي وهذا الإثبات ، لأنّ الحصر على ذاته إنّما هو على وجه الاستقلال ، ولا ينافي ذلك تشريك الغير في هذا الفعل ، بعنوان أنّه مظهر أمره سبحانه ، ومنفِّذ إرادته ، ولأجل أن يظهر هذا النوع من المعارف نأتي بأمثلة في المقام :

٩

١ ـ يعد القرآن ـ في بعض آياته ـ قبض الأرواح فعلاً لله تعالى ، ويصرّح بأنّ الله هو الذي يتوفّى الأنفس حين موتها إذ يقول ـ مثلاً ـ :

(اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها ..) (الزمر ـ ٤٢).

بينما نجده يقول في موضع آخر ، ناسباً التوفّي إلى غيره :

(حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا) (الأنعام ـ ٦١).

* * *

٢ ـ يأمر القرآن ـ في سورة الحمد ـ بالاستعانة بالله وحده ، إذ يقول :

(وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ.)

في حين نجده في آية أُخرى يأمر بالاستعانة بالصبر والصلاة ، إذ يقول :

(وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) (البقرة ـ ٤٥).

* * *

٣ ـ يعتبر القرآن الكريم الشفاعة حقاً مختصاً بالله وحده ، إذ يقول :

(قُلْ لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً) (الزمر ـ ٤٤).

بينما يخبرنا في آية أُخرى عن وجود شفعاء غير الله كالملائكة :

(وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ) (النجم ـ ٢٦).

* * *

١٠

٤ ـ يعتبر القرآن الاطّلاع على الغيب والعلم به منحصراً في الله ، حيث يقول :

(قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللهُ) (النمل ـ ٦٥)

فيما يخبر الكتاب العزيز في آية أُخرى عن أنّ الله يختار بعض عباده لاطّلاعهم على الغيب ، إذ يقول :

(وَما كانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ) (آل عمران ـ ١٧٩).

* * *

٥ ـ ينقل القرآن عن إبراهيم ـ عليه السلام ـ قوله بأنّ الله يشفيه إذا مرض ، حيث يقول :

(وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) (الشعراء ـ ٨٠).

وظاهر هذه الآية هو حصر الإشفاء من الأسقام في الله سبحانه ، في حين أنّ الله يصف القرآن والعسل بأنّ فيهما الشفاء أيضاً ، حيث يقول :

(فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ) (النحل ـ ٦٩).

(وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ) (الأسراء ـ ٨٢).

* * *

٦ ـ إنّ الله تعالى ـ في نظر القرآن ـ هو الرزّاق الوحيد حيث يقول : (إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) (الذاريات ـ ٥٨).

بينما نجد القرآن يأمر المتمكنين وذوي الطول بأن يرزقوا من يلوذ بهم من الضعفاء ، إذ يقول :

(وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ) (النساء ـ ٥).

* * *

١١

٧ ـ الزارع الحقيقي ـ حسب نظر القرآن ـ هو الله ، كما يقول :

(أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ* أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ) (الواقعة ـ ٦٣ و ٦٤).

في حين أنّ القرآن الكريم في آية أُخرى يطلق صفة الزارع على الحارثين ، إذ يقول :

(يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ) (الفتح ـ ٢٩).

* * *

٨ ـ إنّ الله هو الكاتب لأعمال عباده ، إذ يقول :

(وَاللهُ يَكْتُبُ ما يُبَيِّتُونَ) (النساء ـ ٨١).

في حين يعتبر القرآن الملائكة ـ في آية أُخرى ـ بأنّهم المأمورون بكتابة أعمال العباد ، إذ يقول :

(بَلى وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ) (الزخرف ـ ٨٠).

* * *

٩ ـ وفي آية ينسب تزيين عمل الكافرين إلى نفسه سبحانه يقول :

(إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ) (النمل ـ ٤)

وفي الوقت نفسه ينسبها إلى الشيطان :

(وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ) (الأنفال ـ ٤٨).

وفي آية أُخرى نسبها إلى آخرين وقال :

(وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) (فصّلت ـ ٢٥).

* * *

١٢

١٠ ـ مرّ في هذا البحث حصر التدبير في الله حتى إذا سئل من بعض المشركين عن المدبِّر لقالوا : هو الله ، إذ يقول في الآية ٣١ من سورة يونس :

(وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللهُ.)

بينما اعترف القرآن بصراحة في آيات أُخرى بمدبرية غير الله حيث يقول :

(فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً) (النازعات ـ ٥).

* * *

فمن لمن يكن له إلمام بمعارف القرآن يتخيّل لأوّل وهلة أنّ بين تلك الآيات تعارضاً غير أنّ الملمّين بمعارف الكتاب العزيز يدركون أنّ حقيقة هذه الأُمور (أعني الرازقية ، والإشفاء ..) قائمة بالله على نحو لا يكون لله فيها أيّ شريك فهو تعالى يقوم بها بالأصالة وعلى وجه «الاستقلال» ، في حين أنّ غيره محتاج إليه سبحانه في أصل وجوده وفعله ، فما سواه تعالى يقوم بهذه الأفعال والشئون على نحو «التبعية» وفي ظل القدرة الإلهية.

وبما أنّ هذا العالم هو عالم الأسباب والمسببات ، وأنّ كل ظاهرة لا بد أن تصدر وتتحقق من مجراها الخاص بها المقرر لها في عالم الوجود ينسب القرآن هذه الآثار إلى أسبابها الطبيعية دون أن تمنع خالقية الله من ذلك ، ولأجل ذلك يكون ما تقوم به هذه الموجودات فعلاً لله في حين كونها فعلاً لنفس الموجودات. غاية ما في الأمر أنّ في نسبة هذه الأُمور إلى الموجود الطبيعي نفسه إشارة إلى الجانب «المباشري» ، وفي نسبتها إلى «الله» إشارة إلى الجانب «التسبيبي».

ويشير القرآن إلى كلا هاتين النسبتين في قوله سبحانه :

(وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) (الأنفال ـ ١٧).

١٣

ففي حين يصف القرآن النبي الأعظم بالرمي ، إذ يقول بصراحة (إِذْ رَمَيْتَ) نجده يصف الله بأنّه هو الرامي الحقيقي. وذلك لأنّ النبي إنّما قام بما قام بالقدرة التي منحها الله له ، فيكون فعله فعلاً لله أيضاً ، بل يمكن أن يقال : إنّ انتساب الفعل إلى الله (الذي منه وجود العبد وقوّته وقدرته) أقوى بكثير من انتسابه إلى العبد بحيث ينبغي أن يعتبر الفعل فعلاً لله لا غير ولكن شدّة الانتساب هذه لا تكون سبباً لأن يكون هو الله سبحانه مسئولاً عن أفعال عباده ، إذ صحيح أنّ المقدمات الأوّلية للظاهرة مرتبطة بالله وناشئة منه إلّا أنّه لما كان الجزء الأخير من العلّة التامة هو إرادة الإنسان ومشيئته بحيث لولاها لما تحققت الظاهرة ، يعد هو مسئولاً عن الفعل.

هذا وحيث إنّنا ركّزنا البحث ـ في هذه الرسالة ـ على بيان موازين التوحيد والشرك من وجهة نظر القرآن الكريم ، لذلك تركنا الأدلة العقلية على هذا القسم من التوحيد ، غير أنّ القرآن الكريم أشار في موضعين إلى برهان هذا القسم فنذكرهما بتوضيح إجمالي فنقول :

إنّ القرآن استدلّ على وحدة المدبّر في العالم ببرهان ذا شقوق ، وقد جاء البرهان ضمن آيتين تتكفّل كل واحدة منهما بيان بعض الشقوق من البرهان ، وإليك الآيتين :

(لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا فَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ) (الأنبياء ـ ٢٢).

(وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ) (المؤمنون ـ ٩١).

وإليك مجموع شقوق البرهان :

١٤

إنّ تصوّر تعدد المدبّر لهذا العالم يكون على وجوه :

١ ـ أنّ يتفرد كل واحد من الآلهة المدبّرة بتدبير مجموع الكون باستقلاله ؛ بمعنى أن يعمل كل واحد ما يريده في الكون دون ما منازع ، ففي هذه الصورة يلزم تعدد التدبير لأنّ المدبر متعدد ومختلف في الذات فيلزم تعدد التدبير ، وهذا يستلزم طروء الفساد على العالم وذهاب الانسجام المشهود وهذا ما يشير إليه قوله سبحانه :

(لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا فَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ)

٢ ـ وأمّا أن يدبّر كل واحد قسماً من الكون الذي خلقه ، وعندئذ يجب أن يكون لكل جانب من الجانبين نظام مستقل خاص مغاير لنظام الجانب الآخر وغير مرتبط به أصلاً ، وعندئذ يلزم انقطاع الارتباط وذهاب الانسجام من الكون ، في حين أنّنا لا نرى في الكون إلّا نوعاً واحداً من النظام يسود كل جوانب الكون من الذرّة إلى المجرّة.

وإلى هذا الشق أشار بقوله : في الآية الثانية :

(إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ.)

٣ ـ أن يتفضّل أحد هذه الآلهة على البقية ويكون حاكماً عليهم ويوحّد جهودهم ، وأعمالهم ويسبغ عليها الانسجام والاتحاد وعندئذ يكون الإله الحقيقي هو هذا الحاكم دون الباقي.

وإلى هذا يشير قوله سبحانه :

(وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ.)

فتلخّص أنّ الآيتين بمجموعهما تشيران إلى برهان واحد ذا شقوق تتكفل كل واحدة منهما بيان شق خاص.

١٥

الرابعة : التوحيد في التشريع والتقنين :

لا يشك عاقل في أنّ حياة الإنسان الاجتماعية تحتاج إلى قانون ينظّم أحوال المجتمع البشري وأوضاعه ويقوده إلى الكمال الذي الذي خلق له ، (والكل ميسَّر لما خلق).

غير أنّ القرآن الكريم لم يعترف بتشريع للبشرية سوى تشريع الله سبحانه ، ولا قانون سوى قانونه ، فهو يراه المشرّع الوحيد الذي يحق له التقنين خاصة ، وغيره المنفِّذ للقانون الإلهي المطبِّق لتشريعه.

وقد وردت في هذا الصدد آيات في الذكر الحكيم نكتفي بذكر قسم منها :

(ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (يوسف ـ ٤٠).

فالمراد من حصر الحاكمية على الله هو حصر الحاكمية التشريعية عليه سبحانه ، فالآية تهدف إلى أنّه لا يحق لأحدٍ أن يأمر وينهى ويُحرّم ويُحلّل سوى الله سبحانه ، ولأجل ذلك قال بعد قوله :

(إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ) : (أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ.)

فكأنّ أحداً يسأل عن أنّه إذا كان الأمر مختصاً به سبحانه فما ذا أمر الله في مورد العبادة فأجاب على الفور :

(أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ.)

وقال سبحانه :

(أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (المائدة ـ ٥٠).

١٦

إنّ هذه الآية تقسم القوانين الحاكمة على البشر إلى قسمين : إلهي ، وجاهلي ، وبما أنّ ما كان من صنع الفكر البشري ليس إلهياً فهو بالطبع يكون حكماً جاهلياً.

وقال سبحانه :

(.. وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ.)

وقال :

(.. وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ.)

وقال :

(.. وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) (المائدة ـ ٤٤ و ٤٥ و ٤٧).

وهذه الآيات وإن كانت تصف الحاكم بغير ما أنزل الله بالصفات الثلاث لا المقنِّن والمشرِّع البشري غير أنّها تدل تلويحاً على حرمة نفس التقنين بغير إذنه ، لأنّ الهدف من تشريع الأحكام وتقنين القوانين جعلها وسيلة للحكم والقضاء ، وإلّا فالتشريع والتقنين بدون التنفيذ والتطبيق لا يحوم حوله عاقل.

فهذه المقاطع الثلاثة توضح أنّ ممنوعية التقنين والتشريع بهدف الحكم على وفقه كانت موجودة في الشرائع الإلهية السالفة أيضاً ، وما ذلك إلّا لأجل أنّ التقنين أوّلاً ، والحكم ثانياً حقّ مخصوص بالله سبحانه ، لم يفوّضه إلى أحد من خلقه ، ولأجل ذلك يصف المبدِّل للنظام الإلهي بالكفر تارة ، والظلم اخرى ، وبالفسق ثالثة.

فهم كافرون لأنّهم يخالفون التشريع الإلهي بالرد والإنكار والجحود.

وهم ظالمون لأنّهم يسلمون حق التقنين الذي هو خاص بالله إلى غيره.

وهم فاسقون لأنهم خرجوا بهذا الفعيل عن طاعة الله سبحانه.

وأمّا ما يفعله العلماء والفقهاء فهو تخطيط كل ما يحتاج إليه المجتمع الإسلامي في إطار القوانين والضوابط

الإلهية والإسلامية ، وليس ذلك بتشريع أو تقنين.

١٧

الخامسة : التوحيد في الطاعة :

والمراد منه أنّه ليس هناك من تجب طاعته بالذات إلّا الله تعالى فهو وحده الذي يجب أن يُطاع ، وهو وحده الذي يجب أن تُمتثل أوامره ، وأمّا طاعة غيره فتجب بإذنه وأمره ، وإلّا كانت محرّمة ، موجبة للشرك.

ولأجل ذلك نجد القرآن الكريم يطرح مسألة الطاعة لله وحده مصرّحاً بانحصارها فيه إذ يقول :

(وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) (البيِّنة ـ ٥) والدين في الآية بمعنى الطاعة ، أي مخلصين الطاعة له ولا يطيعون غيره. ويقول :

(فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ) (التغابن ـ ١٦).

ثمّ يصرّح القرآن الكريم بأنّ النبي لا يطاع إلّا بإذنه سبحانه إذ قال :

(وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللهِ) (النساء ـ ٦٤)

وعلى ذلك فكل من افترض اللهُ طاعَته ، والانقياد لأوامره ، والانتهاء عن مناهيه ، فلأجل إذنه سبحانه.

فإطاعة النبي وأُولي الأمر ، والوالدين وغيرهم إنّما لأجل إذنه وأمره سبحانه ، ولولاه لم تكن لتجز طاعتهم ، والانقياد لأوامرهم.

وعلى الجملة فهاهُنا مطاع بالذات ؛ وهو الله سبحانه وغيره مطاع بالعرض وبأمره. وأمّا علّة اختصاص الطاعة ووجهه فبيانه موكول إلى الكتب الكلامية.

١٨

السادسة : التوحيد في الحاكمية :

لا يشك أيّ عاقل يدرك أنّ الحكومة حاجة طبيعية يتوقف عليها حفظ النظام في المجتمع البشري ، وقيام الحضارة المدنية ، وتعريف أفراد المجتمع بواجباتهم ووظائفهم ، وما لهم وما عليهم من الحقوق.

وحيث إنّ إعمال الحكومة والحاكمية في المجتمع لا ينفك عن التصرف في النفوس والأموال ، وتنظيم الحريات وتحديدها أحياناً ، والتسلّط عليها ، احتاج ذلك إلى ولاية بالنسبة إلى الناس ، ولو لا ذلك لَعُدَّ التصرف عدواناً.

وبما أنّ جميع الناس سواسية أمام الله ، والكل مخلوق له بلا تمييز ، فلا ولاية لأحد على أحد بالذات ، بل الولاية لله المالك الحقيقي للإنسان ، والكون ، والواهب له وجوده وحياته فلا يصح لأحد الإمْرَة على العباد إلّا بإذنٍ من الله سبحانه.

فالأنبياء والعلماء والمؤمنون مأذونون من قِبله سبحانه في أن يتولّوا الأمر من جانبه ويمارسوا الحكومة على الناس من قبله ، فالحكومة حق مختص بالله سبحانه ، والامارة ممنوحة من جانبه.

قال سبحانه :

(إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (يوسف ـ ٤٠).

والحكم له معنى وسيع أوسع من التشريع والتقنين والمراد منه هنا هو الحاكمية على الإنسان ولأجل كونه واجداً لذلك المقام ، أصدر أمراً بعدم عبادة غيره.

ويوضح الانحصار قوله سبحانه :

(إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ) (الأنعام ـ ٥٧).

١٩

(أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ) (الأنعام ـ ٦٢)

نعم إنّ اختصاص حق الحاكمية بالله سبحانه ليس بمعنى قيامه شخصياً بممارسة الإمرة ، بل المراد أنّ من يمثّل مقام الإمرة في المجتمع البشري يجب أنّ يكون مأذوناً من جانبه سبحانه لإدارة الأُمور ، والتصرّف في النفوس والأموال.

ولأجل ذلك نرى أنّه سبحانه يمنح لبعض الأنبياء حق الحكومة بين الناس ، إذ يقول :

(يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) (سورة ص ـ ٢٦).

ولأجل ذلك يجب أن تكون الحكومة في المجتمع الإسلامي مأذونة من قبل الله سبحانه ممضاة من جانبه ، وإلّا كانت من حكم الطاغوت ، الذي شجبه القرآن في أكثر من آية.

السابعة : التوحيد في العبادة :

والمراد منه حصر العبادة لله سبحانه وحده وهذا هو الأصل المتفق عليه بين جميع المسلمين بلا اختلاف منهم قديماً ، وفي هذا العصر ، فلا يكون المسلم مسلماً إلّا بعد الاعتراف بهذا الأصل.

بيد أنّ الاتفاق على هذا الأصل لا يستلزم الاتفاق في بعض الأُمور التي وقع الاختلاف في كونها عبادة لغير الله سبحانه ، أو أنّها تكريم واحترام ، وإكبار وتبجيل.

وعلى الجملة فالكبرى ، أعني كون العبادة خاصة الله لا يشاركه فيها شيء ، مما لم يختلف فيها اثنان ، وإنّما الكلام في تشخيص الصغرى وإنّه هل العمل الفلاني

٢٠