قصص الأنبياء عليهم السلام - ج ٢

قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي [ قطب الدين الراوندي ]

قصص الأنبياء عليهم السلام - ج ٢

المؤلف:

قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي [ قطب الدين الراوندي ]


المحقق: عبدالحليم عوض الحلّي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة العلامة المجلسي رحمه الله
المطبعة: عمران
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-91180-3-8
الصفحات: ٤٣٢

الأولى ونسيها أيضا ، فدعا علماء قومه فقال : رأيت رؤيا أخشى أن يكون فيها هلاككم وهلاكي ، فما تأويلها؟ فعجزوا وجعلوا علّة عجزهم دانيال عليه‌السلام ، فأخرجهم ودعا دانيال عليه‌السلام ، فسأله ، فقال : رأيت شجرة عظيمة شديدة الخضرة فرعها في السماء عليها طير السماء ، وفي ظلّها وحوش الأرض وسباعها ، فبينما (١) أنت تنظر إليها قد أعجبك بهجتها ، إذ أقبل ملك يحمل حديدة كالفاس على عنقه ، وصرخ بملك آخر في باب من أبواب السماء يقول له : كيف أمرك الله أن تفعل بالشجرة : أمرك أن تجتثّها من أصلها أم أمرك أن تأخذ بعضها؟

فناداه الملك الأعلى : إنّ الله تعالى يقول : خذ منها وأبق ، فنظرت إلى الملك حتّى ضرب رأسها بفاسه ، فانقطع وتفرّق ما كان عليها من الطير ، وما كان تحتها من السباع والوحوش ، وبقي الجذع لا هيئة له ولا حسن.

فقال بخت نصّر : فهذه الرؤيا رأيتها ، فما تأويلها؟

قال : أنت الشجرة ، وما رأيت في رأسها من الطيور فولدك وأهلك ، وأمّا ما رأيت في ظلّها من السباع والوحوش فخولك ورعيّتك ، وكنت قد أغضبت الله فيما تابعت قومك من عمل الصنم.

فقال بخت نصّر : كيف يفعل ربّك بي؟ قال : يبتليك ببدنك فيمسخك سبع سنين ، فإذا مضت رجعت إنسانا كما كنت أوّل مرّة.

فقعد بخت نصّر يبكي سبعة أيّام ، فلمّا فرغ من البكاء ظهر فوق بيته ، فمسخه الله عقابا فطار ، وكان دانيال عليه‌السلام يأمر ولده وأهل مملكته أن لا يغيّروا من أمره شيئا حتّى يرجع إليهم ، ثمّ مسخه الله في آخر عمره بعوضة ، فأقبل يطير حتّى دخل بيته ، فحوّله الله إنسانا فاغتسل بالماء ولبس المسوح.

ثمّ أمر بالناس فجمعوا ، فقال : إنّي وإيّاكم كنّا نعبد من دون الله ما لا ينفعنا

__________________

(١) في «ر» «س» : (فبينا).

٨١

ولا يضرّنا ، وأنّه قد تبيّن لي من قدرة الله تعالى جلّ وعلا في نفسي أنّه لا إله إلّا الله إله بني إسرائيل ، فمن تبعني فإنّه منّي ، وأنا وهو في الحقّ سواء ، ومن خالفني ضربته بسيفي حتّى يحكم الله بيني وبينكم ، وإنّي قد أجّلتكم إلى الليلة ، فإذا أصبحتم فأجيبوني ، ثمّ انصرف ودخل بيته وقعد على فراشه ، فقبض الله تعالى روحه.

وقصّ وهب قصّته هذه عن ابن عبّاس ثمّ قال : ما أشبه إيمانه بإيمان السحرة (١).

فصل

[في أحوال ابن بخت نصّر]

[٣٢٦ / ٥] ـ ولمّا توفّي بخت نصّر تابع الناس ابنه ، وكانت الأواني التي عملت الشياطين لسليمان بن داود عليهما‌السلام من اللؤلؤ والياقوت غاص عليها الشياطين ، حتّى استخرجوها من قعور الأبحر الصمّ التي لا تعبر فيها السفن ، وكان بخت نصّر غنم كلّ ذلك من بيت المقدس ، وأوردها أرض بابل واستأمر (٢) فيه دانيال ، فقال : إنّ هذه الآنية طاهرة مقدّسة صنعها النبيّ ابن النبيّ الذي يسجد لربّه عزّ وعلا ، فلا تدنّسها بلحم الخنازير وغيرها ، فإنّ لها ربّا سيعيدها حيث كانت ، فلم يطعه (٣) ، واعتزل دانيال وأقصاه وجفاه.

وكانت له امرأة حكيمة نشأت في تأديب دانيال تعظه وتقول : إنّ أباك كان يستغيث (٤) بدانيال فأبى ذلك ، فعمل في كلّ عمل سوءا حتّى عجّت الأرض منه

__________________

(١) عنه في بحار الأنوار ١٤ : ٣٦٩ / ٨ ، وللعلّامة المجلسي بيان خاصّ بشأن هذه الرواية فراجع.

(٢) في البحار : (استعمر).

(٣) المثبت من البحار وهو لم يرد في «ر» «س» ، وفي «ص» «م» : (فأطاعه).

(٤) في «م» : (يستعين).

٨٢

إلى الله تعالى جلّت عظمته ، فبينا هو في عيد إذا بكفّ ملك يكتب على الجدار ثلاثة أحرف ، ثمّ غابت الكفّ والقلم ، وبهتوا ، فسألوا دانيال بحقّ تأويل ذلك المكتوب ، وكان كتب : وزن فخفّ ، وعد فأنجز ، وجمع فتفرّق ، فقال :

أمّا الأوّل : فإنّه عقلك [وزن] فخفّ ، فكان خفيفا في الميزان.

والثاني : وعد أن يملّكك (١) فأنجزه اليوم.

والثالث : فإنّ الله تعالى كان قد جمع لك ولوالدك من قبلك ملكا عظيما ثمّ تفرّق اليوم ، فلا يجتمع إلى يوم القيامة.

فقال له : ثمّ ماذا؟ قال : يعذّبك الله ، فأقبلت بعوضة تطير حتّى دخلت في إحدى منخريه فوصلت إلى دماغه وتؤذيه ، فأحبّ الناس عنده من حمل مرزبة (٢) فيضرب بها رأسه ، ويزداد كلّ يوم ألما إلى أربعين ليلة حتّى مات وصار إلى النار (٣).

[٣٢٧ / ٦] ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا أحمد بن الحسن القطّان ، حدّثنا الحسن بن عليّ السكريّ ، حدّثنا أبو عبد الله محمّد بن زكريّا الجوهريّ ، حدّثنا جعفر بن محمّد بن عمارة ، عن جابر بن يزيد الجعفيّ ، عن الباقر عليه‌السلام سألته عن تعبير الرؤيا عن دانيال عليه‌السلام أهو صحيح؟

قال : نعم كان يوحى إليه ، وكان نبيّا ، وكان ممّن علّمه الله تأويل الأحاديث ، وكان صدّيقا حكيما ، وكان والله يدين بمحبّتنا أهل البيت. قال جابر : بمحبّتكم أهل البيت؟! قال : إي والله ، وما من نبيّ ولا ملك إلّا وكان يدين بمحبّتنا (٤).

__________________

(١) في «م» «ر» «ص» : (أن يملك).

(٢) المرزبة بالتخفيف : المطرقة الكبيرة التي تكون للحداد (النهاية في غريب الحديث ٢ : ٢١٩).

(٣) عنه في بحار الأنوار ١٤ : ٣٧٠ / ٩.

(٤) عنه في بحار الأنوار ١٤ : ٣٧١ / ١٠ وج ٢٦ : ٢٨٤ / ٤١.

٨٣

فصل

[رزق المؤمن من حيث لا يحتسب]

[٣٢٨ / ٧] ـ وعن ابن بابويه ، عن محمّد بن الحسن ، حدّثنا محمّد بن الحسن الصفّار ، عن عليّ بن محمّد القاسانيّ ، عن القاسم بن محمّد الإصفهانيّ ، عن سليمان بن داود المنقريّ ، عن حفص بن غياث النخعيّ ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : من اهتمّ لرزقه كتب عليه خطيئة ، إنّ دانيال عليه‌السلام كان في زمن ملك جبّار (١) فأخذه فطرحه في الجبّ (٢) ، وطرح معه السباع لتأكله ، فلم تدن إليه.

فأوحى الله تعالى جلّت عظمته إلى نبيّ من أنبيائه عليهم‌السلام أن ائت دانيال بطعام ، قال : يا ربّ ، وأين دانيال؟

قال : تخرج من القرية فيستقبلك ضبع (٣) فيدلّك عليه ، فخرج فانتهى به الضبع إلى ذلك الجبّ ، فإذا بدانيال عليه‌السلام فيه ، فأدلى إليه الطعام ، فقال دانيال : الحمد لله الذي لا ينسى من ذكره ، والحمد لله الذي لا يخيب من دعاه (٤) ، والحمد لله الذي يجزي بالإحسان إحسانا وبالصبر نجاة.

ثمّ قال أبو عبد الله عليه‌السلام : أبى الله أن يجعل أرزاق المتّقين إلّا من حيث لا يحتسبون ، وأبى الله أن يقبل شهادة لأوليائه في دولة الظالمين (٥).

__________________

(١) في الأمالي والبحار زيادة : (عات).

(٢) في الأمالي : (جبّ).

(٣) الضبع : سبع كالذئب أكبر من الكلب ، وإذا جرى يكون كأنّه أعرج (الإفصاح في فقه اللغة ٢ : ٨١٩).

(٤) في الأمالي والبحار زيادة : (الحمد لله الّذي من توكّل عليه كفاه ، الحمد لله الّذي من وثق به لم يكله إلى غيره).

(٥) عنه في مستدرك الوسائل ١٣ : ٤٢ / ١ ونقله العلّامة المجلسيّ في بحار الأنوار ١٤ : ٣٦٢ / ٤ ـ

٨٤

[٣٢٩ / ٨] ـ وعن ابن بابويه ، عن أبيه ، حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار ، عن محمّد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعريّ ، حدّثنا السيّاريّ ، عن إسحاق ابن إبراهيم ، عن الرضا عليه‌السلام قال : إنّ الملك قال لدانيال : أشتهي أن يكون لي ابن مثلك ، فقال : ما محلّي من قلبك؟ قال : أجلّ محلّ وعظمة ، قال دانيال : فإذا جامعت فاجعل همّتك فيّ ، قال : ففعل الملك ذلك ، فولد له ابن أشبه خلق الله (١) بدانيال (٢)(٣).

[٣٣٠ / ٩] ـ ثمّ قال أبو عبد الله عليه‌السلام : إنّ شعيبا جعل لموسى عليه‌السلام في بعض السنين الذي كان عنده ، كلّ بلقاء (٤) تضعه غنمه في تلك السنة .. فوضعت كلّها بلق (٥).

وفي هذا الخبر ما يحتاج إلى تأويل ، وهو أنّه لا تأثير لشيء ممّا ذكر

__________________

ـ وج ٩٢ : ١٨٧ / ١١ وج ١٠٠ : ٢٨ / ٤٥ و ٤٦ عنه وعن الأمالي للطوسيّ : ٣٠٠ / ٤٠ واللفظ للأمالي وسنده : عن الفحّام ، عن محمّد بن عيسى بن هارون ، عن إبراهيم بن عبد الصمد ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن الصادق عليه‌السلام .. وفي وسائل الشيعة ١٧ : ٥٦ / ١ عن الأمالي.

وأورده في الخرائج والجرائح ٢ : ٩٤١ باختلاف واختصار ، وابن فهد الحلّيّ في عدّة الداعي : ٨٣ : عن الصادق عليه‌السلام ...

(١) في «ر» «س» : (الخلق).

(٢) قال العلّامة المجلسيّ في البحار ٥٧ : ٣٦٦ في ذيل الحديث : أقول : ذكر الأطبّاء أيضا أنّ للتخيّل في موقع الجماع مدخلا في كيفيّة تصوير الجنين. قال ابن سينا في القانون : قد قال قوم من العلماء ، ولم يعدو عن حكم الجواز أنّ من أسباب الشبه ما يتمثّل حال العلوق في وهم المرأة أو الرجل من الصور الإنسانيّة تمثّلا متمكّنا ، انتهى.

وقال بعضهم : تصوّر رجل عند الجماع صورة حيّة فتولد منه طفل كان رأسه رأس إنسان وبدنه بدن حيّة.

(٣) عنه في بحار الأنوار ١٤ : ٣٧١ / ١١ وج ٥٧ : ٣٦٦ / ٦٥ وقصص الأنبياء للجزائريّ : ٤٨٢.

(٤) قال في الإفصاح ٢ : ١٣٣٥ : البلق والبلقة سواد وبياض في اللون وبلق الفرس كان فيه سواد وبياض.

(٥) عنه في بحار الأنوار ١٣ : ٢٩ (بالمضمون).

٨٥

في الحقيقة في تغيّر هيئة الجنين ، وأمّا الأنبياء فدعواتهم مستجابة وأمورهم عجابة ، وإذا كان شيء ممّا يتعجّب منه من قبل الله تعالى فلا يستنكر فهو سبحانه وتعالى على كلّ شيء قدير (١).

فصل

[أحداث بعد وفاة نبيّ الله سليمان عليه‌السلام]

[٣٣١ / ١٠] ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا أحمد بن الحسن القطّان (٢) ، حدّثنا الحسن ابن عليّ السّكريّ ، حدّثنا محمّد بن زكريّا البصريّ ، حدّثنا جعفر بن محمّد بن

__________________

(١) نعم إنّ الله على كلّ شيء قدير وإنّه عزيز حكيم وحكيم فيما يريد وما ذلك عليه بعزيز ولذا ذكر العلّامة المجلسيّ في البحار (٦٠ : ٣٦٧) ذيل الحديث السابق ما يقرّب وقوع الحقيقة وإن شئت فراجع والغرض من التعليق الإشارة إلى أنّ كلام الشيخ الراونديّ هنا يناقض صدره ذيله فإنّ الاعتقاد بالاقتدار المطلق لله سبحانه لا يجامع الجزم بتأويل عمليّة موسى عليه‌السلام من غرزه عصاه في وسط مربض الأغنام لشعيب عليه‌السلام ، تلك الأغنام التي قال عنها شعيب لموسى عليهما‌السلام : ما وضعت في هذه السنة من غنم بلق فهو لك بعد ما قال له موسى لمّا قضى أجله : لا بدّ لي أن أرجع إلى وطني وأمّي وأهل بيتي فما لي عندك؟ ... فعمد إلى كساء أبلق وألقاه على عصاه المغروز وسط المربض ثمّ أرسل الفحل على الغنم فلم تضع الغنم في تلك السنة إلّا بلقا فأيّ بعد في إعطاء الله سبحانه تأثيرا للعمليّة المزبورة على تحوّل نطف الأغنام وصيرورتها على صورة لون واحد ، وهو الأبلق حسب نطاق هذه الحكاية التي جاءت في البحار عن تفسير القمّيّ برواية مفصّلة صدرها عن أبي جعفر عليه‌السلام وقد روى الراوي ذيلا بهذا المقدار الذي نقلناه عن أبي عبد الله عليه‌السلام والظاهر أنّ الشيخ الراوندي أراد أن يشير إلى صدر الرواية عن أبي جعفر عليه‌السلام ثمّ ينقل المورد المناسب للكلام المتقدّم عن أبي عبد الله عليه‌السلام فذهل عن الصدر وكتب ما هو المقصود ذيلا على نحو الاختصار والاقتباس عنه عليه‌السلام بتعبير : ثمّ قال أبو عبد الله عليه‌السلام ...

وبهذا الجري أصبح ما ادّعيناه في التعليق المتقدّم من وقوع سقط وارتباك في الكلام والنقل صادقا وصحيحا (غلام رضا عرفانيان).

(٢) في «ر» «س» : (العطّار).

٨٦

عمارة ، عن أبيه ، عن الصادق عليه‌السلام قال : لمّا حضر سليمان بن داود صلوات الله عليهما الوفاة أوصى (١) آصف بن برخيا بأمر الله تعالى ، فلم يزل في بني إسرائيل يأخذون منه معالم دينهم ، ثمّ غيّب الله آصف غيبة طال أمدها ، ثمّ ظهر لهم ، فبقي بين قومه ما شاء الله ، ثمّ إنّه ودّعهم وغاب عنهم ، فاشتدّت البلوى على بني إسرائيل بغيبته وتسلّط عليهم بخت نصّر ، فجعل يقتل من يظفر به منهم ، ويسبي ذراريهم ، واصطفى من أهل بيت يهودا (٢) دانيال عليه‌السلام ومن ولد هارون عزيرا عليه‌السلام ، وجعل دانيال في جبّ.

فلمّا تناهت (٣) البلوى به رأى بخت نصّر في المنام كأنّ ملائكة السماء هبطت إلى الأرض أفواجا إلى الجبّ الذي فيه دانيال عليه‌السلام مسلّمين عليه ويبشّرونه بالفرج ، والله تعالى جلّت عظمته كان يبعث برزقه إليه على يد نبيّ عليه‌السلام.

فلمّا أصبح بخت نصّر ندم على ما فعل ، فأتى (٤) دانيال فأخرجه واعتذر إليه ثمّ فوّض إليه الأمر في ممالكه وأفضى (٥) الأمر بعده إلى ابنه واشتدّت البلوى على بني إسرائيل ووعدهم الله تعالى بقيام المسيح عليه‌السلام بعد نيّف وعشرين سنة (٦).

__________________

(١) في البحار زيادة : (إلى).

(٢) في «س» : (يهوذا).

(٣) في «ر» «س» «ص» : (تناهى).

(٤) في «ر» «س» زيادة : (إلى).

(٥) في «ر» «س» : (وأوصى).

(٦) عنه وعن كمال الدين : ١٥٧ / ضمن حديث طويل في بحار الأنوار ١٤ : ٦٧ / ضمن الحديث ٢ بتفاوت في المتن وبهذا الإسناد : القطّان ، عن السكريّ ، عن الجوهريّ ، عن ابن عمارة ، عن أبيه ، عن الصادق عليه‌السلام ...

وانظر البحار ١٣ : ٤٤٨ / ضمن ح ١٠ وج ١٤ : ٣٦٣ / ٥.

٨٧

فصل

في العلامات

[٣٣٢ / ١١] ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا أبو عبد الله الحسين بن عليّ الصوفيّ ، حدّثنا حمزة بن القاسم العبّاسيّ ، حدّثنا جعفر بن محمّد بن مالك الفزاريّ ، حدّثنا محمّد بن الحسين بن زيد الزيّات ، حدّثنا عمرو (١) بن عثمان الخزّاز ، حدّثنا عبد الله بن الفضل الهاشميّ ، عن الصادق عليه‌السلام قال : كان في كتاب دانيال عليه‌السلام أنّه :

إذا كان أوّل يوم من المحرّم يوم السبت فإنّه يكون الشتاء شديد البرد ، كثير الريح ، يكثر فيه الجليد ، وتغلو فيه الحنطة ، ويقع فيه الوباء وموت الصبيان ، وتكثر الحمّى في تلك السنة ، ويقلّ العسل ، وتكثر الكمأة ، ويسلم الزرع من الآفات ويصيب بعض الأشجار آفة وبعض الكروم ، وتخصب السنة ، ويقع بالروم الموتان ، وتغزوهم العرب ويكثر فيهم السبي والغنائم في أيدي العرب ، وتكون الغلبة في جميع المواضع للسلطان بمشيّة الله.

وإذا كان يوم الأحد أوّل المحرّم فإنّه يكون الشتاء صالحا ، ويكثر المطر ، وتصيب بعض الأشجار والزرع آفة ، وتكون أوجاع مختلفة ، وموت شديد ، ويقلّ العسل ، ويكثر في الهوى الوباء والموتان ، ويكون في آخر السنة بعض الغلاء في الطعام ، وتكون الغلبة للسلطان في آخره.

وإذا كان يوم الإثنين أوّل المحرّم فإنّه يكون الشتاء صالحا ، ويكون في الصيف حرّ شديد ، ويكثر المطر في إبّانه (٢) ويكثر البقر والغنم ، ويكثر العسل ، ويرخص

__________________

(١) في «ص» «م» : (عمر) بدلا من : (عمرو).

(٢) في البحار : (أيّامه).

٨٨

الطعام والأسعار في بلدان الجبال ، وتكثر الفواكه فيها ، ويكون موت في النساء ، وفي آخر السنة يخرج خارجيّ على السلطان بنواحي المشرق ، ويصيب بعض فارس غمّ ، ويكثر الزكام في أرض الجبل.

وإذا كان يوم الثلاثاء أوّل المحرّم فإنّه يكون الشتاء شديد البرد ، ويكثر الثلج والجمد بأرض الجبل وناحية المشرق ، ويكثر الغنم والعسل ، ويصيب بعض الأشجار والكروم آفة ، ويكون بناحية المغرب والشام آفة من حدث يحدث في السماء يموت فيه خلق ، ويخرج على السلطان خارجيّ قويّ ، وتكون الغلبة للسلطان ، ويكون في أرض فارس في بعض الغلّات آفة ، وتغلو الأسعار بها في آخر السنة.

وإذا كان يوم الأربعاء أوّل المحرّم فإنّ الشتاء يكون وسطا ، ويكون المطر في القيظ (١) صالحا نافعا مباركا ، وتكثر الثمار والغلّات بالجبال كلّها وناحية جميع المشرق ، إلّا أنّه يقع الموت في الرجال في آخر السنة ، ويصيب الناس بأرض بابل وبالجبل آفة ، وترخص الأسعار ، وتسكن مملكة العرب في تلك السنة ، ويكون الغلبة للسلطان.

وإذا كان يوم الخميس أوّل المحرّم فإنّه يكون الشتاء ليّنا ، ويكثر القمح والفواكه والعسل بجميع نواحي المشرق ، وتكثر الحمّى في أوّل السنة وفي آخرها ، وبجميع أرض بابل في آخر السنة ، ويكون للروم على المسلمين غلبة ثمّ تظهر العرب عليهم بناحية المغرب ، ويقع بأرض السند حروب والظفر لملوك العرب.

وإذا كان يوم الجمعة أوّل المحرّم فإنّه يكون الشتاء بلا برد ، ويقلّ المطر والأودية والمياه ، وتقلّ الغلّات بناحية الجبال مائة فرسخ في مائة فرسخ ، ويكثر الموت في جميع الناس ، وتغلو الأسعار بناحية المغرب ، وتصيب بعض الأشجار

__________________

(١) القيظ : شدّة الحرّ ، والقيظ : الفصل الذي يسميه الناس الصيف (المصباح المنير : ٥٢١).

٨٩

آفة ، ويكون للروم على الفرس كرّة شديدة (١).

القول في علامات كسوف الشمس في الاثني عشر شهرا

[٣٣٣ / ١٢] ـ إذا انكسفت الشمس في المحرّم فإنّ السنة تكون خصيبة إلّا أنّه يصيب الناس أوجاع في آخرها وأمراض ، ويكون من السلطان ظفر ، وتكون زلزلة بعدها سلامة.

وإذا انكسفت في صفر فإنّه يكون فزع وجوع في ناحية المغرب ، ويكون قتال في المغرب كثير ، ثمّ يقع الصلح في ربيع ، والظفر للسلطان.

وإذا انكسفت في ربيع الأوّل فإنّه يكون بين الناس صلح ، ويقلّ الاختلاف ، والظفر للسلطان بالمغرب ، ويعزّ البقر والغنم ، ويتّسع في آخر السنة ، ويقع الوباء في الإبل بالبدو.

وإذا انكسفت في شهر ربيع الآخر فإنّه يكون بين الناس اختلاف كثير ، ويقتل منهم خلق عظيم ، ويخرج خارجيّ على الملك ، ويكون فزع وقتال ، ويكثر الموت في الناس.

وإذا انكسفت في جمادى الأولى فإنّه يكون السعة في جميع الناس بناحية المشرق والمغرب ، ويكون للسلطان إلى الرعيّة نظر ، ويحسن السلطان إلى أهل مملكته ويراعي جانبهم.

وإذا انكسفت في جمادى الآخر فإنّه يموت رجل عظيم بالمغرب ، ويقع ببلاد مصر قتال وحروب شديدة ، ويكون ببلاد المغرب غلاء في آخر السنة.

وإذا انكسفت في رجب فإنّه تعمر الأرض ، وتكون أمطار كثيرة بالجبال وبناحية المشرق ، ويكون جراد بناحية فارس ولا يضرّهم ذلك.

__________________

(١) عنه في بحار الأنوار ٥٥ : ٣٣٠ / صدر الحديث ١.

٩٠

وإذا انكسفت في شعبان يكون سلامة في جميع الناس من السلطان ، ويكون للسلطان ظفر على أعدائه بالمغرب ، ويقع وباء في الجبال في آخر السنة ، ويكون عاقبته إلى سلامة.

وإذا انكسفت في شهر رمضان كان جملة الناس يطيعون عظيم فارس ، وتكون للروم على العرب كرّة شديدة ، ثمّ تكون على الروم ويسبي منهم ويغنم.

وإذا انكسفت في شوّال فإنّه يكون في أرض الهند والزنج قتال شديد ، ويكثر نبات الأرض بالمشرق.

وإذا انكسفت في ذي القعدة فإنّه يكون مطر كثير متواتر ، ويقع خراب بناحية فارس.

وإذا انكسفت في ذي الحجّة فإنّه يكون فيه رياح كثيرة ، وتنقص الأشجار ، ويقع بأرض من المغرب شنع وخراب في كلّ أرض من ناحية المغرب ، وينقص الطعام ويغلو عليهم ، ويخرج خارجيّ على الملك ويصيبه منه شدّة ، ويقلّ طعام أهل فارس ثمّ يرخص في العام الثاني (١).

القول في علامات خسوف القمر طول السنة

[٣٣٤ / ١٣] ـ إذا انكسف القمر (٢) في المحرّم فإنّه يموت رجل عظيم ، وتنقص الفاكهة بالجبال ، ويقع في الناس حكّة ، ويكثر الرمد بأرض بابل ، ويقع الموت ، وتغلو أسعارها ، ويخرج خارجيّ على السلطان والظفر للسلطان ويقتلهم.

وإذا انكسف في صفر فإنّه يكون جوع ومرض ببابل وبلادها حتّى يتخوّف

__________________

(١) عنه في بحار الأنوار ٥٥ : ٣٣٢ / ضمن الحديث ١.

(٢) الظاهر أنّ الخسوف والكسوف بمعنى واحد يستعملان للشمس والقمر وبالعكس ، قال في المصباح المنير : ١٦٩ : وخسف القمر ذهب ضوؤه أو نقص وهو الكسوف أيضا.

٩١

على الناس ، ثمّ تكون أمطار كثيرة ، فتحسن نبات الأرض وحال الناس ، ويكون بالجبال فاكهة كثيرة.

وإذا انكسف في شهر ربيع الأوّل فإنّه يقع بالمغرب قتال ، ويصيب الناس يرقان ، وتكثر فاكهة البلاد بناحية ماه (١) ، ويقع الدود في البقول بالجبل ، ويقع خراب كثير بماه.

وإذا انكسف في شهر ربيع الآخر فإنّه تكثر الأنداء بالجبال ، ويكثر الخصب والمياه ، وتكون السنة مباركة ، ويكون للسلطان الظفر بالمغرب.

وإذا انكسف في جمادى الأولى فإنّه تهراق دماء كثيرة بالبدو ، ويصيب عظيم الشام بليّة شديدة ، ويخرج خارجيّ على السلطان والظفر للسلطان.

واذا انكسف في جمادى الآخرة فإنّه تقلّ الأمطار والمياه بنينوى ، ويقع فيها جوع شديد وغلاء ، ويصيب ملك بابل إلى المغرب بلاء عظيم.

وإذا انكسف في رجب فإنّه يكون بالمغرب موت وجوع ، ويكون بأرض بابل أمطار ، ويكثر وجع العين في الأمصار.

وإذا انكسف في شعبان فإنّ الملك يقتل أو يموت ويملك ابنه ، وتغلو الأسعار ، ويكثر جوع الناس.

وإذا انكسف في شهر رمضان يكون بالجبل برد شديد وثلج ومطر وتكثر المياه ، ويقع بأرض فارس سباع كثيرة ، ويقع بأرض ماه موت كثير بالصبيان والنساء.

وإذا انكسف في شوّال فإنّ الملك يغلب على أعدائه ، ويكون في الناس شرّ وبليّة.

وإذا انكسف في ذي القعدة فإنّه تفتح المدائن الشداد ، وتظهر الكنوز في

__________________

(١) قال في القاموس ٤ : ٢٩٣ : الماه : قصبة البلد ، والماهان الدينور ونهاوند ، أحدهما ماهة الكوفة والاخرى ماهة البصرة.

٩٢

بعض الأرضين والجبال.

وإذا انكسف في ذي الحجّة فإنّه يموت رجل عظيم بالمغرب ، ويدّعي فاجر الملك.

وجميع ذلك إن صحّت الروايات عن دانيال النبيّ عليه‌السلام يجري مجرى الملاحم والحوادث في الدنيا وعلاماتها (١).

[٣٣٥ / ١٤] ـ وقد قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا أراد الله بقوم خيرا أمطرهم بالليل وشمّسهم بالنهار (٢).

[٣٣٦ / ١٥] ـ وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا غضب الله على أمّة ولم ينزل بها العذاب ، غلت أسعارها ، وقصرت أعمارها ، ولم تربح تجّارها ، ولم تزكّ ثمارها ، ولم تغزر أنهارها ، وحبس عنها أمطارها ، وسلّط عليها شرارها (٣).

__________________

(١) عنه في بحار الأنوار ٥٥ : ٣٣٣ / ١. من هنا إلى آخر هذا الباب من إضافات الشيخ الراوندي على روايات الصدوق.

(٢) عنه في بحار الأنوار ٥٥ : ٣٣٤ / ذيل ح ١.

(٣) عنه في بحار الأنوار ٥٥ : ٣٣٤ / ضمن الحديث ١.

ورواه بنفس المتن الكلينيّ في الكافي ٥ : ٣١٧ / ٥٣ : عن أبي عليّ الأشعريّ ، عن الحسن بن عليّ الكوفيّ ، عن العبّاس بن معروف ، عن رجل ، عن مندل بن عليّ العنزيّ ، عن محمّد بن مطرف ، عن مسمع ، عن الأصبغ بن نباتة ، عن أمير المؤمنين ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ...

ورواه الصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه ١ : ٥٢٤ / ١٤٨٩ مرسلا عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله .. ، والخصال : ٣٦٠ / ٤٨ : عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله ، عن الحسن بن عليّ الكوفيّ .. وباقي السند كما جاء في الكافي وعنه في بحار الأنوار ٧٠ : ٣٥٠ / ٤٦ ، والأمالي : ٦٧٨ / ٢٤ : عن عليّ بن الحسين بن شاذويه ، عن محمّد بن عبد الله بن جعفر الحميريّ ، عن أبيه ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن العبّاس بن معروف ، عن عليّ بن الحكم ، عن مندل بن عليّ العنزي .. وباقي السند كما في السابق وعنه في بحار الأنوار ٨٨ : ٣٢٨ / ١٢ ومستدرك الوسائل ٦ : ١٨٩ / ٣. ـ

٩٣

[٣٣٧ / ١٦] ـ وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا منعت الزكاة هلكت الماشية ، وإذا جار الحكّام أمسك القطر من السماء ، وإذا خفرت (١) الذمّة نصر المشركون على المسلمين (٢).

وأمثلة ذلك كثيرة ، والله أعلم بحقيقة ذلك.

__________________

ـ ورواه الطوسيّ في تهذيب الأحكام ٣ : ١٤٨ / ٢ ، وابن شعبة الحرّانيّ في تحف العقول : ٥١ مرسلا عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله .. وعنه في بحار الأنوار ٧٤ : ١٥٥ / ١٢٨ ، وفي وسائل الشيعة ٨ : ١٣ / ٢ عن الفقيه والتهذيب.

(١) جاء في ترتيب كتاب العين ١ : ٥٠٦ : أخفر الذمّة أي : لم يف لمن يجيره.

(٢) عنه في بحار الأنوار ٥٥ : ٣٣٤ / ذيل الحديث ١.

ورواه الصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه ١ : ٥٢٤ / ١٤٨٨ ، والطوسيّ في تهذيب الأحكام ٣ : ١٤٧ / ١ بنفس المتن : عن عبد الرحمن بن كثير ، عن الصادق عليه‌السلام .. وعنهما في وسائل الشيعة ٨ : ١٣ / ١ بزيادة في صدر الحديث : (إذا فشت أربعة ظهرت أربعة : إذا فشى الزنا ظهرت الزلازل ، وإذا أمسكت الزكاة ..) ، وكذا في الخصال للصدوق : ٢٤٢ / ٩٥ : عن جعفر بن عليّ بن الحسن الكوفيّ ، عن جدّه الحسن بن عليّ بن عبد الله بن المغيرة ، عن عليّ بن حسّان ، عن عمّه عبد الرحمن بن كثير الهاشميّ ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام .. وعنه في بحار الأنوار ٧٦ : ٢١ / ١٣ وج ٨٨ : ١٤٧ / ٥ وج ٩٣ : ١٣ / ١٩ وج ٩٧ : ٤٥ / ١.

٩٤

الباب السّادس عشر :

في حديث جرجيس وعزير وحزقيل واليا عليهما‌السلام

٩٥
٩٦

[جرجيس عليه‌السلام يرى ألوان العذاب]

[٣٣٨ / ١] ـ عن ابن بابويه ، حدّثنا الحاكم أبو محمّد جعفر بن محمّد بن شاذان النيسابوريّ ، حدّثنا أبي أبو عبد الله محمّد بن شاذان ، عن الفضل بن شاذان ، عن محمّد بن زياد أبي أحمد الأزديّ (١) ، عن أبان بن عثمان الأحمر ، عن أبان بن تغلب ، عن عكرمة ، عن ابن عبّاس رضى الله عنه قال : بعث الله تعالى جرجيس عليه‌السلام إلى ملك بالشام يقال له : دازانة (٢) يعبد صنما ، فقال له : أيّها الملك ، اقبل نصيحتي ، لا ينبغي للخلق أن يعبدوا غير الله تعالى ولا يرغبوا إلّا إليه ، فقال له الملك : من أيّ أرض أنت؟ قال : من الروم قاطنين بفلسطين.

فأمر بحبسه ، ثمّ مشط جسده بأمشاط من حديد حتّى تساقط لحمه وفضح جسده ، ولمّا (٣) لم يقتل أمر بأوتاد من حديد فضربوها (٤) في فخذيه وركبتيه

__________________

(١) هو محمّد بن أبي عمير الأزدي الثقة المعروف (انظر : فهرست الشيخ : ٤٠٤ / ٦١٨).

(٢) في البحار : (داذانة) ، وفي العرائس : (راذانة).

(٣) في «ر» «س» والبحار : (ونضح جسده بالخل ودلّكه بالمسوح الخشنة ثمّ أمر بمكاوي من حديد تحمى فيكوى بها جسده ، فلمّا) بدلا من : (وفضح جسده ولمّا).

(٤) في «ص» «م» : (فضربها).

٩٧

وتحت قدميه ، فلمّا رأى أنّ (١) ذلك لم يقتله أمر بأوتاد طوال (٢) من حديد فوتّدت (٣) في رأسه فسال منها دماغه ، وأمر بالرصاص فأذيب وصبّ على إثر ذلك ، ثمّ أمر بسانية (٤) من حجارة كانت في السجن لم ينقلها إلّا ثمانية عشر رجلا فوضعت على بطنه ، فلمّا أظلم الليل وتفرّق عنه الناس رآه أهل السجن وقد جاءه ملك ، فقال له : يا جرجيس ، إنّ الله تعالى جلت عظمته يقول : اصبر وأبشر ولا تخف ، إنّ الله معك يخلّصك ، وإنّهم يقتلونك أربع مرّات ، في كلّ ذلك أدفع (٥) عنك الألم والأذى.

فلمّا أصبح الملك دعاه فجلده بالسياط على الظهر والبطن ، ثمّ ردّه إلى السجن ، ثمّ كتب إلى أهل مملكته أن يبعثوا إليه بكلّ ساحر فبعثوا بساحر استعمل كلّ ما قدر عليه من السحر فلم يعمل فيه ، ثمّ عمد إلى سمّ فسقاه ، فقال جرجيس : «بسم الله الّذي يضلّ عند صدقه كذب الفجرة وسحر السحرة» فلم يضرّه.

فقال الساحر : لو أنّي سقيت بهذا السمّ (٦) أهل الأرض لنزعت قواهم ، وشوّهت خلقهم ، وعميت أبصارهم ، وأنت ـ يا جرجيس ـ النور المضيء والسراج المنير والحقّ اليقين ، أشهد أنّ إلهك حقّ وما دونه باطل ، آمنت به وصدّقت رسله وإليه أتوب ممّا فعلت ؛ فقتله الملك.

__________________

(١) قوله : (أنّ) لم يرد في «ر» «س» «ص».

(٢) قوله : (طوال) ليس في «ر» «س».

(٣) في «ر» «س» : (فوقّرت) ، وفي «ص» (فوقدت) ، وفي البحار : (فوقذت) ، وفي الكامل والعرائس : (فسمّر بها رأسه).

(٤) في البحار : (بسارية) ، والسارية : الأسطوانة ، وعند الملّاحين العمود الذي ينصب في وسط السفينة.

(٥) في البحار : (أرفع).

(٦) قوله : (السم) ليس في «ر» «س» «ص» والبحار.

٩٨

ثمّ أعاد جرجيس عليه‌السلام إلى السجن وعذّبه بألوان (١) العذاب ، ثمّ قطّعه أقطاعا (٢) وألقاها في جبّ ، ثمّ خلا الملك الملعون وأصحابه على طعام له وشراب ، فأمر الله تعالى جلّ وعلا أعصارا أنشأت سحابة سوداء وجاءت بالصواعق ورجفت الأرض ، وتزلزلت الجبال حتّى أشفقوا أن يكون هلاكهم ، وأمر الله ميكائيل فقام على رأس الجبّ وقال : قم يا جرجيس بقوّة الله الذي خلقك فسوّاك ، فقام جرجيس عليه‌السلام حيّا سويّا ، وأخرجه من الجبّ وقال : اصبر وابشر.

فانطلق جرجيس حتّى قام بين يدي الملك ، وقال : بعثني الله ليحتجّ بي عليكم (٣) ، فقام صاحب الشرطة وقال : آمنت بإلهك الذي بعثك بعد موتك ، وشهدت أنّه الحقّ ، وجميع الآلهة دونه باطل ، وأتبعه أربعة آلاف آمنوا وصدّقوا جرجيس عليه‌السلام فقتلهم الملك جميعا بالسيف.

ثمّ أمر بلوح من نحاس أوقد عليه النار حتّى احمرّ ، فبسط عليه جرجيس عليه‌السلام وأمر بالرصاص فأذيب وصبّ في فيه ، ثمّ ضرب الأوتاد في عينيه ورأسه ، ثمّ ينزع ويفرغ الرصاص (٤) مكانه ، فلمّا رأى أنّ ذلك لم يقتله أوقد عليه النار حتّى مات ، وأمر برماده فذرّ في الرياح ، فأمر الله تعالى رياح الأرضين في الليلة ، فجمعت رماده في مكان ، فأمر ميكائيل فنادى جرجيس ، فقام حيّا سويّا بإذن الله (٥).

فانطلق جرجيس عليه‌السلام إلى الملك وهو في أصحابه ، فقام رجل وقال : إنّ تحتنا أربعة عشر منبرا ومائدة بين أيدينا ، وهي من عيدان شتّى ، منها ما يثمر ، ومنها ما لا يثمر ، فسل ربّك أن يلبس كلّ شجرة منها لحاها ، وينبت فيها ورقها وثمرها ، فإن

__________________

(١) في «ر» «س» : (بأنواع).

(٢) في «ر» «س» : (قطعا قطعا).

(٣) في «ر» «س» : (عليك).

(٤) في «ص» والبحار : (بالرصاص).

(٥) في «ر» «س» : (بقدرة الله).

٩٩

فعل ذلك فإنّي أصدّقك ، فوضع جرجيس عليه‌السلام ركبتيه على الأرض ودعا ربّه تعالى ، فما برح مكانه حتّى أثمر كلّ عود فيها ثمره (١).

فأمر به الملك فمدّ بين الخشبتين ووضع المنشار على رأسه ، فنشر حتّى سقط المنشار من تحت رجليه ، ثمّ أمر بقدر عظيمة ، فألقي فيها زفت وكبريت ورصاص فألقي فيها جسد جرجيس عليه‌السلام فطبخ حتّى اختلط ذلك كلّه جميعا ، فاظلمت الأرض لذلك ، وبعث الله إسرافيل عليه‌السلام فصاح صيحة خرّ منها الناس لوجوههم ، ثمّ قلب إسرافيل القدر ، فقال : قم يا جرجيس بإذن الله تعالى ، فقام حيّا سويّا بقدرة الله.

وانطلق جرجيس إلى الملك ، فلمّا رآه الناس عجبوا منه ، فجاءته امرأة وقالت :أيّها العبد الصالح ، كان لنا ثور نعيش به فمات ، فقال جرجيس عليه‌السلام : خذي عصاي هذه فضعيها على ثورك وقولي : إنّ جرجيس يقول : قم بإذن الله تعالى ، ففعلت فقام حيّا ، فآمنت بالله.

فقال الملك : إن تركت هذا الساحر أهلك قومي ، فاجتمعوا كلّهم أن يقتلوه ، فأمر به أن يخرج ويقتل بالسيف ، فقال جرجيس عليه‌السلام لمّا أخرج : لا تعجلوا عليّ فقال : «اللهمّ إنّك أهلكت (٢) عبدة الأوثان ، أسألك أن تجعل اسمي وذكري صبرا لمن يتقرّب إليك عند كلّ هول وبلاء» ثمّ ضربوا عنقه فمات ، ثمّ أسرعوا إلى القرية فهلكوا كلّهم (٣).

__________________

(١) في «س» والبحار : (ثمرة).

(٢) في البحار : (اللهمّ إن أهلكت أنت).

(٣) عنه في بحار الأنوار ١٤ : ٤٤٥ / ١ ، قصص الأنبياء للجزائريّ : ٥٠٥ ، وفي العرائس : ٢٤٣ ـ ٢٤٦ ، والكامل في التاريخ ١ : ٢١٤ بتفصيل آخر ، وهذه القصّة مرويّة من طرق العامّة ، وليس لها ذكر في أخبار أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام.

١٠٠