قصص الأنبياء عليهم السلام - ج ٢

قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي [ قطب الدين الراوندي ]

قصص الأنبياء عليهم السلام - ج ٢

المؤلف:

قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي [ قطب الدين الراوندي ]


المحقق: عبدالحليم عوض الحلّي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة العلامة المجلسي رحمه الله
المطبعة: عمران
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-91180-3-8
الصفحات: ٤٣٢

يا بنيّ ، اخلص طاعة الله حتّى لا يخالطها شيء (١) من المعاصي ، ثمّ زيّن الطاعة باتّباع أهل الحقّ ، فإنّ طاعتهم متّصلة بطاعة الله ، وزيّن ذلك بالعلم ، وحصّن علمك بحلم لا يخالطه حمق ، واخزنه بلين لا يخالطه جهل ، وسدّد (٢) بحزم لا يخالطه الضياع ، وامزج حزمك برفق لا يخالطه العنف (٣).

[٢٧٤ / ١٥] ـ وعن سليمان بن داود ، حدّثنا يحيى بن سعيد القطّان ، قال : سمعت الصادق عليه‌السلام يقول : قال لقمان : حملت الجندل (٤) والحديد وكلّ حمل ثقيل ، فلم أحمل شيئا أثقل من جار السوء ، وذقت المرارات كلّها ، فما ذقت (٥) شيئا أمرّ من الفقر (٦).

يا بنيّ ، لا تتّخذ الجاهل رسولا ، فإن لم تصب عاقلا حكيما (٧) يكون رسولك ، فكن أنت رسول نفسك.

يا بنيّ ، اعتزل الشرّ ، يعتزلك (٨).

[٢٧٥ / ١٦] ـ وقال الصادق عليه‌السلام : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : قيل للعبد الصالح لقمان :

__________________

(١) في «ر» «س» والبحار : (ولا تخالطها بشيء).

(٢) في «ر» «س» «ص» : (وشدّد) ، وفي البحار : (وشدّده).

(٣) عنه في بحار الأنوار ١٣ : ٤٢٠ / ١٥.

(٤) الجندل : الصخر العظيم.

(٥) في الأمالي للصدوق : (فلم أذق).

(٦) إلى هنا ورد في الأمالي للصدوق : ٧٦٦ / ذيل الحديث ٥ بنفس المتن : عن محمّد بن موسى بن المتوكّل ، عن عليّ بن الحسين السعد آباديّ ، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقيّ ، عن عليّ بن محمّد القاسانيّ ، عن سليمان بن داود المنقريّ ، عن حمّاد بن عيسى ، عن الصادق عليه‌السلام .. وعنه في بحار الأنوار ١٣ : ٤١٣ / ٣.

وورد في المصنّف لابن أبي شيبة الكوفيّ ٨ : ١٢٣ / ٦ ، ومكارم الأخلاق لابن أبي الدنيا : ١٠٨ / ٣٥١.

(٧) في «ر» «س» : (حليما).

(٨) عنه في بحار الأنوار ١٣ : ٤٢١ / صدر الحديث ١٦ ، وانظر الدرّ المنثور ٥ : ١٦٣.

٢١

أيّ الناس أفضل؟ قال : المؤمن الغنيّ.

قيل : الغنيّ من المال؟ فقال : لا ، ولكن الغنيّ من العلم الذي إن احتيج إليه انتفع بعلمه ، وإن استغنى عنه اكتفى.

وقيل : فأيّ الناس أشرّ؟ قال : الذي لا يبالي أن يراه الناس مسيئا (١).

[٢٧٦ / ١٧] ـ قال : فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : كان فيما وعظ لقمان ابنه أنّه قال : يا بنيّ ، ليعتبر من قصر يقينه وضعف ثقته (٢) في طلب الرزق أنّ الله تعالى خلقه في ثلاثة أحوال من أمره ، وأتاه رزقه ولم يكن له في واحدة منها كسب ولا حيلة ، أنّ الله سيرزقه في الحالة الرابعة.

أمّا أوّل ذلك ، فإنّه كان في رحم أمّه يرزقه هناك في قرار مكين ، حيث لا برد يؤذيه ولا حرّ ، ثمّ أخرجه من ذلك ، وأجرى له من لبن أمّه يربّيه (٣) من غير حول به ولا قوّة ، ثمّ فطم من ذلك فأجرى له من كسب أبويه برأفة ورحمة من قلوبهما (٤) ، حتّى إذا كبر وعقل واكتسب لنفسه ضاق به أمره ، فظنّ الظنون بربّه وجحد الحقوق في ماله وقتّر على نفسه وعياله مخافة الفقر (٥).

__________________

(١) عنه في بحار الأنوار ١٣ : ٤٢١ / ذيل الحديث ١٦.

وورد ذيل الحديث في تفسير مجمع البيان ٨ : ٨٢ ، وفيه : (شرّ) بدلا من : (أشرّ) وعنه في بحار الأنوار ١٣ : ٤٢٥ ، وانظر عيون الحكم والمواعظ الواسطيّ : ٢٩٥.

(٢) في الخصال : (نيّته).

(٣) في الخصال : (لبن أمّه يكفيه به ويربّيه وينعشه).

(٤) في النسخ الأربع : (بلويهما) ، وفي البحار ١٠٠ : ٣٠ (تلويهما) ، والمثبت موافق لما في البحار ١٣ : ٤١٤ ومستدرك الوسائل.

(٥) عنه في بحار الأنوار ١٣ : ٤١٤ / ٥ وج ١٠٠ : ٣٠ / ٥٤ ومستدرك الوسائل ١٣ : ٣٤ / ٦.

ورواه الصدوق في الخصال : ١٢٢ / ١١٤ ، بنفس السند مع تفاوت في المتن وعنه في بحار الأنوار ١٣ : ٤١٤ / ٥ وج ٦٨ : ١٣٦ / ١٧ وتفسير نور الثقلين ٣ : ٥٣٣ / ٤٠.

٢٢

الباب الحادي عشر :

في نبوّة داود عليه‌السلام

٢٣
٢٤

[إدخال السرور على المؤمن]

[٢٧٧ / ١] ـ وبالإسناد المتقدّم عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إنّ الله تعالى أوحى إلى داود عليه‌السلام أنّ العبد من عبادي ليأتيني بالحسنة فأبيحه بها جنّتي ، قال داود : يا ربّ ، وما تلك الحسنة؟

فقال الله عزوجل : يدخل على قلب عبدي المؤمن سرورا ولو بتمرة يطعمها إيّاه ، قال داود عليه‌السلام : حقّ على من عرفك أن لا يقطع رجاءه منك (١).

__________________

(١) عنه في بحار الأنوار ١٤ : ٣٤ / ٥.

وورد في كتاب المؤمن للأهوازي : ٥٦ / ١٤٣ وعنه في مستدرك الوسائل ١٢ : ٣٩٧ / ١٢ ، والكافي ٢ : ١٨٩ / ٥ : عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام .. وعنه في بحار الأنوار ٧١ : ٢٨٩ / ١٨ ، والأمالي للصدوق : ٧٠٠ / ٣ : عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله ، عن الهيثم بن أبي مسروق النهديّ ، عن الحسن بن محبوب .. والباقي مثله وعنه في بحار الأنوار ١٤ : ٣٤ / ٥ وج ٧١ : ٢٨٣ / ١ وعنهما في وسائل الشيعة ١٦ : ٣٥٠ / ٧.

وجاء في الأمالي : ٧٠٠ / ٣ وثواب الأعمال : ١٣٤ : عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله ، عن الهيثم بن أبي مسروق النهدي ، عن الحسن بن محبوب .. والباقي مثله ، وعن الأمالي في بحار الأنوار ١٤ : ٣٤ / ٥ وعنهما فيه ج ٧١ : ٢٨٣ / ١. ـ

٢٥

[٢٧٨ / ٢] ـ وبإسناده عن الحسن بن محبوب ، عن مالك بن عطيّة ، عن أبي حمزة الثماليّ ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إنّ الله تعالى أوحى إلى داود عليه‌السلام : أن بلّغ قومك أنّه ليس من عبد منهم آمره بطاعتي فيطيعني إلّا كان حقّا عليّ أن أعينه على طاعتي ، فإن سألني أعطيته ، وإن دعاني أجبته ، وإن اعتصم بي عصمته ، وإن استكفاني كفيته ، وإن توكّل عليّ حفظته ، وإن كاده جميع خلقي كدت دونه (١).

[٢٧٩ / ٣] ـ وبالإسناد المذكور ، عن محمّد بن أورمة ، عن الحسن بن عليّ (٢) رفعه ، قال : أوحى الله تعالى إلى داود عليه‌السلام : أذكرني في أيّام سرّائك حتّى أستجيب (٣) لك في أيّام ضرّائك (٤).

__________________

ـ وورد الخبر بأسانيد مختلفة في قرب الإسناد : ١١٩ / ٤١٧ وعنه في بحار الأنوار ٧٢ : ١٩ / ١١ ، وعيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ٢٧٩ / ٨٤ ومعاني الأخبار : ٣٧٤ / ١ وعنهما في وسائل الشيعة ١٦ : ٣٧٣ / ٩ وفي بحار الأنوار ١٤ : ٣٥ / ٦ وج ٧٢ : ١٩ / ١٠ عن المعاني والعيون ، وكتاب المؤمن : ٥٦ وعنه في مستدرك الوسائل ١٢ : ٣٩٧ / ١٣.

وورد قريب منه في الأمالي للطوسي : ٥١٥ / ٣٤ وعنه في بحار الأنوار ١٤ : ٣٦ / ١١ وج ٧١ : ٣٠٢ / ٤٣.

وانظره في : اعلام الدين : ٤٤٤ ، وعدّة الداعي : ١٨١.

(١) عنه في بحار الأنوار ١٤ : ٣٧ / ١٣ وج ٦٨ : ١٨٢ / ٤٠.

وأورده ابن فهد الحلّيّ في عدّة الداعي : ٢٩٢ عن أبي جعفر عليه‌السلام .. وعنه في بحار الأنوار ٩٠ : ٣٧٦ / ذيل الحديث ١٦.

(٢) هذا الرجل بقرينة رواية محمّد بن أورمة عنه هو : ابن علي بن أبي حمزة البطائني ، وقد صنعت رسالة في اعتبار الأب والابن ، ورواية ابن أورمة عن الحسن بن علي جاءت أيضا في السند المرقّم ب : ٤٢ و ٣٥٩ و ٣٨٧ ، ولا تنافيها إضافة : (بن محمّد) في موضع لوصحّ السند المرقّم ب : ٣٥٢ ؛ فإنّه بالإمكان أن يكون شخصا آخر من قبيل الحسن بن أبي قتادة ـ علي بن محمّد [رجال النجاشي : ٣٧ / ٧٤] ، وطبقته نفس الطبقة (عرفانيان).

وقد مرّ منّا في الحديث ٤٢ احتمال كون الحسن بن علي هو ابن فضّال ، فراجع.

(٣) في «ر» «س» : (استجب) بدلا من : (حتّى أستجيب).

(٤) عنه في بحار الأنوار ١٤ : ٣٧ / ١٥ وج ٩٠ : ٣٨١ / ٦ ومستدرك الوسائل ٥ : ١٨٢ / ٧. ـ

٢٦

[٢٨٠ / ٤] ـ وعن ابن بابويه (١) ، حدّثنا عليّ بن أحمد ، حدّثنا محمّد بن هارون الصوفيّ ، عن أبي بكر عبيد الله بن موسى ، حدّثنا محمّد بن الحسين الخشّاب ، حدّثنا محمّد بن محصن ، عن يونس بن ظبيان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إنّ الله تعالى أوحى إلى داود عليه‌السلام : مالي أراك منفردا (٢)؟ قال : أي ربّ عاداني الخلق فيك. قال : فماذا تريد؟ قال : محبّتك ، قال : فإنّ محبّتي التجاوز عن عبادي (٣).

[٢٨١ / ٥] ـ وبهذا الإسناد قال : أوحى الله تعالى إلى داود عليه‌السلام : بي فافرح ، وبذكري فتلذّذ ، وبمناجاتي فتنعّم ، فعن قليل أخلي الدار من الفاسقين (٤).

وأوحى الله إليه : مالي أراك وحدانا؟ قال : هجرت الناس فيك (٥) ، وهجروني فيك.

قال : فمالي أراك ساكتا؟ قال : خشيتك أسكتتني (٦).

قال : فمالي أراك نصبا؟ قال : حبّك أنصبني.

قال : فمالي أراك مقترا (٧) وقد أفدتك؟ قال : القيام بحقّك أفقرني.

__________________

ـ ورواه محمّد بن محمّد الأشعث في الأشعثيّات (الجعفريّات) : ٢١٤ ـ ٢١٥ بنفس المتن : عن عبد الله ابن محمّد ، عن محمّد بن محمّد ، عن موسى بن إسماعيل ، عن أبيه ، عن جدّه جعفر بن محمّد عن أبيه ، عن جدّه عليهم‌السلام .. وعنه في مستدرك الوسائل ٥ : ١٨٠ / ١.

(١) في «ر» «س» : (أرومة) ، وفي «ص» «م» : (أورمة) ، والكلّ غلط والمثبت هو الصحيح : (بابويه) فإنّ عليّ بن أحمد هو الدقّاق من مشايخ الشيخ الصدوق بقرينة الرجال الذين بعده في باقي السند ، ويتأيّد ذلك بأسانيد بعض هذا الكتاب.

(٢) في «ر» «س» «ص» : (متفرّدا).

(٣) رواه علي بن الحسين المسعودي في إثبات الوصيّة : ٥٧ مع زيادة في آخر : فإذا رأيت لي مريدا ، فكن له خادما وعنه في مستدرك الوسائل ١٢ : ٤٢٨ / ٤.

(٤) في الأمالي وروضة الواعظين زيادة : (واجعل لعنتي على الظالمين).

(٥) قوله : (فيك) لم يرد في الأمالي.

(٦) في «ر» «س» : (أسكتني).

(٧) في الأمالي : (فقيرا).

٢٧

قال : فمالي أراك متذلّلا؟ قال : عظم جلالك الذي لا يوصف ذلّلني.

قال : فابشر بالفضل منّي فيما تحبّ يوم لقائي (١) : خالط الناس ، وخالقهم بأخلاقهم ، وزائلهم في أعمالهم بدينك تنل ما تريد منّي يوم القيامة (٢).

[٢٨٢ / ٦] ـ وبهذا الإسناد قال : إنّ الله تعالى أوحى إلى داود عليه‌السلام : أنّ العباد تحابّوا بالألسن وتباغضوا بالقلوب ، وأظهروا العمل للدّنيا وأبطنوا الغشّ والدغل (٣).

فصل

[إلهام الله داود القضاء]

[٢٨٣ / ٧] ـ وبإسناده عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن خالد البرقيّ ، عن إسماعيل بن إبراهيم ، عن ابن بكير (٤) ، عن زرارة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إنّ داود عليه‌السلام كان يدعو الله أن يعلّمه (٥) القضاء بين الناس بما هو عنده تعالى الحقّ ، فأوحى الله إليه : يا داود ، أنّ الناس لا يحتملون ذلك وإنّي سأفعل ، وارتفع

__________________

(١) في الأمالي : (تلقاني).

(٢) عنه وعن الأمالي للصدوق : ٢٦٣ / ذيل الحديث ١ في بحار الأنوار ١٤ : ٣٤ / ٣ بتفصيل في السند مع تقديم وتأخير في المتن ، وفي مستدرك الوسائل ٥ : ٣٩٨ / ٣ عن الأمالي.

وورد صدره في روضة الواعظين : ٤٦١ عن الصادق عليه‌السلام إلى قوله : (الفاسقين).

(٣) عنه في بحار الأنوار ١٤ : ٣٧ / ١٤.

(٤) في النسخ : (أبي بكر) ، وما أثبتناه هو الصواب ، وأبي بكر هنا محرّف من ابن بكير وكثرة تصحيفات نسخ الكتاب تقوّي هذا الاحتمال ، ولم نجد رواية أبي بكر عن زرارة وأمّا ابن بكير فزرارة عمّه وهو عمدة مشايخه وقد كثر روايته عنه حتّى اشتهر هذا الطريق ، منها ما رواه محمّد بن خالد البرقي في المحاسن ١ : ٢٤٣ / ٢٣٤ عن «إسماعيل بن إبراهيم عن ابن بكير عن زرارة». (من إفادات سيّدنا الشبيري الزنجاني)

(٥) في «ص» «م» : (أن يسلمه الله) ، وفي البحار : (أن يلهمه الله) بدلا من : (الله أن يعلّمه).

٢٨

إليه رجلان فاستعداه (١) أحدهما على الآخر ، فأمر المستعدى عليه أن يقوم إلى المستعدي فيضرب عنقه ، ففعل ، فاستعظمت بنو إسرائيل ذلك ، وقالت : رجل جاء يتظلّم من رجل ، فأمر الظالم أن يضرب عنقه.

فقال عليه‌السلام : ربّ أنقذني من هذه الورطة.

قال : فأوحى الله تعالى إليه : يا داود ، سألتني أن ألهمك القضاء بين عبادي بما هو عندي (٢) الحقّ ، وأنّ هذا المستعدي قتل أبا هذا المستعدى عليه ، فأمرت بضرب (٣) عنقه قودا بأبيه ، وهو مدفون في حائط كذا وكذا تحت شجرة (٤) كذا ، فأته فناده باسمه فإنّه سيجيبك فسله.

قال : فخرج داود عليه‌السلام وقد فرح فرحا شديدا لم يفرح مثله ، فقال لبني إسرائيل : قد فرّج الله ، فمشى ومشوا معه ، فانتهى إلى الشجرة فنادى : يا فلان ، فقال : لبّيك يا نبيّ الله ، قال : من قتلك؟

قال : فلان ، فقالت بنو إسرائيل : لسمعناه يقول : يا نبيّ الله فنحن نقول كما قال ، فأوحى الله إليه : يا داود ، إنّ العباد لا يطيقون الحكم بما هو الحقّ (٥) فسل المدّعي البيّنة وأضف المدّعى عليه إلى اسمي (٦).

[قضيّة الشيخ والشابّ]

[٢٨٤ / ٨] ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل ، حدّثنا عبد الله

__________________

(١) استعداه أي : استعان به واستنصره.

(٢) قوله : (عندي) لم يرد في «ر» «س».

(٣) في «ص» والبحار والمستدرك : (فضربت) بدلا من : (بضرب).

(٤) في النسخ الأربع : (صخرة) ، والمثبت موافق لما في البحار.

(٥) في «ر» «س» «ص» والبحار والمستدرك : (عندي الحكم) بدلا من : (الحقّ).

(٦) عنه في بحار الأنوار ١٤ : ٥ / ١٣ وقصص الأنبياء للجزائري : ٣٨٠ ومستدرك الوسائل ١٧ : ٣٦٧ / ٣.

٢٩

ابن جعفر الحميريّ ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : إنّ داود عليه‌السلام سأل ربّه أن يريه قضيّة من قضايا الآخرة (١) ، فأتاه جبرئيل عليه‌السلام فقال : لقد سألت ربّك شيئا ما سأله قبلك نبيّ من أنبيائه (٢) صلوات الله عليهم.

يا داود ، إنّ الذي سألت لم يطلع الله عليه أحدا من خلقه (٣) ، فقد أجاب الله دعوتك (٤) ، إنّ أوّل خصمين يردان عليك غدا القضيّة فيهما من قضايا الآخرة ، فلمّا أصبح داود وجلس في مجلس القضاء أتى شيخ متعلّق بشابّ ، ومع الشابّ عنقود من عنب ، فقال الشيخ : يا نبيّ الله! إنّ هذا الشابّ دخل بستاني ، وخرّب كرمي (٥) ، وأكل منه بغير إذني ، قال : فقال داود للشابّ : ما تقول؟ قال : فأقرّ الشابّ بأنّه قد فعل ذلك.

فأوحى الله تعالى إليه : يا داود ، إن كشف (٦) لك من قضايا الآخرة فقضيت بها بين الشيخ والغلام لم يحتملها قلبك ولا يرضى بها قومك. يا داود ، إنّ هذا الشيخ اقتحم على والد هذا الشابّ (٧) في بستانه ، فقتله وغصبه بستانه وأخذ منه أربعين ألف درهم ، فدفنها في جانب بستانه ، فادفع إلى الشابّ سيفا ومره أن يضرب عنق الشيخ ، وادفع إليه البستان ، ومره أن يحفر في موضع كذا من البستان ويأخذ ماله.

__________________

(١) في الكافي والبحار ١٤ : ٦ زيادة : (فأوحى الله إليه : يا داود ، أنّ الذي سألتني لم أطلع عليه أحدا من خلقي ، ولا ينبغي لأحد أن يقضي به غيري ، قال : فلم يمنعه ذلك أن عاد فسأل الله أن يريه قضيّة من قضايا الآخرة قال :).

(٢) في «ر» «س» : (الأنبياء).

(٣) في الكافي والبحار زيادة : (ولا ينبغي لأحد أن يقضي به غيره).

(٤) في الكافي والبحار زيادة : (وأعطاك ما سألت).

(٥) الكرم وزان فلس : العنب (المصباح المنير : ٥٣١).

(٦) في الكافي والبحار : (إن كشفت).

(٧) في الكافي : (أبي هذا الغلام) بدلا من : (والد هذا الشاب).

٣٠

قال : ففزع داود عليه‌السلام من ذلك وجمع علماء أصحابه وأخبرهم بالخبر وأمضى القضيّة على ما أوحى الله إليه (١).

[٢٨٥ / ٩] ـ وبإسناده عن محمّد بن أورمة ، عن فضالة بن أيّوب ، عن داود بن فرقد ، عن إسماعيل بن جعفر ، قال : اختصم رجلان إلى داود عليه‌السلام في بقرة فجاء هذا ببيّنة وجاء هذا ببيّنة على أنّها له ، فدخل داود المحراب ، فقال : يا ربّ ، قد أعياني أن أحكم بين هذين ، فكن أنت الذي تحكم بينهما.

فأوحى الله تعالى إليه : اخرج فخذ البقرة من الذي هي في يده وادفعها إلى الآخر واضرب عنقه ، قال : فضجّت بنو إسرائيل (٢) وقالوا : جاء هذا ببيّنة وجاء هذا ببيّنة مثل بيّنة هذا ، وكان أحقّهما (٣) بإعطائها الذي هي في يده ، فأخذها منه وضرب عنقه وأعطاها الآخر ، فدخل داود المحراب ، فقال : يا ربّ ، قد ضجّت بنو إسرائيل بما حكمت.

فأوحى الله تعالى إليه : إنّ الذي كانت البقرة في يده لقي أبا الآخر فقتله وأخذ البقرة منه ، فإذا جاءك مثل هذا فاحكم بينهم بما ترى ، ولا تسألني أن أحكم بينهم حتّى الحساب (٤).

__________________

(١) عنه وعن الكافي ٧ : ٤٢١ / ١ في بحار الأنوار ١٤ : ٦ / ١٤ ، والسند في الكافي هكذا : عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه وعدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن ابن محبوب ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ... وورد مضمونه في دعائم الإسلام ٢ : ٥١٩ / ضمن الحديث ١٨٥٨ : عن عليّ عليه‌السلام .. وعنه في مستدرك الوسائل ١٧ : ٣٦٢ / ضمن الحديث ٢.

(٢) في الكافي والتهذيب زيادة : (من ذلك).

(٣) في «ر» «س» «ص» والبحار : (أحقّهم).

(٤) عنه في بحار الأنوار ١٤ : ٧ / ١٥.

وورد في الكافي ٧ : ٤٣٢ / ٢١ : عن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة بن أيّوب ، عن داود بن فرقد ، عن إسماعيل بن جعفر قال .. وعنه في بحار الأنوار ١٤ : ٧ / ١٥ ، وتهذيب الأحكام ٦ : ٢٨٧ / ٤ : عن الحسين بن سعيد .. إلى آخر السند في المتن.

٣١

فصل

[تليين الحديد لداود عليه‌السلام]

[٢٨٦ / ١٠] ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا أبي ، عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطيّ ، عن أبي الحسن عليه‌السلام في قوله تعالى لداود : (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ)(١) قال : هي الدرع. والسرد : تقدير الحلقة بعد الحلقة (٢).

[٢٨٧ / ١١] ـ وعن ابن بابويه ، عن محمّد بن الحسن ، حدّثنا محمّد بن الحسن الصفّار ، عن يعقوب بن يزيد ، عن حمّاد بن عيسى ، عن إبراهيم بن عمر (٣) ،

__________________

(١) سبأ : ١٠ ، ولكي يتّضح مضمون الحديث لا بأس بذكر تتمّة الآية : (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ* أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ).

(٢) عنه في بحار الأنوار ١٤ : ٥ / ١٠.

قال ابن حمزة الطوسيّ في الثاقب في المناقب : ١٦٥ / ذيل الحديث ٢ في تفسير الآية (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ) فإنّه ألان له الحديد ليتّخذ له الدروع منه كأنّه الشمعة في يده.

وفي قرب الإسناد للحميريّ : ٣٦٤ / ١٣٠٥ عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال : سألنا الرضا عليه‌السلام : «هل أحد من أصحابكم يعالج السلاح؟ فقلت : رجل من أصحابنا زرّاد ، فقال : إنّما هو السرّاد ، أما تقرأ كتاب الله عزوجل في قول الله لداود عليه‌السلام : (أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ) الحلقة بعد الحلقة.

(٣) في النسخ : (عثمان) ، والصواب ما أثبتناه ، وهو الصنعاني اليماني المترجم في رجال النجاشي ٢٠ / ٢٦ ، ورواية «حمّاد بن عيسى عن إبراهيم بن عمر» مشهور ، وأمّا رواية «يعقوب بن يزيد ، عن حمّاد بن عيسى ، عن إبراهيم بن عمر» فجاء في عدّة من أسانيد الصدوق وغيره (انظر : الكافي ٨ : ١٦٥ / ١٧٩ ، توحيد الصدوق : ٣٥٩ / ١ ، الخصال : ٢٧ / ٩٥ ، مشيخة الفقيه ٤ : ٤٩٥ ، مختصر البصائر : ١٣٢ ، الغيبة : ٢٣٩ / ٢٨٨). وجاء نفس طريقنا في الخصال : ٤٧٧ / ٤١ ، فلاحظ.

وكثرة تصحيف لفظ عثمان وعمر بالآخر وثبوت التحريف في غير مورد من أسانيد نسخ هذا الكتاب تنفي البعد عن كون عثمان هنا مصحّفا من عمر من جهة شيوع إسقاط الألف كتابة في عثمان قديما وكتابته بنحو شبه عمر (من إفادات سيّدنا الشبيري الزنجاني).

٣٢

عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قوله تعالى : (وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ)(١) قال : ذو (٢) القوّة (٣).

[٢٨٨ / ١٢] ـ وبإسناده عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن عليّ بن الحكم ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : كان على عهد داود عليه‌السلام سلسلة تتحاكم (٤) الناس إليها ، وإنّ رجلا أودع رجلا جوهرا ، فجحده إيّاه فدعاه إلى السلسلة ، فذهب معه إليها وقد أدخل الجوهر في قناة ، فلمّا أراد أن يتناول السلسلة قال له : أمسك هذه القناة حتّى آخذ السلسلة (٥) ، فأمسكها ودنا الرجل من السلسلة فتناولها وأخذها وصارت في يده.

فأوحى الله تعالى إلى داود عليه‌السلام : أن احكم بينهم بالبيّنات وأضفهم إلى اسمي يحلفون (٦) به ، ورفعت السلسلة (٧).

[٢٨٩ / ١٣] ـ وعن ابن بابويه ، عن عليّ بن أحمد ، عن محمّد بن أبي عبد الله الكوفيّ ، حدّثنا موسى بن عمران النخعيّ ، عن الحسين بن أبي سعيد ، عن

__________________

(١) سورة ص : ١٧.

(٢) في «ص» «م» والبحار : (ذا).

(٣) عنه في بحار الأنوار ١٤ : ٥ / ١١.

ورواه الصدوق في الاعتقادات : ٢٣ ، والمفيد في تصحيح اعتقادات الإماميّة : ٣٠ / باب تأويل اليد ، والطبرسيّ في مجمع البيان ٨ : ٣٤٩ : عن ابن عبّاس ، ومجاهد.

وورد مضمونه في التوحيد : ١٥٣ / ضمن الحديث ١ وعنه في بحار الأنوار ٤ : ٤ / ٥ ، ومعاني الأخبار : ١٦ / ضمن الحديث ٨.

(٤) في «ر» «س» والبحار : (يتحاكم) ، وفي «ص» : (تحاكم).

(٥) في «ر» «س» : (آخذها) بدلا من : (آخذ السلسلة).

(٦) في «ر» «س» : (ليحلفوا).

(٧) عنه في بحار الأنوار ١٤ : ٨ / ١٦ وج ١٠١ : ٢٩٧ / ٢ وقصص الأنبياء للجزائريّ : ٣٨٠.

وتفصيل هذه القصّة في عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ضمن حديث طويل.

٣٣

أبي بصير ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ما تقول فيما يقول الناس في داود وامرأة أوريا؟ فقال : ذلك شيء تقوّله العامّة (١).

[٢٩٠ / ١٤] ـ وبإسناده عن سعد بن عبد الله ، عن يعقوب بن يزيد ، عن حمّاد بن عيسى ، عن الحسين بن مختار ، عن زيد الشحّام ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : لو أخذت أحدا يزعم أنّ داود وضع يده عليها لحدّدته حدّين : حدّا للنبوّة ، وحدّا لما رماه به (٢).

[شهادة المقترف للذنوب]

[٢٩١ / ١٥] ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا عبد الواحد بن محمّد بن عبدوس النيسابوريّ ، حدّثنا علي بن محمّد بن قتيبة ، حدّثنا حمدان بن سليمان ، عن نوح ابن شعيب ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن صالح بن عقبة ، عن علقمة (٣) قال : قال الصادق عليه‌السلام ـ وقد قلت له : يابن رسول الله ، أخبرني عمّن تقبل شهادته ومن لا تقبل شهادته؟ ـ فقال : يا علقمة ، كلّ من كان على فطرة الإسلام جازت شهادته.

قلت له : تقبل شهادته مقترفا للذنوب (٤)؟ قال : لو لم تقبل شهادة المقترفين

__________________

(١) عنه في بحار الأنوار ١٤ : ٢٦ / ٥ ، وقصص الأنبياء للجزائريّ : ٣٨٩.

(٢) عنه في بحار الأنوار ١٤ : ٢٦ / ٦ وقصص الأنبياء للجزائريّ : ٣٩٠.

قال الشريف المرتضى في تنزيه الأنبياء : ١٣٢ ، والطبرسيّ في تفسير مجمع البيان ٨ : ٣٥٤ : «وقد روي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنّه قال : لا آتي برجل يزعم أنّ داود تزوّج امرأة أوريا ، إلّا جلدته حدّين : حدّا للنبوّة ، وحدّا للإسلام» وفي تفسير نور الثقلين ٤ : ٤٤٦ / ٢٢ عن تفسير مجمع البيان.

وانظر : خريدة القصر وجريدة العصر للعماد الأصفهانيّ : ١٠٦٨ ، ونهاية الإرب في فنون الأدب للنويريّ : ٧٦٤١.

(٣) في النسخ : (صالح بن علقمة) بدلا من : (صالح بن عقبة عن علقمة) ، والمثبت موافق لما في البحار والوسائل بلحاظ مخاطبة الإمام عليه‌السلام في الخبر لعلقمة مكرّرا (عرفانيان).

(٤) في «ر» «س» : (شهادة مقترف الذنوب) ، وفي الأمالي : (شهادة المقترف للذنوب).

٣٤

لما قبلت إلّا شهادة (١) الأنبياء والأوصياء ، لأنّهم معصومون دون سائر الخلق فمن لم تره بعينك يرتكب ذنبا أو لم يشهد عليه بذلك شاهدان فهو من (٢) أهل العدالة والستر ، وشهادته مقبولة (٣) ، ومن اغتابه بما فيه فهو خارج من ولايته.

ولقد حدّثني أبي عن آبائه عليهم‌السلام عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : من اغتاب مؤمنا بما فيه لم يجمع الله بينهما في الجنّة (٤) ، ومن اغتاب مؤمنا بما ليس فيه انقطعت العصمة بينهما ، وكان المغتاب في النار (٥).

قال علقمة : فقلت : إنّ الناس ينسبونا إلى عظائم من الأمور.

فقال : إنّ رضا الناس لا يملك ، وألسنتهم لا تضبط ، وكيف تسلمون ممّا لم يسلم منه أنبياء الله ورسل الله وحجج الله؟ ألم ينسبوا يوسف إلى أنّه همّ بالزنا؟! ألم ينسبوا أيّوب إلى أنّه ابتلي بذنوبه؟! ألم ينسبوا داود إلى أنّه نظر إلى امرأة أوريا فهمّ بها ، وأنّه قدّم زوجها أمام التابوت حتّى قتل وتزوّج بها؟!

ألم ينسبوا موسى عليه‌السلام إلى أنّه عنّين ، وآذوه حتّى برّأه الله ممّا قالوا؟! ألم ينسبوا مريم بنت عمران إلى الزنا؟! ألم ينسبوا نبيّنا محمّد عليه‌السلام إلى أنّه شاعر مجنون؟! ألم ينسبوه إلى أنّه هوى امرأة زيد بن حارثة ولم يزل بها حتّى استخلصها لنفسه ، فاستعينوا بالله واصبروا ، إنّ الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتّقين (٦).

__________________

(١) في الأمالي : (شهادات).

(٢) قوله : (من) لم يرد في «ر» «س» «ص».

(٣) في الأمالي زيادة : (وإن كان في نفسه مذنبا).

(٤) في الأمالي زيادة : (أبدا).

(٥) في الأمالي زيادة : (خالدا فيها وبئس المصير).

(٦) رواه الصدوق في الأمالي : ١٦٣ / ٣ بتفاوت في المتن مع زيادة فيه : عن أبيه ، عن عليّ بن ـ

٣٥

فصل

[تأجيل الموت عن شابّ]

[٢٩٢ / ١٦] ـ وبإسناده عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن عليّ (١) ، عن عليّ بن سوقة ، عن عيسى الفرّاء ، وأبي عليّ العطّار ، عن رجل ، عن الثماليّ ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : بينا داود عليه‌السلام جالس وعنده شابّ رثّ الهيئة يكثر الجلوس عنده ويطيل الصّمت إذ أتاه ملك الموت ، فسلّم عليه وأحدّ ملك الموت النظر إلى الشابّ ، فقال داود عليه‌السلام : نظرت إلى هذا؟

فقال : نعم ، إنّي أمرت بقبض روحه إلى سبعة أيّام في هذا الموضع ، فرحمه داود ، فقال : يا شابّ ، هل لك امرأة؟ قال : لا وما تزوّجت قطّ. قال داود : فأت

__________________

ـ محمّد ابن قتيبة .. إلى آخر السند في المتن وعنه في بحار الأنوار ٦٧ : ٢ / ٤ بتمامه وفي ج ٧٢ : ٢٤٧ / ١٢ وج ٨٥ : ٣٤ وج ١٠١ : ٣١٤ / ١ إلى قوله : (وبئس المصير) ، وروى صدره الحرّ العاملي في وسائل الشيعة ٢٧ : ٣٩٥ / ١٣ من كتاب الشهادات ، وقطعة منه في ج ١٢ : ٢٨٥ / ٢٠ من أبواب أحكام العشرة.

(١) في الموضعين من البحار (الوشاء) بدلا من : (الحسن بن علي) ، ولعلّه اختار العلّامة المجلسي قدس‌سره كون المراد من الحسن هو الوشاء فرواه عنه بعنوان الوشاء الذي هو اختصار من الحسن بن علي الوشاء ، وهو غير معلوم لاحتمال كون الحسن هو الحسن بن علي بن فضّال. ثمّ إنّي لم أجد (علي بن سوقة) مع الفحص في غير هذا الموضع ، والموجود في الأسانيد (علي بن سويد) ، وفي موضع (علي بن سورة) فاحتمال التصحيف هنا غير بعيد. (من إفادات السيّد الشبيري الزنجاني)

وأيضا لا يبعد كون الصواب : (عليّ بن عقبة) فقد تكرّرت رواية الحسن بن علي بن فضّال عن عليّ بن عقبة ، وكذلك ورد رواية الحسن بن عليّ بن فضّال عن عيسى الفرّاء في الكافي ٤ : ٢٥١ / ١٢ و ٢٤٤ / ٢ ، التهذيب ٣ : ٢٣٨ و ٥ : ٤٤٣. وكأنّ المراد من أبي عليّ العطار هو الحسن بن عليّ العطار الذي روى ابن فضّال عنه في الكافي ١ : ٣٤٢ / ٢٨ ، واحتمال إرادة داود بن أبي يزيد العطّار بعيد ؛ فلاحظ. (الموسوي)

٣٦

فلانا ـ رجلا كان عظيم القدر في بني إسرائيل ـ فقل له : إنّ داود يأمرك أن تزوّجني ابنتك ، وتدخلها الليلة عليّ ، وخذ من النفقة ما تحتاج إليه وكن عندها ، فإذا مضت سبعة أيّام فوافني في هذا الموضع.

فمضى الشابّ برسالة داود عليه‌السلام ، فزوّجه الرجل ابنته ، وأدخلها عليه وأقام عندها سبعة أيّام ، ثمّ وافى داود اليوم الثامن ، فقال له داود : يا شابّ ، كيف رأيت ما كنت فيه؟ قال : ما كنت في نعمة ولا سرور قطّ أعظم ممّا كنت فيه.

قال داود : اجلس ، فجلس وداود ينتظر أن تقبض روحه ، فلمّا طال قال : انصرف إلى منزلك فكن مع أهلك ، فإذا كان اليوم الثامن فوافني هيهنا.

فمضى الشابّ ، ثمّ وافاه اليوم الثامن وجلس عنده ، ثمّ انصرف أسبوعا آخر ، ثمّ أتاه وجلس فجاء ملك الموت إلى داود ، فقال داود : ألست حدّثتني بأنّك أمرت بقبض روح هذا الشابّ إلى سبعة أيّام.

قال : بلى ، فقال : قد (١) مضت ثمانية وثمانية وثمانية؟ قال : يا داود ، إنّ الله تعالى رحمه برحمتك له ، فأخّر في أجله ثلاثين سنة (٢).

فصل

[يا داود حبّبني إلى خلقي]

[٢٩٣ / ١٧] ـ وبإسناده عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن النضر (٣) ، عن إسرائيل ، رفعه إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : قال الله عزوجل لداود عليه‌السلام : أحببني وحبّبني إلى خلقي ، قال : يا ربّ ، نعم أنا أحبّك ، فكيف أحبّبك إلى خلقك؟ قال : اذكر أياديّ

__________________

(١) في «ص» «م» : (فقد) بدلا من : (قال : بلى ، فقال : قد).

(٢) عنه في بحار الأنوار ٤ : ١١١ / ٣١ ، وج ١٤ : ٣٨ / ١٧ ، وقصص الأنبياء للجزائريّ : ٣٩٤.

(٣) في النسخ : (بن نصر) ، والمثبت موافق لما في البحار (انظر : معجم رجال الحديث ٣ : ١٤٢ ـ ١٤٤).

٣٧

عندهم ، فإنّك إذا ذكرت لهم ذلك أحبّوني (١).

[تنصيب سليمان بعد داود عليهما‌السلام]

[٢٩٤ / ١٨] ـ وعن ابن بابويه ، عن أبيه (٢) ، حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار ، عن الحسين بن الحسن بن أبان ، عن محمّد بن أورمة ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن حنان بن سدير ، حدّثنا أبو الخطّاب ، عن العبد الصالح عليه‌السلام ، قال : إنّ الله تعالى أوحى إلى داود عليه‌السلام أن استخلف سليمان على قومك ، فصعد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال : إنّ الله أوحى إليّ أن استخلف سليمان عليكم فضجّت رؤوس أسباط بني إسرائيل من ذلك وقالوا : غلام حدث يستخلف علينا وفينا من هو أعلم منه.

فقال لهم داود عليه‌السلام : أروني عصيّكم فأيّ عصا أثمرت لأحد فهو وليّ الأمر من بعدي ، فقالوا : قد رضينا ، فجاؤوا بعصيّهم.

فقال داود : ليكتب كلّ رأس منكم اسمه على عصاه ، فكتبوا ، ثمّ جاء سليمان بعصاه فكتب عليها اسمه ثمّ أدخلت بيتا وأغلق الباب وشدّ بالأقفال وحرسه رؤوس أسباط بني إسرائيل ، فلمّا أصبح صلّى بهم الغداة ، ثمّ أقبل ففتح الباب ، فأخرج عصيّهم قد أورقت وعصا سليمان قد أثمرت ، قال : فسلّموا ذلك لداود.

ولمّا أراد أن يعلم حكمة سليمان قال : يا بنيّ ، أيّ شيء أبرد؟ قال : عفو الله عن الناس ، وعفو بعضهم عن بعض.

فقال : يا بنيّ ، أيّ (٣) شيء أحلى؟ قال : المحبّة وهو روح الله في عباده ،

__________________

(١) عنه في بحار الأنوار ١٤ : ٣٧ / ١٦ وج ٦٧ : ٢٢ / ١٩.

(٢) عبارة : (عن أبيه) ليست في النسخ ، وأضفناها من البحار. لأنّ الصدوق لم ينقل عن العطّار بلا واسطة ، بل الواسطة بينهما غالبا أبوه.

(٣) في «ر» «س» : (فأيّ).

٣٨

فافترّ (١) ضاحكا (٢).

[صبر خلادة بنت أوس]

[٢٩٥ / ١٩] ـ وبإسناده عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن ابن أبي عمير ، عن أبان بن عثمان ، عن الحلبيّ ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : أوحى الله تعالى إلى داود عليه‌السلام أنّ خلادة بنت أوس : بشّرها بالجنّة ، وأعلمها أنّها قرينتك في الجنّة ، فانطلق إليها فقرع الباب عليها ، فخرجت وقالت : هل نزل فيّ شيء؟!

قال : نعم. قالت : وما هو؟ قال : إنّ الله تعالى أوحى إليّ وأخبرني أنّك قرينتي في الجنّة ، وأن أبشّرك بالجنّة ، قالت : أو يكون اسم وافق اسمي؟

قال : إنّك لأنت هي ، قالت : يا نبيّ الله ما أكذّبك ولا والله ما أعرف من نفسي ما وصفتني به.

قال داود : أخبريني عن ضميرك وسريرتك ما هو؟ قالت : أمّا هذا فسأخبرك به. أخبرك أنّه لم يصبني وجع قطّ نزل بي كائنا ما كان ، ولا نزل بي ضرّ حاجة وجوع كائنا ما كان إلّا صبرت عليه ، ولم أسأل الله كشفه عنّي حتّى يحوّله الله عنّي إلى العافية والسعة ، ولم أطلب بها بدلا ، وشكرت الله عليها وحمدته.

فقال داود عليه‌السلام : فبهذا بلغت ما بلغت ، ثمّ قال أبو عبد الله عليه‌السلام : وهذا دين الله الذي ارتضاه للصالحين. (٣)

__________________

(١) افترّ : أي : ضحك ضحكا حسنا.

(٢) عنه في بحار الأنوار ١٤ : ٦٧ / ٢ ، ورواه الصدوق في كمال الدين : ١٥٦ / ضمن الحديث ١٧ باختلاف مع تقديم وتأخير في العبارات بسنده عن القطّان ، عن السكريّ ، عن الجوهريّ ، عن ابن عمارة ، عن أبيه ، عن الصادق عليه‌السلام .. وعنه في بحار الأنوار ١٣ : ٤٤٦ / ضمن الحديث ١٠ وج ١٤ : ٦٧ / ٢.

(٣) عنه في بحار الأنوار ١٤ : ٣٨ / ١٨ وج ٦٨ : ٨٩ / ٤٢. ـ

٣٩

فصل

[تفسير آية اللعن]

[٢٩٦ / ٢٠] ـ وبإسناده عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن عليّ بن رئاب ، عن أبي عبيدة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قوله تعالى جلّ ذكره : (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ)(١) فقال : الخنازير على لسان داود عليه‌السلام ، والقردة على لسان عيسى عليه‌السلام (٢).

وقال : إنّ اليهود أمروا بالإمساك يوم الجمعة ، فتركوا وأمسكوا يوم السبت ، فحرم عليهم الصيد يوم السبت ، فعمد رجال من سفهاء القرية فأخذوا من الحيتان ليلة السبت وباعوا ، ولم تنزل (٣) بهم عقوبة فاستبشروا وفعلوا ذلك سنين ، فوعظهم الله (٤) طوائف ، فلم يسمعوا وقالوا : لم تعظون قوما الله مهلكهم ،

__________________

ـ وأورده الطبرسيّ في مشكاة الأنوار : ٦٠ بتفاوت يسير مع تقديم وتأخير : عن الحلبيّ ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام .. وعنه في بحار الأنوار ٦٨ : ٩٧ / ٦٤.

(١) المائدة : ٧٨.

(٢) عنه في بحار الأنوار ١٤ : ٥٤ / صدر الحديث ٧.

وورد بنفس المتن في الكافي ٨ : ٢٠٠ / ٢٤٠ : عن عدّة من أصحابه ، عن سهل بن زياد ، عن ابن محبوب .. إلى آخر السند في المتن وعنه في قصص الأنبياء للجزائريّ : ٤٠٤ ، وتفسير العيّاشيّ ١ : ٢٣٥ / ١٦٠ : عن أبي عبيدة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام .. وعنهما في بحار الأنوار ١٤ : ٦٢ / ١٤ وص ٢٣٥ / ٦.

وتفسير القمّيّ ١ : ١٧٦ : عن أبيه ، عن هارون بن مسلم ، عن مسعدة بن صدقة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام .. وعنه في بحار الأنوار ١٤ : ٦٣ / ١٥ ووسائل الشيعة ١٧ : ١٩٠ / ١٠ وتفسير نور الثقلين ١ : ٦٦٠ / ٣٠٩.

(٣) في «ر» «س» «ص» : (ينزل).

(٤) قوله : (الله) لم يرد في «ر» «س».

٤٠