قصص الأنبياء عليهم السلام - ج ٢

قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي [ قطب الدين الراوندي ]

قصص الأنبياء عليهم السلام - ج ٢

المؤلف:

قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي [ قطب الدين الراوندي ]


المحقق: عبدالحليم عوض الحلّي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة العلامة المجلسي رحمه الله
المطبعة: عمران
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-91180-3-8
الصفحات: ٤٣٢

رداءه على قدميه من شدّة الرمضاء ، فصعد على تلك الرحال حتّى صار في ذروتها ، ودعا عليّا عليه‌السلام فرقى معه حتّى قام عن يمينه.

ثمّ خطب فحمد الله وأثنى عليه ووعظ ، ونعى إلى الأمّة نفسه ، فقال : «إنّي دعيت ويوشك أن أجيب ، وقد آن (١) منّي خفوق من بين أظهركم ، وإنّي مخلّف فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، فإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض».

ثمّ نادى بأعلى صوته : «ألست أولى بكم منكم بأنفسكم؟ قالوا : بلى ، فقال لهم ـ على النسق وقد أخذ بضبعي (٢) عليّ حتّى رئي بياض إبطيهما ـ وقال : «من كنت مولاه فعليّ مولاه ، اللهمّ وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله».

ثمّ نزل وأمر عليّا عليه‌السلام أن يجلس في خيمة ، ثمّ أمر الناس أن يدخلوا عليه فوجا فوجا ويهنّئوه بالإمامة ، ويسلّموا عليه بإمرة المؤمنين.

وأنشأ حسّان بن ثابت :

يناديهم يوم الغدير نبيّهم

بخمّ واسمع بالرّسول مناديا

الأبيات (٣).

__________________

(١) في إعلام الورى : (حان).

(٢) الضبع : العضد (الصحاح ٣ : ١٢٤٧).

(٣)

وقال : ومن مولاكم ووليّكم؟

فقالوا ولم يبدوا هناك التعاديا

إلهك مولانا وأنت وليّنا

ولن تجدن منّا لك اليوم عاصيا

فقال له : قم يا عليّ فإنّني

رضيتك من بعدي إماما وهاديا

فمن كنت مولاه فهذا وليّه

وكن للّذي عادى عليّا معاديا

وفي إعلام الورى ١ : ٢٦٢ : ـ

٢٨١

ولم يبرح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من المكان حتّى نزل : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً)(١) فقال : الحمد لله على كمال الدين وتمام النعمة ورضا الربّ برسالتي والولاية لعليّ عليه‌السلام من بعدي (٢).

[جيش أسامة]

[٥٠٣ / ٤٤] ـ ولمّا قدم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله المدينة من حجّة الوداع بعث أسامة بن زيد ، وأمره أن يقصد إلى حيث قتل أبوه ، وأمّره على وجوه المهاجرين والأنصار ، وفيهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة ، وعسكر أسامة بالجرف (٣) ، واشتكى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله شكايته التي توفّي فيها ، وكان صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : نفّذوا جيش أسامة ، ويكرّر ذلك ، وإنّما فعل ذلك صلى‌الله‌عليه‌وآله لئلّا يبقى في المدينة عند وفاته من يتخلّف في الإمامة ويطمع في الإمارة ، ويستوثق الأمر لأهل بيته : عليّ ومن بعده (٤).

فصل

[في قصّة وفاة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله]

[٥٠٤ / ٤٥] ـ ولمّا أحسّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بالمرض الذي اعتراه أخذ بيد عليّ عليه‌السلام وقال :

__________________

ـ

فمن كنت مولاه فهذا وليّه

فكونوا له أنصار صدق مواليا

هناك دعا اللهمّ وال وليّه

وكن للّذي عادى عليّا معاديا

(١) المائدة : ٣.

(٢) إعلام الورى ١ : ٢٦٢ وعنه في بحار الأنوار ٢١ : ٣٨٩ / ١٢ ، وانظر : إرشاد المفيد ١ : ١٧٣ ، تاريخ اليعقوبيّ ٢ : ١٠٩.

(٣) الجرف : ناحية قريبة من أعمال المدينة على نحو من ثلاثة أميال (المصباح المنير : ٩٧).

(٤) إعلام الورى ١ : ٢٦٣ وعنه في بحار الأنوار ٢ : ٤٦٥ / ١٩ ، وانظر : الإرشاد للمفيد ١ : ١٨٠ ، سيرة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لابن هشام ٤ : ٣٠٠.

٢٨٢

أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم ، وأنّ جبرئيل كان يعرض عليّ القرآن كلّ سنة مرّة ، وقد عرض عليّ العام مرّتين ، ولا أراه إلّا لحضور أجلي.

ثمّ قال : إنّي خيّرت ـ يا عليّ ـ بين خزائن الدنيا والخلود فيها [أو الجنّة](١) ، فاخترت لقاء ربّي فإذا أنا متّ فغسّلني (٢) ، واستر عورتي فإنّه لا يراها أحد إلّا أكمه ، فمكث ثلاثة أيّام موعوكا (٣) ، ثمّ خرج إلى المسجد معصوب الرأس متّكئا على عليّ عليه‌السلام بيمينه وعلى الفضل بن العبّاس باليد الأخرى ، فجلس على المنبر وخطب.

ثمّ قال : أيّها الناس ، إنّه ليس بين الله وبين أحد شيء يعطيه به خيرا ويصرف عنه شرّا إلّا العمل [الصالح](٤). أيّها الناس ، لا يدّع مدّع ولا يتمنّ متمنّ ، والذي بعثني بالحقّ نبيّا لا ينجي إلّا عمل مع رحمة الله ولو عصيت لهويت.

ثمّ نزل ودخل بيته ، وكان في بيت أمّ سلمة ، فجاءت عائشة تسأله أن ينتقل إليها لتتولّى تعليله ، فأذن لها وانتقل إلى البيت الذي أسكنه عائشة ، فاستمرّ المرض به أيّاما وثقل ، فجاء بلال عند صلاة الصبح ، فنادى : الصلاة.

فقال : يصلّي بالناس بعضهم ، فقالت عائشة : مروا أبا بكر ، وقال حفصة : مروا عمر ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أكففن فإنّكنّ صويحبات يوسف ، ثمّ قال : وهو لا يستقل على الأرض من الضعف ، وقد كان عنده أنّهما خرجا إلى أسامة ، فأخذ بيد عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام والفضل فاعتمدهما ورجلاه يخطّان الأرض من الضعف ، فلمّا خرج إلى المسجد وجد أبا بكر قد سبق إلى المحراب ، فأومأ بيده إليه ، فتأخّر

__________________

(١) ما بين المعقوفين من إعلام الورى ١ : ٢٦٤.

(٢) في «ر» «س» : (فغسّلني).

(٣) موعوكا أي محموما.

(٤) ما بين المعقوفين أثبتناه من إعلام الورى ١ : ٢٦٤.

٢٨٣

أبو بكر وقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وكبّر وابتدأ بالصلاة.

فلمّا سلّم وانصرف إلى بيته استدعى أبا بكر وعمر وجماعة من حضر المسجد وقال : ألم آمركم أن تنفّذوا جيش أسامة؟ فقال أبو بكر : إنّي كنت خرجت ، ثمّ عدت لأحدث (١) بك عهدا ، وقال عمر : إنّي لم أخرج لأنّي لم أحبّ أن أسأل عنك الركب ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : نفّذوا جيش أسامة ، يكرّرها ثلاث مرّات ، ثمّ أغمي عليه من التعب الذي لحقه.

ثمّ أفاق وقال : ائتوني بدواة وكتف (٢) أكتب لكم كتابا لا تضلّوا بعده أبدا ، فقال عمر لمن قام يلتمس الدواة والكتف : ارجع فإنّه يهجر. فلمّا أفاق ، قال بعضهم : ألا نأتيك يا رسول الله بدواة وكتف؟ فقال : «بعد الذي قلتم؟ لا. ولكن احفظوني في أهل بيتي ، وأطعموا المساكين ، وحافظوا على الصلاة ، وما ملكت أيمانكم» فلم يزل يردّد ذلك ، ثمّ أعرض بوجهه عن القوم ، فنهضوا وبقي عنده عليّ والعبّاس والفضل وأهل بيته ، فقال العبّاس : يا رسول الله ، إن يكن هذا الأمر مستمرّا فينا (٣) من بعدك فبشّرنا وإن كنت تعلم أنّنا نغلب عليه فأوص بنا ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنتم المستضعفون من بعدي وأصمت ونهض القوم وهم يبكون.

فلمّا خرجوا من عنده ، قال : ردّوا عليّ أخي عليّ بن أبي طالب وعمّي ، فلمّا استقرّ بهما المجلس ، قال : يا عمّ ، تقبل وصيّتي وتنجز وعدي وتقضي ديني؟

فقال : يا رسول الله ، عمّك شيخ كبير ذو عيال وأنت تباري الريح سخاء ، ثمّ قال لعليّ عليه‌السلام : يا عليّ ، تقبل وصيّتي وتنجز عدتي وتقضي ديني؟ فقال : نعم يا رسول الله.

__________________

(١) في «ر» «س» : (رجعت) ، وفي «ص» : (خرجت) ، وفي البحار : (عدت لأجدد).

(٢) قال في النهاية ٤ : ١٥٠ : الكتف عظم عريض يكون في أصل كتف الحيوان من الناس والدواب ، كانوا يكتبون فيه لقلّة القراطيس عندهم.

(٣) في إعلام الورى : (إن يكن هذا الأمر فينا مستقرّا).

٢٨٤

فقال : ادن منّي ، فدنا منه ، فضمّه إليه ونزع خاتمه من يده ، وقال له : خذ هذا فضعه في يدك ، ودعا بسيفه ودرعه وجميع لامته ، فدفع ذلك إليه ، والتمس عصابة كان يشدّها على بطنه إذا لبس درعه نزل بها جبرئيل ، فجيء بها فدفعها إلى عليّ عليه‌السلام ، وقال : اقبض هذا في حياتي ، ودفع إليه بغلته وسرجها ، وقال : امض على خيرة (١) الله تعالى إلى منزلك.

فلمّا كان من الغد حجب الناس عنه وثقل في مرضه ، وكان عليّ عليه‌السلام لا يفارقه إلّا لضرورة ، فلمّا قرب خروج نفسه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ضع رأسي ـ يا عليّ ـ في حجرك ، فقد جاء أمر الله ، فإذا فاضت روحي فتناولها بيدك ، وأمسح بها وجهك ، ثمّ وجّهني إلى القبلة وتولّ أمري ، وصلّ عليّ أوّل الناس ، ولا تفارقني حتّى تواريني في رمسي (٢).

[مراسيم التغسيل والدفن لبدنه صلى‌الله‌عليه‌وآله]

[٥٠٥ / ٤٦] ـ وتوفّي صلى‌الله‌عليه‌وآله لليلتين بقيتا من صفر سنة عشر (٣) من الهجرة ، ولمّا أراد عليّ عليه‌السلام غسله استدعى بالفضل بن عبّاس ، فأمره أن يناوله الماء بعد أن عصّب عينيه ، فشقّ قميصه من قبل جيبه حتّى بلغ إلى سرّته ، وتولّى غسله وتحنيطه وتكفينه والفضل يناوله الماء.

__________________

(١) في «ر» «س» : (بركة).

(٢) إعلام الورى ١ : ٢٦٦ وعنه في بحار الأنوار ٢٢ : ٤٦٦.

(٣) في البحار ٢٢ : ٤١٥ : قبض النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم الاثنين لليلتين بقيتا من صفر سنة إحدى عشرة من الهجرة ، ثمّ قال : بيان : هذا هو الموافق لما ذكره أكثر الإماميّة ، ثمّ نقل عن التهذيب وإعلام الورى : أنّه قبض سنة عشر من الهجرة ، ثمّ قال بعد فصل قليل : بيان : لعلّ قوله «سنة عشر» مبنيّ على اعتبار سنة الهجرة من أوّل ربيع الأوّل حيث وقع الهجرة فيه ، والذين قالوا : سنة إحدى عشرة بنوه على المحرّم وهو أشهر ، وفي مرآة العقول (٥ : ١٧٤) نصّ على ذلك أيضا ، وانظر المقنعة : ٤٥٦ ، تهذيب الأحكام ٦ : ٢.

٢٨٥

فلمّا فرغ تقدّم فصلّى عليه ، ثمّ قال الناس : كيف الصلاة عليه؟ فقال عليّ عليه‌السلام : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إمامنا حيّا وميّتا ، فدخل عشرة عشرة فصلّوا عليه ، ثمّ خاضوا في موضع دفنه ، فقال عليّ عليه‌السلام : إنّ الله تعالى لم يقبض نبيّه في مكان إلّا ورضيه لمضجعه ، فرضي الناس أن يدفن في الحجرة التي توفّي فيها ، وحفر أبو طلحة وكان عليّ والعبّاس والفضل وأسامة يتولّون دفنه ، وأدخل عليّ من الأنصار أوس بن خولي من بني عوف من الخزرج وكان بدريّا ، فقال له عليّ عليه‌السلام : انزل القبر ، فنزل ووضع عليّ عليه‌السلام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على يديه ، ثمّ دلّاه في حفرته ، ثمّ قال له : اخرج ، فخرج ونزل عليّ عليه‌السلام فكشف عن وجه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ووضع خدّه على الأرض موجّها إلى القبلة على يمينه ، ثمّ وضع عليه اللبن وهال عليه التراب وانتهزت الجماعة الفرصة لاشتغال بني هاشم برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وجلوس عليّ عليه‌السلام للمصيبة (١).

فصل

[ذكر أوصياء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله]

[٥٠٦ / ٤٧] ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمدانيّ ، حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، حدّثنا ابن أبي عمير ، عن غياث بن إبراهيم ، عن الصادق عن آبائه عليهم‌السلام قال : سئل أمير المؤمنين عليه‌السلام عن معنى قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّي مخلّف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي ، من العترة؟

فقال : أنا والحسن والحسين والأئمّة التسعة من ولد الحسين ، تاسعهم مهديّهم وقائمهم ؛ لا يفارقون كتاب الله ولا يفارقهم حتّى يردوا على رسول الله حوضه (٢).

__________________

(١) إعلام الورى ١ : ٢٦٩ وعنه في بحار الأنوار ٢٢ : ٥٢٩ / ٣٥ ، وانظر : الإرشاد للمفيد ١ : ١٨٨.

(٢) إعلام الورى ٢ : ١٨٠ ، وانظر : كمال الدين : ٢٤٠ / ٦٤ ، عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٥٧ / ٢٥ وعنهما بحار الأنوار ٢٣ : ١٤٧.

٢٨٦

[٥٠٧ / ٤٨] ـ قال : وحدّثنا غير واحد من أصحابنا ، عن محمّد بن همّام ، عن جعفر بن محمّد بن مالك الفزاريّ ، عن الحسن بن محمّد بن (١) سماعة ، عن أحمد بن الحارث ، عن المفضّل بن عمر ، عن يونس بن ظبيان ، عن جابر بن يزيد الجعفيّ ، قال : سمعت جابر بن عبد الله رضى الله عنه يقول : لمّا أنزل الله على نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ)(٢) قلت : يا رسول الله ، فمن أولوا الأمر الذين قرن الله طاعتهم بطاعتك؟

فقال : هم خلفائي ـ يا جابر ـ وأئمّة المسلمين بعدي ، أوّلهم : عليّ بن أبي طالب ، ثمّ الحسن ، ثمّ الحسين ، ثمّ عليّ بن الحسين ، ثمّ محمّد بن عليّ المعروف في التوراة بالباقر وستدركه يا جابر ، فإذا لقيته فاقرأه منّي السلام ، ثمّ الصادق جعفر بن محمّد ، ثمّ موسى بن جعفر ، ثمّ عليّ بن موسى ، ثمّ محمّد بن عليّ ، ثمّ عليّ بن محمّد ، ثمّ الحسن بن عليّ ، ثمّ سميّي وكنيّي حجّة الله في أرضه وبقيّته في عباده ابن الحسن بن عليّ ، ذلك الذي يفتح الله على يديه مشارق الأرض ومغاربها ، وذلك الذي يغيب عن شيعته وأوليائه غيبة لا يثبت فيها على القول بإمامته إلّا من امتحن الله قلبه للإيمان.

قال جابر : فقلت : يا رسول الله ، فهل يقع لشيعته الانتفاع به في غيبته؟ قال : إي والذي بعثني بالنبوّة (٣) أنّهم ليستضيئون بنوره ، وينتفعون بولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن تجلّاها سحاب (٤).

__________________

(١) في «ر» «س» «ص» : (عن) بدلا من : (بن) والمثبت موافق لكمال الدين : ٢٤١. وفي إعلام الورى ٢ : ١٨١ : (الحسين بن محمّد بن سماعة).

(٢) النساء : ٥٩.

(٣) في «ر» «س» : (بالحقّ نبيّا).

(٤) إعلام الورى ٢ : ١٨١ وعنه في بحار الأنوار ٢٣ : ٢٨٩ ، كمال الدين : ٢٤١ / ٣.

٢٨٧

[مبحث فيه ذكر أدعية الأئمّة عليهم‌السلام]

[٥٠٨ / ٤٩] ـ قال : وحدّثنا أبو الحسين أحمد بن ثابت الدوالينيّ (١) ، حدّثنا محمّد ابن الفضل النحويّ ، حدّثنا محمّد (٢) بن عليّ بن عبد الصمد الكوفيّ ، حدّثنا عليّ ابن عاصم ، عن محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين ابن عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليهم ، قال الحسين عليه‌السلام : دخلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعنده أبيّ بن كعب ، فقال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : مرحبا بك يا أبا عبد الله ، يا (٣) زين السماوات والأرض.

قال أبيّ : فكيف يكون زين السماوات والأرض غيرك؟

قال : يا أبيّ ، والذي بعثني بالحقّ نبيّا أنّ الحسين بن عليّ ذكره في السماء أكثر ممّا في الأرض ، وأنّه لمكتوب على يمين عرش الله ، فإنّ الله تعالى ركّب في صلبه نطفة طيّبة مباركة ، ولقد لقّن دعوات ، ما يدعو بهنّ مخلوق إلّا حشره الله معه وفرّج عنه كربه.

فقال له : ما هذه الدعوات يا رسول الله؟

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا فرغت من صلاتك (٤) وأنت قاعد ، فقل : «اللهمّ إنّي أسألك بكلماتك ومعاقد عرشك (٥) وسكّان سماواتك وأنبيائك ورسلك قد

__________________

(١) في «ص» «م» : (الدوانيّ) ، وفي بعض المصادر : (الدواليبيّ) ، وهو غير أحمد بن محمّد بن عليّ بن ثابت الدّنابي الأرجيّ بناء على تصحيف الدنابي بالدواليبيّ وغيره كما قيل ؛ لأنّ الدنابي هذا توفّي ٦٠١ ه‍ كما قاله في تاج العروس ١ : ٤٨٧.

(٢) في «ر» «س» : (أحمد).

(٣) كلمة : (يا) سقطت من النسخ وأثبتناها من المصادر.

(٤) قوله : (إذا فرغت من صلاتك) لم يرد في «ر» «س».

(٥) في «ص» «م» «س» : (بمكانك ومعاقد عزّك).

٢٨٨

رهقني من أمري عسر ، فأسألك أن تصلّي على محمّد وآل محمّد ، وأن تجعل لي (١) من عسري يسرا» فإنّ الله تعالى يسهّل أمرك ، ويشرح صدرك ، ويلقّنك شهادة أن لا إله إلّا الله عند خروج نفسك.

قال أبيّ : فما هذه النطفة التي في صلب الحسين وما اسمه؟

قال : اسمه عليّ ودعاؤه : «يا دائم يا ديموم يا حيّ يا قيّوم ، يا كاشف الغمّ ، يا فارج الهمّ ، ويا باعث الرسل ، يا صادق الوعد» من دعا بهذا الدعاء حشره الله مع عليّ بن الحسين عليهما‌السلام وكان قائده إلى الجنّة.

قال أبيّ : وهل له من خلف ووصيّ؟ قال : نعم ، له ميراث السماوات والأرض ، قال : وما معنى ذلك؟ قال : القضاء بالحقّ ، وتأويل الأحكام ، وبيان ما يكون ، قال : فما اسمه؟

قال : اسمه محمّد ودعاؤه : «اللهمّ إن كان لي عندك رضوان وودّ ، فاغفر لي ولمن اتّبعني من إخواني وشيعتي وطيّب ما في صلبي» فركّب الله في صلبه نطفة مباركة زكية اسمه جعفر ودعاؤه : «يا ديّان غير متوان (٢) ، يا أرحم الراحمين ، اجعل لشيعتي وقاء (٣) ولهم عندك رضا ، واغفر ذنوبهم واستر عوراتهم ، وهب لهم الكباير التي بينك وبينهم ، يا من لا يخاف الضيم ولا تأخذه سنة ولا نوم اجعل لي من كلّ غمّ فرجا». من دعا بهذا الدعاء حشره الله أبيض الوجه مع جعفر بن محمّد في الجنّة.

يا أبيّ ، إنّ الله ركّب على هذه النطفة نطفة زكيّة سمّاها موسى ، فقال له : يا رسول الله ، كأنّهم يتناسلون ويتوارثون ويصف بعضهم بعضا ، قال : وصفهم لي

__________________

(١) قوله : (لي) لم يرد في «ص» «م».

(٢) في «ر» : (غير منّان) وفي «ص» : (غير منوان) بدلا من : (غير متوان).

(٣) في «ر» «س» «ص» : (وفاء) ، وفي البحار : (لشيعتي من النار وقاء).

٢٨٩

جبرئيل عن ربّ العالمين ، قال : فهل لموسى من دعوة يدعو بها؟

قال : نعم دعاؤه : «يا خالق الخلق ، ويا باسط الرزق ، ويا فالق الحبّ ، و (١) بارئ النّسم ، ومحيي الموتى ، ومميت الأحياء ، ودائم الثبات ، ومخرج النبات ، افعل بي ما أنت أهله». من دعا بهذا الدعاء قضى الله حوائجه.

وإنّ الله تعالى ركّب في صلبه نطفة مباركة مرضيّة وسمّاها عليّا ، ودعاؤه : «اللهمّ أعطني الهدى ، وثبّتني عليه ، واحشرني عليه آمنا أمن من لا خوف عليه ولا حزن ولا جزع ، إنّك أهل التقوى وأهل المغفرة».

وإنّ الله ركّب في صلبه نطفة مباركة وسمّاها محمّد بن عليّ ، فهو شفيع شيعته ، إذا ولد يقول : لا إله إلّا الله ، محمّد رسول الله ، ودعاؤه : «يا من لا شبيه له ولا مثال أنت الله لا إله إلّا أنت ولا خالق إلّا أنت ، تفني المخلوقين وتبقى أنت حلمت عمّن عصاك وفي المغفرة رضاك». من دعا بهذا الدعاء كان محمّد بن عليّ شفيعه يوم القيامة.

وإنّ الله ركّب في صلبه نطفة لا باغية ولا طاغية بارّة طاهرة ، سمّاها عنده عليّ ابن محمّد ، فألبسه السكينة والوقار ، وأودعها العلوم وكلّ سرّ مكنون. ودعاؤه : «يا نور يا برهان ، يا مبيّن يا منير ، يا ربّ اكفني شرّ الشرور وآفات الدهور ، وأسألك النجاة يوم ينفخ في الصور». من دعا بهذا الدعاء كان عليّ بن محمّد شفيعه وقائده إلى الجنّة.

وإنّ الله ركّب في صلبه نطفة وسمّاها عنده الحسن بن عليّ (٢) ، فجعله نورا في بلاده ، ودعاؤه (٣) : «يا عزيز العزّ في عزّه ، يا أعزّ عزيز العزّ في عزّه ، يا عزيز أعزّني

__________________

(١) في «ر» «س» : (ويا).

(٢) قوله : (بن عليّ) لم يرد في «ص» «م».

(٣) في العيون والكمال زيادة : (وخليفة في أرضه ، وعزّا لأمّته ، وهاديا لشيعته ، وشفيعا لهم عند ربّهم ، ونقمة على من خالفه ، وحجّة لمن والاه ، وبرهانا لمن اتّخذه إماما ، يقول في دعائه).

٢٩٠

بعزّك ، وأيّدني بنصرك ، وأبعد (١) عنّي همزات الشياطين ، وادفع عنّي بدفعك ، وامنع عنّي بصنعك ، واجعلني من خيار خلقك ، يا واحد يا أحد يا صمد». من دعا بهذا الدعاء نجّاه الله من النار ولو وجبت عليه.

وإنّ الله ركّب في صلبه نطفة مباركة زكيّة يرضى بها كلّ مؤمن ، يحكم بالعدل ويأمر به ، يخرج من تهامة حين تظهر الدلائل والعلامات ، وله بالطالقان كنوز لا ذهب ولا فضّة إلّا خيول مطهّمة ورجال مسوّمة ، يجمع الله له من أقصى البلاد على عدد أهل بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا ، معه صحيفة مختومة فيها عدد أصحابه بأسمائهم وأنسابهم وبلدانهم وكلامهم وكناهم كدّادون مجدّون في طاعته.

فقال له أبيّ : وما علاماته ودلائله يا رسول الله؟ قال : له علم إذا حان وقت خروجه انتشر ذلك العلم من نفسه ، فناداه العلم : اخرج يا وليّ الله فاقتل أعداء الله ، فهما رايتان وعلامتان ، وله سيف مغمد ، فإذا حان وقت خروجه قال : يا وليّ الله ، لا يحلّ لك أن تقعد عن أعداء الله ، فيخرج ويقتل أعداء الله حيث ثقفهم ، ويقيم حدود الله ، ويحكم بحكم الله ، يخرج جبرئيل عن يمينه ، وميكائيل عن يساره ، وشعيب بن صالح على مقدّمته ، سوف تذكرون ما أقول لكم ، وأفوّض أمري إلى الله ولو بعد حين.

يا أبيّ ، طوبى لمن لقيه ، وطوبى لمن أحبّه ، وطوبى لمن قال به ، ينجّيهم الله من الهلكة وبالإقرار به وبرسول الله وبجميع الأئمّة تفتح لهم الجنّة ، مثلهم في الأرض كمثل المسك الذي يسطع ريحا لا يتغيّر أبدا ، ومثلهم في السماء كمثل القمر المنير (٢) الذي لا يطفأ نوره أبدا.

قال أبيّ : يا رسول الله ، كيف حال بيان هذه الأئمّة عن الله؟ قال : إنّ الله تعالى

__________________

(١) في «ر» «س» : (وأطرد).

(٢) في «ر» «س» : (النيّر).

٢٩١

أنزل عليّ اثنتي عشرة صحيفة واثني عشر خاتما ، اسم كلّ إمام على خاتمه وصفته في صحيفته (١).

ودعاؤه : «اللهمّ عظم البلاء ، وبرح الخفاء (٢) ، وانقطع الرجاء ، وانكشف الغطاء ، وضاقت الأرض ومنعت السماء ، وأنت المستعان وإليك المشتكى ، وعليك التوكّل في الشدّة والرخاء ، فصلّ على محمّد وآل محمّد وعلى أولي الأمر الذين فرضت طاعتهم وعرّفتنا بذلك منزلتهم ، ففرّج عنّا بحبّهم (٣) فرجا عاجلا قريبا كلمح البصر أو هو أقرب» (٤).

ومن دعائه : «يا من إذا تضايقت الأمور فتح لنا بابا لم تذهب إليه الأوهام ، فصلّ على محمّد وآل محمّد وافتح لأموري المتضايقة بابا لم يذهب إليه وهم يا أرحم الراحمين».

فصل

[ذكر أسماء الأئمّة وألقابهم عليهم‌السلام]

[٥٠٩ / ٥٠] ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا عليّ بن عبد الله الورّاق ، حدّثنا محمّد بن هارون الصوفيّ ، عن عبد الله بن موسى ، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسنيّ ، قال : حدّثني صفوان بن يحيى ، عن إبراهيم بن أبي زياد ، عن أبي حمزة الثماليّ ، عن أبي خالد الكابليّ ، قال : دخلت على سيّدي عليّ بن الحسين زين العابدين عليه‌السلام

__________________

(١) إلى هنا في كمال الدين : ٢٦٤ / ١١ ، عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٥٩ / ٢٩ ، إعلام الورى ٢ : ١٨٥ ـ ١٩٠.

(٢) في «ر» «س» «ص» : (الجفا).

(٣) في «ر» وحاشية «س» : (بحقّهم).

(٤) بحار الأنوار ٣٦ : ٢٠٥ عن كمال الدين وعيون أخبار الرّضا عليه‌السلام وج ٩١ : ١٨٤ / ١ عن عيون أخبار الرضا عليه‌السلام.

٢٩٢

فقلت له : يابن رسول الله ، أخبرني عن (١) الذين فرض الله طاعتهم ومودّتهم وأوجب على عباده الاقتداء بهم بعد رسول الله.

فقال : يا كنكر ، إنّ أولي الأمر الذين جعلهم الله أئمّة للناس وأوجب طاعتهم ، أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ، ثمّ الحسن ، ثمّ الحسين ، ثمّ انتهى الأمر إلينا ، ثمّ سكت.

فقلت له : يا سيّدي ، قد روي لنا عن أمير المؤمنين أنّ الأرض لا تخلو من حجّة على عباده ، فمن الحجّة والإمام بعدك؟

قال : ابني محمّد ، واسمه في التوراة باقر ، يبقر العلم بقرا ، هو الحجّة والإمام بعدي ، ومن بعد محمّد ابنه جعفر ، واسمه عند أهل السماء الصادق عليه‌السلام ، فقلت له : يا سيّدي ، فكيف صار اسمه الصادق؟ وكلّكم صادقون.

قال : حدّثني أبي ، عن أبيه أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : إذا ولد ابني جعفر بن محمّد ابن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب فسمّوه الصادق ، فإنّ للخامس من ولده ولدا (٢) اسمه جعفر ، يدّعي الإمامة اجتراء على الله وكذبا عليه ، فهو عند الله جعفر الكذّاب المفتري على الله ، والمدّعي لما ليس له بأهل ، المخالف على الله ، والحاسد على أخيه ، ذلك الذي يروم كشف ستر الله عند غيبة وليّ الله.

ثمّ بكى عليّ بن الحسين بكاءا شديدا ، ثمّ قال : كأنّي بجعفر الكذّاب وقد حمل طاغية زمانه على تفتيش أمر وليّ الله والمغيّب في حفظ الله والمتوكّل (٣) بحرمة الله جهلا منه لولادته (٤) ، وحرصا على قتله إن ظفر به طمعا في ميراث أبيه حتّى يأخذ بغير حقّه.

__________________

(١) في «ر» «س» زيادة : (أولي الأمر).

(٢) في النسخ : (الخامس من ولده الذي) بدلا من : (للخامس من ولده ولدا) ، والمثبت عن المصادر.

(٣) في «م» «ص» : (والتوكيل).

(٤) في البحار : (بحرم أبيه جهلا منه بولادته) بدلا من : (بحرمة الله جهلا منه لولادته).

٢٩٣

قال أبو خالد : فقلت له : يابن رسول الله ، فإنّ ذلك لكائن؟

قال : إي وربّي إنّ ذلك لمكتوب عندنا في الصحيفة التي فيها ذكر المحن التي تجري علينا بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقلت : يابن رسول الله ، ثمّ ماذا يكون؟

قال : ثمّ تمتدّ الغيبة بوليّ الله الثاني عشر من أوصياء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة من بعده.

يا أبا خالد ، إنّ أهل زمان الغيبة القائلين بإمامته والمنتظرين لظهوره أفضل أهل (١) كلّ زمان ، لأنّ الله أعطاهم من العقول والأفهام والمعرفة ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة ، وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسوله بالسيف ، أولئك هم المخلصون حقّا وشيعتنا صدقا ، والدعاة إلى دين الله سرّا وجهرا (٢).

فصل

[حديث آخر في خير الخلق بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله]

[٥١٠ / ٥١] ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا عليّ بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله البرقيّ ، عن أبيه ، عن جدّه أحمد بن عبد الله ، عن أبيه محمّد بن خالد بن محمّد بن داود ، عن محمّد بن الجارود العبديّ ، عن الأصبغ بن نباتة رضى الله عنه ، قال : خرج علينا عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ذات يوم ويده في يد ابنه الحسن ، وهو يقول : خرج علينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ذات يوم ويده في يدي هذا ، وهو يقول : خير الخلق بعدي وسيّدهم هذا ، هو إمام كلّ مسلم ، وأمير كلّ مؤمن بعد وفاتي.

__________________

(١) قوله : (أهل) لم يرد في «ص» «م».

(٢) كمال الدين ١ : ٣١٩ وعنه في بحار الأنوار ٣٦ : ٣٨٦.

٢٩٤

ألا وإنّي أقول : إنّ خير الخلق بعدي وسيّدهم ابني هذا ، وهو إمام كلّ مسلم ومولى كلّ مؤمن بعد وفاتي ، ألا وإنّه سيظلم بعدي كما ظلمت بعد رسول الله.

وخير الخلق وسيّدهم بعد الحسن ، ابني ، أخوه الحسين المظلوم بعد أخيه ، المقتول في أرض كرب وبلاء ، أما إنّه وأصحابه (١) سادة الشهداء يوم القيامة ، ومن بعد الحسين تسعة من صلبه خلفاء الله في أرضه وحججه على عباده وأمناؤه على وحيه ، أئمّة المسلمين وقادة المعتصمين وسادة المتّقين ، تاسعهم القائم الذي يملأ الله به الأرض نورا بعد ظلمة ، وعدلا بعد جور ، وعلما بعد جهل ، والذي بعث أخي محمّدا بالنبوّة واختصّني بالإمامة لقد نزل بذلك الوحي من السماء على لسان الروح (٢) الأمين جبرئيل.

ولقد سئل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنا عنده عن الأئمّة بعده ، فقال للسائل : (وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ)(٣) إنّ عددهم كعدد البروج ، وربّ الليالي والأيّام والشهور إنّ عدّتهم كعدّة الشهور.

قال السائل : فمن هم؟ فوضع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يده على رأسي ، وقال : أوّلهم هذا وآخرهم المهدي ، من والاهم فقد والاني ، ومن عاداهم فقد عاداني ، ومن أحبّهم فقد أحبّني ، ومن أبغضهم فقد أبغضني ، ومن أنكرهم فقد أنكرني ، ومن عرفهم فقد عرفني ، بهم يحفظ الله دينه ، وبهم يعمر بلاده ، وبهم يرزق عباده ، وبهم ينزل القطر من السماء ، وبهم تخرج بركات الأرض ، هؤلاء أوصيائي وخلفائي وأئمّة المسلمين وموالي المؤمنين (٤).

__________________

(١) في «ر» «س» «ص» زيادة : (من).

(٢) في «ص» «م» : (روح).

(٣) البروج : ١.

(٤) كمال الدين ١ : ٢٤٧ / ٥ وعنه في بحار الأنوار ٣٦ : ٢٥٣.

٢٩٥

فصل

[ضرورة الإيمان بالأئمّة عليهم‌السلام أجمعين]

[٥١١ / ٥٢] ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل ، حدّثنا محمّد ابن أبي عبد الله الكوفيّ ، حدّثنا موسى بن عمران النخعيّ ، حدّثنا عمّي الحسين ابن يزيد ، عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة ، عن أبيه ، عن الصادق ، عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : حدّثني جبرئيل عليه‌السلام عن ربّ العزّة جلّ جلاله أنّه قال : من علم (١) أن لا إله إلّا أنا وحدي وأنّ محمّدا عبدي ورسولي ، وأنّ عليّ بن أبي طالب خليفتي ، وأنّ الأئمّة من ولده حججي ، أدخله الجنّة برحمتي ونجّيته من النار بعفوي ، وأبحت له جواري ، وأوجبت له كرامتي ، وأتممت عليه نعمتي ، وجعلته من خاصّتي وخالصتي ، إن ناداني لبّيته ، وإن دعاني أجبته ، وإن سألني أعطيته ، وإن سكت ابتدأته ، وإن أساء رحمته ، وإن فرّ منّي دعوته ، وإن شهد بذلك ولم يشهد أنّ محمّدا عبدي ورسولي ، أو شهد بذلك ولم يشهد أنّ عليّ بن أبي طالب خليفتي ، أو شهد بذلك ولم يشهد أنّ الأئمّة من ولده حججي ، فقد جحد نعمتي ، وصغّر عظمتي ، وكفر بآياتي وكتبي ، إن قصدني حجبته ، وإن سألني حرمته ، وإن ناداني لم أسمع نداءه ، وإن دعاني لم أستجب دعاءه ، وإن رجاني خيّبته ، وذلك جزاؤه منّي ، وما أنا بظلّام للعبيد.

فقام جابر بن عبد الله ، فقال : يا رسول الله ، ومن الأئمّة بعد عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام؟ فقال : الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة ، ثمّ سيّد العابدين في زمانه عليّ بن الحسين ، ثمّ الباقر محمّد بن عليّ ـ وستدركه يا جابر ، فإذا

__________________

(١) في «ر» «س» : (شهد).

٢٩٦

أدركته فاقرأه منّي السلام ـ ثمّ الصادق جعفر بن محمّد ، ثمّ الكاظم موسى بن جعفر ، ثمّ الرضا عليّ بن موسى ، ثمّ التقيّ محمّد بن عليّ ، ثمّ النقيّ عليّ بن محمّد ، ثمّ الحسن بن عليّ الزكيّ ، ثمّ ابنه القائم بالحقّ مهديّ أمّتي الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما.

هؤلاء ـ يا جابر ـ خلفائي وأوصيائي وأولادي وعترتي ، من أطاعهم فقد أطاعني ، ومن عصاهم فقد عصاني ، ومن أنكرهم أو أنكر واحدا منهم فقد أنكرني ، بهم يمسك الله السماء أن تقع على الأرض إلّا بإذنه ، وبهم يحفظ الله الأرض أن تميد بأهلها (١).

فصل

[الأئمّة عليهم‌السلام اثنا عشر من قريش]

[٥١٢ / ٥٣] ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا أبو عبد الله محمّد بن دهقان (٢) ، حدّثنا أبو بشر أحمد بن إبراهيم بن أحمد العمّي ، حدّثنا محمّد بن زكريّا بن دينار الغلابيّ ، حدّثنا سليمان بن أحمد بن سليمان (٣) بن عليّ بن عبد الله بن العبّاس ، قال : حدّثني أبي (٤) قال : كنت يوما عند الرشيد ، فذكر المهديّ وعدله فأطنب في ذلك ، ثمّ قال : أخبرني أبي المهدي ، حدّثني أبي ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن ابن عبّاس ، عن أبيه العبّاس بن عبد المطّلب أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : يا عمّ ، يملك من ولدي اثنا عشر خليفة ثمّ تكون أمور كريهة وشدّة عظيمة ، ثمّ يخرج المهديّ من

__________________

(١) كمال الدين : ٢٤٥ / ٣ وعنه في بحار الأنوار ٣٦ : ٢٥١ / ٦٨ بتفاوت يسير ، كفاية الأثر : ١٤٣.

(٢) في إعلام الورى ١ : ١٦٤ : (وهبان).

(٣) في البحار : (سليمان بن إسحاق بن سليمان) ويؤيّده ما في تاريخ بغداد ٦ : ٣٢٩.

(٤) قوله : (قال : حدّثني أبي) لم يرد في «ر» «س».

٢٩٧

ولدي يصلح الله أمره في ليلة ، يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا ، ويمكث في الأرض ما شاء الله ، ثمّ يخرج الدجّال (١).

[٥١٣ / ٥٤] ـ وروى أبو بكر بن خيثمة (٢) ، عن عليّ بن جعد ، عن زهير بن معاوية ، عن زياد بن خيثمة ، عن الأسود بن سعيد الهمدانيّ ، قال : سمعت جابر ابن سمرة يقول : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : يكون بعدي اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش ، فقالوا : ثمّ ماذا يكون؟ قال : ثمّ يكون الهرج (٣).

[٥١٤ / ٥٥] ـ وفي صحيح مسلم ، عن ابن سمرة العدويّ : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : لا يزال الدين قائما حتّى يكون اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش ، ثمّ يخرج كذّابون بين يدي الساعة ، وأنا الفرط على الحوض (٤).

[٥١٥ / ٥٦] ـ وعن الشعبيّ ، عن مسروق : كنّا عند عبد الله بن مسعود فقال له رجل : أحدّثكم نبيّكم كم يكون بعده من الخلفاء؟ قال : نعم وما سألني عنها أحد قبلك (٥) وإنّك لأحدث القوم سنّا ، سمعته صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : يكون بعدي من الخلفاء عدد نقباء بني إسرائيل اثنا عشر كلّهم من قريش (٦).

[٥١٦ / ٥٧] ـ ورواه حمّاد بن زيد ، عن مجالد ، عن الشعبيّ ، عن مسروق ، عن

__________________

(١) إعلام الورى ١ : ١٦٤ ، وانظر : مناقب ابن شهرآشوب ١ : ٢٩٢ ، وعنه في بحار الأنوار ٣٦ : ٣٠٠ / ١٣٨ ، كشف الغمّة ٢ : ٥٠٥ ، فرائد السمطين ٢ : ٣٢٩ / ٥٧٩.

(٢) في «ر» «س» : (خثيمة) ، والمثبت موافق لإعلام الورى ١ : ١٦١ ، وكذا في الموضع الآتي.

(٣) إعلام الورى ١ : ١٦١ ، وانظر : الغيبة للنعمانيّ : ١٠٢ / ٣١ ، الغيبة للطوسيّ : ١٢٧ / ٩٠ ، مناقب ابن شهرآشوب ١ : ٢٩٠ ، مسند أحمد ٥ : ٩٢ ، المعجم الكبير للطبرانيّ ٢ : ٣٥٣ / ٢٠٥٩.

(٤) إعلام الورى ٢ : ١٥٨ وعنه في بحار الأنوار ٣٦ : ٢٩٧ / ١٢٧ ، وانظر : صحيح مسلم ٣ : ١٤٥٤ / ١٨٢٢ ، مسند أحمد ٥ : ٨٩ ، المعجم الكبير ٢ : ١٩٩ / ١٨٠٨ ، عن محمّد بن رافع.

(٥) في «س» «ص» : (قبل).

(٦) إعلام الورى ٢ : ١٦٠ ، وانظر : الخصال : ٤٦٨ / ١٠ ، الغيبة للطوسيّ : ١٣٣ / ٩٧ ، الغيبة للنعمانيّ : ١١٦ / ٣ ، وعنها في بحار الأنوار ٣٦ : ٢٩٨ / ١٣٢.

٢٩٨

عبد الله ، وزاد فيه قال : كنّا جلوسا إلى عبد الله يقرأ بنا القرآن ، فقال له رجل : يا أبا عبد الرحمن ، هل سألتم رسول الله كم يملك أمر (١) هذه الأمّة من خليفة بعده؟ فقال له عبد الله : ما سألني عنها أحد منذ قدمت العراق ، نعم (٢) سألنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : اثنا عشر ؛ عدد نقباء بني إسرائيل (٣).

[٥١٧ / ٥٨] ـ وروى عبد الله بن أبي أميّة ، عن زيد الرقاشيّ ، عن أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لن يزال هذا الدين قائما إلى اثني عشر من قريش ، فإذا مضوا ماجت الأرض بأهلها (٤).

[٥١٨ / ٥٩] ـ وعن ابن مثنّى ، عن أبيه ، عن عائشة أنّه سألها (٥) كم خليفة يكون لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ قالت : أخبرني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يكون بعدي اثنا عشر خليفة ، فقلت لها : من هم؟ فقالت : أسماؤهم في الوصيّة من لدن آدم عليه‌السلام (٦).

[ذكر الأوصياء من زمان آدم عليه‌السلام إلى إمام الزمان عليه‌السلام]

[٥١٩ / ٦٠] ـ وروي لنا بالإسناد المتقدّم ، عن الحسن بن محبوب ، عن مقاتل بن سليمان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنا سيّد النبيّين ووصيّي سيّد الوصيّين وأوصياؤه سادات الأوصياء ، إنّ آدم عليه‌السلام سأل الله أن يجعل له وصيّا

__________________

(١) في النسخ (من) ، والمثبت موافق لما في إعلام الورى.

(٢) في «ر» «س» : (بعمري) بدلا من : (نعم).

(٣) إعلام الورى ٢ : ١٦١ وعنه في بحار الأنوار ٣٦ : ٢٩٨ ، وانظر : الغيبة للنعمانيّ : ١١٨ / ٥ ، مناقب ابن شهر آشوب ١ : ٢٩٠ وعنه في بحار الأنوار ٣٦ : ٢٦٧ ، مسند أحمد ١ : ٣٩٨ ، مسند أبي يعلى ٨ : ٤٤٤ / ٥٠٣١ وج ٩ : ٢٢٢ / ٥٣٢٢ ، مجمع الزوائد ٥ : ١٩٠.

(٤) إعلام الورى ٢ : ١٦١ وعنه في بحار الأنوار ٣٦ : ٢٩٨ ، وانظر : الغيبة للنعماني : ١١٩ / ٥ ، مناقب ابن شهر آشوب ١ : ٢٩٠ وعنه في بحار الأنوار ٣٦ : ٢٦٧ ، مسند أحمد ١ : ٣٩٨.

(٥) في «س» وإعلام الورى : (سألتها) بدلا من : (أنّه سألها).

(٦) إعلام الورى ٢ : ١٦٤ ، كشف الغمّة ٢ : ٥٠٥ وعنهما في بحار الأنوار ٦ : ٣٠٠ / ١٣٧.

٢٩٩

صالحا ، فأوحى الله تعالى إليه أنّي أكرمت الأنبياء بالنبوّة ، ثمّ اخترت خلقي ، وجعلت خيارهم الأوصياء.

وأوحى الله إلى آدم : يا آدم ، أوص إلى شيث ، فأوصى آدم عليه‌السلام إلى شيث ، وهو هبة الله بن آدم ، وأوصى شيث إلى ابنه شبّان ، وهو ابن نزلة الحوراء التي أنزلها الله على آدم من الجنّة ، فزوّجها شيثا ابنه ، وأوصى شبّان إلى محلث ، وأوصى محلث إلى مخوق ، وأوصى مخوق إلى عتميثا ، وأوصى عتميثا إلى أخنوخ وهو إدريس النبيّ ، وأوصى إدريس إلى ناخور ، وأوصى ناخور إلى نوح.

وأوصى نوح إلى سام ، وأوصى سام إلى عنام ، وأوصى عنام إلى عيشاشا ، وأوصى عيشاشا إلى يافث ، وأوصى يافث إلى برّه ، وأوصى برّه إلى جعشيه ، وأوصى جعشيه إلى عمران ، ودفعها عمران إلى إبراهيم الخليل صلوات الله عليه.

وأوصى إبراهيم إلى ابنه إسماعيل ، وأوصى إسماعيل إلى إسحاق ، وأوصى إسحاق إلى يعقوب ، وأوصى يعقوب إلى يوسف ، وأوصى يوسف إلى مثريا (١) ، وأوصى مثريا إلى شعيب ، ودفعها شعيب إلى موسى بن عمران.

وأوصى موسى إلى يوشع بن نون ، وأوصى يوشع إلى داود ، وأوصى داود إلى سليمان ، وأوصى سليمان إلى آصف بن برخيا ، وأوصى آصف إلى زكريّا ، ودفعها زكريّا إلى عيسى بن مريم.

وأوصى عيسى إلى شمعون بن حمون الصفا ، وأوصى شمعون إلى يحيى بن زكريّا ، وأوصى يحيى إلى منذر ، وأوصى منذر إلى سلمة (٢) ، وأوصى سلمة إلى بزده (٣).

__________________

(١) في أمالي الصدوق وكمال الدين : (بثرياء) ، وفي البحار : (يثريا).

(٢) في كمال الدين والأمالي : (سليمة).

(٣) في كمال الدين والأمالي : (بردة) ، وكذا في الموضع الآتي.

٣٠٠