قصص الأنبياء عليهم السلام - ج ٢

قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي [ قطب الدين الراوندي ]

قصص الأنبياء عليهم السلام - ج ٢

المؤلف:

قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي [ قطب الدين الراوندي ]


المحقق: عبدالحليم عوض الحلّي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة العلامة المجلسي رحمه الله
المطبعة: عمران
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-91180-3-8
الصفحات: ٤٣٢

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله للعبّاس : أفد نفسك وابني أخويك عقيلا ونوفلا ، فقال : إنّ القوم استكرهوني وإنّي كنت مسلما.

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : الله أعلم بإسلامك إن يكن حقّا فإنّ الله يجزيك به ، وأمّا ظاهر أمرك فقد كان علينا ، قال : ليس لي مال ، قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : فأين المال الذي وضعته عند أمّ الفضل بمكّة وليس معكما أحد ، فقلت لها : إن أصبت في سفري هذا فهذا المال لبنيّ الفضل وعبد الله وقثم؟

فقال : والله يا رسول الله ، إنّي لأعلم أنّك لرسول الله ، إنّ هذا شيء ما علمه غيري وغير أمّ الفضل ، فاحسب لي يا رسول الله ما أصبتم منّي من مال كان معي عشرون أوقية.

فقال رسول الله : لا (١) ذلك شيء أعطانا الله منك ففدى نفسه بمائة أوقية ، وذلك قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى)(٢) الآية ، وعامّة من قتل من الكفّار قتلهم عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، واستشهد من المسلمين أربعة عشر رجلا (٣).

[غزوة أحد]

[٤٨٨ / ٢٩] ـ ثمّ كانت غزاة أحد على رأس سنة ، ورئيس المشركين يومئذ

__________________

ـ كثير النخل والزرع والخير في طريق الحاج ، وسلكه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله غير مرّة ، وبينه وبين بدر مرحلة. قال عرام بن الأصبغ السلمي : الصفراء قرية كثيرة النخل والمزارع ، وماؤها عيون كلّها ، وهي فوق ينبع مما يلي المدينة.

(١) في «ر» «س» زيادة : (يا عم).

(٢) الأنفال : ٧٠.

(٣) إعلام الورى ١ : ١٦٨ ، انظر : سيرة ابن هشام ٢ : ٢٦٣ ، الطبقات الكبرى ٢ : ١١ ، دلائل النبوّة للبيهقيّ ٣ : ٣٢ ، وانظر مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب ١ : ١٦٤.

٢٦١

أبو سفيان بن حرب ، وكان أصحاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله سبعمائة ، والمشركون ألفين ، وخرج رسول الله بعد أن استشار أصحابه ، وكان رأيه أن يقاتل الرجال على أفواه السكك (١) ، وترمي الضعفاء من فوق البيوت ، فأبوا إلّا الخروج إليهم ، فلمّا صاروا (٢) على الطريق ، قالوا : نرجع.

فقال : ما كان لنبيّ إذا قصد قوما أن يرجع عنهم ، وكانوا ألف رجل ، فلمّا كانوا في بعض الطريق انخذل عنهم عبد الله بن أبي بثلث الناس ، وقال : والله ما ندري على ما نقاتل ونقتل أنفسنا والقوم قومه ، فهمّت بنو حارثة وبنو سلمة بالرجوع فعصمهم الله ، وهو قوله تعالى جلّ ذكره : (إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللهُ وَلِيُّهُما)(٣).

وأصبح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله متهيّئا للقتال ، وجعل على راية المهاجرين عليّا عليه‌السلام وعلى راية الأنصار سعد بن معاذ (٤) ، وقعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في راية الأنصار ، ثمّ مرّ على الرماة وكانوا خمسين رجلا وعليهم عبد الله بن جبير ، فوعظهم وذكّرهم وقال : اتّقوا الله واصبروا وإن رأيتمونا يخطفنا الطير ، فلا تبرحوا مكانكم حتّى أرسل إليكم ، فأقامهم عبد الله بن جبير على الشعب ، وكانت الهزيمة على المشركين ، فاشتغل بالغنيمة المقاتلة ، فقال الرماة : نخرج للغنيمة.

قال عبد الله : أمّا أنا فلا أبرح ، فخرجوا وخرج كمين المشركين عليهم خالد بن الوليد ، فقتل عبد الله ثمّ أتى الناس من أدبارهم ووضع في المسلمين السلاح فانهزموا وصاح إبليس : قتل محمّد. ورسول الله يدعوهم في أخراهم : أيّها الناس ،

__________________

(١) السكك جمع السكة وهي الزقاق أو الطريق المصطفة من النخل (المصباح المنير : ٢٨٢).

(٢) في «م» «ص» وإعلام الورى : (صار).

(٣) آل عمران : ١٢٢.

(٤) كذا في النسخ وفي إعلام الورى والبحار : (عبادة).

٢٦٢

إنّي رسول الله ، إنّ الله قد وعدني النصر فإلى أين الفرار؟

قال الصادق عليه‌السلام : انهزم الناس عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فغضب غضبا شديدا ، وكان إذا غضب انحدر من وجهه وجبهته مثل اللؤلؤ من العرق ، فنظر فإذا عليّ إلى جنبه ، فقال : مالك لم تلحق ببني أبيك؟ فقال عليّ عليه‌السلام : يا رسول الله ، أكفر بعد إيمان؟ إنّ لي بك أسوة ، فقال : أما فاكفني هؤلاء ، فحمل عليّ فضرب أوّل من لقي منهم ، فقال جبرئيل عليه‌السلام : إنّ هذه لهي المواساة يا محمّد ، فقال : إنّه منّي وأنا منه ، قال جبرئيل عليه‌السلام : وأنا منكما (١).

وثاب إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جماعة من أصحابه ، وأصيب من المسلمين رجال منهم حمزة وثلاث أخر (٢) من المهاجرين (٣) ، وقام أبو سفيان ونادى : أحيّ ابن أبي كبشة ، فأمّا ابن أبي طالب فقد رأيناه مكانه ، فقال عليّ عليه‌السلام : إي والذي بعثه ، وإنّه ليسمع كلامك ، فقال أبو سفيان لعليّ : إنّ ابن قميئة أخبرني أنّه قتل محمّدا وأنت أصدق منه ، ثمّ ولّى إلى أصحابه وقال : اتّخذوا الليل جملا وانصرفوا.

ثمّ عاد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ونادى عليّا عليه‌السلام فقال : اتبعهم فانظر أين يريدون؟ فإن كانوا ركبوا الخيل وساقوا الإبل فإنّهم يريدون المدينة ، وإن كانوا ركبوا الإبل وساقوا الخيل فهم متوجّهون إلى مكّة (٤).

__________________

(١) إعلام الورى ١ : ١٧٧ ، أخرج نحوه في الكافي ٨ : ١١٠ / ٩٠ ، مناقب ابن شهر آشوب ٣ : ١٢٤ ، تارخ الطبريّ ٢ : ٥١٤ ، ونقله المجلسيّ في بحار الأنوار ٢٠ : ٩٥ / ضمن ح ٢٨.

(٢) في إعلام الورى ١ : ١٧٨ : هم عبد الله بن جحش ومصعب بن عمير وشماس بن عثمان بن الرشيد.

(٣) إعلام الورى ١ : ١٧٨ ، انظر : المغازي للواقديّ ١ : ٣٠٠ ، سيرة ابن هشام ٣ : ١٢٩ ، ونقله المجلسيّ في بحار الأنوار ٢٠ : ٩٥ / ضمن ح ٢٨.

(٤) في إعلام الورى ١ : ١٨١ زيادة : (وقيل : إنّه بعث لذلك سعد بن أبي وقّاص فرجع) ، وانظر : المناقب لابن شهر آشوب ١ : ٩٣ ، المغازي للواقديّ ١ : ٢٨٦ ، سيرة ابن هشام ٣ : ٩٦ ـ ١٠٠ ، تاريخ الطبريّ ٢ : ٥٢٧ ، الكامل في التاريخ ٢ : ١٦٠ ، ونقله المجلسيّ في بحار الأنوار ٢٠ : ٩٦ / ضمن ح ٢٨.

٢٦٣

وقال : رأيت خيلهم تضرب بأذنابها مجنوبة (١) مدبرة ، فطابت أنفس المسلمين بذهاب العدوّ.

[غزوة حمراء الأسد]

وقال أبان بن عثمان : فلمّا كان من الغد من يوم أحد نادى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في المسلمين ، فأجابوه فخرجوا على ما أصابهم من الفزع ، وقدّم عليّا عليه‌السلام بين يديه براية المهاجرين حتّى انتهى إلى حمراء الأسد (٢) ، وكان أبو سفيان أقام بالروحاء وهمّ بالرجعة على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقال : قد قتلنا صناديد القوم ، فلو رجعنا استأصلناهم ، فلقي معبد الخزاعيّ ، فقال : ما وراك؟

قال : والله قد تركت محمّدا وأصحابه وهم يحرقون عليكم ، وهذا عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام قد أقبل على مقدّمته في الناس ، فثنّى ذلك أبا سفيان ومن معه ، ثمّ رجع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى المدينة (٣).

[غزوة بني النضير]

[٤٨٩ / ٣٠] ـ ثمّ كانت غزاة بني النضير ، وذلك أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مشى إلى كعب ابن الأشرف يستقرضه ، فقال : مرحبا بك يا أبا القاسم ، فجلس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأصحابه ، فقام كعب كأنّه يصنع لهم طعاما وحدّث نفسه أن يقتل رسول الله ، فنزل جبرئيل فأخبر بما همّ به القوم من الغدر ، فقام صلى‌الله‌عليه‌وآله كأنّه يقضي حاجته وعرف

__________________

(١) أي : سائرة إلى الجنوب.

(٢) حمراء الأسد : موضع على ثمانية أميال من المدينة (معجم البلدان ٢ : ٣٠١).

(٣) إعلام الورى ١ : ١٨٣ وعنه في بحار الأنوار ٢٠ : ٩٣ ، وانظر : المناقب لابن شهر آشوب ١ : ١٩٤ ، المغازي للواقديّ ١ : ٣٣٨ ، تاريخ الطبريّ ٢ : ٥٣٥ ، والكامل في التاريخ ٢ : ١٦٤.

٢٦٤

أنّهم لا يقتلون (١) أصحابه وهو حيّ ، فأخذ الطريق نحو المدينة ، فاستقبله بعض أصحاب كعب الذين أرسل إليهم يستعين بهم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأخبر كعبا بذلك فسار المسلمون راجعين.

قال عبد الله بن صوريا ـ وكان أعلم اليهود ـ : والله إنّ ربّه أطلعه على ما أردتموه من الغدر ، ولا يأتيكم أوّل ما يأتيكم والله إلّا رسول محمّد يأمركم عنه بالجلاء ، فأطيعوني في خصلتين لا خير في الثالث : أن تسلموا فتأمنوا على دياركم وأموالكم وإلّا إنّه يأتيكم من يقول لكم : اخرجوا من دياركم ، فقالوا : هذه أحبّ إلينا ، قال : أما إنّ الأولى خير لكم ، ولو لا أن أفضحكم لأسلمت ، ثمّ بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله محمّد بن مسلمة إليهم يأمرهم بالرحيل ، وأمره أن يؤجّلهم في الجلاء ثلاث ليال (٢).

[غزوة الخندق]

[٤٩٠ / ٣١] ـ ثمّ كانت غزوة الخندق وهي الأحزاب ، في شوّال سنة أربع من الهجرة أقبل حييّ بن أخطب ، وكنانة بن الربيع ، وسلامة (٣) بن أبي الحقيق ، وجماعة من اليهود يقدمون مكّة ، فصاروا إلى أبي سفيان وقريش ، فدعوهم إلى حرب رسول الله ، وقالوا : أيدينا مع أيديكم ونحن معكم حتّى نستأصله ، ثمّ خرجوا إلى غطفان يدعوهم إلى حرب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأخبروهم باتّباع قريش إيّاهم فاجتمعوا معهم ، وخرجت قريش.

__________________

(١) قوله : (أنّهم لا يقتلون) من البحار وإعلام الورى ١ : ١٨٨.

(٢) إعلام الورى ١ : ١٨٨ وعنه في بحار الأنوار ٢٠ : ١٦٣ / ١ ، وانظر : سيرة ابن هشام ٣ : ١٩٩ ، الطبقات الكبرى ٢ : ٥٧ ، دلائل النبوّة للبيهقيّ ٣ : ١٨٠.

(٣) في إعلام الورى ١ : ١٩٠ والبحار ٢٠ : ١٨٢ (سلام) بدلا من : (سلامة).

٢٦٥

وسمع بهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فخرج إليهم ، وذلك بعد أن أشار سلمان الفارسيّ أن يصنع خندقا ، قال : ضربت في ناحية من الخندق ، فعطف عليّ رسول الله وهو قريب منّي ، فلمّا رأى شدّة المكان نزل ، فأخذ المعول من يدي ، فضرب ضربة فلمعت تحت المعول لمعة برقة ، ثمّ ضرب ضربة أخرى ، فلمعت تحت المعول برقة أخرى ، ثمّ ضرب به الثالثة فلمعت برقة أخرى.

فقلت : يا رسول الله ، ما هذا؟ فقال : أمّا الأولى : فإنّ الله فتح بها عليّ اليمن ، وأمّا الثانية : فإنّ الله فتح عليّ بها الشام والمغرب ، وأمّا الثالثة : فإنّ الله فتح عليّ بها المشرق (١).

وأقبلت الأحزاب إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فهال المسلمون أمرهم ، فنزلوا ناحية من الخندق ، وأقاموا بمكانهم بضعا وعشرين ليلة لم يكن بينهم حرب إلّا الرمي بالنبل والحصى ، ثمّ انتدب فوارس قريش للبراز منهم : عمرو بن عبدود ، وعكرمة بن أبي جهل ، وهبيرة بن أبي وهب ، وضرار بن الخطّاب ، وتلبّبوا (٢) للقتال وأقبلوا على خيولهم حتّى وقفوا على الخندق ، وقالوا : هذه مكيدة ما كانت العرب تكيدها ، ثمّ تيمّموا مكانا من الخندق فيه ضيق ، فضربوا خيولهم فاقتحمت وجاءت بهم إلى السبخة بين الخندق وسلع (٣) ، وخرج عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام في نفر معه حتّى أخذوا عليهم الثغرة التي اقتحموها فتقدّم عمرو بن عبدودّ وطلب البراز وقتله عليّ عليه‌السلام على ما نذكره (٤).

__________________

(١) إعلام الورى ١ : ١٩١ ، وورد نحوه في تفسير القمّيّ ٢ : ١٧٨ ، وانظر : سيرة ابن هشام ٣ : ٢٣٠ ودلائل النبوّة للبيهقيّ ٣ : ٤١٧ والمغازي للواقديّ ٢ : ٤٥٠ والكامل في التاريخ ٢ : ١٧٩.

(٢) في «ص» ، والبحار : (تلّبوا) ، في إعلام الورى : (تهيّؤوا) بدلا من : (تلبّبوا).

(٣) سلع : جبل بسوق المدينة ، وقيل : هو موضع بقرب المدينة (معجم البلدان ٣ : ٢٣٦).

(٤) إعلام الورى ١ : ١٩٢ ، وانظر : تفسير القمّيّ ٢ : ١٨٢ ، المغازي للواقدي ٢ : ٤٧٠ ، سيرة ابن هشام ٣ : ٢٣٥ ، دلائل النبوّة للبيهقيّ ٣ : ٤٣٦.

٢٦٦

ولمّا رأى هبيرة وعكرمة عمروا مقتولا انهزموا ، ورمى ابن الغرقة (١) بسهم فأصاب أكحل (٢) سعد بن معاذ ، فقال : خذها وأنا ابن غرقة قال : غرق الله وجهك في النار ، اللهمّ إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئا فأبقني لحربهم ، فإنّه لا قوم أحبّ إليّ قتالا من قوم كذّبوا رسولك وأخرجوه من حرمك فأنامه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على فراشه وبات على الأرض (٣).

ونادى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بأشجى صوت : «يا صريخ المكروبين ، ويا مجيب دعوة المضطرّين ، اكشف همّي وكربي ، فقد ترى حالي وحال من معي». فنزل جبرئيل عليه‌السلام وقال : يا محمّد ، إنّ الله عزوجل استجاب دعوتك ، فجثا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على ركبتيه وبسط يديه وأرسل بالدمع عينيه ، ثمّ نادى : شكرا شكرا كما آويتني وآويت من معي ، ثمّ قال جبرئيل : يا رسول الله ، إنّ الله قد نصرك وبعث عليهم ريحا من السماء فيها الحصى ، وريحا من السماء الرابعة فيها الجنادل (٤).

قال حذيفة : فبعثني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى آتيه بخبرهم ، فخرجت فإذا أنا بنيران القوم قد طفئت وخمدت ، وأقبل جند الله الأوّل بريح شديدة فيها الحصى ، فما تركت نارا لهم إلّا أخمدتها ولا خباء إلّا طرحتها ، حتّى جعلوا يتترّسون من الحصى ، وكنت أسمع وقع الحصى في التّرسة ، وأقبل جند الله الأعظم ، فقام أبو سفيان إلى راحلته ، ثمّ صاح في قريش : النّجا النّجا ، ثمّ فعل عيينة بن

__________________

(١) في إعلام الورى هنا وفي الموضع الآتي ١ : ١٩٣ (ابن العرقة).

(٢) الأكحل : عرق في الذراع يفصد ، وقيل : هو عرق الحياة ، ويدعى نهر البدن.

(٣) إعلام الورى ١ : ١٩٣ ، انظر : الطبقات الكبرى ٢ : ٦٧ ، الكامل في التاريخ ٢ : ١٨٢ ، ونقله المجلسيّ في بحار الأنوار ٢٠ : ٢٠٦.

(٤) الجندل : الحجارة قدر ما يرمى بالمقذاف ، وهو الجلمد أيضا (ترتيب كتاب العين ١ : ٣٢٢).

٢٦٧

حصين رأس بني فزارة مثل ذلك ، وفعل الحارث بن عوف سيّد بني مرّة مثلها وذهب الأحزاب.

ورجع حذيفة إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأخبره الخبر ، فأنزل الله تعالى جلّت عظمته على رسوله : (اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها)(١).

وأصبح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالمسلمين حتّى دخل المدينة فقرّبت له ابنته فاطمة عليها‌السلام غسولا فهي تغسل رأسه ، إذ أتاه جبرئيل على بغلة معتجرا (٢) بعمامة بيضاء ، عليه قطيفة من استبرق ، معلّق عليها الدرّ والياقوت ، عليه الغبار ، فقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فمسح الغبار من وجهه ، فقال له جبرئيل : رحمك ربّك ، وضعت السلاح ولم تضعه أهل السماء ، وما زلت أتبعهم حتّى بلغت الروحاء (٣).

ثمّ قال جبرئيل : انهض إلى إخوانهم من أهل الكتاب ، فو الله لأدقّنّهم دقّ البيضة على الصخرة ، فحاصرهم رسول الله خمسا وعشرين ليلة ، حتّى نزلوا على حكم سعد بن معاذ ، فحكم فيهم بقتل الرجال ، وسبي الذراري والنساء ، وقسمة الأموال ، وأن يجعل عقارهم للمهاجرين دون الأنصار ، فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : لقد حكمت فيهم بحكم الله ، فلمّا جيء بالأسارى حبسوا في دارهم وأمر بعشرة فأخرجوا ، فضرب عليّ عليه‌السلام أعناقهم ، ثمّ انفجرت رمية سعد والدم ينفجر حتّى قضى (٤).

__________________

(١) الأحزاب : ٩ ، إعلام الورى ١ : ١٩٣ ، وانظر : الكافي ٨ : ٢٧٧ / ٤٢٠ ، تفسير القمّيّ ٢ : ١٨٦ ، سيرة ابن هشام ٣ : ٢٤٢ ، الطبقات الكبرى ٢ : ٧٤.

(٢) الاعتجار : لفّ العمامة دون التلحّي (لسان العرب ٤ : ٥٤٤).

(٣) قال الحموي في معجم البلدان ٣ : ٧٦ : الروح والراحة من الاستراحة ، ويوم روح أي طيب ، وأظنّه قيل للبقعة روحاء أي طيبة ذات راحة ، ويعضده ما ذكره الكلبيّ قال : لمّا رجع تبّع من قتال أهل المدينة يريد مكّة نزل بالروحاء فأقام بها وأراح فسمّاها الروحاء.

(٤) إعلام الورى ١ : ١٩٤ وعنه في بحار الأنوار ٢٠ : ٢٠٢ و ٢٥٣ و ٢٧١ ، وانظر : مناقب ابن شهر ـ

٢٦٨

[غزوة الحديبيّة]

[٤٩١ / ٣٢] ـ ثمّ كانت غزوة الحديبيّة في ذي القعدة ، خرج في أناس كثير من أصحابه يريد العمرة وساق معه سبعين بدنة ، وبلغ ذلك المشركين ، فبعثوا خيلا ليصدّوه عن المسجد الحرام ، وكان صلى‌الله‌عليه‌وآله يرى أنّهم لا يقاتلونه ، لأنّه خرج في الشهر الحرام وأتى بديل بن ورقاء إلى قريش ، وقال : خفّضوا عليكم ، فإنّه لم يأت يريد قتالكم ، وإنّما يريد زيارة هذا البيت ، فقالوا : والله لا نسمع منك ولا تحدّث العرب أنّه دخلها عنوة ولا نقبل منه إلّا أن يرجع عنّا ، ثمّ بعثوا إليه مكرز بن حفص وخالد ابن الوليد ، وصدّوا الهدي.

ثمّ إنّهم بعثوا ب : سهيل بن عمرو (١) ، فقال : يا أبا القاسم ، إنّ مكّة حرمنا وقد تسامعت العرب أنّك غزوتنا ، ومتى تدخل علينا مكّة عنوة يطمع فينا فنتخطّف ، وإنّا نذكّرك الرحم فإنّ مكّة بيضتك التي تفلّقت عن رأسك.

قال : فما تريد؟ قال : أريد أن تكتب بيني وبينك هدنة على أن أخليها لك في قابل ، ولا تدخلها بحرب وسلاح إلّا سلاح الراكب السيف في القراب والقوس.

فكتب رسول الله ذلك ، ورجع صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى المدينة ، فأنزل الله تعالى جلّ ذكره في الطريق : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً)(٢) فما انقضت تلك المدّة حتّى كاد الإسلام يستولي على أهل مكّة (٣).

__________________

ـ آشوب ١ : ١٩٧ ، تفسير القمّيّ ٢ : ١٨٩ ، سيرة ابن هشام ٣ : ٢٤٤ ، الطبقات الكبرى ٢ : ٧٤ ، تاريخ الطبريّ ٢ : ٥٨١ ، الكامل في التاريخ ٢ : ١٨٥.

(١) في «ص» «م» «ر» «س» : (سهل بن عمرو) ، والمثبت من إعلام الورى والبحار.

(٢) الفتح : ١.

(٣) إعلام الورى ١ : ٢٠٣ وعنه في بحار الأنوار ٢٠ : ٣٦١ / ١٠ ، وانظر : الإرشاد للمفيد ١ : ١١٩ ، المناقب لابن شهر آشوب ١ : ٢٠٢ ، سيرة ابن هشام ٣ : ٣٢٢ ، تاريخ اليعقوبيّ ٢ : ٥٤.

٢٦٩

[غزوة خيبر]

[٤٩٢ / ٣٣] ـ ثمّ كانت غزوة خيبر في ذي الحجّة سنة ستّ ، وحاصرهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بضعا وعشرين ليلة ، وبخيبر أربعة عشر ألف يهوديّ في حصونهم ، فجعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يفتحها حصنا حصنا ، وكان من أشدّها القموص ، فأخذ أبو بكر راية المهاجرين ، فقاتلهم بها فرجع منهزما ، ثمّ أخذها عمر فرجع منهزما.

فساء رسول الله ذلك ، فقال : لأعطينّ الراية غدا رجلا يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله ، كرّار غير فرّار ، فقال عليّ عليه‌السلام لمّا سمع مقالة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «اللهمّ لا معطي لما منعت ، ولا مانع لما أعطيت» ، فأصبح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : ادعوا لي عليّا.

فقالوا : إنّه أرمد ، فقال : أرسلوا إليه وادعوه ، فأتي به يقاد ، فتفل في عينيه فقام وكأنّ عينيه جزعتان (١) ، وأعطاه الراية ودعا له فأقبل حتّى ركّزها قريبا من الحصن ، فخرج إليه مرحب ، فبارزه فضرب رجله فقطعها ، وحمل عليّ والجماعة على اليهود فانهزموا (٢).

[٤٩٣ / ٣٤] ـ قال الباقر عليه‌السلام : انتهى إلى باب الحصن وقد أغلق ، فاجتذبه اجتذابا شديدا وتترّس به ، ثمّ حمله على ظهره واقتحم الحصن اقتحاما ، ثمّ رمى الباب بعد ما اقتحم المسلمون ، وخرج البشير إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ عليّا دخل الحصن وأتاه البشير بقدوم جعفر بن أبي طالب وأصحابه من الحبشة إلى المدينة ، فقال :

__________________

(١) قال في لسان العرب ٨ : ٤٨ : الجزع ضرب من الخرز ، وقيل : هو الخرز اليمانيّ ، وهو الذي فيه بياض وسواد ، تشبّه به الأعين.

(٢) إعلام الورى ١ : ٢٠٧ وعنه في بحار الأنوار ٢١ : ٢١ / ١٧ ، وانظر : الإرشاد للمفيد ١ : ١٢٥ ، الخرائج والجرائح ١ : ١٥٩ / ٢٤٩ ، المغازي للواقديّ ٢ : ٦٥٣ ، الطبقات الكبرى ٢ : ١١٠ ، سيرة ابن هشام ٣ : ٣٤٩ ، تاريخ الطبريّ ٣ : ١١.

٢٧٠

ما أدري بأيّهما أنا أسرّ : بفتح خيبر أم بقدوم جعفر؟

وتلقّاه رسول الله فلمّا نظر جعفر [إلى] النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله مشى على رجل واحدة إعظاما لرسول الله ، وأخذ عليّ عليه‌السلام فيمن أخذ صفيّة بنت حييّ (١) ، فدعا بلالا فدفعها إليه ، وقال : لا تضعها إلّا في يدي رسول الله ، فاصطفاها رسول الله وأعتقها وتزوّجها.

ثمّ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّ : قم إلى حوائط فدك (٢) ، فخرج يصالحهم على أن يحقن (٣) دماءهم وحوائط فدك لرسول الله خاصّا خالصا ، فنزل جبرئيل فقال : إنّ الله يأمرك أن تؤتي ذا القربى حقّه ، قال : يا جبرئيل ، ومن قرباي؟ وما حقّها؟ قال : اعط فاطمة حوائط فدك واكتب لها كتابا (٤).

[غزوة الفتح]

[٤٩٤ / ٣٥] ـ ثمّ كانت غزوة الفتح في شهر رمضان من سنة ثمان ، وذلك أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا صالح قريشا عام الحديبيّة ، دخلت خزاعة في حلف النبيّ ، ودخلت كنانة في حلف قريش ، ولمّا مضت سنتان قعد كنانيّ يروي هجاء رسول الله ، فقال خزاعيّ : لا تذكر هذا.

قال : ما أنت وذاك؟ قال : إن عدت لأكسرنّ فاك ، فأعادها فضربه الخزاعيّ ، فاقتتلا ثمّ قبيلتاهما ، وأعان قريش كنانة ، فركب عمرو بن سالم إلى رسول الله فأخبره الخبر ، فقال عليه‌السلام : لا نصرت إن لم أنصر بني كعب.

__________________

(١) في «ر» : (بنت حيّ بن أخطب).

(٢) أي بساتين فدك (انظر : تاج العروس ١٠ : ٢٢٦).

(٣) في «ر» «س» : (فصالحهم على أن تحقن) بدلا من : (فخرج يصالحهم على أن يحقن).

(٤) إعلام الورى ١ : ٢٠٨ وعنه في بحار الأنوار ٢١ : ٢٢ / ١٧ ، وانظر : سيرة ابن هشام ٣ : ٣٤٩ وتاريخ الطبريّ ٣ : ١٣.

٢٧١

ثمّ أجمع رسول الله على المسير إلى مكّة ، فكتب حاطب بن أبي بلتعة مع سارة مولاة أبي لهب لعنه الله إلى قريش أنّ رسول الله خارج إليكم ، فخرجت ، فنزل جبرئيل عليه‌السلام فأخبره ، فدعا عليّا عليه‌السلام والزبير ، فقال : أدركاها وخذا منها الكتاب ، فخرجا وأخذا الكتاب ورجعا إلى رسول الله.

[قال : فدعا صلى‌الله‌عليه‌وآله حاطبا فقال له : انظر ما صنعت](١) فقال حاطب : يا رسول الله ، ما شككت ولكن أهلي بمكّة ، فأردت أن تحفظني قريش فيهم ، ثمّ أخرجه عن (٢) المسجد فجعل الناس يدفعون في ظهره وهو يلتفت إلى رسول الله ، فأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بردّه وقال : عفوت عنك ، فاستغفر ربّك ولا تعد لمثله ، فأنزل الله تعالى جلّ ذكره : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ)(٣)(٤).

ثمّ خرج رسول الله فاستخلف أبا لبابة على المدينة ، وصام الناس حتّى نزل على كراع الغميم (٥) ، فأمر بالإفطار فأفطر الناس ، وصام قوم فسمّوا العصاة ، ثمّ سار حتّى نزل بمرّ الظهران (٦) ومعه نحو عشرة آلاف رجل ، وقد عميت الأخبار عن قريش ، فخرج أبو سفيان في تلك الليلة وحكيم بن حزام وبديل بن ورقا هل يسمعون خبرا.

وقد كان العبّاس خرج يلتقي رسول الله ، وقد تلقّاه بثنيّة العقاب ، وقال العبّاس

__________________

(١) مابين المعقوفين أضفناه من إعلام الورى ١ : ٢١٦.

(٢) في «س» : (من).

(٣) الممتحنة : ١.

(٤) إعلام الورى ١ : ٢١٥ وعنه في بحار الأنوار ٢١ : ١٢٤ / ٢٢ ، وانظر : سيرة ابن هشام ٤ : ٣٢ ، تاريخ اليعقوبيّ ٢ : ٥٨ ، الكامل في التاريخ ٢ : ٢٣٩ ، سيرة ابن كثير ٣ : ٥٢٦.

(٥) كراع الغميم موضع بين مكّة والمدينة (معجم البلدان ٤ : ٢١٤).

(٦) قال ياقوت في معجم البلدان ٤ : ٦٣ : الظهران : واد قرب مكّة وعنده قرية يقال لها : مرّ ، تضاف إلى هذا الوادي فيقال : مرّ الظهران.

٢٧٢

في نفسه : هذا هلاك قريش إن دخلها رسول الله عنوة ، قال : فركبت بغلة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله البيضاء وخرجت أطلب الحطّابة أو صاحب لبن لعلّي آمره أن يأتي قريشا ، فيركبوا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ليستأمنوا إليه ، إذ لقيت أبا سفيان يقول : ما هذه النيران (١)؟ قال : هذه خزاعة ، قال : خزاعة أقلّ من هذا ، ولكن لعلّ هذا تميم أو ربيعة.

قال العبّاس (٢) : فعرفت صوت أبي سفيان ، فقلت : أبا حنظلة ، قال : لبّيك ، فمن أنت؟ قلت : أنا العبّاس. قال : فما هذه النيران؟ قلت : هذا رسول الله في عشرة آلاف من المسلمين ، قال : فما الحيلة؟ قلت : تركب في عجز هذه البغلة ، فأستأمن لك رسول الله.

فأردفته خلفي ثمّ جئت به ، فقام بين يدي رسول الله ، فقال : ويحك! ما آن لك أن تشهد أن لا إله إلّا الله ، وأنّي رسول الله؟

فقال أبو سفيان : ما أكرمك وأوصلك وأجلّك ، أما والله لو كان معه إله لأغنى يوم بدر ويوم أحد ، وأمّا أنّك رسول الله فإنّ في نفسي منها شيئا ، قال العبّاس : يضرب والله عنقك الساعة أو تشهد أنّه رسول الله ، فقال : فإنّي أشهد أن لا إله إلّا الله ، وأنّك رسول الله ، فلجلج بها فوه.

ثمّ قال رسول الله : يا أبا الفضل ، أبته عندك الليلة واغد به عليّ ، ثمّ غدا به إلى رسول الله ، فقال : يا رسول الله ، إنّي أحبّ أن تأذن لي وآتي قومك فأنذرهم وأدعوهم إلى الله وإلى رسول الله ، ثمّ قال للعبّاس : كيف أقول لهم؟ قال : تقول لهم : من قال : أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمّدا

__________________

(١) في إعلام الورى : (إذ لقيت أبا سفيان وبديل بن ورقاء وحكيم بن حزام ، وأبو سفيان يقول لبديل : ما هذه النيران؟!).

(٢) كلمة : (العبّاس) لم ترد في النسخ الأربع ، وأثبتناها من إعلام الورى ١ : ٢٢٠.

٢٧٣

رسول الله وكفّ يده فهو آمن.

قال العبّاس : يا رسول الله ، إنّ أبا سفيان رجل يحبّ الفخر ، فإن خصّصته بمعروف. فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : من دخل دار أبي سفيان فهو آمن. قال أبو سفيان : داري؟ قال : دارك ، ثمّ قال : ومن أغلق بابه فهو آمن.

وأتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله البيت ، وأخذ بعضادتي الباب ثمّ قال : «لا إله إلّا الله (١) ، أنجز وعده ، ونصر عبده ، وغلب الأحزاب وحده». ثمّ قال : ما تظنّون؟ وما أنتم قائلون؟ قال سهل : نقول خيرا ونظنّ خيرا ، أخ كريم وابن عمّ ، قال : فإنّي أقول لكم كما قال أخي يوسف : (لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)(٢)(٣).

[غزوة حنين]

[٤٩٥ / ٣٦] ـ ثمّ كانت غزوة حنين ، وهو أنّ هوازن جمعت له (٤) جمعا كثيرا ، فذكر لرسول الله أنّ صفوان بن أميّة عنده مائة درع فسأله ذلك ، فقال : أغصبا يا محمّد؟ قال : لا ولكن عارية مضمونة ، قال : لا بأس بهذا ، فأعطاه ، فخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في ألفين من مكّة (٥) ، فأنزل الله : (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ)(٦).

قال جابر : فسرنا حتّى إذا استقبلنا وادي حنين ، وكان القوم قد كمنوا في شعاب الوادي ومضايقه ، فما راعنا إلّا كتائب الرجال بأيديهم السيوف والقنا ، فشدّوا علينا

__________________

(١) في «ر» «س» زيادة : (وحده و).

(٢) يوسف : ٩٢.

(٣) إعلام الورى ١ : ٢٢٣ وعنه في بحار الأنوار ٢١ : ١٢٤ و ١٤٠ ، وانظر : مناقب ابن شهر آشوب ١ : ٢١٠.

(٤) في «ر» «س» : (لهم).

(٥) في البحار زيادة : (وعشرة آلاف كانوا معه ، فقال أحد أصحابه : لن نغلب اليوم من قلّة).

(٦) التوبة : ٢٥.

٢٧٤

شدّة رجل واحد ، فانهزم الناس كلّهم لا يلوي أحد على أحد ، وأخذ رسول الله ذات اليمين ، وأحدق ببغلته تسعة من بني عبد المطّلب (١).

فأقبل مالك بن عوف يقول : أروني محمّدا ، فأروه ، فحمل على رسول الله فأبى فرسه أن يقدم نحو رسول الله ، ونادى رسول الله أصحابه وذمّرهم (٢) ، فأقبل أصحابه سريعا ، وقال : «الآن حمى الوطيس» (٣).

أنا النبيّ لا كذب

أنا ابن عبد المطّلب (٤)

ونزل وقبض قبضة من تراب ثمّ استقبل به وجوههم ، وقال : شاهت الوجوه (٥) ، فولّوا مدبرين وأتبعهم المسلمون ، فقتلوهم وغنمهم الله نساءهم وذراريهم وشاءهم وأموالهم (٦).

وفرّ مالك بن عوف ودخل حصن الطائف مع أشراف قومه ، وأسلم عند ذلك كثير من أهل مكّة حين رأوا نصر الله (٧).

__________________

(١) إعلام الورى ١ : ٢٣٠ وعنه في بحار الأنوار ٢١ : ١٦٦ / ضمن ح ٩ ، وانظر : مناقب ابن شهر آشوب ١ : ٢١١ ، سيرة ابن هشام ٤ : ٨٥ ، تاريخ الطبريّ ٣ : ٧٤ ، دلائل النبوّة للبيهقيّ ٥ : ١٢٦ ، الكامل في التاريخ ٢ : ٢٦٢ (باختلاف يسير).

(٢) قال في لسان العرب ٤ : ٣١١ ذمّرهم : لامهم وحضّهم وحثّهم.

(٣) الوطيس : التنّور كما في نهاية ابن الأثير عند الكلام في : حما ، (١ : ٤٤٧) وقال : هو كناية عن شدّة الأمر واضطرام الحرب. ويقال : إنّ هذه الكلمة أوّل من قالها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا اشتدّ البأس يومئذ (يوم حنين) ولم تسمع قبله وهو من أحسن الإستعارات. وقال في حرف الطاء (٥ : ٢٠٤) : الوطيس شبه التنّور .. ولم يسمع هذا الكلام من أحد قبل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو من فصيح الكلام عبّر به عن اشتباك الحرب وقيامها على ساق.

(٤) إعلام الورى ١ : ٢٣٢ وعنه في بحار الأنوار ٢١ : ١٦٧ / ضمن ح ٩ ، دلائل النبوّة للبيهقيّ ٥ : ١٣١.

(٥) أي قبحت الوجوه (معجم مقاييس اللغة ٣ : ٢٣١).

(٦) إعلام الورى ١ : ٢٣٢ وعنه في بحار الأنوار ٢١ : ١٦٧ ، وانظر : دلائل النبوّة للبيهقيّ ٥ : ١٤٠ ، تفسير القمّيّ ١ : ٢٨٧ ، الطبقات الكبرى ٥ : ٥٦.

(٧) إعلام الورى ١ : ٢٣٢ وعنه في بحار الأنوار ٢١ : ١٦٧ ، وانظر : دلائل النبوّة للبيهقيّ ٥ : ١٣٢.

٢٧٥

[٤٩٦ / ٣٧] ـ قال الصادق عليه‌السلام : سبى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أربعة آلاف رأس واثنتي عشرة ألف ناقة سوى ما لا يعلم من الغنايم (١).

وخلّف رسول الله الأنفال في الجعرانة (٢) ، وافترق المشركون فرقتين فأخذت الأعراب أوطاس وثقيف الطائف ، وبعث إلى أوطاس من فتح عليه (٣).

[غزوة الطائف]

[٤٩٧ / ٣٨] ـ وسار صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الطائف فحاصرهم بضعة عشر يوما ، ثمّ انصرف عنهم ، ثمّ جاءه وفدهم في شهر رمضان فأسلموا.

ثمّ رجع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الجعرانة وقسّم الغنائم ، وكان فيمن سبي أخته بنت حليمة ، فلمّا قامت على رأسه ، قالت : يا محمّد ، أختك شيماء بنت حليمة ، فنزع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بردته وبسطها لها فأجلسها عليها ، ثمّ أكبّ عليها يسألها (٤).

وأدرك وفد هوازن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالجعرانة وقد أسلموا ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من أمسك منكم بحقّه ، فله بكلّ إنسان ستّ فرائض من أوّل فيء نصيبه ، فردّوا إلى الناس نساءهم وأولادهم ، وكلّمته أخته في مالك بن عوف ، فقال : إن جاءني فهو آمن ، فأتاه فردّ عليه ماله وأعطاه مائة من الإبل (٥).

__________________

(١) إعلام الورى ١ : ٢٣٣ وفيه : قال : أبان وحدّثني محمّد بن الحسن بن زياد ، عن أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام .. وعنه في بحار الأنوار ٢١ : ١٦٨ ، وانظر : المناقب لابن شهر آشوب ١ : ٢١١.

(٢) الجعرانة : ماء بين الطائف ومكّة ، وهي إلى مكّة أقرب (معجم البلدان ٢ : ١٤٢).

(٣) إعلام الورى ١ : ٢٣٣ ، وانظر : الإرشاد للمفيد ١ : ١٥١ ، سيرة ابن هشام ٤ : ٩٧ ، المغازي للواقديّ ٣ : ٩١٥ ، دلائل النبوّة للبيهقيّ ٥ : ١٥٢ ، الكامل في التاريخ ٢ : ٢٦٥.

(٤) إعلام الورى ١ : ٢٣٩ وعنه في بحار الأنوار ٢١ : ١٧١ ، وانظر : الإرشاد للمفيد ١ : ١٤٥ ، سيرة ابن هشام ٤ : ١٤١ ، دلائل النبوّة ٥ : ١٧٦ ، الكامل في التاريخ ٢ : ٢٧١.

(٥) إعلام الورى ١ : ٢٣٩ وعنه في بحار الأنوار ٢١ : ١٧١ ، وانظر : الإرشاد للمفيد ١ : ١٤٥ ، سيرة ابن هشام ٤ : ١٤١ ، دلائل النبوّة ٥ : ١٧٦.

٢٧٦

[غزوة تبوك]

[٤٩٨ / ٣٩] ـ ثمّ كانت غزوة تبوك ، فتهيّأ في رجب لغزو الروم ، وكتب إلى قبائل العرب ممّن دخل في الإسلام ، فرغّبهم في الجهاد وضرب عسكره فوق ثنيّة الوداع ، واستعمل عليّا عليه‌السلام على المدينة ، وقال : لا بدّ للمدينة منّي أو منك ، فلمّا نزل الجرف لحقه عليّ ، وقال : يا رسول الله ، زعمت قريش إنّما خلّفتني استثقالا لي ، فقال : طالما آذت الأمم الأنبياء ، أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى عليهما‌السلام ، قال : قد رضيت.

ثمّ رجع إلى المدينة وأتاه ـ وهو بتبوك ـ يحنة بن روبة صاحب إيلة (١) فأعطاه الجزية ، وبعث خالدا إلى الأكيدر صاحب دومة الجندل ، وقال : لعلّ الله يكفيكه بصيد البقر فتأخذه ، فبينا خالد في ليلة إضحيان (٢) مع أصحابه إذ أقبلت البقرة تنتطح على باب حصن أكيدر وهو مع امرأتين له ، فقام فركب في ناس من أهله ، فطلبوها فكمن خالد وأصحابه فأخذوه وقتلوا أخاه وأفلت أصحابه ، فأغلقوا الباب فأقبل خالد بأكيدر فسألهم أن يفتحوا فأبوا ، فقال : أرسلني فإنّي أفتح الباب ، فأخذ عليه موثقا وأرسله فدخل وفتح الباب حتّى دخل خالد وأصحابه ، فأعطاه ثمانمائة رأس وألفي بعير وأربعمائة درع وخمسمائة سيف وصالح على الجزية (٣).

وكانت تبوك آخر غزوات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وكانت غزوات كثيرة في خلال ما ذكرناه.

__________________

(١) إيلة : مدينة بين الفسطاط ومكّة على شاطئ بحر القلزم تعد من بلاد الشام (معجم البلدان ١ : ٢٩٢).

(٢) ليلة إضحيان أي مضيئة لا غيم فيها.

(٣) إعلام الورى ١ : ٢٤٤ وعنه في بحار الأنوار ٢١ : ٢٤٤ ، وانظر : الإرشاد للمفيد ١ : ١٥٤ ، المغازي للواقديّ ٣ : ١٠٢٥ ، سيرة ابن هشام ٤ : ١٦٩ ، دلائل النبوّة للبيهقيّ ٥ : ٢٥٢ ، الطبقات الكبرى ٢ : ١٦٥.

٢٧٧

فصل

[إبلاغ سورة براءة]

[٤٩٩ / ٤٠] ـ ثمّ نزلت سورة براءة في سنة تسع ، فدفعها إلى أبي بكر ، فسار بها ، فنزل جبرئيل عليه‌السلام فقال : إنّه لا يؤدّي عنك إلّا أنت أو رجل منك ، فبعث عليّا عليه‌السلام على ناقته العضباء ، فلحقه وأخذ منه الكتاب ، فقال له أبو بكر : أنزل فيّ شيء؟ فقال : لا ولكن لا يؤدّي عن رسول الله إلّا هو أو أنا ، فسار بها عليّ عليه‌السلام حتّى أدّى بمكّة يوم النحر.

وكان في عهده : أن ينبذ إلى المشركين عهدهم ، وأن لا يطوف بالبيت عريان ، ولا يدخل المسجد مشرك ، ومن كان له عهد فإلى مدّته ، ومن لم يكن له عهد فله أربعة أشهر ، فإن أخذناه بعد أربعة أشهر قتلناه ، وذلك قوله تعالى : (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ)(١) الآية ، ولمّا دخل مكّة قال : والله لا يطوف بالبيت عريان إلّا ضربته بالسيف ، فطافوا وعليهم الثياب (٢).

[٥٠٠ / ٤١] ـ ثمّ قدم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ب عروة بن مسعود الثقفيّ مسلما ، واستأذن في الخروج إلى قومه ، فقال : أخاف أن يقتلوك ، قال : إن وجدوني نائما ما أيقظوني ، فأذن له رسول الله ، فرجع إلى الطائف ودعاهم إلى الإسلام فعصوه ، ثمّ أذّن في داره فرماه رجل بسهم فقتله ، وأقبل بعد قتله من ثقيف بضعة عشر رجلا من أشراف ثقيف فأسلموا ، فأكرمهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأمّر عليهم عثمان بن

__________________

(١) التوبة : ٥.

(٢) إعلام الورى ١ : ٢٤٨ وعنه في بحار الأنوار ٢١ : ٢٧٤ / ٩ ، وانظر : تفسير العيّاشيّ ٢ : ٧٣ / ٤ ، إرشاد المفيد ١ : ٦٥ ، سيرة ابن هشام ٤ : ١٩٠ ، تاريخ اليعقوبيّ ٢ : ٧٦ ، تاريخ الطبريّ ٣ : ١٢٣ ، مناقب الخوارزميّ : ١٠٠ ، دلائل النبوّة للبيهقيّ ٥ : ٢٩٦.

٢٧٨

أبي العاص بن بشر ، وقال : يا رسول الله ، إنّ الشيطان قد حال بين صلاتي وقراءتي ، قال : تعوّذ بالله منه واتفل عن يسارك ، قال : ففعلت فأذهب الله عنّي (١).

فلمّا أسلمت ثقيف ضربت إلى رسول الله وفود العرب ، فدخلوا في دين الله تعالى أفواجا (٢).

[وفد نجران]

[٥٠١ / ٤٢] ـ ثمّ قدم وفد نجران بضعة عشر رجلا ، العاقب أميرهم واسمه عبد المسيح ، وأبو حارثة علقمة الأسقف وهو حبرهم وإمامهم ، فقال الأسقف : ما تقول يا محمّد في السيّد المسيح؟

قال : هو عبد الله ورسوله. قال : بل هو كذا وكذا ، فترادّا ، فنزل : (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ)(٣) فقالوا : نباهلك غدا ، فلمّا كان من الغد ، قال أبو حارثة لأصحابه : إن كان غدا بولده وأهل بيته فاحذروا مباهلته ، وإن غدا بأصحابه فباهلوه ، فغدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله آخذا بيد الحسن والحسين تتبعه فاطمة وبين يديه عليّ عليهم‌السلام ، فجثا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على ركبتيه.

فقال أبو حارثة : جثا كما جثا الأنبياء للمباهلة ، فكعّ ولم يقدم للمباهلة ، فقالوا :

يا أبا القاسم إنّا لا نباهلك ولكن نصالحك (٤).

__________________

(١) إعلام الورى ١ : ٢٤٩ وعنه في بحار الأنوار ٢١ : ٣٦٤ / ١ ، وانظر : سيرة ابن هشام ٤ : ١٨٢ ، الطبقات الكبرى ١ : ٣١٢ ، تاريخ الطبريّ ٣ : ٩٦ ، دلائل النبوّة للبيهقيّ ٥ : ٣٠٧.

(٢) في إعلام الورى ١ : ٢٥٠ تفصيل الوفود التي وفدت عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وانظر : سيرة ابن هشام ٤ : ٢٠٦ ، تاريخ الطبريّ ٣ : ١١٥ ، دلائل النبوّة للبيهقيّ ٥ : ٣١٣.

(٣) آل عمران : ٥٩.

(٤) إعلام الورى ١ : ٢٥٤ وعنه في بحار الأنوار ٢١ : ٣٣٦ ، وانظر : إرشاد المفيد ١ : ١٦٦ ، مجمع البيان ١ : ٤٥١ ، تاريخ اليعقوبيّ ٢ : ٨٢ ، سيرة ابن هشام ٢ : ٢٢٢ ، الطبقات الكبرى ١ : ٣٥٧.

٢٧٩

فصل

[الحجّ في السنة العاشرة وبيعة الغدير]

[٥٠٢ / ٤٣] ـ ثمّ بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عليا إلى اليمن ليدعوهم إلى الإسلام وخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من المدينة متوجّها إلى الحجّ في السنة العاشرة ، فلمّا انتهى إلى ذي الحليفة ولدت أسماء بنت عميس ب : محمّد بن أبي بكر ، فأقام تلك الليلة من أجلها ، وأحرم من ذي الحليفة وأحرم الناس معه ، وكان قارنا للحجّ بسياق الهدي ، وقد ساق معه ستّا وستّين بدنة ، وحجّ عليّ عليه‌السلام من اليمن وساق معه أربعا وثلاثين بدنة ، وخرج من معه من العسكر.

ولمّا قدم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله مكّة وطاف وسعى نزل جبرئيل وهو على المروة بقوله : (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ)(١) فخطب الناس ، وقال : دخلت العمرة في الحجّ هكذا إلى يوم القيامة ـ وشبّك بين أصابعه ـ ثمّ قال : «لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ، ثمّ أمر مناديه ، فنادى : من لم يسق منكم هديا فليحل وليجعلها عمرة ، ومن ساق منكم هديا فليقم على إحرامه».

ولمّا قضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نسكه وقفل إلى المدينة وانتهى إلى الموضع المعروف بغدير خمّ ، نزل عليه جبرئيل بقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ)(٢) وكان يوما شديد الحرّ ، فنزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأمر بدوحات (٣) هناك فقمّ ما تحتها ، وأمر بجمع الرحال في ذلك المكان ، ووضع بعضها على بعض ، ثمّ أمر مناديه ، فنادى في الناس بالصلاة ، فاجتمعوا إليه ، وأنّ أكثرهم ليلفّ

__________________

(١) البقرة : ١٩٦.

(٢) المائدة : ٦٧.

(٣) الدوحة : الشجرة العظيمة ، أي شجرة كانت (المصباح المنير : ١٠٢).

٢٨٠