قصص الأنبياء عليهم السلام - ج ٢

قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي [ قطب الدين الراوندي ]

قصص الأنبياء عليهم السلام - ج ٢

المؤلف:

قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي [ قطب الدين الراوندي ]


المحقق: عبدالحليم عوض الحلّي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة العلامة المجلسي رحمه الله
المطبعة: عمران
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-91180-3-8
الصفحات: ٤٣٢

وأنا طفل خماسيّ ، إذ دخل عليه نفر من اليهود ، فسألوه عن دلائل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال لهم : سلوا هذا.

فقال أحدهم : ما أعطي نبيّكم من الآيات التي نفت الشكّ ، قلت : آيات كثيرة ، اسمعوا وعوا أنتم ، تدرون أنّ الجنّ كانت تسترق السمع قبل مبعث نبيّ الله ، ثمّ بعث في أوّل رسالته بالرجوم وبطلان الكهنة والسحرة ، فإنّ أبا جهل أتاه وهو نائم خلف جدار ومعه حجر يريد أن يرميه (١) فالتصق بكفّه.

ومن ذلك كلام الذئب ، وكلام البعير ، وأنّ امرأة عبد الله بن مسلم أتته بشاة مشويّة (٢) مسمومة ومع النبيّ بشر بن البراء بن عازب ، فتناول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله الذراع وتناول بشر الكراع ، فأمّا النبيّ فلاكها ولفظها ، وقال : إنّها لتخبرني أنّها مسمومة ، وأمّا بشر فلاكها وابتلعها ، فمات فأرسل إليها فأقرّت ، قال : فما حملك على ما فعلت؟

قالت : قتل (٣) زوجي وأشراف قومي ، قلت : إن كان ملكا قتلته ، وإن كان نبيّا ، فسيطلعّه الله على ذلك ، وأشياء كثيرة عدّدها على اليهودي ، فأسلم اليهوديّ ومن معه من اليهود (٤) ، فكساهم أبو عبد الله عليه‌السلام ووهب لهم (٥).

[معجزة الماء والطعام]

[٤٥٧ / ٤٧] ـ وعنه ، عن أبيه ، حدّثنا حبيب بن الحسن الكوفيّ (٦) ، عن محمّد بن

__________________

(١) في «س» زيادة : (به).

(٢) كلمة : (مشويّة) من «ر» «س».

(٣) في «م» «ص» : (قتلت) بدلا من : (قتل).

(٤) عبارة : (من اليهود) لم ترد في «ر» «س».

(٥) ورد مضمونه في قرب الإسناد : ١٣٢ ، وعنه في بحار الأنوار ١٧ : ٢٢٥. وانظر إعلام الورى ١ : ٨٠.

(٦) روى ابن بابويه بواسطة أبيه عن حبيب بن الحسين الكوفي في العلل ٢ : ٣٠١ / ١ ، وعن حبيب بن الحسين التغلبي (الثعلبي) في الأمالي المجلس ٢٩ / ٣ ، وقد قابلت الأمالي مع نسخ في غاية الاعتبار ، والظاهر اتّحاد الكلّ ، والمظنون وقوع التصحيف هنا (الشبيري الزنجاني).

٢٢١

عبد الحميد العطّار ، عن محمّد بن سنان ، عن المفضّل بن عمر ، عن الصادق ، عن آبائه ، عن عليّ عليهم‌السلام قال : خرجنا مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في غزاة ، فعطش الناس ولم يكن في المنزل ماء ، وكان في إناء قليل ماء ، فوضع أصابعه فيه ، فتحلّب منها الماء حتّى روى الناس والإبل والخيل وتزوّد الناس ، وكان في العسكر اثنا عشر ألف بعير ، والخيل اثنا عشر ألف فرس ، والناس ثلاثون ألفا (١)(٢).

[٤٥٨ / ٤٨] ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا أبو الحسين محمّد بن هارون الزنجانيّ (٣) ، حدّثنا موسى بن هارون بن عبد الله ، حدّثنا لوين (٤) ، حدّثنا حمّاد بن زيد ، حدّثنا هشام ، عن محمّد ، عن أنس قال : أرسلتني أمّ سليم ـ يعني : أمّه ـ على شيء صنعته وهو مدّ من شعير طحنته وعصرت عليه من عكّة (٥) كان فيها سمن ، فقام النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ومن معه فدخل عليها ، فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : أدخل عليّ عشرة عشرة ، فدخلوا فأكلوا وشبعوا ، حتّى أتى عليهم ، قال : فقلت لأنس : كم كانوا؟ قال : أربعين (٦).

فصل

[في ذكر معاجز النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله]

[٤٥٩ / ٤٩] ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا أحمد بن الحسين ، حدّثنا أبو عبد الله جعفر ابن شاذان ، حدّثنا جعفر بن عليّ بن نجيح ، حدّثنا إبراهيم بن محمّد بن ميمون ،

__________________

(١) في النسخ الأربع : (ثلاثين ألفا).

(٢) عنه في بحار الأنوار ١٨ : ٢٥ / ٣.

(٣) في «ر» «س» : (الريحانيّ).

(٤) قوله : (حدّثنا لوين) لم يرد في «ر» «س» ، وهو محمّد بن سليمان بن حبيب كما في مستدركات معجم رجال الحديث ٨ : ٥٤٠.

(٥) في حاشية «ص» : (أي : آنية السمن).

(٦) عنه في بحار الأنوار ١٨ : ٢٦ / ٤.

٢٢٢

حدّثنا مصعب ، عن عكرمة ، عن ابن عبّاس قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا أراد قضاء حاجة أبعد في المشي ، فأتى يوما واديا لحاجة ، فنزع خفّه وقضى حاجته ، ثمّ توضّأ وأراد لبس خفّه ، فجاء طائر أخضر ، فحمل الخفّ وارتفع به ثمّ طرحه ، فخرج منه أسود (١) ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : هذه كرامة أكرمني الله بها ، «اللهمّ إنّي (٢) أعوذ بك من شرّ من يمشي على بطنه ، ومن شرّ من يمشي على رجلين ، ومن شرّ من يمشي على أربع ، ومن شرّ كلّ ذي شرّ ، ومن شرّ كلّ دابّة أنت آخذ بناصيتها إنّ ربّي على صراط مستقيم» (٣).

واعلم أنّ لكلّ عضو من أعضاء محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله معجزة واحدة :

فمعجزة الرأس ، هو أنّ الغمامة ظلّت (٤) على رأسه.

ومعجزة عينيه (٥) ، هو أنّه كان يرى من خلفه كما يرى من أمامه.

ومعجزة أذنيه أنّه كان يسمع الأصوات في النوم (٦) ، كما يسمع في اليقظة.

ومعجزة لسانه هي أنّه قال للضبّ : من أنا؟ قالت (٧) : أنت رسول الله.

ومعجزة يديه أنّه خرج من بين أصابعه الماء (٨).

ومعجزة رجليه أنّه كان لجابر بئر زعاق (٩) ، فشكا إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله العطش ، فدعا

__________________

(١) قد يراد به : العقرب ، قال في المصباح المنير : ٢٩٤ : اقتلوا الأسودين في الصلاة يعني : الحيّة والعقرب.

(٢) في «ر» «س» زيادة : (أسألك و).

(٣) عنه في بحار الأنوار ١٧ : ٤٠٥ / ٢٤ وج ٩٥ : ١٤١ / ٤.

(٤) في «ر» «س» : (الغمام ظلّلت).

(٥) في «س» : (عينه).

(٦) في «ر» «س» : (المنام).

(٧) في «ر» «س» : (قال).

(٨) انظر : الخرائج والجرائح ١ : ٢٨ / ١٧ ، كشف الغمّة ١ : ٢٣ وعنهما في بحار الأنوار ١٨ : ٢٧ / ١٠ ، إعلام الورى ١ : ٧٥.

(٩) في البحار : (ماؤها زعاق). والزعاق : المرّ.

٢٢٣

النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بطشت وغسل رجليه وأمر بإهراق مائه فيها ، فصار ماؤها عذبا.

ومعجزة عورته أنّه ولد مختونا.

ومعجزة بدنه أنّه لم يقع ظلّه (١) على الأرض ، لأنّه كان نورا ، ولا يكون من النور ظلّ (٢) كالسراج.

ومعجزة ظهره ختم النبوّة ، وهي : لا إله إلّا الله محمّد رسول الله مكتوب عليها ، وغير ذلك (٣).

__________________

(١) في «م» : (له ظلّ) ، بدلا من : (ظلّه).

(٢) في «ر» «س» «ص» : (الظلّ).

(٣) انظر : إعلام الورى ١ : ٧٤ ، بحار الأنوار ١٧ : ٢٩٩ / ١٠.

٢٢٤

الباب العشرون :

في احوال محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله

٢٢٥
٢٢٦

[في ولادته صلى‌الله‌عليه‌وآله ونسبه]

[٤٦٠ / ١] ـ روي أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ولد في السابع عشر من شهر ربيع الأوّل عام الفيل يوم الاثنين ، وقيل : يوم الجمعة (١) ، ـ وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : ولدت في زمن الملك العادل يعني أنوشيروان بن قباد قاتل مزدك والزنادقة ـ وهو محمّد بن عبد الله بن عبد المطّلب ابن هاشم (٢).

[٤٦١ / ٢] ـ وروي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : إذا بلغ نسبي إلى عدنان فأمسكوا ، ثمّ قرأ : (وَعاداً وَثَمُودَ وَأَصْحابَ الرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً)(٣) لا يعلمهم إلّا الله تعالى جلّ ذكره (٤).

وأنّ أباه توفّي وأمّه حبلى ، وقدمت أمّه آمنة بنت وهب على أخواله من بني عديّ من النجّار بالمدينة ، ثمّ رجعت به حتّى إذا كانت بالأبواء (٥) ماتت ،

__________________

(١) تهذيب الأحكام للطوسيّ ٦ : ٢ ، مناقب ابن شهر آشوب ١ : ١٧٢ ، وعنه في بحار الأنوار ١٥ : ٢٧٩ / ٢٥.

(٢) عنه في بحار الأنوار ١٥ : ٢٥٤ / ٦ ، إعلام الورى ١ : ٤٢.

(٣) الفرقان : ٣٨. إلى هنا جاء في مناقب ابن شهر آشوب ١ : ١٥١ وعنه في بحار الأنوار ١٥ : ١٠٥.

(٤) مناقب ابن شهر آشوب ١ : ١٥٥ ، دلائل النبوّة للبيهقيّ ١ : ١٧٨ ، إعلام الورى ١ : ٤٣ وعنه في بحار الأنوار ١٥ : ٢٨٠ / ٢٥.

(٥) إعلام الورى ١ : ٥٢ ، دلائل النبوّة للبيهقيّ ١ : ١٨٨.

٢٢٧

وأرضعته صلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى شبّ حليمة بنت عبد الله السعديّة (١) ، وتزوّج بخديجة وهو ابن خمس وعشرين سنة (٢) ، وتوفّي عنه أبو طالب وله ستّ وأربعون سنة وثمانية أشهر وأربعة وعشرون يوما (٣).

والصحيح أنّ أبا طالب رضى الله عنه توفّي في آخر السنة العاشرة من مبعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ توفّيت خديجة بعد أبي طالب بثلاثة أيّام ، فسمّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ذلك العام عام الحزن (٤) ، فقال : ما زالت قريش قاعدة عنّي حتّى مات أبو طالب (٥).

وأقام بعد البعثة بمكّة ثلاث عشرة سنة ، ثمّ هاجر منها إلى المدينة بعد أن استتر في الغار ثلاثة أيّام ، ودخل المدينة يوم الاثنين الحادي عشر من شهر ربيع الأوّل ، وبقي بها (٦) عشر سنين (٧) ، ثمّ قبض صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم الاثنين لليلتين بقيتا من صفر سنة إحدى عشرة من الهجرة (٨).

فصل

[أوّل وضوء وصلاة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله]

[٤٦٢ / ٣] ـ ذكر عليّ بن إبراهيم بن هاشم ، وهو من أجلّ رواة أصحابنا : أنّ

__________________

(١) إعلام الورى ١ : ٤٥.

(٢) عنه في بحار الأنوار ١٥ : ١١١ / ٥٦ من قوله : (وإنّ أباه) إلى : (السعديّة) وفي ج ١٦ : ٣ / ٧ عن إعلام الورى ١ : ٥٣.

(٣) إعلام الورى ١ : ٥٣.

(٤) عنه في بحار الأنوار ٣٥ : ٨٢ / ٢٤ وج ١٩ : ٢٥ / ١٤.

(٥) انظر : كشف الغمّة ١ : ١٦ ، إعلام الورى ١ : ٥٣ ، سيرة ابن هشام ١ : ١٩٨ ، الطبقات الكبرى ١ : ١٣٢ ، تاريخ اليعقوبيّ ٢ : ٢٠ ، مروج الذهب ٣ : ١٥ / ١٤٦١.

(٦) في «ر» «س» : (فيها).

(٧) عنه في بحار الأنوار ١٩ : ٦٩ / ١٩.

(٨) عنه في بحار الأنوار ٢٢ : ٥١٤ / ١٦ ، وانظر : الكافي ١ : ٣٤٦ ، كشف الغمّة ١ : ١٦ ، سيرة ابن هشام ٢ : ١٣٠ ، الكامل في التاريخ ٢ : ١٠٤ و ١٠٦.

٢٢٨

النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا أتى له سبع وثلاثون سنة كان يرى في نومه أنّ آتيا أتاه فيقول (١) : يا رسول الله ، وكان بين الجبال يرعى غنما فنظر إلى شخص يقول له : يا رسول الله ، فقال : من أنت؟ قال : أنا جبرئيل ، أرسلني الله إليك ليتّخذك رسولا ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يكتم ذلك.

فأنزل جبرئيل بماء من السماء ، فقال : يا محمّد ، قم فتوضّ ، فعلّمه جبرئيل الوضوء على الوجه واليدين من المرفق ومسح الرأس والرجلين إلى الكعبين ، وعلّمه الركوع والسجود ، فدخل عليّ عليه‌السلام على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يصلّي ـ هذا لما تمّ له صلى‌الله‌عليه‌وآله أربعون سنة ـ فلمّا نظر إليه يصلّي قال : يا أبا القاسم ، ما هذا؟ قال : هذه الصلاة التي أمرني الله بها ، فدعاه إلى الإسلام ، فأسلم وصلّى معه ، وأسلمت خديجة ، فكان لا يصلّي إلّا رسول الله وعليّ صلوات الله عليهما وخديجة خلفه.

فلمّا أتى لذلك أيّام دخل أبو طالب إلى منزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ومعه جعفر ، فنظر إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعليّ عليه‌السلام بجنبه يصلّيان ، فقال لجعفر : يا جعفر ، صل جناح ابن عمّك ، فوقف جعفر بن أبي طالب من الجانب الآخر.

[قال : وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يتّجر لخديجة قبل أن يتزوج بها وكان أجيرا لها فبعثته في عير لقريش إلى الشام مع غلام لها يقال له : ميسرة ، فنزلوا تحت صومعة راهب من الرهبان ، فنزل الراهب من الصومعة ونظر إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : من هذا؟ قالوا : هذا ابن عبد المطّلب. قال : لا ينبغي أن يكون أبوه حيّا ونظر إلى عينيه وبين كتفيه فقال : هذا نبيّ الأمّة ، هذا نبي السيف ، فرجع ميسرة إلى خديجة فأخبرها بذلك وكان هذا هو الذي أرغب خديجة في تزويجها نفسها منه وربحت في تلك السفرة ألف دينار](٢).

__________________

(١) في «ر» «س» وإعلام الورى : (كأنّ آتيا أتاه يقول) ، وفي «ص» : (كان آتيا أتاه فيقول) بدلا من : (أنّ آتيا أتاه فيقول).

(٢) مابين المعقوفين أضفناه من إعلام الورى.

٢٢٩

ثمّ خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى بعض أسواق العرب فرأى زيدا ، فاشتراه لخديجة ووجده غلاما كيّسا ، فلمّا تزوّجها وهبته له ، فلمّا نبّئ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أسلم زيد أيضا ، فكان يصلّي خلف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : عليّ وجعفر وزيد وخديجة (١).

فصل

[بداية إعلان الدعوة إلى الإسلام]

[٤٦٣ / ٤] ـ قال عليّ بن إبراهيم : ولمّا أتى على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله زمان (٢) عند ذلك أنزل الله عليه (٣) : (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ)(٤) فخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقام (٥) على الحجر وقال : يا معشر قريش ، يا معشر العرب ، أدعوكم إلى عبادة الله وخلع الأنداد والأصنام ، وأدعوكم إلى شهادة أن لا إله إلّا الله وأنّي رسول الله ، فأجيبوني تملكوا بها العرب وتدين لكم بها العجم وتكونون ملوكا ، فاستهزؤوا منه وضحكوا وقالوا : جنّ محمّد بن عبد الله وآذوه بألسنتهم.

وكان من يسمع من خبره ما سمع من أهل الكتب يسلمون ، فلمّا رأت قريش من يدخل في الإسلام جزعوا من ذلك ، ومشوا إلى أبي طالب وقالوا : كفّ عنّا ابن أخيك ، فإنّه قد سفّه أحلامنا ، وسبّ آلهتنا ، وأفسد شبابنا ، وفرّق جماعتنا ، وقالوا : يا محمّد ، إلى ما تدعو؟

قال : إلى شهادة أن لا إله إلّا الله وخلع الأنداد كلّها ، قالوا : ندع ثلاثمائة وستّين

__________________

(١) عنه في بحار الأنوار ١٨ : ١٨٤ / ١٤ ، ورواه مفصّلا الطبرسيّ في إعلام الورى ١ : ١٠٢ ـ ١٠٤ ، ونقل قطعة منه ابن شهر آشوب في مناقبه ١ : ٤٤.

(٢) في إعلام الورى (ثلاث سنين) بدلا من : (زمان).

(٣) في «ر» «س» : (نزل عند ذلك عليه).

(٤) الحجر : ٩٤.

(٥) في «ر» «س» : (حتّى قام).

٢٣٠

إلها ونعبد إلها واحدا ، وحكى الله تعالى عزّ وعلا قولهم : (وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقالَ الْكافِرُونَ هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ* أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ) إلى قوله : (بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ)(١).

ثمّ قالوا لأبي طالب : إن كان ابن أخيك يحمله على هذا العدم جمعنا له مالا فيكون أكثر قريش مالا ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : مالي حاجة في المال ، فأجيبوني تكونوا ملوكا في الدنيا وملوكا في الآخرة ، فتفرّقوا ثمّ جاؤوا إلى أبي طالب ، فقالوا : أنت سيّد من ساداتنا (٢) وابن أخيك قد فرّق جماعتنا ، فهلمّ ندفع إليك أبهى فتى في قريش وأجملهم وأشرفهم عمارة بن الوليد يكون لك ابنا وتدفع إلينا محمّدا لنقتله.

فقال أبو طالب : ما أنصفتموني! تسألوني أن أدفع إليكم ابني لتقتلوه ، وتدفعون إليّ ابنكم لأربّيه لكم ، فلمّا آيسوا منه كفّوا (٣).

فصل

[نزول آية بحق الوليد بن المغيرة]

[٤٦٤ / ٥] ـ وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا يكفّ عن عيب آلهة المشركين ، ويقرأ عليهم القرآن ، وكان الوليد بن المغيرة من حكّام العرب يتحاكمون إليه في الأمور ، وكان له عبيد عشرة عند كلّ عبد (٤) ألف دينار يتّجر بها وملك القنطار (٥) ـ وكان عمّ أبي جهل ـ فقالوا له : يا عبد شمس ، ما هذا الذي يقول محمّد : أسحر أم كهانة أم خطب؟

__________________

(١) سورة ص : ٤ ـ ٨.

(٢) في «ر» : (سيّدنا) بدلا من : (سيّد من ساداتنا).

(٣) عنه في بحار الأنوار ١٨ : ١٨٥ / ١٥ ، ورواه مفصّلا الطبرسيّ في إعلام الورى ١ : ١٠٦ ـ ١٠٨ ، وانظر تفسير القمّيّ ١ : ٣٧٨ ـ ٣٨٠ ، مناقب ابن شهر آشوب ١ : ٥٧ ، تاريخ الطبري ٢ : ٣٢٢.

(٤) في «ر» «س» : (عشرة عبيد عند كلّ واحد منهم) بدلا من : (عبيد عشرة عند كلّ عبد).

(٥) القنطار : جلد ثور مملوء ذهبا (إعلام الورى ١ : ١١٠).

٢٣١

فقال : دعوني أسمع كلامه ، فدنا من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو جالس في الحجر ، فقال : يا محمّد ، أنشدني شعرك ، فقال : ما هو بشعر ، ولكنّه كلام الله الذي بعث أنبياءه ورسله.

فقال : اتل ، فقرأ : بسم الله الرحمن الرحيم ، فلمّا سمع «الرحمن» استهزأ منه ، وقال : تدعو إلى رجل باليمامة باسم الرحمن؟ قال : لا ولكنّي أدعو إلى الله وهو الرحمن الرحيم.

ثمّ افتتح حم السجدة ، فلمّا بلغ إلى قوله : (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ)(١) وسمعه اقشعرّ جلده ، وقامت كلّ شعرة في بدنه ، وقام ومشى إلى بيته ، ولم يرجع إلى قريش ، فقالوا : صبا أبو عبد الشمس إلى دين محمّد.

فاغتمّت قريش وغدا عليه أبو جهل ، فقال : فضحتنا يا عمّ ، قال : يابن أخي ، ما ذاك وإنّي على دين قومي ، ولكنّي سمعت كلاما صعبا تقشعرّ منه الجلود ، قال : أفشعر هو؟ قال : ما هو بشعر ، قال : فخطب؟ قال : لا إنّ الخطب كلام متصل ، وهذا كلام منثور لا يشبه بعضه بعضا له طلاوة (٢) ، قال : فكهانة هو؟ قال : لا ، قال : فما هو؟

قال : دعني أفكّر فيه ، فلمّا كان من الغد ، قالوا : يا عبد شمس ما تقول؟

قال : قولوا : هو سحر ، فإنّه آخذ بقلوب الناس ، فأنزل الله تعالى فيه : (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً* وَجَعَلْتُ لَهُ مالاً مَمْدُوداً* وَبَنِينَ شُهُوداً) إلى قوله : (عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ)(٣)(٤).

__________________

(١) فصّلت : ١٣.

(٢) الطلاوة : الرونق والحسن (النهاية ٣ : ١٣٧).

(٣) المدّثّر : ١١ ـ ٣٠.

(٤) عنه في بحار الأنوار ١٨ : ١٨٦ / ١٦ ، إعلام الورى ١ : ١١٠ ، وانظر : تفسير القمّيّ ٢ : ٣٩٣ ، مناقب ابن شهر آشوب ١ : ٥٢.

٢٣٢

[٤٦٥ / ٦] ـ وفي حديث حمّاد بن زيد ، عن أيّوب ، عن عكرمة قال : جاء الوليد ابن المغيرة إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : اقرأ عليّ ، فقرأ : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)(١).

فقال : أعد فأعاد ، فقال : والله إنّ له لحلاوة وطلاوة ، وإنّ أعلاه لمثمر ، وإنّ أسفله لمغدق (٢) ، وما هذا بقول بشر (٣).

فصل

[دفاع أبي طالب وحمزة عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله]

[٤٦٦ / ٧] ـ وكان قريش يجدّون في أذى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكان أشدّ الناس عليه عمّه أبو لهب ، وكان صلى‌الله‌عليه‌وآله ذات يوم جالسا في الحجر ، فبعثوا إلى سلى (٤) الشاة فألقوه على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فاغتمّ من ذلك ، فجاء إلى أبي طالب ، فقال : يا عمّ ، كيف حسبي فيكم؟ قال : وما ذاك يابن أخ؟

قال : إنّ قريشا ألقوا عليّ السلى ، فقال لحمزة : خذ السيف ، وكانت قريش جالسة في المسجد ، فجاء أبو طالب ومعه السيف وحمزة ومعه السيف ، فقال : أمرّ السلى على سبالهم (٥) فمن أبى فاضرب عنقه ، فما تحرّك أحد حتّى أمرّ السلى

__________________

(١) النحل : ٩٠.

(٢) أي خصب وعذب ومتّسع ، وفي البحار : (لمغذق).

(٣) عنه في بحار الأنوار ١٨ : ١٨٦ ، إعلام الورى ١ : ١١٢ ، مناقب ابن شهر آشوب ١ : ٥٣ ، دلائل النبوّة للبيهقيّ ٢ : ١٩٨ (باختلاف يسير).

(٤) سلى : المشيمة وهي جلدة فيها الولد في بطن أمّه (المصباح المنير : ٢٨٧) ، وفي كتاب العين ٢ : ٣٩٦ : السلى الجلد الرقيق الذي يخرج فيه الولد من بطن أمّه ملفوفا فيه. وقيل : هو في الماشية السلى ، وفي الناس المشيمة.

(٥) سبال جمع سبلة ، وهي ما على الشارب من الشعر أو مجتمع الشاربين ، أو ما على الذقن إلى ـ

٢٣٣

على سبالهم ، ثمّ التفت إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقال : يابن أخ هذا حسبك منّا وفينا (١).

[٤٦٧ / ٨] ـ وفي صحيح البخاري ، عن عبد الله قال : بينما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ساجد وحوله ناس من قريش ومعهم سلى بعير ، فقالوا : من يأخذ هذا فيقذفه على ظهره ، فجاء عقبة بن أبي معيط فقذفه على ظهر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وجاءت فاطمة عليها‌السلام فأخذته من ظهره ودعت على من صنع ذلك ، قال عبد الله : فما رأيت رسول الله دعا عليهم (٢) إلّا يومئذ ، قال : اللهمّ عليك الملأ من قريش ، قال عبد الله : ولقد رأيتهم قتلوا يوم بدر وألقوا في القليب (٣).

[٤٦٨ / ٩] ـ وكان أبو جهل تعرّض لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأذّاه بالكلام ، فقالت امرأة من بعض السطوح لحمزة : يا أبا يعلى ، إنّ عمرو بن هشام تعرّض لمحمّد وأذّاه ، فغضب حمزة ومرّ نحو أبي جهل ، وأخذ قوسه فضرب بها رأسه ، ثمّ احتمله فجلد به الأرض ، واجتمع الناس وكاد يقع فيهم شرّ.

فقالوا : يا أبا يعلى ، صبوت إلى دين محمّد؟ قال : نعم أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا رسول الله (٤) ، ثمّ غدا إلى رسول الله فقال : يابن أخ ، أحقّ ما تقول؟ فقرأ عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من القرآن ، فاستبصر حمزة فثبت على دين الإسلام ، وفرح

__________________

ـ طرف اللحية كلّها كما في لسان العرب ١١ : ٣٢١ ، وفي شرح أصول الكافي ٧ : ١٨٣ للمازندراني : السبال بالكسر جمع سبلة بالتحريك وهي الشارب وقيل : هي الشعرات التي تحت اللحى الأسفل ، وقيل : هي عند العرب مقدم اللحية ومنها على الصدر.

(١) عنه في بحار الأنوار ١٨ : ١٧٨ / ٧ وص ٢٠٩ / ٣٨ ، إعلام الورى ١ : ١٢٠.

(٢) في «ر» «س» : (على قريش) بدلا من : (عليهم).

(٣) صحيح البخاري ٥ : ١٢٢ / ١٩٣ وفي طبعة أخرى ١ : ٦٩ وج ٤ : ١٢٧ ، إعلام الورى ١ : ١٢٠ ، وعنه في بحار الأنوار ١٨ : ٢٠٩ / ٣٨. والقليب : البئر ، قال الأزهري : القليب عند العرب البئر العادية القديمة ، مطوية أو غير مطوية والجمع قلب (المصباح المنير : ٥١٢).

(٤) في إعلام الورى زيادة : (على جهة الغضب والحميّة ، فلمّا رجع إلى منزله ندم).

٢٣٤

رسول الله ، وسرّ أبو طالب بإسلامه وقال :

فصبرا أبا يعلى على دين أحمد

وكن مظهرا للدين وفّقت صابرا

وحطّ من أتى (١) بالدين من عند ربّه

بصدق وحقّ لا تكن حمز كافرا

فقد سرّني أن قلت : إنّك مؤمن

فكن لرسول الله في الله ناصرا

وناد قريشا بالذي قد أتيته

جهارا وقل : ما كان أحمد ساحرا (٢)

فصل

[هجرة جعفر عليه‌السلام ومن معه إلى الحبشة]

[٤٦٩ / ١٠] ـ ولمّا اشتدّت قريش في أذى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأذى أصحابه ، أمرهم أن يخرجوا إلى الحبشة ، وأمر جعفرا أن يخرج بهم ، فخرج جعفر ومعه سبعون رجلا حتّى ركبوا البحر ، فلمّا بلغ قريشا خروجهم بعثوا عمرو بن العاص وعمارة ابن الوليد إلى النجاشيّ أن يردّهم إليهم ، فوردوا على النجاشيّ وحملوا إليه هدايا ، فقال عمرو : أيّها الملك ، إنّ قوما منّا خالفونا في ديننا وصاروا إليك ، فردّهم إلينا.

فبعث الناس (٣) إلى جعفر وأحضره ، فقال : يا جعفر ، إنّ هؤلاء يسألونني أن أردّكم إليهم ، فقال : أيّها الملك ، سلهم أنحن عبيد لهم؟ قال : عمرو : لا ، بل أحرار كرام ، قال : فسلهم ألهم علينا ديون يطالبوننا بها؟ قال : لا ، ما لنا عليهم ديون ، قال : فلهم في أعناقنا دماء؟ قال عمرو : ما لنا في أعناقهم دماء ولا نطالبهم بذحول (٤) ،

__________________

(١) المعنى يكون : احفظه وتعهّده ومنه قولهم : حطّ حطّ أي تعهّد بصلة الرحم وأحدق به من جوانبه.

(٢) إعلام الورى ١ : ١٢٢ وعنه في بحار الأنوار ١٨ : ٢١٠ / ٣٨ ، مناقب ابن شهر آشوب ١ : ٦٢.

(٣) في إعلام الورى : (النجاشي) بدلا من : (الناس). والمراد : فبعث النجاشي الناس إلى جعفر.

(٤) الذحول : جمع ذحل ، وهو الحقد والعداوة ، يقال : طلب بذحله أي بثأره (الصحاح ٤ : ١٧٠١).

٢٣٥

قال : فما تريدون منّا؟ قال عمرو : خالفونا في ديننا وفرّقوا جماعتنا ، فردّهم إلينا.

فقال جعفر : أيّها الملك ، خالفناهم لنبيّ بعثه الله فينا ، أمرنا بخلع الأنداد ، وترك الاستقسام بالأزلام ، وأمرنا بالصلاة والزكاة ، وحرّم الظلم والجور وسفك الدماء بغير حلّها والزنا والربا والدم والميتة ، وأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي.

فقال النجاشيّ : بهذا بعث الله تعالى عزّ وعلا عيسى عليه‌السلام ، ثمّ قال النجاشيّ : أتحفظ ـ يا جعفر ـ ممّا أنزل الله على نبيّك شيئا؟ قال : نعم ، قال : اقرأ ، فقرأ عليه سورة مريم ، فلمّا بلغ إلى قوله : (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا)(١) قال : إنّ هذا هو الحقّ.

فقال عمرو : أيّها الملك ، إنّ هذا ترك ديننا ، فردّه إلينا وإلى بلادنا ، فرفع النجاشيّ يده فضرب بها وجهه ، ثمّ قال : لئن ذكرته بسوء لأقتلنّك ، فخرج عمرو والدم يسفك على ثيابه.

قال : وكان عمارة حسن الوجه وعمرو كان أخرج أهله معه ، فلمّا كانوا في السفينة شربوا الخمر ، قال عمارة لعمرو : قل لأهلك تقبّلني ، فقال عمرو : أيجوز هذا؟ فلمّا تنشّى عمارة ألقى عمروا في البحر ، فتشبّث بصدر السفينة فأخرجوه.

ثمّ إنّهم لمّا كانوا عند النجاشيّ كانت وصيفة على رأسه تذبّ عنه وتنظر إلى عمارة وكان فتى جميلا ، فلمّا رجع عمرو إلى منزله قال لعمارة : لو راسلت جارية الملك ففعل فأجابته ، قال عمرو : قل لها : تحمل إليك من طيب الملك شيئا ، فحملت إليه فأخذه عمرو ، وكان الذي فعل به عمارة في قلبه حيث ألقاه في البحر ، فأدخل الطيب على النجاشيّ وقال : إنّ صاحبي الذي معي راسل حرمتك

__________________

(١) مريم : ٢٥.

٢٣٦

وخدعها وهذا طيبها ، فغضب النجاشيّ وهمّ أن يقتل عمارة ثمّ قال : لا يجوز قتله لأنّهم دخلوا بلادي بأمان ، فأمر أن يفعلوا به شيئا أشدّ من القتل ، فأخذوه ونفخوا في إحليله بالزّيبق فصار مع الوحش.

فرجع عمرو إلى قريش وأخبرهم بخبره ، وبقي جعفر بأرض الحبشة في أكرم كرامة ، فما زال بها حتّى بلغه أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قد هادن قريشا وقد وقع بينهم صلح ، فقدم بجميع من معه ووافى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد فتح خيبر ، وقد ولد لجعفر من أسماء بن عميس بالحبشة عبد الله بن جعفر (١).

[٤٧٠ / ١١] ـ وقال أبو طالب يحضّ النجاشيّ على نصرة النبيّ وأتباعه وأشياعه (٢) :

تعلم مليك الحبش أنّ محمّدا

نبيّ كموسى والمسيح بن مريم

أتى بالهدى مثل الذي أتيا به

وكلّ بحمد (٣) الله يهدي ويعصم

وأنّكم تتلونه في كتابكم

بصدق حديث لا حديث المرجّم (٤)

فلا تجعلوا لله ندّا وأسلموا

فإنّ طريق الحقّ ليس بمظلم (٥)

[رسالة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى النجاشي والجواب عليها]

[٤٧١ / ١٢] ـ وفيما روى محمّد بن إسحاق أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بعث عمرو بن أميّة الضمريّ إلى النجاشيّ في شأن جعفر بن أبي طالب وأصحابه ، وكتب معه كتابا :

__________________

(١) إعلام الورى ١ : ١١٥ وعنه في بحار الأنوار ١٨ : ٤١٤ / ٧.

انظر : تاريخ اليعقوبيّ ٢ : ٢٩ ، دلائل النبوّة للبيهقيّ ٢ : ٢٩٣ ، البداية والنهاية ٣ : ٦٩.

(٢) في «ر» «س» : (شعر) بدلا من : (وأتباعه وأشياعه).

(٣) في إعلام الورى : (بأمر).

(٤) في إعلام الورى : (المترجم).

(٥) عنه في بحار الأنوار ١٨ : ٤١٨ / ٤ ، إعلام الورى ١ : ١١٨.

٢٣٧

بسم الله الرحمن الرحيم

من محمّد رسول الله إلى النجاشيّ الأصحم صاحب الحبشة ،

سلام عليك :

إنّي أحمد إليك الله (١) الملك القدّوس المؤمن المهيمن ، وأشهد أنّ عيسى بن مريم روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم البتول الطيّبة الحصينة ، فحملت بعيسى ، فخلقه من روحه ونفخه كما خلق آدم بيده ونفخه فيه ، وإنّي أدعوك إلى الله وحده لا شريك له ، والموالاة على طاعته ، وأن تتّبعني وتؤمن بي وبالذي جاءني ، فإنّي رسول الله قد بعثت إليكم ابن عمّي جعفر بن أبي طالب ، معه نفر من المسلمين ، فإذا جاؤوك فأقرّهم ودع التجبّر فإنّي أدعوك وجيرتك (٢) إلى الله تعالى ، وقد بلّغت ونصحت ، فاقبلوا نصيحتي ، والسلام على من اتّبع الهدى.

فكتب إليه النجاشيّ :

بسم الله الرحمن الرحيم

إلى محمّد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من النجاشيّ الأصحم بن أبحر ،

سلام عليك يا نبيّ الله من الله ورحمة الله وبركاته ، لا إله إلّا هو الذي هداني إلى الإسلام ، وقد بلغني كتابك ـ يا رسول الله ـ فيما ذكرت من أمر عيسى ، فو ربّ السماء والأرض أنّ عيسى ما يزيد على ما ذكرت ، وقد عرفنا ما بعثت به إلينا ، وقد قرينا ابن عمّك وأصحابه ، وأشهد أنّك رسول الله صادقا مصدّقا ، وقد بايعتك وبايعت ابن عمّك ، وأسلمت على يديه لله ربّ العالمين ، وقد بعثت إليك يا رسول الله أريحا بن الأصحم بن أبحر ، فإنّي لا أملك إلّا نفسي إن شئت أن آتيك

__________________

(١) في «ر» «س» زيادة : (الذي لا إله إلّا هو).

(٢) في إعلام الورى : (وجنودك).

٢٣٨

فعلت يا رسول الله ، إنّي أشهد أنّ ما تقول حقّ.

ثمّ بعث إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هدايا ، وبعث إليه بمارية القبطيّة أمّ إبراهيم عليه‌السلام ، وبعث إليه بثياب وطيب كثير وفرس ، وبعث إليه بثلاثين رجلا من القسّيسين لينظروا إلى كلامه ومقعده ومشربه ، فوافوا المدينة (١) ، ودعاهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الإسلام ، فآمنوا ورجعوا إلى النجاشيّ (٢).

فصل

[قصّة المعراج]

وقصّة المعراج معروفة في قوله جلّت عظمته :

(سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى)(٣).

[٤٧٢ / ١٣] ـ وبالإسناد المذكور (*) عن ابن بكير ، عن الصادق عليه‌السلام قال : لمّا أسري برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى سماء الدنيا لم يمرّ بأحد من الملائكة إلّا استبشروا به ، قال : ثمّ مرّ بملك كئيب حزين فلم يستبشر به ، فقال : يا جبرئيل ، ما مررت بأحد من الملائكة إلّا استبشر بي إلّا هذا الملك ، فمن هذا؟

قال : هذا مالك ، خازن جهنّم ، وهكذا جعله الله ، فقال له النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا جبرئيل ، سله أن يرينيها ، قال : فقال جبرئيل : يا مالك ، هذا محمّد رسول الله عليهما‌السلام وقد شكا إليّ وقال : ما مررت بأحد من الملائكة إلّا استبشروا بي إلّا هذا الملك ، فأخبرته أن

__________________

(١) في حاشية «ر» استظهر : (مكّة) بدلا من : (المدينة).

(٢) إعلام الورى ١ : ١١٨ وعنه في بحار الأنوار ١٨ : ٤١٨ / ٥ ، دلائل النبوّة للبيهقيّ ٢ : ٣٠٨ ، البداية والنهاية ٣ : ٨٣ ، البداية والنهاية ٣ : ٨٣.

(٣) الإسراء : ١.

(٣) (*) تقدّم الإسناد برقم : (٤٢) و (٢٣٤).

٢٣٩

هكذا جعله الله حيث شاء ، وقد سألني أن أسألك أن تريه جهنّم ، قال : فكشف له عن طبق من أطباقها ، فما رؤي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ضاحكا حتّى قبض (١).

[٤٧٣ / ١٤] ـ وعن (*) أبي بصير قال : سمعته (٢) يقول : إنّ جبرئيل احتمل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى انتهى به إلى مكان من السماء ، ثمّ تركه وقال : ما وطأ نبيّ قطّ مكانك.

وقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : أتاني جبرئيل عليه‌السلام وأنا بمكّة ، فقال : قم يا محمّد ، فقمت معه وخرجت إلى الباب ، فإذا جبرئيل ومعه ميكائيل وإسرافيل ، فأتى جبرئيل بالبراق ، فكان فوق الحمار ودون البغل ، خدّه كخدّ الإنسان ، وذنبه كذنب البقر ، وعرفه كعرف الفرس ، وقوائمه كقوائم الإبل ، عليه رحل من الجنّة ، ، وله جناحان من فخذيه ، خطوه منتهى طرفه (٣).

فقال : اركب ، فركبت ومضيت حتّى انتهيت إلى بيت المقدس ، ولمّا انتهيت إليه إذ (٤) الملائكة نزلت من السماء بالبشارة والكرامة من عند ربّ العزّة ، وصلّيت في بيت المقدس ، وفي بعضها بشّر لي (٥) إبراهيم في رهط من الأنبياء ، ثمّ وصف موسى وعيسى صلوات الله عليهما ، ثمّ أخذ جبرئيل بيدي إلى الصخرة فأقعدني عليها ، فإذا معراج إلى السماء لم أر مثلها حسنا وجمالا.

فصعدت إلى السماء الدنيا ، ورأيت عجائبها وملكوتها ، وملائكتها يسلّمون عليّ.

__________________

(١) تفسير العيّاشيّ ٢ : ٢٩٩ / ٨ وعنه في بحار الأنوار ٦ : ٣٨١ وورد مضمونه في الأمالي للصدوق : ٦٩٦ / ٦ وعنه في بحار الأنوار ١٨ : ٣٤١.

(*) الظاهر أنّه عطف على طريق ابن بكير عن أبي بصير.

(٢) في البحار ١٨ : ٣٧٥ : (سمعت الصادق عليه‌السلام).

(٣) المراد ب : «خطوه» أنّه كان سريعا بحيث يضع كلّ خطوة منه على منتهى مدّ بصره.

(٤) في «ص» «م» والبحار : (إذا).

(٥) في البحار : (بشّرني).

٢٤٠