قصص الأنبياء عليهم السلام - ج ٢

قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي [ قطب الدين الراوندي ]

قصص الأنبياء عليهم السلام - ج ٢

المؤلف:

قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي [ قطب الدين الراوندي ]


المحقق: عبدالحليم عوض الحلّي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة العلامة المجلسي رحمه الله
المطبعة: عمران
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-91180-3-8
الصفحات: ٤٣٢

فقال : لا بل اسجد (١) لله ، والله إنّ هذا الجمل يشكو أربابه ويزعم أنّهم أنتجوه صغيرا واعتملوه فلمّا كبر وصار أعون (٢) كبيرا ضعيفا أرادوا نحره ، ولو أمرت أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها.

ثمّ قال أبو عبد الله عليه‌السلام : ثلاثة من البهائم أنطقهنّ الله تعالى على عهد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : الجمل وكلامه الذي سمعت.

والذئب فجاء إلى النبيّ فشكا إليه الجوع فدعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أصحاب الغنم فقال : افرضوا للذئب شيئا فشحّوا ، فذهب ثمّ عاد إليه الثانية فشكا الجوع فدعاهم فشحّوا ، ثمّ جاء الثالثة فشكا الجوع فدعاهم فشحّوا ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : اختلس ، ولو أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فرض للذئب شيئا ما زاد الذئب عليه شيئا حتّى تقوم الساعة.

وأمّا البقرة فإنّها آذنت بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ودلّت عليه ، وكانت في نخل لبني سالم من الأنصار ، فقالت : يا ذريح ، عمل نجيح (٣) ، صائح يصيح ، بلسان عربيّ فصيح ، بأن لا إله إلّا الله ربّ العالمين ، ومحمّد رسول الله سيّد النبيّين ، وعليّ وصيّه سيّد الوصيّين (٤).

__________________

(١) في «ر» «س» «ص» : (اسجدوا).

(٢) جاء في مفردات الراغب : ٣٥٤ : العوان المتوسّط بين الستّين ، وجعل كناية عن المسنّة من النساء ، والمراد هنا كبر السنّ. وقال العلّامة المجلسي في البحار ١٧ : ٣٩٩ : أعون : لعلّه مأخوذ من العوان وهو النصف من كلّ حيوان ، ومن البقر والخيل التي نتجت بعد بطنها البكر ، والمتعاونة : الطاعنة في السنّ ، وفي بعض النسخ بالواو والراء ، وهو الذي ذهب حسّ إحدى عينيه.

(٣) قال العلّامة المجلسي في البحار ١٧ : ٣٩٩ : قولها : عمل نجيح خبر مبتدأ محذوف ، أي ما أدلّكم عليه عمل يوجب النجح والظفر بالمطلوب ، والنجيح : الصواب من الرأي.

(٤) عنه وعن الاختصاص للمفيد : ٢٩٦ في بحار الأنوار ١٧ : ٣٩٨ / ١١ وفي ج ١٠٠ : ٢٤٧ / ٢٩ (قطعة منه) وفي مستدرك الوسائل ٤ : ٤٧٩ / ٥ إلى قوله : (تسجد لزوجها). ورواه الصفّار في بصائر ـ

١٨١

[٤٢١ / ١١] ـ وقال الصادق عليه‌السلام : إنّ الذئاب جاءت إلى النبيّ تطلب أرزاقها ، فقال لأصحاب الغنم : إن شئتم صالحتها على شيء تخرجونه (١) إليها ، ولا ترزأ (٢) من أموالكم شيئا ، وإن شئتم تركتموها تعدو ، وعليكم حفظ أموالكم ، قالوا : بل نتركها كما هي تصيب منّا ما أصابت ونمنعها ما استطعنا (٣).

[٤٢٢ / ١٢] ـ وقال سعد : حدّثنا عليّ بن محمّد الحجّال ، حدّثنا الحسن بن الحسين اللؤلؤيّ ، عن محمّد بن سنان ، عن أبي الجارود ، عن ثابت ، عن جابر (٤) قال : كنّا عند النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إذ أقبل بعير حتّى برك بين يديه ورغا وسالت دموعه ، فقال : لمن هذا البعير؟ قالوا : لفلان ، قال : هاتوه ، فجاء فقال له : إنّ بعيركم هذا زعم أنّه ربّا صغيركم وكدّ على كبيركم ثمّ أردتم أن تنحروه ، فقالوا : يا رسول الله ، لنا وليمة فأردنا أن ننحره (٥).

قال : فدعوه لي ، فتركوه فأعتقه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكان يأتي دور الأنصار مثل السائل يشرف على الحجر ، فكان العواتق يجبين (٦) له العلف حتّى يجيء فيقلن :

__________________

ـ الدرجات : ٣٧١ / ١٣ باختلاف في بعض ألفاظه : عن أحمد بن موسى الخشّاب ، عن عبد الرحمن بن كثير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام .. وعنه في بحار الأنوار ٢٧ : ٢٦٥ / ١٤.

(١) في «ر» «س» «ص» والبحار : (تخرجوه).

(٢) ترزأ : تصيب كما في المصباح المنير : ٢٢٦.

(٣) رواه الصفّار في بصائر الدرجات : ٣٦٨ / ٣ وفيه : (يتزرأ) بدلا من (ترزأ) : عن أحمد بن محمّد ، عن الحسن بن عليّ بن فضّال ، عن عبد الله بن بكير ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام .. ، والمفيد في الاختصاص : ٢٩٥ : عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، وأحمد بن الحسين بن فضّال ، عن الحسن بن عليّ بن فضّال .. إلى آخر السند في البصائر وعنهما في بحار الأنوار ١٧ : ٣٩٩ / ١٢ وفي ج ٦١ : ٣٧ / ١٥ عن الاختصاص.

(٤) في البحار : (عن عديّ بن ثابت ، عن جابر بن عبد الله الأنصاريّ).

(٥) في «ر» «س» زيادة : (فيها).

(٦) في ترتيب كتاب العين ٢ : ١١٣٤ : جارية عاتق : شابة أوّل ما أدركت.

١٨٢

عتيق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فسمن حتّى تضايق فامتلأ جلده (١).

فصل

[استجابة الجبل له صلى‌الله‌عليه‌وآله]

[٤٢٣ / ١٣] ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا محمّد بن القاسم الأستر آباديّ ، حدّثنا يوسف بن محمّد بن زياد ، عن أبيه ، عن الحسن بن عليّ عليهما‌السلام في قوله تعالى جلّت عظمته : (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً)(٢) قال : يقول الله : يبست من الخير قلوبكم معاشر اليهود في زمان موسى صلوات الله عليه ، ومن الآيات و (٣) المعجزات التي شاهدتموها من محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله فهي كالحجارة اليابسة لا ترشح رطوبة (٤) ، أي : أنّكم لا حقّ لله تؤدّون ، ولا مكروبا تغيثون ، ولا بشيء من الإنسانيّة تعاشرون وتعاملون ، (أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً) أبهم على السامعين ولم يبيّن لهم ، كما يقول القائل : أكلت خبزا أو لحما ، وهو لا يريد به أنّي لا أدري ما أكلت ، بل يريد به أن يبهم على السامعين ، حتّى لا يعلم ماذا أكل وإن كان يعلم أنّه قد أكل أيّهما.

(وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ)(٥) فتجيء بالخيرات والغياث لبني آدم ، (وَإِنَّ مِنْها) أي من الحجارة ما يشقق فيقطر منه الماء دون الأنهار ، وقلوبكم

__________________

(١) رواه الصفّار في بصائر الدرجات : ٣٦٨ ، والمفيد في الاختصاص : ٢٩٥ بنفس السند مع تفاوت يسير في المتن وعنهما في بحار الأنوار ١٧ : ٤٠١ / ١٥.

(٢) البقرة : ٧٤.

(٣) قوله : (و) لم يرد في «ر» «س» «ص».

(٤) في «ر» «س» «ص» : (برطوبة).

(٥) البقرة : ٧٤ ، وفي «ر» «س» زيادة : (أي : قلوبكم في القساوة بحيث لا يجيء منها خيرا ـ يا يهود ـ وفي الحجارة ما يتفجّر منه الأنهار).

١٨٣

لا يجيء منها الكثير من الخير ولا القليل ، ومن الحجارة إن أقسم عليها باسم الله تهبط ، وليس في قلوبكم شيء منه.

فقالوا : يا محمّد ، زعمت أنّ الحجارة ألين من قلوبنا ، وهذه الجبال بحضرتنا ، فاستشهدها على تصديقك ، فإن نطقت بتصديقك فأنت المحق ، فخرجوا إلى أوعر جبل ، فقالوا : استشهده.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أسألك بجاه محمّد وآله الطيّبين الذين بذكر أسمائهم خفّف الله العرش على كواهل ثمانية من ملائكته بعد أن لم يقدروا على تحريكه ، فتحرّك الجبل وفاض الماء ، ونادى : أشهد أنّك رسول ربّ العالمين ، وأنّ هؤلاء اليهود كما وصفت أقسى من الحجارة.

فقالت اليهود : أعلينا تلبّس؟ أجلست أصحابك خلف هذا الجبل ينطقون بمثل هذا ، فإن كنت صادقا فتنحّ عن موضعك إلى ذي القرار ، ومر هذا الجبل يسير إليك ، ومره أن يتقطّع نصفين ترتفع السفلى وتنخفض العليا ، فأشار صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى حجر فتدحرج ، ثمّ قال لمخاطبه : خذه وقرّبه ، فسيعيد عليك ما سمعت ، فإنّ هذا من ذلك الجبل ، فأخذه الرجل فأدناه إلى أذنه فنطق الحجر مثل ما نطق به الجبل قال : فأتني بما اقترحت.

فتباعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى فضاء واسع ، ثمّ نادى : أيّها الجبل ، بحقّ محمّد وآله الطيّبين لمّا اقتلعت من مكانك بإذن الله تعالى وجئت إلى حضرتي ، فتزلزل (١) الجبل وصار كالفرس الهملاج (٢) ونادى : ها أنا سامع ومطيع ، مرني ، فقال : هؤلاء اقترحوا عليّ أن آمرك أن تتقطّع من أصلك فتصير نصفين ، ثمّ ينحط أعلاك ويرتفع أسفلك ، فتقطّع نصفين وارتفع أسفله وصار فرعه أصله.

__________________

(١) في «ص» «م» : (فنزل).

(٢) دابّة هملاج : حسنة السير في سرعة وبخترة في المذكّر والمؤنّث سواء.

١٨٤

ثمّ نادى الجبل : معاشر اليهود ، أهذا الذي ترون دون معجزات موسى عليه‌السلام الذي تزعمون أنّكم به تؤمنون؟ فقال رجل منهم : هذا رجل مبخوت تتأتّى له العجائب ، فنادى الجبل : يا أعداء الله ، أبطلتم بما تقولون نبوّة موسى ، هلّا قلتم لموسى : إنّ وقوف الجبل فوقهم كالظلّة؟ لأنّ جدّك (١) يأتيك بالعجائب. ولزمتهم الحجّة وما أسلموا (٢).

فصل

[ردّ الشمس لعليّ عليه‌السلام]

[٤٢٤ / ١٤] ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا أبو سعيد محمّد بن الفضل ، حدّثنا إبراهيم ابن محمّد بن سفيان ، حدّثنا عليّ بن سلمة الليفيّ ، حدّثنا محمّد بن إسماعيل يعني ابن أبي فديك ، حدّثنا محمّد بن موسى بن أبي عبد الله ، عن عون بن محمّد ابن عليّ بن أبي طالب ، عن أمّه أمّ جعفر ، عن جدّتها أسماء بنت عميس قالت : كنّا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في غزوة حنين ، فبعث عليّا عليه‌السلام في حاجة ، فرجع وقد صلّى رسول الله صلاة (٣) العصر ولم يصلّ عليّ ، فوضع رأسه في حجر عليّ حتّى غربت الشمس ، فلمّا استيقظ قال عليّ : إنّي لم أكن صلّيت العصر.

فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : اللهمّ (٤) إنّ عبدك عليّا حبس نفسه على نبيّك فردّ له الشمس ، فطلعت الشمس حتّى ارتفعت على الحيطان والأرض حتّى صلّى أمير المؤمنين عليه‌السلام ،

__________________

(١) أي : لأنّ بختك وحظّك ورزقك يأتيك بالعجائب (انظر : تاج العروس ١٣ : ٦٢).

(٢) ورد الحديث في تفسير الإمام العسكري عليه‌السلام : ٢٨٣ / ١٤١ مع اختلاف وتفصيل وعنه في بحار الأنوار ٩ : ٣١٢ / ١١ وج ١٧ : ٣٣٥ / ١٦ وج ٦٧ : ١٦١ / ١٨.

ورواه بنحو آخر الطبرسيّ في الاحتجاج ١ : ٥٠ ، عن أبي محمّد الحسن العسكريّ عليه‌السلام.

(٣) قوله : (صلاة) لم يرد في «ص» «م».

(٤) قوله : (اللهمّ) لم يرد في «ر» «س» «ص».

١٨٥

ثمّ غربت الشمس ، فقالت أسماء : وذلك بالصهباء (١) في غزوة حنين ، وإنّ عليّا لعلّه صلّى إيماءا قبل ذلك أيضا (٢).

فقال حسّان بن ثابت :

إنّ عليّ بن أبي طالب

ردّت عليه الشمس في المغرب

ردّت عليه الشمس في ضوئها

عصرا كأنّ الشمس لم تغرب (٣)

__________________

(١) الصهباء أو الصهياء : موضع بقرب خيبر.

(٢) نقله العلّامة المجلسيّ في بحار الأنوار ٤١ : ١٦٧ / ٢ عن أمالي الصدوق وقصص الأنبياء للراونديّ ، وهو سهو من قلمه الشريف ؛ لأنّ الحديث ورد في علل الشرائع ٢ : ٣٥١ / ٣ ولم أعثر عليه في كتاب الأمالي ، والسند في العلل هكذا : عن أحمد بن الحسن القطّان ، عن أبي الحسن محمّد بن صالح ، عن عمر ابن خالد المخزوميّ ، عن ابن نباتة ، عن محمّد بن موسى ، عن عمارة بن مهاجر ، عن أمّ جعفر وأمّ محمّد بنتي محمّد بن جعفر ، عن أسماء بنت عميس ، قالت .. وفي متنه اختلاف مع تقديم وتأخير.

وروى مضمونه الصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه ١ : ٢٠٣ / ٦٠٩.

ورواه محمّد بن سليمان الكوفيّ في مناقب أمير المؤمنين ٢ : ٥١٧ / ١٠٢٢ باختلاف : عن محمّد ابن سليمان ، عن أبي سعيد محمّد بن سليمان ، عن محمّد بن أحمد بن الحسين الهارونيّ ، عن يعقوب بن سفيان ، عن محمّد بن رافع النيسابوريّ ، عن ابن أبي فديك ، عن محمّد بن موسى ، عن عون ، عن أمّه ، عن أسماء قالت : ...

(٣) لو كان هذان البيتان لحسّان لجاء ذكرها في البحار وفي كتب المناقب منها مناقب ابن شهر آشوب عند تعرّضه لتقاريض الشعر عن الشعراء المعروفين في حديث ردّ الشمس ولذكرهما العلّامة الأميني (أمين تراث الكرامات للعترة الطاهرة) عند تفرّسه وإعمال باعه لتعرّض هذه الكرامة الباهرة في موسوعته «كتاب الغدير» حيث دافع عن صحّة الواقعة وأثبت وقوعها بكلام جامع مانع قامع في الجزء ٣ : ٢٩ و ٧٥ و ١٢٦ و ١٤١ وأورد عند تعرّضه لغديريّة حسّان بن ثابت أبياتا عن ديوانه الذي رآه وصفحه في الجزء ٢ : ٣٤ ـ ٦٥ وادّعى تغييره ونقصانه بلعب بعض الأيادي اللاعبة فالحدس القويّ يقتضي الذهاب إلى إمكان أنّ الشيخ الراوندي اشتبه عليه النسبة فكانا للحميريّ أو ابن حمّاد أو أمثالهما فنسبهما إلى حسّان والذي يؤكّد ما ذكرناه ـ

١٨٦

[٤٢٥ / ١٥] ـ وبإسناده عن سعد بن عبد الله ، حدّثنا موسى بن جعفر البغداديّ ، عن عمرو بن سعيد ، عن مصدّق بن صدقة ، عن عمّار الساباطيّ ، قال : دخل الصادق مسجد الفضيخ ، فقال لي : يا عمّار ، ترى هذه الوهدة (١)؟ قلت : نعم ، قال : كانت امرأة جعفر بن أبي طالب التي خلّف عليها أمير المؤمنين عليه‌السلام قاعدة في هذا الموضع ومعها ابنتها من جعفر ، فبكت ، فقالت لها ابنتها : ما يبكيك يا أمّاه؟ قالت : بكيت لأمير المؤمنين إذ وضع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في هذا المسجد رأسه في حجره حتّى خفق فغطّ ، فانتبه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا عليّ ، ما صلّيت صلاة العصر؟

فقال له : كرهت أن أوذيك فأحرّك رأسك عن فخذي ، فرفع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يديه وقال : اللهمّ ردّ الشمس إلى وقتها حتّى يصلّي عليّ ، فرجعت الشمس حتّى صلّى العصر ، ثمّ انقضت انقضاض الكواكب (٢).

__________________

ـ أنّهما لو كانا له لورد في ديوانه المطبوع اللهمّ إلّا أن يدّعي أنّهما حذفا منه بلعب بعض اللاعبين.

نعم الحافظ سليمان بن إبراهيم القندوزي الحنفيّ المتوفىّ ١٢٩٤ ه‍ بعد ذكر الواقعة في ينابيع المودّة الباب ٤٧ ص ١٣٨ من طبعة ١٣٨٥ نسب إلى حسّان بيتين آخرين في نفس المعنى فإنّه قال : فأنشأ حسّان بن ثابت :

يا قوم من مثل عليّ وقد

ردّت عليه الشمس من غائب

أخو رسول الله وصهره

والأخ لا يعدل بالصاحب

ولكن نسب ابن شهر آشوب المتوفّى ٥٨٨ ه‍ البيتين مع فرق ما بإضافة بيت آخر إلى صاحب بن عبّاد فذكر في مناقبه الجزء ٢ : ٣١٧ بعد ذكر القضيّة : وسئل الصاحب أن ينشد في ذلك فأنشد :

لا تقبل التوبة من تائب

إلّا بحبّ ابن أبي طالب

أخي رسول الله بل صهره

والصهر لا يعدل بالصاحب

يا قوم من مثل عليّ وقد

ردّت عليه الشمس من غائب

(غلام رضا عرفانيان).

(١) قال في الصحاح ٢ : ٥٥٤ : الوهدة : المكان المطمئن ، والجمع وهد ووهاد ومثله في معجم مقاييس اللغة ٦ : ١٤٧.

(٢) عنه وعن الكافي ٤ : ٥٦١ / ٧ في بحار الأنوار ٤١ : ١٨٢ / ١٩ باختلاف يسير مع تفصيل أكثر ـ

١٨٧

[٤٢٦ / ١٦] ـ وعن أسماء بنت عميس قالت : لمّا ردّت الشمس على عليّ بالصهباء ، قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : أما إنّها ستردّ لك بعدي حجّة على من خالفك (١).

[٤٢٧ / ١٧] ـ وقال سعد بن عبد الله : حدّثنا أحمد بن محمّد بن عيسى ، حدّثنا الحسين بن سعيد ، عن أحمد بن عبد الله القروي (٢) ، عن الحسين بن المختار القلانسيّ ، عن أبي بصير ، عن عبد الواحد بن المختار الأنصاريّ ، عن أمّ المقدام الثقفيّة قالت : قال لي جويريّة بن مسهّر : قطعنا مع أمير المؤمنين عليه‌السلام جسر الفرات في وقت العصر ، فقال : هذه أرض لا ينبغي لنبيّ ولا وصيّ نبيّ أن يصلّي فيها ، فمن أراد منكم أن يصلّي فليصلّ ، فتفرّق الناس يمنة ويسرة يصلّون ، وقلت : أنا لا أصلّي حتّى أصلّي معه ، فسرنا وجعلت الشمس تسفل ، وجعل يدخلني من ذلك أمر عظيم حتّى وجبت الشمس وقطعنا الأرض ، فقال لي : يا جويريّة ، أذّن.

فقلت : تقول أذّن وقد غابت الشمس؟! قال : أذّن ، فأذّنت ، ثمّ قال لي : أقم ، فأقمت ، فلمّا قلت : قد قامت الصلاة ، رأيت (٣) شفتيه يتحرّكان وسمعت كلاما كأنّه كلام العبرانيّة ، فارتفعت الشمس حتّى صارت في مثل وقتها في العصر فصلّى ،

__________________

ـ واللفظ فيه للكافي : عن عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن موسى بن جعفر ، عن عمر بن سعيد ، عن الحسن بن صدقة ، عن عمّار بن موسى .. وفي بحار الأنوار ٩٧ : ٢١٦ / ١٥ ومدينة المعاجز ١ : ٢٠٦ / ١٢٦ عن الكافي.

(١) قال الصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه ١ : ٢٠٣ : جرت السنّة في ردّ الشمس على أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام في هذه الأمّة ، ردّ الله عليه الشمس مرّتين ، مرّة في أيّام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومرّة بعد وفاته صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أمّا في أيّامه صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ وذكر مضمون الحديث السابق ـ وأمّا بعد وفاة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فإنّه : «روي عن جويريّة بن مسهّر أنّه قال : أقبلنا مع أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام من قتال الخوارج حتّى إذا قطعنا في أرض بابل حضرت صلاة العصر إلى آخر القصّة.

(٢) في النسخ : (القزويني) والصواب ما أثبتناه ؛ لاحظ : علل الشرائع ٢ : ٣٤٠ / ١ و ٣٥٢ / ٤ ، مشيخة من لا يحضره الفقيه ٤ : ٤٣٩.

(٣) في «ر» «س» : (نظرت إلى) بدلا من : (رأيت).

١٨٨

فلمّا انصرفنا هوت إلى مكانها ، قلت : أشهد أنّك وصيّ رسول الله عليك وعليه الصلاة والسلام (١).

[٤٢٨ / ١٨] ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا أحمد بن عليّ بن موسى الدقّاق ، حدّثنا أحمد بن جعفر بن نصر الجمّال ، حدّثنا عمر بن خلّاد ، عن الحسين بن عليّ ، عن أبي قتادة الحرّانيّ ، حدّثنا جعفر بن برقان (٢) ، عن ميمون بن مهران ، عن زاذان (٣) ، عن ابن عبّاس رضى الله عنه قال : لمّا فتح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مكّة رفع الهجرة وقال : لا هجرة بعد الفتح ، وقال لعليّ عليه‌السلام : إذا كان غدا فكلّم الشمس في مطلعها حتّى تعرف كرامتك على الله تعالى جلّ ذكره ، فلمّا أصبحنا قمنا فجاء عليّ إلى الشمس حين طلعت ، فقال : السلام عليك أيّها العبد المطيع لربّه (٤).

قالت الشمس : وعليك السلام يا أخا رسول الله ووصيّة ، ابشر فإنّ ربّ العزّة يقرؤك السلام ويقول : ابشر فإنّ لك ولمحبّيك وشيعتك ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، فخرّ عليّ عليه‌السلام ساجدا لله.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ارفع رأسك (٥) ، فقد باهى الله عزوجل بك الملائكة (٦).

__________________

(١) رواه الصدوق بنفس السند في علل الشرائع ٢ : ٣٥٢ / ٤ باختلاف في بعض ألفاظه والصفّار في بصائر الدرجات : ٢٣٩ / ٤ وعنهما في بحار الأنوار ٤١ : ١٦٧ / ٣ وج ٨٠ : ٣١٧ / ١٠.

(٢) أبو قتادة الحرانيّ هو عبد الله بن واقد كما عن التهذيب والتقريب لابن حجر قائلا : مات ٢١٠ ه‍.

وجعفر بن برقان هو الكلابي أبو عبد الله الرقي كما عن التقريب (العرفانيان).

(٣) في «ص» «م» : (رادان) ، وفي «ر» «س» : (زادان) ، والمثبت عن البحار.

(٤) في «ر» : (أيّتها العبدة المطيعة لربّها).

(٥) في «ر» «س» زيادة : (حبيبي).

(٦) عنه في بحار الأنوار ٤١ : ١٧٠ / ٧ ، وفي ص : ١٧٧ / ١٢ عنه وعن الأمالي للصدوق : ٦٨٥ / ١٤ باختلاف ، واللفظ للأمالي بهذا السند : عن أحمد بن الحسن القطّان ، عن القاسم بن عبّاس ، عن أحمد بن يحيى الكوفيّ ، عن أبي قتادة الحرّانيّ ، عن جعفر بن برقان ، عن ميمون بن مهران ، عن ـ

١٨٩

فصل

[إخباره صلى‌الله‌عليه‌وآله بما في ضمير السائل]

[٤٢٩ / ١٩] ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا أبو محمّد عبد الله بن حامد ، حدّثنا أبو محمّد الحسن بن محمّد بن إسحاق بن الأزهر ، حدّثنا الحسين بن إسحاق الدقّاق العسريّ (١) ، حدّثنا عمر بن خالد ، حدّثنا عمر بن راشد ، عن عبد الرّحمن بن حرملة ، عن سعيد بن المسيّب ، عن أبي هريرة ، قال : كان رسول الله يوما جالسا فاطّلع عليه عليّ عليه‌السلام مع جماعة ، فلمّا رآهم تبسّم فقال : جئتموني تسألوني عن شيء إن شئتم أعلمتكم بما جئتم وإن شئتم فاسألوني ، فقالوا : بل تخبرنا يا رسول الله.

قال : جئتم تسألونني عن الصنايع (٢) لمن تحقّ ، فلا ينبغي أن يصنع إلّا لذي حسب أو دين ، وجئتم تسألونني عن جهاد المرأة ، فإنّ جهاد المرأة حسن التبعّل لزوجها ، وجئتم تسألونني عن الأرزاق من أين؟ أبى الله أن يرزق عبده (٣) إلّا من حيث لا يعلم فإنّ العبد إذا لم يعلم وجه رزقه كثر دعاؤه (٤).

__________________

ـ زاذان ، عن ابن عبّاس .. ، ورواه أيضا باختلاف الفتّال النيسابوريّ في روضة الواعظين : ١٢٨ ، وابن شهر آشوب في مناقب آل أبي طالب ٢ : ١٤٩ وعنه في بحار الأنوار ٤١ : ١٧٦ / ضمن الحديث ١٠.

وورد قريب منه في كتاب اليقين لابن طاوس الحسنيّ : ١٦٥ ، المحتضر لابن سليمان الحلّيّ : ١٠٤ ، كشف الغمّة ١ : ١٥٣ ، تأويل الآيات ٢ : ٦٥٧ ، ينابيع المودّة ١ : ٤٢٥ / ١.

(١) في «ر» «س» : (التستريّ).

(٢) في حاشية نسخة «م» فوق كلمة : (الصنايع) أي صانع المعروف والإحسان.

(٣) في «ر» «س» : (يجعل رزق عبده) بدلا من : (يرزق عبده).

(٤) عنه في بحار الأنوار ١٨ : ١٠٦ / ٤ الخبر بتمامه ، وفي ج ١٠٠ : ٣٠ / ٥٥ وص ٢٤٧ / ٢٨ ومستدرك الوسائل ٥ : ٢٥١ / ١ ذيله (قطعة منه).

وورد نحوه في تحف العقول لابن شعبة الحرّانيّ : ٦٠ عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله. ـ

١٩٠

[٤٣٠ / ٢٠] ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا أبو عبد الله محمّد بن حامد (١) ، حدّثنا أبو بكر محمّد بن جعفر ، حدّثنا عبد الله بن أحمد بن إبراهيم العبديّ ، حدّثنا عمر ابن حصين الباهليّ ، حدّثنا عمر بن مسلم العبديّ ، حدّثنا عبد الرحمن بن زياد ، عن مسلم بن يسار قال : قال أبو عقبة الأنصاريّ : كنت في خدمة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فجاء نفر من اليهود ، فقالوا لي : استأذن لنا على محمّد. فأخبرته ، فدخلوا عليه ، فقالوا : أخبرنا عمّا جئنا نسألك عنه.

قال : جئتموني تسألونني عن ذي القرنين ، قالوا : نعم ، فقال : كان غلاما من أهل الروم ناصحا لله عزوجل فأحبّه الله ، وملك الأرض فسار حتّى أتى (٢) مغرب الشمس ، ثمّ سار إلى مطلعها ، ثمّ سار إلى جبل يأجوج ومأجوج ، فبنى فيها السدّ ، قالوا : نشهد أنّ هذا شأنه ، وإنّه لفي التوراة (٣).

[٤٣١ / ٢١] ـ وبإسناده (*) عن ابن عبّاس رضى الله عنه قال : دخل أبو سفيان على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يوما فقال : يا رسول الله ، أريد أن أسألك عن شيء ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن شئت أخبرتك قبل أن تسألني؟ قال : افعل ، قال : أردت أن تسأل (٤) عن مبلغ عمري ، فقال : نعم يا

__________________

ـ وورد مضمون ذيله بأسانيد مختلفة كما في الكافي ٥ : ٨٤ / ٤ ، من لا يحضره الفقيه ٣ : ١٦٥ / ٣٦٠٨ ، الأمالي : ٢٤٨ / ٦ ، والتوحيد : ٤٠٢ / ٨ ، التمحيص : ٥٣ / ١٠٥ ، تهذيب الأحكام ٦ : ٣٢٨ / ٢٦ ، روضة الواعظين : ٣٢٦ ، مكارم الأخلاق : ٢٧٠.

وانظر دلائل النبوّة للأصبهانيّ : ٧٥ ، كنز العمّال ١٥ : ٩٠٧ / ٤٣٥٦٦ وج ١٦ : ١٤٠ / ٤٤١٧٢ و ٤٤١٧٣ وص ٢٤٠ / ٤٤٣٠٨.

(١) في البحار : (عبد الله بن حامد) بدلا من : (أبو عبد الله محمّد بن حامد).

(٢) في «ر» «س» : (بلغ).

(٣) عنه في بحار الأنوار ١٢ : ١٩٦ / ٢٣ وج ١٨ : ١٠٧ / ٥.

ورواه بنحو آخر الحميريّ في قرب الإسناد : ٣٢٢ / قطعة من الحديث ١٢٢٨ وعنه في بحار الأنوار ١٧ : ٢٢٨ / قطعة من الحديث ١ وتفسير نور الثقلين ٣ : ٢٩٣ / ١٩٩ ، إثبات الهداة : ٣٧٩ / ٥٤٢.

(*) تقدّم بالإسناد برقم : (٤٢٨) و...

(٤) في «ر» «س» : (تسألني).

١٩١

رسول الله ، فقال : إنّي أعيش ثلاثا وستّين سنة ، فقال : أشهد أنّك صادق ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : بلسانك دون قلبك.

قال ابن عبّاس : والله ما كان إلّا منافقا ، قال : ولقد كنّا في محفل (١) فيه أبو سفيان وقد كفّ بصره وفينا عليّ عليه‌السلام ، فأذّن المؤذّن ، فلمّا قال : أشهد أنّ محمّدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال أبو سفيان : هيهنا من يحتشم؟ قال واحد من القوم : لا ، فقال : لله درّ أخي بني هاشم انظروا أين وضع اسمه.

فقال عليّ عليه‌السلام : أسخن الله عينيك (٢) يا أبا سفيان ، الله فعل ذلك بقوله عزّ من قائل : (وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ)(٣) ، فقال أبو سفيان : أسخن الله عين من قال لي : ليس هيهنا من يحتشم (٤).

فصل

[قصّة انشقاق القمر للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله]

[٤٣٢ / ٢٢] ـ وبإسناده عن ابن عبّاس رضى الله عنه أنّه سئل عن قوله تعالى : (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ)(٥) قال : انشقّ القمر على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى صار

__________________

(١) في «ر» «س» زيادة : (كان).

(٢) أسخن الله عينه أي : أبكاه (لسان الميزان ٦ : ٢٠٧).

(٣) الانشراح : ٤.

(٤) عنه في بحار الأنوار ١٨ : ١٠٧ / ٦ وج ٣١ : ٥٢٣ / ٢٢ الخبر بتمامه ، وفي ج ٢٢ : ٥٠٤ / ٢ صدر الحديث إلى قوله : (دون قلبك) بإسناد مفصّل إلى الصدوق : عن أحمد بن موسى الدقّاق ، عن أحمد بن جعفر بن نصر الجمّال ، عن عمر بن خلّاد ، والحسين بن عليّ ، عن أبي قتادة الحرّانيّ ، عن جعفر بن نوقان ، عن ميمون بن مهران ، عن زاذان ، عن ابن عبّاس قال : ... وروى الطبرسيّ ذيل الحديث في كتاب الاحتجاج ١ : ٣٤٩ بنفس المتن من قوله : (قال ابن عبّاس : والله) إلى آخر الحديث.

(٥) القمر : ١.

١٩٢

نصفين (١) ونظر إليه الناس وأعرض أكثرهم ، فأنزل الله تعالى جلّ ذكره : (وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ)(٢) فقال المشركون : سحر القمر سحر القمر (٣).

[٤٣٣ / ٢٣] ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا أبو محمّد بن حامد ، حدّثنا أبو بكر محمّد ابن جعفر الطبرانيّ ، حدّثنا عليّ بن حرب الموصليّ ، حدّثنا محمّد بن حجر ، عن عمّه سعيد ، عن أبيه ، عن أمّه ، عن وائل بن حجر ، قال : جاءنا ظهور النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنا في ملك عظيم وطاعة من قومي ، فرفضت ذلك وآثرت الله ورسوله ، وقدمت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأخبرني أصحابه أنّه بشّرهم قبل قدومي بثلاث ، فقال : هذا وائل ابن حجر قد أتاكم من أرض بعيدة من حضرموت راغبا في الإسلام طائعا بقيّة أبناء الملوك.

فقلت : يا رسول الله ، أتانا ظهورك وأنا في ملك ، فمنّ الله عليّ أن رفضت ذلك وآثرت الله ورسوله ودينه راغبا فيه.

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : صدقت ، اللهمّ بارك في وائل وفي ولده وولد ولده (٤).

__________________

(١) في «م» «ص» : (بنصفين).

(٢) القمر : ٢.

(٣) عنه في بحار الأنوار ١٧ : ٣٥٤ / ٥.

وورد مضمونه بأسانيد مختلفة في الأمالي للصدوق : ٣٤١ / ٣٧ وعنه في بحار الأنوار ١٧ : ٣٥٣ / ٣ ، تفسير مجمع البيان ٩ : ٣١٠ ، إعلام الورى ١ : ٨٤ وعنه في بحار الأنوار ١٧ : ٣٥٧ / ١٣.

ونقل مضمونه في البحار ١٧ : ٣٤٧ ـ ٣٥٠ بأسانيد مختلفة.

وانظر : مسند أحمد ٤ : ٨٢ ، سنن الترمذيّ ٥ : ٧٢ / ٣٣٤٣ ، السنن الكبرى ٦ : ٤٧٦ / ١١٥٥٢ و ١١٥٥٣ ، مسند أبي يعلى ٨ : ٣٧٨ / ٤٩٦٨ ، تفسير ابن كثير ٤ : ٢٨٠ و ٢٨١ ، السيرة النبويّة لابن كثير ٢ : ١٢٠.

(٤) عنه في بحار الأنوار ١٨ : ١٠٨ / ٧ وج ٢٢ : ١١٢ / ٧٧ ، وورد مثله في الخرائج والجرائح ١ : ٦٠ / ١٠٣.

وانظر : سبل السلام لابن حجر العسقلانيّ ١ : ١٦٩ ، شرح مسند أبي حنيفة : ٤٩٢ ، أسد الغابة لابن الأثير ٥ : ٨١ ، البداية والنهاية لابن كثير ٥ : ٩٣ ، تاريخ ابن خلدون ٧ : ٣٨٠.

١٩٣

فصل

[نطق الناقة لعليّ عليه‌السلام]

[٤٣٤ / ٢٤] ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا الحسن بن محمّد بن سعيد ، حدّثنا فرات ابن إبراهيم بن فرات الكوفيّ ، حدّثنا جعفر بن محمّد بن سعيد الأحمسيّ ، حدّثنا نصر بن مزاحم ، عن قطرب بن عليف (١) ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن عبد الرحمن بن سابط ، عن سلمان الفارسيّ رضى الله عنه قال : كنت ذات يوم عند النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إذ أقبل أعرابيّ على ناقة له (٢) فسلّم ، ثمّ قال : أيّكم محمّد؟ فأومي إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : يا محمّد ، أخبرني عمّا في بطن ناقتي حتّى أعلم أنّ الذي جئت به حقّ وأؤمن بإلهك وأتّبعك ، فالتفت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : حبيبي عليّ ، عليك بذلك.

فأخذ عليّ بخطام (٣) الناقة ، ثمّ مسح يده على نحرها ، ثمّ رفع طرفه إلى السماء وقال : اللهمّ إنّي أسألك بحقّ محمّد وأهل بيت محمّد ، وبأسمائك الحسنى ، وبكلماتك التامّات لمّا أنطقت هذه الناقة حتّى تخبرنا بما في بطنها ، فإذا الناقة قد التفتت إلى عليّ عليه‌السلام وهي تقول : يا أمير المؤمنين ، إنّه ركبني يوما وهو يريد زيارة ابن عمّ له ، وواقعني فأنا حامل منه.

فقال الأعرابيّ : ويحكم النبيّ هذا أم هذا؟ فقيل : هذا النبيّ وهذا أخوه وابن عمّه ، فقال الأعرابيّ : أشهد أن لا إله إلّا الله ، وأنّك رسول الله ، وسأل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يسأل الله عزوجل أن يكفيه ما في بطن ناقته فكفاه ، وحسن إسلامه.

__________________

(١) في البحار : (عطيف).

(٢) قوله : (له) لم يرد في «ر» «س».

(٣) قال في المصباح المنير : ١٧٤ : الخطم من كلّ دابّة مقدم الأنف والفم وخطام البعير معروف وجمعه خطم ، سمي بذلك لأنّه يقع على خطمه.

١٩٤

وقال (١) : وليس (٢) في العادة أن تحمل الناقة من الإنسان ، ولكن الله جلّ ثناؤه قلب العادة في ذلك دلالة لنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله على أنّه يجوز أن تكون نطفة الرجل على هيئتها في بطن الناقة حينئذ (٣) ولم تصر علقة بعد ، وإنّما أنطقها الله تعالى ليعلم به صدق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٤).

فصل

[أجوبته صلى‌الله‌عليه‌وآله على سؤالات اليهود]

[٤٣٥ / ٢٥] ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا أبو محمّد عبد الله بن حامد ، حدّثنا أبو نصر محمّد بن حمدويه المطرعيّ ، حدّثنا محمّد بن عبد الكريم ، حدّثنا وهب ابن جرير (٥) ، حدّثنا أبي ، حدّثنا محمّد بن إسحاق ، حدّثنا عبد الله بن عبد الرحمن ابن أبي الحسين ، عن شهر بن حوشب قال : لمّا قدم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله المدينة أتاه رهط من اليهود ، فقالوا : إنّا سائلوك عن أربع خصال ، فإن أخبرتنا عنها صدّقناك وآمنّا بك.

فقال : عليكم بذلك عهد الله وميثاقه؟ قالوا : نعم ، قال : سلوا عمّا بدا لكم ، قالوا : عن الشبه كيف يكون من المرأة وإنّما النطفة للرجل؟

فقال : أنشدكم بالله أتعلمون أنّ نطفة الرجل بيضاء غليظة وأنّ نطفة المرأة

__________________

(١) لعلّ القائل هو الشيخ الصدوق صاحب كتاب النبوّة.

(٢) في «ر» «س» : (وقال : ليس) ، وفي البحار : (قال الراوندي : ليس).

(٣) قوله : (حينئذ) لم يرد في «ر» «س».

(٤) عنه في بحار الأنوار ٤١ : ٢٣٠ / ١ وفي ج ٩١ : ٥ / ٥ إلى قوله : (وأنّك رسول الله) ، وانظر : إثبات الهداة ٢ : ٤٦٤ ـ ٤٦٥ / ٢١٦. وأورده البحرانيّ في مدينة المعاجز ٢ : ٢٠ / ٣٦٣ وفي بحار الأنوار ١٧ : ٤١٤ / ٤٣ عن الخرائج والجرائح ٢ : ٤٩٧ / ١٢.

(٥) في «ر» «ص» : (حرير) ، وفي «س» : (حريز).

١٩٥

حمراء رقيقة؟ فأيّتهما (١) غلبت صاحبتها كانت لها الشبه ، قالوا : اللهمّ نعم (٢).

قالوا : فأخبرنا عمّا حرّم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزّل التوراة ، قال : أنشدكم بالله هل تعلمون أنّ أحبّ الطعام والشراب إليه لحوم الإبل وألبانها؟ فاشتكى شكوى ، فلمّا عافاه الله منها حرّمها على نفسه ليشكر الله به ، قالوا : اللهمّ نعم (٣).

قالوا : أخبرنا عن نومك كيف هو؟ قال : أنشدكم بالله هل تعلمون من صفة هذا الرجل الذي تزعمون أنّي لست به : تنام عينه وقلبه يقظان؟ قالوا : اللهمّ نعم ، قال : وكذا نومي.

قالوا : فأخبرنا عن الروح ، قال : أنشدكم بالله هل تعلمون أنّه جبرئيل عليه‌السلام؟ قالوا : اللهمّ نعم ، وهو الذي يأتيك وهو لنا عدوّ ، وهو ملك إنّما يأتي بالغلظة وشدّة الأمر ، ولو لا ذلك لاتّبعناك ، فأنزل الله تعالى : (قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ) إلى قوله : (أَوَكُلَّما عاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ)(٤)(٥).

__________________

(١) في «س» «ص» : (فأيّهما).

(٢) ورد هذا المضمون في علل الشرائع ١ : ٦٤ / ١ وعنه في بحار الأنوار ٥٧ : ٣٣٨ / ١٦.

وانظر : المصنّف لابن أبي شيبة ١١ : ٤١٩ ـ ٤٢٠ ، الجامع الصغير ٢ : ٦٧٥ / ٩٢٦٥ ، كنز العمّال ١٦ :٤٨٣ / ٤٥٥٦٣.

(٣) ورد هذا المضمون في تفسير العيّاشيّ ١ : ١٨٤ / ٨٦ وعنه في بحار الأنوار ٩ : ١٩١ / ٣١ وج ١٢ : ٢٩٩ / ٨٧ ، وتفسير القمّيّ ١ : ١٥٨ وعنه في بحار الأنوار ٩ : ١٩٥ / ٤٦ وج ١٣ : ٣٢٥ / ١.

وانظر : مسند أحمد ١ : ٢٧٣ وص ٢٧٨ ، مسند أبي داود : ٣٥٧.

(٤) البقرة : ٩٧ ـ ١٠٠.

(٥) عنه في بحار الأنوار ٩ : ٣٠٧ / ٩ بتمامه ، وفي ج ١٦ : ١٩٣ / ٣١ باختصار ، وفي ج ٥٧ : ٣٦٦ / ٦٤ إلى قوله : (كان لها الشبه؟ قالوا : اللهمّ نعم).

وورد مثله في السيرة النبويّة صلى‌الله‌عليه‌وآله لابن هشام الحميريّ ٢ : ٣٨٥ ، وانظر : جامع البيان ١ : ٦٠٧ ، المعجم الكبير ١٠ : ١٧٢ / ١٠٣٦٠ وج ١٢ : ١٩١ ، تفسير ابن كثير ١ : ١٣٤.

١٩٦

فصل

[استجابة العذق من الشجرة له صلى‌الله‌عليه‌وآله]

[٤٣٦ / ٢٦] ـ وعن ابن حامد ، حدّثنا أبو عليّ حامد بن محمّد بن عبد الله ، حدّثنا عليّ بن عبد العزيز ، حدّثنا محمّد بن سعيد الإصفهانيّ ، حدّثنا شريك ، عن سماك ، عن أبي ظبيان ، عن ابن عبّاس قال : جاء أعرابيّ إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وقال : بم أعرف أنّك رسول الله؟ قال : أرأيت إن دعوت هذا العذق من هذه النخلة فأتاني أتشهد أنّي رسول الله؟ قال : نعم.

قال : فدعا العذق فنزل (١) من النخلة حتّى سقط على (٢) الأرض ، فجعل يبقر حتّى أتى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ قال : ارجع ، فرجع حتّى عاد إلى مكانه ، فقال : أشهد أنّك لرسول الله وآمن ، فخرج العامريّ يقول : يا آل عامر بن صعصعة ، والله لا أكذّبه بشيء أبدا (٣).

[قصّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وركانة]

[٤٣٧ / ٢٧] ـ وكان رجل من بني هاشم يقال له : ركانة ، وكان كافرا من أفتك الناس ، يرعى غنما له بواد يقال له : وادي إضم (٤) ، فخرج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى ذلك الوادي فلقيه ركانة ، فقال : لو لا رحم بيني وبينك ما كلّمتك حتّى قتلتك ، أنت الذي تشتم

__________________

(١) في «ر» «س» : (فجعل العذق ينزل).

(٢) في «ر» «س» : (إلى).

(٣) عنه في بحار الأنوار ١٧ : ٣٦٨ / صدر الحديث ١٧ ، إثبات الهداة ١ : ٣٨٠ / ٥٤٦ و ٥٤٧.

وورد قريب منه في سنن الترمذيّ ٥ : ٢٥٤ / ٣٧٠٧ ، المستدرك للحاكم النيسابوريّ ٢ : ٦٢٠ ، المعجم الكبير ١٢ : ٨٦ ، التاريخ الكبير ٣ : ٣ / ٦ ، البداية والنهاية لابن كثير ٦ : ١٣٧ وص ٣٠٧.

(٤) إضم : كحلب أو كعنب اسم ماء أو واد في الحجاز أو جبل في المدينة.

١٩٧

آلهتنا ، ادع إلهك ينجيك منّي ، ثمّ قال : صارعني فإن أنت صرعتني فلك عشرة (١) من غنمي ، فأخذه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وصرعه وجلس على صدره.

فقال ركانة : فلست بي فعلت هذا إنّما فعله إلهك ، ثمّ قال ركانة : عد فإن أنت صرعتني فلك عشرة أخرى تختارها ، فصرعه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله الثانية ، فقال ركانة : إنّما فعله إلهك ، عد فإن أنت صرعتني فلك عشرة أخرى ، فصرعه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله الثالثة.

فقال ركانة : خذلت اللّات والعزّى فدونك ثلاثين شاة فاخترها ، فقال له النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما أريد ذلك ، ولكنّي أدعوك إلى الإسلام ـ يا ركانة ـ وانفس ركانة تصير إلى النار إن تسلم تسلم. فقال ركانة : لا إلّا أن تريني آية.

فقال نبيّ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : الله شهيد عليك الآن إن دعوت ربّي فأريتك آية لتجيبني إلى ما أدعوك؟ قال : نعم ، وقريب منه شجرة مثمرة قال : أقبلي بإذن الله ، فانشقّت باثنين وأقبلت على نصف ساقها حتّى كانت بين يدي نبيّ الله.

فقال ركانة : أريتني (٢) شيئا عظيما ، فمرها فلترجع ، فقال له النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : الله شهيد (٣) إن أنا دعوت ربّي يأمرها فرجعت لتجيبني إلى ما أدعوك إليه؟ قال : نعم فأمرها فرجعت حتّى التأمت بشقّها.

فقال له النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : تسلم؟ فقال : ركانة : أكره أن تتحدّث نساء مدينة أنّي إنّما أجبتك لرعب دخل في قلبي منك ، ولكن فاختر غنمك ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : ليس لي حاجة إلى غنمك إذا (٤) أبيت أن تسلم (٥).

__________________

(١) في «س» : (عشرون).

(٢) في «ر» : (أرأيت).

(٣) في «ص» «م» : (يشهد).

(٤) في «ر» «س» : (إذ).

(٥) عنه في بحار الأنوار ١٧ : ٣٦٩ / ذيل الحديث ١٧. ـ وورد بنحو آخر في الاحتجاج للطبرسيّ ١ : ٣٥٢ ضمن حديث طويل ، وتفسير الإمام العسكريّ عليه‌السلام : ١٧٢ / ضمن الحديث ٨٤ وعنهما في بحار الأنوار ١٠ : ٧٩ / ضمن الحديث ١ وج ٤٢ : ٤٧ / ضمن الحديث ١٨ ، وفي ج ١٧ : ٣٧٠ / ٢٢ عن الاحتجاج.

وانظر : مسند أحمد ٣ : ١١٣ ، أسد الغابة ٢ : ١٨٧ ـ ١٨٨.

١٩٨

فصل

[قصّة سلمان رضى الله عنه]

[٤٣٨ / ٢٨] ـ وعنه ، عن ابن حامد ، حدّثنا محمّد بن يعقوب ، حدّثنا أحمد بن عبد الجبّار ، حدّثنا يونس ، عن ابن إسحاق ، حدّثنا عاصم بن عمرو بن قتادة ، عن محمود بن أسد ، عن ابن عبّاس قال : حدّثني سلمان الفارسيّ رضى الله عنه قال : كنت رجلا من أهل إصفهان من قرية يقال لها : جي ، وكان أبي دهقان أرضه ، وكان يحبّني حبّا شديدا يحبسني في البيت كما تحبس الجارية ، وكنت صبيّا لا أعلم من أمر الناس إلّا ما أرى من المجوسيّة حتّى أنّ أبي بنى بنيانا وكان له ضيعة ، فقال : يا بنيّ ، شغلني من اطّلاع الضيعة ما ترى ، فانطلق إليها ومرهم بكذا وكذا ولا تحتبس (١) عنّي.

فخرجت أريد الضيعة ، فمررت بكنيسة النصارى فسمعت أصواتهم ، فقلت : ما هذا؟ قالوا : هؤلاء النصارى يصلّون ، فدخلت أنظر فأعجبني ما رأيت من حالهم ، فو الله ما زلت جالسا عندهم حتّى غربت الشمس ، وبعث أبي في طلبي في كلّ وجه حتّى جئته حين أمسيت ولم أذهب إلى ضيعته ، فقال أبي : أين كنت؟ قلت : مررت بالنصارى (٢) فأعجبني صلاتهم ودعاؤهم ، فقال : أي بنيّ ، إنّ دين آبائك خير من دينهم ، فقلت : لا والله ما هذا بخير من دينهم ، هؤلاء قوم يعبدون

__________________

(١) في «ر» «س» «ص» : (تحبس).

(٢) في «ر» «س» : (بكنيسة النصارى).

١٩٩

الله ويدعونه ويصلّون له ، وأنت إنّما تعبد نارا أوقدتها بيدك إذا تركتها ماتت ، فجعل في رجلي حديدا وحبسني في بيت عنده.

فبعثت إلى النصارى فقلت : أين أصل هذا الدين؟ قالوا : بالشام ، قلت : إذا قدم عليكم من هناك ناس فأذنوني (١) ، قالوا : نفعل ، فبعثوا بعد أنّه قدم (٢) تجّار ، فبعثت : إذا قضوا حوائجهم وأرادوا الخروج فأذنوني به (٣) ، قالوا : نفعل ، ثمّ بعثوا إليّ بذلك ، فطرحت الحديد من رجلي وانطلقت معهم ، فلمّا قدمت الشام قلت : من أفضل هذا الدين؟

قالوا : الأسقف صاحب الكنيسة ، فجئت فقلت : إنّي أحببت (٤) أن أكون معك وأتعلّم منك الخير (٥) ، قال : فكن معي فكنت معه.

وكان رجل سوء يأمرهم بالصدقة ، فإذا جمعوها اكتنزها ولم يعط المساكين منها شيئا ولا بعضها ، فلم يلبث أن مات ، فلمّا جاؤوا أن يدفنوه ، قلت : هذا رجل سوء ونبّهتهم على كنزه ، فأخرجوا سبع قلال (٦) مملوة ذهبا ، فصلبوه على خشبة ورموه بالحجارة ، وجاؤوا برجل آخر فجعلوه مكانه.

فلا والله ـ يابن عبّاس ـ ما رأيت رجلا قطّ أفضل منه وأزهد (٧) في الدنيا وأشدّ اجتهادا منه ، فلم أزل معه حتّى حضرته الوفاة وكنت أحبّه ، فقلت : يا فلان ، قد حضرك ما ترى من أمر الله فإلى من توصي بي؟ قال : أي بنيّ ، ما أعلم إلّا رجلا

__________________

(١) في «ر» «س» : (أناس فادنوني).

(٢) في «ر» «س» زيادة : (علينا).

(٣) في «ر» «س» : (فادنوني به).

(٤) في «ر» «س» إضافة : (هذا الدين و).

(٥) قوله : (الخير) لم يرد في «م».

(٦) قلال كرجال : جمع القلّة بمعنى الإناء من أواني العرب شبه الحبّ.

(٧) في «ر» «س» : (ولا أزهد).

٢٠٠