قصص الأنبياء عليهم السلام - ج ٢

قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي [ قطب الدين الراوندي ]

قصص الأنبياء عليهم السلام - ج ٢

المؤلف:

قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي [ قطب الدين الراوندي ]


المحقق: عبدالحليم عوض الحلّي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة العلامة المجلسي رحمه الله
المطبعة: عمران
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-91180-3-8
الصفحات: ٤٣٢

بها (١) الجبال التي بناحية الموصل ، فصارت حديدا إلى يوم القيامة ، فلمّا رأى قوم يونس أنّ العذاب صرف عنهم حمدوا الله وهبطوا إلى منازلهم وضمّوا إليهم نساءهم وأولادهم.

وغاب يونس عليه‌السلام عن قومه ثمانية وعشرين يوما ، سبعة في ذهابه ، وسبعة في بطن الحوت ، وسبعة بالعراء ، وسبعة في رجوعه إلى قومه ، فأتاهم فآمنوا به وصدّقوه واتّبعوه عليه‌السلام (٢).

فصل

[يونس عليه‌السلام في بطن الحوت]

[٣٥٦ / ١٢] ـ وبإسناده عن ابن أورمة ، عن الحسن بن عليّ بن محمّد ، عن رجل ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : خرج يونس عليه‌السلام مغاضبا من قومه لمّا رأى من معاصيهم حتّى ركب مع قوم في سفينة في اليمّ ، فعرض لهم حوت ليغرقهم ، فساهموا ثلاث مرّات ، فقال يونس : إيّاي أراد ، فاقذفوني ، فلمّا أخذت السمكة يونس عليه‌السلام أوحى الله تعالى إليها : أنّي لم أجعله لك رزقا ، فلا تكسري له عظما ولا تأكلي له لحما.

قال : فطافت به البحار : (فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ)(٣) وقال : لمّا صارت السمكة في البحر الذي فيه قارون ، سمع قارون

__________________

(١) في «ر» «س» : (به).

(٢) عنه وعن تفسير العيّاشيّ ٢ : ١٢٩ / ٤٤ في بحار الأنوار ١٤ : ٣٩٢ / ١٢ بتفصيل أكثر ، واللفظ للعيّاشيّ بهذا السند : عن أبي عبيدة الحذّاء ، عن أبي جعفر عليه‌السلام .. وعنه في تفسير الصافي ٢ : ٤٢١ وتفسير نور الثقلين ٢ : ٣٢١ / ١٣٢ وج ٤ : ٤٣٧ / ١١٨ وج ٥ : ٣٩٧ / ٦٠ وقصص الأنبياء للجزائريّ : ٤٨٧.

(٣) الأنبياء : ٨٧.

١٢١

صوتا لم يسمعه ، فقال للملك الموكّل به : ما هذا الصوت؟ قال : هو يونس النبيّ عليه‌السلام في بطن الحوت ، قال : فتأذن لي أن أكلّمه؟ قال : نعم.

قال : يا يونس ، ما فعل هارون؟ قال : مات ، فبكى قارون ، قال : ما فعل موسى؟ قال : مات ، فبكى قارون ، فأوحى الله جلّت عظمته إلى الملك الموكّل به أن خفّف العذاب عن (١) قارون لرقّته على قرابته.

وفي خبر آخر : ارفع عنه العذاب بقيّة أيّام الدنيا ، لرقّته على قرابته (٢).

وفي هذا الخبر شيء يحتاج إلى تأويل (٣).

ثمّ قال أبو عبد الله عليه‌السلام : إنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ما ينبغي لأحد أن يقول : أنا خير من يونس بن متّى عليه‌السلام (٤).

فصل

[أحاديث في أصحاب الكهف]

[٣٥٧ / ١٣] ـ وبالإسناد المذكور عن ابن أورمة ، عن الحسن بن محمّد

__________________

(١) في «ر» «س» «ص» والبحار : (على).

(٢) إلى هنا ورد في تفسير العيّاشيّ ٢ : ١٣٦ / ٤٦ باختلاف وتفصيل أكثر : عن الثمالي ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ...

(٣) كذا في النسخ ، ولكن الظاهر أنّ قوله : (وفي هذا الخبر شيء يحتاج إلى تأويل) مربوط بما بعده ، أي بقول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : (ما ينبغي لأحد أن ..) فكان موضعه بعد انتهاء الخبر فمن المحتمل أن يكون قد غيّر عن موضعه من قبل الناسخ ، وكونه من كلام الشيخ الراوندي أيضا غير معلوم ولعلّه كان زيادة في هامش بعض النسخ من قبل بعض الفضلاء ، وأدخله بعض النّساخ ظنّا منه بأنّه من الأصل. ولذا ضرب عنه صفحا في البحار ، وإنّما فسّر كلامه صلى‌الله‌عليه‌وآله بما يصحّ تفسيره وتأويله به (عرفانيان).

(٤) عنه في بحار الأنوار ١٤ : ٣٩١ / ١١ ، وفي مستدرك الوسائل ١٧ : ٣٧٦ / ٩ باختصار.

وورد ذيل الحديث في صحيح البخاريّ ٤ : ١٢٥ ، مسند أحمد ١ : ٢٤٢ وص ٢٥٤ وص ٣٤٨ ، سنن الدارميّ ٢ : ٣٠٩.

١٢٢

الحضرميّ ، عن عبد الله بن يحيى الكاهليّ ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام وذكر أصحاب الكهف ، فقال : لو كلّفكم قومكم ما كلّفهم قومهم فافعلوا فعلهم. فقيل له : وما كلّفهم قومهم؟ قال : كلّفوهم الشرك بالله ، فأظهروه لهم وأسرّوا الإيمان حتّى جاءهم الفرج (١).

[٣٥٨ / ١٤] ـ وقال : إنّ أصحاب الكهف كذّبوا فآجرهم الله ، وصدّقوا فآجرهم الله (٢).

[٣٥٩ / ١٥] ـ وقال : كانوا صيارفة كلام ولم يكونوا صيارفة الدراهم (٣).

[٣٦٠ / ١٦] ـ وقال : خرج أصحاب الكهف على غير ميعاد ، فلمّا صاروا (٤) في الصحراء أخذ هذا على هذا وهذا على هذا العهد والميثاق ، ثمّ قال : أظهروا أمركم فأظهروه ، فإذا هم على أمر واحد (٥).

__________________

(١) عنه وعن تفسير العيّاشيّ ٢ : ٣٢٣ / ٨ في بحار الأنوار ١٤ : ٤٢٥ / صدر الحديث ٥ ، وفي مستدرك الوسائل ١٢ : ٢٧٣ / صدر الحديث ٨ عن القصص ، وفي ج ١٦ : ٢٣٠ / ١٤ عن تفسير العيّاشيّ ، وطريق العيّاشيّ هكذا : عن عبيد الله بن يحيى ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

(٢) عنه وعن تفسير العيّاشيّ في بحار الأنوار ١٤ : ٤٢٥ / قطعة من الحديث ٥ ، ولم أجده في تفسير العيّاشيّ ، وعنه أيضا في مستدرك الوسائل ١٢ : ٢٧٢ / قطعة من الحديث ٨.

(٣) عنه في بحار الأنوار ١٤ : ٤٢٥ / قطعة من الحديث ٥ ومستدرك الوسائل ١٢ : ٢٧٢ / قطعة من الحديث ٨.

ورواه العيّاشيّ في تفسيره ٢ : ٣٢٢ / ٧ : عن درست ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام .. وعنه في بحار الأنوار ١٤ : ٤٢٥ / قطعة من الحديث ٥ وص ٤٢٨ / ١٢ ومستدرك الوسائل ١٣ : ٩٦ / ٥.

(٤) في «س» : (ساروا).

(٥) عنه في بحار الأنوار ١٤ : ٤٢٥ / قطعة من الحديث ٥ ومستدرك الوسائل ١٢ : ٢٧٢ / قطعة من الحديث ٨.

ورواه العيّاشيّ في تفسيره ٢ : ٣٢٢ / ٦ بتفاوت يسير : عن أبي بكر الحضرميّ ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام .. وعنه في بحار الأنوار ١٤ : ٤٢٥ / قطعة من الحديث ٥ وص ٤٢٨ / ١١ وتفسير نور الثقلين ٣ : ٢٤٤ / ٢٢.

١٢٣

[٣٦١ / ١٧] ـ وقال : إنّ أصحاب الكهف أسرّوا الإيمان وأظهروا الكفر ، فكانوا على إظهارهم الكفر أعظم أجرا (١) منهم على إسرارهم الإيمان (٢).

[٣٦٢ / ١٨] ـ وقال : ما بلغت تقيّة أحد ما بلغت تقيّة أصحاب الكهف وإنّهم كانوا ليشدّون الزّنانير (٣) ويشهدون الأعياد ، فأعطاهم الله أجرهم مرّتين (٤).

[٣٦٣ / ١٩] ـ وعن ابن أورمة ، عن الحسن بن عليّ ، عن إبراهيم بن محمّد ، عن محمّد بن مروان ، عن فضيل بن يسار ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : إنّ أصحاب الكهف كذبوا الملك فأجروا ، وصدقوا فأجروا (٥).

[٣٦٤ / ٢٠] ـ وعن ابن أورمة ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قوله تعالى جلّت عظمته : (أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً)(٦) قال : هم قوم فقدوا فكتب ملك ذلك الزمان أسماءهم وأسماء آبائهم وعشايرهم في صحف من رصاص (٧).

__________________

(١) كلمة : (أجرا) لم ترد في «ر» «س» «ص».

(٢) عنه في بحار الأنوار ١٤ : ٤٢٦ / قطعة من الحديث ٥ ، وأيضا عن العيّاشيّ في تفسيره ٢ : ٣٢٣ / ١٠ بإسناده : عن الكاهليّ ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام .. وعنه في وسائل الشيعة ١٦ : ٢٣١ / ١٦ وتفسير الصافي ٣ : ٢٣٤ ، وفي مستدرك الوسائل ١٢ : ٢٧٢ / قطعة من الحديث ٨ عن قصص الراونديّ.

(٣) مفردها الزنّار ، في المصباح المنير : ٢٥٦ : الزنّار للنصارى وزان التفّاح والجمع زنانير ، وتزنّر النصراني أشدّ الزنّار على وسطه ، وانظر : ترتيب كتاب العين ٢ : ٧٦٦.

(٤) عنه في بحار الأنوار ١٤ : ٤٢٦ / ذيل الحديث ٥ ، وأيضا عن العيّاشيّ في تفسيره ٢ : ٣٢٣ / ٩ بإسناده : عن درست ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام .. وعنه في وسائل الشيعة ١٦ : ٢٣٠ / ١٥ ، وفي مستدرك الوسائل ١٢ : ٢٧٢ / ذيل الحديث ٨ عن قصص الراونديّ.

(٥) عنه في بحار الأنوار ١٤ : ٤٢٦ / ٦.

(٦) الكهف : ٩.

(٧) عنه وعن تفسير العيّاشيّ ٢ : ٣٢١ / ٥ : عن محمّد ، عن أحمد بن عليّ ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام .. في بحار الأنوار ١٤ : ٤٢٦ / ٧ ، وفي تفسير الصافي ٣ : ٢٣٢ وتفسير نور الثقلين ٣ : ٢٤٤ / ٢١ عن تفسير العيّاشيّ.

١٢٤

فصل

[كلام عليّ عليه‌السلام مع أصحاب الكهف]

[٣٦٥ / ٢١] ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا أبي ، حدّثنا سعد بن عبد الله ، حدّثنا أحمد ابن محمّد بن عيسى ، عن القاسم بن محمّد بن يحيى ، عن جدّه الحسن بن راشد ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : صلّى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ذات ليلة ثمّ توجّه إلى البقيع (١) ، فدعا أبابكر وعمر وعثمان وعليّا عليه‌السلام فقال : امضوا حتّى تأتوا أصحاب الكهف وتقرؤهم منّي السلام ، وتقدّم أنت يا أبابكر فإنّك أسنّ القوم ، ثمّ أنت يا عمر ، ثمّ أنت يا عثمان ، فإن أجابوا واحدا منكم ، وإلّا فتقدّم أنت يا عليّ كن آخرهم.

ثمّ أمر الريح فحملتهم حتّى وضعتهم على باب الكهف ، فتقدّم أبو بكر فسلّم فلم يردّوا عليه فتنحّى ، فتقدّم عمر فسلّم فلم يردّوا عليه ، وتقدّم عثمان فسلّم فلم يردّوا عليه.

فتقدّم عليّ عليه‌السلام وقال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أهل الكهف الذين آمنوا بربّهم وزادهم هدى وربط على قلوبهم ، أنا رسول رسول الله إليكم ، فقالوا : مرحبا برسول الله وبرسوله ، وعليك السلام يا وصيّ رسول الله ورحمة الله وبركاته.

قال : فكيف علمتم أنّي وصيّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ فقالوا : إنّه ضرب على آذاننا أن لا نكلّم إلّا نبيّا أو وصيّ نبيّ ، فكيف تركت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ وكيف حشمه؟ وكيف حاله؟ وبالغوا في السؤال ، وقالوا : خبّر (٢) أصحابك هؤلاء إنّا لا نكلّم إلّا نبيّا أو وصيّ نبيّ.

__________________

(١) في «ر» «س» : (البيت) ، وفي «ر» : (البنية) ، وفي «ص» غير واضحة ، وفي إثبات الهداة :

(الثنية) ، والمثبت عن البحار.

(٢) في «ر» «س» : (أخبر).

١٢٥

فقال لهم : أسمعتم ما يقولون؟ قالوا : نعم ، قال : فاشهدوا ، ثمّ حوّلوا وجوههم قبل المدينة فحملتهم الريح حتّى وضعتهم بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأخبروه بالذي كان.

فقال لهم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : قد رأيتم وسمعتم فاشهدوا ، قالوا : نعم فانصرف النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى منزله ، وقال لهم : احفظوا شهادتكم (١).

فصل

[قصّة أصحاب الكهف]

[٣٦٦ / ٢٢] ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا أبو عليّ محمّد بن يوسف بن عليّ المذكّر ، حدّثنا أبو عليّ الحسن بن عليّ بن نصر الطرسوسيّ ، حدّثنا أبو الحسن بن قرعة القاضي بالبصرة ، حدّثنا زياد بن عبد الله البكائيّ ، حدّثنا محمّد بن إسحاق ، حدّثنا إسحاق بن يسار ، عن عكرمة ، عن ابن عبّاس قال : لمّا كان في عهد خلافة عمر أتاه قوم من أحبار اليهود ، فسألوه عن أقفال السماوات ما هي؟ (٢) وعمّن أنذر قومه ليس من الجنّ ولا من الإنس ، وعن خمسة أشياء مشت على وجه الأرض لم يخلقوا في الأرحام ، وما يقول الدرّاج في صياحه ، وما يقول الديك والفرس والحمار والضفدع والقنبر ، فنكس عمر رأسه ، فقال : يا أبا الحسن ، ما أرى جوابهم إلّا عندك ، فقال لهم عليّ عليه‌السلام : إنّ لي عليكم شريطة ، إذا أنا أخبرتكم بما في التوراة دخلتم في ديننا؟ قالوا : نعم.

فقال عليه‌السلام : أمّا أقفال السماوات فهو الشرك بالله ، فإنّ العبد والأمة إذا كانا مشركين

__________________

(١) عنه في بحار الأنوار ١٤ : ٤٢٠ / ٢ بتمامه ، وفي ج ٣١ : ٦٢٤ / ١١٥ إلى قوله : (قال : فاشهدوا) ، وفي قصص الأنبياء للجزائريّ : ٥٠٢ بتمامه ، وإثبات الهداة ٢ : ١٣٠ / ٥٦٤.

(٢) في البحار زيادة : (وعن مفاتيح السماوات ما هي؟ وعن قبر سار بصاحبه ما هو؟).

١٢٦

ما يرفع لهما إلى الله سبحانه عمل. فقالوا : ما مفاتيحها؟ فقال عليّ عليه‌السلام : شهادة أن لا إله إلّا الله ، وأنّ محمّدا عبده ورسوله.

فقالوا : أخبرنا عن قبر سار بصاحبه؟ قال : ذاك الحوت حين ابتلع يونس عليه‌السلام فدار به في (١) البحار السبعة.

فقالوا : أخبرنا عمّن أنذر قومه لا من الجنّ ولا من الإنس ، قال : تلك نملة سليمان إذ قالت : (يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ)(٢).

قالوا : فأخبرنا عن خمسة أشياء مشت على الأرض ما خلقوا في الأرحام ، قال : ذاك آدم وحوّاء ، وناقة صالح ، وكبش إبراهيم ، وعصا موسى عليهم‌السلام.

قالوا : فأخبرنا ما تقول هذه الحيوانات؟ قال : الدرّاج يقول : الرّحمن على العرش استوى. والديك يقول : اذكروا الله يا غافلين. والفرس يقول (٣) : اللهمّ انصر عبادك المؤمنين على (٤) الكافرين. والحمار يلعن العشّار وينهق في عين الشيطان. والضفدع يقول : سبحان ربّي المعبود المسبّح [له] في لجج البحار. والقنبر يقول : اللهمّ العن مبغضي محمّد وآل محمّد.

قال : وكانت الأحبار ثلاثة ، فوثب اثنان وقالا : نشهد (٥) أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ، وأنّ محمّدا عبده ورسوله.

قال : فوقف الحبر الآخر ، وقال : يا عليّ ، لقد وقع في قلبي ما وقع في قلوب أصحابي ، ولكن بقيت خصلة واحدة (٦) أسألك عنها.

__________________

(١) قوله : (في) لم يرد في «ر» «س».

(٢) النمل : ١٨.

(٣) في البحار زيادة : (إذا مشى المؤمنون إلى الكافرين).

(٤) في «ص» «م» زيادة : (عبادك).

(٥) في «ر» «س» «ص» والبحار : (أشهد).

(٦) قوله : (واحدة) لم يرد في «ص» «م».

١٢٧

فقال عليّ عليه‌السلام : سل ، قال : أخبرني عن قوم كانوا في أوّل الزمان ، فماتوا ثلاثمائة وتسع سنين ثمّ أحياهم الله ، ما كان قصّتهم؟ فابتدأ عليّ وأراد أن يقرأ سورة الكهف ، فقال الحبر : ما أكثر ما سمعنا قرآنكم ، فإن كنت عالما فأخبرنا بقصّة هؤلاء وبأسمائهم وعددهم واسم كلبهم ، واسم كهفهم ، واسم ملكهم ، واسم مدينتهم.

فقال عليّ عليه‌السلام : لا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم ، يا أخا اليهود ، حدّثني حبيبي (١) محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه كان بأرض الروم مدينة يقال لها : أقسوس ، وكان لها (٢) ملك صالح ، فمات ملكهم ، فاختلفت كلمتهم ، فسمع (٣) ملك من ملوك فارس يقال له : دقيانوس (٤) ، فسار (٥) في مائة ألف حتّى دخل مدينة أقسوس ، فاتّخذها دار مملكته واتّخذ فيها قصرا طوله فرسخ في عرض فرسخ ، واتّخذ في ذلك القصر مجلسا طوله ألف ذراع في عرض مثل ذلك من الزجاج (٦) الممرّد ، واتّخذ في ذلك المجلس أربعة آلاف أسطوانة من ذهب ، واتّخذ ألف قنديل من ذهب لها سلاسل من اللّجين تسرج بأطيب الأدهان ، واتّخذ في شرقيّ المجلس ثمانين كوّة (٧) ، وكانت الشمس إذا طلعت طلعت في المجلس كيف ما دارت.

واتّخذ فيه سريرا من ذهب (٨) له قوائم من فضّة مرصّعة بالجواهر ، وأعلاه (٩) بالنمارق ، واتّخذ من يمين السرير ثمانين كرسيّا من الذهب مرصّعة بالزبرجد

__________________

(١) قوله : (حبيبي) لم يرد في «ص» «م».

(٢) في «ر» «س» : (لهم) بدلا من : (لها).

(٣) في البحار زيادة : (بهم).

(٤) في «ر» «س» «ص» : (دقيوس) ، والمثبت من «م» ، والبحار.

(٥) في «ر» «س» «ص» ، والبحار : (فأقبل).

(٦) في البحار : (الرخام).

(٧) في البحار زيادة : (ولغربيّه كذلك).

(٨) في البحار زيادة : (طوله ثمانون ذراعا في عرض أربعين ذراعا).

(٩) في «م» والبحار : (علاه).

١٢٨

الأخضر فأجلس عليها بطارقته ، واتّخذ من يسار السرير ثمانين كرسيّا من الفضّة مرصّعة بالياقوت الأحمر ، فأجلس عليها هراقلته ثمّ علا (١) السرير فوضع التاج على رأسه.

فوثب اليهوديّ ، فقال : يا عليّ ، ممّ كان تاجه؟

قال : من الذهب المشبّك ، له سبعة أركان ، على كلّ ركن لؤلؤة بيضاء (٢) كضوء المصباح في الليلة الظلماء ، واتّخذ خمسين غلاما من أولاد الهراقلة ، فقرطقهم بقراطق (٣) الديباج الأحمر ، وسرولهم بسراويلات الحرير (٤) الأخضر وتوّجهم ، ودملجهم ، وخلخلهم ، وأعطاهم أعمدة من الذهب ، وأوقفهم (٥) على رأسه ، واتّخذ ستّة غلمة (٦) وزراءه ، فأقام ثلاثة عن يمينه وثلاثة عن يساره.

فقال اليهوديّ : (٧) ما كان اسم الثلاثة والثلاثة ، فقال عليّ عليه‌السلام : الذين عن يمينه أسماؤهم : تمليخا ، ومكسلمينا ، ومنشلينيتا (٨) ، وأمّا الذين عن يساره ، فأسماؤهم : مرنوس ، ودرنوس (٩) وشاذريوس. وكان يستشيرهم في جميع أموره.

وكان يجلس في كلّ يوم في صحن داره والبطارقة عن يمينه والهراقلة عن يساره ، ويدخل ثلاثة غلمة في يد أحدهم جام من ذهب مملوّ من المسك المسحوق ، وفي يد الآخر جام من فضّة مملوّ من ماء الورد ، وفي يد الآخر طائر

__________________

(١) في «م» : (قعد على) بدلا من : (علا).

(٢) في البحار زيادة : (تضيء).

(٣) قال في المصباح المنير : ٤٩٨ : القرطق مثال جعفر ملبوس يشبه القباء ، وهو من ملابس العجم.

(٤) في «س» «ص» «م» زيادة : (والفريد) ، وقد تقرأ : (والعريد).

(٥) في «ر» «س» «ص» : (ووقفهم).

(٦) في «ر» «س» : (أغلمة).

(٧) في «ر» «س» زيادة : (يا عليّ).

(٨) في «ر» «س» : (منشليتيا) ، وفي «ص» : (منشلينينا) ، وفي البحار : (ميشيلينا).

(٩) في «ر» «س» «ص» : (وديرنوس).

١٢٩

أبيض له منقار أحمر ، فإذا نظر الملك إلى ذلك الطائر صفر به ، فيطير الطائر حتّى يقع في جام ماء الورد فيتمرّغ فيه ، فيحمل ما في الجام بريشه وجناحه ، ثمّ يصفر به الثانية ، فيطير الطائر على تاج الملك ، فينفض ما في ريشه وجناحه على رأس الملك.

فلمّا نظر الملك إلى ذلك عتا وتجبّر فادّعى الربوبيّة من دون الله ، ودعا إلى ذلك وجوه قومه ، فكلّ من أطاعه على ذلك أعطاه وحباه وكساه ، وكلّ من لم يبايعه (١) قتله ؛ فاستجابوا له رأسا ، واتّخذ لهم عيدا في كلّ سنة مرّة.

فبينما (٢) هم ذات يوم في عيد ، والبطارقة عن يمينه ، والهراقلة عن يساره ، إذ أتاه بطريق ، فأخبره أنّ عساكر الفرس قد غشيته فاغتمّ لذلك حتّى سقط التاج عن ناصيته (٣) ، فنظر إليه أحد الثلاثة الذين كانوا عن يمينه يقال له : تمليخا وكان غلاما ، فقال في نفسه : لو كان دقيوس إلها كما يزعم إذا ما كان يغتمّ ولا يفزع ، وما كان يبول ولا يتغوّط ، وما كان ينام ، وليس هذا من فعل الإله.

قال : وكان الفتية الستّة كلّ يوم عند أحدهم ، وكانوا ذلك اليوم عند تمليخا ، فاتّخذ لهم من أطيب الطعام (٤) ، ثمّ قال لهم : يا إخوتاه قد وقع في قلبي شيء منعني الطعام والشراب والمنام ، قالوا : وما ذاك يا تمليخا؟

قال : أطلت فكري في هذه السماء ، فقلت : من رفع سقفها محفوظة بلا عمد ولا علاقة من فوقها؟ ومن أجرى فيها شمسا وقمرا آيتان مبصرتان؟ ومن زيّنها بالنجوم؟ ثمّ أطلت الفكر في الأرض فقلت : من سطحها على صميم الماء الزخّار؟

__________________

(١) في «ر» «س» : (يتابعه).

(٢) في «ر» «س» «ص» : (فبينا).

(٣) في البحار : (رأسه).

(٤) في «ر» «س» : (طعاما طيّبا) ، وفي «ص» : (طيب الطعام).

١٣٠

ومن حبسها بالجبال أن تميد على كلّ شيء؟ وأطلت فكري في نفسي من أخرجني جنينا من بطن أمّي؟ ومن غذّاني؟ ومن ربّاني؟ إنّ (١) لها صانعا ومدبّرا غير دقيوس الملك ، وما هو إلّا ملك الملوك وجبّار السماوات.

فانكبت الفتية على رجليه يقبّلونهما (٢) ، وقالوا : بك هدانا الله من الضلالة إلى الهدى ، فأشر علينا ، قال : فوثب تمليخا فباع تمرا من حائط له بثلاثة آلاف درهم وصرّها في ردنه (٣) ، وركبوا خيولهم وخرجوا من المدينة ، فلمّا ساروا ثلاثة أميال قال لهم تمليخا : يا إخوتاه ، جاءت مسكنة الآخرة وذهب ملك الدنيا ، انزلوا عن خيولكم وامشوا على أرجلكم ، لعلّ الله أن يجعل لكم من أمركم فرجا ومخرجا ، فنزلوا عن خيولهم ومشوا على أرجلهم سبعة فراسخ في ذلك اليوم ، فجعلت أرجلهم تقطر دما.

قال : فاستقبلهم راع ، فقالوا : يا أيّها الراعي ، هل من شربة لبن أو ماء؟ فقال الراعي : عندي ما تحبّون ، ولكن أرى وجوهكم وجوه الملوك ، وما أظنّكم إلّا هرابا من دقيوس الملك.

قالوا : يا أيّها الراعي ، لا يحلّ لنا الكذب ، أفينجينا منك الصدق؟ فأخبروه بقصّتهم ، فانكبّ الراعي على أرجلهم يقبّلها ، ويقول : يا قوم ، لقد وقع في قلبي ما وقع في قلوبكم ، ولكن أمهلوني حتّى أردّ الأغنام على أربابها ، وألحق بكم ، فتوقفّوا له ، فردّ الأغنام وأقبل يسعى فتبعه (٤) كلب له.

__________________

(١) في «ر» «س» : (إذ).

(٢) في «ر» «س» «ص» : (يقبّلونها).

(٣) قال في الإفصاح ١ : ٣٨٠ : الرّدن : أسفل الكمّ وقيل : مقدّمه والجمع أردان ، انظر : ترتيب كتاب العين ١ : ٦٧١.

(٤) في «ر» «س» «ص» : (يتبعه).

١٣١

قال : فوثب اليهوديّ ، فقال : يا عليّ ، ما كان اسم الكلب؟ وما لونه؟ فقال عليّ عليه‌السلام : لا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم ، أمّا لون الكلب فكان أبلق بسواد ، وأمّا اسم الكلب فقطمير ، فلمّا نظر الفتية إلى الكلب قال بعضهم : إنّا نخاف أن يفضحنا بنباحه فألحّوا عليه (١) بالحجارة ، فأنطق الله تعالى الكلب فقال : ذروني (٢) أحرسكم من عدوّكم.

فلم يزل الراعي يسير بهم حتّى علاهم جبلا ، فانحطّ بهم على كهف يقال له : الوصيد ، فإذا بفناء الكهف عيون وأشجار مثمرة ، فأكلوا من ثمارها وشربوا من الماء وجنّهم الليل ، فأووا إلى الكهف.

فأوحى الله عزوجل إلى ملك الموت بقبض أرواحهم ، ووكّل الله بكلّ رجلين ملكين يقلّبانهما من ذات اليمين إلى ذات الشمال ، وأوحى الله عزوجل إلى خزّان الشمس ، فكانت تزاور (٣) عن كهفهم ذات اليمين وتقرضهم ذات الشمال (٤).

فلمّا رجع دقيوس من عيده سأل عن الفتية ، فأخبر أنّهم خرجوا هرابا ، فركب في ثمانين ألف حصان ، فلم يزل يقفوا أثرهم حتّى علا فانحطّ إلى كهفهم ، فلمّا نظر إليهم إذا هم نيام ، فقال الملك : لو أردت أن أعاقبهم بشيء لما عاقبتهم بأكثر ممّا عاقبوا أنفسهم ، ولكن ائتوني بالبنّائين ، فسدّ باب الكهف بالكلس والحجارة ، وقال لأصحابه : قولوا لهم : يقولوا لإلههم الذي في السماء لينجّيهم ، وأن يخرجهم من هذا الموضع.

__________________

(١) في «م» : (فانحوا عليه).

(٢) في «ر» «س» «ص» زيادة : (حتّى).

(٣) قال الراغب في مفردات غريب القرآن : ٢١٧ : تزاور عن كهفهم أي تميل ، وقال في الصحاح ٢ : ٦٧٣ : الازورار عن الشيء : العدول عنه ، وقد ازور عنه ازورارا أي : عدل عنه ، وهو مدغم تتزاور.

(٤) تقرضهم ذات الشمال أي : تخلفهم شمالا ، وتجاوزهم ، وتقطعهم ، وتتركهم على شمالها (انظر : القاموس ٢ : ٣٤٢ ، تاج العروس ١٠ : ١٣٨).

١٣٢

قال عليّ عليه‌السلام : يا أخا اليهود ، فمكثوا ثلاثمائة سنة وتسع سنين ، فلمّا أراد الله أن يحييهم أمر إسرافيل أن ينفخ فيهم الروح ، فنفخ ، فقاموا من رقدتهم ، فلمّا بزغت الشمس قال بعضهم : قد غفلنا في هذه الليلة عن عبادة إله السماء ، فقاموا فإذا العين قد غارت ، وإذا الأشجار قد يبست ، فقال بعضهم : إنّ أمورنا لعجب مثل تلك العين الغزيرة قد غارت والأشجار قد يبست في ليلة واحدة ، ومسّهم الجوع فقالوا : ابعثوا بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيّها أزكى طعاما فليأتكم برزق منه وليتلطّف ولا يشعرنّ بكم أحدا (١).

قال تمليخا : لا يذهب في حوائجكم غيري ، ولكن ادفع أيّها الراعي ثيابك إليّ ، قال : فدفع الراعي ثيابه ومضى يؤمّ (٢) المدينة ، فجعل يرى مواضعا لا يعرفها وطريقا هو ينكرها حتّى أتى باب المدينة وإذا علم أخضر مكتوب عليه : لا إله إلّا الله ، عيسى رسول الله ، قال : فجعل ينظر إلى العلم وجعل يمسح به عينيه ، ويقول : أراني نائما ، ثمّ دخل المدينة حتّى أتى السوق ، فأتى رجلا خبّازا فقال : أيّها الخبّاز ، ما اسم مدينتكم هذه؟

قال : أقسوس ، قال : وما اسم ملككم؟ قال : عبد الرحمن ، قال : ادفع إليّ بهذه الورق طعاما ، فجعل الخبّاز يتعجّب من ثقل الدراهم ومن كبرها.

قال : فوثب اليهوديّ وقال : يا عليّ وما كان وزن كلّ درهم منها؟ قال : وزن كلّ درهم عشرة دراهم وثلثا درهم.

فقال الخبّاز : يا هذا ، أنت أصبت كنزا؟ فقال تمليخا : ما هذا إلّا ثمن تمر بعتها منذ ثلاث وخرجت من هذه المدينة ، وتركت الناس يعبدون دقيوس الملك.

قال : فأخذ الخبّاز بيد تمليخا وأدخله على الملك ، فقال : ما شأن هذا الفتى؟

__________________

(١) اقتباس من الآية ١٩ من سورة الكهف.

(٢) أي : يقصد.

١٣٣

قال الخبّاز : إنّ هذا رجل أصاب كنزا.

فقال الملك : يا فتى ، لا تخف ، فإنّ نبيّنا عيسى عليه‌السلام أمرنا أن لا نأخذ من الكنز إلّا خمسها ، فأعطني خمسها وامض سالما ، فقال تمليخا : انظر أيّها الملك في أمري ما أصبت كنزا ، أنا رجل من أهل هذه المدينة ، فقال الملك : أنت من أهلها؟

قال : نعم ، قال : فهل تعرف بها أحدا؟ قال : نعم ، قال : ما اسمك؟

قال : اسمي تمليخا ، قال : وما هذه الأسماء أسماء أهل زماننا. فقال الملك : هل لك في هذه المدينة دار؟ قال : نعم ، اركب أيّها الملك معي.

قال : فركب والناس معه فأتى بهم إلى أرفع دار في المدينة ، قال تمليخا : هذه الدار لي ، فقرع الباب فخرج إليهم شيخ كبير قد وقع حاجباه على عينيه من الكبر ، فقال : ما شأنكم؟

فقال الملك : أتانا هذا الغلام بالعجائب ؛ يزعم أنّ هذه الدار داره ، فقال له الشيخ : من أنت؟ قال : أنا تمليخا بن قسطيكين (١) ، قال : فانكبّ الشيخ على رجليه يقبّلها ، ويقول : هو جدّي وربّ الكعبة.

فقال : أيّها الملك ، هؤلاء الستّة الذين خرجوا هرابا من دقيوس الملك ، فنزل الملك عن فرسه ، وحمله على عاتقه ، وجعل الناس يقبّلون يديه ورجليه ، فقال : يا تمليخا ، ما فعل أصحابك؟ فأخبر أنّهم في الكهف ، وكان يومئذ بالمدينة ملك مسلم وملك يهودي.

فركبوا في أصحابهم ، فلمّا صاروا قريبا من الكهف قال لهم تمليخا : إنّي أخاف أن يسمع أصحابي أصوات حوافر الخيول ، فيظنّون أنّ دقيوس الملك قد جاء في طلبهم ، ولكن أمهلوني حتّى أتقدّم إليهم فأخبرهم ، فوقف الناس.

فأقبل تمليخا حتّى دخل الكهف ، فلمّا نظروا إليه اعتنقوه وقالوا : الحمد لله

__________________

(١) في «ر» «س» : (كسطيكين).

١٣٤

الذي نجّاك من دقيوس ، قال تمليخا : دعوني عنكم وعن دقيوسكم ، كم لبثتم؟ قالوا : لبثنا يوما أو بعض يوم.

قال تمليخا : بل لبثتم ثلاثمائة (١) وتسع سنين ، وقد مات دقيوس وانقرض (٢) قرن بعد قرن ، وبعث الله نبيّا يقال له : المسيح عيسى بن مريم ، ورفعه الله إليه ، وقد أقبل إلينا الملك والناس معه.

قالوا : يا تمليخا ، أتريد أن تجعلنا فتنة للعالمين؟ قال تمليخا : فما تريدون؟ قالوا : ادع الله جلّ ذكره وندعوه معك حتّى يقبض أرواحنا ، فرفعوا أيديهم ، فأمر الله تعالى بقبض أرواحهم ، وطمس الله باب الكهف على الناس ، فأقبل الملكان يطوفان على باب الكهف سبعة أيّام لا يجدان للكهف بابا.

فقال الملك المسلم : ماتوا على ديننا ، أبني على باب الكهف مسجدا ، وقال اليهوديّ : لا بل ماتوا على ديني ، أبني على باب الكهف كنيسة ، فاقتتلا ، فغلب المسلم وبنى مسجدا عليه.

يا يهوديّ ، أيوافق هذا ما في توراتكم؟ قال : ما زدت حرفا ولا نقصت حرفا (٣) وأنا أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا عبده ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٤).

__________________

(١) في «ر» «س» زيادة : (سنة).

(٢) قوله : (انقرض) لم يرد في النسخ ، وأضفناها من البحار.

(٣) قوله : (حرفا) لم يرد في «ر» «س» «ص».

(٤) عنه في بحار الأنوار ١٤ : ٤١١ / ١ وقصص الأنبياء للجزائريّ : ٤٩٥.

وأورد الصدوق قريبا منه في الخصال : ٤٥٦ / ١ باختلاف : عن أبيه ، عن محمّد بن يحيى العطّار ، عن محمّد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعريّ ، عن أبي عبد الله الرازيّ ، عن أبي الحسن عيسى بن محمّد بن عيسى بن عبد الله المحمّديّ من ولد محمّد بن الحنفيّة ، عن محمّد بن جابر ، عن عطاء ، عن طاوس .. وعنه في بحار الأنوار ١٠ : ٧ / ٣.

وأورده العلّامة الحلّيّ في كشف اليقين : ٤٣١ باختلاف ، نقلا عن كتاب عرائس التيجان للثعلبي : ٥٦٦.

١٣٥

فصل

[من صدق نجا]

[٣٦٧ / ٢٣] ـ وبإسناده عن سعد بن عبد الله ، عن إبراهيم بن مهزيار ، عن أخيه عليّ بن مهزيار ، عن عمرو بن عثمان ، عن المفضّل بن صالح ، عن جابر بن يزيد ، عن عبد الرحمن بن الحارث البراديّ ، عن ابن أبي أوفى ، قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : خرج ثلاثة نفر يسيحون في الأرض ، فبينما هم يعبدون الله في كهف في قلّة جبل حين (١) بدت صخرة من أعلى الجبل حتّى التقمت (٢) باب الكهف ، فقال بعضهم : يا عباد الله ، والله لا ينجّيكم ممّا دهيتم (٣) فيه إلّا أن تصدّقوا عن الله ، فهلمّوا ما عملتم خالصا لله.

فقال أحدهم : اللهمّ إن كنت تعلم أنّي طلبت جيّدة (٤) لحسنها وجمالها وأعطيت فيها مالا ضخما حتّى إذا قدرت عليها وجلست منها مجلس الرجل من المرأة ذكرت النار ، فقمت عنها فرقا منك ، فارفع عنّا هذه الصخرة ، قال : فانصدعت حتّى نظروا إلى الضوء (٥).

ثمّ قال الآخر : اللهمّ إن كنت تعلم أنّي استأجرت قوما (٦) كلّ رجل منهم بنصف درهم ، فلمّا فرغوا أعطيتهم أجورهم ، فقال رجل : لقد عملت عمل رجلين ، والله لا آخذ إلّا درهما ، ثمّ ذهب وترك ماله عندي ، فبذرت بذلك النصف الدرهم في

__________________

(١) في البحار : (حتى).

(٢) في «س» «ص» : (التقيت).

(٣) في «ر» «س» : (منها وما بقيتم) بدلا من : (ممّا دهيتم).

(٤) في المحاسن : (امرأة).

(٥) في المحاسن : (الصدع).

(٦) في المحاسن زيادة : (يحرثون).

١٣٦

الأرض ، فأخرج الله به رزقا وجاء صاحب نصف الدرهم ، فأراده فدفعت إليه عشرة آلاف (١) درهم حقّه ، فإن كنت تعلم أنّي إنّما فعلت ذلك مخافة منك ، فارفع عنّا هذه الصخرة ، قال : فانفرجت حتّى نظر بعضهم إلى بعض.

ثمّ قال الآخر : اللهمّ إن كنت تعلم أنّ أبي وأمّي كانا نائمين ، فأتيتهما بقصعة (٢) من لبن ، فخفت أن أضعه فتقع (٣) فيه هامّة (٤) وكرهت أن أنبّههما (٥) من نومهما ، فيشقّ ذلك عليهما ، فلم أزل بذلك حتّى استيقظا فشربا ، اللهمّ إن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك ابتغاء لوجهك الكريم فارفع عنّا هذه الصخرة ، فانفرجت حتّى سهّل الله لهم المخرج.

ثمّ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من صدق الله نجا (٦).

__________________

(١) في المحاسن : (ثمان عشرة ألف).

(٢) في المحاسن : (بقعب).

(٣) في المحاسن وهامش «م» : (أن تمجّ) بدلا من : (فتقع). في غريب الحديث ٣ : ١٣٠ : الهامّة : الواحدة من هوامّ الأرض وهي دوابّها المؤذية ، وفي النهاية ٥ : ٢٧٥ : الهامّة : كلّ ذات سمّ يقتل والجمع الهوامّ ، فأما ما يسمّ ولا يقتل فهو السامّة كالعقرب والزنبور ، وقد يقع الهوامّ على ما يدبّ من الحيوان وإن لم يقتل كالحشرات.

(٤) قال ابن سلام.

(٥) في المحاسن وهامش «م» : (أوقظهما).

(٦) عنه في بحار الأنوار ١٤ : ٤٢٦ / ٨.

ورواه البرقيّ في المحاسن ١ : ٢٥٣ / ٢٧٧ : عن عبد الرحمن بن أبي نجران ، عن المفضّل بن صالح ، عن جابر الجعفيّ ، رفعه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .. وعنه في بحار الأنوار ٦٧ : ٢٤٤ / ١٧ وتفسير نور الثقلين ٣ : ٢٤٩ / ٣١.

وجاء في الخرائج والجرائح ٢ : ٩٤٣ باختلاف يسير.

١٣٧
١٣٨

الباب الثّامن عشر :

في نبوّة عيسى عليه‌السلام

وما كان في زمانه ومولده ونبوّته

١٣٩
١٤٠