قصص الأنبياء عليهم السلام - ج ٢

قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي [ قطب الدين الراوندي ]

قصص الأنبياء عليهم السلام - ج ٢

المؤلف:

قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي [ قطب الدين الراوندي ]


المحقق: عبدالحليم عوض الحلّي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة العلامة المجلسي رحمه الله
المطبعة: عمران
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-91180-3-8
الصفحات: ٤٣٢

فصل

[في أنّ البليّة تعمّ]

[٣٣٩ / ٢] ـ وبالإسناد المذكور عن ابن عبّاس قال : قال عزير : يا ربّ ، إنّي نظرت في جميع أمورك وأحكامها ، فعرفت عدلك بعقلي ، وبقي باب لم أعرفه : إنّك تسخط على أهل البليّة فتعمّهم بعذابك وفيهم الأطفال ، فأمره الله تعالى أن يخرج إلى البريّة ، وكان الحرّ شديدا ، فرأى شجرة فاستظلّ بها ونام ، فجاءت نملة فقرصته (١) ، فدلك الأرض برجله فقتل من النمل كثيرا ، فعرف أنّه مثل ضرب ، فقيل له : يا عزير ، إنّ القوم إذا استحقّوا عذابي قدّرت نزوله عند انقضاء آجال الأطفال ، فمات أولئك بآجالهم ، وهلك هؤلاء بعذابي (٢).

فصل

[دفع البلاء عن بيت المقدس]

[٣٤٠ / ٣] ـ وبالإسناد المذكور (*) عن أبي حمزة ، عن الباقر عليه‌السلام قال : لمّا خرج ملك القبط يريد هدم بيت المقدس ، اجتمع الناس إلى حزقيل النبيّ فشكوا إليه ، فقال : إنّي أناجي ربّي الليلة ، فناجى ربّه ، فأوحى الله إليه : قد كفيتم وكانوا قد مضوا ، فأوحى الله تعالى إلى ملك الهواء أن أمسك عليهم أنفاسهم ، فماتوا

__________________

(١) في «ر» «س» : (فعقصته فأوجعته).

(٢) عنه في بحار الأنوار ٥ : ٢٨٦ / ٨ وج ١٤ : ٣٧١ / ١٢ وقصص الأنبياء للجزائريّ : ٤٨٢.

(*) المراد به الطريق المذكور في أوّل هذا الباب إلى محمّد بن أبي عمير ، عن أبان بن عثمان لأنّه الراوي عن أبي حمزة ، كما في طريق : (٢٢٢) و (٣٠٩).

١٠١

كلّهم وأصبح حزقيل عليه‌السلام فأخبر قومه ، فخرجوا فوجدوهم قد ماتوا (١).

[تأجيل موت الملك]

[٣٤١ / ٤] ـ وعن ابن بابويه ، عن أبيه ، عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، قال : سأل عبد الأعلى مولى بني سام الصادق عليه‌السلام وأنا عنده : حديث يرويه الناس ، فقال : وما هو؟

قال : يروون أنّ الله تعالى أوحى إلى حزقيل النبيّ عليه‌السلام أن أخبر فلان الملك أنّي متوفّيك يوم كذا ، فأتى حزقيل عليه‌السلام إلى (٢) الملك فأخبره بذلك ، قال : فدعا الله (٣) وهو على سريره حتّى سقط ما بين الحائط والسرير ، وقال : يا ربّ ، أخّرني حتّى يشبّ طفلي وأقضى أمري ، فأوحى الله إلى ذلك النبيّ أن ائت فلانا وقل له : إنّي أنسأت (٤) في عمره خمس عشرة سنة.

فقال النبيّ : يا ربّ ، وعزّتك إنّك تعلم أنّي لم أكذب كذبة قطّ ، فأوحى الله إليه : إنّما أنت عبد مأمور فأبلغه (٥).

__________________

(١) عنه وعن المحاسن ٢ : ٥٥٣ / ٩٠٢ في بحار الأنوار ١٣ : ٣٨٣ / ٥ باختلاف في المتن مع زيادة في آخره ، واللفظ للمحاسن : عن بعض أصحابنا ، عن رجل سمّاه ، عن أبي حمزة الثماليّ ، عن أبي جعفر عليه‌السلام .. وفي بحار الأنوار ٦٣ : ١٨٤ / ١ وقصص الأنبياء للجزائريّ : ٣٥٦ عن المحاسن.

(٢) قوله : (إلى) لم يرد في «ر» «س» «ص».

(٣) في التوحيد زيادة : (الملك).

(٤) في «ر» «س» «ص» : (أنشأت).

(٥) عنه في بحار الأنوار ٤ : ١١٢ / ٣٣ وج ١٣ : ٣٨٢ / ٣ وقصص الأنبياء للجزائريّ : ٣٥٥.

ورواه الصدوق في التوحيد : ٤٤٣ باختلاف في بعض ألفاظه مع زيادة في آخره بسنده : عن الرضا ، عن آبائه عليهم‌السلام ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .. وعنه في بحار الأنوار ٤ : ٩٥ / ضمن الحديث ٢ وج ١٠ : ٣٣٠ / ضمن الحديث ٢ والجواهر السنيّة : ١٥٣ وتفسير نور الثقلين ٢ : ٥٢٠ / ١٩٧ وج ٤ : ٣٥٥ / ٥٠.

١٠٢

[إحياء بعد موت]

[٣٤٢ / ٥] ـ وبالإسناد المذكور عن الحسن بن محبوب ، عن عمر بن يزيد عنهما صلوات الله عليهما في قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ)(١) قال : إنّ هؤلاء أهل مدينة من مدائن الشام من بني إسرائيل ، وكانوا سبعين ألف بيت ، وكان الطاعون يقع فيهم في كلّ أوان ، وكانوا إذا أحسّوا به خرج من المدينة الأغنياء وبقي فيها الفقراء لضعفهم ، فكان الموت يكثر في الذين أقاموا ، ويقلّ في الذين خرجوا (٢) قال : فأجمعوا على أن يخرجوا جميعا من ديارهم إذا كان وقت الطاعون ، فخرجوا بأجمعهم ، فنزلوا على شطّ بحر ، فلمّا وضعوا رحالهم ناداهم الله : موتوا فماتوا جميعا ، فكنستهم المارّة عن الطريق بذلك ما شاء الله (٣) فصاروا رميما عظاما (٤) ، فمرّ بهم نبيّ من الأنبياء يقال له : حزقيل فرآهم وبكى وقال : يا ربّ ، لو شئت أحييتهم الساعة ، فأحياهم الله (٥).

__________________

(١) البقرة : ٢٤٣.

(٢) في الكافي زيادة : (فيقول الذين خرجوا : لو كنّا أقمنا لكثر فينا الموت ، ويقول الذين أقاموا : لو كنّا خرجنا لقلّ فينا الموت).

(٣) من قوله : (قال : فأجمعوا) إلى هنا ليس في «ص» «م» والبحار.

(٤) قوله : (فصاروا رميما عظاما) لم يرد في «ر» «س».

(٥) عنه في بحار الأنوار ١٣ : ٣٨٢ / صدر الحديث ٤.

ورواه الكلينيّ في الكافي ٨ : ١٩٨ / ٢٣٧ بتفاوت في المتن مع تفصيل أكثر : عن عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن ابن محبوب ، عن عمر بن يزيد وغيره ، عن بعضهم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، وبعضهم عن أبي جعفر عليه‌السلام .. وعنه في بحار الأنوار ٦ : ١٢٣ / ٩ وج ١٣ : ٣٨٥ / ٦.

ونقله العلّامة المجلسيّ في بحار الأنوار ٥٣ : ١٢٨ باختلاف عن الصدوق في رسالة العقائد ، وفيه : (يقال له : إرميا) بدلا من : (يقال له : حزقيل) ، وأورده المفيد في الاعتقادات : ٦٠ ـ ٦١.

١٠٣

[٣٤٣ / ٦] ـ وفي رواية : أنّه تعالى أوحى إليه أن رشّ الماء عليهم ، ففعل فأحياهم الله (١)(٢).

فصل

[توبة الملك بعد عصيانه]

[٣٤٤ / ٧] ـ وبإسناده عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن الحسن بن عليّ بن فضّال ، عن عمرو بن سعيد المدائنيّ ، عن مصدّق بن صدقة ، عن عمّار بن موسى ، عن الصادق عليه‌السلام قال : كان في زمان (٣) بني إسرائيل رجل يسمّى إليا رئيس على أربعمائة من بني إسرائيل ، وكان ملك بني إسرائيل هوى امرأة من قوم (٤) يعبدون الأصنام من غير بني إسرائيل فخطبها.

فقالت : على أن أحمل الصنم فأعبده في بلدتك ، فأبى عليها ، ثمّ عاودها مرّة بعد مرّة ، حتّى صار إلى ما أرادت ، فحوّلها إليه ومعها صنم ، وجاء معها ثمانمائة رجل يعبدونه.

فجاء إليا إلى الملك ، فقال : ملّكك الله ومدّ لك في العمر فطغيت وبغيت. فلم يلتفت إليه ، فدعا الله إليا أن لا يسقيهم قطرة ، فنالهم قحط شديد ثلاث سنين ،

__________________

(١) قوله : (وفي رواية) إلى هنا ليس في «ص» «م».

(٢) عنه في بحار الأنوار ١٣ : ٣٨٢ / ذيل الحديث ٤.

ورواه الحسين بن حمدان الخصيبيّ في الهداية الكبرى : ٤٢٠ ضمن حديث طويل وعنه في مستدرك الوسائل ٦ : ٣٥٣ / ٣ والسند فيه هكذا : عن محمّد بن إسماعيل ، وعليّ بن عبد الله الحسينيّان ، عن أبي شعيب محمّد بن نصير ، عن عمر بن فرات ، عن محمّد بن المفضّل ، عن المفضّل بن عمر ، عن الصادق عليه‌السلام ...

(٣) في «ر» «س» : (زمن).

(٤) في «س» زيادة : (كانوا).

١٠٤

حتّى ذبحوا دوابّهم ، فلم يبق لهم من الدوابّ إلّا برذون يركبه الملك ، وآخر يركبه الوزير ، وكان قد استتر (١) عند الوزير أصحاب إليا ، يطعمهم في سرب (٢).

فأوحى الله تعالى جلّ ذكره إلى إليا : أن (٣) تعرّض للملك ، فإنّي أريد أن أتوب عليه ، فأتاه فقال : يا إليا ، ما صنعت بنا قتلت بني إسرائيل ، فقال إليا : تطيعني فيما آمرك به؟ فأخذ عليه العهد ، فأخرج أصحابه وتقرّبوا إلى الله تعالى بثورين ، ثمّ دعا بالمرأة فذبحها وأحرق الصنم ، وتاب الملك توبة حسنة حتّى لبس الشعر وأرسل إليه المطر والخصب (٤).

__________________

(١) في «ر» : (أسر) ، وفي «ص» «م» : (أستر) ، والمثبت عن البحار.

(٢) قال في مصباح المنير : ٢٧٢ : السرب بفتحتين : بيت في الأرض لا منفذ له ، وهو الوكر.

(٣) قوله : (أن) لم يرد في «ص» «م» والبحار.

(٤) عنه في بحار الأنوار ١٣ : ٣٩٩ / ٦.

١٠٥
١٠٦

الباب السّابع عشر :

في ذكر شعيا واصحاب الأخدود والياس

واليسع ويونس وأصحاب الكهف والرّقيم

١٠٧
١٠٨

[جزاء مداهنة أهل المعاصي]

[٣٤٥ / ١] ـ وبإسناده (*) عن جابر ، عن الباقر عليه‌السلام قال : قال عليّ عليه‌السلام : أوحى الله تعالى جلّت قدرته إلى شعيا عليه‌السلام (١) أنّي مهلك (٢) من قومك مائة ألف ؛ أربعين ألفا من شرارهم ، وستّين ألفا من خيارهم ، فقال عليه‌السلام : (٣) هؤلاء الأشرار فما بال الأخيار؟ فقال : داهنوا أهل المعاصي فلم يغضبوا لغضبي (٤).

__________________

(٠) (*) مرّ الطريق إلى جابر في الأحاديث : (١) و (٦٥) ، (١٩٨) ، (٢٦٤) ، (٣١٨) و (٣٢٧).

(١) في الكافي والتهذيب : (شعيب عليه‌السلام).

(٢) في الكافي : (معذّب).

(٣) في «ر» زيادة : (يا ربّ).

(٤) عنه في بحار الأنوار ١٤ : ١٦١ / ١ وج ٩٧ : ٨١ / ٣٩ ومستدرك الوسائل ١٢ : ١٩٩ / ٦ وقصص الأنبياء للجزائريّ : ٤٤٢.

ورواه الكلينيّ في الكافي ٥ : ٥٦ / ذيل الحديث ١ : عن عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ابن خالد ، عن بعض أصحابنا ، عن بشر بن عبد الله ، عن أبي عصمة قاضي مرو ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام .. وعنه في بحار الأنوار ١٢ : ٣٨٦ / ١٢ ووسائل الشيعة ١٦ : ١٤٦ / ١ ، والطوسي في تهذيب الأحكام ٦ : ١٨١ / ذيل الحديث ٢١ : عن أحمد بن محمّد بن خالد .. إلى آخر السند في الكافي إلّا أنّ فيه : (بشير بن عبد الله) بدلا من : (بشر بن عبد الله) ، مشكوة الأنوار ١ : ١١٢ / ٢٤١

١٠٩

[استجابة دعاء الملك]

[٣٤٦ / ٢] ـ وبالإسناد المذكور (*) عن وهب بن منبّه ، قال : كان في (١) بني إسرائيل ملك في زمان شعيا وهم متابعون مطيعون لله ، ثمّ إنّهم ابتدعوا البدع ، فأتاهم ملك بابل ، وكان نبيّهم يخبرهم بغضب الله عليهم ، فلمّا نظروا إلى ما لا قبل لهم به من الجنود تابوا وتضرّعوا.

فأوحى الله تعالى إلى شعيا عليه‌السلام : إنّي قبلت توبتهم لصلاح آبائهم ، وملكهم كان قرحة بساقه ، وكان عبدا صالحا ، فأوحى الله تعالى إلى شعيا أن مر ملك بني إسرائيل فليوص وصيّه ، وليستخلف على بني إسرائيل من أهل بيته ، فإنّي قابضه يوم كذا فليعهد عهده ، فأخبره شعيا عليه‌السلام برسالته عزوجل.

فلمّا قال له ذلك ، أقبل على التضرّع والدعاء والبكاء ، فقال : اللهمّ ابتدأتني بالخير من أوّل أمري وسبّبته لي وأنت (٢) فيما أستقبل رجائي وثقتي ، فلك الحمد بلا عمل صالح سلف مني ، وأنت أعلم منّي بنفسي ، أسألك أن تؤخّر عنّي الموت ، وتنسأ (٣) لي في عمري ، وتستعملني بما تحبّ وترضى.

فأوحى الله تعالى إلى شعيا عليه‌السلام : إنّي رحمت تضرّعه ، واستجبت دعوته ، وقد زدت في عمره خمس عشرة سنة ، فمره فليداو قرحته بماء التين ، فإنّي قد جعلته شفاء ممّا هو فيه ، وإنّي قد كفيته وبني إسرائيل مؤونة عدوّهم.

فلمّا أصبحوا وجدوا جنود ملك بابل مصروعين في عسكرهم موتى لم يفلت منهم أحد إلّا ملكهم وخمسة نفر ، فلمّا نظروا إلى أصحابهم وما أصابهم كرّوا

__________________

(*) تقدّم الإسناد برقم : (٥٥).

(١) في «ر» «س» زيادة : (زمن).

(٢) في «ر» «س» زيادة : (أعلم).

(٣) في «ر» «س» : (تنشأ).

١١٠

منهزمين إلى أرض بابل ، وثبت بنو إسرائيل متوازرين على الخير ، فلمّا مات ملكهم ابتدعوا البدع ودعا كلّ إلى نفسه وشعيا عليه‌السلام يأمرهم وينهاهم ، فلا يقبلون حتّى أهلكهم الله (١).

[٣٤٧ / ٣] ـ وعن أنس أنّ عبد الله بن سلام سأل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله عن شعيا عليه‌السلام فقال : هو الذي بشّر بي وبأخي عيسى بن مريم عليه‌السلام (٢).

فصل

[نطق الصبي المراد ذبحه]

[٣٤٨ / ٤] ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل ، حدّثنا عبد الله ابن جعفر الحميريّ ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن مالك بن عطيّة ، عن معروف بن خرّبوذ ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : أخبرني (٣) أبي عليّ بن الحسين عليهما‌السلام ، حدّثني جابر بن عبد الله ، قال : سمعت سلمان الفارسيّ رضى الله عنه يحدّث أنّه كان في ملوك فارس ملك يقال له : روذين جبّار عنيد عات ، فلمّا اشتدّ في ملكه فساده في الأرض ابتلاه الله بالصداع في شقّ رأسه الأيمن حتّى منعه من المطعم والمشرب ، فاستغاث وذلّ ودعا وزراءة ، فشكى إليهم ذلك فأسقوه الأدوية وآيس من سكونه.

فعند ذلك بعث الله نبيّا له فقال له : اذهب إلى روذين عبدي الجبّار في هيئة

__________________

(١) عنه في بحار الأنوار ١٤ : ١٦١ / صدر الحديث ٢ ، وقصص الأنبياء للجزائريّ : ٤٤٣.

(٢) عنه في بحار الأنوار ١٤ : ١٦٢ / ذيل الحديث ٢.

وأورده الطبرسيّ في مشكاة الأنوار : ٤٥٠ ـ ٤٥١ (صدر الحديث) بنفس السند والمتن نقلا عن كتاب النبوّة.

(٣) في «س» «ص» «م» : (أخبرنا).

١١١

الأطبّاء وابتدأه بالتعظيم له والرفق به ، ومنّه سرعة الشفاء بلا دواء تسقيه ولا كيّ تكويه ، وإذا رأيته قد أقبل وجهه (١) إليك ، فقل : إنّ شفاء دائك في دم صبيّ رضيع بين أبويه يذبحانه لك طائعين غير مكرهين ، فتأخذ من دمه ثلاث قطرات فتسعط به في منخرك الأيمن تبرأ من ساعتك ، ففعل النبيّ ذلك فقال الملك : ما أعرف في الناس هذا ، فقال : إن بذلت العطيّة وجدت البغيّة (٢).

قال : فبعث الملك بالرسل في ذلك ، فوجدوا جنينا بين أبويه محتاجين ، فأرغبهما في العطيّة ، فانطلقا بالصبيّ إلى الملك ، فدعا بطاس فضّة وشفرة ، وقال لأمّه : امسكي ابنك في حجرك.

فأنطق الله الصبيّ وقال : أيّها الملك ، كفّهما عن ذبحي فبئس الوالدان هما ، أيّها الملك : إنّ الصبي الضعيف إذا ضيم (٣) كان أبواه يدفعان عنه ، وأنّ أبويّ ظلماني ، فإيّاك أن تعينهما على ظلمي. ففزع الملك فزعا شديدا ، أذهب عنه الداء.

ونام روذين في تلك الحالة ، فرأى في النوم من يقول له : الإله الأعظم أنطق الصبيّ ، ومنعك ومنع أبويه من ذبحه ، وهو ابتلاك بالشقيقة لينزعك من سوء السيرة في البلاد ، وهو الذي ردّك إلى الصحّة ، وقد وعظك بما أسمعك ، فانتبه ولم يجد وجعا ، وعلم أنّ كلّه من الله تعالى ، فسار في البلاد بالعدل (٤).

فصل

[قصّة أصحاب الأخدود]

[٣٤٩ / ٥] ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا محمّد بن عليّ ماجيلويه ، عن عمّه محمّد

__________________

(١) في البحار : (بوجهه).

(٢) البغيّة كالرضيّة : ما يرغب فيه ويطلب.

(٣) في «ر» «س» «ص» : (أضيم).

(٤) عنه في بحار الأنوار ١٤ : ٥١٤ / ٣.

١١٢

ابن القاسم ، حدّثنا محمّد بن عليّ الكوفيّ ، عن أبي جميلة ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : إنّ أسقف نجران دخل على أمير المؤمنين عليه‌السلام فجرى ذكر أصحاب الأخدود ، فقال عليه‌السلام : بعث الله نبيّا حبشيّا إلى قومه وهم حبشة ، فدعاهم إلى الله تعالى ، فكذّبوه وحاربوه وظفروا به وخدّوا أخدودا ، وجعلوا فيها الحطب والنار.

فلمّا كان حرّا قالوا لمن كان على دين ذلك النبيّ عليه‌السلام : اعتزلوا وإلّا طرحناكم فيها ، فاعتزل قوم كثير ، وقذف فيها خلق كثير ، حتّى وقعت امرأة ومعها ابن لها ابن شهرين ، فقيل لها : إمّا أن ترجعي وإمّا أن تقذفي في النار ، فهمّت أن تطرح نفسها في النار ، فلمّا رأت ابنها رحمته ، فأنطق الله تعالى الصبيّ وقال : يا أمّاه ، ألق نفسك وإيّاي في النار ، فإنّ هذا في الله قليل (١).

[٣٥٠ / ٦] ـ وتلا عند الصادق عليه‌السلام رجل : (قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ)(٢) فقال : قتل أصحاب الأخدود (٣).

[٣٥١ / ٧] ـ وسئل أمير المؤمنين عليه‌السلام عن المجوس أيّ أحكام تجري فيهم؟

__________________

(١) عنه في بحار الأنوار ١٤ : ٤٣٩ / صدر الحديث ٢ وقصص الأنبياء للجزائريّ : ٥٠٤.

وورد نحوه في المحاسن ١ : ٢٤٩ / ٢٦٢ وعنه في بحار الأنوار ١٤ : ٤٤٠ / ٥ وتفسير نور الثقلين ٥ : ٥٤٤ / ٢٤.

(٢) البروج : ٤.

(٣) عنه في بحار الأنوار ١٤ : ٤٣٩ / قطعة من الحديث ٢.

قال الطوسيّ في التبيان ١٠ : ٣١٦ : (قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ) معناه لعن ، وقيل : لعنوا بتحريقهم في الدنيا قبل الآخرة ، وقال الجبّائيّ : يحتمل أن يكون المعنى بذلك القاتلين ، ويحتمل أن يكون المقتولين ، فإذا حمل على القاتلين ، فمعناه لعنوا بما فعلوه من قتل المؤمنين ، وإن حمل على المقتولين ، فالمعنى أنّهم قتلوا بالإحراق بالنار.

وقال العلّامة المجلسيّ في البحار ص ٤٤٠ : لعلّ الصادق عليه‌السلام قرأ (قتل) على بناء المعلوم ، فالمراد بأصحاب الأخدود الكفّار ، كما هو أحد احتمالي القراءة ، ولم ينقل في الشواذّ.

١١٣

قال : هم أهل الكتاب (١) كان لهم كتاب ، وكان لهم ملك سكر يوما ، فوقع على أخته وأمّه فلمّا أفاق ندم وشقّ ذلك عليه ، فقال للناس : هذا حلال فامتنعوا عليه ، فجعل يقتلهم وحفر لهم الأخدود ويلقيهم فيها (٢).

[نبيّ كذّبه قومه فقتلوه]

[٣٥٢ / ٨] ـ وعن ابن ماجيلويه ، حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار ، عن الحسين ابن الحسن بن أبان ، عن محمّد بن أورمة ، عن عليّ بن هلال الصيقل ، عن شريك ابن عبد الله ، عن جابر بن يزيد الجعفيّ ، عن الباقر عليه‌السلام قال : ولّى عمر رجلا كورة (٣) من الشام ، فافتتحها وإذا أهلها أسلموا ، فبنى لهم مسجدا فسقط ، ثمّ بنى لهم فسقط ثمّ بناه فسقط.

فكتب إلى عمر بذلك ، فلمّا قرأ الكتاب سأل أصحاب محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله هل عندكم في هذا علم؟ قالوا : لا ، فبعث إلى عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام فأقرأه الكتاب فقال : هذا نبيّ كذّبه قومه ، فقتلوه ودفنوه في هذا المسجد ، وهو متشحّط بدمه (٤) ، فاكتب إلى صاحبك فلينبشه ، فإنّه سيجده طريّا ليصلّى عليه وليدفنه في موضع كذا ، ثمّ ليبن مسجدا فإنّه سيقوم ، ففعل ذلك ، ثمّ بنى المسجد فثبت (٥).

[٣٥٣ / ٩] ـ وفي رواية : اكتب إلى صاحبك أن يحفر ميمنة أساس المسجد ، فإنّه سيصيب فيها رجلا قاعدا يده على أنفه ووجهه ، فقال عمر : من هو؟

قال عليّ عليه‌السلام : فاكتب إلى صاحبك فليعمل ما أمرته ، فإن وجده كما وصفت لك

__________________

(١) في «ر» «س» : (أصحاب كتاب).

(٢) عنه في بحار الأنوار ١٤ : ٤٣٩ ـ ٤٤٠ / ذيل الحديث ٢ وقصص الأنبياء للجزائريّ : ٥٠٥.

(٣) قال في لسان العرب ٥ : ١٥٦ : الكورة : المدينة والصقع والجمع كور.

(٤) في «س» «ص» «م» : (في دمه).

(٥) عنه في بحار الأنوار ١٤ : ٤٤٠ / ٣ وقصص الأنبياء للجزائريّ : ٥٠٥.

١١٤

أعلمتك إن شاء الله ، فلم يلبث إذ كتب العامل أصبت الرجل على ما وصفت ، فصنعت الذي أمرت فثبت البناء.

فقال عمر لعليّ عليه‌السلام : ما حال هذا الرجل؟ فقال : هذا نبيّ أصحاب الأخدود (١).

وقصّتهم معروفة في تفسير القرآن.

فصل

[قصّة نبي الله إلياس في بعلبك]

[٣٥٤ / ١٠] ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا أبو عبد الله محمّد بن شاذان بن أحمد بن عثمان البرواديّ ، حدّثنا أبو عليّ محمّد بن محمّد بن الحارث بن سفيان الحافظ السمرقنديّ ، حدّثنا صالح بن سعيد الترمذيّ ، عن منعم بن إدريس ، عن وهب بن منبّه ، عن ابن عبّاس رضى الله عنه قال : إنّ يوشع بن نون بوّأ بني إسرائيل الشام بعد موسى عليه‌السلام وقسّمها بينهم ، فصار منهم سبط ببعلبك بأرضها وهو اليسع الذي منه إلياس النبيّ عليه‌السلام فبعثه الله إليهم ، وعليهم يومئذ ملك فتنهم بعبادة صنم يقال له : بعل ، وذلك قوله تعالى : (وَإِنَّ إِلْياسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ* إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ* أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ* اللهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ* فَكَذَّبُوهُ)(٢).

وكان للملك زوجة فاجرة يستخلفها إذا غالب فتقضي بين الناس ، وكان لها كاتب حكيم قد خلّص من يدها ثلاثمائة مؤمن كانت تريد قتلهم ، ولم يعلم على وجه الأرض أنثى أزنا منها ، وقد تزوّجت سبعة ملوك من بني إسرائيل حتّى ولدت تسعين ولدا سوى ولد ولدها.

__________________

(١) عنه في بحار الأنوار ١٤ : ٤٤٠ / ٤ وقصص الأنبياء للجزائريّ : ٥٠٥.

(٢) الصافّات : ١٢٣ ـ ١٢٧.

١١٥

وكان لزوجها جار صالح من بني إسرائيل ، وكان له بستان يعيش به إلى جانب قصر الملك ، وكان الملك يكرمه ، فسافر مرّة فاغتنمت امرأته سفره وقتلت العبد الصالح ، وأخذت بستانه غصبا من أهله وولده ، وكان ذلك سبب سخط الله عليهم ، فلمّا قدم زوجها أخبرته الخبر ، فقال لها : ما أصبت.

فبعث الله إلياس النبيّ عليه‌السلام يدعوهم إلى عبادة الله ، فكذّبوه وطردوه وأهانوه وأخافوه ، وصبر عليهم واحتمل أذاهم ، ودعاهم إلى الله تعالى فلم يزدهم إلّا طغيانا ، فآلى الله على نفسه أن يهلك الملك والزانية إن لم يتوبوا إليه ، وأخبرهما بذلك ، فاشتدّ غضبهم عليه وهمّوا بتعذيبه وقتله ، فهرب منهم ، فلحق بأصعب جبل ، فبقي فيه وحده سبع سنين ، يأكل من نبات الأرض وثمار الشجر ، والله يخفي مكانه.

فأمرض الله ابنا للملك مرضا شديدا حتّى يئس منه ، وكان أعزّ ولده عليه ، فاستشفعوا إلى عبدة الصنم ليستشفعوا له فلم ينفع ، فبعثوا الناس إلى حدّ الجبل الذي فيه إلياس عليه‌السلام فكانوا يقولون : اهبط إلينا واشفع لنا ، فنزل إلياس من الجبل.

وقال : إنّ الله أرسلني إليكم وإلى من وراءكم ، فاسمعوا رسالة ربّكم ، يقول الله : ارجعوا إلى الملك ، فقولوا له : إنّي أنا الله لا إله إلّا أنا ، إله بني إسرائيل الذي خلقهم ، وأنا الذي أرزقهم وأحييهم وأميتهم وأضرّهم وأنفعهم ، وتطلب الشفاء لابنك من غيري ، فلمّا صاروا إلى الملك وقصّوا عليه القصّة امتلأ غيظا.

فقال : ما الذي منعكم أن تبطشوا به حين لقيتموه (١) وتوثقوه وتأتوني به فإنّه عدوّي ، قالوا : لمّا صار معنا قذف في قلوبنا الرعب عنه ، فندب خمسين من قومه من ذوي البطش وأوصاهم (٢) بالاحتيال له وإطماعه في أنّهم آمنوا به ليغترّ

__________________

(١) في «ر» «س» : (رأيتموه).

(٢) في «ر» «س» : (وصّاهم).

١١٦

بهم فيمكّنهم من نفسه.

فانطلقوا حتّى ارتقوا ذلك (١) الجبل الذي فيه إلياس عليه‌السلام ثمّ تفرّقوا فيه ، وهم ينادونه بأعلى صوتهم ، ويقولون : يا نبيّ الله ، ابرز لنا ، فإنّا آمنّا بك ، فلمّا سمع إلياس مقالتهم طمع في إيمانهم فكان في مغار (٢) ، فقال : اللهمّ إن كانوا صادقين فيما يقولون فأذن لي في النزول إليهم ، وإن كانوا كاذبين فاكفنيهم وارمهم بنار تحرقهم ، فما استتمّ قوله حتّى حصبوا بالنار من فوقهم فاحترقوا.

فبلغ الملك خبرهم ، فاشتدّ غيظه (٣) ، فانتدب كاتب امرأته المؤمن وبعث معه جماعة إلى الجبل ، وقال له : قد آن أن أتوب ، فانطلق لنا إليه حتّى يرجع إلينا يأمرنا وينهانا بما يرضى ربّنا وأمر قومه فاعتزلوا الأصنام.

فانطلق كاتبها والفئة الذين أنفذهم معه حتّى علا إلى الجبل الذي فيه إلياس ، ثمّ ناداه فعرف إلياس صوته ، فأوحى الله تعالى إليه أن ابرز إلى أخيك الصالح وصافحه وحيّه ، فقال المؤمن : بعثني إليك هذا الطاغي وقومه وقصّ عليه (٤) ما قالوا.

ثمّ قال : وإنّي لخائف إن رجعت إليه ولست معي أن يقتلني ، فأوحى الله جلّ وعزّ تعالى إلى إلياس عليه‌السلام : أنّ كلّ شيء جاءك منهم خداع ليظفروا بك ، وأنّي أشغله عن هذا المؤمن بأن أميت ابنه ، فلمّا قدموا عليه شدّد الله الوجع على ابنه ، وأخذ الموت بكظمه ورجع إلياس سالما إلى مكانه ، فلمّا ذهب الجزع عن الملك بعد مدّة سأل الكاتب عن الذي جاء به فقال : ليس لي به علم.

__________________

(١) في «ر» «س» : (إذا ارتقوا) بدلا من : (ارتقوا ذلك).

(٢) في البحار : (مغارة).

(٣) في «ر» «س» : (غضبه).

(٤) في «ر» «س» زيادة : (القصّة و).

١١٧

[إحياء يونس بن متى عليه‌السلام بعد موته]

ثمّ إنّ إلياس عليه‌السلام نزل واستخفى عند أمّ يونس بن متى ستّة أشهر ويونس عليه‌السلام مولود ثمّ عاد إلى مكانه ، فلم يلبث إلّا يسيرا حتّى مات ابنها حين فطمته فعظمت مصيبتها فخرجت في طلب إلياس ورقت الجبال حتّى وجدت إلياس فقالت : إنّي فجعت بموت ابني وألهمني الله تعالى عزوجل الاستشفاع بك إليه ليحيي لي ابني ، فإنّي تركته بحاله ولم أدفنه وأخفيت مكانه.

فقال لها : ومتى مات ابنك؟ قالت : اليوم سبعة أيّام.

فانطلق إلياس وصار سبعة أيّام أخرى حتّى انتهى إلى منزلها ، فرفع يديه بالدعاء واجتهد حتّى أحيى الله تعالى جلّت عظمته بقدرته يونس عليه‌السلام ، فلمّا عاش انصرف إلياس ، ولمّا صار ابن أربعين سنة أرسله الله تعالى إلى قومه ، كما قال : (وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ)(١).

ثمّ أوحى الله تعالى إلى إلياس بعد سبع سنين من يوم أحيى الله يونس عليه‌السلام : سلني أعطك ، فقال : تميتني فتلحقني بآبائي ، فإنّي قد مللت بني إسرائيل وأبغضتهم فيك ، فقال تعالى جلّت قدرته : ما هذا باليوم الذي أعري منك الأرض وأهلها ، وإنّما قوامها بك ولكن سلني أعطك.

فقال إلياس : فأعطني ثاري من الذين أبغضوني فيك ، فلا تمطر عليهم سبع سنين قطرة إلّا بشفاعتي ، فاشتدّ على بني إسرائيل الجوع ، وألحّ عليهم البلاء ، وأسرع الموت فيهم ، وعلموا أنّ ذلك من دعوة إلياس ، ففزعوا إليه وقالوا له : نحن طوع يدك ، فهبط إلياس معهم ومعه تلميذه اليسع وجاء إلى الملك فقال : أفنيت

__________________

(١) الصافّات : ١٤٧.

١١٨

بني إسرائيل بالقحط ، فقال : قتلهم الذي أغواهم ، فقال : ادع ربّك يسقهم (١).

فلمّا جنّ الليل قام إلياس عليه‌السلام ودعا الله ، ثمّ قال لليسع : انظر في أكناف السماء ماذا ترى؟ فنظر ، فقال : أرى سحابة ، فقال : أبشروا بالسقاء (٢) ، فليحرزوا أنفسهم وأمتعتهم من الغرق ، فأمطر الله عليهم السماء وأنبت لهم الأرض ، فقام إلياس بين أظهرهم وهم صالحون.

ثمّ أدركهم الطغيان والبطر ، فجحدوا حقّه وتمرّدوا ، فسلّط الله تعالى عليهم عدوّا قصدهم ولم يشعروا به حتّى رهقهم (٣) فقتل الملك وزوجته وألقاهما في بستان الذي قتلته زوجة الملك ، ثمّ وصّى إلياس إلى اليسع وأنبت الله لإلياس الريش وألبسه النور ورفعه إلى السماء وقذف بكسائه من الجوّ على اليسع ، فنبّأه الله على بني إسرائيل ، وأوحى إليه وأيّده ، فكان بنو إسرائيل يعظّمونه صلوات الله عليه ويهتدون بهداه (٤).

فصل

[قصّة نبي الله يونس عليه‌السلام]

[٣٥٥ / ١١] ـ وبالإسناد المتقدّم عن الحسن بن محبوب ، عن جميل بن صالح ، عن أبي عبيدة الحذّاء ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : وجدنا في بعض كتب عليّ عليه‌السلام أنّه قال : حدّثني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ جبرئيل عليه‌السلام حدّثه أنّ يونس بن متّى بعثه الله تعالى إلى قومه

__________________

(١) في «ر» والبحار : (يسقيهم).

(٢) في «ر» «س» : (بالسقي).

(٣) أي : حملهم على ما لا يطيقون.

(٤) عنه في بحار الأنوار ١٣ : ٣٩٣ / ٢ وقصص الأنبياء للجزائريّ : ٣٥٩.

وورد قريب من صدره في تفسير مجمع البيان ٨ : ٣٢٩.

١١٩

وهو ابن ثلاثين سنة ، وأنّه أقام فيهم يدعوهم إلى الله تعالى ، فلم يؤمن (١) إلّا رجلان :

أحدهما : روبيل ، وكان من أهل بيت العلم والحلم ، وكان قديم الصحبة ليونس عليه‌السلام قبل أن يبعثه الله بالنبوّة ، وكان صاحب غنم يرعاها ويتقوّت منها.

والثاني : تنوخا ؛ رجل عابد زاهد ، ليس له علم ولا حكمة ، وكان يحتطب ويأكل من كسبه ، فلمّا رأى يونس أنّ قومه لا يجيبونه (٢) ، وخاف أن يقتلوه ، شكى ذلك إلى ربّه تعالى جلّ ذكره. فأوحى الله تعالى إليه : أنّ فيهم الحبلى والجنين والطفل الصغير والشيخ الكبير والمرأة الضعيفة ، أحبّ أن أرفق بهم وأنتظر توبتهم ، كهيئة الطبيب المداوي العالم بمداواة الداء ، فإنّي أنزل العذاب يوم الأربعاء في وسط شوّال بعد طلوع الشمس.

فأخبر يونس عليه‌السلام تنوخا العابد وروبيل ليعلماهم ، فقال تنوخا : دعهم في غمرتهم حتّى يعذّبهم الله ، وقال روبيل : أرى لكم ان تعزلوا الأطفال عن الأمّهات في أسفل الجبل في طريق الأودية ، فإذا رأيتم ريحا صفراء أقبلت من المشرق ، فعجّوا بالصراخ والتوبة إلى الله تعالى جلّت قدرته بالاستغفار ، وارفعوا رؤوسكم إلى السماء ، وقولوا : ربّنا ظلمنا أنفسنا فاقبل توبتنا.

ولا تملّوا التضرّع إلى الله جلّت عظمته والبكاء حتّى تتوارى الشمس بالحجاب ويكشف الله عنكم العذاب ، ففعلوا ذلك فتاب عليهم ، ولم يكن الله اشترط على يونس أنّه يهلكهم بالعذاب إذا أنزله.

فأوحى الله جلّ جلاله إلى إسرافيل : أن اصرف عنهم ما قد نزل بهم من العذاب ، فهبط إسرافيل عليهم ، فنشر أجنحته فاستاق (٣) بها العذاب حتّى ضرب

__________________

(١) في البحار زيادة : (به).

(٢) في «ر» «س» : (لا يحبّونه).

(٣) في «م» : (فاستلقى) ، وفي «ر» «س» «ص» : (فاستلق) ، والمثبت عن البحار ، ومعناه : دفع بأجنحته العذاب إلى الخلف عكس جرّه بها ، واستاق الماشية : حثّها على السير من خلف عكس قادها.

١٢٠