فرائد الأصول - ج ٥

الشيخ مرتضى الأنصاري

فرائد الأصول - ج ٥

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: سماء قلم
الطبعة: ٢
ISBN: 978-964-8536-68-3
ISBN الدورة:
978-964-8536-63-8

الصفحات: ٦٢٤

قوله : " الظاهر أنّ المراد من عدم نقض اليقين بالشكّ أنّه عند التعارض لا ينقض ، ومعنى التعارض أن يكون شيء يوجب اليقين لو لا الشكّ". أقول : ظاهر هذا الكلام جعل تعارض (٢٣٥٦) اليقين والشك باعتبار تعارض المقتضي لليقين ونفس الشك ، على أن

______________________________________________________

وبالجملة ، إنّه [لا](*) إشكال في وجوب الاحتياط على الأوّلين ، لأنّ ثبوت التكليف إلى غاية معيّنة مبيّنة المفهوم يقتضي اليقين بالفراغ. وكذا في جريان أصالة البراءة على الثالث ، بناء على المختار من كونها المرجع عند الشكّ في الجزئيّة والشرطيّة. وكذا على الرابع ، وهو واضح.

٢٣٥٦. توضيح ما ذكره المحقّق الخوانساري من الاستدلال بالأخبار : أنّ النقض ـ كما أسلفه المصنّف رحمه‌الله سابقا ـ حقيقة في رفع الهيئة الاتّصاليّة كما في نقض الحبل. ثمّ تارة يستعمل في رفع الأمر الثابت بحيث لو لا رفعه كان ثابتا ، واخرى في مطلق رفع اليد عن الشيء والبناء على عدمه ولو لعدم المقتضي له. ولا شكّ أنّ لفظ النقض في الأخبار ليس على حقيقته ، لعدم إمكان اجتماع اليقين ولا أحكامه المترتّبة عليه من حيث صفة اليقين ، مع الشكّ حتّى يكون الشكّ ناقضا له ولأحكامه. فلا بدّ أن يحمل النقض فيها على أحد المعنيين المجازيّين ، والأقرب منهما إلى الحقيقة هو الأوّل فيحمل عليه ، لتعيّنه عند تعذّر الحقيقة. فلا بدّ أن يكون المراد باليقين ما يوجبه لو لا الشكّ ، وهو الدليل المقتضي لليقين لو لا الشكّ. والمراد بنقضه رفع اليد عن مقتضاه.

فحاصل المعنى المقصود من الأخبار حينئذ : عدم جواز رفع اليد عن مقتضى الأدلّة المقتضية لليقين بالحكم لو لا الشكّ. وهذا المعنى لا يصدق إلّا فيما كان الحكم فيه ثابتا إلى غاية معيّنة في الواقع ، من دون مدخليّة للعلم والجهل فيه أصلا ، وكان الشكّ في وجود الغاية أو مصداقها الخارجي ، إذ مع الشكّ في كون شيء

__________________

(*) سقط ما بين المعقوفتين من الطبعة الحجريّة ، وإنّما أثبتناه ليستقيم المعنى.

٣٢١

.................................................................................................

______________________________________________________

غاية للحكم ، كالمذي المشكوك في كونه رافعا للطهارة ، فالعلم ببقاء الطهارة مع العلم بعدم رافعيّة المذي ليس مستندا إلى مجرّد الدليل الدالّ على الطهارة ، بل إليه وإلى ما استفيد من الأدلّة من عدم رافعيّة المذي ، بخلاف الشكّ في صدور الحدث أو في كون البلل المشتبه بولا ، فإنّه مع زوال الشكّ وحصول العلم بعدم صدور الحدث وعدم كون البلل بولا ، فالعلم ببقاء الطهارة في هذا الزمان مستند إلى دليل الطهارة ، لا إليه وإلى الأمارة المزيلة للشبهة. هذا بخلاف الاستصحاب المعتبر عند المشهور ، إذ عليه لا بدّ أن يراد بالنقض في الأخبار معنى يشمل جميع موارده من الشكّ في المقتضي وفي الرافع على أقسامه ، وهو مطلق رفع اليد عن الشيء ولو لعدم مقتضيه.

ومن هنا يظهر فساد أمرين :

أحدهما : ما توهّمه بعضهم من موافقة ما ذكره الخوانساري لما ذكره المحقّق الحلّي من التفصيل بين الشكّ في المقتضي والمانع ، إذ قد عرفت أنّ مرجع ما ذكره إلى التفصيل بين ما كان للحكم دليل يقتضي بقائه لو لا الشكّ ، سواء كان المتيقّن ممّا من شأنه البقاء لو لا الشكّ ، كمثال الطهارة على ما تقدّم ، أم لم يكن كذلك ، كوجوب الصوم عند الشكّ في وجود غايته أو مصداقها ، لكون دليله مقتضيا للبقاء لو لا الشكّ ، مع أنّ الصوم من حيث كونه من الزمانيّات ليس من شأنه البقاء لو لا الشكّ ، وبين غيره ، كما يشهد به قوله : «والمراد بالتعارض أن يكون شيء يوجب اليقين لو لا الشكّ ...» ، لأنّ الموجب لليقين هو نفس الدليل لا المتيقّن ، بخلافه على ما ذكره المحقّق الحلّي رحمه‌الله ، كما أسلفناه عند بيان مذهبه.

وثانيهما : ما أورده المحقّق القمّي رحمه‌الله على المحقّق الخوانساري تبعا للسيّد الصدر من : «أنّ تعارض اليقين والشكّ ـ بمعنى كون شيء موجبا لليقين لو لا الشكّ ـ كما يتحقّق في استصحاب المحقّق المذكور ، فكذلك في استصحاب القوم ، يعني : ما لم يثبت الاستمرار إلى غاية أيضا ، سواء ثبت الاستمرار في الجملة أو ثبت

٣٢٢

.................................................................................................

______________________________________________________

الحكم على الإطلاق ، إذ المفروض أنّ الكلام ليس فيما كان مقيّدا بوقت أو ما اختصّ ثبوته بآن ، فإنّ الشكّ لو فرض عدم عروضه في الزمان الذي عرض فيه أو عند الحال التي فرض عروضه عندها ، لكنّا حينئذ قاطعين بالبقاء أيضا ، لأنّ عدم العروض إنّما يكون عند القطع بأنّ جزءا من أجزاء علّة الوجود لم يرتفع ، ومع عدم ارتفاعه يحصل اليقين بوجود المعلول ، لأنّ بقاء المعلول إنّما هو ببقاء علّته التامّة ، وزواله إنّما هو بعدمها».

إلى أن قال : «فكما أنّ انتفاء الشكّ في الصورة التي فرضها المستدلّ يوجب اليقين بالحكم بسبب الاستمرار المنصوص عليه من الشارع ، فكذلك فيما ذكره القوم انتفاء الشكّ يوجب اليقين بالحكم ، ضرورة عدم الواسطة بين الشكّ واليقين بالحكم السابق ، فإنّ المراد هنا من الشكّ ما ينافي اليقين السابق ، وهو أعمّ من الظنّ. والقطع بانتفاء الحكم السابق أيضا ليس كلامنا فيه حتّى يقال : إنّه إذا انتفى الشكّ فقد يثبت اليقين بالوجود ، وقد يثبت اليقين بالعدم ، بل الكلام إنّما هو في ثبوت الحكم السابق والشكّ في زواله ، بحيث لولاه لثبت الحكم السابق مع الفراغ عن انتفاء احتمال القطع بالعدم» انتهى موضع الحاجة.

ووجه الفساد : أنّ المعتبر في جريان الاستصحاب من باب الأخبار عند المحقّق الخوانساري هو صدق التعارض بين الشكّ واليقين ، وهو إنّما يصدق مع وجود ما يقتضي اليقين بالحكم لو لا الشكّ ، أعني : الدليل الدالّ عليه ، لا مطلق كون المورد بحيث لو لا الشكّ كان اليقين بالحكم حاصلا ، ولو لكشف عدم الشكّ عن وجود علّته كما ذكره ، لوضوح أنّ الشكّ في بقاء الحكم لأجل الشكّ في وجود علّته لا يوجب صدق التعارض بين اليقين والشكّ ، حتّى يكون مشمولا للأخبار وموردا للاستصحاب على مذاق المحقّق الخوانساري ، ضرورة أنّ الشكّ في البقاء مع وجود المقتضي إنّما هو لاحتمال المانع ، وعلى ما ذكره لاحتمال عدم المقتضي ، والتعارض إنّما يفرض بين المقتضي والمانع ، لا بين اليقين على تقدير وجود العلّة و

٣٢٣

.................................................................................................

______________________________________________________

الشكّ على تقدير الشكّ في وجودها.

وبالجملة ، إنّه لا اعتراض عليه من جهة ما ذكره ، وإنّما ترد عليه وجوه أخر أشار المصنّف رحمه‌الله إلى جملة منها ، وبقيت جملة اخرى :

منها : أنّا نمنع كون المراد بالنقض في الأخبار هو رفع الشيء الثابت ، بل المراد به رفع اليد عن الشيء الثابت مطلقا ولو لعدم مقتضيه ، كما أوضحنا عند شرح ما يتعلّق ببيان المصنّف رحمه‌الله لمعنى الأخبار. ومع التسليم نمنع انحصار مورد الاستدلال فيما تضمّن لفظ النقض ، كما أشرنا إليه أيضا هناك.

ومنها : أنّا نمنع عدم صدق التعارض بالمعنى الذي ذكره ، أعني : كون دليل الحكم بحيث يقتضي اليقين بالبقاء لو لا الشكّ في موارد استصحاب القوم مطلقا ، وذلك لأنّ دليل الحكم تارة يكون مثبتا للحكم إلى غاية ، واخرى يكون ساكتا عن إثباته في الزمان الثاني ، وثالثة يكون مجملا مردّدا بين كون المراد به ثبوت الحكم في الزمان الأوّل خاصّة وثبوته دائما ، وحاصله ما دار الأمر فيه بين الإطلاق والتقييد بحسب الزمان. ولا مجرى للاستصحاب عند المحقّق الخوانساري فيما عدا الأوّل منها. وأمّا عند القوم فهو جار في كلّ منها ، ولا ريب أنّه يصدق في القسم الثالث.

ومنها : أنّ الدليل يفيد اليقين بالبقاء لو لا الشكّ ، إذ المراد بعدم الشكّ ليس حصول اليقين بالارتفاع أو الأعمّ منه ، بل المراد حصول اليقين بالبقاء ، كما تقدّم في كلام المحقّق القمّي رحمه‌الله. ولا ريب أنّه مع فرض عدم الشكّ فيما نحن فيه أيضا يحصل القطع بكون المراد بدليل الحكم هو الاستمرار ، بخلاف صورة إهمال الدليل ، لأنّ ثبوت الحكم في صورة عدم الشكّ فيها ليس لأجل إرادة العموم من دليل الحكم ، لفرض إهماله وسكوته عن حكم الزمان الثاني ، بل لأجل كشف عدم الشكّ عن وجود خطاب آخر مثبت للحكم في الزمان الثاني.

ومنها : أنّا نمنع عدم صدق التعارض عند الشكّ في كون شيء غاية. وما

٣٢٤

يكون الشكّ مانعا عن اليقين ، فيكون من قبيل تعارض المقتضي للشيء والمانع عنه. والظاهر أنّ المراد بالموجب في كلامه دليل اليقين السابق ، وهو الدال على استمرار حكم إلى غاية معيّنة.

وحينئذ فيردّ عليه ـ مضافا (٢٣٥٧) إلى أنّ التعارض الذي استظهره من لفظ" النقض" لا بدّ أن يلاحظ بالنسبة إلى الناقض ونفس المنقوض ، لا مقتضيه الموجب له لو لا الناقض ـ : أنّ نقض اليقين بالشك بعد صرفه عن ظاهره ـ وهو نقض صفة اليقين أو أحكامها الثابتة لها من حيث هي صفة من الصفات ؛ لارتفاع اليقين وأحكامه الثابتة له من حيث هو حين الشكّ قطعا ـ ظاهر في نقض أحكام اليقين ، يعني الأحكام الثابتة باعتباره للمتيقّن أعني المستصحب ، فيلاحظ التعارض حينئذ بين المنقوض والناقض ، واللازم من ذلك اختصاص الأخبار بما يكون المتيقّن وأحكامه ممّا يقتضي بنفسه الاستمرار لو لا الرافع ، فلا ينقض تلك الأحكام بمجرّد الشكّ في الرافع ، سواء كان الشكّ في وجود الرافع أو في رافعية الموجود. وبين هذا وما ذكره المحقق (٢٣٥٨) تباين جزئيّ.

______________________________________________________

تقدّم من تقريب الاستدلال واضح الضعف ، لأنّه إذا ثبت استمرار حكم إلى غاية ، وشكّ في كون شيء آخر غاية له أيضا ، كمثال النجاسة التي ثبت كون التمسّح بثلاثة أحجار مزيلا لها ، وشكّ في كون التمسّح بذي الشعب الثلاث أيضا مزيلا لها ، فالدليل مقتض لاستمرار النجاسة لو لم يكن التمسّح بذي الشعب مزيلا لها ، نظير ما لو شكّ في وجود المزيل أو مصداقه الخارجي. وما تقدّم من الفرق ضعفه غير خفيّ على المتأمّل.

٢٣٥٧. لا يخفى أنّ مرجع الجواب الأوّل إلى دعوى أنّ محلّ التعارض بحسب الاعتبار هو الناقض والمنقوض ، فليفرض التعارض بينهما لا بين الأوّل ومقتضى الثاني. ومرجع الثاني إلى دعوى ذلك بحسب ظاهر أخبار الباب.

٢٣٥٨. يعني : الخوانساري.

٣٢٥

ثم إنّ تعارض المقتضي لليقين ونفس الشكّ لم يكد يتصوّر فيما نحن فيه ؛ لأنّ اليقين بالمستصحب ـ كوجوب الإمساك في الزمان السابق ـ كان حاصلا من اليقين بمقدّمتين : صغرى وجدانيّة ـ وهي" أنّ هذا الآن لم يدخل الليل" ـ وكبرى مستفادة من دليل استمرار الحكم إلى غاية معيّنة ـ وهي" وجوب الإمساك قبل أن يدخل الليل" ـ و (*) المراد بالشكّ زوال اليقين بالصغرى ، وهو ليس من قبيل المانع عن اليقين والكبرى من قبيل المقتضي له ، حتّى يكونا من قبيل المتعارضين ، بل نسبة اليقين إلى المقدّمتين على نهج سواء ، كلّ منهما من قبيل جزء المقتضي له (٢٣٥٩). والحاصل : أنّ ملاحظة النقض بالنسبة إلى الشك وأحكام المتيقّن الثابتة لأجل اليقين اولى من ملاحظته بالنسبة إلى الشكّ ودليل اليقين.

وأمّا توجيه كلام المحقّق بأن يراد من موجب اليقين دليل المستصحب وهو عموم الحكم المغيّا ، ومن الشكّ احتمال الغاية التي (**) من مخصّصات العامّ ، فالمراد عدم نقض عموم دليل المستصحب بمجرّد الشكّ في المخصّص. فمدفوع : بأنّ نقض العامّ باحتمال التخصيص إنّما يتصوّر في الشك في أصل التخصيص ، ومعه يتمسّك بعموم الدليل لا بالاستصحاب ، وأمّا مع اليقين بالتخصيص والشك في تحقّق المخصّص المتيقّن ـ كما فيما نحن فيه ـ فلا مقتضي للحكم العام حتّى يتصوّر نقضه ؛ لأنّ العامّ المخصّص لا اقتضاء فيه لثبوت الحكم في مورد الشك في تحقّق المخصّص ، خصوصا في مثل التخصيص بالغاية (٢٣٦٠).

______________________________________________________

٢٣٥٩. فمع زوال اليقين بالصّغرى لا يبقى مقتض لليقين حتّى يقع التعارض بين المقتضي والمانع.

٢٣٦٠. وجه الخصوصيّة : أنّ التخصيص في الاستثناء والصفة وبدل البعض

__________________

(*) في بعض النسخ زيادة : معلوم أنّ شيئا من المقدّمتين لا اقتضاء فيه لوجوب الإمساك فى زمان الشكّ لو خلّى وطبعه حتّى يكون الشكّ من قبيل المانع عنه ، مع أنّ.

(**) في بعض النسخ زيادة : هى.

٣٢٦

والحاصل : أنّ المقتضي والمانع (٢٣٦١) في باب العامّ والخاصّ هو لفظ العامّ والمخصّص ، فإذا احرز المقتضي وشكّ في وجود المخصّص يحكم بعدمه عملا بظاهر العام ، وإذا علم بالتخصيص وخروج اللفظ عن ظاهر العموم ثمّ شكّ في صدق المخصّص على شيء ، فنسبة دليلي العموم والتخصيص إليه على السواء من حيث الاقتضاء.

هذا كلّه ، مع أنّ ما ذكره في معنى" النقض" لا يستقيم في قوله عليه‌السلام (٢٣٦٢) في

______________________________________________________

والشرط ، مثل قولنا : أكرم العلماء إلّا زيدا أو العدول أو عدولهم أو إن كانوا عدولا ، إنّما هو بحسب أفراد العامّ. وهو فيما عدا الشرط واضح. وأمّا فيه فإنّ قولنا : أكرم العلماء إن كانوا عدولا ، في قوّة قولنا : أكرم عدول العلماء.

وأمّا التخصيص بالغاية فهو بحسب أحوال أفراد العامّ ، لأنّ قولنا : أكرم العلماء إلى أن يفسقوا ، في قوّة قولنا : يجب إكرامهم في حال عدم فسقهم ، ولا يجب في حال فسقهم. ولا ريب أنّ شمول العامّ لأفراده إنّما هو بحسب الدلالة اللفظيّة ، وعلى عموم الحكم بحسب الأحوال إنّما هو بدليل الحكمة. ونحن إن قلنا بكون العامّ في الشمول لأفراده من قبيل المقتضي ، والتخصيص من قبيل المانع ، فلا ريب أنّ التخصيص بالغاية ليس كذلك ، لما عرفت من أنّ العموم بحسب الأحوال إنّما هو لأجل دليل الحكمة ، وهو إنّما يجري في موارده مع عدم بيان الشارع لمطلوبيّة الحكم في بعض الأحوال دون بعض ، فالتخصيص بالغاية من باب رفع المقتضي لا إثبات المانع.

٢٣٦١. لا يخفى أنّه قد تقدّم عند بيان الدليل الثاني للمشهور تصريح المصنّف رحمه‌الله بعدم استقامة جعل العامّ والخاصّ من قبيل المقتضي والمانع ، فتدبّر وراجع إلى ما ذكرناه هناك.

٢٣٦٢. إذ لا معنى لفرض التعارض بين دليل الحكم واليقين بخلافه ، بخلاف ما ذكره المصنّف رحمه‌الله في معنى النقض من اعتبار وجود المقتضي للحكم ، وكون المراد

٣٢٧

ذيل الصحيحة : " ولكن ينقضه بيقين آخر" وقوله عليه‌السلام في الصحيحة (٢٣٦٣) المتقدّمة الواردة في الشكّ بين الثلاث والأربع : " ولكن ينقض الشكّ باليقين" ، بل ولا في صدرها المصرّح بعدم نقض اليقين بالشكّ ؛ فإنّ المستصحب في موردها : إمّا عدم فعل الزائد ، وإمّا عدم براءة الذمّة من الصلاة كما تقدّم ، ومن المعلوم أنّه ليس في شيء منهما دليل يوجب اليقين لو لا الشك.

قوله في جواب السؤال : " قلت : فيه تفصيل ... إلى آخر الجواب".

أقول : إنّ النجاسة فيما ذكره من الفرض أعني موضع الغائط مستمرّة ، وثبت أنّ التمسّح بثلاثة أحجار مزيل لها ، وشكّ أنّ التمسّح بالحجر الواحد ذي الجهات مزيل أيضا أم لا؟ فإذا ثبت وجوب إزالة النجاسة ، والمفروض الشك في تحقق الإزالة بالتمسّح بالحجر الواحد ذي الجهات ، فمقتضى دليله هو وجوب تحصيل اليقين أو الظنّ المعتبر بالزوال ، وفي مثل هذا المقام لا يجري أصالة البراءة (٢٣٦٤) ولا أدلّتها ؛ لعدم وجود القدر المتيقن في المأمور به وهي الإزالة وإن كان ما يتحقّق به

______________________________________________________

بنقضه رفع اليد عمّا يقتضيه من استمرار الحكم.

٢٣٦٣. وجه عدم انطباق ما ذكره على ما ورد في صدر الصحيحة وذيلها واضح. أمّا صدرها فلما ذكره المصنّف رحمه‌الله من عدم كون عدم فعل الزائد أو عدم البراءة لأجل دليل يوجب اليقين به لو لا الشكّ. وأمّا ذيلها فلوضوح عدم كون المراد بالشكّ فيه دليلا يوجبه لو لا اليقين بخلافه. وشيء منهما لا يرد على ما ذكره المصنّف رحمه‌الله في معنى النقض. أمّا الأوّل فلما صرّح به المصنّف رحمه‌الله في غير موضوع من كون العدم من الامور المستمرّة لو لا المانع منه. وأمّا الثاني فلما أشار إليه المصنّف رحمه‌الله ـ عند بيان معنى الأخبار الواردة في المقام بعد الفراغ من إيرادها ـ من أنّ الشكّ إذا حصل لا يرتفع إلّا برافع.

٢٣٦٤. حاصله : أنّ مجرى أصالة البراءة ما كان الشكّ فيه في التكليف ، إمّا لكون الشكّ بدويّا ، أو لرجوع العلم الإجمالي إلى علم تفصيلي وشكّ بدوي ، كما في موارد دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر ، سواء كانا استقلاليّين أم ارتباطيّين ،

٣٢٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وكذا في موارد دوران الأمر بين التعيين والتخيير. وما نحن فيه لا ينطبق على شيء منها ، لأنّ المأمور به فيه ـ أعني : وجوب الإزالة ـ شيء واحد قد حصل العلم به تفصيلا ، وإنّما وقع الشكّ في حصول الإزالة بذي الشعب الثلاث بعد العلم بحصولها بثلاثة أحجار. وبعبارة اخرى : إنّ الشكّ إنّما هو فيما يتحقّق به المأمور به ، وأنّه التمسح بثلاثة أحجار خاصّة ، أو هو مع التمسّح بذي الشعب الثلاث مخيّرا بينهما. ودوران الأمر بين التعيين والتخيير إنّما هو في مقدّمة المأمور به لا فيه نفسه. وإجراء أصالة البراءة في المقدّمة ـ بمعنى البراءة عن تعيّن التمسّح بثلاثة أحجار عليه ـ لا يقضي بحصول المأمور به بالإتيان بالمقدّمة التي يشكّ في تحقّق المأمور به بالإتيان بها ، بل اليقين باشتغال الذمّة بالمأمور به يقتضي بوجوب تحصيل اليقين بالبراءة ، وهو لا يحصل إلّا بالتمسّح بثلاثة أحجار. نعم ، لو لم تكن الإزالة مأمورا بها ، بل كان التمسّح بنفسه مأمورا به لا من باب المقدّمة ، تعيّن فيه الرجوع إلى أصالة البراءة ، لكنّه خلاف ظاهر الأدلّة كما ذكره المصنّف رحمه‌الله.

ومن هنا يظهر أنّه لو شكّ في شيء من أجزاء الطهارات الثلاث أو شرائطها ، كان المتعيّن فيه الرجوع إلى أصالة الاشتغال دون البراءة ، وإن قلنا بها عند الشكّ في الأجزاء والشرائط ، لأنّ أصالة البراءة عن جزئيّة المشكوك فيه أو شرطيّته لا تقضي بحصول الطهارة التي هي شرط في المشروط بها من الصلاة ونحوها ، بل أصالة عدم حصول شرط المأمور به ـ أعني : الصلاة مثلا ـ تقضي بفساده.

وممّا ذكرناه قد ظهر كون المقام من موارد أصالة الاشتغال ، سواء كان الشكّ في حصول الطهارة بالتمسّح بذي الشعب الثلاث من قبيل الشكّ في مفهوم الغاية ، كما زعمه المحقّق الخوانساري ، وزعم من جهته كونه من موارد أصالة البراءة ، أم في مصداقها. والأقرب كونه من قبيل الثاني ، لأنّ الطهارة نظافة خاصّة ملحوظة في نظر الشارع ، وقد جعل لها أسبابا خاصّة في الواقع ، والشكّ في حصول الطهارة بذي الشعب الثلاث ليس من جهة إجمال مفهوم المطهّر الشرعيّ ،

٣٢٩

مردّدا بين الأقلّ والأكثر ، لكن هذا الترديد ليس في نفس المأمور به ، كما لا يخفى.

نعم ، لو فرض أنّه لم يثبت الأمر بنفس الإزالة ، وإنّما ثبت بالتمسّح بثلاثة أحجار أو بالأعمّ منه ومن التمسّح بذي الجهات ، أمكن بل لم يبعد إجراء أصالة البراءة عمّا عدا الأعمّ.

والحاصل : أنّه فرق بين الأمر بإزالة النجاسة من الثوب المردّدة بين غسله مرّة أو مرّتين ، وبين الأمر بنفس الغسل المردّد بين المرّة والمرّتين. والذي يعيّن كون مسألة التمسّح من قبيل الأوّل دون الثاني هو ما استفيد من أدلّة وجوب إزالة النجاسة عن الثوب والبدن للصلاة ، مثل قوله تعالى : (وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ) (٢٥) ، وقوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة : " لا صلاة إلّا بطهور" (٢٦) بناء على شمول الطهور ـ ولو بقرينة ذيله الدالّ على كفاية الأحجار من الاستنجاء ـ للطهارة الخبثيّة ، ومثل الإجماعات المنقولة على وجوب إزالة النجاسة عن الثوب والبدن للصلاة.

وهذا المعنى وإن لم يدلّ عليه دليل صحيح السند والدلالة على وجه يرتضيه المحقّق المذكور (*) ، بل ظاهر أكثر الأخبار الأمر بنفس الغسل ، إلّا أنّ الإنصاف وجود الدليل على وجوب نفس الإزالة ، وأنّ الأمر بالغسل في الأخبار ليس لاعتباره بنفسه في الصلاة ، وإنّما هو أمر مقدميّ لإزالة النجاسة ، مع أنّ كلام المحقّق المذكور لا يختصّ بالمثال الذي ذكره حتّى يناقش فيه.

______________________________________________________

حتّى يكون الشكّ فيه من قبيل الشكّ في مفهوم الغاية ، بل هو من قبيل الشكّ في كونه من مصاديق ما جعله الشارع مطهّرا في الواقع.

ومن هنا يظهر أنّ الاعتراض على الخوانساري من وجهين : أحدهما : دعواه كون المقام من موارد أصالة البراءة. والآخر : دعواه كون الشكّ فيه في مفهوم الغاية لا مصداقها.

__________________

(*) في بعض النسخ زيادة : بعد ردّ روايتى ابن المغيرة وابن يعقوب.

٣٣٠

وبما ذكرنا يظهر (٢٣٦٥) ما في قوله في جواب الاعتراض الثاني بأنّ مسألة الاستنجاء من قبيل ما نحن فيه ، ما لفظه : " غاية ما أجمعوا عليه : أنّ التغوّط متى حصل لا يصحّ الصلاة بدون الماء والتمسّح رأسا ، لا بالثلاث ولا بشعب الحجر الواحد. وهذا لا يستلزم الإجماع على ثبوت النجاسة حتى يحصل شيء معيّن في الواقع مجهول عندنا قد اعتبره الشارع مطهّرا ...".

ويظهر ما في قوله جوابا عن الاعتراض الأخير : " إنّه لم يثبت الإجماع على وجوب شيء معيّن بحيث لو لم يأت بذلك الشيء لاستحقّ العقاب ..." ، وما في كلامه المحكيّ في حاشية شرحه على قول الشهيد قدس‌سره : " ويحرم استعمال الماء النجس والمشتبه ...".

وأنت إذا أحطت خبرا بما ذكرنا في أدلّة الأقوال ، علمت أنّ الأقوى منها القول التاسع ، وبعده القول المشهور ، والله العالم بحقائق الامور.

______________________________________________________

٢٣٦٥. من تعلّق الأمر في مسألة الاستنجاء بإزالة النجاسة ، لا بالغسل المردّد بين المرّة والمرّتين أو للمسحات الثلاث المردّدة بين المسح بثلاثة أحجار وحجر ذي شعب ثلاث.

٣٣١
٣٣٢

المصادر

(١) القوانين : ص ٤٩٣.

(٢) القوانين ج ٢ : ص ٥٣ ـ ٥٤.

(٣) عدّة الاصول : ج ٢ : ص ٧٨٥.

(٤) الذريعة إلى اصول الشريعة ج ٢ :

ص ٨٢٩ ـ ٨٣٠.

(٥) معارج الاصول : ص ٢٠٩.

(٦) الذريعة إلى اصول الشريعة ج ٢ : ص ٨٣٢.

(٧) المعتبر ج ١ : ص ٣٢

(٨) شرح مختصر الاصول ج ٢ :

ص ٤٥٣

(٩) الذريعة ج ٢ : ص ٨٣٢

(١٠) الوسائل ج ١٧ : ص ٩٠ ، الباب ٦١ من أبواب الأطعمة المباحة ، الحديث ١.

(١١) الوافية : ص ٢١٢.

(١٢) الذريعة إلى اصول الشريعة ج ٢ : ص ٨٣٠

(١٣) الوافية ص ٢٠٠ ـ ٢٠٣.

(١٤) الإسراء : ٧٨.

(١٥) ذكرى الشيعة : ص ٥.

(١٦) الدرر النجفيّة : ص ٣٤.

(١٧) المستصفى ج ١ : ص ٢٢٤ ـ ٢٢٩.

(١٨) شرح مختصر الاصول : ج ٢ ، ص ٢٨٤.

(١٩) معارج الاصول : ص ٢٠٩ ـ ٢١٠.

(٢٠) ذخيرة المعاد : ص ١١٥ ـ ١١٦.

(٢١) مشارق الشموس في شرح الدروس ص ٧٥ ـ ٧٧.

(٢٢) الزبدة : ص ٧٢ ـ ٧٣.

(٢٣) القوانين ج ٢ : ص ٦٧.

(٢٤) الفصول الغرويّة : ص ٣٧٥.

(٢٥) المدّثّر : ٤.

(٢٦) الوسائل ج ١ : ص ٢٥٦ ، الباب الأول من أبواب الوضوء ، الحديث الأول.

٣٣٣
٣٣٤

تنبيهات الاستصحاب

٣٣٥
٣٣٦

وينبغي التنبيه على امور : وهي بين ما يتعلّق بالمتيقّن السابق وما يتعلّق بدليله الدالّ عليه وما يتعلّق بالشكّ اللاحق في بقائه.

الأوّل : أنّ المتيقّن السابق إذا كان كليّا في ضمن فرد وشكّ في بقائه : فإمّا أن يكون الشكّ من جهة الشكّ في بقاء ذلك الفرد ، وإمّا أن يكون من جهة الشكّ في تعيين ذلك الفرد ، وتردّده بين ما هو باق جزما وبين ما هو مرتفع كذلك ، وإمّا أن يكون من جهة الشك في وجود فرد آخر (*) مع الجزم بارتفاع ذلك الفرد.

أمّا الأوّل ، فلا إشكال في جواز استصحاب (٢٣٦٦) الكلّي ونفس الفرد وترتيب أحكام كلّ منهما عليه.

______________________________________________________

٢٣٦٦. لا يقال : إنّ الشكّ في بقاء الكلّي مسبّب عن الشكّ في بقاء الفرد ، فمع جريان الاستصحاب في الشكّ السببي لا يجري في الشكّ المسبّب ، كما سيجيء في محلّه.

لأنّا نقول : إنّ هذا إنّما يتمّ فيما كان الكلّي من الآثار الشرعيّة لوجود الفرد ، حتّى يكون الحكم بوجود الفرد شرعا حكما بوجود الكلّي كذلك ، وليس كذلك ، لوضوح كون وجود الكلّي من اللوازم العقليّة لوجود الفرد ، وإن كان الشكّ فيه مسبّبا عن الشكّ في وجود الفرد ، نظير سائر اللوازم العقليّة والعادّية للمستصحب ، فكما أنّه إذا ترتّب عليها أثر شرعيّ لا يثبت باستصحاب ملزومها ، كذلك فيما نحن فيه ، بل هذا اللازم العقلي إن كان موردا للأصل بنفسه فهو ، وإلّا لا يثبت باستصحاب ملزومه.

__________________

(*) في بعض النسخ : بدل «في وجود فرد آخر» ، في قيام فرد آخر مقامه.

٣٣٧

وأمّا الثاني ، فالظاهر جواز الاستصحاب في الكلّي مطلقا (٢٣٦٧) على المشهور. نعم ، لا يتعيّن بذلك أحكام الفرد الباقي. سواء كان الشكّ من جهة الرافع ، كما إذا علم بحدوث البول أو المنيّ ولم يعلم الحالة السابقة (٢٣٦٨) وجب الجمع بين الطهارتين ، فإذا فعل إحداهما وشكّ في رفع الحدث فالأصل بقاؤه ، وإن كان

______________________________________________________

٢٣٦٧. سواء كان الشكّ في الرافع أم المقتضي.

٢٣٦٨. توضيحه : أنّه إذا علم إجمالا بتحقّق البول أو المنيّ فلا يخلو : إمّا أن يعلم بكونه محدثا بالحدث الأصغر ، أو الأكبر ، أو تشتبه الحال ، أو يعلم بكونه متطهّرا في السابق.

فعلى الأوّل يستصحب الحدث الأصغر ، ويدفع احتمال الحدث الأكبر بالأصل ، ويحكم بحصول الطهارة بالتوضّؤ. والعلم الإجمالي بحدوث البول أو المنيّ لا يمنع استصحاب الحدث الأصغر ، لعدم ترتّب أثر شرعيّ على أحد طرفي العلم الإجمالي ، لعدم ترتّب أثر على تقدير كون الحادث هو البول ، نظير ما علمت نجاسة إناء بعينه وطهارة الآخر كذلك ، ثمّ علم إجمالا بوقوع النجاسة في أحدهما ، فكما أنّه يستصحب هنا طهارة الإناء الآخر وعدم وقوع النجاسة فيه من دون معارضته مع أصالة عدم وقوعها في الإناء النجس ، لعدم ترتّب أثر شرعيّ على هذا الأصل كما تقدّم في الشبهة المحصورة ، كذلك فيما نحن فيه. ومن هنا تظهر الحال في القسم الثاني.

وأمّا الثالث فإذا توضّأ أو اغتسل وحصل الشكّ في بقاء الحدث ، فلا بدّ فيه من استصحاب مطلق الحدث المردّد بين الأصغر والأكبر ، لعدم العلم بإحدى الخصوصيّتين حتّى تستصحب. واستلزام بقاء الكلّي في صورة التوضّؤ تحقّقه في ضمن الأكبر ، وبالعكس في صورة العكس ، لا يثبت وجود الفرد الباقي إلّا على القول بالاصول المثبتة غير المرضيّ عند المصنّف رحمه‌الله. وحينئذ يحكم بوجود الكلّي ، وبعدم إحدى الخصوصيّتين عملا بالأصل في كلّ منهما ، فيحكم بحرمة مسّ كتابة

٣٣٨

الأصل عدم تحقّق الجنابة ، فيجوز له ما يحرم على الجنب ، أم كان الشكّ من جهة المقتضي ، كما لو تردّد من في الدار بين كونه حيوانا لا يعيش إلّا سنة وكونه حيوانا يعيش مائة سنة ، فيجوز بعد السنة الاولى استصحاب الكلّي المشترك بين الحيوانين ويترتّب عليه آثاره الشرعيّة الثابتة دون آثار شيء من الخصوصيّتين ، بل يحكم بعدم كلّ منهما لو لم يكن مانع عن إجراء الأصلين ، كما في الشبهة المحصورة.

______________________________________________________

القرآن عليه ، وجواز المكث في المساجد. نعم ، لو كان إجراء الأصل في نفي الخصوصيّتين موجبا لمخالفة عمليّة ، يجب التوقّف والاحتياط في مقام العمل بالنسبة إلى أحكامهما كما في الشبهة المحصورة.

ومن هنا تظهر الحال في القسم الرابع أيضا ، لكونه في حكم القسم الثالث ، وهو واضح.

وممّا ذكرناه يظهر وجه التقييد بقوله : «ولم يعلم الحالة السابقة». ويظهر أيضا أنّ المراد به عدم العلم بإحدى الخصوصيّتين في السابق ، احترازا عمّا لو علم بكونه محدثا بالحدث الأصغر بالخصوص أو الأكبر كذلك ، لا عنه وعمّا لو علم بكونه متطهّرا أيضا ، فلا تغفل.

ثمّ إنّ الحكم بوجوب الجمع بين الطهارتين في محلّ الفرض إنّما هو من جهة أنّ عدم جواز الدخول في الصلاة من آثار مطلق الحدث ، فمع استصحاب الكلّي يحكم بعدم جواز الدخول إلّا بعد الجمع بينهما ، لعدم حصول القطع بارتفاع مطلقه إلّا بالجمع بينهما ، لا من جهة كون استصحاب الكلّي مثبتا لأحكام الخصوصيّتين ، لوضوح فساده.

ثمّ إنّه قد يورد على المقام إشكال ، وهو أنّ المختار عند المصنّف رحمه‌الله تعلّق الأحكام بالطبائع باعتبار وجودها الخارجي ، ومقتضاه كون الأحكام الشرعيّة بأسرها من توابع الأفراد الخارجة دون الطبائع ، فمع عدم ترتّب أثر شرعيّ عليها

٣٣٩

وتوهّم : عدم جريان الأصل في القدر المشترك من حيث دورانه بين ما هو مقطوع الانتفاء وما هو مشكوك الحدوث ، وهو محكوم بالانتفاء بحكم الأصل (٢٣٦٩). مدفوع : بأنّه لا يقدح ذلك في استصحابه بعد فرض الشك في بقائه وارتفاعه ، إمّا لعدم استعداده وإمّا لوجود الرافع. كاندفاع توهّم : كون الشكّ في بقائه مسبّبا عن الشكّ في حدوث ذلك المشكوك الحدوث ، فإذا حكم بأصالة عدم حدوثه لزمه ارتفاع القدر المشترك (٢٣٧٠) ؛ لأنّه من آثاره ؛ فإنّ ارتفاع القدر

______________________________________________________

كيف يتكلّم في جواز استصحابها؟ لأنّه فرع ترتّبها عليها. وقد يجاب : بأنّ المراد بتعلّق الأحكام بالطبائع باعتبار وجودها تعلّقها بها باعتبار مطلق وجودها ، لا باعتبار وجوداتها الخاصّة المتعيّنة ، والفرق بينهما واضح.

٢٣٦٩. لا يقال : إنّ هذا الأصل يعارض أصالة عدم كون الحادث مقطوع الارتفاع ، لأنّه إذا حدث حادث وتردّد بين أمرين ، فأصالة عدم كون الحادث أحدهما تعارضها أصالة عدم كونه الآخر.

لأنّا نقول : ليس المقصود من نفي مشكوك الحدوث بالأصل إثبات كون الحادث متيقن الارتفاع حتّى يعارض بمثله ، بل المقصود به مجرّد نفيه ، وبضميمة القطع بارتفاع الآخر على تقدير حدوثه يثبت ارتفاع الكلّي.

وأنت خبير بأنّ هذا الجواب إنّما يصحّح التوهّم المذكور لو كانت أصالة عدم مشكوك الحدوث مثبتة لعدم الكلّي المردّد وجوده بين الأمرين ، وهي لا تثبته ، لأنّ غايتها عدم تحقّق الحصّة الموجودة في ضمنه من الطبيعة ، لا القدر المشترك بين الأمرين ، كما سنشير إليه في الحاشية الآتية. ولعلّه على هذا يبتني ما دفع به التوهّم المذكور من بقاء الشكّ في بقاء الكلّي مع جريان الأصل المذكور. وقد أوضح ما ذكرناه بما دفع به التوهّم الثاني ، فتدبّر.

٢٣٧٠. تعليل لاندفاع التوهّم الثاني. وحاصله : أنّ الشكّ في بقاء القدر

٣٤٠