فرائد الأصول - ج ٥

الشيخ مرتضى الأنصاري

فرائد الأصول - ج ٥

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: سماء قلم
الطبعة: ٢
ISBN: 978-964-8536-68-3
ISBN الدورة:
978-964-8536-63-8

الصفحات: ٦٢٤

.................................................................................................

______________________________________________________

منها : اعتبار قاعدة الاستصحاب. ومنها : صحّة عبادة الجاهل إذا اتّفقت مطابقته لبعض الطرق الشرعيّة ، كما زعمه بعض فحول المتأخّرين ، لأنّ الإمام عليه‌السلام قد حكم بصحّة الصلاة وعدم وجوب إعادتها مع الشكّ في الطهارة ، لأجل مطابقتها للأصل.

لكنّه يشكل بعدم تأتّي قصد القربة من الشّاك. اللهم إلّا أن يحمل على صورة الغفلة عن شكّه حين الدخول في الصلاة ، أو يقال : إنّ البناء على الحالة السابقة في الموضوعات لمّا كان مركوزا في نظر العقلاء ، فحكم الإمام عليه‌السلام بالصحّة مبنيّ على استظهار ذلك من السائل وتأتّي قصد القربة مع الاطمئنان. ولكنّ الأوّل يشكل بعدم جريان الاستصحاب مع الغفلة ، لاختصاص مورده بصورة الشكّ الفعلي في بقاء الحالة السابقة كما تقدّم سابقا.

ومنها : اقتضاء الأمر الظاهري للإجزاء وإن ظهر خلافه بعده ، كما أشار إليه المصنّف رحمه‌الله ، ولكنّ المتيقّن منه ثبوت ذلك في الشروط خاصّة.

ومنها : كون الطهارة من الخبث من الشرائط الواقعيّة كالطهارة من الحدث ، وإن توهّم بعضهم خلاف ذلك من الصحيحة ، نظرا إلى حكمه عليه‌السلام بعدم وجوب الإعادة مع العلم بعد الصلاة بوقوعها مع النجاسة ، لأنّ الطهارة لو كانت من الشرائط الواقعيّة دون العلميّة لوجبت الإعادة ، لفرض ظهور خلافها بعدها.

ويرد عليه : أنّ الطهارة لو كانت من الشرائط العلميّة دون الواقعيّة لم يصحّ التمسّك بالاستصحاب ، للعلم بصحّة الصلاة حينئذ بحسب الواقع مع الشكّ في الطهارة ، لأنّ المفروض أنّ شرط صحّتها في الواقع هو عدم العلم بوقوعها مع النجاسة ، وهو حاصل بالفرض ، فلا وجه حينئذ للتمسّك باستصحاب الطهارة. ومنه يظهر سند ما ادّعيناه من كونها من الشرائط الواقعيّة. وأمّا حكمه عليه‌السلام بعدم وجوب الإعادة حينئذ ، فهو لما عرفت من اقتضاء الأمر الظاهري الثابت بالاستصحاب للإجزاء.

١٢١

.................................................................................................

______________________________________________________

ويتفرّع على كونها من الشرائط الواقعيّة أمران :

أحدهما : عدم صحّة الاقتداء ممّن يعلم بنجاسة ثوب إمامه أو بدنه مع جهل الإمام بها ، كما عليه المشهور من عدم صحّة الاقتداء ممّن يعلم بفساد صلاة إمامه ، كما ادّعاه الشهيد في محكيّ الذكرى.

وثانيهما : حسن الاحتياط بإعادة الصلاة ، إذ لو كانت الطهارة من الشروط العلميّة صحّت الصلاة مع الشكّ فيها بحسب الواقع ، فلا يبقى مورد للاحتياط ، بل تكون الإعادة تشريعا محرّما.

نعم ، يمكن أن يقال : إنّ الاحتياط لو كان حسنا لأجل كون الطهارة من الشروط الواقعيّة ـ كما هو مقتضى الصحيحة على ما بيّنّاه ـ لا يبقى وجه لنهي الإمام عليه‌السلام عن الإعادة الذي أقلّ مراتبه الكراهة ، وبينه وبين حسن الاحتياط ـ الناشئ من حكم الإمام عليه‌السلام بجواز العمل بالاستصحاب ـ تدافع ظاهر ، فمن جهة ذلك يحصل في الصحيحة إشكال. نعم ، يمكن أن يقال بورود النهي في مقام توهّم الوجوب ، فلا يفيد سوى رفعه.

ومنها : أنّ المحكيّ عن السيّد السند صاحب مفتاح الكرامة أنّه قد ذكر أنّ التمسّك بأصالة تأخّر الحادث إنّما حدث في لسان العلّامة وجماعة ممّن تأخّر عنه ، وليس في كلمات من تقدّم عليه منها عين ولا أثر ، وذكر لذلك شواهد. واستظهر بعض المحقّقين كون الصحيحة دليلا عليه ، مدّعيا دلالتها عليها. وموضع الدلالة منها فقرتان ، الاولى : قوله عليه‌السلام : «فإن ظننت أنّه أصابه ...» على الاحتمال الثاني من الاحتمالين الآتيين ، وهو احتمال عروض النجاسة حين الرؤية. والثانية : قوله عليه‌السلام : «وإن لم تشكّ ثمّ رأيته ...». وتقريب دلالتها واضح.

ويرد عليه : أنّ مقصود من منع التمسّك بأصالة تأخّر الحادث هو المنع من إثبات وصف التأخّر بأصالة عدم الحادث إلى زمان العلم بحدوثه لكون تأخره عمّا علم تاريخ حدوثه من الحادثين من اللوازم العقليّة للمستصحب ، وهو عدم حدوثه

١٢٢

ثمّ رأيته ، وإن لم تشكّ ثمّ رأيته رطبا قطعت الصلاة وغسلته ثمّ بنيت على الصلاة ؛ لأنّك لا تدري ، لعلّه شيء اوقع عليك ؛ فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشكّ ... الحديث". والتقريب كما تقدّم في الصحيحة الاولى ، وإرادة الجنس من اليقين لعلّه أظهر هنا (٢١١٧).

______________________________________________________

في زمان حدوث الآخر ، لا عدم جواز التمسّك بأصالة العدم مطلقا حتّى بالنسبة إلى إثبات الآثار الشرعيّة المرتّبة على نفس العدم ، لا على صفة التأخّر. ولا ريب أنّ صحّة الصلاة فيما نحن فيه مرتّبة على عدم حدوث النجاسة في زمان إيقاع الصلاة ، لا على صفة التأخّر عنها. فدلالة الصحيحة على اعتبارها هنا لا يستلزم دلالتها على اعتبارها مطلقا ، حتّى بالنسبة إلى الآثار المرتّبة على صفة التأخّر كما هو المدّعى.

ومنها : وجوب الموافقة القطعيّة في الشبهة المحصورة ، كما يرشد إليه قوله عليه‌السلام : «قال : تغسل من ثوبك الناحية ...».

ومنها : عدم وجوب الفحص في العمل بالأصل في الموضوعات. ومنها : اعتبار الاستصحاب من باب السببيّة أو الظنّ النوعي ، فلا يقدح الظنّ بخلافه في جريانه ، كما يرشد إليه وإلى سابقه قوله عليه‌السلام : «فإن ظننت ...».

ومنها : حسن الاحتياط في الامور العامّة البلوى ، كما يرشد إليه قوله عليه‌السلام : «ولكنّك تريد أن تذهب بالشكّ» خلافا لمن منعه ، وببالي أنّه صاحب كشف الغطاء. ومنها : تقديم الأصل في الشكّ السببي على الشكّ المسبّب.

٢١١٧. لأنّ موضع الدلالة من هذه الصحيحة ـ كما سنشير إليه ـ فقرتان ، إحداهما : قوله : «فإن ظننت ـ إلى قوله ـ قلت : فإنّي قد علمت». والاخرى : قوله : «وإن لم تشكّ ...». ولا مسرح لقضيّة التوطئة في الاولى ، لعدم الشرطيّة فيها حتّى يقال : إنّ قوله «لأنّك كنت» علّة قائمة مقام الجزاء ، أو هو مذكور من باب التوطئة ، فهو صريح في العليّة. وأمّا الثانية فلعدم سبق ذكر اليقين بالطهارة فيها ، حتّى يحتمل كون اللام في قوله «فلا ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشكّ» للعهد الذكري.

١٢٣

وأمّا فقه الحديث (٢١١٨) ، فبيانه : أنّ مورد (٢١١٩)

______________________________________________________

٢١١٨. لا يذهب عليك أنّ بيان مورد الصحيحة ، وكون الإعادة نقضا لأثر الطهارة اليقينيّة السابقة وعدمه ، لا دخل له في الاستدلال بها على اعتبار الاستصحاب ، لأنّ الاستدلال بها إنّما هو باعتبار عموم الكبرى المستفاد منها.

٢١١٩. في الاستدلال بالصحيحة إشكال ، وهو أنّ الاستدلال بها ـ كما ستعرفه ـ إنّما هو بفقرتين منها ، وعلى التقديرين فالاستدلال بهما إنّما هو باعتبار النهي عن نقض اليقين بالشكّ ، ولكن يوهنه التعبير ب «لا ينبغي» في الفقرتين ، لظهوره في الكراهة ، فلا تدلّان على حرمة النقض ووجوب العمل بمقتضى الاستصحاب.

وربّما يجاب عنه تارة بحمله على إرادة الحرمة منه ، بقرينة قوله «ولا تعيد الصلاة» لظهوره في حرمة الإعادة ، واستعمال هذه الكلمة في الحرمة شايع في الأخبار. وفيه : أنّ لفظ «لا ينبغي» أظهر في الكراهة من ظهور لفظ «لا تعيد» في الحرمة ، فلا يصلح قرينة لصرفه عن ظاهره. واخرى بالإجماع المركّب ، إذ كلّ من قال بالجواز قال بالوجوب.

والتحقيق في الجواب أن يقال : إنّ المقصود من الاستدلال بالصحيحة إثبات جواز العمل بالاستصحاب في مقابل من يدّعي حرمة العمل به ، فإثبات الجواز كاف في المقام ، كيف لا وسائر الأخبار الناهية عن نقض اليقين بالشكّ غير ناهض لإثبات الحرمة أيضا ، لوروده في مقام توهّم الحظر ، لكون حرمة العمل بغير العلم إمّا لأجل التشريع ، أو مخالفة الاصول التي اعتبرها الشارع مركوزة في الأذهان ، فهذه الأخبار أيضا لا تفيد سوى جواز العمل بمؤدّاها لا وجوبه. مضافا إلى قوّة احتمال ورودها في مقام الإرشاد إلى ما تقرّر عند العقلاء ، من البناء على الحالة السابقة عند الشكّ في ارتفاعها ، فلا تفيد حينئذ سوى إمضاء طريقتهم. وبالجملة ، إنّه لا وجه لدعوى وجوب العمل بمقتضى الاستصحاب في كلّ مقام ، ولذا يجوز تجديد الوضوء للصلاة عند الشكّ في انتقاضه أو نقضه إجماعا.

١٢٤

الاستدلال يحتمل وجهين : أحدهما : أن يكون مورد السؤال فيه أن رأى بعد الصلاة نجاسة يعلم أنّها هي التي خفيت عليه قبل الصلاة ، وحينئذ فالمراد : اليقين بالطهارة قبل ظنّ الإصابة ، والشكّ حين إرادة الدخول (٢١٢٠) في الصلاة. لكن ،

______________________________________________________

والحاصل : أنّه لا إشكال في جواز الاحتياط في مورد الاستصحاب المخالف له ، نظير سائر الأمارات الشرعيّة من خبر الواحد وغيره. والوجه فيه واضح ، لأنّها ليست مجعولة في عرض الواقع ليجب الأخذ بها مطلقا ، بل المقصود منها كونها طرقا موصلة إلى الواقع ولو على سبيل الاحتمال ، كما في موارد الاصول على ما قرّرناه في محلّه ، فإذا توصّل المكلّف إلى الواقع بالاحتياط سقط مناط وجوب العمل بها.

ثمّ إنّ مورد الاستدلال بالصحيحة فقرتان ، إحداهما : قوله عليه‌السلام «فإن ظننت أنّه أصابه ـ إلى قوله ـ وليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشكّ أبدا». والاخرى قوله عليه‌السلام : «وإن لم تشكّ ثمّ رأيته ـ إلى قوله ـ فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشكّ». والوجه في تخصيص مورد الاستدلال بالاولى ـ مضافا إلى مخالفة الثانية بظاهرها للإجماع ـ هو إباء التفريع عن حمل اللام على الجنس ، كما نبّه عليه المصنّف رحمه‌الله في آخر كلامه.

ويظهر من المحقّق القمّي رحمه‌الله كون موضع الدلالة منها فقرات. قال : فيها مواضع من الدلالة. ولعلّه أراد بالفقرة الثالثة العلّة المنصوصة فيها ، وقد تقدّم الكلام فيها تصحيحا وتزييفا في الصحيحة الاولى. وكيف كان ، فالفقرة الاولى ـ كما أوضحه المصنّف رحمه‌الله ـ محتملة لوجهين ، والثانية لوجه واحد. وقد أشرنا إلى عدم مدخليّة ذلك في الاستدلال.

٢١٢٠. يشكل الحكم بصحّة الصلاة حينئذ ، لأجل عدم تأتّي قصد القربة مع الشكّ في صحّتها. اللهم إلّا أن يجاب بما أسلفناه عند بيان القواعد التي يمكن استنباطها من الصحيحة ، فراجع.

١٢٥

عدم نقض (٢١٢١) ذلك اليقين بذلك الشكّ إنّما يصلح علّة لمشروعيّة الدخول في العبادة المشروطة بالطهارة مع الشكّ فيها ، وأنّ الامتناع عن الدخول فيها نقض لآثار تلك الطهارة المتيقّنة ، لا لعدم وجوب الإعادة على من تيقّن أنّه صلّى في النجاسة ـ كما صرّح به السيّد الشارح للوافية ـ إذ الإعادة ليست نقضا لأثر الطهارة المتيقّنة بالشكّ ، بل هو نقض باليقين ؛ بناء على أنّ من آثار حصول اليقين بنجاسة الثوب حين الصلاة ولو بعدها وجوب إعادتها.

وربما يتخيّل (٢١٢٢) : حسن التعليل لعدم الإعادة ؛ بملاحظة اقتضاء امتثال الأمر الظاهري للإجزاء ، فيكون الصحيحة من حيث تعليلها دليلا على تلك القاعدة وكاشفة عنها. وفيه : أنّ ظاهر قوله : " فليس ينبغي" ، يعني ليس ينبغي لك الإعادة لكونه نقضا ، كما أنّ ظاهر قوله عليه‌السلام في الصحيحة الاولى : " لا ينقض اليقين بالشكّ أبدا" ، عدم إيجاب إعادة الوضوء ، فافهم ؛ فإنّه لا يخلو عن دقّة.

______________________________________________________

٢١٢١. حاصله : الاستشكال في حمل مورد الاستدلال على الوجه المذكور ، بأنّ ظاهر قوله «لأنّك كنت على يقين ...» تعليل لعدم وجوب الإعادة ، من حيث كون الإعادة نقضا لآثار الطهارة السابقة المتيقّنة ، وهو لا يصلح لكونه علّة لذلك بالتقريب الذي ذكره المصنّف رحمه‌الله.

٢١٢٢. هذا تصحيح لوقوع قوله «لأنّك كنت ...» علّة لعدم وجوب الإعادة. وحاصله : أنّ وجوب الإعادة في مورد الاستدلال وإن ترتّب على اليقين بوقوع الصلاة مع النجاسة ، فالإعادة حينئذ نقض لأثر الطهارة المتيقّنة باليقين لا بالشكّ ، إلّا أنّه يصحّ تعليل عدم وجوبها بقاعدة الاستصحاب ، مع انكشاف وقوع الصلاة مع النجاسة ، بملاحظة كون قاعدة الاستصحاب مثبتة للأمر الظاهري المفيد للإجزاء. فعلّة عدم وجوب الإعادة وإن كانت هي قاعدة الإجزاء ، إلّا أنّ الإمام عليه‌السلام أسند عدم الوجوب إلى قاعدة الاستصحاب ، إمّا لأنّها العمدة في إثبات عدم الوجوب ، لكون الأمر الظاهري ناشئا منها ، وإمّا لأنّ الشبهة في وجوب الإعادة و

١٢٦

ودعوى : أنّ من آثار (٢١٢٣) الطهارة السابقة إجزاء الصلاة معها وعدم وجوب الإعادة لها ، فوجوب الإعادة نقض لآثار الطهارة السابقة. مدفوعة : بأنّ الصحّة الواقعيّة وعدم الإعادة للصلاة مع الطهارة المتحقّقة سابقا من الآثار العقليّة الغير المجعولة للطهارة المتحقّقة ؛ لعدم معقوليّة عدم الإجزاء فيها ، مع أنّه يوجب الفرق بين وقوع تمام الصلاة مع النجاسة فلا يعيد وبين وقوع بعضها معها فيعيد (٢١٢٤) ،

______________________________________________________

عدمه من جهة ذلك ، لكون إفادة الأمر الظاهري للإجزاء مركوزة في نظر السائل ومعلومة عنده ، فبعد ثبوت الأمر الظاهري بالاستصحاب يثبت عدم وجوب الإعادة عند السائل.

وفيه : ما أشار إليه المصنّف رحمه‌الله من أنّ ظاهر الصحيحة كون قاعدة الاستصحاب بنفسها من دون توسّط شيء آخر علّة لعدم وجوب الإعادة ، لا بواسطة قاعدة الإجزاء.

٢١٢٣. هذا وجه آخر لتصحيح وقوع قوله «لأنّك كنت ...» علّة لعدم وجوب الإعادة ، بتقريب أنّ المراد بعدم جواز نقض اليقين بالشكّ هو وجوب ترتيب آثار المتيقّن السابق في زمان الشكّ ، تنزيلا للمشكوك فيه منزلة المتيقّن منه ، وبنقضه عدم ترتيبها فيه ، ومن آثار الطهارة السابقة المتيقّنة عدم وجوب الإعادة ، فتكون إعادة الصلاة حينئذ نقضا لآثارها ، فيصحّ تعليل عدم وجوبها بعدم جواز نقض اليقين بالشكّ.

وما دفع به المصنّف رحمه‌الله هذا الوجه واضح. وحاصله : منع ثبوت الآثار العقليّة للمستصحب بالاستصحاب. مع أنّه يمكن أن يقال : إنّ الطهارة إن كانت من الشرائط الواقعيّة للصلاة فلا يجدي استصحابها بعد انكشاف خلافها. وإن كانت من الشرائط العلميّة ، بأن كان شرط صحّة الصلاة عدم العلم بالنجاسة حين إيقاعها ، فلا معنى للاستصحاب حينئذ ، لصحّة الصلاة حينئذ في الواقع مع الشكّ في طهارة الثوب أو البدن.

٢١٢٤. والحال أنّ عدم وجوب الإعادة هنا أولى.

١٢٧

كما هو ظاهر قوله عليه‌السلام بعد ذلك : " وتعيد إذا شككت في موضع منه ثمّ رأيته" ، إلّا أن يحمل هذه الفقرة ـ كما استظهره شارح الوافية ـ على ما لو علم الإصابة وشكّ في موضعها ولم يغسلها نسيانا ، وهو مخالف لظاهر الكلام وظاهر قوله عليه‌السلام بعد ذلك : " وإن لم تشكّ ثمّ رأيته ...".

والثاني : أن يكون مورد السؤال رؤية النجاسة بعد الصلاة مع احتمال وقوعها بعدها ، فالمراد : أنّه ليس ينبغي أن تنقض يقين الطهارة بمجرّد احتمال وجود النجاسة حال الصلاة. وهذا الوجه سالم عمّا يرد على الأوّل (٢١٢٥) ، إلّا أنّه خلاف ظاهر السؤال. نعم ، مورد قوله عليه‌السلام أخيرا : " فليس ينبغي لك ..." هو الشكّ في وقوعه أوّل الصلاة أو حين الرؤية ، ويكون المراد من قطع الصلاة الاشتغال عنها بغسل الثوب مع عدم تخلّل المنافي ، لا إبطالها ثمّ البناء عليها الذي هو خلاف الإجماع ، لكن تفريع (٢١٢٦) عدم نقض اليقين على احتمال تأخّر الوقوع يأبى عن حمل اللام على الجنس ، فافهم.

______________________________________________________

٢١٢٥. من عدم صحّة تعليل عدم وجوب الإعادة بعدم جواز نقض اليقين بالشكّ ، نظرا إلى كون الإعادة على الاحتمال الأوّل نقضا لأثر الطهارة المتيقّنة باليقين دون الشكّ ، بخلافه هنا.

نعم ، يمكن أن يقال هنا أيضا : إنّ الإعادة هنا وإن كانت نقضا لأثر الطهارة المتيقّنة بالشكّ ، إلّا أنّه لا يصحّ تعليل عدم وجوب الإعادة هنا أيضا بعدم جواز نقض اليقين بالشكّ ، لما ذكره في دفع الدعوى المتقدّمة من كون الإجزاء ـ الذي هو بمعنى عدم وجوب الإعادة ـ من الآثار العقليّة للطهارة المتيقّنة ، فلا يكون مجعولا في مقام الشكّ في بقاء الطهارة. ففي الحقيقة هذه الصحيحة دليل على اعتبار الاصول المثبتة ، لعدم استقامة تعليل عدم وجوب الإعادة بعدم جواز نقض اليقين بالشكّ على الاحتمال الأوّل ، إلّا ببعض التمحّلات الباردة المتقدّمة ، ولا على هذا الاحتمال إلّا على القول بالاصول المثبتة.

٢١٢٦. لأنّ التفريع ظاهر في العهد ، وكون اللام إشارة إلى القضيّة المتفرّع

١٢٨

ومنها : صحيحة ثالثة (٢١٢٧) لزرارة : " وإذا لم يدر في ثلاث هو أو في أربع وقد أحرز الثلاث (٢١٢٨) ، قام فأضاف إليها اخرى ، ولا شيء عليه. ولا ينقض اليقين بالشكّ ، ولا يدخل الشكّ في اليقين ، ولا يخلط أحدهما بالآخر ، ولكنّه ينقض الشكّ باليقين ويتمّ على اليقين ، فيبني عليه ، ولا يعتدّ بالشكّ في حال من الحالات". (٢١) وقد تمسّك بها في الوافية ، وقرّره الشارح وتبعه جماعة ممّن تأخّر عنه.

______________________________________________________

عليها. بل ربّما يقال : لا معنى لأخذ اللام حينئذ للجنس ، لظهور التفريع في كون ما بعد الفاء أخصّ ممّا قبله أو مساويا له ، لكون تفريع الأعمّ على الأخصّ مستهجنا عرفا ، بل غير صحيح غالبا ، لأنّ ظاهر التفريع كون ما بعده من جزئيّات ما قبله أو من لوازمه المساوية. وبعبارة اخرى : إنّ الغالب تفريع الصغريات على كلّياتها ، أو اللازم المساوي على ملزومه ، دون العكس. اللهم إلّا أن يقال : إنّ ظهور قوله «فليس ينبغي لك ...» في بيان كلّية الكبرى لوجوب البناء على الطهارة السابقة ، أقوى من ظهور الفاء في التفريع ، فلا بدّ من أخذها بمعنى الواو ، لنصّ أهل اللغة بورودها بمعناها ، ووروده في كلام الفصحاء ، قال الشاعر :

قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل

بسقط اللوى بين الدخول فحومل

٢١٢٧. رواها الكليني عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان جميعا ، عن حمّاد بن عيسى ، عن حريز ، عن زرارة ، عن أحدهما عليهما‌السلام. ومحمّد بن إسماعيل هو ابن بزيع الثقة.

والفضل أيضا ثقة. وقد تقدّم تتمّة الكلام في باقي السند عند بيان حال سند الصحيحين المتقدّمين. وقال الشيخ عبد النبي الجزائري في الحاوي : «وإذا قيل أحدهما فالباقر أو الصادق عليهما‌السلام ، إذ من الرواة من روى عنهما ، ويشتبه عليه اليقين ، وهذا لا يقدح في الرواية» انتهى.

٢١٢٨. يحتمل أن يريد بإحراز الثلاث كونها متيقّنة عند دوران الأمر بينها وبين الزائد عليها. ويحتمل أن يريد به الفراغ من الركعة الثالثة برفع الرأس عن

١٢٩

وفيه تأمّل (٢١٢٩):

______________________________________________________

السجدة الأخيرة ، فيدلّ على عدم ترتّب حكم على الشكّ قبله. نعم ، يمكن أن يقال بعدم ترتّب أثر شرعيّ على هذه الدلالة ، لوقوع القيد في كلام الراوي.

٢١٢٩. توضيحه : أنّ الصحيحة تحتمل وجوها ، وقد أشار المصنّف رحمه‌الله إليها :

أحدها : أن يريد بإضافة ركعة اخرى البناء على الأقلّ والقيام إلى الركعة الرابعة من دون تسليم ، وباليقين اليقين بما أحرزه من الركعات ، فيكون أصل الحكم حينئذ وما استشهد له من القاعدة واردين في مقام التقيّة.

وثانيها : أن يريد بها البناء على الأكثر وإضافة ركعة الاحتياط بعد التسليم ، ويريد باليقين ما يوجب اليقين ببراءة الذمّة من العمل ، وبالشكّ ما يوجب الشكّ فيها من قبيل ذكر المسبّب وإرادة سببه.

وثالثها : أن يريد بها البناء على الأقلّ الموافق لمذهب العامّة ، وبعدم جواز نقض اليقين بالشكّ بيان الواقع ، وإن كان إجراء هذه القاعدة في مورد الصحيحة من باب التقيّة ، كما أشار إليه المصنّف رحمه‌الله بقوله «ثمّ ارتكاب الحمل على التقيّة ...».

ورابعها : أن يريد بها البناء على الأقلّ وإضافة ركعة اخرى بعد التسليم للاحتياط ، وبعدم جواز نقض اليقين بالشكّ وجوب البناء على ما تيقّنه من الركعات ، وعدم جواز البناء على وقوع الركعة المشكوك فيها بمجرّد الشكّ فيها. وحاصله : وجوب البناء على الأقلّ ، والإتيان بالركعة المشكوك فيها بعد التسليم على الأقلّ ، كما أشار إليه المصنّف رحمه‌الله بقوله «وأمّا احتمال كون المراد ...».

وتظهر الثمرة بين هذا المعنى والمعنى الثالث في كون الصحيحة على هذا المعنى دليلا على كون ركعة الاحتياط جزءا من الصلاة ، فتؤيّد القول بالجزئيّة ، بخلافها على المعنى الثالث.

وخامسها : أن يريد بها البناء على الأكثر والإتيان بركعة الاحتياط منفصلة ،

١٣٠

لأنّه إن كان المراد بقوله عليه‌السلام : " قام فأضاف إليها اخرى" ، القيام للركعة الرابعة من دون تسليم في الركعة المردّدة بين الثالثة والرابعة ، حتّى يكون حاصل الجواب هو البناء على الأقلّ ، فهو مخالف للمذهب وموافق لقول العامّة ومخالف لظاهر الفقرة الاولى من قوله : " يركع ركعتين (٢١٣٠) بفاتحة الكتاب" ؛ فإنّ ظاهرها ـ بقرينة تعيين (٢١٣١) الفاتحة ـ إرادة ركعتين منفصلتين ، أعني : صلاة الاحتياط ،

______________________________________________________

وباليقين ما يوجب القطع بالبراءة في مورد الصحيحة ، ومطلق ما حصل القطع به في غيره ، كما أشار إليه المصنّف رحمه‌الله بقوله «وأضعف من هذا دعوى ...».

وبالجملة ، إنّ هذه المعاني الخمسة تستفاد من طيّ كلام المصنّف رحمه‌الله. أمّا المعنى الأوّل فقد أورد عليه المصنّف رحمه‌الله ـ على تقدير تسليم ظهور الصحيحة فيه ـ بأنّ هنا صوارف عن هذا الظاهر ، مثل تعيّن حملها على التقيّة ، ومنها مخالفته لظاهر الفقرة الاولى ، ومنها مخالفته لظاهر سائر الأخبار الواردة في باب الشكوك منها الموثّقة الآتية ، بناء على ما ادّعاه المصنّف رحمه‌الله من كونها معاضدة للمعنى الثاني.

وأمّا ما عدا المعنى الثاني منها ، فمنها ما هو مخالف لظاهر الصحيحة ، ومنها ما هو مستلزم لاستعمال اللفظ في معنيين ، فتعيّن المعنى الثاني ، وعليه تسقط الصحيحة عن درجة الاستدلال بها على المقام كما هو واضح. وهذا حاصل جميع ما ذكره المصنّف رحمه‌الله.

والإنصاف أنّ الصحيحة بنفسها ظاهرة في المعنى الأوّل ، إلّا أنّ القرائن أوجبت رفع اليد عنه والتمسّك بذيل المعنى الثاني ، لكونه أقرب إلى الحقيقة بعد تعذّرها من غيره.

٢١٣٠. صدر الصحيحة : «قلت : من لم يدر في أربع هو أم في ثنتين وقد أحرز ثنتين؟ قال : يركع ركعتين وأربع سجدات وهو قائم بفاتحة الكتاب ، ويتشهّد ولا شيء عليه».

٢١٣١. لعدم ذهاب أحد من الأصحاب إلى تعيّن الفاتحة في الركعتين الأخيرتين.

١٣١

فتعيّن أن يكون المراد به القيام ـ بعد التسليم في الركعة المردّدة ـ إلى ركعة مستقلّة ، كما هو مذهب الإماميّة. فالمراد ب" اليقين" ـ كما في" اليقين" الوارد في الموثّقة الآتية ، على ما صرّح به السيّد المرتضى رحمه‌الله (٢١٣٢) واستفيد من قوله عليه‌السلام في أخبار الاحتياط : إن كنت قد نقصت فكذا ، وإن كنت قد أتممت فكذا ـ : هو اليقين بالبراءة ، فيكون المراد وجوب الاحتياط وتحصيل اليقين بالبراءة ، بالبناء على الأكثر وفعل صلاة مستقلّة قابلة لتدارك ما يحتمل نقصه.

وقد اريد من" اليقين" و" الاحتياط" في غير واحد من الأخبار هذا النحو من العمل ، منها : قوله عليه‌السلام في الموثّقة الآتية : " إذا شككت فابن على اليقين".

فهذه الأخبار الآمرة بالبناء على اليقين وعدم نقضه ، يراد منها البناء على ما هو المتيقّن من العدد والتسليم عليه ، مع جبره بصلاة الاحتياط ؛ ولهذا ذكر في غير واحد من الأخبار ما يدل على أنّ هذا العمل محرز للواقع ، مثل قوله عليه‌السلام : " ألا اعلّمك شيئا إذا صنعته ، ثمّ ذكرت أنّك نقصت أو أتممت ، لم يكن عليك شيء؟ " (٢٢)

وقد تصدّى جماعة (٢١٣٣)

______________________________________________________

فإن قلت : لا دلالة للصحيحة على التعيّن ، لاحتمال كون ذكر الفاتحة من باب تخصيص أفضل فردي الواجب المخيّر بالذكر ، سيّما على ما قرّرناه في محلّه من كون الأمر وما في معناه حقيقة في الواجب التخييري أيضا.

قلت : إنّ الدليل على التعيين ظهور الأمر وما في معناه بحكم الانصراف فيه وإن كان حقيقة في التخيير أيضا ، إلّا أنّ تعيين إرادته يحتاج إلى القرينة كما قرّر في محلّه.

٢١٣٢. سيأتي عند ذكر الموثّقة عدم ارتضائه بما صرّح به المرتضى ، فتدبّر.

٢١٣٣. في الجواهر بعد أن نقل الأخبار الدالّة على وجوب البناء على الأكثر التي منها رواية الساباطي قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن شيء من السّهو في الصلاة. فقال : ألا أعلّمك شيئا إذا فعلته ثمّ ذكرت أنّك أتممت أو نقصت لم يكن عليك شيء؟ قلت : بلى. قال : إذا سهوت فابن على الأكثر ، وإذا فرغت و

١٣٢

.................................................................................................

______________________________________________________

سلّمت فقم فصلّ ما ظننت أنّك نقصت ، فإن كنت قد أتممت لم يكن عليك في هذه ، وإن ذكرت أنّك نقصت كان ما صلّيت تمام ما نقصت».

ثم ذكر أخبار وجوب البناء على اليقين ، وأجاب عنها بالقصور عن المقاومة للاولى من وجوه ، مع احتمال كون المراد منها ما يوافقها. قال : «إذ قد عرفت أنّ اليقين بصحّة الصلاة يحصل بالبناء على الأكثر ، بل لا يحصل بالبناء على الأقلّ ، لما فيه من احتمال زيادة الركعة المبطلة للصلاة سهوا وعمدا ، بخلاف الأوّل ، إذ ليس فيه سوى كون التسليم في غير محلّه الذي هو غير قادح ، لجريانه مجرى السهو». ثمّ نقل ما حكي عن المرتضى في الناصريّات من فتواه بوجوب البناء على اليقين.

وأقول : قوله «إذ قد عرفت» لعلّه إشارة إلى ما تضمّنه الأخبار المشار إليها. وتوضيح المقام : أنّ دعوى كون البناء على الأكثر والإتيان بركعة اخرى منفصلة موافقا للاحتياط ، ربّما تشكل بما تضمّنه من الزيادات العمديّة من تكبيرة الإحرام والتشهّد والسلام في غير محلّهما. وأمّا ما عرفته من صاحب الجواهر من كون ذلك بمنزلة الزيادة السهويّة غير القادحة في الصحّة ، فهو ـ مع عدم إجدائه بالنسبة إلى تكبيرة الإحرام ـ مجرّد دعوى لا شاهد لها مع قطع النظر عن الأخبار. ومع ملاحظتها لا فرق بين كونها بمنزلة الزيادة السهويّة والعمديّة ، لدلالتها على صحّة الصلاة مطلقا مع البناء على الأكثر والإتيان بصلاة الاحتياط بعده.

نعم ، البناء على الأقلّ أيضا لا يوافق الاحتياط ، لاحتمال زيادة الركعة المبطلة للصلاة مطلقا. وربّما يقال : إنّ مقتضى الاحتياط حينئذ هو قطع العمل واستئنافه بعده.

لا يقال : إنّ القطع أيضا لا يوافق الاحتياط ، لآية حرمة إبطال الأعمال المقتضية لوجوب المضيّ فيها.

قلنا : إن وجوب المضيّ مع الشكّ في عدد الركعات كالثلاث والأربع في مورد الصحيحة غير ممكن ، إذ البناء على الأقلّ موجب لاحتمال زيادة الركعة ، و

١٣٣

ـ تبعا للسيّد المرتضى ـ لبيان أنّ هذا العمل هو الأخذ باليقين والاحتياط ، دون ما يقوله العامّة من البناء على الأقلّ. ومبالغة الإمام عليه‌السلام في هذه الصحيحة بتكرار عدم الاعتناء بالشكّ ، وتسمية ذلك (٢١٣٤) في غيرها بالبناء على اليقين والاحتياط يشعر بكونه في مقابل العامّة الزاعمين بكون مقتضى البناء على اليقين هو البناء على الأقلّ وضمّ الركعة المشكوكة.

ثمّ لو سلّم ظهور الصحيحة في البناء على الأقلّ المطابق للاستصحاب ، كان هناك صوارف عن هذا الظاهر ، مثل تعيّن حملها (٢١٣٥) حينئذ على التقيّة ، وهو مخالف للأصل.

ثمّ ارتكاب الحمل على التقيّة في مورد الرواية ، وحمل القاعدة المستشهد بها لهذا الحكم المخالف للواقع على بيان الواقع ـ ليكون التقيّة في إجراء القاعدة في المورد لا

______________________________________________________

البناء على الأكثر مع عدم صدق المضيّ عليه موجب للزيادة كما عرفت ، فلا بدّ من حمل الآية على موارد إمكان المضيّ. اللهم إلّا أن يقال في تصحيح موافقة البناء على الأكثر والإتيان بصلاة الاحتياط بعده للاحتياط : أنّ هذا النحو من العمل ممّا قد رضي الشارع به ، وجعله مبرأ للذمّة بالإجماع ودلالة الأخبار عليه ، فلا ينظر بعده إلى ما وقع فيه من الزيادات.

ولكن يضعّفه أنّ إبراء هذا النحو من العمل للذمّة توقيفيّ لا بدّ أن يسمع من الشارع ، فلا يحسن التعليل به كما في الصحيحة ، إذ الأمر المعلّل به لا بدّ أن يكون معلوما عند المخاطب ، بخلاف حمل اليقين في الصحيحة على المعنى الموافق للاستصحاب ، إذ العمل به مركوز في الأذهان. اللهم أن يدّعى أنّ ملاحظة سائر الأخبار الواردة في باب الشكوك تعطي كون تسمية هذا النحو من العمل باليقين وكونه مبرأ للذمّة معروفة بين الرواة ، فتدبّر.

٢١٣٤. كما في الموثّقة الآتية وغيرها.

٢١٣٥. لا يخفى أنّ أصالة عدم التقيّة من الاصول العمليّة التي لا تصلح لصرف الظواهر عن ظهورها.

١٣٤

في نفسها ـ مخالفة اخرى للظاهر وإن كان ممكنا في نفسه ، مع أنّ هذا المعنى مخالف لظاهر صدر الرواية الآبي عن الحمل على التقيّة ، مع أنّ العلماء لم يفهموا منها إلّا البناء على الأكثر ، إلى غير ذلك ممّا يوهن إرادة البناء على الأقلّ.

وأمّا احتمال (٢١٣٦)

______________________________________________________

٢١٣٦. ذكره صاحب الفصول. وحاصله : الجمع بين دلالة الصحيحة على اعتبار الاستصحاب ، وعدم منافاته لوجوب البناء على الأكثر عند الشّكّ في عدد الركعات ، كما هو مذهب الخاصّة.

قال في مقام دفع ما أورد على الصحيحة من قصور الدلالة : «إنّ قوله عليه‌السلام «لا ينقض اليقين بالشكّ» مسوق لبيان أنّه لا ينقض يقينه بعدم فعل الرابعة سابقا بالشكّ في فعلها لاحقا ، بأن لا يعوّل على شكّه ، فيبني على وقوعها. ويؤيّده قوله «ولا يدخل الشكّ في اليقين ، ولا يختلط أحدهما بالآخر» بناء على أنّه مسوق لبيان أنّه لا يدخل الركعة المشكوكة فيها في اليقين ، أعني : الصلاة المعلومة اشتغال الذمّة بها ، أو لا يضمّها إلى الركعات الثلاث اليقينيّة ، فتكون الظرفيّة على التوسيع. ولا يختلط الشكّ ـ أعني : تلك الركعة المشكوكة ـ في وقوعها باليقين ، أعني : الصلاة أو الركعات الثلاث اليقينيّة ، بأن يبني على وقوع الأربع ، بل ينقض الشكّ في لحوق فعل الرابعة بيقين عدمها السابق ، فينفي فعلها بالأصل فيبني عليه ، ويأتي بها على الوجه المقرّر تحصيلا للبراءة اليقينيّة ويتمّ عليه ، ولا يعتدّ بالشكّ في حال من الحالات ، بل يبني على بقائه ما لم يتيقّن بثبوته» انتهى.

وحاصل ما أورد عليه المصنّف رحمه‌الله أنّ مقتضى ما ذكره أن يكون المراد باليقين في قوله «لا ينقض اليقين بالشكّ» اليقين بعدم الإتيان بالركعة الرابعة ، وبالشكّ فيه الشكّ في الإتيان بها ، فيفيد اعتبار الاستصحاب. وفي قوله «ولا يدخل الشكّ في اليقين» هو اليقين بما اشتغلت الذمّة به ، أو الركعات الثلاث اليقينيّة ، وبالشكّ الركعة الرابعة المشكوك فيها. وبعدم خلط أحدهما بالآخر وجوب البناء على

١٣٥

.................................................................................................

______________________________________________________

الأقلّ ، والإتيان بالركعة المشكوك فيها منفصلة. فيفيد كيفيّة عمل الشاكّ الموافقة لمذهب الخاصّة ، إذ لا فرق بين البناء على الأقلّ والإتيان بالركعة المشكوك فيها منفصلة ، كما هو مقتضى البيان المذكور ، وبين البناء على الأكثر والإتيان بصلاة الاحتياط بعده ، كما هو مقتضى المذهب ، إلّا بحسب المفهوم والاعتبار لا بحسب العمل ويظهر المراد باليقين والشكّ في سائر الفقرات أيضا ممّا ذكرناه.

ويرد عليه حينئذ أنّ ظاهر الفقرات أنّها بأجمعها إنّما وردت لبيان أمر واحد على نحو التأكيد والاهتمام. وعلى الاحتمال المذكور يلزم التفكيك بينها ، بكون المراد ببعضها بيان قاعدة الاستصحاب كالفقرة الاولى ، وببعض آخر منها بيان كيفيّة عمل الشاكّ ، كالفقرة الثانية والثالثة. فهذا التفكيك مخالف لظاهر الفقرات الستّ ، إن قلنا بكون قوله «فيبني عليه» تفريعا على سابقه ، وكونه مع سابقه في حكم كلام واحد ، أو السبع إن قلنا بكونه كلاما مستقلا.

مع أنّ قولنا «إذ لا فرق» منظور فيه ، إذ لو كان المراد بقوله في الصحيحة «ولا ينقض اليقين بالشكّ» بيان قاعدة الاستصحاب والإتيان بالركعة المشكوك فيها منفصلة ، كانت الصحيحة دليلا على كون صلاة الاحتياط جزءا من الصلاة ، بخلاف ما لو كان المراد به وجوب العمل بما يوجب اليقين بالبراءة ، كما اختاره المصنّف رحمه‌الله في معنى الصحيحة. مضافا إلى ما قيل من أنّه إذا شكّ بين الثلاث والأربع حال القيام ، وحصل العلم بترك التشهّد في الركعة الثانية ، فإن قلنا بوجوب البناء على الأقلّ وجب القعود لقراءة التشهّد ، وإن قلنا بوجوب البناء على الأكثر وجب قضائه بعد الفراغ من الصلاة. وكذا لو حصل العلم بترك إحدى السجدتين من الركعة الثانية ، وحينئذ إن قلنا بوجوب البناء على الأقلّ وجب القعود لتدارك السجدة المتروكة ، وحينئذ يرجع الشكّ بعد هدم القيام إلى الشّكّ بين الثنتين والثلاث قبل إكمال السجدتين ، فتبطل الصلاة ، وإن قلنا بوجوب البناء على الأكثر يجب قضائها بعد الفراغ من الصلاة ، لفوات محلّها بالبناء على كون الركعة المشكوك فيها رابعة.

١٣٦

كون المراد من عدم نقض اليقين بالشكّ عدم جواز البناء على وقوع المشكوك بمجرّد الشكّ ـ كما هو مقتضى الاستصحاب ـ فيكون مفاده : عدم جواز الاقتصار على الركعة المردّدة بين الثالثة والرابعة ، وقوله : " لا يدخل الشكّ في اليقين" يراد به أنّ الركعة المشكوك فيها المبنيّ على عدم وقوعها لا يضمّها إلى اليقين ـ أعني القدر المتيقّن من الصلاة ـ بل يأتي بها مستقلّة على ما هو مذهب الخاصّة.

ففيه : من المخالفة لظاهر الفقرات الست أو السبع ما لا يخفى على المتأمّل ؛ فإنّ مقتضى التدبّر في الخبر أحد معنيين : إمّا الحمل على التقيّة ، وقد عرفت مخالفته للاصول والظواهر ، وإمّا حمله على وجوب تحصيل اليقين بعدد الركعات على الوجه الأحوط ، وهذا الوجه وإن كان بعيدا في نفسه لكنّه منحصر بعد عدم إمكان الحمل على ما يطابق الاستصحاب ، ولا أقلّ من مساواته لما ذكره هذا القائل ، فيسقط الاستدلال بالصحيحة ، خصوصا على مثل هذه القاعدة.

وأضعف من هذا دعوى : أنّ حملها على وجوب تحصيل اليقين في الصلاة بالعمل على الأكثر ، والعمل على الاحتياط بعد الصلاة ـ على ما هو فتوى الخاصّة وصريح أخبارهم الآخر ـ لا ينافي إرادة العموم من القاعدة لهذا وللعمل على اليقين السابق في الموارد الأخر. وسيظهر اندفاعها (٢١٣٧) بما سيجيء في الأخبار الآتية من عدم إمكان الجمع بين هذين المعنيين في المراد من العمل على اليقين وعدم نقضه.

______________________________________________________

٢١٣٧. حاصله : استلزام الدعوى المذكورة استعمال اللفظ في معنيين مختلفين ، أحدهما : قاعدة الاشتغال في مورد الرواية ، والآخر : قاعدة الاستصحاب ، ولا جامع بينهما حتّى يقال : إنّ ذلك من باب عموم المجاز ، لأنّ اليقين والشكّ وإن أخذا في موضع القاعدتين ، إلّا أنّ مبنى الاولى وجوب دفع الضرر المحتمل مع قطع النظر عن الحالة السابقة ، والثّانية مبنيّة على ملاحظتها مع قطع النظر عن وجوب دفع الضرر المحتمل ، فلا يمكن إرادتهما من لفظ واحد. وعلى تقدير تسليم صحّته لا ريب أنّه من أردأ الاستعمالات ، لا يجوز حمل اللفظ عليه إلّا مع القرينة.

١٣٧

وممّا ذكرنا ظهر عدم صحّة الاستدلال بموثّقة عمّار عن أبي الحسن عليه‌السلام : " قال :

إذا شككت فابن على اليقين. قلت : هذا أصل؟ قال : نعم". فإنّ جعل البناء على الأقلّ أصلا ينافي ما جعله الشارع أصلا في غير واحد من الأخبار ، مثل : قوله عليه‌السلام : " أجمع لك السهو كلّه في كلمتين : متى ما شككت فابن على الأكثر" ، وقوله عليه‌السلام فيما تقدّم : " ألا اعلّمك شيئا ..." إلى آخر ما تقدّم.

فالوجه فيه : إمّا الحمل على التقيّة ، وإمّا ما ذكره بعض الأصحاب في معنى الرواية : بإرادة البناء على الأكثر ، ثمّ الاحتياط بفعل ما ينفع لأجل الصلاة على تقدير الحاجة ولا يضرّ بها على تقدير الاستغناء.

نعم ، يمكن أن يقال بعدم الدليل على اختصاص الموثّقة بشكوك الصلاة فضلا عن الشكّ في ركعاتها ، فهو أصل كلّي خرج منه الشكّ في عدد الركعات ، وهو غير قادح. لكن يرد عليه : عدم الدلالة على إرادة اليقين السابق (٢١٣٨) على الشكّ ، ولا المتيقّن السابق على المشكوك اللاحق ، فهي أضعف دلالة من الرواية الآتية الصريحة في اليقين السابق ؛ لاحتمالها لإرادة إيجاب العمل بالاحتياط ، فافهم.

______________________________________________________

٢١٣٨. هذا مورد قاعدة الشكّ الساري. وقوله : «ولا المتيقّن السابق ...» مورد لقاعدة الاستصحاب ، لعدم اعتبار تقدّم اليقين على الشكّ في موردها ، إذ المعتبر فيها تقدّم المتيقّن على المشكوك فيه ، دون صفة اليقين على الشكّ ، لجواز اجتماعهما في زمان واحد ، كما إذا تيقّن الآن بعدالة زيد أمس ، مع حصول الشكّ الآن في بقائه على العدالة إلى الآن ، بخلاف قاعدة الشكّ الساري ، إذ المعتبر في موردها تقدّم صفة اليقين على صفة الشكّ لا المتيقّن على المشكوك فيه. وقد تقدّم توضيحه في أوّل المبحث. وحيث لم يصرّح في الموثّقة باعتبار تقدّم اليقين أو المتيقّن تأتّي فيها احتمال إرادة قاعدة الاشتغال أيضا ، بخلاف الرواية الآتية ، ولذا كانت الموثّقة أضعف دلالة منها. والفرق بينها وقاعدتي الاستصحاب والشكّ الساري : أنّ المناط فيها هو العلم باشتغال الذمّة في آن ما مع الشكّ في الخروج من عهدة التكليف ، من دون اعتبار سبق اليقين أو المتيقّن كما عرفت.

١٣٨

ومنها : ما عن الخصال (٢١٣٩) بسنده عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : " قال أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه : من كان على يقين فشكّ فليمض على يقينه ؛ فإنّ الشكّ لا ينقض اليقين" (٢٣). وفي رواية اخرى عنه عليه‌السلام : " من كان على يقين فأصابه شكّ فليمض على يقينه ؛ فإنّ اليقين لا يدفع بالشكّ" (٢٤). وعدّها المجلسي في البحار في سلك الأخبار التي يستفاد منها القواعد الكلّية.

أقول : لا يخفى أنّ الشكّ واليقين لا يجتمعان (٢١٤٠) حتّى ينقض أحدهما الآخر ، بل لا بدّ من اختلافهم إمّا في زمان نفس الوصفين ، كأن يقطع يوم الجمعة

______________________________________________________

٢١٣٩. قد ذكر المجلسي في محكيّ البحار قرائن تدلّ على اعتبارها. وقال أيضا : «أصل هذا الخبر في غاية الوثاقة والاعتبار على طريقة القدماء ، وإن لم يكن صحيحا بزعم المتأخّرين. واعتمد عليه الكليني ، وذكر أكثر أجزائه متفرّقة في أبواب الكافي ، وكذا غيره من أكابر المحدّثين» انتهى. وعنه أيضا في باب «من نسي أو شكّ في شيء من أفعال الوضوء» عن باب الأربعمائة عن الخصال عن أبيه ، عن سعيد بن عبد الله ، عن محمّد بن عيسى اليقطيني ، عن القاسم بن يحيى ، عن جدّه الحسن بن راشد ، عن أبي بصير ومحمّد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، عن أبيه ، عن جدّه «أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام علّم أصحابه في مجلس واحد أربعمائة باب ما يصلح للمسلم في دينه ودنياه ، فكان ذلك من جملة ما قاله لهم». وقيل : إنّ الخبر مرويّ في الخصال عن الباقر عليه‌السلام ، وفي البحار والوسائل عن الخصال عن أبي عبد الله عليه‌السلام. ولعلّ الاشتباه وقع من اختلاف النسخ.

٢١٤٠. ربّما تدّعى صراحة رواية الخصال في المدّعى ، من حيث صراحتها في كون مطلق اليقين علّة لعدم جواز نقضه بالشكّ والمضيّ فيه ، كما هي قضيّة الشرطيّة. وقول المصنّف رحمه‌الله «إنّ الشكّ واليقين لا يجتمعان» توطئة للاعتراض على من استدلّ بالرواية على المقام.

١٣٩

بعدالة زيد في زمان ، ثمّ يشكّ يوم السبت في عدالته في ذلك الزمان. وإمّا في زمان متعلقهما وإن اتحد زمانهما ، كأن يقطع يوم السبت بعدالة زيد يوم الجمعة ، ويشكّ ـ في زمان هذا القطع ـ بعدالته في يوم السبت ، وهذا هو الاستصحاب ، وليس منوطا بتعدّد زمان الشكّ واليقين كما عرفت في المثال ، فضلا عن تأخّر الأوّل عن الثاني. وحيث إنّ صريح الرواية اختلاف زمان الوصفين ، وظاهرها اتّحاد زمان متعلّقهما ؛ تعيّن حملها على القاعدة الاولى ، وحاصلها : عدم العبرة بطروّ الشكّ في شىء بعد اليقين بذلك الشيء.

ويؤيّده : أنّ النقض حينئذ محمول على حقيقته ؛ لأنّه رفع اليد عن نفس الآثار التي رتّبها سابقا على المتيقّن ، بخلاف الاستصحاب ؛ فإنّ المراد بنقض اليقين فيه رفع اليد عن ترتيب الآثار في غير زمان اليقين ، وهذا ليس نقضا لليقين السابق إلّا إذا اخذ متعلّقه مجرّدا عن التقييد بالزمان الأوّل.

وبالجملة : فمن تأمّل في الرواية وأغمض عن ذكر بعض أدلّة الاستصحاب ، جزم بما ذكرناه في معنى الرواية.

______________________________________________________

وحاصله : أنّ مقتضى النهي عن نقض اليقين بالشكّ إمكان اجتماعهما حتّى يصدق نقضه به ، وهما لا يجتمعان أصلا ، لكونهما من الامور المتضادّة. فلا بدّ في وقوعهما إمّا من اعتبار اختلافهما بحسب الزمان وإن اتّحدا بحسب المتعلّق ، بأن تعلّق اليقين بحدوث شيء في زمان ، وتعلّق الشكّ بحدوثه في ذلك الزمان في زمان آخر ، بأن حصل الشكّ في الزمان الثاني في صحّة الاعتقاد في الزمان الأوّل ، كما فرضه من المثال الأوّل. وإمّا من اعتبار اختلافهما بحسب المتعلّق وإن اتّحد زمانهما ، كما فرضه من المثال الثاني.

والثاني هو مورد قاعدة الاستصحاب ، لأنّ المعتبر فيه ـ كما أوضحناه عند شرح ما يتعلّق بالأمر الخامس ـ هو اختلاف متعلّق اليقين والشكّ وإن اتّحد زمانهما ، بل وتقدّم الشكّ على اليقين أيضا ، كما إذا شكّ في يوم الجمعة في عدالة زيد في هذا اليوم ، وحصل له العلم في يوم السبت بعدالته في يوم الخميس ، فتستصحب العدالة حينئذ إلى يوم الجمعة. والأوّل هو مورد القاعدة المسّماة في

١٤٠