موسوعة الطب القديم

حسن نعمة

موسوعة الطب القديم

المؤلف:

حسن نعمة


الموضوع : الطّب
الناشر: رشاد برس
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٢٩

علينا أن نعلم أن الطب النبوي لم يبن على أسس الطب الحديث الذي نعرفه اليوم ، إنما هي إرشادات ونصائح وتعليمات وهدي لحفظ الصحة ، تتناسب مع مفهوم إنسان تلك القرون.

ورد في القرآن الكريم (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ).

في هذه الآية نجد أسس الطب وقواعد الصحّة.

تحدث النبي عن كيفية العناية بالمريض وحميته ، وعمّا يحفظ صحة البدن وسلامة العقل وصفاء النفس ، مع تبيان طرق العلاج بواسطة الغذاء والدواء المستحضر من النبات والأعشاب وغيرها ، إضافة إلى الاعتماد على الله والالتجاء إليه عن طريق الدعاء والاستغفار والرقى.

إنّ القلق والاضطراب وضغوطات الحياة اليومية ، وعدم الاستقرار النفسي كلها عوامل أساسية في متاعب الإنسان الجسدية ، إنّ اللجوء إلى الله دعاء واستغفارا بصدق وإيمان ، يشفي الإنسان من أمراض ظاهرة عدّة.

أيّها القارىء الكريم ، أيّها المؤمن ، إذا ألمّ بك ألم ما ، أو عكّر مزاجك حادث ما ، انظر إلى إرشادات النبي ، إلى طب الأعشاب والنبات ، انظر إلى تلك الفواكه والبقول والخضار التي رود ذكرها في القرآن الكريم أو التي جاءت على لسان النبي كوصفات لسائل أو مريض. وكان الرسول يتداوى ويأمر أهله بالتداوي بالبسيط من الأدوية الطبيعية ، وهي :

قال الرسول في الأترج (أو الكبّاد ، تفاح العجم) ، «مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة ، طعمها طيّب ، وريحها طيب».

وقد ثبتت فوائدها على الشكل التالي ، إذا وضعت قشرة الأترج في الثياب منعت السوس ، وفي الفم يطيب النكهة ، يحلّل الرياح إذا أضيف إلى الطعام ويعين على الهضم ، ولحم الأترج ملطف للمعدة نافع لأصحاب المرارة الصفراء ، وينفع ضد البواسير ، وعصيرها مسكن لخفقان القلب ، نافع من اليرقان ، مشه للطعام ، نافع من الإسهال ، يزيل الحبر عن الثياب ، يلطف الكبد ، يزيل الغم ويسكّن العطش ، وفوائد بزر الأترج تنفع من السموم ، وإذا دقّ ووضع على مكان للسعة نفع ، وكذلك فهو مطيب لرائحة الفم.

٦١

أما التين فقد ذكره الرسول وقال فيه : «إنه يقطع البواسير وينفع من النقرس ، ينفع السعال ، ينفع سدد الكبد ، وأكله على الريق يفيد».

قال الرسول : «إذا دخلتم بلادا فكلوا من بصلها يطرد عنكم وباءها» ، والمعروف أنّ البصل والثوم من أقدم النباتات التي عرفها الإنسان واستخدمها في طعامه ودوائه ، وقد أثبت العالم الفرنسي باستور أنّ للثوم فعالية ضد الجراثيم ، كما أثبتت التجارب العلمية والتحاليل المخبرية أن الثوم يساعد على منع تكون الجلطات في القلب وفي الدماغ والأطراف ، كما للثوم تأثير في تخفيض الكولسترول والدهون الضارّة التي تسبّب تصلب الشرايين ، كما للثوم فعلا مضادا للسرطان خاصة سرطان القولون والمثانة ، ويزيد من مناعة الجسم ومقاومته للأمراض.

روي أنّ الرسول كان يتناول الرطب بالقثّاء ، والحكمة من ذلك قد تكون على الشكل التالي ، أنّ الرطب مقوي للمعدة الباردة ولكنه معطش ويضرّ بالأسنان لوجود السكريات فيه ، أمّا القثاء فهو منعش للقوى ، مسكّن للعطش ، مطفىء لحرارة المعدة.

قال الرسول : «أطعموا المرأة في شهرها الذي تلد فيه التمر ، فإنّ ولدها يكون حليما نقيا».

عاد النبي سعد بن أبي وقّاص وكان مريضا ، نظر إليه ووضع يده على صدره ، وقال له : «إنّك رجل مفؤود ، فأت الحرث بن كلدة من ثقيف ، فإنه رجل يتطيّب ، فليأخذ سبع تمرات من عجوة المدينة ، فليجأهنّ بنواهنّ ، ثم ليدلكنّ بهن» ، هنا وصف الرسول التمر علاجا لمن يشتكي فؤاده ، حيث أنّ في التمر خاصيّة متميّزة لهذا الداء وبصورة خاصة تمر المدينة ولا سيما العجوة منه ، وذكرها سبعا ـ سبع حبات ـ وهذه خاصيّة أخرى يعلمها الرسول.

لماذا التمر؟ إنّه غذاء حافظ للصحة ، وهو من أفضل الأغذية في البلاد الحارة والباردة ، ويعتبر تمر المدينة المنوّرة متين ، لذيذ الطعم ، جيّد الحلاوة ، حيث للأرض خواص وطبائع كما للإنسان خواص وطبائع.

٦٢

أمّا العدد سبعة ، فقد خلق الله السموات سبعا والأرضين سبعا والأيام سبعا والإنسان يمر بسبعة أطوار ، وشرّع الله لعباده الطواف حول الكعبة سبعا ، والسعي بين الصفا والمروة سبعا ورمي الجمار سبعا وتكبيرات العيدين سبعا في الأولى ، وسخّر الله الريح على قوم عاد سبع ليال ، وتضاعف صدقة التصدّق ـ بحبة أنبتت سبع سنابل في كلّ سنبلة مائة حبة ـ والسنابل التي رآها صاحب النبي يوسف في منامه سبعا والسنين التي زرعوها دأبا سبعا وتضاعف الصدقة إلى سبعماية ضعف.

مما تقدّم ، إنّ لهذا العدد ـ سبعة ـ خاصّية ليست لغيره.

قال أبقراط : «كل شيء في هذا العالم مقدّر على سبعة أجزاء».

النجوم سبعة ، الأيام سبعة ، والله أعلم بحكمته وشرعه وقدره في تخصيص هذا العدد.

وعنه (ص) قيل :

«كلوا الخس فإنّه يورث النعاس ويهضم الطعام».

«كلوا الثوم وتداووا به فإن فيه شفاء من سبعين داء».

«الخبز ، سيد طعام أهل الدنيا والآخرة» تناوله مع التمر وفي ذلك قال : «هذا إدم هذه».

أحبّ النبي من اللحوم لحم الشاة ومنها لحم الرقبة والذراع والعضد ، فهو الأخف على المعدة والأسهل هضما.

قال : «اللحم بالبيض يزيد في الباه».

قيل عن الرسول أنه قال : «عليكم بالزبيب فإنّه يكشف المرّة ، ويذهب بالبلغم ، ويشدّ العصب ، ويذهب بالإعياء ويحسن الخلق ويطيب النفس ، ويذهب بالغم».

قال لعلي مرة : «يا علي! كل الزيت ، وادهن به ...».

وفيه قال : «ائتدموا بالزيت ... وادهنوا به».

٦٣

ذكر الرسول السفرجل قائلا : «... إنّها تشدّ القلب وتطيب النفس وتذهب بطخاء الصدر» أي بثقل الصدر. إنّ السفرجل يذهب ظلمة البصر وأكله على الريق مفيد.

«كلوا السفرجل وتهادوه بينكم ، فإنّه يجلو البصر وينبت المودّة في القلب وأطعموه حبالاكم فإنّه يحسن أولادكم».

عن الرسول أنّه قال للإمام علي : «ثلاث يزدن في الحفظ ويذهبن السقم : اللبان والسواك وقراءة القرآن».

في السواك قال : «مطهرة للفم ، مرضاة للرب ، وهو من السنّة ، يذهب بالحفر ، يبيض الأسنان ، يشدّ اللثّة ، يذهب بغشاوة البصر ، يشهي الطعام».

وعن السواك قيل أنّ النبي قال : «لو أن أشقّ على أمتي ، لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة».

«أكثرت عليكم في السواك».

«من أراد الحفظ فليأكل العسل».

«نعم الشراب العسل ، يرعى القلب ويذهب برد الصدر».

«العسل شفاء يطرد الريح والحمى».

«دواء البلغم الحمّام».

كان طعام النبي من لحم وتمر وخبز وفاكهة ، وكان يتناول حاجته من الطعام من غير إسراف ، وإذا عافت نفسه الطعام لم يأكله ولا يكره نفسه على تناوله ، وهذا مهم في حفظ الصحة.

قال أنس بن مالك : «ما عاب رسول الله طعاما قط ، إن اشتهاه ، أكله ، وإلّا تركه ولم يأكل منه».

قيل عن النبي أنّه قال : «إن الله سبحانه جعل في كل بلد من الفاكهة ما ينتفع به أهلها في وقته ، فيكون تناوله من أسباب صحتهم وعافيتهم ، ويغني عن كثير من الأدوية ، إذا لم يسرف في تناولها ، ولا أفسدها بشرب الماء عليها».

٦٤

ورد في صحيح البخاري عن النبي أنّه قال : «الشفاء في ثلاث ، شربة عسل ، وشرطة محجم ، وكيّة نار ، وأنا أنهي أمتي عن الكي».

وأورد الترمذي في جامعه أنّ النبي نهى عن الكي حيث قال : «فابتلينا فاكتوينا ، فما أفلحنا ولا أنجحنا».

ورد «أنّ النبي احتجم وأعطى الحجّام أجره» وبعد ذلك قال : «خير ما تداويتم به الحجامة».

وعن الحجامة قال الرسول : «تذهب الدم ، ويجفف الصلب ، ويجلو عن البصر».

«خير الدواء ، الحجامة والفصاد».

احتجم الرسول لصداع كان به (ورد في الصحيحين).

ينصح بالحجامة بعد الحمّام ، وتكره على الشبع.

وقيل : «الحجامة على الريق دواء ، وعلى الشبع داء ، وفي السابع عشر من الشهر شفاء».

«الحجامة على الكاهل ، تنفع من وجع المنكب والحلق ، والحجامة على الأخدعين تنفع من أمراض الرأس وأجزائه».

«منافع الحجامة أنها تنقي سطح البدن أكثر من الفصد ، والفصد لأعماق البدن أفضل ، والحجامة تستخرج الدم من نواحي الجلد».

الحجامة والفصد يختلفان باختلاف الزمان والمكان ، والإنسان والأمزجة ، «الحجامة أنفع في البلاد الحارة ، وتستحبّ في وسط الشهر وبعد وسطه لتزايد النور في جرم القمر».

«تستعمل الحجامة لآلام العضلات ، ولحالات هبوط القلب الشديد المصحوب بزرقة الشفتين ، وضيق التنفس ، والحجامة تحت الذقن تنفع من وجع الأسنان والوجه والحلقوم ، وتنقي الرأس والكفين».

٦٥

«الحجامة على ظهر القدم عند الكعب تنفع من قروح الفخذ والساقين وانقطاع الطمث والحكّة العارضة في الأنثيين».

ـ ما هي الحجامة؟ وما هو الفصد؟

الحجامة هي المعالجة والمداواة بالمحجم ، والمحجم هو كأس يفرغ من الهواء ويوضع على الجلد فيحدث تهيجا ، ويجذب الدم والمادة بقوة ، وهو ما يعرف في بعض البلدان باسم كاسات الهواء.

أمّا الفصد فهو شقّ العرق ، وسيلان الدم منه ، تفصّد الدم أي سال وجرى.

ورد أن رجلا أتى النبي فقال : «إن أخي يشتكي بطنه».

أجابه النبي : «اسقه عسلا».

فذهب ثم رجع ، فقال : قد سقيته فلم يغن عنه شيئا ، وكان النبي يقول له اسقه عسلا ، وفي المرة الثالثة قال النبي : صدق الله وكذب بطن أخيك.

إن طب النبي ليس كطب الأطباء ، فيه شفاء إلهي ، لأنّه صادر عن الوحي ، طب الأطباء يعتمد على الحدس والظنون والتجارب ، وطب النبوة لا يأتي فعله إلا في الأجسام الطيّبة وكذلك الشفاء بآيات القرآن لا تناسب إلا الأرواح الطيبة.

إنّ تناول الدواء ـ والعسل من الدواء ـ يجب أن يكون بمقدار ولا يتجاوزه ، وفي تكرار الدواء منفعة حتى يصل إلى المقدار المقاوم للألم ، ومقدار كمية الدواء يجب أن تتناسب مع مقدار قوة المرض والمريض.

إن العسل غذاء مع بقية الأطعمة المغذّية ، وهو دواء مع سائر الأدوية.

وشراب مع الأشربة ، وحلو مع الحلويات ، مفرح للنفس ، لا يوجد طعام أو غذاء أو دواء أفضل منه ، ومنذ القديم اعتمد الإنسان عليه.

كان النبي يتناوله على الريق ، وفيه قال :

«عليكم بالشفاءين : العسل والقرآن» (أورده ابن ماجه) وفي هذا جمع الرسول بين الطب البشري والإلهي ، بين طب الأبدان وطب الأرواح ، بين الدواء الأرضي والدواء السماوي.

٦٦

للعسل منافع كثيرة لا حدود لمنافعه ، فهو ينظّف العروق والأمعاء ممّا فيها من أوساخ وفضلات ، يحلّل رطوبة الجسم ، نافع لكبار السن ، منق للكبد والصدر ، مدرّ للبول ، يفيد من السعال ، يطوّل الشعر ويجعله أكثر نعومة ، يبيض الأسنان ويحفظ اللثّة ، يدر الطمث ، تناوله على الريق يغسل المعدة ويدفع الفضلات عنها ويدفئها ، وكذلك يفعل بالكبد والكلى والمثانة ، إنّما يضرّ العسل بصاحب الصفراء وربّما يهيّجها.

أما عن الرجل الذي جاء النبي يشكو إليه ألم بطن أخيه ، فقد كانت عن تخمة أصابته نتيجة امتلاء معدته ، وكان قد أصاب معدة أخيه أخلاط لزجة تمنع استقرار الغذاء فيه للزوجتها ، والعسل يجلو المعدة من تلك الأخلاط المفسدة للهضم خاصّة إذا مزج بالماء الحار.

روي أنّ رسول الله قال : «لو كان شيء يشفي من الموت لكان السّنا». (والسنا نبات يوجد في الحجاز يتداوى به ، يستعمل كمليّن في حالات الإمساك ، ينفع من الصداع ويعالج البثور والحكّة والصرع والوسواس) ، يشرب منقوعا بعد تصفيته من الورق.

ومن قوله كذلك : «عليكم بالسّنا والسّنوت ، فإن فيهما شفاء من كل داء إلّا السام» ، قيل : «يا رسول الله ، والسام؟ قال : الموت».

قيل : إن مزج السنوت المطحون بالعسل والسمن مفيد جدا.

روى البخاري ، أن رسول الله كان ينصح لمن يشكو إليه الصداع قائلا : إحتجم ، الصداع ألم يصيب الرأس كلّه ، أو في أحد جانبيه ويسمّى الشقيقة ، أو في مقدّمة الرأس أو في مؤخرته ، وقد تتنوّع أوجاع الرأس وتتعدّد الأسباب وهي عديدة ، منها الحمى ، ضعف البصر ، ارتفاع ضغط الدم ، التوتر العصبي ، التهاب الجيوب الأنفية ، وجود قروح في المعدة ، غازات في المعدة أو الأمعاء ، امتلاء المعدة بالطعام ، بعد الجماع ، شدّة الحر وسخونة الهواء ، شدّة البرد ، السهر وقلّة النوم ، حمل شيء ثقيل على الرأس ، كثرة الكلام ، كثرة الحركة والرياضة المفرطة ، أعراض نفسية مثل الهموم والأحزان والأفكار الرديئة والوسواس ، شدّة الجوع ، ورم في صفاق الدماغ.

٦٧

إنّ علاج الصداع يكون بمداواة الأسباب.

هدي النبي في معالجة عرق النسا ، هو : إلية شاة إعرابية تذاب ، ثم تجزّأ ثلاثة أجزاء ، وتشرب على الريق ، في كل يوم جزء.

لما ذا إلية شاة إعرابية؟

لأنها ترعى أعشاب الصحراء الحارة كالشيح والقيصوم.

عرق النسا ، سمّي كذلك لأنّ ألمه ينسي ما سواه ، وهو يبتدئ من مفصل الورك وينزل من خلف على الفخذ وربما امتدّ على الكعب ، وكلّما طالت مدّته زاد نزوله ويهزل معه الرجل والفخذ ، وهذا الوجع يصيب الرجال والنساء على حد سواء ، آلامه حادة تبدأ عادة في أسفل العمود الفقري ممتدا إلى إحدى الإليتين ثم الجزء الخلفي من الفخذ ، وخير علاج له الراحة التامّة على الظهر لمدة أقلّها أسبوعان.

الجروح ، ورد في الصحيحين : «يوم أحد ، جرح الرسول في وجهه ... وكانت فاطمة ابنة الرسول تغسل الدم ، .... فلما رأت فاطمة أنّ الدم لا يزيد إلّا كثرة ، أخذت قطعة حصير فأحرقتها ، حتى إذا صارت رمادا ، ألصقته بالجرح ، فاستمسك الدم».

يتبيّن من هذا أنّ لرماد الحصير المصنوع من البردى ، فعل قوي في حبس الدم ، وقال ابن سينا في قانونه : «البردى ينفع من النزف ويمنعه ويذر على الجراحات الطرية فيدملها».

الأورام ، وصف العرب القدماء الورم بأنّه خليط مواد غير طبيعية ، وإذا التهب الورم صار خراجا مع تكوّن مادة قيحية ، ويخاف على تلوث المادة في الورم وفساد العضو إذا طالت مدّة شفاء الورم ، ويفضّل إخراج المادة القيحية الرديئة والمفسدة للعضو وذلك عن طريق البطّ ، أي شق الورم.

يروى عن الإمام علي أنّه قال : «دخلت مع رسول الله على رجل يعوده ، بظهره ورم» فقالوا : يا رسول الله ، بهذه مدّه ، قال : «بطّوا عنه» ، قال علي : «فما برحت حتى بطّت ، والنبي شاهد».

٦٨

ويذكر أنّ للبطّ أي شق الورم ، فوائد منها إخراج المادة المفسدة ، ومنع تجمع مواد أخرى تؤذيها وتقوّيها.

قيل إنّ قوما مرّوا بشجرة فأكلوا منها ، فكأنّما مرّت بهم ريح فأجمدتهم ، فقال النبي : «قرّسوا الماء في الشنان ، وصبّوا عليهم فيما بين الآذانين». (قرّسوا الماء أي برّدوه) (الشنان هي القرب).

إن هذا العلاج جيد في بلاد حارة كبلاد الحجاز ، وصبّ الماء في الوقت المذكور على لسان النبي هو أبرد أوقات اليوم ، ممّا يقوي القوّة الدافعة في البدن.

قيل عن النبي أنّه قال : «لا تديموا النظر إلى أهل البلاء والمجذومين ، فإن ذلك يحزنهم ، ولا تدخلوا عليهم ، وإذا مررتم بهم فأسرعوا المشي لا يصيبكم ما أصابهم».

إنّ الجذام ـ البرص ـ من العلل المعدية ، والمجذوم والمسلول يسقم برائحته ، ومن شفقة النبي محمد على الأمّة ونصحه لهم ، نهاهم عن الأسباب التي تعرّضهم للإصابة بالعدوى ، واليوم ينصح الأطباء بعدم مجالسة المجذوم أو المسلول.

هدي الرسول في علاج الرمد

الرمد ، ورم يصيب الطبقة الملتحمة من العين وهو بياضها الظاهر.

ورد في الأخبار أنّ النبي حمى عليا من تناول الرطب لمّا أصابه الرمد ، وحمى صهيبا من التمر وهو مصاب بالرمد ، وذكر كذلك : «أنه إذا رمدت عين امرأة من نساء النبي ، لم يأتها حتى تبرأ عينها».

تحدّث القدماء ، أنه كما يرتفع من الأرض إلى الجو بخاران ، أحدهما جاف والآخر رطب ، ينعقدان سحابا متراكما ، كذلك يرتفع من قعر المعدة إلى منتهاها مثل ذلك ، فيمنعان النظر ويتولد عنهما علل شتى ، فإن قويت مناعة الجسد ـ قوته ـ على ذلك :

٦٩

ـ دفعته إلى الخياشيم : أحدث الزكام.

ـ وإن دفعته إلى اللهاة والمنخرين : أحدث الخناق.

ـ وإن دفعته إلى الجنب : أحدث الشوصة (ورم في حجاب الأضلاع).

ـ وإن دفعته إلى الصدر : أحدث النزلة.

ـ وإن دفعته إلى القلب : أحدث الخبطة.

ـ وإن دفعته إلى العين : أحدث رمدا.

ـ وإن انحدر إلى الجوف : أحدث السيلان.

ـ وإن دفعته إلى منازل الدماغ : أحدث النسيان.

ـ وإن ترطبت أوعية الدماغ منه ، وامتلأت به عروقه : أحدث النوم الشديد ولذلك كان النوم رطبا والسهر يابسا جافا.

ـ وإن طلب البخار النفوذ من الرأس فلم يقدر عليه : أعقبه الصداع والسهر.

ـ وإن مال البخار إلى أحد شقي الرأس : أعقبه الشقيقة ـ الصداع النصفي.

ـ وإن برد منه حجاب الدماغ أو سخن أو ترطّب : أحدث العطاس.

ـ وإن أهاج الرطوبة البلغمية فيه حتى غلب الحار الغريزي : أحدث الإغماء.

ـ وإن أهاج المرّة السوداء حتى أظلم هواء الدماغ : أحدث الوسواس.

ـ وإن أفاض ذلك إلى مجاري العصب : أحدث الصرع الطبيعي.

ـ وإن ترطبت مجامع عصب الرأس وفاض ذلك في مجاريه : أعقبه الفالج.

ـ وإن كان البخار من مرّة صفراء ملتهبة محمية للدماغ : أحدث البرسام (أي التهاب في الحجاب الذي بين القلب والكبد).

ـ وإن شركه الصدر في ذلك : كان سرساما (السرسام ورم في حجاب الدماغ يحدث عنه حمى واختلاط في الذهن).

٧٠

الجماع وهدي النبي في ذلك :

كان هدي الرسول وإرشاده في هذا الموضوع يدور حول حفظ الصحة ومسرّة النفس والوصول إلى الهدف الذي وضع لأجلها.

وضع الجماع في الأصل لتحقيق ثلاثة أهداف :

ـ دوام النوع الإنساني وحفظ النسل.

ـ إخراج الماء من الجسم ، لأنّ في بقائه ضرر للجسم ، كما أن بقاء المني في البدن يحدث أضرارا رديئة.

ـ نيل اللذّة.

قيل بأن من يترك الجماع لفترة طويلة تضعف قوة أعصابه وتعسر حركاته ويصاب بكآبة.

حثّ الرسول أمّته على التزويج وقال : «يا معشر الشباب ، من استطاع منكم الباءة : فليتزوج ، فإنه أغض للبصر ، وأحفظ للفرج ، ومن لم يستطع فعليه بالصوم ، فإنه له وجاء».

وقال : «من أراد أن يلقى الله طاهرا مطهرا ، فليتزوج الحرائر».

كيف يختار الزوج الزوجة؟

قال الرسول : «لدينا متاع ، وخير متاع الدنيا ، المرأة الصالحة».

سئل الرسول : أيّ النساء خير؟

قال : «التي تسرّه إذا نظر ، وتطيعه إذا أمر ، ولا تخالفه فيما يكره في نفسها وماله».

وفي الصحيحين جاء عن النبي قوله :

«تنكح المرأة : لمالها ، ولحسبها ، ولجمالها ، ولدينها ، فاظفر بذات الدين ، تربت يداك». وقال كذلك : «تزوّجوا الودود الولود ، فإني مكاثر بكم الأمم».

٧١

أوصى الرسول أن يعمد الإنسان إلى الغسل والوضوء بعد الجماع ، لأنّه في ذلك نشاط وطيب للنسل ، وكمال الطهر والنظافة.

ونصح بعدم الجماع قبل هضم الطعام ، وهو يضرّ عند امتلاء البطن ، ولكن ينبغي أن يجامع إذا اشتدت الشهوة ، ولا ينبغي أن يستدعي الإنسان شهوة الجماع ويتكلّفها ويجبر نفسه عليها ، وليبادر إذا اشتدت رغبته فيه ، وليحذر جماع العجوز والصغيرة ، والتي لا شهوة لها ، والمريضة والقبيحة والبغيضة ، فجماع هؤلاء يوهن القوى وجماع الحائض حرام وأنه مضر جدا ، والطب يحذر منه.

ممّا تقدم ، نستنتج أن أخلاط البدن والرأس تكون متحركة وهائجة في حال الرمد والجماع ، مما يزيد حركتها وثورانها ، إن ذلك حركة للبدن وللروح ولقوة البدن ، فالجماع حركة كلية عامّة ، يتحرك فيها البدن وقواه وأخلاطه وطبيعته والروح والنفس ، فكل حركة مثيرة للأخلاط ، توجب دفعها وسيلانها إلى الأعضاء الضعيفة ، وتعتبر العين في حال رمدها أضعف ما يكون ، تضرها حركة الجماع.

علاج رمد العيون يكون بملازمة الراحة والسكون ، عدم مسّ العين وعدم حكّها ، ورد في سنن ابن ماجه ، عن صهيب أنه قال :

«قدمت على النبي وبين يديه خبز وتمر».

فقال : «أدن فكل».

فأخذت تمرا فأكلت ، فقال :

«أتأكل تمرا وبك رمد»؟!

فقلت : «يا رسول الله ، امضع من الناحية الأخرى ، فتبسّم رسول الله».

(في الرطب ـ التمر ـ ثقل على المعدة).

قال النبي :

«ما ملأ ابن آدم وعاء أشرّ من بطنه».

«المؤمن يأكل بمعي واحد والمنافق بسبعة أمعاء».

٧٢

«ويل للناس من القبقبين».

فقيل : وما هما يا رسول الله؟ قال : «الحلق والفرج».

قال الله تعالى : (وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍ) [سورة الأنبياء ، الآية ٣٠].

إنّ الماء مادة الحياة ، وإذا حصل للإنسان عطش ، تراجعت قواه وخفّت حركته ونشاطه وقدرته ورغبته للطعام ، ولا يتم الغذاء إلّا بوجود الماء. يفضّل الماء البارد ، خاصّة إذا خالطه عسل أو زبيب أو تمر ، وهذا كان أحبّ الشراب للرسول ، أما الماء الفاتر فينفخ المعدة ، والماء البائت أنفع ، والماء الذي في آنية فخارية يرشح ألذّ من الذي لا يرشح.

نهى الرسول أن يشرب الماء اغترافا باليد ، أو كرعه ونحن على بطوننا كالذي يشرب من النهر ، وفي ذلك قال : «لا بلغ أحدكم كما يلغ الكلب».

وكان من هديه أن يشرب الماء والإنسان جالس ، ونهى عن الشرب وقوفا حيث لا يحصل الري التام ، ولا يستقر في المعدة.

كما أوصى الرسول أن يتنفس الشارب أثناء تناوله الماء ، وفي ذلك قال :

«إنّه أروى وأمرأ وأبرأ» (إنّ تردّد أنفاس الشارب في القدح يكسبه رائحة كريهة).

أي أن يتنفّس خارج القدح ثم يعود إلى الشراب ، وفي ذلك قال :

«إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في القدح ، ولكن : ليبن الإناء عن فيه».

وفي هذا القول حكم وفوائد مهمة للإنسان ، فإنّه أسلم للمعدة ، وأفضل من تناوله دفعة واحدة مما يؤذي المعدة والكبد ، خاصّة في شدّة الحرّ ، ومن أضرار شرب الماء دفعة واحدة ، الخوف من إنسداد مجرى الشراب ، فيغص به ، فإذا تنفس رويدا ثم شرب ، أمن من ذلك ، ومن المعروف أن ورود الماء دفعة واحدة إلى المعدة يؤثّر على الكبد ويؤلمها ويضعف حرارتها.

ومن قوله :

٧٣

«لا تشربوا نفسا واحدا ، كشرب البعير ، ولكن : اشربوا مثنى وثلاث ، وسمّوا إذا أنتم شربتم ، واحمدوا إذا أنتم فرغتم».

كذلك أرشد الرسول المؤمنين ، بالتسمية في أول الطعام والشراب ، وحمد الله في آخره.

روي أنّ الرسول كان يهدي وينصح حول كيفية الجلوس على الطعام ، وقال في ذلك :

«لا آكل متكئا».

وقال : «إنّما أجلس كما يجلس العبد ، وآكل كما يأكل العبد».

وكان يأكل بأصابعه الثلاث (الإبهام والسبابة والوسطى) ، وكان يتدبّر غذاءه بشكل لا يؤذي المعدة ولا تخرج الجسم عن صحته واعتداله ، وفي ذلك قيل ، أنّه لم يكن يجمع قطّ بين : سمك ولبن ، لبن وحامض ، غذاءين حارين ، غذاءين باردين أو لزجين ، أو مسهلين ، ولا بين غذاءين مختلفين مثل قابض ومسهل ، سريع الهضم وبطيئه ، ولا بين شوي وطبيخ ، ولا بين طري وقديد ، ولا بين لبن وبيض ، ولا بين لحم ولبن ، لم يكن الرسول يأكل طعاما في وقت شدة حرارته ، ولا طبيخا بائتا يسخّن له في الغد ، ولا شيئا من الأطعمة المالحة كالكوامخ والمخلّلات والملوحات.

أمر الرسول بتناول العشاء ولو بكفّ من تمر ، وفي ذلك قال :

«ترك العشاء مهرمة» (أي ضعف وكبر).

نهى عن النوم بعد الأكل مباشرة ، وقال في ذلك : «إنه يقسّي القلب».

ولهذا يوصي الأطباء ، قديما وحديثا ، ولمن أراد حفظ صحته ، أن يمشي بعد العشاء ولو مائة خطوة ، ولا ينام عقب العشاء ، فإنّه مضرّ جدا.

كذلك أوصى الرسول ، بعدم شرب الماء على الطعام لأن في ذلك ضرر للمعدة وإفساد للطعام ، خاصّة إذا كان الماء حارا أو باردا ، فإنه رديء جدا ، كما كان يكره شرب الماء عقيب الرياضة أو التعب ، وعقيب الجماع وعقيب الطعام وقبله ، وعقيب أكل الفاكهة ، وعقيب الحمام ، وعند القيام من النوم ، كل هذا مناف لحفظ الصحة.

٧٤

كيف تدبّر الرسول أمر النوم؟

روي أنّ النبي كان ينام أوّل الليل ، ويستيقظ في منتصف الليل ، حيث يقوم ، يتوضأ ويصلّي ، وبذلك يكون جسده الطاهر قد نال نصيبه من النوم والراحة ، وهذا يفيد جدا القلب ، والجسد ، والدنيا والآخرة.

كان ينام إذا طلبت نفسه النوم ، وكان ينام على جنبه الأيمن ، ذاكرا الله حتى تغفو عيناه ، واضعا يده تحت خده.

أفضل حالات النوم هو إمساك النائم عن إحضار أفكار وقوى حسّية ، وترك البدن يسترخي ويرتاح.

النوم ، سكون الجوارح وراحتها من تعب النهار وأعماله ، وإزالة الإعياء عن الجسد ، وكثرة النوم على الجانب الأيسر تضر بالقلب ، بسبب ميل الأعضاء الداخلية إليه ، أردأ أنواع النوم على الظهر ، (إنّما الاستلقاء على الظهر قليلا للراحة لا تضر). وأسوأ أنواع النوم هي الانبطاح على البطن والوجه ، روي أنّ الرسول مرّ على رجل نائم في المسجد ، منبطح على وجهه ، فقال له :

«قم ـ أقعد ـ فإنّها نومة جهنمية».

إنّ النوم المعتدل مريح للنفس ، ونوم النهار سيء يورث الأمراض ، ويفسد لون الوجه ويرخي العصب ، ويكسل الجسد ، ويضعف الشهوة (باستثناء النوم خلال الصيف) ، وأسوأ أنواع نوم النهار ، هو نوم أوّل النهار ، والأسوأ منه هو نوم آخر النهار أي بعد العصر.

قيل : نوم النهار ثلاثة : (خلق ، خرق ، حمق) ، فالخلق نوم الهاجرة ، والخرق نومة الضحى ، والحمق نومة العصر.

قيل : نومة الصبح تمنع الرزق ، لأن ذلك وقت تطلب فيه الخليقة أرزاقها ، وهو نوم مضر جدا بالبدن.

النوم في الشمس تثير الداء الدفين ، ونوم الإنسان بعضه في الشمس والبعض الآخر في الظل رديء ، وقيل أنّ رسول الله نهى أن يقعد الرجل بين الظل والشمس.

٧٥

إن لجوء الإنسان إلى الرياضة تفيد كافّة أعضاء الجسم ، خاصة أنها تبعد الفضلات من المعدة والأمعاء ، وتحمل البدن على الخفّة والنشاط ، وتقوي المفاصل وتنشط عمل القلب ، والرياضة المعتدلة هي المفيدة والمبعدة للأمراض. أمّا رياضة النفس ، نحققها بالتعليم والتأدّب والصبر والثبات والإقدام ، وفعل الخير والتسامح والحب والإحسان ، ومن رياضة البدن والنفس معا هو ـ الصوم ـ.

في استعمال الحرير وارتدائه ، أرشد الرسول كما جاء في الصحيحين ورواه الصحابة ، وحيث أن الحرير متّخذ من الحيوان ، لذلك فهو يعدّ من الأدوية الحيوانية ، وهو كثير المنافع ، فهو يفرح القلب ، يقوّي البصر ، يعدّل حرارة الجسم ، وروي : «رخّص رسول الله لعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوّام في لبس الحرير لحكّة كانت بهما» وذلك لمداواة الحكّة.

قيل بأن لبس الحرير خلق للنساء كالحلية والذهب ، وحرّم على الرجال لما فيه مفسدة تشبّه الرجال بالنساء ، وقيل بأنّه حرّم لما يورثه : من الفخر والخيلاء والعجب ، ومنهم من قال : حرّم لما يورثه للبدن من الأنوثة والتخنث وضد الشهامة والرجولة.

روي عن أبي موسى الأشعري ، (صحابي وأحد الحكمين اللذين رضي بهما الإمام علي ومعاوية بن أبي سفيان بعد حرب صفين) أنّه قال عن النبي :

«إنّ الله أحلّ لإناث أمتي الحرير والذهب ، وحرّمه على ذكورها».

وفي قول آخر ورد في صحيح البخاري ما يلي :

«نهى رسول الله عن لبس الحرير والديباج وأن يجلس عليه ، وقال : هو لهم في الدنيا ولكم في الآخرة».

٧٦

في ذكر شيء من الأدوية والأغذية المفردة

التي جاءت على لسان النبي (ص)

حرف الهمزة

أترج :

ثبت في الصحيح ، عن النبي (ص) ، أنه قال : «من مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن ، كمثل الأترجّة : طعمها طيّب ، وريحها طيب».

وفي الأترج منافع كثيرة وهو مركب من أربعة أشياء : قشر ، ولحم ، وحمض ، وبزر ، ولكل واحد منها مزاج يخصه : فقشره حار يابس ، ولحمه حار رطب ، وحمضه بارد يابس ، وبزره يابس.

ومن منافع قشره : أنه إذا جعل في الثياب منع السوس ، ورائحته تصلح فساد الهواء والوباء. ويطيّب النّكهة إذا أمسكها في الفم ، ويحلّل الرياح ، وإذا جعل في الطعام كالأبازير : أعان على الهضم ، فإن صاحب القانون : «وعصارة قشرة تنفع من نهش الأفاعي شربا ، وقشره ضمادا ، وحراقة قشره طلاء جيد للبرص» انتهى.

وأمّا لحمه : فملطف لحرارة المعدة ، نافع لأصحاب المرّة الصفراء ، قامع للبخارات الحارة ، وقال الغافقيّ : «أكل لحمه ينفع البواسير» انتهى.

وأمّا حمّاضه : فقابض كاسر للصفراء ، ومسكن للخفقان الحار ، نافع من اليرقان شربا واكتحالا ، قاطع للقيء الصفراوي ، مشهّ للطعام ، عاقل للطبيعة ، نافع

٧٧

في الإسهال الصفراويّ ، وعصارة حمّاضه يسكن غلمة النساء ، وينفع طلاء من الكلف ، ويذهب بالقوبا. ويستدل على ذلك من فعله الحبر : إذا وقع على الثياب قلعه وله قوة تلطف وتقطع وتبرد ، وتطفىء حرارة الكبد ، وتقوي المعدة ، وتمنع حدة المرّة الصفراء ، وتزيل الغم العارض منها ، وتسكن العطش.

وأمّا بزره : فله قوة محلّلة مجففة. وقال ابن ماسويه : «خاصية حبّه : النفع من السموم القاتلة ، إذا شرب منه وزن مثقالين مقشّرا بماء فاتر ، وطلاء مطبوخ ، وإن دق ووضع على موضع اللسعة : نفع ، وهو ملين للطبيعة ، مطيب للنكهة ، وأكثر هذا الفعل موجود في قشره».

وقال غيره : «خاصية حبه : النفع من لسع العقارب ، إذا شرب منه وزن مثقالين مقشرا بماء فاتر. وكذلك : إذا دق وضعه على موضع اللّدغة».

وقال غيره : حبّه يصلح للسموم كلها ، وهو نافع من لدغ الهوام كلها.

وذكر : «أن بعض الأكاسرة غضب على قوم من الأطباء ، فأمر بحبسهم ، وخيرهم أدما لا يزيد لهم عليه ، فاختاروا الأترج. فقيل لهم : لم اخترتموه على غيره؟ فقالوا : لأنه في العاجل ريحان ، ومنظره مفرّح ، وقشره طيب الرائحة ، ولحمه فاكهة ، وحمضه أدم ، وحبّه ترياق ، وفيه دهن».

إثمد :

(إثمد) : هو : حجر الكحل الأسود ، يؤتى به من أصفهان وهو أفضله ويؤتى به من جهة الغرب أيضا ، وأجوده : السريع التفتيت الذي لفتاته بصيص أملس ليس فيه شيء من الأوساخ.

ومزاجه بارد يابس : ينفع العين ويقوّيها ، ويشد أعصابها ، ويحفظ صحتها ، ويذهب اللحم الزايد في القروح ويدملها ، وينقّي أوساخها ويجلوها ، ويذهب الصداع : إذا اكتحل به مع العسل المائي الرقيق ، وإذا دق وخلط ببعض الشحوم الطرية ، ولطخ على حرق النار : لم تعرض فيه خشكريشة ، ونفع من التنقّط الحادث بسببه ، وهو أجود أكحال العين لا سيّما للمشايخ والذين قد ضعفت أبصارهم : إذا جعل معه شيء من المسك.

٧٨

إذخر :

ثبت في الصحيح ، عنه (ص) ، أنه قال في مكة : «لا يختلى خلاها». قال له العباس رضي الله عنه : إلا الإذخر يا رسول الله ؛ فإنه لقينهم ولبيوتهم. فقال : «إلا الإذخر».

والإذخر حارّ في الثانية ، يابس في الأولى : لطيف مفتّح للسدد وأفواه العروق ، يدرّ البول والطّمث ، ويفتت الحصا ، ويحلل الأورام الصّلبة في المعدة والكبد والكليتين : شربا وضمادا. وأصله : يقوّي عمود الأسنان والمعدة ، ويسكن الغيثان ويعقل البطن.

أرزّ :

فيه حديثان باطلان موضوعان على رسول الله (ص) ، أحدهما : «أنه لو كان رجلا لكان حليما». الثاني : «كل شيء أخرجته الأرض ففيه داء وشفاء ، إلّا الأرزّ : فإنه شفاء لا داء فيه». ذكرناهما : تنبيها وتحذيرا من نسبتهما إليه (ص).

وبعد : فهو حار يابس ، وهو أغذى الحبوب بعد الحنطة ، وأحدهما خلطا : يشدّ البطن شدّا يسيرا ، ويقوي المعدة ويدبغها ، ويمكث فيها. وأطباء الهند تزعم : أنه أحمد الأغذية وأنفعها إذا طبخ بألبان البقر. وله تأثير : في خصب البدن ، وزيادة المنيّ وكثرة التغذية ، وتصفية اللون.

أرز :

بفتح الهمزة وسكون الراء ، وهو : الصّنوبر ، ذكره النبي (ص) في قوله : «مثل المؤمن مثل الخامة من الزرع تفيّؤها الرياح : تقيمها مرة ، وتملها أخرى ، ومثل المنافق مثل الأرزة : لا تزال قائمة على أصلها ، حتى يكون انجعافها مرة واحدة.

وحبّه حار رطب ، وفيه إنضاج وتليين وتحليل ، ولذع يذهب بنقعه في الماء ، وهو عسر الهضم ، وفيه تغذية كثيرة ، وهو جيد للسّعال ولتنقية رطوبات الرّئة ، ويزيد في المنيّ ، ويولّد مغصا ، وترياقه : حبّ الرمان المزّ.

٧٩

حرف الباء

باذنجان :

في الحديث الموضوع المختلق على رسول الله (ص) : «الباذنجان لما أكل له». وهذا الكلام مما يستقبح نسبته إلى آحاد العقلاء ، فضلا عن الأنبياء.

وبعد ، فهو نوعان : أبيض وأسود. وفيه خلاف : هل هو بارد؟ أو حار؟ والصحيح : أنه حار. وهو مولّد للسّوداء والبواسير والسّدد والسرطان والجذام. ويفسد اللون ويسوده ، ويضر بنتن الفم ، والأبيض منه المستطيل عار من ذلك.

بسر :

ثبت في الصحيح : «أن أبا الهيثم بن التّيهان لما ضافه النبي (ص) وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما ، جاءهم بعذق ـ وهو من النخلة كالعنقود من العنب ـ فقال له : هلّا انتقيت لنا من رطبه! فقال : أحببت أن تتنقّوا من بسره ورطبه».

البسر حار يابس ، ويبسه أكثر من حرّه ، ينشف الرطوبه ، ويدبغ المعدة ، ويحبس البطن ، وينفع اللّثة والفم ، وأنفعه : ما كان هشا وحلوا ، وكثرة أكله وأكل البلح يحدث السّدد في الأحشاء.

بصل :

روى أبو داود في سننه ، عن عائشة رضي الله عنها : أنها سئلت عن البصل ، فقالت : إن آخر طعام أكله (ص) ، كان فيه بصل.

وثبت عنه في الصحيحين : «أنه منع آكله من دخول المجسد».

والبصل حار في الثالثة ، وفيه رطوبة فضليّة ، وينفع من تغير المياه ، ويدفع ريح السّموم ، ويفتّق الشهوة ، ويقوّي المعدة ، ويهيج الباه ، ويزيد في المنيّ ، ويحسّن اللون ، ويقطع البلغم ، ويجلو المعدة.

وبزره يذهب البهق ، ويدلّك به حول داء الثعلب فينفع جدّا. وهو بالملح يقلع الثآليل ، وإذا شمه من شرب دواء مسهلا : منعه من القيء والغثيان ، وأذهب رائحة ذلك الدواء ، وإذا تسعط بمائه : نقّى الرأس ، ويقطّر في الأذن : لثقل السمع

٨٠