موسوعة الطب القديم

حسن نعمة

موسوعة الطب القديم

المؤلف:

حسن نعمة


الموضوع : الطّب
الناشر: رشاد برس
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٢٩

في الأعشاب الطبيعية وتركيب العقاقير للأمراض ، وجاء في (القانون) ذكر ل ٧٦٠ دواء مع طرق تركيبها وموادها وأسماء الأمراض التي تختص بعلاجها.

كذلك لابن سينا بحث في المخدرات والمسكنات وطرق تحضيرها ، وله مقالة في العقاقير الخاصة بأمراض القلب ، وفي تأثير العواطف في جهاز القلب والعروق الدموية. كما له بحث حول مرض الطاعون وكيف ينتشر وطرق مكافحته ، يعتبر ابن سينا أبرز الأطباء القدماء وآخر أعلامه الكبار.

* علي بن عيسى الكحّال ، توفي عام ١٠٣٩ ، من مؤلفاته الطبية (تذكرة الكحّالين).

ـ أطباء القرن الحادي عشر الميلادي :

* أبو الفرج عبد الله بن الطيب ، توفي عام ١٠٤٣ م ، طبيب ، فيلسوف وكاهن عراقي ، وفد إليه التلاميذ من بلاد فارس طالبين العلم ، وهو من كبار مفكري النصارى في عهده. له كتاب (النكت والثمار الطبية والفلسفية) إضافة إلى العديد من المؤلفات الطبية.

* المختار بن الحسن ابن بطلان ، توفي عام ١٠٦٣ م ، من بغداد ، طبيب وفيلسوف ، زار مصر وسوريا وتركيا ، وصنّف ما يزيد على خمسين مجلدا في الطب والفلسفة منها : (دعوة الأطباء) و (موائد الصحة) وأخيرا ترهّب في دير في أنطاكية وتفرّغ للتأليف.

* أبو مروان بن زهر ، توفي حوالي العام ١٠٨٧ م ، وهو من أسرة اشتهرت بالعلماء في الأندلس ، تولّى أبناؤها أعلى مراتب الطب والفقه والشعر والأدب خلال القرنين ـ الحادي عشر والثاني عشر ـ سافر أبو مروان إلى بلاد المشرق وتولى رئاسة الطب في بغداد ثم في القاهرة والقيروان ، ذاع صيته في جميع أنحاء إسبانيا.

* عبد المسيح الإسرائيلي ، طبيب أصله من بلدة الرقّة ، تنصّر في مصر على يد أبي الفتح منصور بن سهلان ، كان طبيب الحاكم بأمر الله الفاطمي ، له كتاب دعا فيه اليهود إلى المسيحية.

٤١

* أبو نصر يحيى بن جرير التكريتي ، عاش حتى نهاية القرن ١١ م. طبيب على المذهب اليعقوبي له كتاب (المصباح المرشد إلى الفلاح والنجاح).

* ابن جزلة ، توفي عام ١١٠٠ م ، له كتاب (تقويم الأبدان في تدبير الإنسان).

* أبو العلاء ابن أبو مروان بن زهر ، توفي عام ١١٣١ م ، وهو من أسرة بني زهر التي اشتهرت بالأطباء والعلماء في الأندلس ، تعلّم على أبيه الطبيب أبو مروان بن زهر الطب واللغة ، عمل في اشبيلية في عهد المرابطين له كتب عديدة منها (الأدوية المفردة).

* هبة الله البديع الاسطرلابي ، توفي عام ١١٣٩ م ، طبيب وفلكي وفيلسوف وشاعر ورياضي ، عمل في بغداد أواخر العهد العباسي وفيها توفي.

ـ أطباء خلال القرن الثاني عشر :

* ابن زهر ، ١٠٩٠ ـ ١١٦٠ م.

* أبو مروان ابن أبو العلاء ، ١٠٩٢ ـ ١١٦١ م ، وهو أشهر أبناء أسرة بني زهر ، له مؤلفات عديدة أهمها (التيسير في المداواة والتدبير).

* السموأل بن يحيى المغربي ، توفي عام ١١٧٤ م ، طبيب ورياضي يهودي جاء من المغرب وأقام في بغداد ثم رحل إلى أذربيجان ، أسلم أخيرا وعمل طبيبا في مدينة مراغة.

* أبو بكر ابن أبو مروان ، ١١١٣ ـ ١١٩٩ م ، وهو ابن أبو مروان ابن أبو العلاء ، ولد في إشبيلية واشتهر بالطب واللغة والشعر ، حذق خاصة بطب العيون.

* أبو الوليد محمد بن أحمد ابن رشد ١١٢٦ ـ ١١٩٨ م ، فيلسوف عربي ولد في قرطبة وتوفي في مراكش ، درس الكلام والفقه والشعر والطب والرياضيات والفلك والفلسفة ، عيّن طبيبا عام ١١٨٢ لدى خليفة الموحدين أبي يعقوب يوسف.

٤٢

* مهذب الدين عبد الرحمن بن علي الطبيب ، ١١٧٠ ـ ١٢٣٠ م ، شيخ أطباء دمشق في عصره ، خدم الملك العادل وعالج الملك الكامل ، له (مقالة في الاستفراغ) وكتاب (الجنينة في الطب).

* الرشيد أبو الخير بن الطيب ، كاهن وطبيب قبطي له كتاب (ترياق العقول في علم الأصول).

ـ أطباء القرن الثالث عشر :

بعد سقوط بغداد في أيدي المغول عام ١٢٥٨ م ، ثم خضوع البلاد العربية للدولة العثمانية ، فيما بعد خفت ضوء الأطباء العرب واختنقت موهبة الشرق.

* ضياء الدين عبد الله بن أحمد المالقي المعروف بابن البيطار ، ١١٩٧ ـ ١٢٤٨ م.

ولد في مدينة مالقة بالأندلس عام ١١٩٧ م. في زمن كثرت فيه المحن والاضطرابات نشأ أول حياته عشّابا يدرس في وعي وفهم أوصاف النباتات المختلفة وخواصها ومزاياها العلاجية وكيفية استخراج الدواء منها والجرعات المناسبة ، فجمع بين الطب والصيدلة والنبات.

يعتبر ابن البيطار أوّل وألمع عالم نباتي عرفه التراث العلمي العربي ، قضى حياته منكبّا على التحصيل في هذا الميدان يعمل ويضع ويجمع حتى لقّب بأبي الأعشاب والعشابين هاجر من الأندلس إلى المغرب ثم إلى مصر وعمل لدى السلطان كامل الأيوبي وجعله رئيسا على سائر العشّابين في مصر ، وبعد موت الكامل دخل في خدمة ابنه الصالح. ثم سافر إلى بلاد اليونان وإلى إيطاليا وآسيا الصغرى بهدف دراسة ومشاهدة الأعشاب الطبية التي تنبت فيها وتشتهر بها وملاحظة أوصافها ومناسبتها ومزاياها والتعرّف إلى علماء تلك البلاد ونقل ما يمكن نقله عنهم ، أخيرا استقرّ ابن البيطار في مصر والشام.

عرف عن ابن البيطار أنّه كان شديد الدقّة فيما قرأه واطّلع عليه ، معتمدا في كتاباته على المشاهدة والملاحظة والتجربة والاستنباط ، وكان أسلوبه علميا فيما

٤٣

كتب وفيما نقل ، وهذا ما ورد في كتبه الخمسة التي وضعها في علم النبات والأدوية. أهم ما كتبه ابن البيطار هي :

(شرح كتاب أدوية ديقوريدس).

(الجامع لمفردات الأدوية والأغذية) وهو أشهر كتب ابن البيطار ، بل أنفع مؤلف في علم النبات كتب في العصور الوسطى ، ألّفه في القاهرة للسلطان الصالح الأيوبي.

(المغني في الأدوية المفردة).

ترجمة كتب ابن البيطار ومؤلفاته إلى أكثر اللغات الأوروبية خلال عصر النهضة.

* ابن النفيس الدمشقي ، ولد في دمشق عام ١٢١٠ وتوفي في القاهرة عام ١٢٩٦ م. طبيب وفيلسوف ، تبوّأ مركز رئيس أطباء مصر ، ترك من المؤلفات الطبية كتاب (الشامل في الطب) وله كتاب (شرح تشريح قانون ابن سينا) وصف فيه دورة الدم الصغرى وكان له السبق في ذلك.

* قطب الدين الشيرازي ، ١٢٣٦ ـ ١٣١١ م. طبيب وفيلسوف وعالم فلك ، له من المؤلفات (شرح قانون ابن سينا) و (رسالة في أمراض العيون وعلاجاتها).

* فضل الله بن عماد الدين ابن علي رشيد الدين ، ١٢٤٧ ـ ١٣١٨ م ، ولد في همذان وتوفي في السلطانية ، كان طبيبا وسياسيا ومؤرخا.

* محمد بن دانيال ١٢٥٠ ـ ١٣١٠ م ، طبيب عيون وشاعر ، ولد في الموصل ، نشأ وتوفي في القاهرة.

* الشيخ التقي جرجس ابن العميد ، طبيب قبطي من مصر ، له كتاب يعرف بالحاوي ، ترهّب في طورا جنوبي القاهرة.

ـ أطباء القرن الرابع عشر :

* نجم الدين الشيرازي ، له كتاب (الحاوي في علم التداوي) فيه ذكر الأدوية وكيفية تركيبها.

٤٤

ـ أطباء القرن الخامس عشر ، والسادس عشر برز اسم مشهور هو العالم الطبيب داوود الأنطاكي المتوفي عام ١٥٩٩ م ، كان عالما في الطب والأدب ولد في أنطاكية ، كان ضريرا ، أقام في القاهرة فترة ، وتوفي في مكة ، أشهر كتبه (تذكرة أولي الألباب والجامع للعجب العجاب) المعروفة بتذكرة داوود الأنطاكي ، عمل رئيسا لأطباء مصر ، تأثر بكتب ابن البيطار ومؤلفاته.

٤٥
٤٦

* الفصل الثالث

طب النبي (ص)

١ ـ نبذة عن حياة النبي محمد (ص).

٢ ـ من أقوال الرسول في حفظ الأبدان.

٣ ـ لكل داء دواء.

٤ ـ في القرآن شفاء من كل داء.

٥ ـ الحمية رأس الدواء.

٦ ـ العلاج عن طريق تطييب النفس.

٧ ـ منع التداوي بالمحرّمات.

٨ ـ التداوي بالنباتات ـ من تعاليم الرسول وهديه.

* تدور العلوم كلها على معرفة الله ، ومعرفة تعاليمه وأوامره وخلقه ، وحكمته في خلقه ، والنبي محمد أعلم خلق الله بالله وهو أصح الناس عقلا وأكثرهم علما ومعرفة.

إن ما تداوى به الرسول وما أمر به أهله وأصحابه ، إنما هو وحي من الله.

* علينا أن نعرف بأن الطب النبوي وطب الأئمة لم يبن على أسس الطب الحديث الذي نعرفه نحن اليوم ، إنما هي إرشادات ونصائح وتعليمات لحفظ الصحة ، تتناسب مع مفهوم إنسان تلك القرون.

٤٧
٤٨

نبذة عن حياة النبي محمد

ولد محمد (ص) في شهر تموز عام ٥٧٠ م ، في مكة في منزل جدّه عبد المطلب ، وكان والده قد مات قبل مولده ، ثم عرف اليتم ثانية بموت أمّه ، وعاش في رعاية جدّه عبد المطلب ، وحين بلغ محمد الثامنة من عمره مات جده ، فكفله عمّه أبو طالب ، حيث امتدت عنايته ورعايته لمحمد إلى ما بعد بعثه نبيا ورسولا ، وكان أبو طالب أنبل وأكرم بني قريش رغم فقره وأكثرهم مكانة واحتراما.

أحب أبو طالب ابن أخيه محمد ، أحبّه حتى كان يقدّمه على أبنائه ، وذات يوم أراد أبو طالب أن يخرج في تجارة إلى بلاد الشام ، وصحبه في هذه الرحلة محمد وكان له من العمر اثنتا عشر سنة ، «وعند وصول القافلة إلى مدينة بصرى في جنوب الشام ، وتروي كتب السيرة أنّ محمد التقى في هذه الرحلة بالراهب بحيرى ، وأنّ الراهب رأى فيه إمارات النبوة على ما تدل عليه أنباء كتب النصرانية ، وتذهب بعض الروايات إلى أن الراهب نصح إلى أهله ألّا يوغلو به في بلاد الشام خوفا عليه من اليهود أن يعرفوا منه هذه الإمارات فينالوه بالأذى».

«ولئن كان محمد في الثانية عشر من عمره فقد كان له من عظمة الروح وذكاء القلب ورجحان العقل ودقة الملاحظة وقوة الذاكرة وما إلى ذلك من صفات حباه الله بها تمهيدا للرسالة العظيمة التي أعدّه لها ، ما جعله ينظر إلى ما حوله نظرة الفاحص المحقق ...».

أول الوحي كان عام ٦١٠ م.

لم تكن أقوال الرسول وحدها دعامة الدعوة ، بل كانت أعماله بكل تفاصيلها وأبعادها ، وكان يقول لأصحابه : «... أنا عبد الله ، فقولوا عبد الله ورسوله».

٤٩

«كان يمازح أصحابه ويخالطهم ويحادثهم ويداعب صبيانهم ويجلسهم في حجره ، ويجيب دعوة الحر والعبد والأمة والمسكين ، ويعود المرضى ، ويقبل عذر المعتذر ، ويبدأ من لقيه بالسلام ، ويبدأ أصحابه بالمصافحة ... وكان أطيب الناس نفسا وأكثرهم تبسما ، وكان يطهّر ثوبه ويرقعه ويحلب شاته ويخدم نفسه ويعقل البعير ، ويأكل مع الخادم ويقضي حاجة الضعيف والبائس والمسكين».

«كذلك شملت رحمته كل ما اتصل بها ، وأظلّت كل من كان بحاجة إلى تفيؤ ظلالها» ، كان محمد المثل الأعلى في العطاء ، وكان شديد الزهد في الحياة ، تمثّل زهده في الطعام واللباس ، تناول الأطعمة البسيطة مثل (خبز الشعير والسّويق والتمر ...) ، لقد عانى الجوع ، رغم أنّه كان باستطاعته أن ينال من الطعام أطيبه ، كذلك كان زهده في اللباس ، «لم يكن هذا الزهد ولا هذه الرغبة عن الدنيا تقشفا للتقشف ولا كانا من فرائض الدنيا ، إنما أراد محمد أن يضرب للناس المثل الأعلى في القوة على الحياة».

كانت حياة محمد ، حياة إنسانية ، بلغت من السمو غاية ما يستطيع إنسان أن يبلغ ، وأي سمو كهذا السمو الذي جعل حياة محمد قبل الرسالة مضرب المثل في الصدق والكرامة والأمانة ، كما كانت بعد الرسالة كلها تضحية في سبيل الله وفي سبيل الحق الذي بعثه الله به.

من أقواله في حفظ الأبدان :

بعث الرسول محمد (ص) رحمة للعالمين ، كما أنّ الرسالة التي جاء بها هي رسالة إلهية شاملة ، تنظّم حياة الإنسان من كافة جوانبها وتعتني به روحا وجسدا سواء بسواء ، من هنا كان تشجيع الرسول المسلمين للاهتمام بالطب والعلاج ، وقد نسب إليه ما معناه :

«العلم علمان ، علم الأبدان وعلم الأديان». وإن صحّ هذا الحديث ، فهو يدلّ على أنّ الرسول أعطى لعلم الصحة قيمة عالية في كلّ زمان ومكان.

يحتاج جسم الإنسان إلى الطعام والشراب ليحافظ على البقاء ، ومتى زاد أفسد البدن ، وحصلت الأمراض بحسب تنوّع موادها ، أي الأطعمة وقبول الأعضاء واستعدادها.

٥٠

عدم الإسراف في الطعام والشراب ، (يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) هذا ما أرشدنا إليه عزوجل لنحفظ أجسادنا ، ومن زاد طعامه عن حاجة جسده جلب لنفسه المرض ، ومن يعمل بهدي النبي ونصائحه يمكن له أن يحافظ على صحة بدنه ، ويتوقف ذلك على حسن تدبير الشراب والطعام والملبس والمسكن والهواء والنوم واليقظة والحركة والسكون والجماع و... كل ذلك إذا حصل باعتدال وكما هدانا إليه النبي بما يتناسب مع السن والعادة التي اعتاد عليها الجسد ، كان أقرب إلى دوام الصحة والعافية.

لما كانت صحة الجسد من نعم الله على عباده ، بل من أجلّ النعم على الإطلاق ، فعلى الإنسان مراعاتها وحفظها وحمايتها.

وعن رسول الله ونبيه محمد وردت الأحاديث التالية :

«نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة والفراغ».

«من أصبح معافى في جسده ، آمنا في سربه ، عنده قوت يومه ، فكأنّما حيزت له الدنيا».

«أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة : ألم نصحّ لك جسمك ، ونروك من الماء البارد؟».

«سلوا الله اليقين والمعافاة ، فما أوتي أحد ـ بعد اليقين ـ خيرا من العافية».

قال النبي لعمّه العباس : «يا عباس يا عم رسول الله ، سل الله العافية في الدنيا والآخرة».

«ما سئل الله شيئا أحب إليه من العافية».

قيل لرسول الله : «يا رسول الله ، لأن أعافى فأشكر ، أحبّ إليّ من أن أبتلى فأصبر» ، فقال رسول الله : «ورسول الله يحب معك العافية».

يذكر عن ابن عباس : أن إعرابيا جاء إلى رسول الله فقال له : ما أسأل الله بعد الصلوات الخمس؟ فقال الرسول : سل الله العافية ، فأعاد عليه ، فقال له في الثالثة : «سل الله العافية في الدنيا والآخرة».

٥١

يتبيّن من أحاديث الرسول ، وممّا ورد من آيات بيّنات أنّ العافية في الدنيا وصحة البدن تدفع عن الإنسان أمراض الدنيا في قلبه وبدنه.

وجاء في الحديث : «سلوا الله العفو والعافية والمعافاة ، فما أوتي أحد ـ بعد يقين ـ خيرا من معافاة».

وهذه تتضمن ما يلي :

ـ إزالة الشرور الماضية بالعفو.

ـ إزالة الشرور الحاضرة بالعافية.

ـ إزالة الشرور المستقبلة بالمعافاة.

قال رسول الله :

«لا تكرهوا مرضاكم على الطعام والشراب ، فإن الله عزوجل يطعمهم ويسقيهم».

تشتمل هذه الكلمة من الرسول على حكمة أكيدة ، لأنّ المريض الذي يرفض الطعام والشراب ، ذلك لأنّ طبيعة جسده تكون موجّهة لمقاومة المرض ولا يجوز حينئذ إعطاء الغذاء في هذه الحالة.

علينا أن نعرف ، وهذا ما يؤكده الطب حديثا أن الجوع إنما هو طلب طبيعي من قبل أعضاء الجسد للغذاء ، ولا يجوز إكراه المريض على استعمال شيء لا تطلبه نفسه ، إلّا ما يحفظ قوّته من شراب أو غذاء خفيف وسهل الهضم.

لقد زوّد الله سبحانه وتعالى جسم الإنسان بالقوة التي مهمتها تدبير البدن وحفظه وحراسته مدى حياته ، وإذا حصل لنفس الإنسان حادث مفرح أو مكروه ، عندها تقل رغبته للطعام والشراب ويقلّ إحساسه بالجوع ، فإذا كان الأمر مفرحا أحس الإنسان بالشبع وانتعشت قواه وأشرق وجهه ونشطت الدورة الدموية في عروقه ، ولا يعد يطلب الطعام لانشغال نفسه بما هو أهم وأحب.

أمّا إذا كان الأمر مؤلما ومحزنا ، اشتغلت نفسه بمحاربته ومقاومته عن

٥٢

طلب الطعام والشراب ، فالإنسان في هذه الحال في شغل عن طلب الشراب والطعام ، يكون المريض عادة كسير القلب ، إنّما رحمة ربه قريبة منه ، وكلّما كان قوي الإيمان بالله وقوي اليقين به ، وجد في نفسه القوّة.

عن رسول الله أنه كان يقول عند حصول كرب ما يلي :

«لا إله إلا الله العظيم الحليم ، لا إله إلا الله ربّ العرش العظيم ، لا إله إلا الله ربّ السموات السبع ورب الأرض ، رب العرش الكريم».

عن رسول الله أنه قال :

«داووا مرضاكم بالصدقة».

وعنه (ص) :

«الصدقة تدفع البلاء المبرم ، فداووا مرضاكم بالصدقة».

ـ لكل داء دواء

قال رسول الله :

«إن الله عزوجل لم ينزل داء ، إلّا أنزل له دواء».

أو «ما أنزل الله من داء ، إلا أنزل له شفاء ، علمه من علمه ، وجهله من جهله».

اختلف العلماء والمفسرون في تفسير معنى أنزل وإنزال ، قال البعض ، إنزال أي إعلام ، وقال آخرون ، أنزلهما أي خلقهما ووضعهما في الأرض.

هذا من تمام الحكمة الإلهية ، فإنه كما ابتلى عباده بالأدواء ، أعانهم عليها بما يسّره لهم من الأدوية ، وكما ابتلاهم بالذنوب أعانهم عليها بالتوبة والحسنات ، وكما ابتلاهم بالأرواح الشريرة والخبيثة ، أعانهم عليها بجند من الأرواح الطيبة وهم الملائكة ، وكما ابتلاهم بالشهوات أعانهم على قضائها بما يسّره لهم شرعا من المشتهيات اللذيذة النافعة.

٥٣

كذلك كان قول الرسول ، ما أنزل الله من داء ... ، ممّا أعطى المسلمين حافزا للسعي الحثيث للبحث عن أسباب العلاج والعثور على العقاقير المناسبة للعلاج والشفاء.

لقد قسّم علماء الحديث الطب النبوي وهديه الإنسان إلى أقسام منها :

* الطب الوقائي ، وفيه إرشادات الرسول للاهتمام بنظافة الأبدان والعناية بالأسنان بصورة خاصّة ، كما شجّع المسلمين على ممارسة الرياضة بأنواعها ، والاعتدال بالطعام والشراب ، وعدم الإسراف فيهما.

كان الرسول (ص) أوّل من وضع أساس (الحجر الصحي) وذلك بنهيه سكان مكان ما ، وقع فيه مرض وبائي من الخروج منه ، ومنع من هم خارجه من الدخول إليه ، وفي ذلك قال :

«إذا سمعتم بالطاعون في أرض فلا تدخلوها ، وإذا وقع بأرض وأنتم فيها فلا تخرجوا منها».

* الطب العلاجي ، وفيه نجد أن الرسول رغب في التداوي وأظهر للمسلمين أنّ التداوي لا يتنافى مع التوكّل على الله والإيمان بالقدر.

وهكذا فإن الشعور الديني والواجب ، أوصيا بتأييد مهنة الطب ورفع مكانها ، إضافة إلى ذلك فإن رسالة الدين الإسلامي ونهج الرسول ، كان لهما أكبر الأثر في الترغيب للعلم والبحث العلمي ، وفي ذلك الآية الكريمة : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) و (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً).

وقول الرسول :

«إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلّا من ثلاث : صدقة جارية ، وعلم ينتفع به ، وولد صالح يدعو له».

كلّ ذلك كان دافعا للمسلمين كي ينطلقوا في كافة مجالات العلوم ، يتعلّمون ويبحثون ويبدعون.

٥٤

ـ في القرآن شفاء من كل داء

قال رسول الله :

«خير الدواء القرآن».

فما الظن بكلام ربّ العالمين ، الذي هو الشفاء التام ، والنور الهادي ، والرحمة والعصمة النافعة ، الذي لو أنزل على جبل لتصدع من عظمته وجلاله ، قال تعالى : (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) [سورة الإسراء ، آية ٨٢].

تتضمّن فاتحة الكتاب جميع معاني كتب الله وتشتمل على ذكر أصول أسماء الربّ ومجامعها وهي : الله الرب الرحمن الرحيم ، إثبات المعاد ، ذكر توحيد الربوبية ، ذكر توحيد الألوهية ، ذكر الافتقار إلى الرب سبحانه في طلب الإعانة وطلب الهداية إلى الصراط المستقيم ، واجتناب ما نهى عنه وذكر الخلق منهم المنعم عليه والمغضوب عليه وآخر ضال لعدم معرفته للحق ، ومن هذه السورة المباركة ، يستشفى بها من الأدواء ويرقى بها.

أوصى الرسول بالاستعانة بالمعوذتين أي سورة الناس وسورة الفلق.

قال الرسول : «إن الدعاء يردّ البلاء».

قال كذلك : «في القرآن شفاء من كل داء».

أوصى الرسول بهذه الرقية : (ربنا الله الذي في السماء ، تقدّس اسمك وأمرك في السماء والأرض ، كما رحمتك في السماء فاجعل رحمتك في الأرض ، واغفر لنا ذنوبنا وخطايانا ، أنت رب الطيبين ، انزل رحمة من عندك ، وشفاء من شفائك على هذا الوجع).

جاء في صحيح مسلم ، إنّ جبريل (ع) أتى النبي (ص) ، فقال : يا محمد ، اشتكيت؟ قال : نعم.

فقال جبريل (ع) :

«باسم الله أرقيك ، من كل داء يؤذيك ، ومن شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك ، باسم الله أرقيك».

٥٥

ـ الحمية رأس الدواء :

من أقوال الرسول : «الحمية رأس الدواء ، والمعدة بيت الداء ، وعود بدنا ما تعود» ومن قواعد الطب أن في الدواء شيئان : الحمية ، وحفظ الصحة ، أما الحمية فمنها حميتان :

الأولى حمية عمّا يجلب المرض ، وهي في الأصحاء.

الثانية حمية عمّا يزيد المرض ، وهي حمية المريض ووقف مرضه عن التزايد.

قال تعالى في الحمية : (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً).

ومن هدي النبي في الحمية ، وما يجب مراعاته في الأكل والشرب :

«ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطن ، حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه ، فإن كان لا بد فاعلا ، فثلث لطعامه ، وثلث لشرابه ، وثلث لنفسه» ينطوي هذا الحديث على الوقاية من أخطار كثرة الطعام من الناحية الصحية والزهد في الدنيا.

إنّ إدخال طعام على طعام أوّل لم يتمّ هضمه بعد ، والزيادة في الكمية التي يحتاج إليها البدن ، وتناول أغذية قليلة النفع ، بطيئة الهضم ، كما الإكثار من أطعمة متعدّدة التركيب وملء البطن منها ، والتعود على ذلك ، تورث الأمراض المنوعة والعديدة ، منها ما يذهب ومنها ما يبقى دائما ويصبح داء مزمنا ، أمّا إذا اعتدل الإنسان في تناول الغذاء ، وأخذ قدر حاجته ، كان انتفاع البدن أكثر.

وكما قال الرسول : إنه يكفيه لقيمات يقمن صلبه ، أي أن يتناول حاجته ، «أنه من البديهي ، إذا امتلأت معدة الإنسان طعاما ، ضاق عن الشراب ، وإذا امتلأ البطن شرابا ـ ماء ـ ضاق عن النفس ، وهذا ما يورث التعب للجسد كله ، كالذي يحمل حملا ثقيلا ، ممّا يفسد القلب والرئتين ، فامتلاء البطن من الطعام مضرّ للقلب وللبدن ، والشبع المفرط يضعف القوى والبدن».

يقول الطب الحديث إنّ أكثر آلام المعدة ، والأمراض المعدية ، ناتجة عن كثرة الطعام لأنّ الشبع يقسي القلب ويذهب الفطنة ويجلب النوم.

٥٦

في حديث للرسول : «إن الله إذا أحب عبدا ، حماه من الدنيا» وعلى ألسنة الناس الحكمة التالية :

الحمية رأس الدواء ، والمعدة بيت الداء ، وعوّدوا كل جسم ما اعتاد (تنسب هذه الحكمة إلى الحارث بن كلدة طبيب العرب).

وقال الحارث بن كلدة كذلك : «رأس الطب الحمية».

تعتبر الحمية أهم دواء ، فهي تمنع حصول المرض ، وإذا حصل ، تمنع تزايده وانتشاره.

قيل : إنّ النبي عاد رجلا ، فقال له : ما تشتهي؟

قال : أشتهي خبز برّ.

فقال النبي : من كان عنده خبز بر ، فليبعث إلى أخيه.

ثم قال : إذا اشتهى مريض أحدكم شيئا فليطعمه.

في كل ما ورد يكمن سرّ طبي ، أن المريض إذا تناول ما يشتهي عن جوع صادق وطبيعي كان أنفع له وأقل ضررا مما لا يشتهيه ، فالطعام المشتهى تقبل عليه نفس المريض ، فتهضمه جيدا.

ـ العلاج عن طريق تطييب النفس

قال رسول الله :

إذا دخلتم على المريض ، فنفّسوا له في الأجل ، فإنّ ذلك لا يردّ شيئا ، وهو يطيّب نفس المريض.

في هذا الحديث أسمى أنواع العلاج ، وهو الإرشاد إلى ما يطيّب نفس العليل بكلام يقوى به ، وتنتعش نفسه ويطيّب قلبه وتدخل السرور إلى نفسه ، مما يساعد على دفع العلّة أو تخفيفها ، الذي هو غاية الطبيب.

وهذا أحد فوائد عيادة المرضى ، إضافة إلى ما يعود على العائد أي الزائر ، من عمل وما يعود على أهل المريض وعلى المجتمع من تواصل ومحبة وألفة.

٥٧

قال رسول الله : «إذا طاب قلب المرء ، طاب جسده ، وإذا خبث القلب ، خبث الجسد».

ـ منع التداوي بالمحرّمات

هل يجوز التداوي بالحرام عند انحصار الدواء فيه؟

سؤال يطرح باستمرار ، قال البعض بجواز ذلك ، والبعض الآخر قال بعدم جواز التداوي بالمحرّمات ، مثل الخمر وسائر المسكرات.

عن الإمام جعفر الصادق أنّه قال : «نهى رسول الله عن الدواء الخبيث أن يتداوى به».

وعنه كذلك أنّه قال : «إن الله عزوجل لم يجعل في شيء ممّا حرّم دواء ولا شفاء».

وكذلك قال : «لا ينبغي لأحد أن يستشفى بالحرام».

نهى الرسول عن التداوي بالخمرة قائلا فيها : «... بأنّها داء».

ويذكر عنه (ص) أنّه قال : «من تداوى بالخمر فلا شفاه الله».

وجاء في صحيح البخاري : «إنّ الله لم يجعل شفاءكم فيما حرّم عليكم».

المعالجة بالمحرّمات قبيحة ، وتحريم الله عزوجل للخمر على المؤمنين كان بمثابة حمية للناس وصيانة لهم ، وهل نبعد سقم البدن بسقم القلب؟ لذلك حرّم الله على عباده الأغذية والأشربة والملابس الخبيثة ، لما تكسب النفس من هيئة الخبث وصفته ، خاصة إذا كانت النفوس تميل إليه طلبا للنشوة واللذّة.

الخمرة أمّ الخبائث ، شديدة الضرر بالدماغ والأعصاب ، وهي لغة ما ضمر الشيء أي ستره ، وهي تؤخذ من العنب والتمر والزبيب أو من الحنطة والشعير والذرة والأرز أو من العسل.

الفكرة وراء تحريم الخمرة اجتماعية ، وقد جاء تحريمها بعد مرور عشرين سنة على بعث النبي ، ولم ينزل التحريم مرّة واحدة ، إنّما نزل على فترات ، جعل المسلمين يخففون منها حتى كان التحريم ، فانتهوا عن شربها.

٥٨

يقول الأطباء أنّ الخمر لا تشفي شيئا ، إن الإدمان على شربها تحوّل خلايا الكبد الحيّة إلى ألياف ميّتة لا فائدة للجسم منها ، وينتج عن ذلك استسقاء البطن كما يؤدي إلى تصلب الشرايين وما يتبع ذلك من مضاعفات كأمراض القلب والكلى والنزيف الدماغي ، وفي ذلك قال الطبيب الإغريقي أبقراط ما يلي :

ـ تزيد إفرازات المعدة

ـ تؤدي إلى نقص كمية السكّر في الدم

ـ فقدان الشهية للطعام

ـ يقلّل الرغبة الجنسية

ـ يوسع الأوعية الدموية ويحدث صداعا

ـ يؤثّر على الجهاز العصبي ممّا يفقد السيطرة على الأخلاق

ـ يضعف القابلية البدنية للعضلات

ـ يؤدي إلى ضعف البصر

ـ يؤدي إلى الحول المؤقت والدوران

ـ يعرقل عمل الحواس

ـ يحدث التهابات في الكبد

كذلك أكّد الطب حديثا أنّ للخمرة تأثيرا على خلايا الدماغ وتسبّب للمدمن أعراضا نفسية مثل القلق واضطراب الفكر ورعشة البدن وهلوسة في النظر واضطرابا في حياته العائلية. أمّا تأثير الخمرة على القلب فيظهر باعتلال العضلة القلبية ، ولدى المرأة الحامل يؤثر على الجنين ويجعله عرضة للإصابة بتشوهات ولادية. أمّا مضاعفات الخمر على الحالة الجنسية لدى الذكر ، تنقص القدرة على أداء العمل الجنسي ، وقد يسبّب ضمور الخصيتين واضطراب السلوك الجنسي لدى المرأة.

وبشكل عام يضعف الخمر الجسم ويجعله ضعيفا وعرضة للإصابة بأمراض سرطانية بسبب ضعف مقاومته.

٥٩

أما تأثير الخمر على الجهاز الهضمي فنختصره بأنه يخرّش جدار الفم والبلعوم وضمور حليمات الذوق في اللسان ، يحدث التهابا في المريء ، التهاب المعدة الحاد والمزمن ، وتصبح أكثر تعرضا للإصابة بالقرحة والسرطان ، التهاب البنكرياس الحاد والمزمن ، التهاب الكبد الحاد أو تشمع الكبد وهو من الأمراض الشائعة لدى المدمنين على الكحول.

علامات وظواهر تشمع الكبد هي :

ـ يكبر ثدي الرجل والغدد اللعابية.

ـ عدم القابلية للأكل ونقص الوزن.

ـ تقيؤ مع ألم في أعلى ابطن.

ـ ازدياد ضغط الدم.

ـ كبر حجم الطحال.

ـ نقص في كريات الدم البيضاء وتخثّر الدم وفقر دم.

ـ توسع بعض الأوعية الدموية في نهاية المريء وأوّل المعدة وفتحة الشرج وجدار البطن.

ـ الإصابة بالاستسقاء داخل البطن.

ـ الإصابة بمرض اليرقان.

ـ نقص الرغبة الجنسية مما يؤدي إلى ضمور الخصيتين ، وضمور الثديين عند المرأة.

ـ تلوّن الجسم باللون الأسمر بسبب ترسب مادة الميلامين في الجلد.

ـ حرارة ضعيفة في الجسم.

ـ التداوي بالنبات ، من تعاليم الرسول وهديه

لقد قيل عن لسان النبي (ص) من التعاليم والإرشادات الصحية الكثير ، وكلها ترتكز على قواعد علمية ومعرفة أكيدة.

٦٠