موسوعة الطب القديم

حسن نعمة

موسوعة الطب القديم

المؤلف:

حسن نعمة


الموضوع : الطّب
الناشر: رشاد برس
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٢٩

أمراض ناتجة عن سوء التغذية :

منذ سنوات عديدة مضت ، استعمل الإنسان مركّبات كيميائية مختلفة في غذائه ، مثل الملح والتوابل ، تدخين الأسماك ، وذلك بهدف تحسين الطعام ، إضافة إلى مركبات كيميائية استعملها كمبيدات زراعية ، وهرمونات لنمو النباتات ونضج الأثمار ، وهذه بدورها تسيء للمادة الغذائية وللمستهلك أيضا ، هذا إضافة إلى عشرات المواد المضافة إلى الأطعمة ، له فائدة غذائية مثل الفيتامينات والحوامض الأمينية والأملاح المعدنية.

إنّ هذه الإضافات تولّد لدى الإنسان القلق ، وتسبّب له ضغطا على جهاز المناعة وإلى ظهور أمراض تحسّسية.

ما ذا نأكل لنصبح أصحّاء؟

يعتمد الإنسان ، طلبا لصحته ولنمو طبيعي ، ولتوفّر القدرة على العمل والعطاء يعتمد على تناول الطعام الجيّد ، فكثير من الأمراض الشائعة ينتج عن عدم تناول كميات كافية من الأطعمة التي يحتاج إليها الجسم.

إنّ الشخص المصاب بوهن أو علة ناتجة عن عدم تناول طعام مناسب وصحي وبشكل كاف ، يسمّى إنسانا سيّء التغذية ، أو مصابا بسوء التغذية.

إن سوء التغذية هو المسبّب الرئيسي للمشاكل الصحية التالية :

* عند الجميع :

ـ الضعف والتعب.

ـ فقدان الشهية.

ـ فقر الدم.

ـ قروح في زوايا الفم.

ـ قروح أو ألم في اللسان.

ـ تنميل ، أو حرقة في القدمين.

٤٠١

* عند الأطفال :

ـ عدم النمو وعدم اكتساب الوزن بشكل طبيعي.

ـ التأخر في المشي أو الكلام أو التفكير.

ـ انتفاخ البطن ، هزال في اليدين والقدمين.

ـ الحزن وعدم الحيوية.

ـ انتفاخ في القدمين واليدين والوجه مصحوبا بقروح أو آثار على الجلد.

ـ تساقط الشعر أو تغيير في لونه وفي بريقه.

ـ جفاف في العيون ، وفقدان البصر.

وقد تنشأ مشاكل عن أسباب أخرى ، لكن سوء التغذية تزيدها سوءا ، أو تكون هي نفسها منشأها ، وتتلخص هذه المشاكل بما يلي :

ـ الإسهال.

ـ الرنين في الآذان.

ـ الصداع.

ـ احمرار ونزيف اللثة.

ـ نزيف الأنف.

ـ تلبك المعدة.

ـ نشفان وتشقّق الجلد.

ـ هزات أو نوبات صرع عند الأطفال.

ـ خفقان القلب بشدّة.

ـ القلق وبعض المشاكل العصبية.

ـ تشمّع الكبد وأمراض كبدية أخرى.

ـ التهابات متكررة.

٤٠٢

إنّ الطعام الجيد والغذاء الصحي يساعد الجسم على مقاومة الأمراض وخاصّة الالتهابات ، ليس المقصود أن يكون الطعام دواء يشفي من الأمراض ، إنما أن يكون مادة تزيد القوة والسعادة.

إنّ الأطفال المرضى بحاجة إلى الطعام المغذي ، وإذا كان الطفل المريض لا يأكل شجّعه باستمرار على الأكل.

إنّ الطفل المصاب بالإسهال لمدة أيّام ، قد تنتفخ قدماه ويداه أو وجهه ، وتبرز على جسده بقع بنفسجية أو تظهر قروح مقشرة على قدميه ، هذه من عوارض سوء التغذية.

وإذا ظهرت بقع على ذراعي الإنسان ، فهذه دلالة على إصابته بمرض البلّاغرا (الحصف) وهو نوع من سوء التغذية.

يلحق سوء التغذية بالجسم الأذى ، لكنّ الإفراط في تناول الطعام لا يقلّ ضررا عن ذلك ، إنّ الإسراف في تناول المغذيات والفيتامينات هو من آفات الإنسان الثري ، أو الشره ، الذي يقدم على تناول المزيد من اللحوم والبيض والحليب وهذه كلها منتجات حيوانية ، إنّ الإسراف في تناول هذه الأطعمة يؤدّي إلى آفات صحية كبرى مثل : (أمراض القلب ، الدماغ ، ارتفاع ضغط الدم ، السكري ، السرطان ، السمنة).

٤٠٣

سوء التغذية لدى الأطفال :

إنّ سوء التغذية حالة مرضية يصاب بها الطفل عادة بين سن الستة أشهر والسنة ، وذلك نتيجة :

ـ نقص في الوحدات الحرارية الغذائية ، ممّا يؤدي إلى انخفاض شديد بوزن الطفل ، وانتفاخ بالبطن ، يبدو الجسم صغير وضعيف ومترهّل ، إنّه مجموعة عظام وجلد.

إن سوء التغذية الناتج عن نقص البروتين ، يجعل الطفل يبدو بدينا نتيجة الورم (الوذمة) الذي يخفي الضمور والتلف الذي أصاب الأنسجة الواقعة تحتها ، إنّ ذلك عبارة عن تجمع عظام وجلد وماء .. يبدو منظر الطفل تعيسا ، ويفقد الشعر والجلد لونه ، كما يصاب بضمور عضلي ، ويصاب كذلك بما يعرف طبيا بمرض (القشر) ، يبتدئ هذا المرض بإسهال أو بالتهاب آخر ، ويظهر غالبا لدى الأطفال الذين أفطمتهم أمهاتهم عن الرضاعة ، وعادة بعد ولادة أخ جديد لهم ، وأطعمتهم طعاما يخلو من الحليب والأغذية البروتينية.

إنّ منظر الطفل المصاب بمرض القشر ، يبدو وكأنّه يتمتّع بصحّة جيّدة ، إلّا أنّه يعاني ضمورا في عضلاته.

إنّ هناك طريقة جيّدة لمعرفة مدى سوء التغذية عند الطفل ، وهي قياس محيط الساعد ، فإذا كان ساعد طفل تجاوز عمره السنة أقل من ١٣ سم ، فهذا يعني إصابته بسوء التغذية دون الأخذ بعين الاعتبار بدانة قدميه أو يديه أو وجهه ، وإذا كان محيط الساعد أقل من ١٢ سم ، فهذا يعني أنّه مصاب بسوء تغذية شديد.

كما نشير إلى وجود طريقة ثانية لمعرفة إذا كان الطفل مصاب بسوء التغذية ، وهي بوزنه مرة كل شهر ، فالطفل السليم المعافى يزداد وزنه بشكل منتظم.

يمكننا وقاية أطفالنا من سوء التغذية ، عن طريق إعطائهم طعاما مغذيا ومتوازنا وكافيا.

٤٠٤

يعتبر حليب الأم غذاء كاف وكامل ، لذلك يجب أن يعطى للطفل حليب أمه أطول مدّة ممكنة ، كما يجب إضافة أطعمة أخرى مغذية إلى حليب الأم بعد الأشهر الأربعة أو بعد السنة الأولى من عمر الطفل ، وبعد تجاوز الطفل لعامه الأوّل يمكن أن يتناول طعام الكبار نفسه مع الاستمرار بتناول الحليب.

إنّ الأطفال الذين لا يتناولون الحليب ، والذين لا تتعرّض بشرتهم لأشعة الشمس ، يمكن أن تصبح أرجلهم مقوّسة ، أو يصيبهم تشويه في العظام ، أي الإصابة بداء الكساح ، إنّ تعريض الطفل لأشعة الشمس بشكل معتدل ، أمر مفيد بل ضروري.

إنّ قلّة تناول الأطفال للفواكه أو لأطعمة أخرى محتوية على الفيتامينات قد تسبّب الكثير من الأمراض الجلدية والالتهابات في الشفاه والفم ونزيف في الأمعاء ، ومن الأمراض التي تسبّبها سوء التغذية ، مرض البلّاغرا (الحصاف) ، وهو يصيب من لا يتناول البيض والفاصوليا واللحم والخضار.

بعد الشهر الثالث من عمر الطفل ، يستحسن إعطاؤه القليل من عصير البرتقال أو ليمون الأفندي ، ويجب الانتباه إلى عدم إعطائه منها في حال الإسهال ، ويفضّل كذلك إعطائه موز ناضج ، تفاح مسلوق أو مهروس ، ومن الخضار يفضل إعطاؤه القليل من الجزر والبطاطا المسلوقة ، وربع صفار بيضة مرّة كل يومين.

ولكي تستطيع الأم المرضعة أن تبعد عن طفلها الإلتهابات والنزف وتوفّر

٤٠٥

لابنها الحليب الكافي عليها أن تتناول الكثير من الأطعمة المفيدة لبناء الجسم مثل الفاصوليا والبيض والدجاج ومشتقات الحليب واللحم والسمك والفواكه والخضار.

إنّ البرتقال والبندورة غنيّة بفيتامين C المقاوم للرشوحات والالتهابات ، وعلى الأم التي تريد حفظ صحة طفلها أن لا تجعله يتعوّد على تناول السكاكر والحلويات أو يتناول المرطبات والمشروبات الغازية.

أخطاء شائعة في التغذية :

ثمّة خمس عادات غذائية شائعة على الأقل ، تعتبر مسؤولة عن الانتشار الواسع لسوء التغذية ، وبالتالي تنزل هذه الأخطاء عقوبتها على من يرتكبها ، وتمنعه من التمتع بالحيوية والنشاط والعافية ، وهي :

١ ـ الإفراط في الأكل ، والنتيجة هي السمنة.

٢ ـ تناول الطعام بين الوجبات ، يقلّل الشهية في أوقات الوجبات العادية ، يحرم أعضاء الجهاز الهضمي من العمل المنتظم ، يؤدّي إلى السمنة.

٣ ـ تناول كميات كبيرة من السكر.

٤ ـ تناول أطعمة مصنّعة تحمل موادا حافظة.

٥ ـ إهمال الفطور ، إنّ الفطور وجبة مهمّة جدا ، خاصّة بعد مرور عدّة ساعات خلال نوم الليل تصبح المعدة خاوية خلالها.

إنّ تناول القليل من الطعام قد يؤدي إلى التضور جوعا ، وإنّ تناول الكثير من الأطعمة يؤدي إلى البدانة ـ السمنة ـ وهاتان الحالتان تهدّدان الصحة.

هل يجوز أن نسمّي البدانة مرضا؟

سنعتبرها كذلك ، لأنّها تمهّد الطريق للعديد من الأمراض الأشد خطرا.

جميع أمراض التغذية تنتج عن نقص الفيتامينات وأحيانا عن نقص المعادن ، ونادرا البروتينات.

أمّا زيادة كمية البروتينات والمعادن في وجبة الطعام عن الحد الضروري للجسم ، من شأنها أن تسبّب اضطرابات غذائية ، إنّ زيادة كمية الفيتامين أكثر من

٤٠٦

المعقول تسبّب في بعض الحالات اضطرابات خطرة في عملية التمثيل الغذائي ، كما ثبت أنّ الإفراط في تناول فيتامين A يؤذي الجسم.

الغذاء الصحي ، علاج صحي :

الإنسان هو ما يأكل ...

إنّ للجسد قوة شفائية قادرة على التغلّب على المرض ، والعلاج هو طب وقائي بكل أشكاله.

إذا أسرفنا في تناول الطعام والشراب ، وأقبلنا على اللذائذ بشراهة ، وأحرقنا صدورنا بالتدخين ، معنى ذلك أنّنا ارتضينا لأنفسنا أن تدخل حياتنا فترات من المتاعب والأمراض.

إنّ العلاقة بين الغذاء والمرض تعود إلى مراحل مبكرة من تاريخ البشرية ، وفي أيّامنا المعاصرة نرى تدني مستوى الصحة لدى الإنسان ، حيث تتزايد حالات الروماتيزم وآلام المفاصل والاضطرابات العصبية ، إضافة إلى أمراض القلب ، إنّ ذلك نتيجة الابتعاد عن الغذاء الصحيح وترك الرياضة وعدم التعرّض للشمس وللهواء النقي ، ومن المعروف أنّ الشفاء من المرض أو الوقاية من الأمراض بشكل عام يتطلب تصحيح سلوك المرء الغذائي ، وتطبيق الوسائل التي تمنحه قوة شفائية وقوّة في مكافحة الأمراض ، وهذه الوسائل هي (الصوم ، الحمية ، الماء ، الشمس ، الهواء ، الأعشاب ، والرياضة).

إنّ حالات الرشح والحمّى والتهاب اللوزتين والطفح الجلدي ما هي سوى علامات وإشارات من الجسم لإبعاد المرض.

تفيد المصادر التاريخية أنّ المصريين القدماء والبابليين اهتموا بالبيئة ، وخاصّة الصرف الصحي والحصول على مياه نقية ، وبنوا الحمّامات والمراحيض ، كما كانت لدى المصريين القدماء نظرية طبيّة تقوم على وجود علاقة متينة بين الغذاء أي الطعام وبين المرض.

إنّ تناول أطعمة بسيطة ، قليلة التنوع ، أمر ضروري لصحّة الإنسان ، وقديما

٤٠٧

قال شيخ الأطباء ابن سينا : «اعدل عن الدواء إلى الغذاء ، وعن المركب إلى البسيط».

إنّ الغاية من الطعام هو استمرار الحياة ، وقد أثبتت الدراسات المخبرية أنّ هناك أطعمة مقاومة للانقباض ، وأخرى مهدّئة للأعصاب ، وبعضها يجلب النوم ، وأطعمة تنبّه الحواس وتدفع الإنسان إلى الحركة والنشاط ، ومنها ما يحرّض على الكلام.

إن آثار الأطعمة المتراكمة في الجسم يوما بعد يوم ، يمكن أن يكون لها شأن في حياة الإنسان ، والمثال على ذلك هو أنّ الإنسان الذي يجد صعوبة في النوم ، قد يجد جانبا من مشكلته عائدا إلى إسرافه في تناول أطعمة منبّهة ، وعلى النقيض من ذلك ، فإن الإنسان الذي يحس على الدوام بالانقباض والخمول ، قد يكون سبب شكواه مواد كيميائية دخلت طعامه.

إنّ التوازن والاعتدال في اختيار وتناول الأطعمة يمنح الجسد صحّة والوجه نضارة وإشراقة وجمالا.

ثمّة أشخاص لديهم حساسية من تناول القهوة وغيرهم لا يصاب بأية أعراض مهما كانت كمية فناجين القهوة التي يحتسيها ، إنّ تأثير الأطعمة والأشربة تختلف باختلاف الأفراد.

إنّ النوم من الضرورات للإنسان ، ولكنّ كمية النوم اللازمة يمكن أن تختلف بين إنسان وآخر ، وقد يصادف أن نام إنسان ما ، نوما هادئا في ليلة ما ، وكان نومه هذا ألذّ من نومه في ليلة أخرى ، مع أنّ كمية النوم هي واحدة في الحالتين.

فلما ذا يحدث هذا؟

من المحتمل جدا ، أن يكون للطعام قوة التأثير في إحداث هذه التبدلات ، إنّ شرب كوب حليب قبل أن يأوي الإنسان إلى فراشه طلبا للنوم ، ليس قصّة خيالية ، إنّ في الحليب مادة تجلب النعاس الطبيعي ويحقّق النوم المريح ، وكذلك يفعل الموز والتين والجوز و... هناك أنواع من الفيتامينات تجلب النوم مثل : فيتامين D B ٦ C.

٤٠٨

كيف نتجنّب الأمراض :

«درهم وقاية خير من قنطار علاج».

إنّ الاعتدال شيء ضروري.

إنّ الإسراف في الأكل ، وحشو الجسم بالمغذّيات ، هما مشكلة المشاكل ، إذا تنبهنا جيدا لما نأكل ، وحافظنا على نظافة أجسادنا ، وبيوتنا وقرانا ومدننا ، وتأكدنا من تلقيح أولادنا ، نتمكّن من منع معظم الأمراض قبل بدئها.

ـ النظافة تمنع العديد من الالتهابات (النظافة الشخصية ونظافة المنزل والشارع) ، لا تسمح للكلاب بدخول المنزل ، علّم الأطفال استعمال بيوت الخلاء ، لا تبصق على الأرض ، فالبصاق ينشر الأمراض ، لا تترك شقوقا في المنزل ، حيث يمكن أن يعيش البق والحشرات والعقارب والصراصير.

ـ نظافة الطعام والشراب.

ـ المحافظة على صحة الأطفال.

ـ القضاء على الديدان والطفيليات المعوية الأخرى.

ـ إن المعالجة المبكرة جزء هام في الطب الوقائي.

ـ يجب ترك العادات الضارة والمؤثرة في انتكاس الصحة مثل : المشروبات الروحية ، التدخين ، المشروبات الغازية ...

كلام في التخمة :

قيل : «تغدّى أو تعشّى ولا تأكل بينهما شيئا فإن فيه فساد للبدن».

قال الرسول :

«نور الحكمة الجوع ، والتباعد عن الله الشبع ، والقربة إلى الله حب المساكين والدنو منهم».

(خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) [الآية ٣١ من سورة الأعراف].

٤٠٩

تحذر الآية الكريمة السابق ذكرها الإنسان من الإسراف في تناول الطعام الذي ينتج عنه أضرار بدنية.

كذلك نبّه الرسول إلى مشكلة الإسراف في تناول الطعام ، في العديد من الأحاديث ، ومنها :

«نحن قوم لا نأكل حتى نجوع ، ولا نشبع إذا أكلنا».

«المعدة بيت الداء ، والحمية رأس كل دواء ، واعط كل بدن ما عود».

«ليس بمؤمن من نام شبعانا وجاره طاويا».

«لا تميتوا القلوب بكثرة الطعام والشراب ، فإنّ القلوب تموت كالزروع إذا كثر عليه الماء».

«لا تشبعوا فيطفأ نور المعرفة في قلوبكم ، ومن بات يصلي في خفّة من الطعام باتت الحور العين حوله».

قيل للرسول :

ما أكثر ما يدخل النار؟

قال :

الأجوفان : البطن والفرج.

كان النبي إذا أكل دسما خفّف من تناول الماء ، فقيل له : يا رسول الله إنك لتقل من شرب الماء! فقال : إنّه أمرأ للطعام.

كذلك تطرّق الإمام علي بن أبي طالب إلى موضوع الإسراف في الأكل ، فقال : «كثرة الطعام تميت القلب ، كما يميت كثرة الماء الزرع».

«إياكم والبطنة ، فإنها مقساة للقلوب ، مكسلة عن الصلاة ، مفسدة للجسد».

وكذلك تطرق الأئمة إلى هذا الموضوع ، وفيه أقوال وأحاديث كثيرة ، منها ما قاله الإمام جعفر الصادق :

«إنّ البطن إذا شبع طغى».

٤١٠

«كثرة الأكل مكروهة».

«من أكل طعاما لم يدع إليه ، فكأنما أكل قطعة من نار».

قال ابن سينا : «إحذر طعاما قبل هضم الطعام».

قال أبقراط : «الإقلال من الضار خير من الإكثار من النافع».

قالت الحكماء : «جوعوا تصحوا».

من كل ما تقدّم نستطيع القول ، بأن كثرة الطعام ، تحدث التخمة ، وتلبك المعدة ، وتؤدي إلى عسر الهضم وعدم اكتمال الامتصاص والتمثيل الغذائي ، وتراكم الطعام يؤدي إلى الالتهابات والتعفنات ، وترهق المعدة في عملها ممّا يجعلها لا تقوم بعملها كما يجب.

إنّ الإسراف في تناول الطعام مرفوض اجتماعيا ونفسيا ، يجعل صاحبه عرضة للنقد ، كما يعتبر مخالفة لآداب الطعام المتعارف عليها دينيا واجتماعيا ، ونورد فيما يلي بعض الأمراض التي يسببها الإسراف في الطعام (التخمة) :

ـ عسر هضم ، وآلام في الجزء العلوي من البطن.

ـ غازات ، وقد يحدث إسهال وتقيؤ ، مع بعث رائحة كريهة من الفم.

ـ التهاب في البنكرياس.

ـ ذمّة قلبية خاصّة عند المسنين.

ـ تصلّب في الشرايين.

ـ داء النقرس الناتج عن تناول اللحوم والخضراوات بكثرة.

ـ ارتفاع ضغط الدم ، خصوصا عند تناول الأملاح بكثرة.

ـ الإسهال ، أو الإمساك.

ـ داء السكري ، نتيجة تناول السكريات بكثرة عند المصابين بالسمنة.

ـ حساسية في البدن ، نتيجة تناول البهارات والأطعمة الحارة بكميات كبيرة.

٤١١

ـ تسوّس الأسنان ، نتيجة الإكثار من الحلويات والسكريات الصناعية التي تساعد على التخمر داخل الفم وبين الأسنان.

ـ الحصى في الكلى نتيجة تناول اللحوم والحليب والجبن بكثرة.

* في المقابل ، لا تتخلّ عن الفطور ، أو عن أي من وجباتك ، ولكن خفّض أحجامها ، نظّم مواعيد الطعام ، فإنّ الجسم يستطع التعود بسهولة على تناول الطعام في أوقات محدّدة كما يستطيع التعود على النوم في ساعة معينة والاستيقاظ في وقت محدّد.

إنّ الإنسان نتيجة ما يأكل ، الطعام الذي يتناوله يؤثر على تفكيره وأحاسيسه وانفعالاته ، إنّه باستطاعتنا أن نؤخّر زحف الشيخوخة ، وتحسين الذاكرة عن طريق ما نأكل : «أنت ، ما تأكل».

الدواء :

منذ أقدم العصور ، وعبر مختلف الحضارات المتعاقبة ، عرف الإنسان وعبر تجارب عديدة ، فائدة بعض النباتات في المعالجة.

كان العرب أوّل من أنشأ صناعة العقاقير ، وابتكروا أدوية لم تكن معروفة من قبل ، وركّبوا أدوية من مصادر نباتية وحيوانية ومن المعادن كذلك. عرف العرب عمليات التقطير بواسطة الإنبيق ، وابتدعوا أصنافا من الشراب. اخترعوا الأكسير من الكحول ، كما عرفوا كيفية استحلاب النباتات والأعشاب ، والخلاصة العطرية ، ليس هذا فقط بل وضع العرب مركّبات كيميائية مختلفة كحامض النتريك ، وحمض الكبريت ، ونترات الفضّة ، والبوتاس وحامض الخل والزرنيخ وأملاح الذهب والفضّة والزئبق.

عن الإمام علي بن أبي طالب أنّه قال :

«الكلام كالدواء ، قليله ينفع ، وكثيره يهلك».

والحكمة تقول ، أن لا يتناول الإنسان دواء إذا أمكن ذلك ، ومن حكم الإمام علي في نهج البلاغة :

٤١٢

«امش بدائك ما مشى بك».

كذلك من حكم الطب : «ليس من دواء إلّا ويهيج داء».

يقول الأطباء : «إذا دخل الدواء جسم إنسان ولم يكن به داء ، أو وجد داء لا يوافقه ، أو زادت كميته ، عند ذلك يعبث بالصحة ويؤذيها».

«إذا أشكل عليك المرض لا تتناول الدواء ، وحيث بالإمكان التدبير بالأغذية ، فلا تعدل إلى الأدوية».

الشفاء من دون دواء :

قد يكون من الحكمة إن لا نلجأ إلى تناول الدواء في معالجة العديد من الأمراض ، فللجسم مناعته وطرقه وأسلحته في مقاومة المرض والقضاء عليه ، إنّ مناعة الجسم الطبيعية في حالات كثيرة أهم بكثير من الأدوية (في حالة الزكام مثلا).

كي نساعد الجسم في التغلب على المرض علينا أن :

ـ نحافظ على نظافتنا.

ـ نرتاح جيدا.

ـ نتناول أطعمة صحيّة أي أطعمة مغذّية.

إنّ استعمال الماء النظيف يأتي بالدرجة الأولى لإبعاد الأمراض خصوصا لدى الأطفال ، إنّ الماء النظيف يبعد الإسهال عند الأطفال ، وإنّ إعطاء الطفل المصاب بالإسهال الماء والسوائل بكثرة أهم من الأدوية ، كذلك فإنّ تناول الماء النظيف يمنع الطفيليات ويبعد التهاب الأمعاء.

قد يعتبر البعض أنّ استعمال الماء أهم من الدواء في الحالات التالية : التهاب الجلد ، الاستحمام بانتظام ، التهاب الجروح والإصابة بالكزاز ، تخفيف الحرارة ، التهاب مجاري البول ، السعال والربو (إعطائه السوائل). استعمال بخار الماء لتليين احتقان المخاط والتهابات الحنجرة ، الأمراض الفطرية ، البثور وقشرة

٤١٣

الرأس ، ألم وتشنج العضلات (كمادات ماء ساخن) حكاك ، حروق أو إحمرار الجلد ، (استعمال كمادات ماء بارد) ، إكتام المعدة يخفّف بشرب الكثير من الماء.

العلاج بالصوم :

إنّ الحكمة الطبية تقول : «الوقاية خير من العلاج». وتوصي مدارس (الطب الوقائي الطبيعي) بالصوم ، حيث الوقاية تعني لديهم :

الهواء النقي ، الماء النظيف ، أشعة الشمس ، الهدوء النفسي ، والراحة الفيزيولوجية أي راحة الأعضاء من عملها الدائم (وذلك بالصوم على فترات).

هناك حالات يرفض خلالها الجسم الطعام ، ومن ثم يكون الصوم دعما لراحة الأعضاء تلك ، خاصّة في حال وجود مرض في الجهاز الهضمي ، أو إصابة الجسم (بالحمى ، الإسهال ، الكوليرا ، التهاب القولون ، التهاب المفاصل ، الأمراض الصدرية ، الأمراض المزمنة مثل السكري وأمراض القلب وأمراض رئوية مزمنة).

من أمراض الجسد إلى أمراض النفس ، حيث أكد الأطباء العاملون في هذا المجال ، وبعد تجارب واختبارات أكّدوا أنّ الصوم يعمل بنجاح كمنبّه قوي للتحكم في أعراض العديد من الأمراض النفسية كالفصام ، والوسواس والهوس ، وأفضل ما يجب تناوله بعد انتهاء حالة الصوم هي الخضراوات والفواكه ، ويجب عدم تناول وجبة كبيرة قبل مرور بضعة أيام من قطع الصوم الطبي ، إنّ ذلك يبقى أقل من صعوبة وآلام المرض.

كان الصوم وبقي طريقة علاجية مفيدة منذ ولد الطب مع الحكمة ، وفي هذا المجال تحدّث المؤرخ اليوناني هيرودوث (القرن الخامس ق. م.) بأنّ المصريين القدماء كانوا يصومون ثلاثة أيّام كل شهر ، وفي بلاد اليونان القديمة ، صام الحكيم الفيلسوف أبيقور (القرن السادس ق. م.) لمدّة أربعين يوما قبل أن يؤدّي الامتحان الكبير في جامعة الإسكندرية ، وذلك لشحذ قواه العقلية وطاقة الإبداع عنده ، أمّا سقراط (القرن الخامس ق. م.) فإنّه كان يصوم مدّة عشرة أيام

٤١٤

كلما طمح إلى حسم أمر يستحقّ ذروة التفكير ، وكان أبقراط أبو الطب اليوناني (٤٦٠ ـ ٣٧٠ ق. م.) يصف للمريض الصوم وهو في أحرج مراحل المرض ، وكان يقول :

«في داخل كل منّا طبيب ، وما علينا إلّا أن نساعده حتى يؤدي عمله».

وأوصى الطبيب الروماني الشهير جالينوس (القرن الثاني للميلاد) بالصوم كعلاج لكل حالات الحزن وفقد الحب وفرط التوتر.

وكان الشيخ الرئيس ابن سينا (٩٨٠ م ـ ١٠٣٧ م) يفضّل الصوم على الدواء وفي ذلك قال :

«إنّه الدواء الأرخص» ووصفه للغني والفقير.

إنّ الصوم الطبي ، والذي تناقلت مشعله كل تلك الأيدي (والقائمة تطول كثيرا) إلّا الشكل الأقرب إلى الصوم لدى المسلمين ، إنّه الامتناع التام عن كل طعام وشراب ما عدا الماء.

إنّ الامتناع عن بعض الأطعمة هو ما يعرف بالحمية ، وهي ليست من الصوم الطبي الذي نعنيه هنا.

يؤكد علماء وظائف الأعضاء ، بأنّ الصوم التام عن كل طعام وشراب ما عدا الماء أمر ممكن ، وأنّه باستطاعة الإنسان البقاء دون طعام مدّة أربعة وسبعين يوما شرط أن يتناول ما يكفيه من الماء.

إنّ فترة الصوم العلاجي تختلف من مريض إلى آخر ، ففي عملية الصوم الطبي ـ العلاجي ـ يلجأ الجسم إلى زيادة نشاط عملية طرح وتخليص الجسم من الفضلات والسموم خاصّة من الأنسجة المريضة ، ويعتمد الجسم في تغذية نفسه ممّا يخزنه من سكريات ودهنيات ، ويقال طبيا إنّ القلب يرتاح في حالة الصوم وتنخفض ضرباته.

إنّ أهم عملية في الصوم الطبي هو تخلص الجسم من الفضلات والسموم ، حيث تنظف القناة الهضمية تماما من جراثيمها خاصّة الأمعاء الغليظة ، وبذلك

٤١٥

تمنح الجهاز الهضمي راحة ، وتصير بشرة الجلد أنقى ، والعيون أصفى وأكثر بريقا ، ويستعيد الجسم شبابه وتبعد الشيخوخة ، هذا ما أكّده الطب وعلماء الفيزيولوجيا.

المضادات الحيوية ومخاطرها :

تعتبر المضادات الحيوية أدوية عظيمة الأهمية إذا أحسن استعمالها ، وهي تعمل ضد التهابات معينة وبطرق مختلفة ، كما لها مخاطرها وبدرجات مختلفة ، ولذا وجب أخذ الحذر الشديد في انتقائها واستعمالها.

هناك أنواع كثيرة من المضادات ، ويجب أن لا تستعمل إلا بعد معرفة كل الاحتياطات الواجب اتخاذها وهي :

* إذا سبب المضاد الحيوي ظهور طفرة على الجلد أو حكاك أو صعوبة في التنفس أو أي رد فعل خطر ، وجب إيقاف استعمال الدواء ، وعلى المريض ألّا يستعمله فيما بعد طيلة حياته.

* لا تعطى الحامل بعد شهرها الرابع ، أو الأطفال دون عامهم السادس أي تيتراسيكلين.

* لا تستعمل الإبر حقنا للرشح أو للزكام.

* إنّ كثرة استعمال المضادات الحيوية ، يفقدها الكثير من الفعالية ، فلا تعود مفيدة للمريض إذا احتاج إليها في المستقبل.

* إذا تناول الإنسان حقنة من مضاد حيوي ، وجب أن يحضر أنبوبا من الأدرينالين لاستعماله في حال ظهور حساسية تجاه المضاد الحيوي.

* يجب عدم استعمال المضاد الحيوي (كلورام فينيكول) للأطفال إلّا في حالات نادرة جدا كالسعال الديكي.

* بعد إعطاء حقنة الدواء ، وجب البقاء بالقرب من الشخص المحقون ولمدّة ٣٠ دقيقة لمراقبة حدوث أيّة دلائل لحصول صدمة ، والدلائل هي :

٤١٦

ـ اصفرار ورطوبة وبرودة البشرة.

ـ سرعة النبض وضربات القلب مع ضعف فيهما.

ـ صعوبة في التنفس.

ـ فقدان الوعي.

إن ظهرت على المريض أي من هذه الدلائل ، يجب حقن المريض فورا بالأدرينالين ، ثم إعطائه جرعة مزدوجة من مضاد الهستامين.

إرشادات ووصايا صحية :

إنّ الدواء المستعمل لأسباب تافهة ، يفقد مفعوله لمقاومة الأمراض الخطرة.

إنّ استعمال مشروب الزهورات لمعالجة السعال والبرد ، أكثر فعالية ، وأقل ضررا من أي دواء قوي يصنفه الأطباء.

إن استعمال الشاي التي تقدمها الأمهات لأطفالهن المصابين بالإسهال ، أشد تأثيرا وأقلّ خطرا من معظم الأدوية الحديثة.

ليس هناك أي تأثير أو فائدة للوصفات المنزلية ضد العضات السامّة لكل من : الأفعى ، العقرب ، العنكبوت ، أو أي حيوان سام آخر ...

قال بعض الحكماء : «من أراد الصحة فليجود الغذاء ، وليأكل على نقاء ، وليشرب على ظمأ ، وليقلل من شرب الماء ، ويتمدد بعد الغذاء ، ولا ينام حتى يعرض نفسه على الخلاء ، وليحذر دخول الحمام عقيب الامتلاء ، ويتمشى بعد العشاء».

قال الحارث بن كلدة (طبيب العرب) : «أربعة أشياء تهدم البدن : الجماع على البطنة ، دخول الحمام على الامتلاء ، أكل القديد ، جماع العجوز».

قال أحد الأطباء : «لا تشرب الدواء إلّا من علّة ، لا تأكل الفاكهة إلّا في نضجها ، أجد مضغ الطعام ، لا تأكل حتى تجوع ، لا تحبس البول ، خذ من

٤١٧

الحمام قبل أن يأخذ منك ، لا تأكل طعاما وفي معدتك طعام ، إيّاك أن تأكل ما تعجز أسنانك عن مضغه ، فتعجز معدتك عن هضمه».

قيل : أربعة مسبّبة لمرض الجسم.

١ ـ الكلام الكثير ، يضعف الدماغ.

٢ ـ النوم الكثير ، يعجل بالهرم.

٣ ـ الأكل الكثير ، يصفر الوجه ، يعمي القلب ، يكسل عن العمل ، يولد الرياح ، يفسد المعدة ، يضعف الجسم.

٤ ـ الجماع الكثير ، يهدّ البدن ، يضعف القوى ، يرخي الأعصاب.

قيل : إحذر الجمع في الطعام بين السمك والبيض ، بين السمك واللبن.

قيل : (العادة طبع ثان) ، وللعادة قوة في الجسد ، وهي الأساس في حفظ الصحة ومعالجة الأمراض.

«لا تكن ممّن إذا جهل شيئا عاداه».

لمن يتعاطى أدوية منوّمة ، ينصح بتجنب المشروبات التي تحتوي على مادة الكافيين مثل الشاي والقهوة والكولا ، حيث يقل مفعول الدواء ويسبّب الأرق والاضطراب العصبي.

عن رسول الله ، قيل : بأنّ طبخ اللحم باللبن يقوي الجسم.

لتقوية الجسم ، ينصح بتناول خل التفاح مذوبة في كباية ماء مع ملعقة عسل ، فإنها تجدّد قوى الإنسان وتزوده بالطاقة.

٤١٨

* الفصل الثاني

المكوّنات الرئيسية للأطعمة

١ ـ البروتينات

٢ ـ الكربوهيدرات (ماءات الفحم)

٣ ـ الدهون

٤ ـ الفيتامينات

٥ ـ المعادن

٦ ـ الماء

* إن الإفراط في جني المباهج وملذات المآكل والمشارب ، يسدد ثمنها الباهظ فيما بعد ، لذلك من الواجب أن تحسن اختيار ما تدخله في جوفك من طعام وشراب.

٤١٩
٤٢٠