موسوعة الطب القديم

حسن نعمة

موسوعة الطب القديم

المؤلف:

حسن نعمة


الموضوع : الطّب
الناشر: رشاد برس
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٢٩

* الفصل الثاني

الطبابة والأطباء

ـ الأطباء القدماء

ـ الطب بين الأسطورة والفلسفة

ـ التعريف بالطب لدى العرب

ـ الإسلام وصناعة الطب

ـ ضوابط لممارسة الطب لدى العرب والمسلمين

ـ أطباء عرب ومسلمين

* ما زال تجار العطارة في العديد من المدن العربية يستخدمون موسوعة ابن سينا وتذكرة داود الأنطاكي وغيرهما من أطباء العرب القدامى لعلاج المرضى الذين ما زالوا يؤمنون بالعلاج العشبي.

٢١
٢٢

الأطباء القدماء :

قديما ، عاش الإنسان في منطقة الشرق الأدنى ، وعلى مرور آلاف السنين في بيئة سيطر عليها الدين والآلهة ، وإلى جانبها الشياطين المسؤولة عن الأمراض التي يعانيها الإنسان (ولا بد من تهدئتها) ، ولذلك تميّز الطب لدى القدماء خاصة في بلاد ما بين النهرين (العراق) بالجمع بين العلاج الظاهري وبين التقاليد السحرية والدينية ، ومن المعروف أن صناعة الطب هي من أقدم التقنيات التي مارسها الإنسان ، وعن طريق التجربة والمعرفة البسيطة المتوارثة توصّل الإنسان قديما إلى أن يركّب أدوية بمزج نباتات بغية علاج بعض الحالات المرضية ، وكان هذا الطب خليطا من معرفة ومن طقوس سحرية ودينية ، اعتقادا منه أن حلول مرض ما ، في جسد الإنسان إنما يعود إلى خطيئة ارتكبها الإنسان فأغضبت الآلهة أو أنها نتيجة تدخّل أرواح شريرة.

لم يقتصر فن العلاج في غربي آسيا قديما على فئة محددة من الناس ، فالكهنة والعرّافون والأطباء بالتجربة جميعهم عملوا على علاج المرضى.

في بابل ، عمد العاملون في صناعة الطب إلى تشكيل قوائم بالنباتات الطبية التي استخدموها ، وقاموا بتحضيرها وصنع المراهم والدهانات منها.

وفي عهد الدولة الآشورية ، انتشر الطب انتشارا واسعا حتى كان القرن السابع ق. م. وأثّر ذلك تأثيرا كبيرا في الإغريق.

أما في مصر القديمة فقد حفظت لنا البرديات العديدة ، الكثير من العلوم والمعارف الطبيّة التي مارسها المصريون القدماء ، وقد جاء في بردية (تعرف باسم برديةEbers ايبرس) والتي تعود إلى العام ١٥٥٠ ق. م ، والتي تعتبر أقدم كتاب طبي عثر عليه حتى اليوم ويبلغ طول البردية ما يقارب المترين ، وفي هذه البردية عرض ل : خمسة عشر مرضا لأمراض البطن ، وتسعة وعشرين مرضا لأمراض

٢٣

العين ، وثمانية عشر مرضا من أمراض الجلد ، وواحد وعشرين طريقة لعلاج السعال ، كما تحتوي على سبعماية دواء وثمانماية تركيبة دوائية من أصل نباتي أو معدني أو حيواني ، وفي بردية أخرى قرأ العلماء شروحات لأمراض نسائية دون غيرها من الأمراض.

وفي مصر القديمة ، أنشئت مؤسسات عرفت باسم (بيوت الحياة) لمعالجة المرضى ، كما كانت ممارسة الطب تنتقل من الأب إلى الابن ، وكان الأطباء يشكّلون جزءا من النخبة في المجتمع حيث يجاورون الكهنة والقادة وكانوا يتمتّعون بألقاب مثل : الطبيب ، الرئيس ، الطبيب الرئيس ، طبيب البلاط ، وكان بعض الأطباء يطلق على نفسه اسم الطبيب الساحر أو الطبيب الكاهن.

ذكر المؤرخ الإغريقي هيرودوت ، أنّ الأطباء المصريين كانوا من المتخصّصين ، حيث كان طبيب لأمراض العين وآخر للبطن وثالث لأمراض النساء وهكذا .... كان هناك تبادل مستمر بين وادي النيل وبلاد ما بين النهرين.

الطب بين الأسطورة والفلسفة :

قديما في بلاد الإغريق ، كان الاعتقاد أنّ غضب الآلهة يحدث أمراضا انتقاما أو عقابا للإنسان ، وهذا ما قال به معظم فلاسفة الإغريق الطبيعيين ، الذين شكلوا المدارس وأسّسوا المذاهب والنظريات ، ويعزى نشأة الطب إلى أبو قراط (المولود عام ٤٥٠ ق. م وأقام فترة في مصر ومات عن مائة عام) وقيل أنّه استلهم برديات مصر القديمة.

كان الأطباء ومنذ عهد أبو قراط يصنعون الأدوية بأنفسهم وذلك بسحق المواد (نباتية المصدر أو حيوانية أو معدنية) وهرسها ، كما استخدموا الكي والفصد والمسهلات والمقيّئات ، وظلت هذه الوسائل مستخدمة حتى نهاية القرن الثامن عشر للميلاد.

من حكم أبو قراط :

ـ الأمراض التي تنشأ عن الامتلاء تعالج بالتفريغ ، وتلك التي تنشأ عن الخلو تعالج بالامتلاء ، وعموما النقيض بالنقيض.

٢٤

ـ الأشخاص الأكثر بدانة يكونون أكثر عرضة للموت المبكّر من النحاف.

ـ الذين يتقوّس ظهرهم إثر إصابتهم بالربو أو السعال قبل سن البلوغ يهلكون بدرن العمود الفقري والدرن الرئوي.

ومن فلسفة الطب القديم ، قولهم أنّ جسم الإنسان يتركّب من عناصر أربعة : الماء والتراب والهواء والنار ، ويترتّب على هذه العناصر الأربعة ، خواص أربع هي : البارد والساخن والرطب والجاف ، وبالمثل يحتوي جسم الإنسان على أخلاط أربعة هي : الدم والبلغم ، والصفراء والسوداء ، (الصفراء هي السائل المراري الأصفر والسوداء هي السائل المراري الأسود).

كان الطبيب يتقاضى أتعاب عمله من الإنسان المريض ، أمّا من لا يستطيع دفع أتعاب الطبيب فكانوا يلجأون إلى المشعوذين وعرّافي القرى والحلّاقين الذين يركّبون أدوية ويوزعونها على المرضى الفقراء ، إضافة إلى تعاويذ وأحجيات تستمد العون من آلهة ـ أصنام وأوثان وأرواح ـ وظلّ السحر منتشرا ، ومن هنا سجّل العديد من الأطباء الإغريق أسماءهم في سجلات الخلود ، وذلك من خلال أعمالهم الطبيّة ، كتبوا وعالجوا شتّى أنواع الأمراض الجسدية ، وقاموا بنشر علمهم من مكان لآخر في حوض البحر المتوسط ، وبشكل عام يعتبر الأطباء الإغريق المؤسّسون الحقيقيون للطب الحديث ، إنّ أوّل موجز في طبّ الأعشاب وضعه الإغريقي ديوقليس الكاريستي ، كما أنّ الطبيب اليوناني هيروفيلوس أوّل من سمّى غدّة البروستات بهذا الإسم ، ومعنى التسمية (الشيء الذي يقع في المقدمة) وقد ذاعت شهرته في العالم القديم.

خلال فترة العصور الوسطى ، أنشئت المستشفيات في المدن الإسلامية وفي مدينة القسطنطينية وفي عدّة مدن تابعة للكنيسة المسيحية ، وامتاز عدد من الأساقفة والرهبان بمعرفة طبيّة إلى جانب معارفهم اللاهوتية والفلسفية ، وكثر عدد الأطباء الكهنوتيين ، وأخذ المرضى يقصدون الكنائس طلبا للشفاء ، ورأى رجال الدين المسيحيون خلال القرون الوسطى أنّ الأمراض هي عقاب شرعي لخطايا ارتكبت ضد الرب أو ضد الأخلاق.

٢٥

قبل ظهور الإسلام ، استخدم العرب الوسائل العلاجية نفسها التي استخدمتها كل الشعوب البدوية في الشرق الأدنى والأوسط ، توجّهوا إلى قوى الطبيعة العليا من أجل شفاء مرضاهم ، وكانوا يردّدون عبارات سحرية في زيارتهم أماكن العبادة ، جبّروا الكسور وأعدّوا المراهم واستحضروا أدوية شراب من أعشاب الصحراء ، وبعد ما انتشر الإسلام من الهند شرقا حتى المحيط الأطلسي غربا ، وبانتشار اللغة العربية خلال هذه المنطقة الشاسعة ، يسّرت التواصل بين الطب والأطباء وسط هذا العالم.

خلال القرن السادس للميلاد برز أطباء يهود ومنهم عسّاف الطبري الذي ميّز بين الشرايين والأوردة ، وقال بأن القلب هو مركز الدورة الدموية ، ووضع عدّة كتب منها كتاب في أمراض الهضم ، وخلال القرن السابع للميلاد ، وبعد انتشار الإسلام على طول الشاطىء الجنوبي للبحر المتوسط بشكل كامل ، برز عدد من الأطباء اليهود خاصّة في المغرب وفي إسبانيا ، وكانت معظم مؤلّفاتهم مستوحاة من الإغريق.

الطب عند العرب :

كان الطب في البدء كما سبق وذكرنا ، سحرا وشعوذة وتهاويل ، مقرونا بمظاهر الطبيعة والأرواح ، ثم بدأ يأخذ شكلا آخر كالكي والفصد وصناعة بعض العقاقير من النباتات والأشجار المعروفة لديهم آنذاك ، معتمدين على التغذية والحمية والتجربة.

لقد ورد في الكتب الطبيّة العربية ، أنّ العرب عرفوا الأوبئة مع ذكر أسبابها وعلاماتها ومعالجتها ، قالوا عن الوباء ، «هو كل مرض عام» ، وقالوا :

ـ إن الهواء هو إحدى الطرق لانتقال الحشرات والهوام ومعها الجراثيم.

ـ وفي الماء قالوا : «يفسد الماء عن طريق العفونة أو وجود أجسام متعفّنة فيه ، وهو ينقل الجراثيم الوبائية المسبّبة لكلّ من الكوليرا والحمّى التيفوئيدية ، والزحار.

٢٦

ـ عن طريق الأغذية ، خلال الأعياد ، فساد المراعي حيث تفسد لحوم الحيوانات ، والمعروف أن الأطعمة هي إحدى طرق نقل الجراثيم إلى الإنسان.

ـ الأحداث النفسية.

ـ العدوى من مريض إلى آخر.

كذلك ورد على ألسنة الأطباء العرب القدماء أنّ من علامات الوباء ، «أن ترى الفأر والحيوانات التي تسكن قعر الأرض تهرب إلى ظاهر الأرض ...».

وبعد ما اطلع العرب على حضارة اليونان وعلومهم ، وحضارة الهنود وعلومهم ، عن طريق ترجمة كتب أبقراط وأرسطو وسقراط وجالينوس ، برعوا وتفوّقوا في هذا الميدان وأصبحوا أساتذة العالم في علم الطبّ والمداواة خاصّة خلال الفترة ما بين القرنين الثامن الميلادي حتى التاسع عشر الميلادي ، وازدادوا خبرة وبرز أسماء أطباء كابن سينا والرازي وابن رشد ووضعوا الكتب القيّمة والتي درّست في كليّات ومعاهد أوروبا ابتداء من القرن العاشر م.

في هذه الفترة الزمنية كان الأوروبيون يعزون حدوث الأوبئة ـ الأمراض ـ إلى أسباب إلهيّة معاقبة للبشر على ذنوبهم ، وكانت الكنائس تعجّ بالمصلّين ، ويسمع جليا صلوات ممزوجة بالأنين والصرخات.

ومما شجّع شيوع الطبّ وزاد من شهرة العاملين في هذا الميدان هو تعهد الخلفاء والحكام للأطباء ، فازداد أعداد الأطباء ومعهم كثرت الكتب التي تتناول الأمور الطبية ، وبنيت المستشفيات ، واكتشفت العقاقير المستخرجة من النباتات ، وتبوّأ العرب مركز الصدارة في عالم الطب ، ممّا جعل الغرب يتّجه بأنظاره نحو الشرق للإطلاع على كتب الطبّ العربي المترجمة عن اليونانية والموضوعة من قبل أطباء عرب.

ما هي المواضيع الطبية التي تناولها العرب في كتبهم التي خلّدتهم ومارسوها في المستشفيات؟ كانت (الحجامة ، الفصد ، الكي ، الحقنة ، الضمادات ، الاستئصال ، البتر ، القطع ، السفوف ، الشرط ، الحمية ، التغذية) كما صنعوا من النباتات ومن أوراقها وجذورها وقشورها وزهرها أدوية أحادية أو

٢٧

مركبة ، وكانت أدويتهم تعطى شرابا عن طريق الفم أو سفوفا أو استعمالات خارجية كمراهم أو تمضمض أو تنشّق.

ولا عجب في ذلك فإذا لجأ باحث اليوم ، وحقّق في أصل معظم الأدوية الحالية ، لوجد أنّها من نباتات وأشجار وفاكهة مثل :

شجرة الكينا لمعالجة الملاريا.

شجرة الصفصاف لتركيب أدوية القلب.

أشجار الغار والسنديان والبطم ، ومن الأخيرة مواد تدخل في صناعة معجون الأسنان ، إضافة إلى العديد من الأشجار والنباتات مثل البيلسان والورود والبنفسج والزعفران والكزبرة والنعناع والكراويا وغيرها كثير ...

لم يقتصر دور الأطباء العرب قديما على تصنيع أدوية إفرادية أو مركبة وتقديمها علاجا لأمراض وحالات جسدية ، بل عمدوا إلى تطبيب المريض بما قدّموا من حنان وسكينة ورفع معنويات ونظافة جسدية ، إلى جانب الغذاء الجيّد والصحيح ، بغية إعادة المعادلة المزاجية والطبيعية في جسده ونفسه.

إنّ البحث في العديد من العلوم الطبية الغير معروفة والغير منتشرة بين عامّة الناس تظهر كم للأعشاب من دور هام وخصائص مميزة في معالجة حالات مرضية ، جسدية ونفسية.

الإسلام وصناعة الطب :

بعد ظهور الإسلام وتوسّع الفتوحات الإسلامية ، تعرّف العرب إلى أكثر العلوم الطبية لدى الهنود والإغريق ، وذلك على أيدي الأطباء الذين عمدوا إلى ترجمة المؤلّفات الطبية الهندية واليونانية.

الطب الإسلامي ، الإسلام وصناعة الطب ، ما هو تعريف وتوصيف الطب الإسلامي؟

هل يتم فحص المريض وتشخيص آلامه وأوجاعه ومن ثمّ علاجه بموجب علوم طبية إسلامية حصرا؟

٢٨

هل هناك طب إسلامي وآخر غير إسلامي؟

هل يتناول العلاج قراءات لآيات قرآنية أو لسور معيّنة من القرآن الكريم؟ أو اللجوء إلى صلاة لعدّة ركعات؟

وبذلك يكون الدواء؟!

هل هذا هو الطب الإسلامي؟؟

وهل هناك أدوية إسلامية وأخرى غير إسلامية؟

تساؤلات عديدة وأفكار متشعبة تذهب بعيدا حول هذه الجملة (الطب الإسلامي).

الإسلام دين سماوي ، أنعم به على الإنسانية خالق كون شاسع لا حدود له ، وما ورد في القرآن الكريم هو كلام الله الخالق جلّ جلاله (لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ) [سورة الحشر ، الآية ٢١].

لقد جاء الإسلام بنواميس وطقوس محرّما ما يضرّ بصحة الإنسان ونهى عمّا يثير النشوة في نفس الإنسان ويضرّ بتصرفاته ونصح بالاعتدال وبما يحفظ بدن الإنسان كما وردت آيات عديدة في القرآن ترشد الإنسان لاتباع الصحة الغذائية والجسدية ، نهى الإسلام عن الإتيان بالفجور المسبّب للأمراض السارية ، وتحدّث رسول الرحمة النبي محمد حول أصول الصحة فنهى عن الأكل قبل الجوع ، والكفّ عنه قبل الشبع ممّا يمنع السدود وفساد الأخلاط والتخمة التي هي من أمّهات الأمراض إلى غير ذلك ممّا يضيق به هذا التعريف المختصر ، حرّم الإسلام الأشياء الضارّة بصحّة الإنسان ممّا أثبت الطب أضرار استعمالها بعد التجارب العلمية الكثيرة حديثا ، فمتى التزم المسلم بها ، أي بتلك الآداب والسنن والأحكام والتعاليم فإنه يبعد عن نفسه العدوى والمسبّبات للعديد من الأمراض والآلام الجسدية.

كان الرسول محمد يردّد قائلا : «إنّ الذي أنزل الداء أنزل الدواء».

يعتمد الطب الإسلامي على فلسفة مميّزة ، حيث يعتمد الفواكه والخضار

٢٩

والنباتات كمواد في العلاجات ، لأنّها مواد طبيعية ، من الطبيعة مباشرة وفيها الحياة ، وتختلف عن المواد الكيماوية ، فالإنسان مخلوق يتغذّى على النبات ولحم الحيوان ، وإذا حدث أن أصيب بمرض ما ، معنى ذلك أنّ خللا حدث في العناصر النباتية أو الحيوانية في جسمه ، ويكون العلاج بإعطائه نباتا معينا يحتوي على المواد التي تعالج الخلل لديه.

المعروف علميا أن لكلّ ألم أو مرض سبب وظواهر ، ومن ثمّ العلاج ، ودور الطبيب أو المعالج هو معرفة سبب العلّة أو الألم أو المرض ، من خلال الظواهر البادية على المريض (نبض ، ضغط ، حرارة ، لون البشرة ، التنفس ، العيون ...) ومتى عرف السبب تمّ تشخيص المريض بشكل صحيح ، ويتمّ بالتالي وصف الدواء المناسب والمفيد والشافي.

إنّ الطبيب ـ المعالج ـ الذي يعتمد الطب الإسلامي كطريقة للعلاج ، لا يرفض الأجهزة التكنولوجية الحديثة المعتمدة في أيامنا الحاضرة ولا يرفض أعمال المختبرات العلمية ، إنّما يعتمد كل هذه الوسائل للوصول إلى معرفة ما يدور في جسم الإنسان من تبدّلات وحالات غير طبيعية.

لقد مرّ استعمال النبات والأعشاب كعلاج للأمراض والآلام بمراحل عديدة وتجارب كثيرة ، ونحن نعرف ، نسمع ونقرأ عن العديد من البعثات ، غربية وأميركية بصورة خاصة ، تجوب المناطق الغنية بالنباتات والغابات وبشكل خاص غابات الأمازون وإفريقيا بحثا عن الأدوية في أوراق وأغصان وجذوع النباتات ، وتقيم فترة مع سكان هذه المناطق لتتعرّف على كيفية استعمالها لهذه النباتات كعلاج.

إنّ الدول الإسلامية والعربية منها ، غنية بالنباتات ذات الخصائص العلاجية لجميع الأمراض ، من كل ما تقدم نقول إن المملكة النباتية هي مصنع على مستوى عال من الكفاءة يستخدمها بشكل مبسّط وساذج أبناء المناطق الريفية وسكان الغابات ، كمصدر رئيسي للعلاج ، وهذا هو شأن العالم كله.

إن للأدوية الكيماوية مضاعفات تتراوح بين ٢٠ و ٣٠ خ وقد يصيب

٣٠

استخدامها عضوا آخر في الجسم ، إنّ حبة دواء مصنّعة كيماويا تذهب بالصداع مثلا ، ولكن في حالات عديدة قد تصيب المعدة أو الكلى ، أو إنّ حقنة بنسلين لمعالجة حالة لدى إنسان لديه حساسية تجاه مادة كيماوية ، يمكن أن تؤدي إلى قتله ، والمضاعفات كثيرة في هذا المجال.

هل الأدوية النباتية خالية من المضاعفات؟

قد لا تخلو ، إنما مضاعفاتها أقل من مضاعفات الأدوية المصنّعة كيماويا.

في السابق كانت محلات العطارة ، هي الأماكن التي تهتم ببيع النباتات المستحضرة للعلاج ، أما اليوم فقد أخذت دول عديدة في العالم تهتم بإنشاء مراكز خاصة لدراسة النباتات الطبية وتخصيص ميزانية كبيرة لذلك ، وأقيمت كليات للصيدلة تدرّس العلاج بالأعشاب ، كما أقيمت في العديد من المحلات التجارية الكبرى ـ سوبر ماركت ـ قسم كامل للنباتات الطبية ، ويمكن لأي إنسان أن يشتريها ويتناولها ومع كل دواء نشرة توضح أسباب وطرق استخدامه وجوانب تأثيراته العلاجية.

وفي تعريف الطب إسلاميا ، ما قاله الإمام الصادق في مناظرة له مع طبيب هندي كان يقرأ كتابا في الطب الهندي في مجلس الخليفة العباسي المنصور ، قال الإمام الصادق للطبيب الهندي :

«إن ما معي خير ممّا معك ، أداوي الحار بالبارد ، والبارد بالحار ، والرطب باليابس ، واليابس بالرطب ، وأرد الأمر كله إلى الله عزوجل ، وأستعمل ما قاله الرسول ، وأعلم أن المعدة بيت الداء وأن الحمية رأس كل دواء وأعود البدن ما اعتاده».

فقال الهندي :

«وهل الطبّ إلّا هذا».

فقال الإمام الصادق :

«أتراني من كتب أخذت ، لا والله ما أخذت إلّا عن الله سبحانه وتعالى».

٣١

تحدّث الإنسان ومنذ أقدم الأزمنة عن الترياق الشافي من سموم الأفاعي ، وجاء الأطباء المسلمون وذكروا الأفعى السامّة ، وذكروا أنّ لحمها هو الترياق الذي يعالج به السم ، أي أن لحمها شفاء من سمّها ، كما ينفع من لدغ العقرب وعض الكلب ومعالجة الفالج والارتعاش والصرع.

إنّ الطب الحديث استخرج أدوية شافية من العفن ...

لقد تأسّس اليوم في البلاد العربية مراكز للعلاج بواسطة الأدوية النباتية وأصبح لها تنظيمها ومهتمون ومشرفون على حسن سير عملها من حيث سلامة النباتات وفعاليتها في شفاء المرضى ، كما كثرت المدارس العاملة في ميدان الطب العشبي خاصة في بلاد الشرق الأقصى (الصين والهند) حيث المحافظة على التراث ، ولهذه المدارس أساتذة يجهدون في تعميم معرفتهم ورواد للعلاج.

لا يقتصر الطب أو العلاج فقط على أعضاء الجسم المعروفة من (قلب ، معدة ، رئة ، أمعاء ، كبد ، عيون ، ...) فالإنسان ليس فقط أعضاء دموية وهضمية وتنفسية وعصبية وغيرها .. إنّما هو مخلوق كامل فيه (الجسد والنفس والروح). إنّ الطبيب العصري ، مكتسب العلوم الطبية الحديثة يعمل على اعتبار أن المريض مادة مكوّنة من أعضاء مادية ، يعالجه بأدوية مركبة تركيبا كيماويا أو مستخلصا من مواد طبيعية صنعت وحفظت في علب صغيرة ولمدة زمنية محددة.

أما الطبيب الذي يتبنى مفهوم الإسلام ونظرته إلى الإنسان (جسد ، نفس ، روح) يعمل على أنه كائن متكامل من العناصر الثلاثة معا ، قد يكون مرضه نتيجة مشكلة في العمل أو ضمن أسرته ، ممّا يجعلها تنعكس على حالته الصحية آلاما أو تعبا أو إرهاقا أو إحساسا بألم.

تحدّث العالم والطبيب الإسلامي ابن سينا والملقّب بالشيخ الرئيس ، عن الأمراض ، أسبابها وعلاجها ومظاهرها وذكر أن لحصول المرض أسبابا منها ظاهرة ومنها كامنة ، أمّا الأسباب الظاهرة فهي (مادية) مثل : فساد الهواء ، فساد الماء والأبخرة الرديئة ، الأماكن الرطبة ، كثرة السكان ، وقلّة النور ، شدّة الحرارة والبرودة ، فساد الطعام والمستنقعات والحروب وشرب الخمور وارتكاب المعاصي ، وغير ذلك من الأسباب التي تجعل الجسم مستعدا لقبول العدوى.

٣٢

أما الأسباب الكامنة (المعنوية) مثل :

الوراثة والسن والجنس والمزاج الضعيف ، الجوع والتعب المفرطين ، وقد يكون منها الغضب والوهم والغم والهم والحزن والرعب والخوف والعشق ... وبأن الأسباب النفسية كثيرا ما تؤثّر في حدوث الأمراض أو تطورها ، وأخيرا تنهك القوى التي تجعل الجسم عرضة لكل عدوى.

ضوابط لممارسة الطب عند العرب والمسلمين :

وضع الأطباء العرب والمسلمون قواعدا وضوابط لممارسة الطب ، ولرفع مستوى الطبيب وتحديد أطر علاقته مع المريض. ويعتبر هذا تقدما في مجال الطب ، كان ذلك زمن نهضة العلوم لدى العرب المسلمين في وقت لم يكن في العالم القديم علم يعتدّ به إلّا ما كان لدى الأطباء العرب المسلمين.

إنّ الازدهار الذي نراه اليوم ، ما هو سوى محصلة حضارات متعاقبة على مرّ العصور ، وكان من أكبر هموم العرب الذين فتحوا نصف العالم القديم في قرن واحد كان من أعظم همهم أن يضمّوا إلى عظمة الفتح ، العلم ، فاقتبسوا علوم من سبقهم وعلوما أخرى عاصرتهم مستفيدين منها ، هضموها وأضافوا إليها الكثير من علومهم وتجاربهم.

ونلخّص ضوابط وقواعد ممارسة الطب لدى العرب المسلمين فيما يلي :

١ ـ أن يكون الطبيب الذي يرغب بممارسة الطب كفؤا من الوجهة العملية ، وذلك بحصوله على شهادة طبية تجيز له ممارسة مهنة الطب ، وكان الخليفة العباسي المقتدر أوّل من سنّ هذا النظام ، وذلك من خلال امتحان يجري على يد (سنان بن ثابت بن قرّه) وهو رئيس الأطباء في ذلك الوقت.

٢ ـ لقد اشترط على كلّ من يريد ممارسة الطب أن يؤدي قسما طبيا يقطع به عهدا على نفسه أن يلتزم بتطبيق بنوده ، ويشمل هذا القسم أغلب بنود وفقرات قسم أبيقراط مع تغيير وتحوير فيه ممّا جعله أقرب لآداب المهنة ، وأكثر ملائمة للمفاهيم الإسلامية الداعية للطهارة والفضيلة في ممارسة مهنة الطب.

٣٣

٣ ـ الرقابة الطبية ، حيث وضعت أسسا لمراقبة من يمارس الطب ، وشرّعوا لذلك نظاما حدّدوا بموجبه الأركان التي يجب أن يدور حولها علاج الطبيب وهي : «حفظ الصحة الموجودة ، وردّ الصحة المفقودة بحسب الإمكان ، وإزالة العلّة أو تقليلها بحسب الإمكان» ، وعملوا على حجب الإجازة الطبية عمّن يجدوا فيه تقصيرا أو عجزا.

٤ ـ إتقان العمل ومتابعة التحصيل العلمي ، حيث أعطوا لموضوع إتقان العمل الطبي والمحافظة على مستوى عال في مزاولة مهنة الطب أهمية قصوى ، لأنّ ذلك يتعلّق بحياة الإنسان وموته ، وفي ذلك كان الرازي ينصح طلاب الطب بما يلي :

«... الاستكثار من قراءة كتب الحكماء والوقوف على أسرارهم ، نافع لكل حكيم ، ..».

٥ ـ أن يكون الطبيب حسن الخلقة والمظهر ، لأنّ العلاقة بين المريض والطبيب هي علاقة إنسانية نفسية ، إلى جانب كونها علاقة علمية وعملية ، ويجب على الطبيب أن يكون حسن الخلق والشكل ، لأن في ذلك موقع كبير وجيّد على نفسية المريض وأثر جيد في العلاج والشفاء ، وفي ذلك قال أحد الأطباء القدماء :

«... أن يتقن بقلبه العلوم التي تتوقف الإصابة في العلاج عليها ، وأن يكون متينا في دينه ، متمسكا بشريعته ، دائرا معها حيث دارت ، واقفا عند حدود الله تعالى ورسوله».

كما شدّد الأطباء على ضرورة المحافظة على ما اطّلع عليه الطبيب من أسرار المريض وعدم إفشائها ، وفي ذلك قال الرازي :

«ينبغي للطبيب أن يكون رفيقا بالناس ، حافظا لغيبهم كتوما لأسرارهم».

أطباء عرب ومسلمون

الطب في لغة العرب :

ـ أصل الطب : الحذق بالأشياء ، والمهارة بها.

٣٤

ـ رجل طبيب ، أي حاذق.

ـ سمّي طبيبا لحذقه وفطنته.

من هو الطبيب الماهر ، الحاذق!

هو من : ينظر في نوع المرض ، من أي شيء حدث ، هل قوة المريض مقاومة أم ضعيفة أمام المرض ، سنّ المريض ، عادته ، النظر في قوة الدواء ودرجته ، إزالة العلّة مع عدم حدوث علّة أخرى ، أن يعالج بالأسهل فالأسهل ، أن ينظر في العلّة ، هل هي ما يمكن علاجها أم لا؟ أن لا يحمله الطمع على علاج لا يفيد شيئا ، أن يكون له معرفة بنفس الإنسان ، التلطف بالمريض والرفق به ، أن يتدرّج من الأسهل إلى الأصعب.

والمعروف أنّ للمرض أربعة أحوال يمر بها :

ـ ابتداء

ـ صعود

ـ انتهاء

ـ انحطاط

تعتبر الفترة الممتدة من القرن العاشر حتى القرن الرابع عشر الميلاديين فترة ذهبية للطب العربي ـ الإسلامي ، ففي هذه الفترة برز عدد كبير من أعلام الطب الذين كانت لهم إنجازات رائعة أثّرت بشكل واضح في النهضة الطبية الحديثة في أوروبا ، ويجدر بنا الإشادة بدور الخلفاء العباسيين لهذه الناحية ففي بداية القرن التاسع الميلادي شيّد الخليفة المأمون في بغداد بيتا للعلوم سمي (بيت الحكمة) ، وبحث المأمون عن الأطباء والعلماء وقرّبهم من بلاطه وأحسن لهم العطاء ، بغض النظر عن دينهم ، وعمل العديد منهم على ترجمة الكتب الطبية الإغريقية القديمة إلى اللغة السريانية والعربية ، خاصّة كتب أبو قراط وديوسكوريدس وجالينوس ، وكذلك كتب الأطباء القادمين من فارس وبيزنطة.

ونذكر أهم هؤلاء الأطباء متتبعين التسلسل الزمني :

٣٥

ـ أطباء برزوا خلال القرن الثامن الميلادي :

* ماسرجيس ، توفي بعد العام ٧٢٠ م ، طبيب يهودي من البصرة ، خدم الخلفاء الأمويين خلال الفترة من ٦٨٣ ـ ٧٢٠ م. نقل من السريانية إلى اللغة العربية وبناء لطلب مروان بن الحكم كتاب الطب للقس هارون وهو من أقدم المؤلفات العربية الطبية.

ـ آل بختيشوع ، أسرة أطباء من المذهب النسطوري ، أصلها من مدينة جنديسابور. خدمت الخلفاء العباسيين نحو ثلاثة قرون ، اشتهر منها :

* جورجيس بن جبرائيل.

* بختيشوع بن جورجيس ، كان طبيب هارون الرشيد والمأمون ، توفي حوالي العام ٨٠٠ م.

* جبريل بن بختيشوع ، طبيب المأمون وخلفائه له عدة كتب في الطب ، توفي عام ٨٢٨ م.

* بختيشوع بن جبريل ، طبيب المتوكل ، توفي عام ٨٧٠ م.

* يوحنا بن بختيشوع ، عام ٨٩٣ م ، سيّم أسقفا على مدينة الموصل.

* جبريل بن عبيد الله ، توفي عام ١٠٠٦ م.

* أبو سعيد عبيد الله ، توفي عام ١٠٥٨ م.

* علي بن إبراهيم ، اشتهر في علاج العيون ، توفي عام ١٠٦٨ م.

كذلك عمل آل بختيشوع بالترجمة.

ـ أطباء برزوا خلال القرن التاسع الميلادي :

* يوحنا بن ماسويه ، عمل طبيبا لستة من الخلفاء العباسيين ، وكان على المذهب السرياني ، كان والده من أطباء العيون عمل في خدمة هارون الرشيد ، ونشأ في بغداد ، عهد إليه الرشيد بترجمة الكتب الطبية وكان طبيب البلاط العباسي من أيام هارون الرشيد حتى أيّام المتوكل ، توفي في سامراء عام ٨٥٧ م. له مؤلفات كثيرة منها : النوادر الطبية ، كتاب الحيات ، وكتاب الأزمنة.

٣٦

* علي بن سهل بن ربّن الطبري ، ٧٨٥ ـ ٨٦١ م ، طبيب نسطوري ، أقام في طبرستان حيث عمل كاتبا للسلطان مازيار بن قارن ، قدم إلى سامراء أيام الخليفة العباسي الواثق ثم نادم المتوكل ، أسلم عام ٨٥٥ م. وله عدّة كتب منها : فردوس الحكمة ، منافع الأطعمة.

* حنين بن إسحق ، توفي عام ٨٧٣ م ، له عدة مؤلفات طبية منها ، عشر مقالات في العين ، المدخل في الطب.

* ثابت بن قرّة ، توفي عام ٩٠١ م ، له كتاب الذخيرة في علم الطب.

* إسحق بن حنين ، توفي عام ٩١١ م ، طبيب وفيلسوف نسطوري ، نقل إلى اللغة العربية عن اليونانية أو عن السريانية كتب في الفلسفة والرياضيات ، وفي الطب له كتاب الأدوية المفردة.

* إسحق بن سليمان الإسرائيلي ، ٨٥٠ ـ ٩٣٢ م ، طبيب وفيلسوف ، ولد في مصر وأقام في القيروان ، عرف بالكحّال ، له كتاب الحمايات وكتاب الحدود والرسوم.

* أبو بكر محمد بن زكريا الرازي ، ٨٦٤ ـ ٩٣٢ م ، ولد في بلاد فارس ، قرب مدينة طهران ، يعتبر من أشهر أطباء العرب ومن أكبر أطباء العصور الوسطى ، حتى لقّب بجالينوس العرب ، درس أولا العلوم الإسلامية والأدب ، ثم انصرف لدراسة العلوم ، ثم قدم إلى بغداد ودرس فيها الفلسفة والطب ، وتسلم رئاسة مستشفى في بغداد عرف باسم البيمارستان.

كان الرازي من أوائل الأطباء العرب في استخدام مصارين القطط لخياطة الجروح ، اهتم بالصيدلة ولم يفصلها عن الطب وكان يحضّر العقاقير بنفسه ، كان يغلّف بعض الأدوية أو يمزجها بالعسل أو بعصير الفواكه لإطفاء طعمها الكريه ، في أواخر حياته أصيب بالعمى وشلّت يده ، عاد إلى مسقط رأسه (الري) حيث توفي عن ستين عاما.

أشار الرازي إلى دور العوامل النفسية في معالجة بعض الحالات المرضية ، وفي ذلك قال : «مزاج الجسم تابع لأخلاق النفس». كما اعتقد أن للمناخ وللفلك وتقلّب الفصول تأثير على مزاج الإنسان وأخلاقه.

٣٧

ترك الرازي عددا كبيرا من المؤلفات الطبية والصيدلانية ، منها :

١ ـ كتاب الحاوي في الطب ، وهو موسوعة كبرى في العلوم الطبية ، جمع فيه خلاصة كتب الأطباء اليونانيين والفرس والهنود والسريان والعرب الأوائل إضافة إلى خبرته الشخصية ، وقد أعطى هذا الكتاب للرازي شهرة واسعة.

٢ ـ رسالة في الجدري والحصبة.

٣ ـ كتاب المنصوري في الطب.

٤ ـ برء الساعة.

وقد صنّف الرازي العقاقير الطبية إلى أربعة أصناف هي :

مواد معدنية مصدرها التربة والصخور.

مواد نباتية يحضر منها عقاقير بسيطة.

مواد حيوانية وتشمل أعضاء الحيوان.

مواد مشتقّة ، بمزج عدد من المواد المختلفة.

وله عدة كتب في الصيدلة منها :

١ ـ سرّ الأسرار في الصيدلة والكيمياء.

٢ ـ منافع الأغذية ودفع مضارها في الغذاء.

* قسطا بن لوقا ٨٢٠ ـ ٩١٢ م. طبيب وفيلسوف مسيحي ملكي ، نقل إلى اللغة العربية مؤلفات اليونان ، واشتغل في صنع الآلات الفلكية ، له عدّة مؤلفات منها رسالة في الفرق بين الروح والنفس.

ـ أطباء خلال القرن العاشر الميلادي :

في مطلع القرن العاشر الميلادي أصبح معظم الأطباء المشهورين في العالم العربي من المسلمين ، إنّما من أصول غير عربية مثل :

* سنان بن قرّة ، توفي عام ٩٤٣ م ، طبيب صابئي من أصل حرّاني نشأ في بغداد وتبوأ مرتبة رئيس الأطباء في عهد الخليفة العباسي المقتدر.

٣٨

* عمّار الموصلّي ، توفي عام ١٠١٠ م ، من أشهر أطباء العيون العرب ، أقام في العراق ثم مصر وسافر إلى خراسان وفلسطين ، أجرى أول عملية للماء الزرقاء بإبرة معدنية من اختراعه ، له كتاب (المنتخب في علاج العين) كتبه في عهد الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله.

* عيسى بن يحيى الجرجاني ، توفي عام ١٠١٠ م ، وهو من بلاد جرجان في فارس اكتسب شهرة واسعة ، تعلّم في بغداد وعلّم في خراسان وخوارزم ، ومن تلاميذه ابن سينا ، أهلكته زوبعة من الرمال له كتاب (المئة في الطب) وهو موسوعة طبية.

* أبو القاسم خلف بن عباس الزهراوي ، ١٠٣٠ ـ ١١٠٦ م ، من كبار الجرّاحين العرب ، تعاطى مهنة الطب في مدينة قرطبة بإسبانيا على عهد الملك عبد الرحمن الثالث ، استنبط آلات جراحية كثيرة ، له من المؤلفات الطبية : (مقالة في عمل اليد على فن الجراحة) و (التصريف لمن عجز عن التأليف).

* أبو علي الحسين ابن سينا ، ولد في افشنت قرب مدينة بخارى عام ٩٨٠ م ، درس الطب والفلسفة والمنطق والرياضيات والطبيعيات ، أمضى بقية حياته في أصفهان ومات في همدان خلال رحلة إليها عام ١٠٣٧ م.

عرف بالشيخ الرئيس ابن سينا ، كما يعتبر من كبار فلاسفة العرب وأطبائهم تعمّق في دراسة فلسفة أرسطو ، وتأثر بالأفلوطينية المستحدثة ، وكانت له ميول صوفية عميقة ، لقّب بأبوقراط العرب ، كان ابن سينا طبيبا ومشرحا وجراحا وكيماويا وعالما في تدبير أمور الطفولة والكهولة والشيخوخة ، إنه أحد كبار الأطباء الذين عرفتهم البشرية ويأتي بالأهمية بعد أبقراط وجالينوس بل أعلى منهما جميعا.

ترك ابن سينا العديد من المؤلفات ، وصل عددها إلى حوالي ٢٧٠ مؤلفا ، غير أنّ شهرته تعود إلى ما قام به في ميادين الطب والفلسفة. أشهر ما كتبه في الطب : (القانون في الطب) ، وهو أشهر كتب الطب لدى العرب خلال القرون الوسطى ، وهو عبارة عن خمسة كتب ، تحدث ابن سينا في هذه الكتب الخمسة

٣٩

عن مزاج الإنسان ، وعن العظام والمفاصل والعضل والأعصاب ، الشرايين والأوردة وأمراض الجسم ، تحدث عن كل هذه الأمور وكل عضو على حدة بادئا بالتشريح ثم يعدّد الأعراض ، ومعالجة كل ذلك بأسلوب علمي ، كان ذلك منذ ألف عام. يعتبر هذا المؤلف الضخم مرجعا شاملا ومصدرا أساسيا لمن عمل في ميدان الطب حتى فترة قريبة ولأكثر من سبعة قرون.

وله أيضا كتاب (دفع المضار الكلية عن الأبدان الإنسانية).

جمع ابن سينا كل المعارف والعلوم التشريحية المتوافرة في عصره ، وكان واقعيا في كتاباته ، ولم يكن طبيبا وحسب بل كان مفكرا وفيلسوفا كبيرا ، اهتم بتحديد دقيق للأمراض وأعطى لمسكنات الوجع أهمية كبرى ، كما اعتبر النبض أهم مقياس لصحة الجسم ومعرفة نوع المرض ، وقال بأن النبض يتأثر بالعوامل العضوية للجسم ، كما يتأثر بالحالات النفسية للإنسان.

كتب ابن سينا وميّز التهاب الرئة عن التهاب غلاف الرئة ، كذلك ، ميّز بين التهاب الحجاب الحاجز والتهاب الكبد ، بين السكتة الدماغية واحتقان الدماغ ، بين المغص الكلوي والمغص المعوي أو مغص الكبد ، ميّز كذلك بين حصاة الكلية وحصاة المثانة ، بين الشلل الناجم عن سبب دماغي والشلل الناجم عن سبب موضعي ، وأظهر أن من بين حالات العقم لدى الرجل أو المرأة قد تعود إلى أسباب نفسية ، ولهذا النوع من العقم ، اقترح أن يفترق الزوجان غير المتحابين ، فيتمكن بعد ذلك كل منهما من الإنجاب من زواج جديد ، كذلك وصف الورم الخبيث (مرض السرطان) وقال أن علاجه لا يكون بالأدوية بل الجراحة ـ استئصال الورم من العمق شرط أن تتم هذه الجراحة في أدوار المرض الأولى ، ومع كل هذه الإجراءات قال بأن الشفاء الكامل غير أكيد.

وصف ابن سينا أعراض مرض الجمرة الخبيثة (وهي دمل التهابي يصيب مكانا في الجلد وما تحته من أنسجة).

لابن سينا أبحاث واسعة في الأمراض التناسلية والحمل والولادة ، أما في مجال الصيدلة ، فقد اهتم ابن سينا بعلوم الصيدلة وتركيب الأدوية ، وله أبحاث

٤٠