فتح البيان فيما روي عن عليٍّ من تفسير القرآن

السيّد مصطفى الحسيني

فتح البيان فيما روي عن عليٍّ من تفسير القرآن

المؤلف:

السيّد مصطفى الحسيني


المحقق: سعد رستم
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الجسور الثقافية
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٠٨

نكته ، درجات ومراتب ، والنبيّ (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) في أعلى درجته ، وعليّ عليه‌السلام في مرتبة سامية منه ، ولهذا لمّا سئل : هل عندكم (أهل البيت) كتاب؟ (أي كتاب خاص بكم) قال :

«لا ، إلا كتاب الله ، أو فهم أعطيه رجل مسلم ، أو ما في هذه الصحيفة. قال : قلت : فما في هذه الصحيفة؟ ... الحديث» رواه البخاري في صحيحه (١) ، ورواه الكاشاني في تفسيره ولفظه : «إلّا أن يؤتي الله عبدا فهما في القرآن.» (٢).

وهذا يدلّ على جواز استخراج العبد المسلم من القرآن ما لم يفهمه غيره.

وروي أيضا عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنّه قال : «من فهم القرآن فسّر جمل العلم.» (٣).

وعن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام قال : قال أمير المؤمنين (علي بن أبي طالب) عليه‌السلام :

«ألا أخبركم بالفقيه حقّا؟ قالوا : بلى يا أمير المؤمنين! قال :

__________________

(١) صحيح البخاري ، لمحمد بن إسماعيل البخاري ، ج ١ (باب كتابة العلم) ، ص ٣٨.

(٢) انظر كتاب الصافي في تفسير القرآن ، للفيض الكاشاني ، ج ١ ، ص ٢٢.

(٣) الصافي في تفسير القرآن ، ج ١ ، ص ٢٢.

٤١

من لم يقنّط النّاس من رحمة الله ، ولم يؤمنهم من عذاب الله ، ولم يرخّص لهم في معاصي الله ، ولم يترك القرآن رغبة عنه إلى غيره. ألا لا خير في علم ليس فيه تفهم ، ألا لا خير في قراءة ليس فيها تدبّر ، ألا لا خير في عبادة ليس فيها تفقّه.» (١).

فحاصل الكلام أن القرآن الكريم قد نزل من عند الله جلّ وعلا ليعرفه النّاس ويتدبّروه ويهتدوا به ، فمن كان سعيه في هذا المجال أكثر ، كان حظّه من القرآن أوفر. وذلك ما عرفناه من كلام أمير المؤمنين سلام الله عليه ورحمته وبركاته.

٦ ـ ترتيب سور القرآن في مصحف عليّ عليه‌السلام

ترتيب الآيات في كل سورة من القرآن كان بتعيين النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) وتوقيفه ، ولم يكن مجالا للرّأي والاجتهاد فيه ، وأما ترتيب السور على ما هو عليه الآن ، فلم يكن توقيفيا كلّه ، بل كان كثير منه باجتهاد من الصحابة ، يدلّ عليه أنّ مصاحف الصحابة مثل مصحف أبي بن كعب رضى الله عنه ومصحف عبد

__________________

(١) معاني الأخبار ، الشيخ الصدوق محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي ، ص ٢٢٦.

٤٢

الله بن مسعود رضي الله عنه ومصحف علي بن أبي طالب عليه‌السلام كانت مختلفة في ترتيب السور. والمصاحف تكتب لأجل تلاوتها فكما يجوز أن تتلى السّور في المصاحف على غير ترتيب نزولها فكذلك جائز كتابتها على غير ذلك الترتيب.

ومع هذا فإن احترام ترتيب السّور على النّمط الذي نراه اليوم أمر واجب لأنه وقع عن إجماع الصحابة ، ووافقهم على ذلك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام.

فأما مصحف علي عليه‌السلام الذي كتبه بخطه فقد رآه من المصنفين الإمام الهادي يحيى بن الحسين بن قاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام من أئمة الزيدية ، الذي توفى سنة ٢٩٨ من الهجرة ، فذكر في كتابه المسمى ب" الأحكام" أنه وجد مصحف عليّ عليه‌السلام عند عجوز من آل الحسن (سبط النبي ص) عليه‌السلام فكان على ما في أيدي الناس (١). وفي المائة الرابعة قد رأى محمد بن إسحاق النديم أيضا مصحفا بخط علي بن أبي طالب عليه‌السلام عند أبي يعلى الحسني وأخبر بذلك في كتابه المسمى ب" الفهرست" فقال :

" ورأيت أنا في زماننا عند أبي يعلى حمزة الحسني رحمه‌الله

__________________

(١) انظر : كتاب" الحاكم الجشمي ومنهجه في تفسير القرآن" ص ٤١٦.

٤٣

مصحفا قد سقط منه أوراق بخط علي بن أبي طالب يتوارثه بنو حسن على مرّ الزّمان وهذا ترتيب السور من ذلك المصحف (١) ..".

ومما يستدعي الأسف فقدان ذكر ذلك الترتيب من كتاب" الفهرست" في جميع النسخ التي وصلت إلينا ومع هذا يوجد ترتيب نزول السور برواية أمير المؤمنين علي عليه‌السلام في آثار المتأخرين من العلماء كما جاء في تفسير" مجمع البيان" لأبي عليّ الفضل بن الحسن الطبرسي (من علماء الإمامة في القرن السادس) وفي تفسير" مفاتيح الأسرار ومصابيح الأبرار" لمحمد بن عبد الكريم الشهرستاني (من أعلام المائة السادسة) وفي كتب غيرها على اختلاف في ترتيب بعض السّور.

ونحن نرجّح الترتيب الذي روي عن عليّ عليه‌السلام في الجزء الأول من كتاب" مقدمتان من علوم القرآن" على غيره لأن مصنفه قد أورد رواية الإمام عليه‌السلام من دون تقطيعها ، بخلاف الشيخ أبي علي الطبرسي ، فإنه ذكر شطرا منها وحذف الباقي (٢). وأما رواية الشهرستاني عن مقاتل بن سليمان عن عليّ عليه‌السلام ففيها أخطاء كثيرة تمنعنا عن الاعتماد عليها.

__________________

(١) انظر كتاب" الفهرست" لمحمد بن إسحاق النديم ، ص ٤٨ باب" ترتيب سور القرآن في مصحف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه".

(٢) انظر : تفسير" مجمع البيان" للطبرسي ، عند تفسير سورة الإنسان.

٤٤

فالمصنّف المشار إليه (وهو أحد علماء المغاربة) روى بإسناده عن سعيد بن المسيب عن علي بن أبي طالب عليه‌السلام أنه قال :

" سألت النبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ عن ثواب القرآن فأخبرني بثواب كل سورة على نحو ما أنزلت من السماء وبأن أول ما أنزل عليه بمكة فاتحة الكتاب ، ثم : إقراء باسم ربك ، ثم : ن والقلم ، ثم : يا أيها المدثر ، ثم : يا أيها المزمل ، ثم : إذا الشمس ، ثم : سبح اسم ربك ، ثم : والليل ، ثم : والفجر ، ثم : والضحى ، ثم : ألم نشرح ، ثم والعصر ، ثم : والعاديات ، ثم : الكوثر ، ثم : ألهاكم ، ثم : أرأيت ، ثم : الكافرون ، ثم ألم (١) ، ثم : الفلق ، ثم : الناس ، ثم : الإخلاص ، ثم : عبس ، ثم : إنا أنزلناه ، ثم : والشمس ، ثم : البروج ، ثم : والتين ، ثم : لإيلاف ، ثم : القارعة ، ثم : القيامة ، ثم : همزة ، ثم : المرسلات ، ثم : البلد ، ثم : الطارق ، ثم : الساعة ، ثم : ص ، ثم : المص ، ثم : قل أوحى ، ثم : يس ، ثم : الفرقان ، ثم : الملائكة ، ثم : كهيعص ، ثم : طه ، ثم : الواقعة ، ثم : الشعراء ، ثم : النمل ، ثم : القصص ، ثم : سبحان ، ثم : يونس ، ثم : هود ، ثم : يوسف ، ثم : الحجر ، ثم : الأنعام ، ثم : الصافات ، ثم : لقمان ، ثم : سبأ ، ثم : الزمر ، ثم : الحواميمات يتبع بعضها بعضا ، ثم : الذاريات ، ثم : الغاشية ، ثم : الكهف ، ثم : النخل ، ثم : إنا أرسلنا ،

__________________

(١) أي سورة الفيل.

٤٥

ثم : إبراهيم ، ثم : الأنبياء ، ثم : المؤمنون ، ثم : الم السجدة ، ثم : والطور ، ثم : الملك ، ثم : الحاقة ، ثم : سأل سائل ، ثم : عم يتساءلون ، ثم : النازعات ، ثم : انفطرت ، ثم : الروم ، ثم : العنكبوت ، ثم : المطففين ، ثم : انشقت.

وما أنزل بالمدينة أول سورة : البقرة ، ثم : الأنفال ، ثم : آل عمران ، ثم : الأحزاب ، ثم : الممتحنة ، ثم : النساء ، ثم : إذا زلزلت ، ثم : الحديد ، ثم : سورة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم : الرعد ، ثم : الرحمن ، ثم : هل أتى ، ثم : الطلاق ، ثم : لم يكن ، ثم : الحشر ، ثم : إذا جاء نصر الله ، ثم : النور ، ثم : الحج ، ثم : المنافقون ، ثم : المجادلة ، ثم : الحجرات ، ثم : التحريم ، ثم : الجمعة ، ثم : التغابن ، ثم : الفتح ، ثم : المائدة ، ثم : التوبة ، ثم : النجم ، فهذا ما أنزل بالمدينة (١) الحديث (٢).

أقول : إن هذه الرواية من أهم الروايات في ترتيب السور القرآنية كما أنزلت من السماء ، ومع الأسف قد وقع فيها نقص وخلل ، حيث لا يوجد فيها سورة المسد (ومكانها بعد المزّمّل) (٣)

__________________

(١) انظر : مقدمتان في علوم القرآن ، ص ١٤ و ١٥.

(٢) انظر ذيل الحديث في ص ٨ من كتابنا هذا.

(٣) راجع : رواية ابن عباس في مجمع البيان للطبرسي ، عند تفسير سورة الإنسان.

٤٦

وسورة الصف (وموضعها بعد التغابن) (١) ووضعت سورة" النجم" في آخرها وهي مكية نزلت بعد سورة الإخلاص كما روي في مجمع البيان (٢) وغيره عن ابن عباس رضي الله عنه وقد نزلت سورة هود أيضا قبل سورة يونس كما يشهد عن ذلك بعض آياتهما. (٣)

وفي ظني أن أمير المؤمنين عليا عليه‌السلام جمع القرآن مرتين ، مرة جمعه على ترتيب نزوله وأخرى على النمط الذي نراه اليوم في المصاحف كما شهد عليه الهادي يحيى بن الحسين في المائة الثالثة وقال كان مصحفه عليه‌السلام على ما في أيدي الناس.

وروى اليعقوبيّ جمعا ثالثا لأمير المؤمنين عليه‌السلام جزّأ فيه القرآن على سبعة أجزاء (٤). والله تعالى أعلم.

__________________

(١) المصدر السابق.

(٢) المصدر السابق.

(٣) قارن : بين سورة هود : ١٣ وسورة يونس : ٣٨ وراجع : قول" مجاهد" من قدماء المفسرين في كتاب الفهرست (لمحمد بن إسحاق) حيث قدم سورة هود على سورة يونس.

(٤) راجع : تاريخ اليعقوبي ، المجلد الثاني ، ص ١٣٥.

٤٧

٧ ـ ما روي عن عليّ عليه‌السلام في تفسير فاتحة الكتاب

سورة الفاتحة أوّل سورة مكيّة أنزلت على رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) كما وجدناه في رواية الإمام علي عليه‌السلام حيث قال : «أوّل ما أنزل عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مكّة فاتحة الكتاب» (١).

وإليك ما روي عن أمير المؤمنين علي عليه‌السلام في شأن هذه السورة المباركة :

١ ـ أخرج الدارقطني والبيهقي في السنن بسند صحيح عن عبد خير قال سئل عليّ رضي الله عنه عن السبع المثانى فقال : «الحمد لله رب العالمين» ، فقيل له إنما هي ست آيات! فقال : «بسم الله الرّحمن الرّحيم آية.» (٢).

أقول : يؤيّد هذا القول ما روي عن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) أنّه قال : «إذا قرأتم الحمد فاقرءوا (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) إنها أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثانى وبسم الله الرّحمن

__________________

(١) المشهور بين المفسّرين أن فاتحة الكتاب أنزلت بعد نزول خمس آيات من سورة العلق.

(٢) الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور ، للسيوطي ، ج ١ ، ص ٣.

٤٨

الرّحيم إحدى آياتها» أخرجه الدارقطنيّ وصححه ، والبيهقيّ في السنن (١).

ومن طريق الإماميّة روى محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي بإسناده عن أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام أنّه قال : سمعت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) يقول : «إن الله عزوجل قال لي : يا محمد! (وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) (٢) ، فأفرد الامتنان عليّ بفاتحة الكتاب ، وجعلها بإزاء القرآن العظيم ، وإن فاتحة الكتاب أشرف ما في كنوز العرش ...» (٣).

قلت ويؤيد ذلك أيضا جهر عليّ عليه‌السلام بالبسملة في الفاتحة وفي كل سورة كما رواه السيوطي في الدر المنثور فقال :

«وأخرج البزار والدارقطني والبيهقي في شعب الإيمان من طريق أبي الطفيل قال : سمعت علي بن أبي طالب ، وعمار يقولان : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يجهر في المكتوبات ب (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) في فاتحة الكتاب.

وأخرج الدارقطني عن علي بن أبي طالب قال : " كان النبي

__________________

(١) المصدر السابق.

(٢) سورة الحجر : ٨٧.

(٣) انظر" عيون أخبار الرضا" ، لابن بابويه القمي ، ص ١٦٧.

٤٩

يجهر ب (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) في السورتين جميعا. وأخرج الدار قطني عن علي بن أبي طالب قال : قال النبي" كيف تقرأ إذا قمت إلى الصلاة؟ قلت (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) قال : قل (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)(١).

وروى ابن بابويه القمي في كتاب" التوحيد" أن رجلا سأل عليّ بن الحسين عليهما‌السلام عن معنى"(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)؟ فقال : حدّثني أبي عن أخيه الحسن عليه‌السلام عن أبيه أمير المؤمنين عليه‌السلام أن رجلا قام إليه فقال يا أمير المؤمنين أخبرني عن بسم الله الرّحمن الرّحيم ما معناه؟ فقال : «إن قولك «الله» أعظم اسم من أسماء الله عزوجل ، وهو الاسم الذي لا ينبغي أن يسمّى به غير الله ، ولم يتسمّ به مخلوق». فقال الرجل : فما تفسير قوله «الله»؟ قال : «هو الذي يتأله إليه عند الحوائج والشدائد كل مخلوق عند انقطاع الرجاء من جميع من هو دونه وتقطع الأسباب من كل من سواه ، وذلك أن كل مترئس في هذه الدنيا ومتعظم فيها وإن عظم غناؤه وطغيانه وكثرت حوائج من دونه إليه فإنهم سيحتاجون حوائج لا يقدر عليها هذا المتعاظم وكذلك هذا المتعاظم يحتاج حوائج لا يقدر عليها فينقطع إلى الله عند ضرورته وفاقته حتى إذا كفى همه عاد إلى شركه أما تسمع الله عزوجل يقول قل أرأيتكم إن

__________________

(١) تفسير" الدّرّ المنثور" للسيوطي ، ذيل تفسيره لسورة الفاتحة.

٥٠

أتاكم عذاب الله أو أتتكم السّاعة أغير الله تدعون إن كنتم صادقين بل إيّاه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء وتنسون ما تشركون فقال الله عزوجل لعباده أيها الفقراء إلى رحمتي إني قد ألزمتكم الحاجة إلي في كل حال وذلة العبودية في كل وقت فإلي فافزعوا في كل أمر تأخذون فيه وترجون تمامه وبلوغ غايته فإني إن أردت أن أعطيكم لم يقدر غيري على منعكم وإن أردت أن أمنعكم لم يقدر غيري على إعطائكم فأنا أحق من سئل وأولى من تضرّع إليه فقولوا عند افتتاح كل أمر صغير أو عظيم بسم الله الرّحمن الرّحيم أي أستعين على هذا الأمر بالله الذي لا يحق العبادة لغيره ، المغيث إذا استغيث ، المجيب إذا دعي ، الرحمن الذي يرحم ببسط الرزق علينا ، الرحيم بنا في أدياننا ودنيانا وآخرتنا ، خفّف علينا الدين وجعله سهلا خفيفا ، وهو يرحمنا بتميزنا من أعدائه. ثم قال قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) : «من حزنه أمر تعاطاه فقال بسم الله الرّحمن الرّحيم وهو مخلص لله يقبل بقلبه إليه لم ينفك من إحدى اثنتين إما بلوغ حاجته في الدنيا وإما يعد له عند ربه يدخر لديه وما عند الله خير وأبقى للمؤمنين» (١)

أقول : الرّحمن والرّحيم كلمتان مأخوذتان من الرّحمة ،

__________________

(١) كتاب" التوحيد" لمحمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي ، ص ٢٣١ ـ ٢٣١.

٥١

والرّحيم أرقّ من الرّحمن ، كما جاء في حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) أنّه قال : " فالرّحيم أرقّ من الرّحمن وكلاهما رفيقان (١) ". وهذا المعنى بيّن في كلام الإمام عليه‌السلام ، حيث حمل معنى الرّحمن على الذي يرحمنا ببسط الرّزق علينا ، والرّحيم على من يرحمنا في أدياننا ودنيانا وآخرتنا بالتسهيل علينا والتخفيف عنّا ، كما قال الله عزوجل في كتابه : (يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً) (النساء : ٢٨).

ولا يخفى أن الرّقّة من صفات الخلق ولا يوصف بها الخالق فالمراد بالرّقّة في الحديث : آثارها من الإنعام والتّخفيف والعفو كما قال الإمام عليّ عليه‌السلام في شأنه سبحانه : «بصير لا يوصف بالحاسّة ، رحيم لا يوصف بالرّقّة» (٢).

٢ ـ روي عن أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام أنّه قال : «الرّحمن الرّحيم ينفي بهما القنوط عن خلقه» (٣).

٣ ـ وأخرج البيهقيّ عن عليّ قال : «بعث رسول الله صلى

__________________

(١) تفسير الدرّ المنثور ، للسيوطي ، ج ١ ، ص ٩.

(٢) انظر نهج البلاغة ، الخطبة ١٧٧.

(٣) انظر تفسير كشف الأسرار وعدّة الأبرار ، لأبي الفضل الميبدي ، ج ١ ، ص ١٣.

٥٢

الله عليه وآله وسلم سريّة من أهله فقال : اللهمّ لك عليّ إن رددتّهم سالمين أن أشكرك حقّ شكرك. فما لبثوا أن جاءوا سالمين ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (الْحَمْدُ لِلَّهِ) على سابغ نعم الله. فقلت : يا رسول الله! ألم تقل إن ردّهم الله أن أشكره حقّ شكره ، فقال : أو لم أفعله؟! ".

أقول : المراد من" الحمد" الشكر الكامل تارة ، والثناء التّام تارة أخرى ، كما روي أيضا عن النبيّ (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) أنّه قال : «ليس شيء أحبّ إلى الله تعالى من الحمد ولذلك أثنى على نفسه فقال : الحمد لله» (١).

٤ ـ قال أبو الفضل بن الحسن الطبرسيّ في تفسير قوله تعالى : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) «رووا عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنّ معناه : ثبّتنا» (٢).

٥ ـ وقال الطّبرسيّ : قيل في معنى" الصّراط المستقيم" وجوه : أحدها : أنّه" كتاب الله" وهو المرويّ عن النبيّ صل (٣).

__________________

(١) انظر تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن ، لأبي جعفر بن جرير الطبري ، ج ١ ، ص ٦٠.

(٢) تفسير جوامع الجامع لأبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي ، ج ١ ، ص ٩.

(٣) تفسير مجمع البيان للطبرسي ، ج ١ ، ص ٥٨.

٥٣

أقول : أشار الشيخ أبو علي إلى قول النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) في رواية عليّ عليه‌السلام حيث قال : «.. كتاب الله فيه نبأ ما كان قبلكم ، وخبر ما بعدكم ، (إلى قوله) : ... وهو الذّكر الحكيم ، وهو الصّراط المستقيم ..» (١).

ويؤيّده قوله تعالى : (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ..) (الإسراء : ٩)

(وَهذا صِراطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً ..) (الأنعام : ١٢٦)

(وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ..) (الأنعام : ١٥٣).

وقد فسّر (" الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ") ، في كتاب الله عزوجل ، بالعبوديّة الخالصة كما قال سبحانه : (وَأَنِ اعْبُدُونِي هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ) (يس : ٦١). ولمّا قال إبليس لعنه الله : (.. لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ. إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) كان جواب الله تعالى له : (قالَ : هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ. إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ ..) (الحجر : ٣٩ ـ ٤٢) ، ولا شكّ أنّ هذه النّعمة السامية والدرجة الرّفيعة هي التي أنعم الله عزوجل بها على أنبيائه

__________________

(١) سبق تخريج الحديث قبل صفحات حيث أخرجه من أهل السنة : الترمذي والدارمي في سننهما ، وأخرجه من الإمامية : العياشي في تفسيره.

٥٤

المقرّبين ، وعباده الصّالحين ولذلك قال تعالى : (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) (الفاتحة : ٧).

٦ ـ روى محمد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّيّ في كتابه" معاني الأخبار" بإسناده عن الحسن بن عليّ بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام في قول الله عزوجل : (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) : أي قولوا اهدنا صراط الذين أنعمت عليهم بالتوفيق لدينك وطاعتك ، وهم الذين قال الله عزوجل فيهم : (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً) (النساء : ٦٩) ، وحكي هذا بعينه عن أمير المؤمنين عليه‌السلام.

٧ ـ وروي عن أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام أنّه قال : «إن الله أمر عباده أن يسألوه طريق المنعم عليهم وهم «النبيّون» والصّدّيقون والشّهداء والصالحون ، وأن يستعيذوا من طريق المغضوب عليهم ، وهم اليهود الذين قال الله تعالى فيهم : (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللهِ مَنْ لَعَنَهُ اللهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ ..) (المائدة : ٦٠). وأن يستعيذوا أيضا من طريق الضّالّين وهم الذين قال الله فيهم : (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ

٥٥

ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ) (المائدة : ٧٧) وهم النّصارى. وقال عليه‌السلام : «كلّ من كفر بالله فهو مغضوب عليه ، وضالّ عن سبيل الله» (١).

أقول : ذكر اليهود والنّصارى في تفسير المغضوب عليهم والضّالّين جاء من باب تعيين المصاديق وتطبيق الموارد ولا شكّ" إنّ المورد لا يخصّص الوارد".

٨ ـ وروي عن أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام أنّه قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) : قال الله عزوجل : قسمت فاتحة الكتاب بيني وبين عبدي نصفين. فنصفها لي ونصفها لعبدي. ولعبدي ما سأل. إذا قال العبد : (" بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ") ، قال جلّ جلاله : بدأ عبدي باسمي وحقّ عليّ أن أتمّم له أموره وأبارك له في أحواله. فإذا قال العبد : (" الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ"). قال الله جلّ جلاله : حمدني عبدي وعلم أنّ النّعم التي له من عندي ، وأنّ البلايا الّتي دفعت عنه بطولي أشهدكم أني أضيف له إلى نعم الدّنيا نعم الآخرة وأدفع عنه بلايا الآخرة كما دفعت عنه بلايا الدنيا. فإذا قال (" الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ") قال الله جلّ جلاله : شهد لي عبدي أني الرّحمن الرحيم أشهدكم لأوفّرنّ من رّحمتي حظّه ولأجزلنّ من عطائي نصيبه.

__________________

(١) راجع : البرهان في تفسير القرآن ، للمحدّث البحراني ، ج ١ ، ص ٥٢.

٥٦

فإذا قال (" مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ") قال الله جلّ جلاله : أشهدكم كما اعترف أنّي أنا مالك يوم الدين لأسهلنّ يوم الحساب حسابه ولأتجاوزنّ عن سيئاته. فإذا قال : (" إِيَّاكَ نَعْبُدُ") قال الله عزوجل : صدق عبدي إيّاي يعبد أشهدكم لأثيبنّه على عبادته ثوابا يغبطه كلّ من خالفه في عبادته لي ، فإذا قال : (" وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ") قال الله عزوجل : بي استعان عبدي والتجأ إليّ أشهدكم لأعيننّه على أمره ولأغيثنّه في شدائده ، ولآخذنّ بيده يوم نوائبه ، فإذا قال : (" اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) إلى آخر السورة" ، قال الله عزوجل : هذا لعبدي ولعبدي ما سأل فقد استجبت لعبدي وأعطيته ما أمّل وآمنته ممّا منه وجل» (١).

__________________

(١) انظر عيون أخبار الرضا ، لابن بابويه القمي ، ص ١٦٦ ـ ١٦٧. هذا وقد روى نحوه من أهل السنة ـ بلفظ أقل وأكثر اختصارا بكثير ـ مسلم في صحيحه ، وأصحاب السنن الأربعة أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة ، وأحمد في مسنده.

٥٧

٨ ـ ما روي عن عليّ عليه‌السلام في آية الكرسي

قال الله تعالى (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِما شاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) (البقرة : ٢٥٥).

أخرج ابن الأنباري في المصاحف والبيهقي في الشعب عن علي بن أبي طالب قال : «سيد آي القرآن (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ)».

وأخرج البيهقي عن علي بن أبي طالب سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. يقول : «من قرأ آية الكرسي في دبر كل صلاة لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت ، ومن قرأها حين يأخذ مضجعه أمنه الله على داره ودار جاره ، وأهل دويرات حوله».

وأخرج أبو عبيد وابن أبي شيبة والدارمي ومحمد بن نصر وابن الضريس عن عليّ رضي الله عنه قال : «ما أرى رجلا ولد في الإسلام أو أدرك عقله الإسلام يبيت أبدا حتى يقرأ هذه الآية (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) ولو تعلمون ما هي ، إنما أعطيها نبيكم من كنز تحت العرش ، ولم يعطها أحد قبل نبيكم ، وما بت ليلة قط حتى أقرأها

٥٨

ثلاث مرات ، أقرؤها في الركعتين بعد العشاء الآخرة ، وفي وتري ، وحين آخذ مضجعي من فراشي.» (١).

٩ ـ ما روي عن عليّ عليه‌السلام في تفسير الحروف المقطّعة

اختلف المفسرون في تفسير الحروف المقطعة التي جاءت في مفتتح بعض السور وأحسن الأقوال فيها وأصوبها قول أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام حيث قال أنها تشير إلى" أسماء الله عزوجل" فكان يدعو الله تعالى بها في حروبه ودعواته كما رواه نصر بن مزاحم المنقري في كتاب" وقعة صفين" عن الأصبغ بن نباتة (٢) قال : " ما كان علي عليه‌السلام في قتال قط إلا نادى : كهيعص" (٣).

وأخرج ابن ماجة في تفسيره من طريق نافع عن أبي نعيم القارئ عن فاطمة (٤) بنت علي بن أبي طالب عليه السلام أنها سمعت

__________________

(١) الروايات كلها من تفسير الدر المنثور للسيوطي ذيل تفسيره لآية الكرسي.

(٢) الأصبغ بن نباتة التميمي كان من أصحاب علي وخاصته.

(٣) راجع : وقعة صفين ، لنصر بن مزاحم ، ص ٢٣١.

(٤) ذكرها محمد بن نعمان المفيد في كتابه" الإرشاد" في عداد أولاد علي بن أبي طالب عليه‌السلام.

٥٩

علي بن أبي طالب يقول : " يا كهيعص اغفر لي" (١). رواه ابن جرير الطبري أيضا بسند آخر في تفسيره (٢).

ويؤيّد هذا القول ما أخرجه ابن مردويه عن أبي صالح عن أم هانئ (أخت علي بن أبي طالب عليه‌السلام) عن الرسول ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ في قوله : " كهيعص" قال : كاف ، هاد ، أمين (٣) ، عالم ، صادق (٤).

ومن طريق الإمامية روى محمد بن علي بن حسين بن بابويه في كتاب" معاني الأخبار" وكتاب" التوحيد" بإسناده عن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما‌السلام قال :

«جاء يهودي إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعنده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام فقال : ما الفائدة في حروف الهجاء؟ فقال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ لعليّ أجبه وقال : اللهم وفقه وسدده. فقال علي بن أبي طالب : ما من حرف إلا وهو

__________________

(١) انظر : الاتقان في علوم القرآن ، للسيوطي ، ج ٤ ، ص ١٠.

(٢) جامع البيان عن تأويل آي قرآن ، للطبري ، ج ١٦ ، ص ٤٤.

(٣) الأمين أي المؤتمن ، من أسمال الله تعالى.

(٤) انظر : الإتقان ، للسيوطي ، ج ٢ ، ص ٩.

٦٠