فتح البيان فيما روي عن عليٍّ من تفسير القرآن

السيّد مصطفى الحسيني

فتح البيان فيما روي عن عليٍّ من تفسير القرآن

المؤلف:

السيّد مصطفى الحسيني


المحقق: سعد رستم
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الجسور الثقافية
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٠٨

قال : «قلت يا رسول الله كيف نصلى عليك؟» قال : «قولوا : " اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم. انك حميد مجيد». رواه السيوطي في الدر المنثور. (١)

أقول : الصلاة من الله تعالى ، لطفه ورأفته على عباده وهي ردف لرحمته في كتابه ، كما قال عزوجل : (أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ) (البقرة : ١٥٧).

ومن المندوب أن يقدّم المسلم الصلاة على النبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ على دعوته لنفسه ، كما روى الشّريف الرّضيّ في" نهج البلاغة" عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنه قال : «إذا كانت لك إلى الله سبحانه حاجة ، فابدأ بمسألة الصلاة على رسوله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ ثمّ سل حاجتك ، فإنّ الله أكرم من أن يسأل حاجتين ، فيقضي إحداهما ويمنع الأخرى» (٢).

__________________

(١) انظر : الدر المنثور ، للسيوطي ، ج ٥ ، ج ٢١٧.

(٢) راجع : نهج البلاغة ، الحكمة ٣٦١.

١٠١

٦ ـ ما روي عن عليّ عليه‌السلام في تفسير ما يتعلّق بالدّعاء

قال الله العظيم في محكم كتابه :

(وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ) (المؤمن : ٦٠).

روى الكلينى في الأصول من الكافي عن أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام قال : «كان أمير المؤمنين علي عليه‌السلام رجلا دعّاء» (١).

وروي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنه قال : «الدّعاء ترس المؤمن ومتى تكثر قرع الباب يفتح لك» (٢).

وقال عليه‌السلام : «الدّعاء مفاتيح النّجاح ومقاليد الفلاح وخير الدّعاء ما صدر عن صدر نقيّ وقلب تقيّ» (٣).

وقال عليه‌السلام : «إنّ المدحة قبل المسألة فإذا دعوت الله

__________________

(١) الأصول من الكافي ، ج ٢ ، ص ٤٦٨.

(٢) المصدر السابق.

(٣) المصدر السابق.

١٠٢

عزوجل فمجّده» (١).

أقول : هكذا نجد الدعاء بعد حمد الله عزوجل في سورة الفاتحة (حيث يقول العبد : الحمد لله رب العالمين .... ثم يسأل الله الهداية).

وروى الشّريف الرّضيّ في" نهج البلاغة" عن أمير المؤمنين عليّ في كلام له عليه‌السلام أنه قال :

«اعلم أنّ الّذي بيده خزائن السّماوات والأرض قد أذن لك في الدّعاء ، وتكفّل لك بالإجابة وأمرك أن تسأله ليعطيك ، وتسترحمه ليرحمك ، ولم يجعل بينك وبينه من يحجبك عنه ، ولم يلجئك إلى من يشفع لك إليه ، ولم يمنعك إن أسأت من التّوبة ولم يعاجلك بالنّقمة ، ولم يعيّرك بالإنابة ، (إلى أن قال عليه‌السلام :) فإذا ناديته سمع نداك ، وإذا ناجيته علم نجواك ، فأفضيت إليه بحاجتك ، وأبثثته ذات نفسك ، وشكوت إليه همومك ، واستكشفته كروبك ، واستعنته على أمورك ، وسألته من خزائن رحمته ما لا يقدر على إعطائه غيره من زيادة الأعمار ، وصحّة الأبدان ، وسعة الأرزاق ، ثمّ جعل في يديك مفاتيح خزائنه بما أذن لك فيه من مسألته ، فمتى شئت استفتحت بالدّعاء أبواب نعمته واستمطرت شآبيب رحمته ، فلا يقنّطنّك إبطاء إجابته ، فإنّ العطيّة على قدر

__________________

(١) الأصول من الكافي ، ج ٢ ، ص ٤٨٤.

١٠٣

النّيّة وربّما أخّرت عنك الإجابة ليكون ذلك أعظم لأجر السّائل ، وأجزل لعطاء الآمل وربّما سألت الشّيء فلا تؤتاه وأوتيت خيرا منه عاجلا أو آجلا أو صرف عنك لما هو خير لك فلربّ أمر قد طلبته فيه هلاك دينك لو أوتيته فلتكن مسألتك فيما يبقى لك جماله وينفى عنك وباله ..» (١).

أقول : رواه أيضا ابن شعبه في" تحف العقول" مع اختلاف يسير في بعض ألفاظه (٢). وقد نهى أمير المؤمنين علي عليه‌السلام عن بعض الدعوات كقول الرجل : " اللهمّ إنّي أعوذ بك من الفتنة! كما روي عنه أنه سمع رجلا يقول ذلك : فقال : أراك تتعوّذ من مالك وولدك! يقول الله عزوجل : إنّما أموالكم وأولادكم فتنة (٣). ولكن قل : اللهمّ إنّي أعوذ بك من مضلات الفتن". رواه محمد بن الحسن الحر العاملي في" وسائل الشيعة" (٤) وفي رواية رواها أبو الحسن الرّضيّ في" نهج البلاغة" قال قال أمير المؤمنين عليه‌السلام :

" لا يقولنّ أحدكم اللهمّ إنّي أعوذ بك من الفتنة لأنّه ليس أحد إلا وهو مشتمل على فتنة ، ولكن من استعاذ فليستعذ من

__________________

(١) راجع : نهج البلاغة ، ج ٢ ، ص ٣٩٨.

(٢) انظر : تحف العقول عن آل الرسول ، لابن شعبة الحراني ، ص ٧٣.

(٣) سورة الأنفال : ٢٨.

(٤) راجع : وسائل الشيعة ، ج ٤ ، ص ١١٦٩.

١٠٤

مضلّات الفتن ، فإن الله سبحانه يقول : واعلموا أنّما أموالكم وأولادكم فتنة. ومعنى ذلك أنّه يختبرهم بالأموال والأولاد ليتبيّن السّاخط لرزقه والرّاضي بقسمه ، وإن كان سبحانه أعلم بهم من أنفسهم ولكن لتظهر الأفعال الّتي بها يستحقّ الثّواب والعقاب ، لأنّ بعضهم يحبّ الذّكور ويكره الإناث وبعضهم يحبّ تثمير المال ويكره انثلام الحال" (١). قال الرّضيّ : وهذا من غريب ما سمع منه في التفسير.

٧ ـ ما روي عن عليّ عليه‌السلام في تفسير آداب الصلاة

قال الله عزوجل في الذكر الحكيم : (الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ) (المؤمنون : ٢)

إن الله سبحانه وتعالى مدح عباده المؤمنين في هذه الآية الكريمة لخشوعهم في صلاتهم ، فما هو الخشوع؟ وما الفرق بينه وبين الخضوع؟

الخشوع هو التذلل والانكسار ولا فرق بينه وبين الخضوع عند أكثر المفسرين حيث قالوا : إنهما كلمتان مترادفتان. وقال

__________________

(١) انظر : نهج البلاغة ، الحكم : ٩٣.

١٠٥

آخرون : بينهما فرق لأن الخشوع عمل الجوارح والخضوع عمل القلب (١). وهذا القول بعيد عن الصواب لقوله تعالى : (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ) (الحديد : ١٦). فنسب الله سبحانه في هذه الآية الخشوع للقلوب كما نسبه في آية أخرى إلى بعض الجوارح فقال سبحانه : (أَبْصارُها خاشِعَةٌ) (النازعات : ٩).

وروى الإمام زيد بن علي بن الحسين عن آبائه عن أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام أنه قال : «أبصر رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ رجلا يعبث بلحيته في الصلاة فقال : أما هذا فلو خشع قلبه لخشعت جوارحه» (٢).

ففي الحديث ما يدلّ على أنّ الخشوع في الصلاة يكون في القلب وفي الجوارح ، ولكنّ أصل هذا الخشوع ينشأ في القلب ومن القلب يسرى إلى الجوارح. فحقيقة الخشوع في القلب : الفزع إلى كبرياء الله تعالى والإعراض عمّا سواه ، وفي الجوارح : ترك الالتفات والعبث كما روي عن عليّ عليه‌السلام أنه قال : «لا تجاوز بطرفك في الصلاة موضع سجودك» (٣).

__________________

(١) راجع : فروق اللغات ، للجزائري ، ص ٩٤.

(٢) مسند الإمام زيد ، ص ١١٩ ورواه أيضا الطبرسي في مجمع البيان (ج ١٨ ، ص ١٣٥) والسيوطي (من أهل السنة) في الجامع الصغير (ج ٢ ، ص ١٦٥).

(٣) راجع : وسائل الشيعة ، للحر العاملي ، ج ٤ ، ص ٧٠٩.

١٠٦

ومن آداب الصلاة قراءة القرآن فيها بالترتيل ، قال الله العظيم : (قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً) (إلى أن قال تعالى :) (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً) (المزمّل : ٤).

والترتيل : هو التأني في الكلام والتأنق فيه ، قال الله عزوجل : (وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً) (الفرقان : ٣٢) أي : أتينا به شيء بعد شيء بالتأني والتمهل (لتيسير فهمه وحفظه). ولذلك روى الطبرسي في تفسير" جوامع الجامع" عن أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام قال في معنى الترتيل :

«بيّنه تبيانا ولا تهذّه هذّ الشّعر ولا تنثره نثر الرّمل ولكن أفزعوا قلوبكم القاسية ولا يكن همّ أحدكم آخر السّورة» (١). ورواه أيضا الكليني في الكافي (٢).

وروى الطريحي (٣) في كتاب" مجمع البحرين" عن عليّ عليه‌السلام أنه قال في معنى ترتيل القرآن هو : «حفظ الوقوف وبيان الحروف» (٤).

__________________

(١) راجع : جوامع الجامع ، للطبرسي ، ج ٤ ، ص ٣٨٣.

(٢) انظر : الأصول من الكافي ، ج ٢ ، ص ٦١٤.

(٣) هو الشيخ فخر الدين الطريحي النجفي من علماء الإمامية له كتاب" مجمع البحرين ومطلع النيرين" في تفسير غريب القرآن والحديث.

(٤) راجع : مجمع البحرين (في مادّة : رتل).

١٠٧

أقول : قراءة القرآن في الصلاة تعدّ ركنا من أركانها ، فطوبى لمن حفظ القرآن كلّه فقرأه في صلواته بالترتيل ، فقد روى الإمام زيد بن عليّ عن آبائه عن أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام أنه قال :

«من قرأ القرآن وحفظه فظنّ أنّ أحدا أوتي أفضل ممّا أوتي فقد عظّم ما حقّر الله وحقّر ما عظّم الله تعالى» (١).

وهذا الحديث متّفق عليه بين الإماميّة والزيديّة وأهل السنة (٢).

ومن آداب الصلاة ، دعاء الاستفتاح في بدء الصلاة بعد تكبيرة الإحرام ، كما روي عن أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام أنه كان إذا استفتح صلاته قال : «الله أكبر ، وجّهت وجهي للّذي فطر السّماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين. إنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله ربّ العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنّا من المسلمين» (٣). وهذا الكلام العظيم مأخوذ من القرآن الكريم (٤).

__________________

(١) انظر : مسند الإمام زيد ، ص ٣٨٧.

(٢) رواه من الإمامية الكلينى (الأصول ج ٢ ، ص ٦٠٤) ومن أهل السنة السيوطي (الجامع الصغير ، ج ٢ ، ص ١٦٥).

(٣) راجع : مسند الإمام زيد ، ص ١٠٣ وسنن النسائي ج ٢ ، ص ١٣٠ بإسناده عن علي عليه‌السلام عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

(٤) انظر : سورة الأنعام ، ٧٩ ، ١٦٢ و ١٦٣.

١٠٨

٨ ـ ممّا روي عن عليّ عليه‌السلام فيما يتعلّق بصلاة الجمعة

إنما فرض الله تعالى على المسلمين في كلّ جمعة صلاة واحدة في جماعة وهي صلاة الجمعة. يقول الله عزوجل في كتابه :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ. فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (الجمعة : ٩ ـ ١٠).

ظاهر الآيات يدلّ على وجوب صلاة الجمعة على كل من آمن بالله ورسوله ، إلا من أخرجه دليل شرعيّ ، ولذلك قال أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام :

«الجمعة واجبة على كلّ مؤمن إلا على الصّبيّ والمريض والمجنون والشّيخ الكبير والأعمى والمسافر والمرأة والعبد المملوك ومن كان على رأس فرسخين». رواه ابن بابويه في كتاب" من لا يحضره الفقيه" (١).

فإذا شهد الجمعة من لا تجب عليه ، فإنها تجزئة عن صلاة

__________________

(١) راجع : من لا يحضره الفقيه ، ج ١ ، ص ٤٣١.

١٠٩

الظهر كما روي عن علي عليه‌السلام أنه قال : «إذا شهدت المرأة والعبد الجمعة أجزأت عنهما يعنى من صلاة الظهر» (١).

ويكره السفر في يوم الجمعة قبل أداء الصلاة إلا لضرورة كما روي في" نهج البلاغة" عن عليّ عليه‌السلام قال : «لا تسافر في يوم جمعة حتّى تشهد الصّلاة إلا فاصلا في سبيل الله أو في أمر تعذر به» (٢).

ووقت صلاة الجمعة ، ساعة زوال الشمس كما قال الإمام عليه‌السلام : «تصلّى الجمعة وقت الزوال» (٣).

وصلاة الجمعة خطبتان وركعتان كما روي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنه قال : «إنّما جعلت الجمعة ركعتين من أجل الخطبتين جعلتا مكان الرّكعتين الأخيرتين (٤) ".

ومن آداب صلاة الجمعة ، تسليم الإمام على المأمون إذا صعد المنبر ، كما جاء في رواية محمد بن الحسن الطوسي بإسناده عن عليّ عليه‌السلام قال : «من السنّة إذا صعد الإمام المنبر أن يسلّم إذا

__________________

(١) انظر : دعائم الإسلام ، للقاضي النعمان بن محمد ، ج ١ ، ص ١٨١.

(٢) راجع : نهج البلاغة ، ك ٦٩.

(٣) انظر : دعائم الإسلام ، ج ١ ، ص ١٤٠.

(٤) راجع : ومن لا يحضره الفقيه ، ج ١ ، ص ٤١٧.

١١٠

استقبل الناس» (١).

وعلى الناس أن يستمعوا للإمام وينصتوا حين خطبته ، كما قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : «لا كلام والإمام يخطب ولا التفات إلا كما يحلّ في الصّلاة» (٢).

ودونك خطبة من خطبه الغرّاء في إحدى الجمع ، قال عليه‌السلام :

«الحمد لله ذي القدرة والسلطان والرأفة والامتنان ، أحمده على تتابع النعم ، وأعوذ به من العذاب والنقم ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له مخالفة للجاحدين ومعاندة للمبطلين وإقرارا بأنه رب العالمين ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله قفّى به المرسلين وختم به النبيين ، وبعثه رحمة للعالمين ، صلى الله عليه وعلى آله أجمعين ،

أوصيكم عباد الله بتقوى الله الذي هو ولي ثوابكم وإليه مردكم ومآبكم فبادروا بذلك قبل الموت الذي لا ينجيكم منه حصن منيع ولا هرب سريع ، فإنه وارد نازل وواقع عاجل ، وإن تطاول الأجل وامتد المهل ، وكل ما هو آت قريب ، ومن مهد لنفسه فهو

__________________

(١) انظر : وسائل الشيعة ، ج ٥ ، ص ٤٣.

(٢) كتاب : من لا يحضره الفقيه ، لابن بابويه القمي ، ج ١ ، ص ٤١٧.

١١١

المصيب. فتزودوا رحمكم الله اليوم ليوم الممات واحذروا أليم هول البيات ، فإن عقاب الله عظيم وعذابه أليم ، نار تلهب ، ونفس تعذب ، وشراب من صديد ، ومقامع من حديد ، أعاذنا الله وإياكم من النار ورزقنا وإياكم مرافقة الأبرار وغفر لنا ولكم جميعا إنه هو الغفور الرحيم.

إنّ أحسن الحديث وأبلغ الموعظة كتاب الله. (ثم تعوّذ بالله ، وقرأ سورة العصر ، ثم قال) : جعلنا الله وإياكم ممن تسعهم رحمته ويشملهم عفوه ورأفته ، وأستغفر الله لي ولكم.

(ثم جلس يسيرا ، ثم قام ، فقال) :

الحمد لله الذي دنا في علوه وعلا في دنوه وتواضع كل شيء لجلاله واستسلم كل شيء لعزته وخضع كل شيء لقدرته ، وأحمده مقصرا عن كنه شكره وأومن به إذعانا لربوبيته وأستعينه طالبا لعصمته وأتوكل عليه مفوضا إليه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلها واحدا أحدا فردا صمدا وترا لم يتخذ صاحبة ولا ولدا ، وأشهد أن محمدا عبده المصطفى ورسوله المجتبى وأمينه المرتضى أرسله بالحق بشيرا ونذيرا وداعيا إليه بإذنه وسراجا منيرا فبلغ الرسالة وأدي الأمانة ونصح الأمة وعبد الله حتى أتاه اليقين فصلّى الله عليه في الأولين وصلّى الله عليه في الآخرين وصلى الله عليه يوم الدين.

١١٢

أوصيكم عباد الله بتقوى الله والعمل بطاعته واجتناب معصيته فإنه من يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما ، ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا بعيدا وخسر خسرانا مبينا» (١).

ومن السنّة أن يقرأ الإمام في الركعة الأولى من صلاة الجمعة ، سورة الجمعة وفي الركعة الثانية ، سورة المنافقين كما روي عن ابن رافع (٢) : «أن أمير المؤمنين عليا عليه‌السلام كان يقرأ في الجمعة في الأولى الجمعة وفي الثانية المنافقين» (٣).

أقول : كلّ ما ذكرت في هذا الفصل من بيان أحكام الجمعة ، إنما أخذته من كتب الشيعة ومداركهم ، وأنت تجد أكثره في كتب أهل السنة ومآخذهم ، فالحمد لله على الوفاق.

__________________

(١) مستدرك نهج البلاغة ، لكاشف الغطاء ، ص ٦٧ و ٦٨. والخطبة موجودة في كتاب "مصباح المتهجّد" للشيخ أبي جعفر الطوسي : ص ٣٨٤ ـ ٣٨٦ ، برواية جابر الجعفي عن أبي جعفر الباقر عن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام.

(٢) هو عبيد الله بن أبي رافع كان كاتبا لعلي عليه‌السلام ومن خواصه له كتاب" قضايا أمير المؤمنين عليه‌السلام".

انظر : جامع الرواة للأردبيلي ، ج ١ ، ص ٥٢٧.

(٣) راجع : وسائل الشيعة ، ج ٤ ، ص ٨١٦.

١١٣

٩ ـ عزائم السجود في القرآن عند عليّ عليه‌السلام

اختلف الفقهاء في عزائم السجدة في القرآن فروي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنه قال : عزائم سجود القرآن أربع : «الم السجدة ، حم السجدة ، والنجم ، واقرأ باسم ربك الذي خلق» (١).

وروي مثله عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهم‌السلام قال : «العزائم الم تنزيل ، وحم السجدة ، والنجم واقرأ باسم ربك ، وما عداها في جميع القرآن مسنون وليس بمفروض» (٢).

أقول : فآيات العزائم هي :

١ ـ (إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ) (السجدة : ١٥).

٢ ـ (وَمِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) (فصلت : ٣٧).

٣ ـ (فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا) (النجم : ٦٢).

٤ ـ (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) (العلق : ١٩).

__________________

(١) راجع : مسند الإمام زيد ، ص ١٥٠.

(٢) انظر : وسائل الشيعة ، ج ٤ ، ص ٨٨١.

١١٤

فمن قرأ آية من هذه الآيات في صلاته فعليه أن يسجد ثم يقوم فيتابع قراءته أو يقوم فيركع. فقد روى أحمد بن عيسى بن زيد عن آبائه الكرام عن أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام أنّه قال :

«كان صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقرأ في فجر الجمعة" تنزيل السجدة" ثم يسجد بها .. الحديث» (١).

وقال أحمد بن عيسى عليه‌السلام : «قرأ عليّ عليه‌السلام سورة النجم في صلاة الفجر فلما قرأ السجدة في آخر السورة سجد ثم قام فقرأ (" إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ") ثم كبّر وركع» (٢).

ومن أراد معرفة تفصيل الأقوال في هذه السنة وفروعها فليراجع كتب الفقه.

١٠ ـ ما روي عن عليّ عليه‌السلام في بيان نوافل الصبح والمغرب

روى زيد بن عليّ عن أبيه عن جده عن أمير المؤمنين عليهم

__________________

(١) راجع : أمالي أحمد بن عيسى ، ج ١ ، ص ١٧٢.

(٢) راجع : أمالي أحمد بن عيسى ، ج ١ ، ص ١٧٢.

١١٥

السلام قال (١) :

«لا تدعنّ صلاة ركعتين بعد المغرب في سفر ولا حضر فإنّهما قول الله تعالى : (" وَأَدْبارَ السُّجُودِ") (٢). ولا تدعنّ صلاة ركعتين بعد طلوع الفجر قبل أن تصلي الفريضة في سفر ولا حضر فهي قول الله عزوجل (" وَإِدْبارَ النُّجُومِ")» (٣).

وقال أبو علي الطبرسي في" مجمع البيان" عند تفسير قوله تعالى : (" وَأَدْبارَ السُّجُودِ") : فيه أقوال أحدها أن المراد به ركعتان بعد المغرب و (" وَإِدْبارَ النُّجُومِ") ركعتان قبل الفجر عن عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام. (٤)

وقال ابن جرير الطبري في تفسيره : بإسناده عن ابن عباس قال قال لي رسول صلى الله عليه (وآله) وسلم : " يا ابن عباس ركعتان بعد المغرب أدبار السجود" (٥).

أقول : إن الله تعالى أمر نبيه (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) في

__________________

(١) راجع : الاعتصام بحبل الله المتين ، لقاسم بن محمد ، ج ٢ ، ص ٩٠.

(٢) سورة ق : ٤٠.

(٣) سورة الطور : ٤٩.

(٤) انظر : مجمع البيان ، الجزء السادس والعشرون ، ص ١١٧.

(٥) راجع : جامع البيان ، الجزء السادس والعشرون ، ص ١٨١.

١١٦

كتابه بالتسبيح في الليل والفجر فقال عزّ من قائل : (وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبارَ السُّجُودِ) وقال جل وعلا : (وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبارَ النُّجُومِ) (الطور : ٤٩) ، وإنّه كثيرا ما أمر الله سبحانه بتسبيحه في كتابه ومراده إقامة الصلاة لأن فيها التسبيح له ، كقوله تعالى : (وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) (الأحزاب : ٤٢) وقوله عزوجل : (فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ) (الروم : ١٧). فالمراد من التسبيح بعد السجود ، نافلة المغرب التي يؤتى بها بعد الفريضة والمراد من التسبيح وإدبار النّجوم ، نافلة الصبح ، التي يؤتى بها قبل فريضة كما فسّرهما علي عليه‌السلام ، وروى ابن عباس رضي الله عنه عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم).

١١ ـ ما روى عن عليّ عليه‌السلام في بيان ملازمة الصلاة والزكوة

إن الله ـ تعالى ذكره ـ جعل أمر الزكوة قرينا للصلاة في مواضع كثيرة من كتابه وجعل بينهما الصلة الشرعية فلا تقبل إحداهما إلا بالأخرى ، كما روي عن أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام أنّه قال لابنه الحسن عليه‌السلام حين حضرته الوفاة : «أوصيك

١١٧

بإيتاء الزكوة عند محلها فإنها لا تقبل الصلاة ممّن منع الزكوة» (١).

فعلى المسلم أن يؤدّي زكاة ماله (إذا بلغ النصاب) بطيب نفسه ، كما عليه أن يصلّي لله تعالى بالإخلاص له. قال الله عزوجل : (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) (القيمة : ٥).

وروى الشّريف الرّضيّ في" نهج البلاغة" عن عليّ أمير المؤمنين ع أنّه قال :

«إنّ الزّكاة جعلت مع الصّلاة قربانا لأهل الإسلام فمن أعطاها طيّب النّفس بها فإنّها تجعل له كفّارة ومن النّار حجازا ووقاية» (٢).

أقول : ملازمة الصلاة والزكوة أمر ظاهر في كتاب الله تعالى وفي سنّة نبيّه ص فقد روى أحمد بن عيسى بسنده عن زيد بن عليّ عن آبائه عن عليّ ع ، قال قال رسول الله ص : «لا تتمّ الصلاة إلا بزكاة ، ولا تقبل صدقة من غلول» (٣).

وروى المناوى (من أهل السنة) في كتابه" كنوز الحقائق" عن

__________________

(١) راجع : أمالي أحمد بن عيسى ، ج ١ ، ص ٢٦٣.

(٢) انظر : نهج البلاغة ، الخطبة ١٩٩.

(٣) راجع : أمالي أحمد بن عيسى ، ج ١ ، ص ٢٦٤.

١١٨

النبيّ ص قال : «لا تقبل صلاة من لا يؤدي الزكوة» (١).

وقال الله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) (البقرة : ٢٦٧)

وأخرج ابن جرير عن علي بن أبي طالب في قوله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ) قال : من الذهب والفضة (وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ) قال : يعني من الحب والتمر وكل شيء عليه زكاة (٢).

هذا وللزكاة فروع كثيرة تطلب من كتب الحديث والفقه.

__________________

(١) انظر : كتاب كنوز الحقائق في حديث خير الخلائق ، لعبد الرءوف المناوي (طبع بهامش الجامع الصغير ، ج ٢ ، ص ١٦٠).

(٢) راجع تفسير الطبري وتفسير الدر المنثور للسيوطي ذيل تفسير الآية المشار إليها من سورة البقرة.

١١٩

١٢ ـ مما روي عن عليّ عليه‌السلام فيما يتعلّق بآي الصيام

قال الله تبارك وتعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ. شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (البقرة : ١٨٣ ـ ١٨٥).

فما أبين هذه الآيات لمن نظر فيها؟ ومع ذلك نحن نحتاج إلى جواب بعض الأسئلة حول هذه الآيات ، كقوله تعالى : (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ) فمن هم؟ وهل يجوز تفريق أيّام القضاء أم لا؟ وما ذا وجب على من أفطر يوما من شهر رمضان عامدا بغير عذر؟ وما ذا على الذي أفطر في شهر رمضان ناسيا؟ وما ذا على الذين أسلموا في منتصف شهر رمضان ، من الصوم؟ نحن نجيب هذه الأسئلة مستدلا بما روي عن أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام فنقول :

١٢٠