مستمسك العروة الوثقى - ج ١٤

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١٤

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٣٧

بعد اعراض المشهور عنهما [١] وإمكان حملهما على محامل ، منها التقية ، لأن المعروف بينهم عدم الصحة. نعم يمكن دعوى انصراف الصحيحة عما إذا علم كون غرض الموصي خصوص شخص الموصى له على وجه التقييد [٢]

______________________________________________________

واللازم عدهما صحيحتين لأبي بصير ومحمد بن مسلم ، لا صحيحة واحدة.

وأما الثانية‌ فرواها أيضاً الشيخ بإسناده عن علي بن الحسن بن فضال عن العباس بن عامر عن أبان بن عثمان عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله (ع) قال : « سألته عن رجل أوصى لرجل بوصيته إن حدث به حدثاً ، فمات الموصى له قبل الموصي. قال : ليس بشي‌ء » (١). ولا يخفى أن اللازم عدا الرواية الثانية من الموثق ، لوجود علي بن فضال في سندها.

[١] قد سبق أن الشهرة العظيمة على خلافهما. نعم يحتمل أن يكون الوجه في تقديم صحيحة محمد بن قيس كونها أوضح دلالة عندهم ، فلا يكون الاعراض عن غيرها قدحاً منهم فيه. وهذا هو الأظهر ، فإن قوله (ع) : « ليس بشي‌ء » ‌ممكن حمله جمعاً على أن الموت ليس بشي‌ء قادح في الوصية ، لا أن الإيصاء ليس بشي‌ء. وبالجملة : التعارض في المقام من قبيل التعارض بين الظاهر والأظهر ، أو بين النص والظاهر ، فيتعين التصرف في الظاهر ، لا رفع اليد عن الأظهر. نعم لو فرض تساوي الدلالة فالترجيح مع الأخيرة ، لأنها أصح سنداً وأكثر عدداً ، والترجيح بذلك مقدم على الترجيح بمخالفة العامة.

[٢] في الرياض ادعى أن القدر المتيقن من النصوص غير هذه الصورة ، فيرجع فيها إلى القواعد المقتضية للبطلان. وقد تقدم عن الدروس أن الحق‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب كتاب الوصايا حديث : ٥.

٥٦١

بل ربما يقال : إن محل الخلاف غير هذه الصورة [١]. لكن الانصراف ممنوع [٢]. وعلى فرضه يختص الاشكال بما إذا كان موته قبل موت الموصي ، والا فبناء [٣] على عدم اعتبار القبول بموت الموصي صار مالكاً [٤] ، بعد فرض عدم رده فينتقل الى ورثته‌ بقي هنا أمور :

أحدها : هل الحكم يشمل ورثة الوارث؟ كما إذا مات الموصى له قبل القبول ومات وارثه أيضاً قبل القبول ، فهل‌

______________________________________________________

التفصيل بين ما إذا علم تعلق غرضه بالمورث لا غير فالبطلان ، وغيره فالصحة ، وأنه به يجمع بين النصوص. أقول : لا ريب في أن محل الكلام صورة ما إذا أوصى إلى شخص بعينه فمات ، فالشخص الخاص لا يقبل الإطلاق والتقييد ، لتباين الأشخاص. نعم يقبل التحليل الارتباطي واللاارتباطي فان الشخص الموصى له شخص وخصوصية ، فقد يكون غرض الموصي الشخص والخصوصية على نحو التقييد والارتباط ، وربما لا يكون كذلك. لكن إخراج الصورة الأولى عن نصوص المشهور وتخصيصها بالصورة الثانية بعيد بل متعذر لندرة ذلك جداً.

هذا إذا كان قبول الوارث لنفسه ، أما إذا كان للميت فيمكن فرض الإطلاق والتقييد ، بأن يكون غرض الموصي تمليك الشخص المذكور لا بشرط الحياة تارة ، وبشرط الحياة أخرى ، وحينئذ يمكن الجمع بين النصوص بحمل النصوص الأولى على الأول » والثانية على الثاني. لكنه جمع بلا شاهد.

[١] تقدم مثل ذلك في كلام الجواهر.

[٢] قد عرفت أن الأخذ به لو فرض متعذر.

[٣] يعني : إذا كان موته بعد موت الموصي.

[٤] وحينئذ يحصل غرض الموصي.

٥٦٢

الوصية لوارث الوارث أو لا؟ وجوه : الشمول [١] ، وعدمه ـ لكون الحكم على خلاف القاعدة ـ والابتناء على كون مدرك الحكم انتقال حق القبول فتشمل. وكونه الأخبار فلا.

الثاني : إذا قبل بعض الورثة ورد بعضهم فهل تبطل [٢] أو تصح ويرث الراد أيضاً مقدار حصته [٣] أو تصح بمقدار حصة القابل فقط [٤] ، أو تصح وتمامه للقابل [٥] أو للتفصيل [٦] بين كون موته قبل موت الموصي فتبطل [٧] أو بعده فتصح بالنسبة إلى مقدار حصة القابل [٨]؟ وجوه [٩].

______________________________________________________

[١] هو الذي يقتضيه ظاهر النصوص ، بناء على أنها دالة على أنها موروثة للوارث ، لأن التفكيك بين إرث وارث الموصى له وإرث وارثه بعيد عن فهم العرف. نعم لو كان مفاد النصوص لزوم الإعطاء للوارث تعبداً ، لا من باب الإرث ، فالتعدي إلى وارث الوارث لا قرينة عليه. وعلى هذا فهذه الوجوه مبنية على الوجهين الآتيين في الأمر الثالث.

[٢] لعدم حصول القبول المطابق للإيجاب.

[٣] للاجتزاء في الصحة بمجرد القبول في الجملة.

[٤] أخذا بمقتضى كل من القبول والرد.

[٥] للاجتزاء بالصحة بمجرد القبول وكون الإرث تابعا له ، فلا يرث إلا القابل.

[٦] عملا بالقواعد.

[٧] لأن الموت مانع من ملكيته بعد وفاة الموصي.

[٨] وتبطل بالنسبة إلى غير القابل ، لعدم القبول.

[٩] أقربها البطلان ، بناء على اعتبار القبول جزءاً ، لعدم حصول‌

٥٦٣

الثالث : هل ينتقل الموصى به بقبول الوارث إلى الميت ثمَّ إليه ، أو إليه ابتداء من الموصي؟ وجهان ، أوجههما الثاني [١]

______________________________________________________

القبول المطابق للإيجاب. أما بناء على كونه شرطا فالأقرب الصحة على النحو الثاني من وجوهها. لا الأول منها ، لظهور كون الرد مانعاً من إرث الموصى به. ولا الثالث ، لعدم استحقاق القابل أكثر من حصته.

وأما التفصيل فقد عرفت أنه مبني على إهمال النصوص في المقام ، لعدم شمولها له والرجوع إلى القواعد المقتضية للبطلان في صورة موت الموصى له قبل الموصي ـ كما عرفت ـ وللصحة إذا مات بعد موت الموصي لانتقال المال إلى الورثة بلا حاجة إلى القبول. نعم الرد مانع عن إرث الراد إجماعا ظاهراً. لكن إهمال النصوص بدعوى عدم شمولها للمقام غير ظاهر. فالأقوى إذاً هو الصحة على الوجه الثاني من وجوهها ، لما عرفت من عدم الدليل على اعتبار القبول ، والرد وإن كان مانعاً إجماعاً ، لكنه يختص بحصة الراد فقط. ويظهر من القواعد وجامع المقاصد : المفروغية عن الصحة على النحو المذكور.

[١] على ما جزم في الشرائع وغيرها ، ويظهر من العلامة في صدر كلامه ، قال : « ولو مات قبل القبول قام وارثه مقامه في قبول الوصية ، ولا يدخل في ملك الميت ».

لعدم قبول الميت للملك ، لأنه بمنزلة المعدوم ، والملكية تستدعي نحوا خاصاً من التابعية والمتبوعية ، والمعدوم لا يقبل المتبوعية الخاصة ، بل هو أولى من الجماد والحيوان في عدم قبول المالكية والمتبوعية ، فاذا قلنا : بأن ملك الجهات ليس على الحقيقة ، فالوقف على المساجد أو الثغور أو المصالح الأخرى لا يستدعي ملك النماء للمسجد أو الثغر أو نحوهما من المصالح ، وإنما يقتضي اختصاص النماء بها ، لان المتبوعية الناشئة عن نحو من الاستيلاء‌

٥٦٤

______________________________________________________

والجدة التي تصحح اعتبار المالكية لا تكون للمساجد ولا للثغور ، وكذلك الحيوان لا يقبل مثل هذه المتبوعية ، فاللام في قولنا : السرج للدابة ليست للملك مهما أراد مالكهما ذلك ، لعدم أهلية الدابة لذلك ، فالميت أولى من الحيوان والجماد في ذلك ، لأنه معدم لا يقوى على هذه المالكية ، بل هو بعيد عنها جداً.

ولا بد حينئذ من البناء في المقام على انتقال المال من الموصي إلى ورثة الموصي له. ومجرد كون الميت ينتفع بالمال ـ كما ثبت ذلك في الشرع المقدس ـ لا يقتضي أنه له قابلية المالكية لأنه أعم ، فإن الحيوان ينتفع بالعلف ولا يقوى على المالكية. وبالجملة : المالكية إضافة خاصة لا تقوم إلا بحياة خاصة ، فالميت مهما كان له من أهلية التنعم والانتفاع وخلافهما لا يقوى على المالكية. ولعل النفوس المجردة ـ مثل الجن والملك ـ كذلك مهما كان لها من أعمال جبارة عن شعور خاص ، فان العرف لا يستطيع الحكم عليها بالمالكية.

فان قلت : إذا لم تدخل الوصية في ملك الموصى له ، وكان الانتقال من الموصى إلى الورثة بلا واسطة الموصى له تعين أن تكون القسمة بين الورثة بالسوية لا قسمة الميراث ، وهو خلاف ظاهر النص والفتوى. قلت : إن تمَّ ما ذكره المشهور من انتقال حق القبول إلى الورثة في المقام كان انقسام الحق انقسام الميراث ، ويكون بتبع موضوع الحق ، لأن الحق لا يقبل الانقسام إلا بلحاظ موضوعه ، كما في سائر موارد إرث الحق ، مثل حق الشفعة ، وحق الخيار ، وحق الرهانة ، وغيرها ، فان انقسام الحق فيها إنما يكون بلحاظ انقسام موضوعه. وان لم يتم ما ذكر المشهور تعين أن يكون ملك الورثة في المقام بحكم الميراث من هذه الجهة ، لا أنه ميراث حقيقي. وكذلك الحكم في دية المقتول ، فإنها بحكم الملك للميت توفى منها ديونه وتخرج منها وصاياه ، كما في النص ، لا أنها ملك له حقيقة ، كيف والدية عوض الحياة ،

٥٦٥

وربما يبنى على كون القبول كاشفاً أو ناقلا [١] فعلى الثاني : الثاني ، وعلى الأول : الأول. وفيه : أنه على الثاني أيضاً يمكن أن يقال بانتقاله إلى الميت آناً ما [٢] ثمَّ إلى وارثه. بل على الأول‌

______________________________________________________

والحياة ليست مملوكة للحي ، فكيف يملك عوضها؟ وكذلك ثلث الميت إذا كان قد أوصى بصرفه على جهات مخصوصة ، فإنه باق على حكم ماله ، لا أنه ماله بعد وفاته.

نعم يبقى الاشكال فيما لو رمى صيداً فمات قبل الإصابة ، فإن الصيد إذا لم يملكه الميت لم ينتقل إلى ورثته ، وحينئذ يبقى على إباحته الأصلية. وفيه : أنه يملكه الوارث لا الميت ، لان الصيد من آثار الرمي ، والرمي كان للميت ، فيرثه وارثه ، فالارث يكون للسبب ، لا للمسبب. وكذا الحكم إذا نصب شبكة فمات ، فدخل فيها الصيد ، فان النصب موروث للوارث فيملك ما هو من آثاره ، وهو الصيد.

والمتحصل مما ذكرنا : أن الميت لما امتنع أن يكون مالكاً على الحقيقة تعين أن يكون المراد من النص في المقام المتضمن لزوم الإعطاء إلى الورثة الظاهر في كونه على نحو الميراث أنه على نحو الميراث الحكمي من حيث القسمة ، لا الميراث الحقيقي.

[١] يظهر ذلك البناء من جامع المقاصد ، فإنه ذكر أن إطلاق مصنفه عدم دخولها في ملك الميت ( يعني : في عبارته السابقة ) لو قبل الوارث لا يستقيم ، لأنه إن قبل بعد الموت وقلنا ان القبول كاشف ـ كما سيأتي اختياره في كلام المصنف ـ دخلت في ملك الميت ، وما ذكره منسوب إلى الشيخ والعلامة والشهيدين ، ونسب أيضاً إلى الأكثر.

[٢] قد عرفت أن بناء الجماعة على عدم قابلية الميت للمالكية ، فكيف ينتقل إليه الملك آنا ما ، فان الآن الواحد كالآنات المتعددة.

٥٦٦

يمكن أن يقال بكشف قبوله عن الانتقال اليه من حين موت الموصي ، لأنه كأنه هو القابل [١] ، فيكون منتقلا إليه من الأول.

الرابع : هل المدار على الوارث حين موت الموصى له إذا كان قبل موت الموصي ، أو البناء على كون القبول من الوارث موجباً للانتقال إلى الميت ثمَّ إليه ، أو كونه موجباً للانتقال إليه أولاً من الموصي ،

______________________________________________________

[١] المناسب أن يقول : لأنه هو القابل ، إذ المفروض أن القبول صدر من الوارث ، فهو قابل حقيقة ، لا أنه مثل القابل. وهذا الاحتمال حكي عن السيد في المناهل : الجزم به. لكن استشكل فيه في الجواهر : بأنه كيف يكون قبول الوارث كاشفاً عن ملكه للمال حين موت الموصي والموصى له موجود؟! فلا بد من البناء على النقل. ويندفع : بأنه لا مانع من انتقال الموصى به إلى وارثه وهو موجود ، لعدم الأثر لمثل هذا الوجود بعد أن لم يكن منه قبول.

اللهم إلا أن يقال : الوارث وإن كان هو القابل لكن قبوله بعد أن كان مطابقاً لإيجاب الموصي تعين أن يكون أثره ملك الموصى له ، لا ملك وارثه فإذا بني على تمامية دليل الكشف ، تعين أن يكون المنكشف ملك المورث ، لأنه مفاد إيجاب الوصية ، لا ملك الوارث. وبالجملة : إذا دل الدليل على اعتبار القبول من الوارث ، فالمراد من القبول إذا كان قبول الإيجاب تعين البناء على ملك المورث ، لأنه مفاد الإيجاب لا ملك الوارث ، وإذا كان قبول الملك لنفسه وإن كان مخالفاً للإيجاب تعين البناء على ملك الوارث. لكن التحقيق بناء على اعتبار القبول هو الأول.

ثمَّ إن هذا الكلام مبني على اعتبار القبول من الوارث ، أما إذا كان المعتبر عدم الرد تعين التفصيل بين موت الموصى له في حياة الموصي‌

٥٦٧

فعل الأول : الأول ، وعلى الثاني : الثاني؟ وجوه [١].

الخامس : إذا أوصى له بأرض فمات قبل القبول فهل ترث زوجته منها أو لا؟ وجهان مبنيان على الوجهين في المسألة المتقدمة ، فعلى الانتقال إلى الميت ثمَّ إلى الوارث لا ترث وعلى الانتقال إليه أولا لا مانع من الانتقال إليها ، لأن المفروض أنها لم تنتقل إليه إرثا من الزوج بل وصية من الموصي [٢]. كما أنه يبنى على الوجهين إخراج الديون والوصايا من الموصى به بعد قبول الوارث وعدمه [٣]. أما إذا كانت بما يكون‌

______________________________________________________

وبين موته بعد وفاته ، فعلى الأول ينتقل المال إلى الوارث بلا واسطته بناء على ما عرفت من امتناع تملك الميت ، وعلى الثاني ينتقل المال إلى الموصى له ثمَّ إلى وارثه.

[١] أقربها الأول ، فإنه الظاهر من النصوص ، والحمل على الوارث حين موت الموصي تقييد يحتاج إلى قرينة ، حتى إن قلنا بأن المال ينتقل من الموصي إلى الوارث بلا واسطة المورث. وربما احتمل بعضهم ذلك بناء على صحة القبول منهم في حياة الموصي ، وإلا فالمراد الورثة حال موت الموصي ، لأن عدم صحة القبول تمنع من التأهل للقبول ، فلا يستحق. وفيه : أن الإطلاق مانع من الأخذ بالتعليل المذكور.

[٢] لكن الدليل دل على كونها على نحو الإرث ، ولذا يجب أن تقسم على نحو قسمة الميراث ، فاذا انحصر الوارث في زوجته وبنته كان للزوجة الثمن والباقي للبنت ، ولا يقسم بالسوية ، فتحرم الزوجة مما زاد على النصف ، كذلك تحرم من الأصل في الفرض.

[٣] ذكر ذلك في القواعد وغيرها. ويشكل أيضاً لما عرفت من أنه‌

٥٦٨

من الحبوة ففي اختصاص الولد الأكبر به بناء على الانتقال الى الميت أولا فمشكل ، لانصراف الأدلة عن مثل هذا [١].

السادس : إذا كان الموصى به ممن ينعتق على الموصى له [٢] ، فان قلنا بالانتقال إليه أولاً بعد قبول الوارث ، فان‌

______________________________________________________

على الوجه الثاني يكون التملك على نحو التملك في الميراث ، فكما تقدم الديون والوصايا في الميراث تقدم في المقام أيضا. اللهم إلا أن يقال : إن ذلك خلاف صريح النص : إنها لورثة الموصى له. وبذلك يفترق المقام عما قبله ، بأن ما قبله من قبيل تقييد إطلاق النص بالانصراف ، وهنا من قبيل رفع اليد عن الظاهر ، لأنه قد يؤدي إلى حرمان جميع الورثة من ذلك فلا يجوز ارتكابه.

اللهم إلا أن يقال : إن الحرمان على تقديره يكون في بعض الفروض فلا يخرج عن كونه مخالفاً ، لإطلاق الدليل. ومن هنا يتعين عدم الفرق بين هذه المسألة وما سبق. فإذاً الأقوى أنه لا فرق بين الوجهين في لزوم البناء على التسهيم في الميراث ، وعلى حرمان الزوجة من الأرض ، وعلى تقديم الدين والوصية.

[١] لا يظهر الفرق بين المقام وما سبق ، وقد عرفت ما هو الأظهر : نعم يشكل الفرض نفسه باعتبار أن الوصية بما يكون من الحبوة لا توجب صدق الحبوة ، لاختصاصها بما يستعمله الميت على نحو الاعداد له ، فلا يشمل المملوك غير المعد للاستعمال ، فضلا عن غير المملوك.

[٢] قال في الشرائع : « فرع : لو أوصى بجارية وحملها أزوجها وهي حامل منه ، فمات قبل القبول. كان القبول للوارث ، فاذا قبل ملك الوارث الولد إن كان ممن يصح له تملكه. ولا ينعتق على الموصى له لأنه لا يملك بعد الوفاة. ولا يرث أباه ، لأنه رق. إلا أن يكون ممن ينعتق على الوارث ويكونوا جماعة ، فيشاركهم ، ويرث بعتقه قبل القسمة » ‌

٥٦٩

قلنا به كشفا وكان موته بعد موت الموصي انعتق عليه [١] ، وشارك الوارث ممن في طبقته ، ويقدم عليهم مع تقدم طبقته فالوارث يقوم مقامه في القبول [٢] ، ثمَّ يسقط عن الوارثية ، لوجود من هو مقدم عليه. وإن كان موته قبل موت الموصي أو قلنا بالنقل وأنه حين قبول الوارث ينتقل إليه آنا ما ،

______________________________________________________

وفي القواعد : « ولو أوصى له بأبيه فمات فقبل ابنه فعلى الأول ( يعني القول بأن القبول كاشف ) تثبت حريته من حين الموت ، فيرث السدس ». والمصنف (ره) حرر المسألة بصورة عامة وهي الإيصاء بمن ينعتق على الموصى له فمات قبل القبول.

[١] لأنه لا يملكه في حياته ، فينعتق عليه ، فاذا مات مات عن وارث حر ـ أبا أو ولداً أو غيرهما ـ كما مات عن غيره من الورثة ، فإن كان في طبقتهم شاركهم ، وإن كان مقدما عليهم ـ كما إذا كان الموصى به أباً أو ولداً للموصى له وكان غيره أخاً له ـ اختص هو بالميراث دونهم.

[٢] لانحصار الوارث به قبل القبول ، كما أنه بعد القبول ينحصر الوارث بغيره ، لأنه مقدم عليه في الطبقة. لكن ذكر الشيخ في المبسوط : أنه ينعتق لكن لا يرث شيئاً من مال الموصى له ، لأن صحة الوصية تتوقف على قبول جميع الورثة ، إذ لو أراد بعض الورثة أن يقبل جميع ما أوصي به لمورثه لم يكن له ذلك ، فاذا جعلنا هذا الولد وارثا لم تصح الوصية إلا بقبوله ، والقبول منه لا يصح قبل حريته ، فكأن ذلك يؤدي إلى إبطال حريته وإبطال الوصية ، فابطلنا الإرث حتى تصح الحرية. انتهى.

وقد أشار العلامة في القواعد إلى الإشكال المذكور ، والجواب عنه بقوله : « ولا دور باعتبار أن توريته يمنع كون القابل وارثا ، فيبطل‌

٥٧٠

______________________________________________________

قبوله ، فيؤدي توريثه إلى عدمه. لأنا نعتبر من هو وارث حال القبول لولاه ». وحاصله : أن المعتبر من القبول القبول الصادر ممن هو وارث لو لا القبول ، أما من هو وارث بالقبول فلا يعتبر قبوله ، إما لأن المستفاد من الأدلة اعتبار قبول من كان وارثاً حال القبول.

وفيه : أنه غير ظاهر ، فإنه لو فرض تجدد وجود وارث بعد القبول كان المعتبر قبوله كغيره. وإما لأنه لو اعتبر قبوله كان قبوله موجباً لبطلان قبول غيره ، وإذا بطل قبول غيره بطل إرثه ، وإذا بطل إرثه بطل قبوله.

لأن القبول إنما يصح من الوارث ، فلا بد أن يكون القابل وارثاً لو لا القبول ، ولا يجوز أن يكون وارثاً بالقبول. وكأن مرجع الجواب إلى المانع العقلي ، وهو أنه يلزم من صحة قبوله عدمه فيمتنع. ويمكن تقرير ذلك بالنسبة إلى قبول غيره من الورثة فإنه إذا صح منه القبول تحرر الموصى به ، وإذا تحرر كان وارثاً ، وإذا كان وارثاً كان مستحقاً للقبول ويبطل قبول غيره. ويمكن تقريره بالنسبة إلى الحرية أيضاً ، فإنه إذا صار حراً صار وارثاً ، وإذا صار وارثاً صار مستحقاً للقبول ، وإذا استحق القبول بطل قبول غيره ، وإذا بطل قبول غيره بطلت حريته.

وبالجملة : توجد سلسلة أمور مترتبة وهي : قبول الوارث ، وانتقال الموصى به إلى الموصى له ، وحرية الموصى به ، وإرثه ، واستحقاقه للقبول وكل واحد منهما يلزم من وجوده عدمه. فالشيخ (ره) قرره في الإرث وحكم بامتناعه ، والعلامة (ره) أجابه بتقريره في استحقاق الموصى به للقبول وحكم بامتناعه ، وقد ذكرنا أنه يمكن تقريره في صحة قبول الورثة وفي انتقال الموصى به ، وفي حرية الموصى به المترتبة عليه ، فيحكم بامتناع حريته ، وبامتناع انتقاله ، وبامتناع صحة قبول الورثة. وبالجملة إذا كان في سلسلة المترتبات ما يلزم من وجوده عدمه فقد لزم من كل منهما ذلك ،

٥٧١

فينعتق ، لكن لا يرث [١] إلا إذا كان انعتاقه قبل قسمة الورثة. وذلك لأنه ـ على هذا التقدير ـ انعتق بعد سبق سائر الورثة بالإرث [٢].

______________________________________________________

ولا يختص بواحد منها بعينه ، لأن استحالة المعلول تستدعي استحالة العلة وبالعكس ، كما أن استحالة الملازم تستدعي استحالة ملازمه ، وفي المقام إذا استحال واحد من السلسلة استحال الباقي ، للزوم الحاصل بينها.

نعم هذه اللزومات إذا كانت عقلية صح ما ذكرنا وبطل الجميع ، لعدم المرجح ، أما إذا كانت شرعية يبطل الأخير منها ويصح ما قبله ، فان الأخير معلوم البطلان ، إما من باب التخصيص أو من باب التخصص وغيره مشكوك البطلان يرجع فيه إلى عموم دليله من دون معارض. وحينئذ يتعين البناء على صحة قبول الورثة ، وصحة انتقال الموصى به ، وترتب حرمة الموصى به عليه وترتب وارثيته من الموصى له ، وأنه لا يصح منه قبول الوصية ، كما ذكر المشهور.

[١] لأن الإرث مشروط بالحرية حال حياة الموروث ، والمفروض أنه في حال حياة الموصي له لم يكن حراً ، أما في صورة موت الموصى له في حال حياة الموصي فلأنه في حال حياة الموصي له كان ملكاً للموصي لم ينتقل منه فلا حرية له ، وأما في صورة موته بعد وفاة الموصي له فلأنه بناء على النقل يكون الانتقال إلى الموصى له بعد وفاته حال القبول ، فتكون حريته حينئذ لا في حياة الموصي له ، فلا يكون وارثاً في الصورتين لانتفاء شرط الإرث.

[٢] لأن إرثهم مقارن لموت الموصى له ، وهو متقدم على حريته في الصورتين ، كما عرفت.

٥٧٢

نعم لو انعتق قبل القسمة في صورة تعدد الورثة [١] شاركهم [٢] وإن قلنا بالانتقال إلى الوارث من الموصي لا من الموصى له [٣] فلا ينعتق عليه [٤] ، لعدم ملكه ، بل يكون للورثة ، إلا إذا كان ممن ينعتق عليهم أو على بعضهم [٥] فحينئذ ينعتق ، ولكن لا يرث إلا إذا كان ذلك مع تعدد الورثة وقبل قسمتهم.

______________________________________________________

[١] هذا من الأحكام الثابتة للوارث إذا كان ممنوعاً من الإرث من جهة الرقية حال موت الموروث ، فإنه إذا تحرر قبل قسمة الميراث بين الورثة يرث ، كما إذا كان حراً حال حياة الموروث. أما إذا كان الوارث واحداً فإنه لا مجال لفرض القسمة واللاقسمة ، فالتحرر بعد موت الموروث لا أثر له في الإرث ، لسبق الوارث غيره بالميراث.

[٢] إذا كان في طبقتهم ، وان كان مقدماً عليهم في الطبقة تفرد بالميراث ، كما تقدم في الصورة السابقة.

[٣] هذا هو الوجه الثاني من الوجهين السابقين في الأمر الثالث.

[٤] يعني على الموصى له. وقد عرفت فيما سبق أن ظاهر الأدلة أن انتقاله إلى الورثة على نحو الميراث ، فكأنه انتقل إلى الموصى له ثمَّ إلى ورثته ، وحينئذ لا فرق بين الوجهين في ذلك.

[٥] قد تحقق في محله أن الرجل لا يملك عموديه آبائه وأمهاته وأولاده ذكوراً وإناثاً ، ولا يملك محارمه من الأخت والعمة والخالة وبنت الأخ والأخت ، وأن المرأة لا تملك عموديها وتملك محارمها. فاذا كان الموصى به ابناً للميت وكان الوارث أولاداً له فهو لا ينعتق على الورثة ، ولو ملكه الميت انعتق عليه. وإذا كان الموصى به بنتاً للميت وكان الورثة أبناءه فهو ينعتق على الميت وعلى ورثته ، وإذا كان الورثة أولاده ذكوراً وإناثاً فهو ينعتق على الذكور ولا ينعتق على الإناث منهم.

٥٧٣

السابع : لا فرق في قيام الوارث مقام الموصى له بين التمليكية والعهدية [١].

( مسألة ٨ ) : اشتراط القبول على القول به مختص بالتمليكية كما عرفت ـ فلا يعتبر في العهدية [٢]. ويختص بما إذا كان الشخص معين أو أشخاص معينين ، وأما إذا كان للنوع أو للجهات ـ كالوصية للفقراء والعلماء أو للمساجد ـ فلا يعتبر قبولهم ، أو قبول الحاكم فيما للجهات [٣] ، وإن احتمل‌

______________________________________________________

[١] بأن يوصي إلى وصيه أن يعطي زيداً ـ مثلا ـ شيئاً ، فيموت زيد قبل القبول ، كما تضمن ذلك خبر الساباطي المتقدم. لكن العمل به غير ظاهر ـ كما عرفت ـ لضعف الخبر ، وعدم الجابر له من عمل الأصحاب. أو غيره ، لاختصاص كلماتهم بالوصية التمليكية التي يكون الموت فيها قبل القبول مع تحقق إيجاب التمليك ، فلا يشمل الوصية العهدية بالتمليك التي يكون الموت فيها قبل إيجاب التمليك وقبوله.

[٢] يعني : لا يعتبر قبول الموصى إليه. فيجب العمل بالإيصاء وان لم يحصل القبول من الموصى إليه أو غيره. نعم للموصى إليه الرد بشرط كونه في حياة الموصي وإعلامه بذلك.

ويحتمل أن يكون المراد قبول الموصى له إذا كانت الوصية عهدية بالتمليك ـ كما تقدم في الأمر السابع ـ فإنه يجب العمل بالوصية وإن لم يتحقق القبول من الموصى له ، فإذا أوصى بأن يعطى زيد مالا وجب الإعطاء وإن لم يقبل زيد. لكنه كما ترى ، فإنه لا يصح الإعطاء الموصى به إلا بالقبول إجماعاً ، كسائر الهبات.

[٣] قال في القواعد : « ولو كانت الوصية لغير معين كفى في التمليك‌

٥٧٤

ذلك أو قيل. ودعوى : أن الوصية لها ليست من التمليكية ، بل هي عهدية [١] ، وإلا فلا يصح تمليك النوع أو الجهات. كما ترى [٢]. وقد عرفت سابقا قوة عدم اعتبار القبول مطلقا وإنما يكون الرد مانعاً ، وهو أيضاً لا يجري في مثل المذكورات فلا تبطل برد بعض الفقراء مثلا ، بل إذا انحصر النوع في ذلك الوقت في شخص فرد لا تبطل.

______________________________________________________

الإيجاب والموت ، ولا يتوقف على القبول ، كمن أوصى للفقراء ، وكذا لو أوصى للمصالح ، كعمارة المساجد ». وفي المسالك : « وإطلاق عبارة الإيجاب والقبول فيه ( يعني : في قول ماتنه في الشرائع : ويفتقر إلى إيجاب وقبول ) يشمل الوصية لمعين كزيد ، وغيره كالفقراء ، فيقبل لهم الحاكم. والأصح في الثاني عدم اشتراط القبول ، لتعذره في المستحق إن أريد من الجميع ، ومن البعض ترجيح من غير مرجح. مع أن الوصية ليست له بخصوصه. وقد تقدم مثله في الوقف » ، ونحوه ما في جامع المقاصد. وفي الحدائق : « والمفهوم من كلام أكثر الأصحاب أن الوصية عقد يفتقر إلى الإيجاب والقبول من الموصى إليه إن كان معيناً ، وأما غيره ـ كالفقراء مثلا ـ فيقبل الحاكم الشرعي أو من ينصبه. والظاهر في الثاني ـ كما استظهره جمع من المتأخرين ، منهم شيخنا الشهيد الثاني في المسالك ـ عدم التوقف على القبول. وقد تقدم مثله في الوقف ».

[١] هذه الدعوى ادعاها في الجواهر ، وتخلص بها عن الاشكال المتوجه على الجماعة ، فيكون إطلاق كلامهم أنه يعتبر القبول في الوصية التمليكية في محله من دون أن يلزم محذور.

[٢] أولا : من جهة أن المعروف بينهم أن الوصية المذكورة من قبيل الوصية التمليكية ، ولذلك عللوا عدم الاحتياج إلى القبول بما ذكر ،

٥٧٥

______________________________________________________

لا بأنها وصية عهدية. كيف؟! والمعروف بينهم أيضاً أن اللام في قوله تعالى ( إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ. ) (١) للملك.

وثانياً : من جهة أن الوصية العهدية تختص بالإيصاء والوصية هنا ليست كذلك ، بل إن بنينا على امتناع ملك العناوين والجهات تعين أن تكون الوصية المذكورة قسماً ثالثاً ، لا تمليكية ولا عهدية ، بل هي تخصيصية تفيد إنشاء التخصيص بالعنوان والجهة. فإن كان المراد من الوصية التمليكية ما يعم ذلك جاء الاشكال السابق ، وإن كان المراد ما يقابل ذلك كان اللازم تقسيم الوصية إلى ثلاثة أقسام : تمليكية وعهدية وتخصيصة ، لا تقسيمها إلى القسمين الأولين فقط.

والتحقيق : ما ذكر في الجواهر من امتناع تمليك النوع والجهات ، لأن الملكية تستوجب نوعاً من التابعية والمتبوعية ، وذلك لا يتحقق في النوع ولا في الجهة ، لأن المتبوعية لا يصح اعتبارها إلا مع الهيمنة للمتبوع على التابع ، والنوع والجهة لا تصلح لذلك. كما أن التحقيق أن الوصية بمال للفقراء أو المسجد ليست من قبيل الوصية العهدية ، بل هي من سنخ الوصية التمليكية ، لكن لا تمليك فيها ، بل اختصاص وتخصيص.

وعلى هذا فان كان الوجه في اعتبار القبول في الوصية التمليكية هو الإجماع على أنها من العقود فهو غير شامل لما نحن فيه. وإن كان هو أصالة عدم الانتقال بدون القبول فهو مشترك بينها وبين ما نحن فيه. وإن كان قاعدة السلطنة على النفس الجارية في حق الموصى له فهو غير آتٍ هنا ، إذ التخصيصية ليس فيها تصرف في المخصص له ، وإنما هو تصرف في المال فقط ، فاذا ملكت زيداً شيئاً فقد جعلته مالكاً ومهيمناً ، وإذا خصصت مالك به فلم تكن تصرفت في زيد ، وإنما تصرفت في مالك.

__________________

(١) التوبة : ٦٠.

٥٧٦

( مسألة ٩ ) : الأقوى في تحقق الوصية كفاية كل ما دل عليها من الألفاظ [١] ، ولا يعتبر فيه لفظ خاص ، بل يكفي كل فعل دال عليها [٢] ، حتى الإشارة والكتابة ـ ولو في حال الاختيار ـ إذا كانت صريحة في الدلالة ، بل أو ظاهرة‌

______________________________________________________

[١] قال في الشرائع : « فالإيجاب كل لفظ دل على ذلك القصد » ونحوه كلام غيره. ويظهر من المتن وجود قول بأنه يعتبر فيها لفظ خاص ولم أقف على ذلك فيما يحضرني. نعم في الجواهر : « ينبغي أن يكون استعماله اللفظ في ذلك جارياً مجرى الاستعمال المتعارف ، ولا يكفي إرادته ذلك من لفظ غير صالح لإرادته حقيقة ولا مجازاً ». ويشكل بأنه بعد ظهور المراد لا مجال للتوقف في الصحة عملا بإطلاق الأدلة.

[٢] كما عن التذكرة احتماله ، وعن المناهل والرياض : الجزم به ، وفي الجواهر : « لعله الظاهر من النافع ». لكن المشهور العدم ، بل في الجواهر : أنه ظاهر الأصحاب وصريح بعضهم ، وعن السرائر : نفي الخلاف فيه ، وفي رسالة شيخنا الأعظم ظهور عدم الخلاف فيه ، وفي الشرائع : « فالإيجاب كل لفظ دل على ذلك القصد » ونحوه ما في القواعد ، ويظهر من شروحهما المفروغية عنه. وكأنه لأنه مقتضى كونها عقداً ، لعدم تحقق العقد بالفعل.

وفي الجواهر ـ بعد أن اختار الجواز ـ قال : « إلا أنه ليس عقداً لها ( يعني للوصية ) فهو شبه المعاطاة في العقود اللازمة التي تندرج في الاسم ، ولا يجري عليها حكم العقد » يعني : يصدق أنه وصية ولا يصدق عقد الوصية وفيه : أن ذلك ينافي ما ذكروه من أنها عقد ، فاذا كان إنشاؤها بالفعل يندرج في الاسم وجب كونها عقداً حينئذ ، وإلا لم تكن الوصية عقداً على وجه الكلية.

فإذاً التحقيق : أن مقتضى إطلاق الأدلة الصحة إذا كان الإنشاء‌

٥٧٧

فإن ظاهر الافعال معتبر كظاهر الأقوال. فما يظهر من جماعة [١] اختصاص كفاية الإشارة والكتابة بحال الضرورة ، لا وجه له ، بل يكفي وجود مكتوب منه [٢] بخطه ومهره إذا علم كونه إنما كتبه بعنوان الوصية. ويمكن أن يستدل عليه‌

______________________________________________________

بقوله (ع) : « لا ينبغي لامرء مسلم أن يبيت ليلة إلا ووصيته تحت رأسه » [٣] بل يدل عليه ما رواه الصدوق عن إبراهيم بن محمد الهمداني [٤] بالفعل كالقول. وما في جامع المقاصد من أنه مع إمكان النطق لا تكفي الإشارة ، لانتفاء دليل الصحة ، كما ترى ، إذ التحقيق حصول إنشاء المعنى العقدي بالفعل كالقول.

[١] قد عرفت نسبته إلى المشهور ، وظاهر الأصحاب ، وظهور عدم الخلاف ، ونفي الخلاف ، وعن ظاهر الغنية : الإجماع عليه.

[٢] كما يقتضيه الإطلاق. ولا مقتضي للتقييد بما إذا كانت الكتابة مشاهدة حال حدوثها.

[٣] رواه المفيد في المقنعة مرسلا‌ ، وكذا الشيخ في المصباح‌ (١). وإرساله مانع عن العمل به ، ولا سيما مع مخالفة المشهور. مع إشكال دلالته ، لعدم كونه في مقام حجية الكتابة ، فمن الجائز أن الاعتماد يكون على قوله : إن هذه وصيتي فاعملوا بها ، كما يشير إلى ذلك الخبر الآتي.

[٤] ورواه الشيخ بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن عمر بن علي عن إبراهيم بن محمد الهمداني‌ (٢) وظاهره التفصيل بين الولد وغيرهم من‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب كتاب الوصايا حديث : ٥ ، ٧. لكن مع اختلاف يسير في متن الحديث لا يخل بالمعنى.

(٢) الوسائل باب : ٤٨ من أبواب كتاب الوصايا حديث : ٢. لكن مع اختلاف يسير في متن الحديث لا يخل بالمعنى.

٥٧٨

قال : « كتبت إليه : كتب رجل كتاباً بخطه ، ولم يقل لورثته هذه وصيتي ولم يقل إني قد أوصيت ، إلا أنه كتب كتاباً فيه ما أراد أن يوصي به ، هل يجب على ورثته القيام بما في الكتاب ، بخطه ولم يأمرهم بذلك؟ فكتب : إن كان له ولد ينفذون كل شي‌ء يجدون في كتاب أبيهم في وجه البر وغيره ».

( مسألة ١٠ ) : يشترط في الموصي أمور‌ ( الأول ) : البلوغ‌

______________________________________________________

الورثة ، ولم يعرف قائل بذلك.

نعم عن نهاية الشيخ إلزام الورثة بالمكتوب إذا عملوا ببعضه ، وهو تفصيل آخر نسبه في الجواهر إلى رواية قاصرة سنداً ودلالة. وفي رسالة شيخنا الأعظم : أنها قاصرة سنداً. ولم نقف على غير رواية المتن ، ولعلها هي المرادة من كلامهم.

لكن قصور سندها غير ظاهر ، فان طريق الصدوق إلى إبراهيم المذكور أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني عن علي بن إبراهيم عن أبيه. وأحمد بن زياد ثقة ، وعلي بن إبراهيم من الأجلاء ، وأبوه مصحح الحديث ، وأما إبراهيم فهو من الوكلاء الثقات.

نعم قصور دلالتها على هذا التفصيل ظاهر. وإن كان المحكي عن التذكرة أنه‌ رواها هكذا : « إن كان له ولد ينفذون شيئاً منه وجب عليهم أن ينفذوا كل شي‌ء ». وحمله على أنهم اعترفوا بصحة الخط.

والأنسب في رواية المتن حملها على كون هذا التنفيذ من خواص الولد ، نظير قضاء الصلاة والصوم ، فتدل على عدم حجية الكتابة المجردة عن القول ، لا على حجيتها ، كما قصد المصنف (ره).

٥٧٩

فلا تصح وصية غير البالغ [١]. نعم الأقوى ـ وفاقا للمشهور [٢] ـ صحة وصية البالغ عشرا ، إذا كان عاقلا ، في وجوه المعروف ، للأرحام أو غيرهم. لجملة من الأخبار المعتبرة [٣].

______________________________________________________

[١] هذا من القطعيات في الجملة. لما دل على قصور سلطنة الصبي على نفسه وماله ، كتاباً وسنة.

[٢] كما في المختلف وجامع المقاصد والحدائق والجواهر وغيرها ، والمصرح به في عبارات الشيخين وابن البراج وأبي الصلاح وابن حمزة وغيرهم ، وفي الشرائع : أنه الأشهر.

[٣] منها‌ مصحح عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال : « قال أبو عبد الله عليه‌السلام : إذا بلغ الغلام عشر سنين جازت وصيته » (١) ‌، و‌صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « إذا أتى على الغلام عشر سنين فإنه يجوز له في ماله ما أعتق أو تصدق أو أوصى على حد معروف وحق فهو جائز » (٢) ‌، و‌موثق منصور بن حازم عن أبي عبد الله (ع) قال : « سألته عن وصية الغلام هل تجوز؟ قال : إذا كان ابن عشر سنين جازت وصيته » (٣) ‌، و‌موثق عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله (ع) « قال : إذا بلغ الصبي خمسة أشبار أكلت ذبيحته ، وإذا بلغ عشر سنين جازت وصيته » (٤) ‌، و‌موثق أبي أيوب وأبي بصير عن أبي عبد الله (ع) : « في الغلام ابن عشر سنين يوصي قال : إذا أصاب موضع الوصية جازت » (٥) ‌، و‌صحيح محمد بن مسلم قال : « سمعت أبا عبد الله (ع) يقول : إن الغلام

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٤ من أبواب كتاب الوصايا حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ٤٤ من أبواب كتاب الوصايا حديث : ٤.

(٣) الوسائل باب : ٤٤ من أبواب كتاب الوصايا حديث : ٧.

(٤) الوسائل باب : ٤٤ من أبواب كتاب الوصايا حديث : ٥.

(٥) الوسائل باب : ٤٤ من أبواب كتاب الوصايا حديث : ٦.

٥٨٠