مستمسك العروة الوثقى - ج ١٤

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١٤

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٣٧

الموت [١] ، مثل قضاء الصلوات والصيام والنذور المطلقة والكفارات ونحوها ، فيجب المبادرة إلى إتيانها مع الإمكان. ومع عدمه يجب الوصية بها ، سواء فاتت لعذر أو لا لعذر ، لوجوب تفريغ الذمة بما أمكن في حال الحياة ، وإن لم يجز فيها النيابة فبعد الموت تجري فيها يجب التفريغ بها بالإيصاء [٢] وكذا يجب رد أعيان أموال الناس التي كانت عنده [٣] ، كالوديعة والعارية ومال المضاربة ونحوها. ومع عدم الإمكان‌

______________________________________________________

[١] لأن الواجبات الموسعة إنما يجوز التأخير فيها لأن لها أفراداً طولية ، فيجوز عقلا ترك الأول والإتيان بالثاني ، وترك السابق والإتيان باللاحق ، فاذا شك في الموت والبقاء فقد شك في وجود فرد لاحق وحينئذ يدور الأمر بين التعيين والتخيير ، وفي مثله يحكم العقل بالتعيين ، وإن قيل بالتخيير عند الدوران بين التعيين والتخيير الشرعي ، لأن التخيير في المقام عقلي ، ومع الشك في التخيير العقلي يحكم بالتعيين ، لان ترك الفرد السابق المعلوم الفردية موجب لاحتمال الضرر من دون مؤمن منه ما دام لم يعلم وجود الفرد الآخر. ومقتضى ذلك لزوم المبادرة بمجرد احتمال عدم التمكن من الفرد الآخر وإن لم تكن أمارة على عدمه ولا ظن بعدمه ، إلا أن الإجماع القولي والعملي اقتضى جواز التأخير مع عدم الظن بالضيق.

[٢] أما مع العلم بالعمل بالوصية فظاهر ، لأنه نوع من التفريغ للذمة ، وأما مع عدم العلم فلوجوب العمل عقلا مع الشك في القدرة ، ولا يجوز ترك العمل حينئذ لاحتمال عدم القدرة.

[٣] كما في الجواهر في كتاب الوديعة ، حاكياً له عن التذكرة ، مستدلا عليه بإطلاق ما دل على وجوب رد الوديعة من الاخبار الكثيرة‌

٥٤١

______________________________________________________

التي عقد لها في الوسائل باباً في كتاب الوديعة ، فإن هذا الإطلاق كسائر الخطابات المطلقة التي تتضيق بظن الوفاة. لكن المذكور في الشرائع وجوب الاشهاد ، وفي الجواهر : « صرح به غير واحد ، بل لا أجد فيه خلافاً بينهم. نعم في القواعد إبدال ذلك بالوصية بها. ولعله يريد ذلك ».

أقول : الرد والتوديع متنافيان ، إذ التوديع استنابة في الحفظ ، وهو يقتضي الاستيلاء على العين على وجه المحافظة. وهو يتنافى مع الرد ، فلا بد أن يكون المراد من رد الأمانة والوديعة الواجب هو ردها عند انتهاء الاستيداع ، إما بالمطالبة ، وإما بانتهاء المدة المفروضة للاستيداع ، والمفرض في المقام انتفاء الأمرين معاً ، فلا يصلح دليل وجوب الرد للأمانات والودائع للمرجعية فيه.

وقد اختلف كلام التذكرة في ذلك ، ففي مسألة قال : « إذا مرض المستودع مرضاً مخوفا ، أو حبس ليقتل ، وجب عليه الإيصاء بالوديعة. وإن تمكن من صاحبها أو وكيله وجب عليه ردها إليه. وإن لم يقدر على صاحبها ولا على وكيله ردها إلى الحاكم .. ». وقال في الفرع الثالث من فروع المسألة : « الأقرب الاكتفاء بالوصية وإن امكنه الرد على المالك لأنه مستودع لا يدري متى يموت ، فيستصحب الحكم. ويحتمل أنه يجب عليه الرد إلى المالك ووكيله عند المرض » ثمَّ قال : « وهو قول أكثر الشافعية ». لكن يظهر من كلامه الثاني وجوب الرد مع العلم بالموت. لكن عرفت أنه غير ظاهر من الدليل ، ومخالف للمشهور من فتاوى الأصحاب. وحملها في الجواهر على إرادة بيان القضية المهملة ، يعني : بيان وجوب الاشهاد في الجملة ولو عند عدم التمكن من الرد. غير ظاهر ولا داعي إليه بعد ما عرفت.

٥٤٢

يجب الوصية بها. وكذا يجب أداء ديون الناس الحالة [١] ، ومع عدم الإمكان أو مع كونها مؤجلة ، يجب الوصية بها [٢] إلا إذا كانت معلومة [٣] ، أو موثقة بالإسناد المعتبرة. وكذا إذا كان عليه زكاة أو خمس أو نحو ذلك ، فإنه يجب عليه أداؤها أو الوصية بها [٤]. ولا فرق فيما ذكر بين ما لو كانت له تركة أو لا إذا احتمل وجود متبرع أو أداؤها من بيت المال.

______________________________________________________

[١] لقاعدة السلطنة المانعة من التصرف في الدين بحبسه عن مالكه ، لأن حبسه عنه خلاف قدرته عليه ، وخلاف ما دل على حرمة حبس الحقوق عن أهلها المعدود من الكبائر ، فلا يتوقف وجوب الرد على المطالبة الموجبة لكراهة بقائه في الذمة ، فإنه لا فرق في حرمة التصرف في ملك الغير بين أن يكون مع كراهته للتصرف وبين أن يكون لعدم إذنه فيه. نعم إذا أذن المالك ببقاء الدين في الذمة لم يجب الرد ، لعدم المقتضي. ومن ذلك يظهر أن وجوب الأداء حينئذ لا يتوقف على ظهور أمارات الموت ، بل يجب حتى مع العلم بالبقاء.

[٢] لوجوب إفراغ ذمته منها ، المتوقف على ذلك.

[٣] يعني بحيث لا يكون للوصية أثر ، أما إذا كان للوصية أثر ، ـ بأن لا تكون للورثة دواع قوية إلى الأداء بغير الوصية ـ فالوصية أيضاً تكون واجبة ، بل إذا لم يكن للوصية أثر إلا بالتهديد والتوعيد بالعقاب على تقدير المخالفة وجب ذلك أيضاً. فاللازم فعل كل ما له دخل في حصول الفراغ من إشهاد أو وصية ووعظ وتهديد وغير ذلك مما يتوقف عليه الفراغ.

[٤] لعين ما ذكر من أن حبس المال عن أهله بغير اذن خلاف قاعدة السلطنة ، وخلاف ما دل على حرمه حبس الحقوق عن أهلها المعدود في الكبائر.

٥٤٣

( مسألة ٤ ) : رد الموصى له للوصية مبطل لها إذا كان قبل حصول الملكية ، وإذا كان بعد حصولها لا يكون مبطلا لها ، فعلى هذا إذا كان الرد منه بعد الموت وقبل القبول ، أو بعد القبول الواقع حال حياة الموصي مع كون الرد أيضا كذلك يكون مبطلا لها [١] ، لعدم حصول الملكية بعد ، وإذا كان‌

______________________________________________________

[١] إما في الفرض الأول فلا خلاف ولا إشكال. وفي الجواهر : « الإجماع بقسميه عليه » ، وفي رسالة شيخنا الأعظم ( قده ) تكرر نقل الإجماع عليه ، وفي التذكرة : « لا نعلم فيه خلافا » ويظهر من كلماتهم أنه من المسلمات. وقد عرفت أنه هو العمدة فيه بناء على كون الوصية من الإيقاع وأما بناء على أنها من العقود ـ كما هو المشهور ـ فلأن الرد مانع من تألف القبول الواقع بعده مع الإيجاب الواقع قبله.

وأما في الفرض الثاني فينافيه ما ذكره في الشرائع وغيرها من أنه إذا رد في حياة الموصي جاز أن يقبل بعد وفاته إذ لا حكم لذلك ، فان مقتضى إطلاقه عدم ترتب الأثر على الرد في الحياة وإن كان بعد القبول ، فاذا اكتفينا بالقبول حال الحياة لم تبطل بالرد بعده. لكن في الجواهر : « يشكل ذلك بما ظاهرهم الإجماع عليه من كون الوصية عقداً جائزاً من الطرفين ، ومقتضاه تسلط الموصى له على فسخه حينئذ ، ولا ريب في اقتضائه بطلان العقد ». ولأجل ذلك احتمل حمل كلامهم على رد الإيجاب خاصة ، الذي لا يدخل تحت حكم فسخ العقد الجائز ، فلا يشمل فسخ الموصى له بعد القبول. لكن لا دليل على كون الوصية عقداً جائزاً من الطرفين ، كما سيأتي في كلام المصنف ( قده ) وإلا لم يكن وجه لبطلان الرد في الفرض الأول.

ولأجل ذلك ينبغي أن يقال : إنه إذا بنينا على كون الوصية إيقاعاً ـ كما هو التحقيق ـ فمقتضى إطلاق أدلة النفوذ هو البناء على عدم تأثير‌

٥٤٤

بعد الموت وبعد القبول ولا يكون مبطلا ، سواء كان القبول بعد الموت أيضاً أو قبله ، وسواء كان قبل القبض أو بعده ، بناء‌

______________________________________________________

الرد في جميع الصور حتى في الفرض الأول ، لكن يوجب الخروج عن ذلك بالإجماع ، ولم يقم إجماع عليه في الفرض الثاني. وإذا بنينا على كونها عقداً فاللازم البناء على ابطال الرد لها إذا وقع قبل القبول ـ بناء على أنه مانع من تألف الإيجاب الواقع قبله مع القبول الواقع بعده ـ وعدم إبطاله إذا وقع بعده إلا إذا قلنا بأنها عقد جائز من الطرفين ، الذي لازمه بطلانها بالرد بعد القبول بعد الموت ، الذي عرفت أنه خلاف الإجماع.

والذي يظهر من عبارة المصنف ( قده ) أن الوجه في مبطلية الرد إذا وقع قبل حصول الملكية أصالة عدم ترتب الملكية ، وفي عدم مبطليته إذا وقع بعد حصول الملكية استصحاب بقاء الملكية ، لكن الأصل في الفرض الأول لا مجال له ، بناء على كون الوصية إيقاعاً ـ كما تقدم من المصنف ـ لأن إطلاق نفوذه حاكم عليه ، فالبناء على الأصل المذكور يتوقف على التغافل عن المبنى المذكور.

ومن ذلك كله يتحصل أن في مسألة قبول رد الوصية وعدمه مباني مختلفة النتيجة ولا تلتئم مع فتاوى الأصحاب : كون الوصية إيقاعاً ، وكونها عقداً لازماً ، وكونها عقداً جائزاً. فإن الأول لا يتناسب مع بنائهم على مبطلية الرد إذا كان بعد الوفاة قبل القبول. والثاني لا يتناسب مع بنائهم على عدم مبطلية الرد في حال الحياة وإن كان بعد القبول ، فله أن يجدد القبول بعد ذلك إن كان قد سبق ، على ما اختاره المحقق وجماعة ، كما في المسالك ، وظاهر الحدائق نسبته إلى الأصحاب ، وظاهرهم أن له أن يستمر على الرد فلا يتحقق التمليك مع تحقق القبول ، وهو يقتضي كونها عقداً جائزاً بالنسبة إلى الموصى له في الجملة ، والثالث لا يتناسب مع بنائهم‌

٥٤٥

على الأقوى من عدم اشتراط القبض في صحتها [١] ، لعدم الدليل على اعتباره ، وذلك لحصول الملكية حينئذ له ، فلا تزول بالرد. ولا دليل على كون الوصية جائزة [٢] بعد تماميتها بالنسبة الى الموصى له ، كما أنها جايزة بالنسبة الى الموصي ، حيث أنه يجوز له الرجوع في وصيته ، كما سيأتي. وظاهر كلمات العلماء [٣] حيث حكموا ببطلانها بالرد عدم صحة القبول بعده ، لأنه عندهم مبطل للإيجاب الصادر من الموصي‌

______________________________________________________

على عدم مبطلية الرد إذا كان بعد الوفاة وبعد القبول.

والمصنف (ره) زاد في الاشكال ، إذ أفتى بمبطلية الرد إذا كان في حال الحياة بعد القبول ، فان ذلك لا يلتئم مع مختاره من كون الوصية إيقاعاً ، فإن مقتضى إطلاق النفوذ عدم الابطال به وليس هناك إجماع يقتضي الخروج عن هذا الإطلاق ، كما كان في الفرض الأول ، على ما عرفت.

[١] كما هو المشهور وعن الشيخ في مبسوطه وابن سعيد في جامعه أنه شرط في تحقق الملك ، كالهبة والوقف ، لاشتراكها في العلة المقتضية ، وهو العطية المتبرع بها مع أولوية الحكم في الوصية من حيث أن العطية في الهبة وما في معناها منجزة ، وفي الوصية مؤخرة ، والملك في المنجز أقوى منه في المؤخر ، بقرينة نفوذ المنجز الواقع من المريض على خلاف بخلاف المؤخر. كذا في المسالك. وأشكل عليه : بأنه خلاف إطلاق النفوذ من دون مخرج عنه ، والوجوه المذكورة استحسانات موهونة كما هو ظاهر.

[٢] قد عرفت ما في الجواهر من نسبة الجواز في الوصية بالنسبة إلى الطرفين إلى ظاهر إجماعهم. لكنه ممنوع. لمخالفته لإطلاق الأدلة.

[٣] كلماتهم صريحة في ذلك ، وقد عرفت دعوى الإجماع عليه في‌

٥٤٦

كما أن الأمر كذلك في سائر العقود ، حيث أن الرد بعد الإيجاب يبطله وإن رجع وقبل بلا تأخير ، وكما في إجازة الفضولي ، حيث أنها لا تصح بعد الرد. لكن لا يخلو عن إشكال إذا كان الموصي باقياً على إيجابه. بل في سائر العقود أيضاً مشكل ، ان لم يكن إجماع [١] ، خصوصاً في الفضولي [٢] حيث أن مقتضى بعض الاخبار صحتها ولو بعد الرد. ودعوى عدم صدق المعاهدة عرفاً إذا كان القبول بعد الرد ، ممنوعة [٣]. ثمَّ انهم ذكروا أنه لو كان القبول بعد الرد الواقع حال الحياة صح. وهو ايضاً مشكل على ما ذكروه من كونه مبطلا للإيجاب ، إذ لا فرق حينئذ بين ما كان في حال الحياة أو بعد الموت إلا إذا قلنا : ان الرد والقبول لا أثر لهما حال الحياة ، وأن محلهما إنما هو بعد الموت وهو محل منع [٤].

______________________________________________________

الجواهر وغيرها. نعم ظاهرهم أن الوجه فيه أن الرد إنما يكون مبطلا للإيجاب إذا وقع في محله ، والرد في حال الحياة إنما لا يكون مبطلا للإيجاب لعدم وقوعه في محله. والتفصيل المذكور منهم غير ظاهر ، إذ كيف لا يكون الرد في حال الحياة في محله ويكون محل القبول كما عرفت؟. وما الفارق بين حالي الحياة والممات؟!

[١] بل هو الظاهر من المرتكزات العرفية ، وظاهرهم الإجماع عليه.

[٢] قد تقدم الكلام في ذلك في المسألة الثامنة عشرة من فصل أولياء العقد.

[٣] عرفت أن المنع المذكور خلاف المرتكزات العرفية ، وعليه إجماعهم ظاهراً.

[٤] كما تقدم في المسألة الثانية.

٥٤٧

( مسألة ٥ ) : لو أوصى له بشيئين بإيجاب واحد ، فقبل الموصى له أحدهما دون الآخر ، صح فيما قبل وبطل فيما رد [١].

______________________________________________________

[١] كما في الشرائع والقواعد. ويظهر من جامع المقاصد والحدائق والجواهر ورسالة شيخنا الأعظم : أنه فتوى الأصحاب ، واستوضحه شيخنا الأعظم ( قده ) لانحلال العقد على الجملة إلى عقود متعددة ، كانحلال العقد المشروط إلى ذلك ، ولذلك صح تبعض الصفقة ، كما صح العقد مع فوات وصف الصحة وغيره من الشروط في ضمن العقد. وفيه : أن ما ذكروه من اعتبار المطابقة بين الإيجاب والقبول في العقد يدل على عدم انحلال الإيجاب إلى إيجابات متعددة ، وإلا لم يكن لاعتبار ذلك وجه ، فلا تصح المقايسة بين المقام ومسألة تبعض الصفقة أو خيار تخلف الشرط ، فان انحلال العقد بعد تماميته غير انحلال الإيجاب نفسه.

وفي جامع المقاصد : أن الوصية لما كانت تبرعا محضا لم ترتبط أجزاؤها بعضها ببعض ، فكما يصح قبولها جميعا يصح قبول بعضها ، وهذا بخلاف البيع ونحوه من عقود المعاوضات. وفي الجواهر : « يقوي في الوصية عدم كونها من العقود المعتبر فيها المطابقة ، لتحقق اسم العقد الذي هو الإيجاب وقبول ذلك بالإيجاب بها ». ويشكل ما ذكراه : بأن العقد لا يختلف مفهومه باختلاف الموارد. وفي الجواهر : « الفرق بين المقام والمعاوضات أن في المقام لم يصدر من الموجب غير تعلق قصد الإيصاء بكل منهما من غير مدخلية لاجتماعهما وانفرادهما ، بخلافه في عقد المعاوضة الظاهر بسبب الجمع بالعوض في أن القصد حصل عليهما من حيث الاجتماع وإن لم يكن ذلك على جهة الشرطية ». ويشكل : بأن المدار ليس على قصد الموجب ، بل المدار على وحدة الإنشاء عرفاً وتعدده ، فمع وحدته عرفاً لا بد من مطابقة القبول للإيجاب. مع إمكان منع ما ذكره على وجه الكلية كما إذا‌

٥٤٨

وكذا لو أوصى له بشي‌ء فقبل بعضه مشاعاً أو مفروزاً ورد بعضه الآخر ، وان لم نقل بصحة مثل ذلك في البيع ونحوه ، بدعوى : عدم التطابق حينئذ بين الإيجاب والقبول. لان مقتضى‌

______________________________________________________

أوصى له بمصراعي باب ، فقبل أحدهما بعينه ، فإن الوصية مختصة بحال الاجتماع قطعاً.

وعليه لا يمكن التخلص عن الإشكال إلا بما عرفت من عدم كون الوصية من العقود ، واعتبار القبول ـ على تقدير القول به ـ من قبيل اعتبار القبض في بيع الصرف والسلم ، لا أنه جزؤ من العقد ، ويكفي في القبول المعتبر القبول للبعض. بل عرفت عدم اعتبار القبول ، وإنما المعتبر عدم الرد ، وهو بالنسبة إلى البعض حاصل. اللهم إلا أن يشكل : بأنه لا إطلاق يشمل الوصية بالبعض ، ضرورة كون الإنشاء إنما تعلق بالمجموع ، فكل جزء وإن كان موضوعاً للوصية ، لكنه في حال الاجتماع ، ولا يشمل حال الانفراد ، فلا موضوع حينئذ لدليل الصحة والنفوذ ، كي يحكم بالصحة. وفيه : أنه إن تمَّ هذا الاشكال اقتضى البطلان في تبعض الصفقة ، وكذا إذا أوصى بما يزيد على الثلث فلم يقبل الورثة ، مع أنه لا إشكال في الصحة في المقامين ، الكشاف عن اكتفاء العرف في صدق البيع والوصية بمثل هذا القصد الضمني وإن لم يشمله قصد المنشئ.

ونظيره باب تخلف الشرط ، فان البيع إنما وقع على المشروط ، فلا يشمل ذات المشروط الخالية عن الشرط مع بناء الأصحاب على صحة العقد لبناء العرف على صدق البيع ولو ادعاء بالنسبة إلى الذات نفسها ، ولذلك تجد المشتري يعتقد جواز التصرف بالذات الخالية عن الشرط ، ولا يحتاج في تصرفه فيها إلى معاملة جديدة مع البائع ، وكذلك في باب تبعض الصفقة إذا تبين للمشتري أن بعض المبيع لغير البائع فأخذه مالكه ، يرى أن له‌

٥٤٩

القاعدة الصحة في البيع أيضاً [١] إن لم يكن إجماع. ودعوى عدم التطابق ممنوعة. نعم لو علم من حال الموصي ارادته تمليك المجموع من حيث المجموع [٢] لم يصح التبعيض.

______________________________________________________

جواز التصرف في البعض الباقي ، بلا حاجة الى مراجعة البائع ، كل ذلك اكتفاء من العرف في صدق المعاملة بمجرد هذا القصد الضمني الذي لا إطلاق له يشمل حال الانفراد ، فهي أفراد ادعائية جرت عليها الأحكام العرفية وتبعثها الأحكام الشرعية ، كما أشرنا إلى ذلك في بعض مباحث الإجارة من هذا الشرح. فراجع.

ومن ذلك يظهر الحكم في الفرض الآتي. كما يظهر أيضاً أنه لا يصح الحكم بالصحة في المقام بناء على اعتبار القبول جزءاً وكأنه بناء على ذلك قوى بعض المحشين البطلان في الفرض الثاني ، وتوقف في الصحة في الفرض الأول ، لاحتمال عدم الارتباط بين الشيئين في الوصية ، بخلاف أجزاء الشي‌ء الواحد ، فان الارتباط فيها ظاهر ، فلا يصح القبول في بعضه دون بعض ، بخلاف الشيئين غير المرتبطين ، كما أشرنا إلى ذلك في مبحث الفضولي من كتاب النكاح. فراجع.

[١] هذا ممنوع ، لأنه مع عدم التطابق بين الإيجاب والقبول لا يصدق العقد عرفاً ، ولا البيع ، ومنع عدم التطابق غير ظاهر ، لأنه مبني على تحليل الإيجاب إلى إيجابات ، وقد عرفت منعه.

[٢] المدار على الإنشاء لا على ما في نفس الموصي ، فإذا لم يشترط في الإنشاء شرط جاء فيه التبعض ، كما في بيع الصفقة بعينه. وبالجملة : الآثار التكليفية تتبع الترجحات النفسانية ، والآثار الوضعية تتبع الإنشاء ولا ترتبط بما في النفس من الترجيحات ، فاذا كانت الأغراض غير ارتباطية والإنشاء واحد جاء خيار تبعض الصفقة لتخلف المقصود ، وإذا كان الإنشاء متعدداً لم يكن خيار تبعض الصفقة وان كانت الأغراض ارتباطية.

٥٥٠

( مسألة ٦ ) : لا يجوز للورثة التصرف في العين الموصى بها قبل أن يختار الموصى له أحد الأمرين من القبول أو الرد [١]

______________________________________________________

[١] الظاهر أنه لا ريب ولا خلاف يعتد به في عدم اعتبار اتصال قبول الوصية بالوفاة ، ويقتضيه إطلاق الأدلة الشامل لذلك قطعاً ، لندرة اتفاق حصول ذلك ، بل تعذره فيما لو كان الموصى له غائبا ، كما ذكر. ذلك في الجواهر. وعليه فمقتضى أصالة عدم القبول جواز تصرف الوارث ظاهرا حتى يثبت العلم بالقبول ، بل بناء على كون القبول ناقلا يجوز للوارث التصرف واقعاً ، لعدم حصول الوصية حال الموت المقتضي لانتقال الموصى به إلى الورثة كغيره من أموال التركة. وبالجملة بناء على اعتبار القبول في الوصية يكون الكلام في هذه المسألة نظير الكلام في مبحث الفضولي في جواز تصرف الأصيل فيما انتقل عنه قبل حصول الإجازة ، وفي جواز تصرف الناذر في المنذور قبل حصول المعلق عليه النذر ، فان الجميع من باب واحد.

نعم بناء على كون الرد مبطلا لها تكون الوصية تمام السبب الناقل فيملك الموصى له بالموت ، فلا يجوز للوارث التصرف فيه لكونه تصرفا في ملك الموصى له. وحينئذ لا فرق في حرمة التصرف بين ما يوجب إتلاف العين وغيره ، حتى مثل ركوب الفرس ، لعدم الفرق في حرمة التصرف في مال الغير بين القسمين. لكن الذي يظهر من عبارة المتن أن مبنى كلامه ما هو المشهور من اعتبار القبول. وحينئذ لا يظهر وجه المنع.

اللهم إلا أن يفهم من الوصية المنع من التصرف المنافي وبقاء العين بحالها إلى أن تكون لزيد ، كما قد يقال بذلك في النذر المعلق ، فاذا نذر أن يعطي فرسه لزيد إذا رزق ولداً فكأنه نذر أن تبقى الفرس إلى أن تعطى لزيد ، فلا يجوز التصرف المنافي للبقاء ، وكذلك نقول في المقام.

٥٥١

وليس لهم إجباره على اختيار أحدهما معجلا [١] ، إلا إذا كان تأخيره موجباً للضرر عليهم ، فيجبره الحاكم حينئذ على اختيار أحدهما [٢].

( مسألة ٧ ) : إذا مات الموصى له قبل القبول أو الرد فالمشهور قيام وارثه مقامه في ذلك [٣] ، فله القبول إذا لم يرجع الموصي عن وصيته ، من غير فرق بين كون موته في حياة الموصي أو بعد موته ، وبين علم الموصى بموته وعدمه. وقيل بالبطلان بموته قبل القبول [٤]. وقيل بالتفصيل بين ما إذا علم أن غرض الموصي خصوص الموصى له فتبطل ، وبين غيره‌

______________________________________________________

لكن على هذا يختص المنع بما ينافي البقاء ، ويجوز ما لا ينافي ذلك. وهذا غير بعيد عن المتفاهم العرفي. وإن كان التحقيق ما عرفت من كون الوصية إيقاعاً ويترتب عليه المنع من جميع التصرفات ، حتى غير المنافية.

[١] كما في الجواهر ، لعدم الدليل عليه.

[٢] كما قواه في الجواهر. لا لقاعدة نفي الضرر ، لأنها نافية ، فلا تصلح للإثبات. بل لعموم حرمة الإضرار بالغير ، بل في الجواهر لو تعذر إجبار الحاكم تولاه الحاكم بنفسه. لكنه تأمل فيه. وكأنه ليس من الحقوق التي ينوب فيها الحاكم عن الممتنع ، بل من الاحكام ، وعموم حرمة الإضرار لا يصلح لتشريع مثل هذه النيابة.

[٣] وفي رسالة شيخنا الأعظم : أنه المشهور بين القدماء والمتأخرين. انتهى. وعن كشف الرموز : أنه انعقد عليه العمل.

[٤] في الحدائق : أنه نقل عن جماعة من الأصحاب ، منهم ابن الجنيد والعلامة في المختلف.

٥٥٢

فلورثته [١]. والقول الأول وان كان على خلاف القاعدة مطلقاً ـ بناء على اعتبار القبول في صحتها ـ لأن المفروض أن الإيجاب مختص بالموصى له [٢]. وكون قبول الوارث بمنزلة قبوله ممنوع [٣]. كما أن دعوى انتقال حق القبول الى الوارث ايضاً محل منع [٤] صغرى وكبرى ، لمنع كونه حقاً [٥] ،

______________________________________________________

[١] حكاه في الجواهر ، ثمَّ قال : « بل ربما ظهر من بعضهم خروج القسم الأول من الخلاف » ، وفي الدروس : أن التفصيل المذكور حق ، وبه يجمع بين النصوص. وقيل بالتفصيل بين موته في حياة الموصي فتبطل ، وموته بعد حياته فتصح. حكاه في المسالك عن بعض الأصحاب وفي الدروس عن المحقق.

[٢] يعني : مضمون الإيجاب تمليك الموصى له لا تمليك وارثه ، فالقبول يجب أن يكون من الموصى له ، لأنه الذي يتعلق به الإيجاب.

[٣] لأنه ليس ولياً عليه ، ولا وكيلا عنه ، فقيامه مقامه في القبول خلاف القاعدة. وهذا هو العمدة في إشكال القول بالصحة بالنظر إلى القواعد. وأما إشكاله بملاحظة عدم مطابقة القبول للإيجاب ، باعتبار أن الإيجاب يتضمن تمليك الموصى له ، والقبول يتضمن تمليك الوارث. ففيه : أنه مبني على كون الوارث يتلقى الملك من الموصي أما إذا كان يتلقى الملك من الموصى له فقبول الوارث أيضاً يتضمن تمليك الموصى له ، فهو قبول لنفس ذلك الإيجاب. وكان الأولى للمصنف أن يقول : وقبول الوارث إن كان لنفسه فهو مخالف للإيجاب ، وإن كان للموصى له فهو لا وكيل عنه ولا ولي عليه.

[٤] هذا أحد الأدلة التي استدل بها على القول المشهور ، ذكره جماعة.

[٥] الفرق بين الحق والحكم مفهوماً واضح ، فان الحق نوع من الملك‌

٥٥٣

______________________________________________________

يختص بهذا الاسم بحسب الاصطلاح ، والحكم لا يكون ملكاً. وكذلك الفرق بينهما أثراً ، فان الحق يسقط بالإسقاط ، للقاعدة المقررة بين العقلاء من أن لكل ذي حق إسقاط حقه ـ كما ادعاها شيخنا الأعظم في مبحث خيار المجلس من مكاسبه ـ والحكم ليس كذلك ، فإنه تابع لرأي الحاكم ، فان شاء أبقاه ، وإن شاء أسقطه وألغاه ، وليس أمره راجعاً إلى المحكوم له ضرورة.

والفرق بينهما في مقام الإثبات هو أنك تقول : زيد له أكل لحم الضأن وليس له أكل لحم الميتة ، وتقول : المغبون له الخيار في الفسخ ، وليس للغابن الخيار في الفسخ ، فاللام في الأول لام الصلة والتعدية ، متعلقة بمحذوف ، يعني : زيد يجوز له أكل لحم الضأن فالظرف لغو بحسب اصطلاحهم ، واللام في الثاني لام الملك ، يعني المغبون يملك الخيار فهي متعلقة بمحذوف عام ، فالظرف مستقر ، يعني المغبون كائن له الخيار كما تقول لزيد مال. هذا هو وجه الفرق بين الحق والحكم.

وأما الفرق بين الحق والملك فهو أن الحق نوع من الملك يختص باصطلاح العرف بالعين القائمة بغيره ، أو بالمعنى القائم بغيره ، على نحو لا يصح اعتباره إلا في ظرف إضافته إلى المالك ، بحيث لو لا إضافته إلى المالك لم يصح اعتباره. ويختص الملك عرفاً بما عداه. وتوضيح ذلك : أن ما يكون مضافاً إلى المالك إما أن يكون عينا أو معنى ، والعين إما أن تكون في الخارج ـ كالفرس الخارجي ـ أو في الذمة ـ كالمبيع في السلف كما إذا باعه تمراً أو حنطة إلى أجل ، فإن المبيع عين ذمية لا خارجية ـ أو لا يكون في الخارج ولا في الذمة ، لكنه قائم في عين أخرى ـ كحق الجناية القائم في عين الجاني ، وكحق الزكاة القائم بالعين الزكوية على‌

٥٥٤

______________________________________________________

بعض الأقوال ، فإن الشاة الزكاة قائمة في الأربعين شاة ، وليست جزءاً منها لتكون خارجية ، ولا في ذمة المالك إجماعاً منا لتكون ذمية ، بل هي قائمة في الأربعين شاة ـ أو قائم في معنى مثله ، كما إذا كان المدين يملك منافع أعيان فاشترط عليه الدائن في عقد بينهما أن ينتقل دينه إلى المنافع المملوكة. فإن الدائن يكون له حق استيفاء الدين من المنافع وهو قائم بها. هذه أقسام العين التي تكون ظرفاً لإضافة الملكية ، وهي أربعة.

ومثلها أقسام المعنى الذي يكون طرفاً لإضافة الملكية ، فإنها أيضاً أربعة ( الأول ) : المعنى القائم بالعين الخارجية مع كون اعتباره من لوازم وجود العين مثل منافع المملوكات الخارجية ، مثل الدار والفرس ( والثاني ) المعنى القائم بالذمة ، مثل ما لو استأجره على خياطة ثوب ، فإن الخياطة معنى مملوك للمستأجر ، وهو في ذمة الأجير ( والثالث ) : المعنى القائم بالعين الخارجية ولا يكون اعتباره من لوازم وجودها مثل استيفاء الدين من العين المرهونة ـ المعبر عنه بحق الرهانة ـ ومنافع الأجير الخاص الحر ، فإنها متعلقة بعينه لا بذمته ( والرابع ) : المعنى القائم بالمعنى ، مثل استيفاء الدين من منافع المديون إذا شرط الدائن على المديون ذلك في عقد ، فإن الدائن يملك الدين في الذمة ويملك استيفاءه من المنافع.

فهذه أنواع المملوكات من العين والمعنى تختلف في كونها حقاً أو ملكاً باختلاف الموارد ، فالقسمان الأولان من أقسام العين من الاملاك ، وليسا من الحقوق ، والقسمان الآخران من الحقوق ، وكذلك القسمان الأولان من المعنى أيضاً من الاملاك ولبسا من الحقوق ، والقسمان الآخران من الحقوق.

كل ذلك بحسب اصطلاح الفقهاء. لا لاختلاف مراتب الملكية ، بأن تكون الحقوق مرتبة من الملكية ضعيفة ، والملك مرتبة من الملكية قوية ـ كما ادعاه بعض الأعاظم ـ فإنه غير ظاهر ، كيف والملك في الجميع‌

٥٥٥

______________________________________________________

على نحو واحد. ولا للاختلاف في السقوط بالإسقاط وعدمه. فيكون الحق ما يسقط بالإسقاط ، والملك ما لا يكون كذلك ـ كما قد يتوهم ـ فان المملوكات في الذمم كلها تسقط بالإسقاط ، سواء كانت أعياناً ـ كالديون المعينة ـ أم معاني ـ كعمل الأجير ـ مع أنها أملاك قطعاً. بل الفرق ما عرفت من الاختلاف في الموارد لمجرد الاصطلاح.

فاذاً يصح تعريف الحق بأنه عين أو معنى قائم في غيره من عين أو معنى ، على نحو لا يصح اعتباره إلا في ظرف إضافته إلى مالك. والوجه في اعتبار القيد الأول إخراج الأعيان الخارجية والذميات ، أعياناً كانت أو معاني ، لأنها جميعا ليست قائمة في غيرها. والوجه في اعتبار القيد الثاني إخراج منافع الأعيان الخارجية ، فإن اعتبارها تابع لقابلية العين لها فالدار تعتبر منافعها وإن لم تكن مملوكة لمالك ، ولأجل ذلك لا تكون من الحقوق ولذا لا تسقط بالإسقاط ، فلو قال المستأجر : أسقطت حقي ، لم تخرج المنافع عن ملكه. والسر في ذلك أن السقوط بالإسقاط من لوازم كون الشي‌ء لا يصح اعتباره إلا بإضافته إلى المالك ، ومنافع الأعيان لا يكون المصحح لاعتبارها إضافتها إلى المالك ، بل المصحح لاعتبارها قابلية العين للانتفاع بها. كما عرفت.

والمتحصل من جميع ما ذكرنا أمور ( الأول ) : أن الاختلاف بين الملك والحق ليس لاختلافها في مراتب الملكية ، ولا لاختلافها في السقوط بالإسقاط وعدمه ، بل للاختلاف في المورد لمجرد الاصطلاح ( الثاني ) : أن الحق قد يكون عيناً ، مثل حق الجناية الخطائية المتعلق بالعبد ، وحق الزكاة المتعلق بالنصاب على بعض الأقوال ، وقد يكون معنى ، وهو الأكثر كحق الخيار ، وحق الأخذ بالشفعة ، وحق القصاص ، وحق القسم للزوجة وحق الرهانة ، وحق الحضانة ، وحق الرضاعة .. إلى غير ذلك.

٥٥٦

ومنع كون كل حق منتقلا الى الوارث حتى مثل ما نحن فيه من الحق الخاص به ، الذي لا يصدق كونه من تركته [١]. وعلى ما قوينا من عدم اعتبار القبول فيها بل كون الرد مانعاً ايضاً يكون الحكم على خلاف القاعدة في خصوص صورة موته‌

______________________________________________________

( الثالث ) : أن الحق لا يكون قائماً بنفسه ، بل قائماً بغيره من عين أو معنى. ( الرابع ) : أن الحق لا يصح اعتباره إلا في حال إضافته إلى المالك ، وكذلك الملك في الذمة من أعيان ومعان ، فإنها لا يصح اعتبارها إلا في حال إضافتها إلى المالك. ( الخامس ) : أن الولاية ليست من الحقوق لأنها لا تسقط بالإسقاط ، فتكون من الاحكام. ( السادس ) : أن حق القسم للزوجة وحق الإنفاق عليها ليسا من الحقوق ، بل من الأملاك ، لأنها في الذمة ، وجميع المملوكات في الذمة أملاك لا حقوق.

( السابع ) : أن السقوط بالإسقاط من أحكام المملوكات التي لا يصح اعتبارها إلا في حال إضافتها إلى المالك ، ومنها الذميات من أعيان ومعان ومنافع الحر إذا كان أجيراً خاصاً ، فإنها لا تعتبر إلا في حال الإجارة ، ومع عدمها لا تعتبر ولا تكون مملوكة لمالك. ومن ذلك تعرف الفرق بين منافع العبد إذا كان أجيراً خاصاً وبين منافع الحر إذا كان كذلك ، فان منافع الأول تسقط بإسقاط المستأجر ، ومنافع الثاني لا تسقط ، وكذلك منافع الدار المستأجرة. فتأمل.

ومما ذكرنا تعرف الوجه في منع كون القبول حقاً للموصى له ، فإنه لا يقبل الاسقاط ، فيمتنع أن يكون من الحقوق ، ويتعين أن يكون من الاحكام.

[١] تبع في هذا ما في المسالك قال (ره) فيها : « مع أنا نمنع من كون القبول حقاً للوارث مطلقاً ، وإنما كان حقاً للمورث على تقدير مباشرته. ويرشد اليه أن الأغراض في الوصية تختلف باختلاف الأشخاص ،

٥٥٧

قبل موت الموصى له ، لعدم ملكيته في حياة الموصي [١]. لكن الأقوى مع ذلك هو إطلاق الصحة ، كما هو المشهور. وذلك لصحيحة محمد بن قيس [٢] الصريحة في ذلك ، حتى في‌

______________________________________________________

فقد يكون للموصي غرض في تخصيص الميت دون وارثه. وهذا بخلاف حق الخيار والشفعة ونحوهما ، فان ذلك من الحقوق الثابتة المستقرة للمورث شرعاً ، بحيث لا قدرة لمن عليه الحق على إسقاطه بنفسه .. ». أقول : قد عرفت أن قبول الوارث إذا كان للمورث فكونه من الحقوق غير القابلة للانتقال غير ظاهر ، إذ لا تخلف لغرض الموصي بوجه.

[١] يعني : فلا وجه لانتقال الموصى به إلى ورثته. وانتقال الموصى به إلى الموصى له بعد وفاة الموصي وإن كان ممكناً كانتقال الدية ، إلا أن الأدلة العامة لا تفي بذلك ، وتقصر عن إثباته.

[٢] رواها في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي نجران عن عاصم بن حميد عن محمد بن قيس عن أبي جعفر (ع) : « قال : قضى أمير المؤمنين (ع) في رجل أوصى لآخر والموصى له غائب ، فتوفي الموصى له الذي أوصي له قبل الموصي. قال (ع) : الوصية لوارث الذي أوصي له. قال : ومن أوصى لأحد شاهداً كان أو غائباً فتوفي الموصى له قبل الموصي فالوصية لوارث الذي أوصي له ، إلا أن يرجع في وصيته قبل موته » (١). ورواه الصدوق بإسناده عن عاصم بن حميد ، وفي طريقه إبراهيم بن هاشم. ورواه الشيخ بإسناده عن علي بن إبراهيم عن أبيه كما في سند الكافي ، فيكون علي بن إبراهيم واقعاً في جميع الأسانيد وحينئذ فتصحيح الحديث مبني على حجية حديث إبراهيم بن هاشم ، كما هو الظاهر ، لأنه من الحسن ، كما هو ظاهر المشهور.

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب كتاب الوصايا حديث : ١.

٥٥٨

صورة موته في حياة الموصي ، المؤيدة بخبر الساباطي [١]

______________________________________________________

ثمَّ إنه في المسالك أشكل على الاستدلال بالصحيحة المذكورة : بأن محمد بن قيس الذي يروي عن الباقر (ع) مشترك بين الثقة والضعيف وغيرهما فكيف تجعل روايته مستند الحكم؟ إلا أن يدعوا جبرها بالشهرة ، على ما هو المشهور بينهم في ذلك ، وفيه ما فيه. انتهى. وسبقه إلى ذلك في المختلف ، قال فيه : « فان محمد بن قيس مقول على جماعة أحدهم ضعيف ولعله الراوي ». لكن الذي حققه جماعة ممن تأخر أن محمد بن قيس الذي يروي عنه عاصم بن حميد هو البجلي الثقة ، كما عن الشيخ في الفهرست وهو الذي يروي كتاب قضايا أمير المؤمنين (ع) كما عن النجاشي ، فالرواية صحيحة كما في المتن. كما أنها صريحة في الموت في حياة الموصي ، وبقرينة ذكر الغيبة تكون كالصريحة في كون الموت قبل القبول.

[١] رواه في الكافي عن محمد بن يحيى عن عمران بن موسى عن موسى ابن جعفر عن عمر بن سعيد المدائني عن محمد بن عمر الساباطي ـ كما في بعض نسخ الوسائل المذكورة في الهامش ، وفي المتن : « الباهلي » وكذا نسخة الكافي التي تحضرني ـ

قال : « سألت أبا جعفر (ع) عن رجل أوصى إلي وأمرني أن أعطي عماً له في كل سنة شيئاً فمات العم. فكتب : أعط ورثته » (١) ‌ورواه في الفقيه بإسناده عن عمر بن سعيد عن محمد بن عمر الساباطي ، كما في نسخة الفقيه التي تحضرني. لكن الخبر غير ظاهر في الوصية التمليكية ، بل ظاهر في الوصية بالتمليك في كل سنة وهو غير ما نحن فيه ، لأن إيجاب التمليك يكون من الوصي ، لا من الموصى ، ومقتضى القاعدة البطلان بالموت ، لانتفاء الموضوع ، وعموم كلامهم للمقام غير ظاهر. ولأجل ذلك يشكل العمل بالخبر في مورده ، لضعفه بمحمد‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب كتاب الوصايا حديث : ٣.

٥٥٩

وصحيح المثنى [١]. ولا يعارضها صحيحتا محمد بن مسلم ومنصور بن حازم [٢] ،

______________________________________________________

ابن عمر المجهول ، وعدم الجابر.

[١] رواه العياشي في تفسيره عن المثنى بن عبد السلام عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « سألته عن رجل أوصى له بوصية فمات قبل أن يقبضها ولم يترك عقباً. قال (ع) : أطلب له وارثاً أو مولى فادفعها إليه. قلت : فان لم أعلم له ولياً قال (ع) : اجهد أن تقدر له على ولي فان لم تجد وعلم الله تعالى منك الجد فتصدق بها » (١) ‌ورواه في الكافي عن محمد بن يحيى عن محمد بن أحمد عن أيوب بن نوح عن العباس بن عامر‌ « قال : سألته .. » ‌ورواه الصدوق بإسناده عن العباس بن عامر عن المثنى مثله والمثنى غير صحيح حتى لو كان ابن عبد السلام ، كما هو الظاهر بقرينة رواية العباس بن عامر عنه. وعلى هذا فاللازم على المصنف أن يقول : والصحيح عن المثنى ، كما عبر في الجواهر اعتماداً على رواية الصدوق أو صحيح العباس بن عامر اعتماداً على رواية الكافي. وكيف كان فالاقتصار في الخبر على ذكر عدم القبض يدل على وقوع القبول ، فلا يكون مما نحن فيه. لا أقل من عدم ظهوره في عدم القبول.

[٢] أما الأولى‌ فرواها الشيخ ( قده ) بإسناده عن الحسين بن سعيد عن حماد بن عيسى عن شعيب عن أبي بصير ، وعن فضالة عن العلاء عن محمد بن مسلم جميعاً عن أبي عبد الله (ع) قال : « سئل عن رجل أوصى لرجل فمات الموصى له قبل الموصي. قال : ليس بشي‌ء » (٢). ومقتضى ذلك أن تكون الرواية المذكورة قد رواها أبو بصير ومحمد بن مسلم ،

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب كتاب الوصايا حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب كتاب الوصايا حديث : ٤.

٥٦٠