مستمسك العروة الوثقى - ج ١٤

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١٤

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٣٧

______________________________________________________

فان منصرف الجميع ما ذكرنا ، يعني : البيع الصادر من أهله ، والتجارة الصادرة من أهلها. ولا سيما وأن قوله تعالى ( لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ ) (١) قرينة على ذلك ، يعني : التجارة من ذوي الأموال ، لا من الفضولي ، ولا مجال للاستدلال على ذلك بإطلاق التراضي ، فإن الظاهر من التراضي ما يقابل الإكراه ، وإلا فإن عقد المكره حاصل عن تراض. وكذلك كل عقد صادر من المختار لا يكون إلا عن تراض. فلا بد أن يحمل القيد على نفي عقد المكره ، وإلا كان مؤكداً ، وهو خلاف الظاهر.

ومن ذلك يظهر الإشكال في الاستدلال على ذلك‌ بقوله (ع) : « لا يحل دم امرء مسلم ولا ماله إلا بطيبة نفسه » (٢). مضافاً الى أن السياق يقتضي اختصاصه بالتكليف ، فلا يشمل ما نحن فيه. وأما ما دل على أن علم المولى بنكاح العبد وسكوته إقرار منه‌ (٣) ، فالظاهر من الإقرار الإمضاء للعقد إنشاء ، لا مجرد طيب النفس. وأما‌ رواية عروة البارقي المتضمنة : أنه دفع إليه النبي (ص) ديناراً ، وقال : اشتر لنا به شاة للأضحية ، فاشترى شاتين ، ثمَّ باع إحداهما في الطريق بدينار ، فأتى النبي (ص) بالشاة والدينار ، فقال له رسول الله (ص) : بارك الله تعالى لك في صفقة يمينك (٤). فالوجه في جواز القبض والإقباض فيها كما يمكن أن يكون لأجل خروج العقد عن كونه فضولياً ، من جهة حصول الرضا النفساني من النبي (ص) ، يمكن أن يكون من جهة حصول العلم بكون عروة مفوضاً اليه هذه المعاملة ونحوها من قبل النبي (ص) ، والفعل‌

__________________

(١) النساء : ٢٩.

(٢) الوسائل باب : ٣ من أبواب مكان المصلي حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ١.

(٤) مستدرك الوسائل باب : ١٨ من أبواب نوادر عقد البيع حديث : ١ ، كنز العمال الجزء ٧ حديث : ٥١٩ ، سنن البيهقي الجزء : ٦ الصفحة : ١١١ ، ١١٢.

٥٠١

( مسألة ٢٣ ) : إذا كان كارها حال العقد إلا أنه لم‌

______________________________________________________

مجمل لا يدل على أحد الأمرين بعينه.

وأما كلمات الأصحاب مثل قولهم في مقام الاستدلال على صحة الفضولي : إن الشرائط كلها حاصلة إلا رضا المالك ، وقولهم : الإجازة لا يكفي فيها السكوت لأنه لا يدل على الرضا ، ونحوها من كلماتهم. فلا بد أن تحمل على الرضا الإنشائي لا مطلق الرضا. وإلا لم يكن وجه لاعتبار الإجازة ، ولا للأبحاث التي ذكروها فيها ، بل كان اللازم أن يكون العنوان الرضا.

والظاهر أنه لا فرق فيما ذكرنا بين العبد الذي عقد بغير إذن سيده ، وبين غيره. وما في كلام شيخنا الأعظم (ره) من أنه لا إشكال في عقد العبد نكاحاً أو بيعاً مع العلم برضا السيد ، لعدم تحقق المعصية له ، التي هي مناط المنع في الاخبار ، كما يقتضيه ما في الصحيح من‌ قوله (ع) : « إنه لم يعص الله ، وإنما عصى سيده » (١). فيه : أن المراد من معصية السيد عقده بغير إذنه ، لا العقد مع الكراهة ، كما هو معنى المعصية عرفاً ، حتى يكون الرضا كافياً في رفع المعصية ، إذ لازم ذلك صحة عقده مع غفلة السيد ، لعدم الكراهة حينئذ ، مع أنه لا ريب في عدم صحة عقده حينئذ. ويشهد لذلك قوله (ع) : « فإذا أجازه جاز » ‌(٢) ، ولم يقل : « فإذا رضي جاز » ، أو « إذا لم يكره جاز ».

ولأجل ما ذكرنا يتعين البناء على ما في المتن ، كما هو ظاهر الأصحاب ، حيث اشترطوا في صحة الفضولي الإجازة ، وهي غير الرضا. وكأنه لأجل ذلك نسب شيخنا الأعظم (ره) كونه من الفضولي إلى ظاهر الأصحاب.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٤ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ١.

(٢) تقدم في ص : ٤٩٦ أن نص الحديث : « فإذا أجازه فهو له جائز ».

٥٠٢

يصدر منه رد له ، فالظاهر صحته بالإجازة [١]. نعم لو استؤذن فنهى ولم يأذن ، ومع ذلك أوقع الفضولي العقد ، يشكل صحته بالإجازة ، لأنه بمنزلة الرد بعده [٢]. ويحتمل صحته بدعوى الفرق بينه وبين الرد بعد العقد ، فليس بأدون من عقد المكره [٣] ، الذي نقول بصحته إذا لحقه الرضا. وإن كان لا يخلو ذلك أيضاً من إشكال [٤].

( مسألة ٢٤ ) : لا يشترط في الفضولي قصد الفضولية [٥] ولا الالتفات الى ذلك. فلو تخيل كونه ولياً أو وكيلا.

______________________________________________________

[١] قد يظهر من شيخنا الأعظم (ره) في التنبيه الثاني من تنبيهات القول في الإجازة : أنه مسلم عند الأصحاب. ويقتضيه القواعد العامة ، لأن قدح الكراهة في الصحة خلاف عمومات الصحة.

[٢] هذه المنزلة غير طاهرة ، بل هي واضحة المنع في صورة عدم الإذن ، فإنها خلاف عمومات الصحة من دون مخصص.

[٣] قد يقال : إنه أدون ، من جهة أن عقد المكره كان صادراً بمباشرة المكره ، فالنسبة إليه ظاهرة ، بخلاف المقام.

[٤] الاشكال ضعيف. ولذا كان المشهور الصحة. وعن الحدائق : دعوى الاتفاق عليها.

[٥] هذا مما لا ينبغي الإشكال فيه. وفي الجواهر : القطع به ، لإطلاق الأدلة. انتهى. وقد يقتضيه صحيح محمد بن قيس الوارد في بيع ولد المالك جارية أبيه بغير اذنه‌ (١) ، بناء على ظهور كون البيع لاعتقاد كونه ولياً على البيع كأبيه.

__________________

(١) الوسائل باب : ٨٨ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ١.

٥٠٣

وأوقع العقد ، فتبين خلافه ، يكون من الفضولي ، ويصح بالإجازة.

( مسألة ٢٥ ) : لو قال في مقام إجراء الصيغة : « زوجت موكلتي فلانة » مثلاً ، مع أنه لم يكن وكيلا عنها فهل يصح ويقبل الإجازة ، أم لا؟ الظاهر الصحة [١]. نعم لو لم يذكر لفظ : « فلانة » ونحوه ، كأن يقول : « زوجت موكلتي » وكان من قصده امرأة معينة ، مع عدم كونه وكيلا عنها ، يشكل صحته بالإجازة [٢].

( مسألة ٢٦ ) : لو أوقع الفضولي العقد على مهر معين هل يجوز إجازة العقد [٣] دون المهر ، أو بتعيين المهر على وجه آخر من حيث الجنس ، أو من حيث القلة والكثرة؟ فيه إشكال.

______________________________________________________

[١] عملاً بعمومات الصحة من دون مقيد. وقد سبق في المسألة السابقة.

[٢] لعدم وقوع العقد عليها صريحاً ، ولا ظاهراً. بل هو من قبيل العقد بالمجازات البعيدة ، التي لا دليل واضح على صحة العقد بها.

[٣] قد تحقق أن العقد الوارد على الجملة ينحل الى عقود متعددة بتعدد الأبعاض. ولذا جاز تبعض الصفقة. كما أن العقد الوارد على المشروط ينحل الى عقدين أحدهما وارد على المشروط ، والآخر وارد على الخالي عن الشرط. ولذا كان التحقيق أن بطلان الشرط لا يقتضي بطلان العقد ، وأنه يثبت الخيار بتخلف الشرط. ولأجل ذلك قد يدعى جواز إجازة العقد دون المهر ، لان المهر بمنزلة الشرط. لكن ظاهر الجواهر ـ فيما لو زوجها الولي بدون مهر المثل ـ التسالم على عدم جواز إجازة العقد دون المهر.

٥٠٤

بل الأظهر عدم الصحة في الصورة الثانية [١] ، وهي ما إذا عين المهر على وجه آخر. كما انه لا تصح الإجازة مع شرط لم يذكر في العقد ، أو مع إلغاء ما ذكر فيه من الشرط.

______________________________________________________

[١] الصورتان تشتركان في عدم التطابق بين الإيجاب والقبول ، وتختلفان في أن الأولى خالية عن تعيين المهر ، والثانية مشتملة عليه. والأول لا يوجب الاختلاف في البطلان. والثاني إن أوجب شيئاً أوجب بطلان الشرط ، لا بطلان العقد. فالجزم ببطلان العقد في الثانية دون الأولى غير ظاهر. ومثله في الاشكال جزمه ببطلان الإجازة مع إلغاء ما ذكر في العقد من الشرط ـ كما ذكر في آخر المسألة ـ فإنه لا يتناسب مع توقفه في البطلان في الصورة الأولى ، لما عرفت من أن المهر من قبيل الشرط في العقد ، فالإجازة للعقد دون المهر تكون من الإجازة للعقد بدون الشرط.

والتحقيق أن عدم التطابق بين الإيجاب والقبول ( تارة ) : يكون للاختلاف في موضوع العقد وركنه ، كما إذا زوجه زينب فضولاً فأجاز في هند ، أو باعه الفرس فأجاز في الحمار. ولا ينبغي التأمل في البطلان حينئذ ، لانتفاء العقد بانتفاء موضوعه. ( وأخرى ) : للاختلاف في الجزء والكل مع تعدد الموضوع عرفاً ، كما لو زوجه زينب وهنداً فأجاز في زينب دون هند ، أو باعه الفرس والحمار فأجاز في الفرس دون الحمار. ولا مانع من إجازة أحد العقدين ورد الآخر. لتعدد العقد بتعدد الموضوع. ( وثالثة ) : يكون للاختلاف بالجزئية والكلية مع الاتحاد عرفاً ، كما إذا باعه الفرس بدينار فأجاز في نصف الفرس بنصف دينار. لكن فرضه في باب النكاح غير ممكن. ( رابعة ) : يكون للاختلاف في الشرط. وله صور ، لأن الشرط ( تارة ) : يثبت في العقد ويلغى في الإجازة ، كما في الصورة الأولى. ومثلها أن يشترط الفضولي على الزوجة إرضاع ولد الزوج ،

٥٠٥

______________________________________________________

فتجيز العقد دون الشرط. أو يشترط الفضولي على الزوج أن لا يخرجها من بيت أبيها ، فيجيز الزوج العقد دون الشرط. ( وأخرى ) : لا يكون الشرط في العقد ويكون في الإجازة. ( وثالثة ) : يكون فيهما ، لكن في الإجازة يلغى الشرط المذكور في العقد ويثبت غيره. والظاهر في الجميع البطلان ، لأن عدم التطابق يوجب انتفاء العقد ، فلا أثر له.

ودعوى : انحلال العقد المشروط الى عقدين ، أحدهما غير مشروط ، والآخر مشروط. ولذلك كان التحقيق أن بطلان الشرط لا يوجب بطلان العقد ، فيمكن تعلق الإجازة بالعقد غير المشروط. فيها : أن هذه الانحلال انضمامي وارتباطي ، لا استقلالي على وجه يقبل التفكيك ، فإنه خلاف الوجدان في كثير من الموارد ، إذ لا غرض إلا في المشروط ، فكيف يصح إنشاء ما ليس بمشروط؟! وصحة العقد مع بطلان الشرط تحليل ادعائي ، جرت عليه الأحكام عرفاً ، لا على الحقيقة ، كما أشرنا الى ذلك في بعض مباحث الإجارة من هذا الشرح. فراجع. ولأجل ذلك لا يصح التفكيك في القبول ، بحيث يتعلق القبول بذات المشروط من دون الشرط ، أو ببعض الأجزاء دون بعض.

فان قلت : إذا باع العين على جماعة ، فقبل أحدهم دون الآخرين ، صح القبول في البعض. وكذا إذا باع العين المشتركة فضولا ، فأجاز بعض الشركاء دون غيره ، صحت الإجازة في البعض دون البعض قطعاً.

فدل ذلك على إمكان التفكيك في القبول والإجازة بين أجزاء العين الواحدة ، وإذا جاز التفكيك في الأبعاض جاز في المشروط والشرط بطريق أولى.

قلت : القبول من بعض دون بعض في الصورة الاولى ليس قبولا لبعض الإيجاب ، بل هو قبول لتمام الإيجاب. وكذلك إجازة بعض الشركاء في الصورة الثانية إجازة لنفس العقد ، وإن كان لا يترتب الأثر بالنسبة‌

٥٠٦

( مسألة ٢٧ ) : إذا أوقع العقد بعنوان الفضولية فتبين كونه وكيلا فالظاهر صحته [١] ، ولزومه إذا كان ناسياً لكونه وكيلا. بل وكذا إذا صدر التوكيل ممن له العقد ولكن لم يبلغه الخبر ، على إشكال فيه [٢]. وأما لو أوقعه بعنوان الفضولية فتبين كونه ولياً ، ففي لزومه بلا إجازة منه ، أو من المولى عليه ، إشكال [٣].

______________________________________________________

إلى الجميع إلا مع قبول الجميع ، أو إجازة الجميع. فليس ذلك من التفكيك. ولذلك لم يصح القبول من كل واحد إذا كان مبنياً على التفكيك في الصورة الأولى ، كما إذا قال : « قبلت بيع حصة منه بحصة من الثمن » فان ذلك أيضاً مانع من انعقاد العقد. وكذا الكلام في قبول المشروط دون الشرط.

[١] لحصول الاذن من الموكل ، المقتضية للصحة. نعم لو كانت الاذن مشروطة بالالتفات إلى الوكالة انتفت مع الغفلة عنها. لكنه خلاف المفروض.

[٢] لكنه ضعيف. لإطلاق الاذن ـ كما عرفت ـ المقتضية للصحة. فما عن القاضي من أنه لا يصح تصرف العبد إذا لم يعلم بإذن سيده ، ولا علم بها أحد. غير ظاهر. ودعوى : أن الاذن إذا لم يعلم بها أحد نظير الرضا التقديري ، لا أثر لها. ممنوعة ، إذ المفروض تحقق الإنشاء بالكتابة أو باللفظ ، والرضا التقديري لا إنشاء فيه.

[٣] لاحتمال اختصاص نفوذ تصرف الولي بصورة التفاته الى ذلك ، كما هو الظاهر في المالك ، إذ أنه لا ينفذ تصرفه إذا لم يعلم أنه مالك ، فلو باع الوارث مال أبيه معتقداً حياته ، فتبين موت أبيه قبل البيع وأنه وارثه ، توقفت صحة البيع على الإجازة منه. لكن هذا الاحتمال ضعيف ، لأن ذلك خلاف إطلاق الاذن إذا كانت عرفية ، كما في الوصي ، والوكيل ، وخلاف إطلاق دليلها إذا كانت شرعية كما في ولاية الأب ، والجد ، والسيد.

٥٠٧

( مسألة ٢٨ ) : إذا كان عالماً بأنه وكيل أو ولي ومع ذلك أوقع العقد بعنوان الفضولية ، فهل يصح ويلزم ، أو يتوقف على الإجازة ، أو لا يصح؟ وجوه ، أقواها : عدم الصحة ، لأنه يرجع الى اشتراط كون العقد الصادر من وليه جائزا [١] فهو كما لو أوقع البالغ العاقل بقصد أن يكون الأمر بيده في‌

______________________________________________________

فما في المتن من الفرق بين الوكيل والولي ـ بالجزم بالصحة في الأول ، والتوقف فيها في الثاني ـ ضعيف جداً. وبالجملة : فالفروض الثلاثة المذكورة في هذه المسألة كلها بحكم واحد. وإن اختلفت بالخفاء والوضوح.

[١] إن أريد بالجواز هنا ما يقابل اللزوم فالتعليل المذكور لا يقتضي البطلان ، لأن اشتراط كونه جائزاً بهذا المعنى راجع الى اشتراط كونه جائزاً شرعاً ، أو راجع الى اشتراط الخيار بالفسخ والإمضاء. والأول شرط باطل ، لعدم كونه مقدوراً ، والثاني شرط صحيح. وعلى كلا التقديرين لا موجب لبطلان العقد في نفسه ، لأن الشرط الفاسد غير مفسد ، وشرط الخيار لا مانع منه في العقود اللازمة. وعدم صحته في عقد النكاح لا يقتضي بطلانه ، كما تقدم في المتن.

وإن أريد من الجواز ما يقابل الصحة والنفوذ ـ فكأنه اشتراط أن لا ينفذ إلا بالإجازة. كما في عقد الفضولي ـ فهذا الشرط وإن كان لا يصح ، لأنه غير مقدور ، لكنه لا يقتضي البطلان ، لما عرفت من أن الشرط الفاسد لا يفسد. اللهم إلا أن يرجع الى التعليق ، فكأنه قال : « زوجت فلانة من فلان إذا أجزت ، أو أجازت العقد ». وحينئذ يكون البطلان من جهة التعليق.

لكن رجوع قصد الفضولية هنا الى اشتراط الجواز على أحد المعاني غير ظاهر. ولم يتقدم منه احتمال البطلان في المسألة السابقة من جهة رجوع‌

٥٠٨

الإبقاء والعدم. وبعبارة أخرى : أوقع العقد متزلزلا.

( مسألة ٢٩ ) : إذا زوج الصغيرين وليهما فقد مر أن العقد لازم عليهما [١] ، ولا يجوز لهما بعد البلوغ رده ، أو فسخه. وعلى هذا فاذا مات أحدهما قبل البلوغ أو بعده ورثه الآخر [٢]. وأما إذا زوجهما الفضوليان ، فيتوقف على‌

______________________________________________________

قصد الفضولية فيها الى اشتراط الجواز ، والفرق بين المسألتين غير ظاهر. وبالجملة : فالمصنف (ره) لم يتضح مراده من الجواز مع كونه بصدد التوضيح بتكرار العبارة والتمثيل ، كما لم يتضح وجه ما قواه من البطلان.

والتحقيق : أن إنشاء من له السلطنة على العقد ـ لكونه ولياً ، أو وكيلاً ، أو أصيلا ـ إذا كان بعنوان الفضولية ( فتارة ) : لا يكون منه إلا قصد العنوان الذي لا واقع له ، مثل أن يقصد كونه عربياً وهو عجمي ، أو هاشمياً وهو غير هاشمي. ولا ينبغي التأمل في كون القصد المذكور لا أثر له. ( وأخرى ) : يكون قصده إنشاء أمر زائد على عنوان العقد ، مثل أن يقصد أن لا يترتب أثر على العقد إلا بعد الإجازة ، أو يقصد أن يكون له الخيار في العقد ، أو نحو ذلك. وهذا على قسمين : أحدهما : أن يختص القصد بأحد المتعاقدين ، بأن يكون من الموجب فقط ، أو من القابل كذلك. الثاني : أن يكون من الموجب والقابل ، بأن يكون الشرط مورد الإيجاب والقبول. ففي الأول يبطل العقد ، لعدم التطابق بين الإيجاب والقبول. وفي الثاني يصح العقد ، ويبطل الشرط.

[١] تقدم ذلك في المسألة الرابعة.

[٢] وفي الجواهر : « حتى على القول بالخيار ، كما حكي عنه التصريح به. ضرورة عدم منافاته لتحقق موجب الإرث ، الذي هو الزوجية ». وكأن ذلك إذا لم يختر الفسخ ، وإلا فلا موجب للإرث ، لانتفاء الزوجية.

٥٠٩

إجازتهما بعد البلوغ [١] ، أو إجازة وليهما قبله [٢]. فان بلغا وأجازا ثبتت الزوجية ، ويترتب عليها أحكامها من حين العقد ، لما مر من كون الإجازة كاشفة [٣]. وإن ردا ، أو رد أحدهما أو ماتا أو مات أحدهما قبل الإجازة ، كشف عن عدم الصحة من حين الصدور [٤]. وإن بلغ أحدهما وأجاز ثمَّ مات قبل بلوغ الآخر ، يعزل ميراث الآخر على تقدير الزوجية [٥] ، فان بلغ وأجاز يحلف على أنه لم يكن إجازته للطمع في الإرث ، فإن حلف يدفع اليه. وإن لم يجز ، أو‌

______________________________________________________

[١] إذ لا ولاية لهما على نفسهما قبل ذلك.

[٢] إذ لا ولاية له بعده.

[٣] تقدم ذلك في المسألة الواحدة والعشرين.

[٤] هذا لا كلام فيه ـ كما في المسالك ـ لأنه مقتضى الأصول ، والقواعد ، والصحيحة الآتية.

[٥] بلا خلاف ظاهر. لصحيحة أبي عبيدة الحذاء قال : « سألت أبا جعفر (ع) عن غلام وجارية زوجهما وليان لهما وهما غير مدركين. قال : فقال (ع) : النكاح جائز ، أيهما أدرك كان له الخيار. فان ماتا قبل أن يدركا فلا ميراث بينهما ولا مهر ، إلا أن يكونا قد أدركا ورضيا. قلت : فإن أدرك أحدهما قبل الآخر؟ قال (ع) : يجوز ذلك عليه ان هو رضي. قلت : فان كان الرجل الذي أدرك قبل الجارية ورضي النكاح ، ثمَّ مات قبل أن تدرك الجارية ، أترثه؟ قال (ع) : يعزل ميراثها منه حتى تدرك وتحلف بالله ما دعاها إلى أخذ الميراث إلا رضاها بالتزويج ، ثمَّ يدفع إليها الميراث ، ونصف المهر. قلت : فان ماتت الجارية ولم تكن

٥١٠

أجاز ولم يحلف ، لم يدفع ، بل يرد إلى الورثة [١]. وكذا لو مات بعد الإجازة وقبل الحلف [٢]. هذا إذا كان متهما بأن إجازته للرغبة في الإرث. وأما إذا لم يكن متهما بذلك‌

______________________________________________________

أدركت ، أيرثها الزوج المدرك؟ قال (ع) : لا ، لأن لها الخيار إذا أدركت قلت : فان كان أبوها هو الذي زوجها قبل أن تدرك؟ قال (ع) : يجوز عليها تزويج الأب ، ويجوز على الغلام. والمهر على الأب للجارية » (١).

والاشكال على الصحيحة من جهة فرضها في تزويج الوليين ، مع أن تزويج الولي لا خيار فيه للمولى عليه بعد البلوغ ، كما تقدم. يندفع : بلزوم حملها على الولي العرفي ، كما قد يشهد به ما في ذيلها من فرض تزويج الأب ، وأنه لا خيار فيه للولد. وأما ما فيها من تنصيف المهر بالموت قبل الدخول. فلا يتوجه من أجله الإشكال على الصحيحة وإن كان هو خلاف المشهور ، لأنه هو التحقيق الذي يقتضيه الجمع بين النصوص ، كما أوضحناه في محله. ثمَّ إن مورد الصحيحة هو موت الزوج ، ولكن الفتاوى عامة له ولموت الزوجة ، بل الظاهر الإجماع على عدم الفرق ، حتى بناء على كون الحكم على خلاف القواعد.

[١] كما يقتضيه الصحيح المتضمن اشتراط الميراث بالحلف.

[٢] قال في القواعد : « فان مات بعد الإجازة وقبل اليمين فإشكال » ، وفي المسالك : « وربما احتمل مع موته قبل اليمين ثبوت الإرث من حيث أنه دائر مع العقد الكامل ». ثمَّ قال : « وليس بشي‌ء ، لأنه لو كان كذلك لم يتوقف على اليمين ابتداء » ، وفي كشف اللثام : « انه أقوى ، وفاقاً لفخر الإسلام ، لمنع تمام الزوجية ، فإنه بالإجازة الخالية عن التهمة ».

__________________

(١) الوسائل باب : ١١ من أبواب ميراث الأزواج حديث : ١.

٥١١

ـ كما إذا أجاز قبل أن يعلم موته ، أو كان المهر اللازم عليه أزيد مما يرث ، أو نحو ذلك ـ فالظاهر عدم الحاجة الى الحلف [١].

( مسألة ٣٠ ) : يترتب على تقدير الإجازة والحلف جميع الآثار المترتبة على الزوجية [٢] ، من المهر ، وحرمة الأم والبنت ، وحرمتها ـ إن كانت هي الباقية ـ على الأب والابن ، ونحو ذلك. بل الظاهر ترتب هذه الآثار بمجرد الإجازة [٣] ، من غير حاجة الى الحلف. فلو أجاز ولم‌

______________________________________________________

[١] وفي المسالك : جعل الأقوى اعتبار اليمين وإن لم تحصل التهمة ، لأنها ليست علة تامة في اعتباره ، بل هي حكمة لا يجب اطرادها ، عملا بإطلاق النص والفتوى. ووافقه على ذلك في الحدائق. لكن الظاهر من النص أن اليمين طريق الى نفي التهمة ، فإذا انتفت التهمة لم يحتج إليها.

[٢] هذا مما لا إشكال فيه ، لكونه ظاهر الصحيحة المتضمنة لثبوت الزوجية ، وترتيب بعض آثارها ، كالميراث والمهر.

[٣] فان الحكم الذي تضمنه النص جار على طبق القاعدة. وموت أحد الزوجين بين العقد والإجازة لا يوجب ارتفاع موضوع الإجازة ، بناء على التحقيق من الكشف الانقلابي. إذ لا مانع من أن يحكم بتحقق الزوجية حال العقد ، وإن كان زمان الحكم بها بعد الإجازة وبعد موت أحد الزوجين بعد إجازته. ودعوى : أن الموت مانع من ثبوت الزوجية. مندفعة : بأن الزوجية المدعى ثبوتها بالإجازة ، الزوجية حال العقد ، ولا دليل على اعتبار استمرار الحكم بمضمون العقد من حين العقد الى زمان الإجازة في صحة الإجازة ، بل يكفي في صحتها صحة ثبوته حال العقد لا غير.

نعم ما تضمنه الصحيح من عدم استحقاق المهر والميراث إذا لم تحلف على أن إجازتها لم تكن طمعاً في المهر والميراث ، جار على خلاف القاعدة ،

٥١٢

يحلف مع كونه متهما لا يرث ، ولكن يترتب سائر الأحكام.

( مسألة ٣١ ) : الأقوى جريان الحكم المذكور في المجنونين [١] بل الظاهر التعدي إلى سائر الصور. كما إذا كان أحد الطرفين الولي والطرف الآخر الفضولي ، أو كان أحد الطرفين المجنون والطرف الآخر الصغير ، أو كانا بالغين‌

______________________________________________________

فيقتصر فيه على مورده ، وهو المهر والميراث ، ويرجع في غيره من الأحكام الى القواعد المقتضية الصحة وإن كانت الإجارة طمعاً في المهر والميراث ، فتترتب تلك الأحكام بمجرد الإجازة وإن علم أنها كانت طمعاً في المهر والميراث ، فضلا عن صورة التهمة. لكن يظهر من المسالك وغيرها خلاف ذلك ، كما يأتي.

[١] قال في المسالك : « النص ورد في تزويج الأجنبي للصغيرين. فلو كانا كاملين فزوجهما الفضولي ، ففي انسحاب الحكم إليهما وجهان : من تساويهما في كون العقد فيهما عقد فضولي ، ولا مدخل للكبر والصغر في ذلك. ومن أن في بعض أحكامه ما هو خلاف الأصل ، فيقتصر على مورده. وهذا أقوى. وحينئذ فيحكم ببطلان العقد إذا مات أحد المعقود عليهما بعد إجازته وقبل إجازة الآخر ، سواء قلنا إن الإجازة جزء السبب ، أم كاشفة عن سبق النكاح من حين العقد. إما على الأول : فظاهر ، لأن موت أحد المتعاقدين قبل تمام السبب مبطل ، كما لو مات أحدهما قبل تمام القبول. وإما على الثاني : فلأن الإجازة وحدها لا تكفي في ثبوت هذا العقد ، بل لا بد معها من اليمين ، وقد حصل الموت قبل تمام السبب. خرج منه ما ورد فيه النص ، وهو العقد على الصغيرين ، فيبقى الباقي ». ونحوه ما عن شرح النافع. وفي القواعد : « وفي انسحاب الحكم في البالغين إذا زوجهما الفضولي ، إشكال. أقربه البطلان ». وفي جامع المقاصد‌

٥١٣

كاملين ، أو أحدهما بالغاً والآخر صغيراً أو مجنوناً. أو نحو ذلك ، ففي جميع الصور إذا مات من لزم العقد بالنسبة إليه ـ لعدم الحاجة الى الإجازة ، أو لإجازته بعد بلوغه أو رشده ـ وبقي الآخر ، فإنه يعزل حصة الباقي من الميراث الى أن يرد أو يجيز. بل الظاهر عدم الحاجة الى الحلف في ثبوت الميراث‌

______________________________________________________

ذكر في وجه القرب ما سبق عن المسالك ، ثمَّ قال : « إنه المفتي به ». وفي الحدائق : « الظاهر أنه المشهور بينهم. وهو الأنسب بقواعدهم ».

أقول : مقايسة المقام بموت الموجب قبل القبول لا تتم بناء على كون الإجازة كاشفة ، سواء كان الكشف حقيقياً ، أم حكمياً ، أم انقلابياً ، إذ هي مع الفارق ، فان موت الموجب قبل القبول مانع من انعقاد العقد وتماميته ، فلا يمكن أن يترتب مضمونه بخلاف المقام ، لتمامية العقد ، وإنما المنتظر هو الإجازة ، فإذا حصلت ترتب الأثر. نعم مضمون العقد في المقام ـ وهو الزوجية ـ لما امتنع أن يقوم بالمعدوم ، تعذر ترتب الأثر على العقد بناء على النقل ، لانعدام أحد الزوجين. أما بناء على الكشف على أحد وجوهه ـ فلا مانع من ترتب الأثر قبل الموت بتوسط الإجازة اللاحقة ، أو مع اليمين. فالإجازة وإن كانت جزء السبب ، لكن الأثر يثبت قبلها بناء على الكشف. ومثل الإجازة اليمين مع الحاجة إليه من جهة الميراث والمهر.

والذي يتحصل أن الفرق بين الإجازة والقبول من وجهين. الأول : أن القبول جزء مقوم للعقد ، والإجازة ليست كذلك. الثاني : أن القبول ناقل ، يترتب مضمون العقد من حينه ، والإجازة كاشفة على ما عرفت.

ومن ذلك يظهر جريان حكم الصغيرين إذا زوجهم الفضوليان في غيرهما من سائر الصور المشتركة معها في الجري على مقتضى القاعدة. نعم في‌

٥١٤

في غير الصغيرين من سائر الصور. لاختصاص الموجب له من الأخبار بالصغيرين [١]. ولكن الأحوط الإحلاف في الجميع بالنسبة إلى الإرث ، بل بالنسبة إلى سائر الأحكام أيضاً.

( مسألة ٣٢ ) : إذا كان العقد لازماً على أحد الطرفين من حيث كونه أصيلا ، أو مجيزاً ، والطرف الآخر فضولياً ولم يتحقق إجازة ولا رد ، فهل يثبت على الطرف اللازم تحريم المصاهرات؟ فلو كان زوجاً يحرم عليه نكاح أم المرأة وبنتها ، وأختها ، والخامسة ، وإذا كانت زوجة يحرم عليها التزويج بغيره. وبعبارة أخرى : هل يجري عليه آثار الزوجية‌

______________________________________________________

المسالك فيما لو كان العاقد لأحد الصغيرين الولي والآخر الفضولي فمات من عقد له الولي أولا : أنه يجري الحكم المذكور ، للأولوية لأن الجائز من الطرفين أضعف حكما من اللازم من أحدهما ، فإذا ثبت الحكم في الأضعف ثبت في الأقوى بطريق أولى. وكذا إذا كانا بالغين ، فأوقع أحدهما العقد لنفسه مباشرة ، والآخر زوجه الفضولي ، فإنه أيضاً يجري الحكم فيه للأولوية. بل قال : « يظهر منهم الجزم بالحكم في هذا أيضاً. وهو متجه ». لكن الأولوية غير ظاهرة.

[١] قد عرفت اختصاص الصحيح‌ (١) بصورة موت الزوج بعد بلوغه وإجازته ، وبقاء الزوجة. لكن يجب التعدي إلى صورة موت الزوجة بعد بلوغها وإجازتها وبقاء الزوج ، في عدم استحقاق الإرث إلا بعد اليمين مع التهمة ، لاتفاق الأصحاب على ذلك ، كما يظهر من تحريرهم المسألة. أما بقية الصور فلم يثبت الاتفاق على اشتراط استحقاق إرث الثاني باليمين. فيتعين فيها الرجوع الى القواعد المقتضية لترتب جميع الآثار بمجرد الإجازة فقط‌

__________________

(١) راجع صفحة : ٥١٠.

٥١٥

وإن لم تجر على الطرف الآخر ، أو لا؟ قولان [١] ، أقواهما :

______________________________________________________

[١] قال في القواعد في فصل الأولياء : « ولو تولى الفضولي أحد طرفي العقد ثبت في حق المباشر تحريم المصاهرة. فإن كان زوجاً حرم عليه الخامسة. والأخت ، والبنت ، والأم ، إلا إذا فسخت. على إشكال في الأم » وفي كشف اللثام في شرح العبارة ، بعد قوله (ره) : « الخامسة والأخت » قال : « بلا إشكال ، لصدق الجمع بين الأختين ، ونكاح أربع بالنسبة اليه. ولا يجدي التزلزل ». لكن في القواعد في مبحث المصاهرة : « وهل يشترط في التحريم لزومه مطلقاً ، أو من طرفه ، أو عدمه مطلقاً؟ نظر. فلو عقد عليه الفضولي عن الزوجة الصغيرة ففي تحريم الأم قبل الإجازة ، أو بعد فسخها مع البلوغ ، نظر » فان هذا النظر لا يتناسب مع نفي الاشكال في كلام كاشف اللثام.

وشيخنا الأعظم (ره) في مسألة ما لو كان العقد بين الأصيل والفضولي قال : « إن الذي يستفاد من كلام جماعة وظاهر آخرين عدم جواز تصرف الأصيل فيما انتقل عنه ». واختاره بناء على المشهور في معنى الكشف من كون الإجازة شرطاً لكون العقد السابق بنفسه مؤثراً تاماً ، فيكون موضوع وجوب الوفاء نفس العقد غير مقيد بالإجازة. بل حتى لو علم بعدم الإجازة فإن الإجازة شرط لتأثيره ، لا لوجوب الوفاء به ، ومقتضى عموم وجوب الوفاء بالعقد لزومه على الأصيل وحرمة نقضه من جانبه.

لكن الاستدلال المذكور يتوقف على أمور : الأول : أن يكون المراد من وجوب الوفاء الحكم التكليفي ، لا الإرشاد إلى ثبوت مضامين العقود. الثاني : أن يكون موضوع الوفاء نفس العقد ، لا موضوع العقد من بيع ونكاح ونحوهما ، ولا هو بلحاظ ترتب موضوعه. الثالث : أن يكون الرضا والإجازة شرطاً لوجوب الوفاء بالإضافة إلى الراضي ، لا مطلقاً.

٥١٦

______________________________________________________

وهذه الأمور كلها محل نظر ، ولا سيما الأولان ، فلا مجال للاستدلال المذكور وتوضيح ذلك يظهر بمراجعة كتاب ( نهج الفقاهة ) في مبحث الفضولي. فراجع. مضافاً الى النظر والاشكال فيما ذكره من الفرق بين النقل والكشف ، وأنه على النقل تكون الإجازة دخيلة في نفس العقد شطراً أو شرطاً ، وتكون على الكشف شرطاً في تأثير العقد لا في نفس العقد. إذ هو كما ترى غير ظاهر. والفرق بينهما ليس في هذه الجهة ، بل من جهة أخرى ، كما عرفت الإشارة الى ذلك في المسألة الواحدة والعشرين.

وفي حاشية بعض مشايخنا ( قده ) في المقام على قول المصنف : « أقواهما الثاني » قال : « بل الأول » ، وذكر في درسه في تقريب عدم جواز تصرف الأصيل فيما انتقل عنه ، أنه قد ملك التزامه ، وانقطعت إضافته عن ماله ، فيتعين عليه العمل على طبق التزامه. وفيه : أنه لم يتحصل لنا أن العقد بين الاثنين يقتضي تمليك كل واحد منهما التزامه لصاحبه زائداً على إنشاء مضمون العقد الذي هو الملتزم به ، بل ليس مفاده إلا إنشاء مضمونه والملتزم به فقط. مضافاً الى أن المتملك لهذا الالتزام إن كان هو الطرف الأصيل ، فلا مجال لهذا التملك قبل الإجازة ، لعدم قبوله لهذا التمليك إلا بالإجازة. وإن كان هو الطرف الآخر الفضولي ، فمقتضاه جواز التقابل بينهما ولو بعد إجازة المالك بلا رضا منه بذلك التقابل ، لأن لزوم العقد على هذا المبنى من آثار تمليك الالتزام المذكور. بل مقتضاه أيضاً عدم جواز التقايل بين الأصيلين بعد الإجازة إلا برضا الفضولي ، لأنه الذي ملك الالتزام. وهو كما ترى.

ولأجل ذلك كان مقتضى التحقيق هو القول الثاني ، وعدم الفرق بين الأصيل المباشر والأصيل الذي ناب عنه الفضولي في عدم ترتب آثار العقد الصحيح بالنسبة إليهما معاً قبل تحقق الإجازة من الثاني ، فيجوز‌

٥١٧

الثاني ، إلا مع فرض العلم بحصول الإجازة بعد ذلك [١] ، الكاشفة عن تحققها من حين العقد. نعم الأحوط الأول ، لكونه في معرض ذلك بمجي‌ء الإجازة. نعم إذا تزوج الأم أو البنت مثلاً ثمَّ حصلت الإجازة كشفت عن بطلان ذلك.

( مسألة ٣٣ ) : إذا رد المعقود أو المعقودة فضولا العقد ولم يجزه لا يترتب عليه شي‌ء من أحكام المصاهرة ،

______________________________________________________

للمباشر تزويج أخت الزوجة المعقود عليها ، وتزويج أمها ، وبنتها ، وتزويج الخامسة. نعم إذا أجاز الطرف الآخر بطل العقد الثاني بناء على الكشف الانقلابي والحكمي ، وتبين بطلانه من أول الأمر بناء على الكشف الحقيقي.

[١] هذا يتم بناء على الكشف الحقيقي. أما بناء على الكشف الحكمي أو الكشف الانقلابي فلا مانع من التصرف قبل الإجازة وإن علم بتحققها ، لعدم حصول الزوجية قبلها ، فلا تترتب أحكامها. نعم إذا أجاز الأصيل بعد ذلك يحكم بتحقق الزوجية من أول الأمر ، وبطلان التصرفات المنافية ، فيبطل بعد الإجازة تزويج المباشر للأم ، أو البنت ، أو الأخت ، أو الخامسة. لا أنه باطل من أول الأمر. فالحكم بالبطلان من أول الأمر مقارن للتصرف بناء على الكشف الحقيقي ، ومقارن للإجازة بناء على الكشف الانقلابي والحكمي. وأما مع الشك في حصول الإجازة ، فيحكم بصحة التصرف المنافي ما دامت الإجازة غير حاصلة. لكن الحكم المذكور ظاهري بناء على الكشف الحقيقي ، لأصالة عدم الإجازة ، وواقعي بناء على الكشف الحكمي أو الانقلابي.

ثمَّ إنه إذا قلنا بجواز فسخ الأصيل ، وأن التصرفات المنافية فسخ فعلي ، كانت مانعة من صحة الإجازة ، لحصول الفسخ. لا أنه تصح الإجازة ، وتبطل التصرفات.

٥١٨

سواء أجاز الطرف الآخر ، أو كان أصيلا ، أم لا. لعدم حصول الزوجية بهذا العقد الغير المجاز ، وتبين كونه كأن لم يكن. وربما يستشكل في خصوص نكاح أم المعقود عليها [١] وهو في غير محله بعد أن لم يتحقق نكاح. ومجرد العقد لا يوجب شيئاً. مع أنه لا فرق بينه وبين نكاح البنت. وكون الحرمة في الأول غير مشروطة بالدخول بخلاف الثاني ، لا ينفع في الفرق [٢].

( مسألة ٣٤ ) : إذا زوجت امرأة فضولا من رجل ولم تعلم بالعقد ، فتزوجت من آخر ، ثمَّ علمت بذلك العقد ليس لها أن تجيز ، لفوات محل الإجازة [٣]. وكذا إذا زوج‌

______________________________________________________

[١] تقدم هذا الاستشكال في عبارة القواعد المحكية في شرح المسألة السابقة. وكأن وجه الاشكال ـ كما في كشف اللثام ـ : أن الفسخ كاشف عن الفساد أو رافع له من حينه. ثمَّ قال : في كشف اللثام « والأول أصح ، فإن الأصح أن الإجازة إما جزء ، أو شرط ». وفي الجواهر : « من الغريب ما سمعته من احتمال تحريم الأب ، والابن ، والأم ، بمجرد صدور العقد فضولا ، الذي تعقبه عدم الإجازة ولو من طرف واحد ، لاحتمال كون الفسخ من حينه ، فإنه لا يقتضيه أصل ، ولا قاعدة ، ولا فتوى. بل يمكن تحصيل الإجماع بل الضرورة بخلافه ». وما ذكره في غاية من القوة.

[٢] يعني : فيبنى على صحة العقد على البنت قبل الإجازة ، كي يؤدي ذلك الى حرمة الأم وإن حصل الرد.

[٣] كما نص على ذلك شيخنا الأعظم (ره) في مكاسبه‌

٥١٩

رجل فضولا بامرأة ، وقبل أن يطلع على ذلك تزوج أمها ، أو بنتها ، أو أختها ، ثمَّ علم. ودعوى : أن الإجازة حيث أنها كاشفة إذا حصلت تكشف عن بطلان العقد الثاني. كما ترى.

( مسألة ٣٥ ) : إذا زوجها أحد الوكيلين من رجل ، وزوجها الوكيل الآخر من آخر ، فان علم السابق من العقدين‌

______________________________________________________

عليه المصنف (ره) في حاشيته على ذلك بانصراف أدلة الفضولي عن شمول الفرض ، فان لازمه جواز الإجازة ولو بعد مضي خمسين سنة. والحكم ببطلان عقدها الذي عملت بمقتضاه خمسين سنة من المنكرات. انتهى. ويمكن أن يقال في وجهه : إن المرأة المذكورة في المثال بعد أن صارت ذات بعل حرم عليها التزويج ولم يصح منها. والإجازة العقد الفضولي تزويج ، فلا يجوز لها ، ولا يصح منها. وكذلك الحكم في مثال الرجل الذي زوج فضولاً ، فإنه إذا تزوج مباشرة أم الزوجة التي عقد عليها فضولاً ، فإذا أجاز العقد الفضولي ، فقد تزوج بنت زوجته ، ولا يصح منه ذلك. وبالجملة : الإجازة لا تصح إلا إذا كان المجيز له سلطان عليها ، وفي المثالين بعد وقوع التصرف المباشري من المرأة والرجل ، خرجت إجازة العقد الفضولي عن سلطنة المجيز ، فإنه لا يصح لذات البعل أن تتزوج ، ولا يصح لمن تزوج الأم أن يتزوج بنتها ، وإطلاق ذلك يقتضي المنع حتى من هذا التزويج الحاصل بالإجازة.

ودعوى اختصاص ذلك بالتزويج اللاحق ، ولا يشمل السابق ، فان السابق يمنع اللاحق ، والإجازة في المقام ليست تزويجاً لاحقاً ، بل تزويج سابق ، بناء على الكشف على أي وجوهه كان. مدفوعة : بأن الممنوع عنه التزويج اللاحق إنشاءً ، لا منشأ ، والإجازة لاحقة إنشاء وإن كان المجاز هو التزويج السابق. فالمدار في السبق واللحوق على الإنشاء ، لا على المنشأ.

٥٢٠