مستمسك العروة الوثقى - ج ١٤

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١٤

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٣٧

______________________________________________________

وهو ممنوع بعد وضوح الخلاف في النكاح. وللإجماع على زوال الولاية عنها في المنقطع ، فكذا في الدائم ، الممنوع في نفسه ، كمنع عدم الفصل بين الدائم والمنقطع. و‌لمصحح الفضلاء الفضيل بن يسار ، ومحمد بن مسلم ، وزرارة ، وبريد بن معاوية كلهم عن ابي جعفر (ع) : « قال : المرأة التي قد ملكت نفسها غير السفيهة ولا المولى عليها تزويجها بغير ولي جائز » (١). ومنع كون البكر مالكة أمرها غير مولى عليها ، إذ هو أول المسألة ـ كما في كشف اللثام ـ ضعيف ، لأن المراد من كونها مالكة أمرها أنها مالكة له في غير النكاح ، إذ لو كان المراد أنها مالكة أمرها في النكاح كان الحمل ضرورياً ، فيكون عقلياً لا شرعياً. نعم يمكن تخصيص الصحيح بالروايات السابقة ، فيحمل على غير الأب جمعاً. و‌لصحيح منصور بن حازم عن ابي عبد الله (ع) : « قال (ع) تستأمر البكر وغيرها ، ولا تنكح إلا بأمرها » (٢). واحتمال أن‌ « تستأمر » ‌بالبناء للفاعل ، يعني : هي تستأمر غيرها ، فتدل على الخلاف ـ كما في كشف اللثام ـ ضعيف ، لأنه يوجب عدم انسجام الكلام ، ولا يصح في غير البكر ، لما عرفت من حكم الثيب. نعم لا يدل على الاستقلال لان الاستثمار أعم منه. بل يمكن تخصيصه بما سبق جمعاً. و‌لخبر زرارة المتقدم عن ابي جعفر (ع) : « قال : إذا كانت المرأة مالكة أمرها ، تبيع ، وتشتري ، وتعتق ، وتشهد ، وتعطي من مالها ما شاءت ، فإن أمرها جائز ، تزوج إن شاءت بغير إذن وليها. وإن لم تكن كذلك فلا يجوز تزويجها إلا بأمر وليها » (٣). ويشكل : بأنه يمكن تخصيصه بالروايات السابقة ، فيحمل على غير الأب‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب عقد النكاح حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٣ من أبواب عقد النكاح حديث : ١٠.

(٣) الوسائل باب : ٩ من أبواب عقد النكاح حديث : ٦.

٤٤١

______________________________________________________

جمعاً. و‌لخبر سعدان بن مسلم : « قال أبو عبد الله (ع) : لا بأس بتزويج البكر إذا رضيت بغير إذن وليها » (١). ويشكل : بأنه يمكن تخصيصه بما سبق و‌خبر ابي مريم عن ابي عبد الله (ع) : « قال : الجارية البكر التي لها أب لا تتزوج إلا بإذن أبيها. وقال : إذا كانت مالكة لأمرها تزوجت متى شاءت » (٢). ويشكل بإجمال المراد من كونها مالكة لأمرها ، فيحتمل أن يكون المراد به البلوغ ، فيكون المراد من الجارية الصغيرة ، ويحتمل أن يكون المراد الثيب في مقابل البكر المذكورة في الصدر ، ويحتمل أن يكون المراد من ليس لها أب. والحمل على الأول غير ظاهر. ومن ذلك يظهر الإشكال في الاستدلال‌ بخبر عبد الرحمن بن ابي عبد الله عن ابي عبد الله (ع) : « تتزوج المرأة من شاءت إذا كانت مالكة لأمرها ، وإن شاءت جعلت ولياً » (٣). و‌لمرسلة سعدان بن مسلم عن رجل عن ابي عبد الله (ع) : « لا بأس بتزويج البكر إذا رضيت من غير إذن أبويها » (٤) ‌، و‌خبر ابن عباس : « ان جارية بكراً جاءت إلى النبي (ص) فقالت : إن ابي زوجني من ابن أخ له ليرفع خسيسته. وأنا له كارهة. فقال (ص) : أجيزي ما صنع أبوك. فقالت : لا رغبة لي فيما صنع ابي. قال (ص) : فاذهبي فانكحي من شئت. فقالت : لا رغبة لي عما صنع ابي ، ولكن أردت أن أعلم النساء أن ليس للآباء في أمور بناتهم شي‌ء » (٥) ‌،

__________________

(١) الوسائل باب : ٩ من أبواب عقد النكاح حديث : ٤.

(٢) الوسائل باب : ٣ من أبواب عقد النكاح حديث : ٧.

(٣) الوسائل باب : ٣ من أبواب عقد النكاح حديث : ٨.

(٤) الوسائل باب : ١١ من أبواب المتعة حديث : ٨.

(٥) لم نعثر على هذا الحديث فيما تحت أيدينا من كتب الحديث. نعم روى في سنن البيهقي ( الجزء : ٧. الصفحة : ١١٨ ) مرسل عبد الله بن بريدة بهذا المضمون.

٤٤٢

والتفصيل بين الدوام والانقطاع باستقلالها في الأول دون الثاني [١]

______________________________________________________

لكن الروايتين ضعيفتان لم يثبت انجبارهما بعمل المشهور ، لاحتمال استنادهم في فتواهم الى غيرهما من الروايات.

ثمَّ إنك عرفت أن مقتضى الجمع بين الطائفة المذكورة دليلاً لهذا القول ، وبين الطائفة السابقة المذكورة دليلاً للقول الأول : هو التقييد بحمل الولي فيها على غير الأب. وشيخنا الأعظم (ره) في رسالة النكاح جعل الجمع بينهما كما يكون بالتقييد ، يكون أيضا بحمل الطائفة الأولى على الاستحباب ، يعني : يستحب للبكر إيكال أمرها إلى الأب. وان تقييد المطلق وإن كان أرجح من حمل المقيد على الاستحباب. لكن التقييد لما كان مستلزماً لطرح أخبار كثيرة ـ مثل مرسلة سعدان‌ وخبر ابن عباس المتقدمين ، والأخبار الواردة في جواز التمتع بالبكر بدون إذن أبيها ، الآتية في أدلة القول الثالث ـ تعين الجمع بحمل المقيد على الاستحباب. أقول : أما أخبار التمتع بالبكر فسيجي‌ء الكلام فيها ، وأنها متعارضة. وعدم القول بالفصل لم يثبت مع وجود الخلاف. وأما الخبران الآخران : فان صلحا للحجية كانا معارضين ، لا مرجحين للحمل على الاستحباب ، وإلا ـ كما هو الظاهر ، لضعف سندهما ، وعدم الجابر لهما ـ لا يصلحان للترجيح المذكور.

[١] حكاه في الشرائع والتذكرة وغيرهما قولاً. ولم يعرف قائله. كما في جامع المقاصد وغيره. وكأن وجهه : دعوى انصراف ما دل على استقلالها الى خصوص الدائم. و‌صحيح البزنطي عن الرضا (ع) : « قال : البكر لا تتزوج متعة إلا بإذن أبيها » (١) ‌، و‌صحيح ابي مريم عن ابي عبد الله (ع) قال : « العذراء التي لها أب لا تتزوج متعة إلا بإذن أبيها » (٢). لكن عرفت أن الأول معارض بغيره. كما أن الصحيحين‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١١ من أبواب المتعة حديث : ٥.

(٢) الوسائل باب : ١١ من أبواب المتعة حديث : ١٢.

٤٤٣

والعكس [١] ، والتشريك ، بمعنى : اعتبار إذنهما معا [٢].

______________________________________________________

أيضا معارضان بغيرهما ، كخبر الحلبي قال : « سألته عن التمتع من البكر إذا كان بين أبويها بلا إذن أبويها. قال (ع) : لا بأس ، ما لم يفتض ما هناك .. » (١). و‌خبر ابي سعيد قال : « سئل أبو عبد الله (ع) عن التمتع من الأبكار اللواتي بين الأبوين. فقال : لا بأس. ولا أقول كما يقول هؤلاء الأقشاب » (٢). ونحوهما غيرهما.

[١] كما عن الشيخ في كتابي الأخبار. ولم ينسب إليه في غيرهما ، ولا الى غيره. ووجهه : الأخذ بنصوص استقلال الولي ، بعد تقييدها بالدوام ، وإخراج المتعة منها ، للأخبار المتقدمة. وإشكاله أيضاً ظاهر ، فان نصوص استقلال الولي معارضة. والاخبار المتقدمة أيضا معارضة بغيرها ، كما عرفت.

[٢] حكي عن المفيد ، والحلبيين ، وظاهر الوسائل للحر العاملي. جمعاً بين ما دل على اعتبار الاذن من الأب في تزويج البكر ـ مثل‌ صحيح العلاء بن رزين عن ابي عبد الله (ع) : « قال : لا تتزوج ذوات الآباء من الأبكار إلا بإذن آبائهن » (٣). ونحوه صحيح ابن ابي يعفور‌ (٤) ، و‌خبر ابي مريم عن ابي عبد الله (ع) : « قال : الجارية البكر التي لها أب لا تتزوج إلا بإذن أبيها » (٥) ‌، و‌صحيح زرارة : « سمعت أبا جعفر (ع) يقول : لا ينقض النكاح إلا الأب » (٦). ونحوه صحيح محمد بن مسلم‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١١ من أبواب المتعة حديث : ٩.

(٢) الوسائل باب : ١١ من أبواب المتعة حديث : ٦.

(٣) الوسائل باب : ٦ من أبواب عقد النكاح حديث : ٦. لكن رواه عن العلاء بن رزين عن ابن ابي يعفور.

(٤) الوسائل باب : ٦ من أبواب عقد النكاح حديث : ٥.

(٥) الوسائل باب : ٤ من أبواب عقد النكاح حديث : ٢.

(٦) الوسائل باب : ٤ من أبواب عقد النكاح حديث : ١.

٤٤٤

______________________________________________________

عن ابي جعفر (ع) (١) ـ وبين ما دل على اعتبار إذنها ، كصحيح منصور المتقدم‌ ، و‌موثق صفوان : « قال : استشار عبد الرحمن موسى بن جعفر (ع) في تزويج ابنته لابن أخيه ، فقال (ع) : افعل ، ويكون ذلك برضاها ، فان لها في نفسها نصيباً. قال : واستشار خالد بن داود موسى بن جعفر (ع) في تزويج ابنته علي بن جعفر ، فقال (ع) : افعل ، ويكون ذلك برضاها ، فان لها في نفسها حظاً » (٢). لكن ينافي ذلك ما دل على استقلالها. كما ينافيه أيضاً ما دل على استقلال الأب. فلا بد من علاج ذلك ولا يكفي في إثبات القول المذكور كونه مقتضى الجمع بين طائفتين من النصوص ، وإهمال الطوائف الأخر.

والذي يقتضيه التأمل : أن نصوص المقام على طوائف : الأولى : ما دل على استقلال الولي. كصحيح محمد بن مسلم‌ ، وصحيح الحلبي‌ ، وصحيح ابن الصلت‌ ، وخبر علي بن جعفر‌ ، المتقدمة. ونحوها غيرها. الثانية : ما دل على اعتبار إذن الولي ورضاه ، كصحاح زرارة‌ ، ومحمد بن مسلم‌ ، والعلاء‌ ، وابن ابي يعفور‌ المتقدمة في أدلة القول الخامس. الثالثة : ما دل على استقلال البكر ، كمصحح الفضلاء‌ ، ورواية زرارة‌ ، ورواية عبد الرحمن‌ ، ورواية أبي مريم‌ ، ورواية سعدان‌. الرابعة : ما دل على اعتبار إذن البكر ورضاها ، كصحيح منصور بن حازم‌ ، وموثق صفوان‌ المتقدمين. ومن المعلوم أنه لا تنافي بين الأولتين ، ولا بين الأخيرتين ، ولا بين الثانية والرابعة وإنما يكون التنافي بين الأولى والثالثة ، وبين الثانية والثالثة ، وبين الأولى والرابعة. والجمع بين الأولى والثالثة يمكن بدواً بالبناء على استقلال كل منهما في الولاية ، فإذا تصرف أحدهما نفذ إلا أنه تأباه الطائفة الأولى‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤ من أبواب عقد النكاح حديث : ٥.

(٢) الوسائل باب : ٩ من أبواب عقد النكاح حديث : ٢.

٤٤٥

______________________________________________________

جداً ، فان‌ قوله (ع) : « ليس لها مع أبيها أمر » ‌ظاهر جداً في أنها لا استقلال لها ، ولا اشتراك. وإن كان لا تأباه الطائفة الثالثة. ولأجل ذلك يتعين الجمع بما سبق من تخصيص الطائفة الثالثة بغير الأب ، لاختصاص الأولى بالأب ، وعموم الثالثة لغيره. نعم مرسلة سعدان‌ وخبر ابن عباس مختصان بالأب. لكنهما ليسا بحجة. وبهذا الوجه بعينه يكون الجمع بين الثانية والثالثة. وأما وجه الجمع بين الاولى والرابعة فيمكن بحمل الرابعة على الاستحباب. كما يظهر من استرضاء النبي (ص) فاطمة (ع) في تزويجها من علي (ع) (١). فحينئذ تتفق مؤديات النصوص ، ويرتفع عنها إشكال التعارض ، وتكون نتيجة ذلك هو الفرق بين الأب والجلد ، فيستقل الأول معها دونها بلا استقلال ولا تشريك ، وتستقل هي مع الثاني دونه بلا استقلال ولا تشريك أيضاً. لكن يخدش فيه رواية سعدان على ما في نسخ التهذيب المعتبرة التي عثرنا عليها حيث رويت فيه هكذا : « لا بأس بتزويج البكر إذا رضيت من غير إذن أبيها » (٢) ‌، فتكون نصاً في استقلالها مع وجود الأب. لكن رواها في المسالك وكشف اللثام ، والجواهر : « وليها » ‌بدل‌ « أبيها » ‌، كما سبق في أدلة القول الثاني. وحينئذ تكون كغيرها من روايات الاستقلال مقيدة بغير الأب. لكن يشكل الاعتماد على ذلك في مقابل نسخ التهذيب ، ولا سيما مع موافقتها لما في جامع المقاصد والوسائل والحدائق ، فقد رويت فيها كما في التهذيب. ولأجل ذلك لا مجال للبناء على نفي ولايتها ، كما يقتضيه ما عرفت من وجه الجمع. بل يتعين حينئذ البناء على ولايتها مستقلا ، فإن الرواية المذكورة نص في ذلك. ويتعين الجمع بينها وبين الطائفة الأولى بالاستقلال كل منها ومن‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٥ من أبواب عقد النكاح حديث : ٣.

(٢) التهذيب الجزء : ٧ الصفحة : ٣٨٠ طبعة النجف الحديثة.

٤٤٦

______________________________________________________

أبيها ، فإنه وإن بعد بالإضافة إلى الجمع بالتقييد لكنه أقرب بعد تعذره. ويكون الجمع بينها وبين الطائفة الثانية الحمل على استحباب استئذان الأب ، فإنه واضح بالإضافة إلى مثل صحيح العلاء المتقدم‌. وأما مثل صحيح زرارة‌ « لا ينقض .. » ‌فلا يخلو من خفاء. لكن يهون الأمر فيه أنه لا يعرف مورده ، ولم يتضح المراد منه ، فان النقض إنما يكون بعد الإبرام ، فيختص بالفسخ ، وهو غير المدعى. نعم لا بأس بالالتزام بمضمونه. فيكون للأب فسخ عقد البنت وإن كان صحيحاً بغير إذنه ، فان فسخه انفسخ ، وإن لم يفسخه بقي على صحته. ولعل‌ قوله (ع) في صحيح الحلبي : « ليس لها مع أبيها أمر » (١) ‌يراد به هذا المعنى ، يعني : له فسخ عقدها وحله ، نظير‌ قوله (ع) : « لا يمين للولد مع والده » (٢). وعلى هذا تكون النصوص بهذا المضمون طائفة خامسة. وأما الطعن في رواية سعدان‌ بالضعف فلا مجال له بعد اعتماد المشهور عليها ، وكون الراوي معتبر الرواية في نفسه ، وإن لم ينص عليه بتوثيق ، فان ملاحظة أحواله المسطورة في كتب الرجال تستوجب الوثوق به واعتبار حديثه. وكذا الطعن فيها بأنها عين المرسلة ، فلا تكون حجة. إذ فيه : أنه خلاف الأصل بعد أن رواهما الشيخ في التهذيب معاً. مع اختلاف في المتن من جهة إفراد الأب في المسند وتثنيته في المرسلة التهذيب الجزء ٧ الصفحة : ٢٥٤.

والذي يتحصل من جميع ما ذكرنا : نفوذ عقد الأب بدون إذن البنت اعتماداً على صحيح محمد بن مسلم‌ ، وخبر علي بن جعفر‌ ، ونحوهما. ونفوذ عقد البنت بدون إذن الأب اعتماداً على خبر سعدان‌ المعتضد بالنصوص الواردة في المتعة المتقدمة. وإن الأفضل أن يكون بإذنهما معاً حملاً لما دل‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب عقد النكاح حديث : ١١.

(٢) الوسائل باب : ١٠ من أبواب اليمين.

٤٤٧

والمسألة مشكلة. فلا يترك مراعاة الاحتياط بالاستيذان منهما. ولو تزوجت من دون إذن الأب أو زوجها الأب من دون إنها وجب [١] إما إجازة الآخر أو الفراق بالطلاق. نعم إذا عضلها الولي أي : منعها من التزويج بالكفو مع ميلها سقط اعتبار إذنه [٢].

______________________________________________________

على اعتبار إذن الأب ـ كصحيح العلاء‌ ـ واعتبار إذن البنت ـ كصحيح صفوان‌ ـ على الاستحباب ، جمعاً بين هاتين الطائفتين والطائفتين السابقتين. وأنه إذا عقدت البنت صح عقدها ، لكن يجوز للأب نقضه ، فاذا نقضه انتقض ، اعتماداً على‌ صحيح زرارة : « لا ينقض النكاح إلا الأب ». ونحوه صحيح محمد بن مسلم‌ ، وصحيح الحلبي‌ ، على ما عرفت. فالنصوص خمسة أصناف : صنف : يدل على استقلال الأب. وآخر : يدل على استقلال البنت. وثالث : يدل على جواز فسخ الأب عقد البنت. ورابع : يدل على اعتبار إذن الأب وخامس : يدل على اعتبار إذن البنت. فيعمل بالأصناف الثلاثة الأول ، ويحمل الأخيران على الاستحباب جمعاً. هذا كله بالإضافة إلى الأب. وأما الجد : فلا ولاية له على البكر لا منضما ، ولا مستقلا. اعتماداً على الطائفة الثالثة من غير معارض.

هذا والقول بالولاية على النهج المذكور وإن لم ينسب لأحد لا بأس به إذا دلت عليه الأدلة. ( وَما تَوْفِيقِي إِلاّ بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ) ، وهو حسبنا ( وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ).

[١] هذا الوجوب من باب الاحتياط الذي ذكره.

[٢] إجماعا كما في الشرائع ، والتذكرة ، والقواعد ، وجامع المقاصد. والمسالك ، وكشف اللثام. وفي الجواهر : « الإجماع بقسميه عليه ». وهو العمدة في الخروج عن عموم الولاية. مضافاً الى عموم نفي الحرج في بعض‌

٤٤٨

وأما إذا منعها من التزويج بغير الكفو شرعاً فلا يكون عضلاً [١] بل وكذا لو منعها من التزويج بغير الكفو عرفاً [٢] ، ممن في تزويجه غضاضة وعار عليهم وإن كان كفواً شرعياً. وكذا لو منعها من التزويج بكفو معين مع وجود كفو آخر [٣]. وكذا يسقط اعتبار إذنه إذا كان غائباً لا يمكن الاستئذان منه مع حاجتها الى التزويج [٤].

______________________________________________________

الموارد. لكنه إنما يقتضي نفي سلطنة الولي ، لا إثبات استقلال البنت ، لأنه ناف ، لا مثبت وأما قوله تعالى ( فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ) (١) فغير ظاهر فيما نحن فيه. لاحتمال كون الخطاب للأزواج السابقين. مع أنه لو كان للأولياء لا يدل على سقوط الولاية ، لأن تحريم العضل لا يدل على ذلك.

[١] لفساد العقد فلا مورد للولاية عليها حتى من نفسها.

[٢] كأنه لإطلاق الكفو في كلامهم ، بل لعل الظاهر منه الكفو عرفاً.

[٣] كأنه لانصراف المستثنى عن ذلك ، فيرجع الى عموم أدلة المستثنى منه ، لا أقل من أنه خارج عن القدر المتيقن من معقد الإجماع ، فيرجع الى عموم أدلة الولاية.

[٤] قال في الخلاف : « وإن غابا جميعاً ( يعني : الأب والجد ) كان لها أن تعقد على نفسها ، أو توكل من شاءت من باقي الأولياء ». وفي الحدائق : « وفي حكم العضل الغيبة المنقطعة التي يحصل معها المشقة الشديدة من اعتبار استئذان الولي ». ونحوه ما في الرياض ورسالة شيخنا الأعظم (ره). والأول حكي ارتضاؤه عن كثير من الأصحاب. ويظهر من الجميع عدم الخلاف في ذلك. بل في كلام بعض أنه بلا خلاف ظاهر. وكأنه لما‌

__________________

(١) البقرة : ٢٣٢.

٤٤٩

( مسألة ٢ ) : إذا ذهبت بكارتها بغير الوطء ـ من وثبة ونحوها فحكمها حكم البكر [١]. وأما إذا ذهبت بالزنا أو الشبهة ففيه إشكال [٢]. ولا يبعد الإلحاق بدعوى أن المتبادر من البكر من لم تتزوج [٣]. وعليه فاذا تزوجت‌

______________________________________________________

يستفاد من دليل السقوط بالعضل.

[١] كما نص على ذلك في المسالك ، والجواهر ، وغيرهما. لأن النصوص المتقدمة في استثناء الثيب ـ ومثلها خبر ابن جعفر المتقدم في أدلة استقلال الولي ـ مختصة بمن نكحت رجلاً ، فلا تشمل المورد. بل يرجع فيه الى عموم الولاية. نعم قد يشكل ذلك بأن بعض النصوص ولاية الولي مختصة بالبكر ، ولا تشمل الفرض. لكن لو تمَّ كفى نصوص استثناء الثيب المتقدمة في إثبات الولاية على من لم تنكح زوجاً آخر.

[٢] والذي اختاره في الجواهر إلحاقها بالثيب ، أخذاً بإطلاق الأدلة. قال : « وما في بعض النصوص من ظهور اعتبار النكاح في الثيب محمول على الغالب ونحوه ، بعد قصوره عن تقييد غيره من المطلق للشهرة ». أقول : لا ينبغي التأمل في أن الثيبوبة تتحقق بزوال البكارة بوطء أو غيره. وحينئذ فإن أخذ بإطلاق الثيب والبكر كان اللازم إلحاق زوال البكارة بالوثبة ونحوها بالثيبوبة ، لصدقها حقيقة. وإن بني على تقييد الإطلاق بالنصوص المتقدمة فهي مختصة بالمتزوجة. وحملها على الغالب في هذه الجهة دون غيرها تفكيك لا يساعد عليه العرف. فاذاً المتعين البناء على التقييد في الأمرين معاً. وحينئذ يتعين في زوال البكارة بالزنا والشبهة الإلحاق بالبكر.

[٣] هذه الدعوى غير ظاهرة ، بل ممنوعة ، لأن البكر ذات البكارة ، ولا دخل للتزويج وعدمه فيها. وكأن الأولى الاستدلال بالنصوص ، بدعوى أن المفهوم منها أن المدار على التزويج ، لا على الثيبوبة. وإن كان التأمل‌

٤٥٠

ومات عنها أو طلقها قبل أن يدخل بها لا يلحقها حكم البكر [١] ومراعاة الاحتياط أولى.

( مسألة ٣ ) : لا يشترط في ولاية الجد حياة الأب ، ولا موته. والقول بتوقف ولايته على بقاء الأب ـ كما اختاره جماعة ـ [٢] ضعيف. وأضعف منه القول بتوقفها على موته ، كما اختاره بعض العامة.

______________________________________________________

فيها يقتضي كون المدار على الثيبوبة بالتزويج ، لا مطلق التزويج.

والمتحصل مما ذكرنا : أن المحتمل في الثيب أربعة معان : المعنى العرفي ، وهو زوال البكارة. وزوال البكارة بالوطء. وزوال البكارة بوطء الزوج ، ومجرد كونها مزوجة وإن كانت باكراً. ويقابلها الباكر. وأن ظاهر النصوص يقتضي المعنى الثالث ، وأن الأول لم يعرف به قائل ، والثاني اختاره في الجواهر ، والرابع اختاره المصنف ، ولم يعرف له موافق.

[١] يعني : فيلحقها حكم الثيب. وهو كما ترى.

[٢] حكاه في الشرائع قولا. ونسبه في كشف اللثام إلى الصدوق ، والشيخ ، والتقي ، وسلار ، وبني الجنيد والبراج وزهرة وحمزة. واستدل له‌ بموثق الفضل بن عبد الملك عن أبي عبد الله (ع) : « قال : إن الجد إذا زوج ابنة ابنه وكان أبوها حياً وكان الجد مرضياً جاز. قلنا فإن هوي أبو الجارية هوى ، وهوى الجد هوى .. » (١) ‌، لدلالة مفهومه على عدم الجواز مع فقد الأب. وأشكل بضعف سند الرواية ، ودلالتها. لكن الرواية من الموثق ، وهو حجة. والدلالة للمفهوم ، وهو أيضاً حجة. وحمله ـ كما في المسالك ـ على أنه من مفهوم الوصف ، الذي ليس بحجة غير ظاهر. نعم يحتمل في القيد المذكور أنه ذكر تمهيداً للحكم المذكور في‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١١ من أبواب عقد النكاح حديث : ٤.

٤٥١

______________________________________________________

ذيل الرواية من التشاح بين الجد والأب ، الذي لا يمكن فرضه إلا في حال وجود الأب ، فتكون الشرطية من قبيل الشرطية لتحقيق الموضوع. فتأمل. ولذلك اختار هذا القول في الوسائل.

لكن في كشف اللثام مال إليه ، للأصل ، إلا فيما أجمع عليه ، وهو صورة حياة الأب بعد ضعف أدلة الطرفين. وفيه : أنه لا قصور في دليل القول المذكور بعد أن كان السند من الموثق ، والدلالة لمفهوم الشرط ، فيقيد به إطلاق ما دل على ولاية الجد ، على تقدير تماميته. مع أنها لا تخلو من تأمل إذ لم نقف على دليل لولاية الجد ، إلا ما تضمن أولويته من الأب ، مثل‌ موثق عبيد بن زرارة : « قلت لأبي عبد الله (ع) : الجارية يريد أبوها أن يزوجها من رجل ، ويريد جدها أن يزوجها من رجل آخر. فقال (ع) : الجد أولى بذلك .. » (١). ونحوه خبره الآخر‌ (٢) ، وخبر علي بن جعفر المروي في قرب الاسناد وفي كتابه‌ (٣) ، وغيرهما. وكلها مختصة أيضاً بصورة حياة الأب. بل ظاهر تعليل ذلك في بعضها بأنها وأباها للجد كالصريح في الاختصاص بذلك ، إذ لا مجال للتعليل المذكور مع فقد الأب. وأما‌ صحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع) : « قال ( الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ ) هو ولي أمرها » (٤). فدلالته غير ظاهرة وحمل من هو ولي أمرها على من له ولاية المال ، ومنه الجد ، لا قرينة عليه ، وإن ذكر في المسالك وغيرها. ومثله‌ صحيح أبي بصير ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) : « سألته عن ( الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ

__________________

(١) الوسائل باب : ١١ من أبواب عقد النكاح حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ١١ من أبواب عقد النكاح حديث : ٥.

(٣) الوسائل باب : ١١ من أبواب عقد النكاح حديث : ٨ وملحقة.

(٤) الوسائل باب : ٨ من أبواب عقد النكاح حديث : ٢.

٤٥٢

( مسألة ٤ ) : لا خيار للصغيرة إذا زوجها الأب أو الجد بعد بلوغها ورشدها [١].

______________________________________________________

النِّكاحِ ) قال : هو الأب ، والأخ ، والرجل يوصى إليه ، والذي يجوز أمره في مال المرأة فيبتاع لها ويشتري. فأي هؤلاء عفا فعفوه جائز في المهر إذا عفا عنه » (١). ودعوى : أن الجد يجوز أمره في مال المرأة حتى مع فقد الأب ، فيكون ممن ( بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ ). مدفوعة : بأن ظاهر الآية الشريفة الاختصاص بالبالغات ، بقرينة نفوذ عفوهن ، فالروايات الواردة في تفسيرها قاصرة عن شمول غيرهن. ولذا ذكر الأخ في الصحيح المتقدم. ومن ذلك يظهر بالوجه فيما ذكره كاشف اللثام من ضعف أدلة الطرف الآخر.

نعم يشكل ما ذكره من أن قول الجماعة مطابق للأصل. وجه الاشكال : أن أصالة عدم تترتب الأثر محكومة لاستصحاب الولاية الثابتة للجد حال حياة الأب. نعم لا تجري إذا كان الأب قد مات في حال كون الصغير حملاً ، فيكون مقتضى الأصل العدم.

ثمَّ إنه تمكن المناقشة في مفهوم الموثق باحتمال كون الشرط مساقاً لتحقيق الموضوع بلحاظ ما في ذيله من قوله (ع) « فإن هوي .. » ‌، كما عرفت. وحينئذ يكون الدليل على القول المذكور ضعيفاً أيضاً.

[١] بلا خلاف ظاهر. وفي المسالك : أنه لا يظهر فيه مخالف. انتهى. وعن غيرها : الإجماع عليه. ويشهد له‌ صحيح عبد الله بن الصلت قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن الجارية الصغيرة يزوجها أبوها إلها أمر إذا بلغت؟ قال (ع) : لا ، ليس لها مع أبيها أمر » (٢). وصحيح‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٨ من أبواب عقد النكاح حديث : ٥.

(٢) الوسائل باب : ٦ من أبواب عقد النكاح حديث : ٣.

٤٥٣

بل هو لازم عليها. وكذا الصغير على الأقوى [١].

______________________________________________________

محمد بن إسماعيل بن بزيع قال : « سألت أبا الحسن (ع) عن الصبية يزوجها أبوها ، ثمَّ يموت وهي صغيرة ، فتكبر قبل أن يدخل بها زوجها ، يجوز عليها التزويج ، أو الأمر إليها؟ قال (ع) : يجوز عليها تزويج أبيها » (١). ونحوهما صحيح علي بن يقطين‌ (٢) ، وغيره. لكن‌ في صحيح محمد بن مسلم قال : « سألت أبا جعفر (ع) عن الصبي يتزوج الصبية. قال (ع) : إن كان أبواهما اللذان زوجاهما فنعم جائز ، ولكن لهما الخيار إذا أدركا » (٣). ولكنه لم يعرف عامل به ، ولا مفت بمضمونه في الصغيرة. ونحوه ما‌ في خبر يزيد الكناسي عن أبي جعفر (ع) : « متى يجوز للأب أن يزوج ابنته ولا يستأمرها؟ قال (ع) : إذا جازت تسع سنين ، فان زوجها قبل بلوغ التسع سنين كان الخيار لها إذا بلغت تسع سنين .. » (٤).

[١] على المشهور. ويشهد له‌ صحيح الحلبي قال : « قلت لأبي عبد الله (ع) : الغلام له عشر سنين فيزوجه أبوه في صغره أيجوز طلاقه وهو ابن عشر سنين؟ فقال (ع) : أما التزويج فصحيح. وأما طلاقه فينبغي أن تحبس عليه امرأته حتى يدرك .. » (٥). بذلك استدل في الحدائق. لكن دلالته على نفي الخيار غير ظاهرة ، لأن صحة العقد لا تنافي الخيار ، بل هي موضوع للخيار. ومثله ما دل على توارثهما إذا زوجهما الأبوان‌ (٦) ، فإن التوارث إنما يدل على الصحة لا غير ، وهي لا تنافي‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٦ من أبواب عقد النكاح حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٦ من أبواب عقد النكاح حديث : ٧.

(٣) الوسائل باب : ٦ من أبواب عقد النكاح حديث : ٨.

(٤) الوسائل باب : ٦ من أبواب عقد النكاح حديث : ٩.

(٥) الوسائل باب : ١١ من أبواب ميراث الأزواج حديث : ٤.

(٦) الوسائل باب : ١٢ من أبواب عقد النكاح حديث : ١ وتقدم ذكر الحديث في الصفحة : ٤٣٧.

٤٥٤

والقول بخياره في الفسخ والإمضاء [١] ضعيف. وكذا لا خيار للمجنون بعد إفاقته [٢].

( مسألة ٥ ) : يشترط في صحة تزويج الأب والجد ونفوذه عدم المفسدة [٣] ، وإلا يكون العقد فضولياً ، كالأجنبي‌

______________________________________________________

الخيار. وعلى هذا ينحصر دليل نفي الخيار في الصغير بما دل على اللزوم.

[١] نسب إلى الشيخ في النهاية ، وبني البراج وحمزة وإدريس : لصحيح ابن مسلم المتقدم ، ولتطرق الضرر إليه من جهة إثبات المهر في ذمته والنفقة من غير ضرورة ، وبذلك افترق عن الصبية ، فإن العقد عليها يثبت لها المهر والنفقة ، لا عليها ، و‌لخبر يزيد الكناسي : « إن الغلام إذا زوجه أبوه ولم يدرك كان بالخيار إذا أدرك وبلغ خمس عشرة سنة ، أو يشعر في وجهه ، أو ينبت في عانته » (١). لكن الصحيح بعد عدم العامل به في الصبية يتعين حمل الخيار فيه على خلاف ظاهره ، لتعذر التفكيك في معنى الخيار في الصبي والصبية. والضرر المذكور إن تمَّ كونه ضرراً منفياً كان موجباً لقصور الولاية ، وعدم صحة العقد كالفضولي. وإلا ـ كما هو المفروض في كلامهم ـ فلا يصلح لإثبات الخيار ، ولا لإثبات غيره. وأما خبر الكناسي‌ فالإشكال فيه كالإشكال في الصحيح ، فقد ذكر في صدره الخيار للصغيرة ، ولأجله يتعين حمل الخيار فيه على خلاف ظاهره. مضافاً الى أنه غير ظاهر الحجية ، لعدم ثبوت وثاقة يزيد الكناسي. نعم في السند أحمد بن محمد بن عيسى ، والحسن بن محبوب ، وأبو أيوب الخراز. وقد يشعر ذلك بالوثاقة.

[٢] إجماعاً ، كما في المسالك وفي كشف اللثام : لا يعرف فيه خلاف. ويقتضيه ما دل على لزوم العقود.

[٣] يظهر من المسالك الاتفاق عليه ، حيث جعل الفارق بين ولاية‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٦ من أبواب عقد النكاح حديث : ٩.

٤٥٥

ويحتمل عدم الصحة بالإجازة أيضا [١]. بل الأحوط مراعاة المصلحة [٢]. بل يشكل الصحة إذا كان هناك خاطبان أحدهما أصلح من الأخر بحسب الشرف ، أو من أجل كثرة المهر أو‌

______________________________________________________

الأب وولاية الحاكم الاجتزاء بعدم المفسدة في الأولى ، واعتبار المصلحة في الثانية. فكأن ولاية الأب في النكاح غير ولايته في المال ، فان المشهور بين القدماء ، المدعى عليه الإجماع ، والمصرح به في كلام جماعة من المتأخرين : اعتبار المصلحة فيها. والفارق بين المقامين هو عدم وضوح الإطلاق في ولاية الأب في المال ، بخلاف المقام. وعلى هذا فالذي يدل على اعتبار الشرط المذكور هنا دليل نفي الضرر. ويقتضي الاجتزاء به في صحة العقد وإن لم يكن مصلحة إطلاق أدلة الولاية ، المقتصر في تقييده على ما ذكر. وأما ما ورد في جواز الأخذ من مال الولد‌ (١) إذا لم يكن فيه سرف ، أو إذا كان بالمعروف ، أو إذا كان مما لا بد منه ، معللاً بأن الله لا يحب الفساد فمورده التصرف في مال الكبير. مع كون التصرف راجعاً الى المتصرف لا إلى الولد ، فالتعدي إلى الصغير في التصرف الراجع إليه في غير المال ، غير ظاهر. فالعمل بالإطلاق متعين.

[١] بناء على أنه يعتبر في المجيز أن يكون جائز التصرف حال العقد ، وإلا لم تصح اجازته ، كما سينبه المصنف على ذلك في المسألة السادسة. لكن اشتراط ذلك خلاف إطلاق الأدلة.

[٢] لما عرفت من أن المشهور بين المتقدمين اعتبار المصلحة في نفوذ تصرف الولي الإجباري في المال. بل قد يستظهر من حجر التذكرة دعوى نفي الخلاف فيه بين المسلمين وقد صرح به جماعة كثيرة فيتعدى منه الى المقام ، فيلحق المقام به. لكنه ـ مع عدم ثبوت ذلك في الملحق به ـ غير‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٧٨ من أبواب ما يكتسب به.

٤٥٦

قلته بالنسبة إلى الصغير [١] ، فاختار الأب غير الأصلح لتشهي نفسه.

( مسألة ٦ ) : لو زوجها الولي بدون مهر المثل ، أو زوج الصغير بأزيد منه ، فان كان هناك مصلحة تقتضي ذلك صح العقد والمهر ولزم [٢] ، وإلا ففي صحة العقد وبطلان المهر والرجوع الى مهر المثل ، أو بطلان العقد أيضاً قولان [٣]

______________________________________________________

ظاهر في قبال إطلاق الأدلة. ودعوى الانصراف الى خصوص المصلحة ممنوعة. ومن ذلك يظهر نفي الاشكال الذي ذكره المصنف بقوله : « بل يشكل .. » ، فإن إطلاق الأدلة محكم.

[١] لا يخلو هذا المثال من الإشكال. لأن الصغير إذا زوج بمهر كثير كان ذلك التزويج ضرراً عليه ، لا خلاف الأصلح. بخلاف الصغيرة إذا زوجت بالمهر القليل ، فإنه خلاف الأصلح لا غير.

[٢] لعموم دليل الولاية. وعن جامع المقاصد : أنه المعتمد في الفتوى‌

[٣] وعن الشيخ (ره) : قول ثالث ، وهو صحة العقد والمهر ولزومهما ، عملاً بإطلاق أدلة الولاية ، المعتضد بما دل على جواز عفوه عن المهر بعد ثبوته. وفيه : أن التعدي عن العفو الى المقام غير ظاهر ، فان نقص المهر ربما يكون مهانة على الزوجة ، وليس العفو كذلك. وأدلة نفي الضرر مقدمة على إطلاق أدلة الولاية. وحينئذ يدور الأمر بين القولين الأولين. ولأجل ذلك قال في الشرائع : « إذا زوجها الولي بدون مهر المثل هل لها أن تعترض؟ فيه تردد. والأظهر أن لها الاعتراض » ولم يتعرض لمورد الاعتراض ، وأنه خصوص المهر ، أو العقد نفسه. وقد ذكر في المسالك وغيرها وجهين أو قولين. وقد تبع المصنف صاحب الجواهر في اختيار ثانيهما ، لأن الواقع في الخارج أمر واحد مشخص ، فاما أن‌

٤٥٧

______________________________________________________

يكون صحيحاً بلا إجازة ، أو موقوفاً عليها. ولا مجال للتفكيك فيه بين ذات العقد فيصح وبين المهر فيتوقف على الإجازة. ولذا لو عقد فضولا بمهر خاص لم يجز للأصيل إجازة العقد دون المهر.

وفي المسالك اختار الأول ، لأن العقد صحيح ، وإنما المانع من قبل المهر ، ويمكن جبره بفسخه خاصة ، والرجوع الى مهر المثل. ولا نسلم أنهما واحد ، بل اثنان لا تلازم بينهما. وأوضحه شيخنا الأعظم (ره) في رسالة النكاح بأن دليل صحة تصرف الولي شامل لنفس العقد ، فلا وجه لتوقفه على الإجازة. غاية الأمر أن الضرر في الصداق اقتضى خروجه عن دليل الولاية ، فيتوقف على الإجازة. والتفكيك بين العقد والمهر في مثل ذلك ثابت لا مانع منه. وأما عدم جواز التفكيك فيما لو عقد فضولا بمهر خاص ، فهو لأجل أن الإجازة بمنزلة القبول ، لا يجوز التفكيك فيه بين أبعاض العقد الواحد. وليس منه المقام ، لما عرفت من أن العقد في نفسه لا يحتاج إلى الإجازة ، وأن المحتاج إليها خصوص المهر لا غير. وقد أطال قدس‌سره في توضيح ذلك. فراجع.

ويشكل بأن الضرر ليس في جعل المهر نفسه ، وإنما هو بالنكاح على المهر المذكور ، فالضرر يكون بالنكاح المقيد بالمهر ، وانتفاؤه بدليل نفي الضرر عين البطلان. وبالجملة : لو كان الضرر حاصلا من جعل المهر نفسه أمكن أن يقال بصحة العقد عملا بعموم الولاية ، وببطلان المهر ، عملا بعموم نفي الضرر. لكنه ليس كذلك ، بل الضرر حاصل من التزويج بالمهر المذكور. فنفيه بدليل نفي الضرر يقتضي بطلان نفس التزويج ، لا بطلان المهر وحده ونظير ذلك ما تقدم في مبحث الرياء في الصلاة ، فإنه إذا صلى جماعة رياء ، فالرياء يكون بالصلاة فتحرم ، لا بالجماعة فتحرم هي دون الصلاة ، فتبطل الجماعة وتصح الصلاة.

٤٥٨

أقواهما : الثاني. والمراد من البطلان عدم النفوذ ، بمعنى توقفه على إجازتها بعد البلوغ. ويحتمل البطلان ولو مع الإجازة بناء على اعتبار وجود المجيز في الحال [١].

( مسألة ٧ ) : لا يصح نكاح السفيه [٢] المبذر إلا بإذن الولي. وعليه أن يعين المهر والمرأة [٣]. ولو تزوج‌

______________________________________________________

[١] قد عرفت أن هذا خلاف إطلاق أدلة الصحة.

[٢] قال في الشرائع : « والمحجور عليه للتبذير لا يجوز له أن يتزوج غير مضطر ، ولو أوقع كان العقد فاسداً وإن اضطر الى النكاح جاز للحاكم أن يأذن له سواء عين الزوجة أو أطلق ». ونحوه ما في القواعد. ووجه عدم نفوذ نكاحه : أن النكاح تصرف في المال ، لما يترتب عليه من المهر والنفقة ، والسفيه محجور عن ذلك إجماعاً. وهذا مما لا إشكال فيه. إنما الإشكال في لزوم الاقتصار في الاذن على حال الضرورة ، فإذا تزوج مع عدم الضرورة الى ذلك لم يصح وإن أذن له الولي ، فإن الظاهر أنه لا خلاف عندهم فيه ، مع أنه لا يظهر الفرق بين النكاح وغيره ، إذ في غير النكاح يصح تصرفه إذا أذن له الولي وكان التصرف عقلائياً وإن لم تكن ضرورة تدعو اليه ، فما الذي ميز النكاح عن غيره؟! اللهم إلا أن تحمل الضرورة في كلامهم على الحاجة المتعارفة ، كما هو غير بعيد عن مذاقهم ، وإن كان بعيدا عن عبارتهم. ولأجل ما ذكرنا لم يتعرض في المتن لذكر الضرورة ، واكتفى بالمصلحة.

[٣] تعيين المهر من وظائف الولي. أما تعيين المرأة فمن وظائف الزوج ، وليس هو سفيهاً في هذه الجهة حتى يكون مولى عليه فيها. نعم إذا كان تعيينه يؤدي الى ضياع المال لم يقبل ، لكون المفروض كونه محجوراً عن المال ، فلو عين امرأة شريفة يستغرق مهر مثلها ماله أو يزيد عما يليق‌

٤٥٩

بدون إذنه وقف على إجازته فان رأى المصلحة وأجاز صح ، ولا يحتاج إلى إعادة الصيغة ، لأنه ليس كالمجنون والصبي [١] مسلوب العبارة ، ولذا يصح وكالته عن الغير في إجراء الصيغة ومباشرته لنفسه بعد إذن الولي.

( مسألة ٨ ) : إذا كان الشخص بالغاً رشيداً في الماليات لكن لا رشد له بالنسبة إلى أمر التزويج وخصوصياته من تعيين الزوجة وكيفية الامهار ونحو ذلك فالظاهر كونه كالسفيه في الماليات في الحاجة إلى إذن الولي ، وإن لم أر من تعرض له [٢].

______________________________________________________

بحاله لم يقبل منه. وكذلك الكلام في تعيين مكان العقد أو زمانه ، فإنه يقبل منه التعيين ، إلا إذا كان موجباً لضياع المال بحسب حاله. وبالجملة : إذا اعتبرت الضرورة في جواز تزويجه وجب الاقتصار على الضرورة في الزوجة والمكان والزمان وغيرهما من الجهات التي تختلف في زيادة المال ، ولا يقبل تعيين السفيه في واحدة من الجهات إذا كان يوجب اختلاف المال. وإن اكتفى بكون التصرف متعارفاً وإن لم تدع الضرورة إليه قبل تعيينه ، إلا إذا لم يكن لائقاً بحاله ، وكان موجباً لزيادة المال.

[١] هذا مما لا إشكال فيه. ويقتضيه عموم الأدلة ، بل قد تقدم في كتاب الإجارة أن من المحتمل أن يكون الصبي كذلك.

[٢] لكن ظاهر حصرهم أسباب الحجر بخصوص السفه في المال وأن الحجر يرتفع بالرشد في المال : أن السفه في غير الماليات لا أثر له في الحجر. ويقتضيه عموم السلطنة. وليس السفه في التزويج إلا كالسفه في المأكل ، والمسكن ، والملبس ، والمركب ، ومعاشرة الاخوان ، وغير ذلك من الأمور المتعلقة بالإنسان مما لا يستوجب إتلاف المال وتبذيره. فان من الضروري‌

٤٦٠