مستمسك العروة الوثقى - ج ١٤

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١٤

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٣٧

______________________________________________________

فإنه الملحوظ وانه المجعول طرفاً لإضافة لإناطة بالشرط. وحينئذ لا مجال للإشكال المذكور. ودعوى : أنه إذا كان التعليق للمنشإ في الإنشاء ، يكون أيضا التعليق للمخبر به في الاخبار ، فيكون الخبر مطلقاً والمخبر به معلقاً. ولازم ذلك الكذب في مثل قوله تعالى ( لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللهُ لَفَسَدَتا ) (١) ، لتحقق الخبر بلا مخبر به. مندفعة : بأن المخبر به الفساد على تقدير تعدد الآلهة ، لا الفساد مطلقاً ، فانتفاء الفساد في الجملة لا يستلزم الكذب ، وانما الذي يستلزمه انتفاء الفساد على تقدير تعدد الالهة ، لكنه غير منتف. ولا مجال لقياس المقام على بقية قيود المخبر به ، كما إذا قال : « يجي‌ء زيد يوم الجمعة » ، فإنه يكون كذباً إذا لم يجي‌ء زيد في يوم الجمعة ، أو جاء لكن في غير الجمعة ، فإن القيود المأخوذة في المخبر به يقتضي الخبر حصولها ، وفي قيد الشرط لا يكون الأمر كذلك ، فان صدق الخبر لا يقتضي حصوله ، بل يقتضي حصول الجزاء على تقدير حصوله. فصدق الشرطية في الآية الشريفة يقتضي تحقق الفساد على تقدير تحقق الشرط ، لا تحقق الفساد والشرط معاً ، كما في سائر القيود. ومن ذلك تعرف أن التحقيق أن التعليق في القضايا الشرطية التي يكون جزاؤها خبراً تارة ، وإنشاء أخرى ، إنما هو للمخبر به ، وللمنشإ ، لا لنفس الاخبار به أو إنشائه.

فإن قلت : إذا كان التعليق للمنشإ لا للإنشاء يلزم التفكيك بين المنشأ والإنشاء إذا كان المعلق عليه استقبالياً ، لحصول الإنشاء بالفعل ، وعدم حصول المنشأ ، وإلا كان خلفاً. والتفكيك بين الإنشاء والمنشأ كالتفكيك بين الإيجاد والوجود ممتنع ، لأن الإنشاء عين المنشأ ، كما أن الوجود عين الإيجاد ، والاختلاف إنما هو بالإضافة لا غير ، ويمتنع التفكيك بين‌

__________________

(١) الأنبياء : ٢٢.

٣٨١

الجمعة زوجتك فلانة » مع علمه بأنه يوم الجمعة ـ صح [١] وأما مع عدم علمه فمشكل [٢].

( مسألة ١٢ ) : إذا أوقعا العقد على وجه يخالف الاحتياط اللازم مراعاته فإن أراد البقاء فاللازم الإعادة على الوجه الصحيح [٣] ، وإن أراد الفراق فالأحوط الطلاق.

______________________________________________________

الشي‌ء ونفسه.

قلت : المنشأ حاصل حين الإنشاء ، لكنه معلق لا مطلق ، فإذا أنشأ البيع معلقاً على قدوم الحاج فقد حصل البيع المعلق على قدوم الحاج حال الإنشاء ، والذي لم يحصل هو البيع المطلق وهو غير المنشأ.

ولأجل ما ذكرنا لم يكن خلاف ولا إشكال في صحة الوصية التمليكية المعلقة على الموت ، وصحة التدبير ، وهو العتق المعلق على الموت ، وصحة النذر المعلق على أمر استقبالي. ودعوى أن صحة ذلك للدليل على خلاف القاعدة ، كما ترى ، خلاف المرتكزات العرفية.

ولأجل ذلك كان اللازم البناء في وجه المنع عن التعليق في العقود والإيقاعات هو الإجماع الذي يقتصر فيه على المتيقن.

[١] لعدم دخوله في معقد الإجماع ، بل المنسوب الى الفاضلين ، والشهيدين والمحقق الثاني ، وغيرهم : هو القول بالصحة.

[٢] لاحتمال عدم انعقاد الإجماع على البطلان فيه. لكن ظاهر شيخنا الأعظم في مكاسبه وصريح غيره ثبوت الإجماع على البطلان فيه. وإن كان مقتضى بعض الأدلة التي سيقت لإبطال التعليق عدم الشمول للمورد.

[٣] من المعلوم أن الزوجية موضوع أحكام لزومية ، مثل وجوب الإنفاق ، ووجوب الوطء في كل أربعة أشهر ، ونحو ذلك. وعدم الزوجية أيضا يكون موضوعاً لأحكام لزومية ، مثل حرمة الاستمتاع. فاذا ترددت‌

٣٨٢

وإن كان يمكن التمسك بأصالة عدم التأثير في الزوجية [١]. وإن كان على وجه يخالف الاحتياط الاستحبابي ، فمع إرادة البقاء الأحوط الاستحبابي إعادته على الوجه المعلوم صحته ، ومع إرادة الفراق فاللازم الطلاق.

( مسألة ١٣ ) : يشترط في العاقد المجرى للصيغة الكمال بالبلوغ ، والعقل ، سواء كان عاقداً لنفسه ، أو لغيره ، وكالة أو ولاية ، أو فضولا. فلا اعتبار بعقد الصبي [٢] ، ولا المجنون ولو كان أدواريا حال جنونه ، وإن أجاز وليه أو‌

______________________________________________________

المرأة بين الزوجة وغيرها فقد تردد المكلف بين أحكام إلزامية ، قد يمكن التخلص منها بالاحتياط وقد لا يمكن. فإذا أراد ترتيب أحكام الزوجية لا يكون معذوراً في مخالفة الأحكام الإلزامية لعدم الزوجية ، وإذا أراد ترتيب أحكام غير الزوجية لا يكون معذوراً في مخالفة الأحكام الإلزامية للزوجية. فلا بد له في الصورة الأولى من تجديد العقد على الوجه المعلوم الصحة من باب الاحتياط ، ليأمن من المخالفة الاحتمالية غير المعذور فيها ، وفي الصورة الثانية لا بد له من الطلاق من باب الاحتياط ، ليأمن أيضا من المخالفة الاحتمالية غير المعذور فيها.

[١] صحة التمسك بالأصل المذكور ينافي كون المورد من موارد الاحتياط اللزومي.

[٢] استدل له تارة : بحديث رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم‌ (١) ، بناء على أن الظاهر منه رفع الحكم أعم من التكليفي والوضعي. وفيه : أن الظاهر منه رفع قلم السيئات ، ولا يرفع الإلزام المؤدي إليها ، فلا‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤ من أبواب مقدمات العبادات حديث : ١١.

٣٨٣

______________________________________________________

يشمل ما نحن فيه. وأخرى : بالروايات المتضمنة منطوقاً أو مفهوماً عدم جواز أمر الصبي في البيع والشراء. كخبر حمزة بن حمران عن أبي جعفر (ع) في حديث أنه قال : « الجارية إذا تزوجت ودخل بها ولها تسع سنين ذهب عنها اليتم ، ودفع إليها مالها ، وجاز أمرها في الشراء والبيع. قال : والغلام لا يجوز أمره في الشراء والبيع ولا يخرج من اليتم حتى يبلغ خمس عشرة سنة ، أو يحتلم ، أو يشعر ، أو ينبت ، قبل ذلك » (١). وفيه :أن الظاهر من الجواز ما كان على نحو الاستقلال في مقابل الجواز الثابت حال البلوغ ، يظهر ذلك جداً بالتأمل في الرواية المتقدمة المشتملة على حكم الصبا والبلوغ معاً. وثالثة : بالروايات المتضمنة أن عمده بمنزلة الخطأ ، كصحيح محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (ع) : « عمد الصبي وخطؤه واحد » (٢) ‌ونحوه غيره. وفيه : أن الظاهر منه تنزيل العمد منزلة الخطأ فيما كان للخطإ حكم خاص به. ليكون التنزيل بلحاظه ، فيختص بالجناية العمدية. ولا يشمل ما نحن فيه مما لم يكن الحكم فيه إلا للعمد ، ويكون حكم الخطأ انتفاء حكم العمد لانتفاء موضوعه. بل التعبير بالعمد والخطأ اللذين تعارف التعبير بهما عن الجناية العمدية والخطأية ، تبعاً للقرآن المجيد (٣) ، وما في بعض تلك النصوص من التعرض للعاقلة‌ (٤) كالصريح في الاختصاص بالجنايات العمدية ، فيكون أجنبياً عما نحن فيه.

وقد يستدل على جواز تصرفه بإذن الولي بأمور : الأول : قوله تعالى : ( وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ ، فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً

__________________

(١) الوسائل باب : ٤ من أبواب مقدمات العبادات حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ١١ من أبواب العاقلة حديث : ٢.

(٣) النساء : ٩٢ ، ٩٣.

(٤) الوسائل باب : ١١ من أبواب العاقلة حديث : ٣.

٣٨٤

______________________________________________________

فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ ) (١) ، فإن الظاهر من ابتلائهم ابتلاؤهم بالمعاملة بالأموال ، لاختبار رشدهم. وحملها على الابتلاء بمقدمات العقد خلاف الظاهر. والمراد من قوله تعالى ( فَادْفَعُوا ) ادفعوا بقية أموالهم ، فلا ينافي دفع بعض أموالهم لأجل الابتلاء والاختبار.

الثاني : رواية السكوني عن أبي عبد الله (ع) : « نهى رسول الله (ص) عن كسب الإماء ، فإنها إن لم تجد زنت ، إلا أمة قد عرفت بصنعة يد. ونهى عن كسب الغلام الصغير الذي لا يحسن صناعة بيده ، فإنه إن لم يجد سرق » (٢) ‌، فان التقييد والتعليل ظاهران في نفوذ كسبه في الجملة. وإذا حمل النهي على الكراهة فالدلالة أظهر ، وحمله على الكسب بنحو الالتقاط والاحتطاب ، أو العمل بأمر الغير ـ مع أنه خلاف الإطلاق ـ بعيد. و‌رواية إبراهيم بن أبي يحيى عن أبي عبد الله (ع) : « قال تزوج رسول الله (ص) أم سلمة ، زوجها إياه عمر بن أبي سلمة ، وهو صغير لم يبلغ الحلم » (٣).

الثالث : السيرة التي ادعاها غير واحد من الأعلام على وقوع المعاملة مع الصبيان قبل البلوغ في بلاد الإسلام. وفي جميع الأعصار. وحملها على كونها صادرة من غير المبالين في الدين. كما ترى ، خلاف المقطوع به ، فان الظاهر استقرار سيرة العقلاء على المعاملة مع المميزين مع رشدهم كالبالغين. ولأجل عدم الردع عنها من الشارع المقدس جرى عليها المتشرعة. نعم تحقق الردع عن الاستقلال كما عرفت ، لا عن المعاملة كلية. فلاحظ.

فاذاً لا يبعد القول بجواز تصرف الصبي بإذن الولي ، كما عن جماعة ،

__________________

(١) النساء : ٦.

(٢) الوسائل باب : ٣٣ من أبواب ما يكتسب به حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ١٦ من أبواب عقد النكاح حديث : ١.

٣٨٥

أجاز هو بعد بلوغه أو إفاقته ، على المشهور ، بل لا خلاف فيه. لكنه في الصبي الوكيل عن الغير محل تأمل ، لعدم الدليل على سلب عبارته إذا كان عارفا بالعربية ، وعلم قصده حقيقة وحديث رفع القلم منصرف عن مثل هذا. وكذا إذا كان لنفسه بإذن الولي ، أو إجازته ، أو أجاز هو بعد البلوغ. وكذا لا اعتبار بعقد السكران فلا يصح ولو مع الإجازة بعد الإفاقة [١]. وأما عقد السكرى إذا أجازت بعد الإفاقة ففيه قولان ، فالمشهور [٢] أنه كذلك.

______________________________________________________

منهم الأردبيلي ، وقبله الفخر في الإيضاح ، وقبله المحقق في عارية الشرائع. قال : « ولو أذن الولي جاز للصبي مع مراعاة المصلحة ». وفي كتاب الإجارة قال : « لو أجر المجنون لم تنعقد إجارته. وكذا الصبي غير المميز. وكذا المميز إلا بإذن وليه. وفيه تردد ». وظاهره الميل الى الجواز.

وإذا شك في حصول الاذن حمل تصرفه على الصحة. وإذا أخبر بها صدق خبره ، من باب إخبار ذي اليد ، أو عن النفس.

[١] كما هو المشهور. لانتفاء القصد المقوم للإيقاع والإنشاء ، فلا عقد حينئذ ، فلا زوجية ولا نكاح. كذا قيل. لكن الظاهر تحقق القصد من السكران ، بل والنائم ، بل والحيوان ، إذ القصد الإرادة ، والحيوان فصله المميز له عن مطلق الجماد كونه متحركاً بالإرادة. فالعمدة في عدم صحة عقد السكران والنائم ونحوهما وإيقاعهم : خروجه عن منصرف أدلة النفوذ والصحة ، لعدم الاعتداد به عند العرف ، فلا يكون سبباً عندهم ، ولا منشأ لاعتبار الأثر ، فلا يكون سبباً شرعاً ، لما عرفت من أن مقتضى الإطلاقات المقامية الرجوع الى العرف في تشخيص الأسباب.

[٢] ظاهر المتن : اختصاص الخلاف في عقد السكرى فقط ، للرواية‌

٣٨٦

وذهب جماعة إلى الصحة [١] ، مستندين إلى صحيحة ابن بزيع [٢]. ولا بأس بالعمل بها ، وإن كان الأحوط خلافه ، لإمكان حملها على [٣] ما إذا لم يكن سكرها‌

______________________________________________________

الآتية وظاهر الشرائع : التردد في عقد السكران مطلقاً. وفي الجواهر : أنه محل الخلاف ، وأنه لا يختص الخلاف بعقد السكرى.

[١] قال الشيخ في النهاية : « وإذا عقدت المرأة على نفسها وهي سكرى كان العقد باطلاً. فإن أفاقت ورضيت بفعلها كان العقد ماضياً. فان دخل بها الرجل في حال السكر ثمَّ أفاقت الجارية فإن أقرته على ذلك كان ذلك ماضياً ». وتبعه ابن البراج. وحكي ذلك عن الصدوق في الفقيه والمقنع. وتبعهم على ذلك في شرح النافع ، والكفاية ، والحدائق ، والوسائل.

[٢] قال : « سألت أبا الحسن (ع) عن امرأة ابتليت بشرب النبيذ ، فسكرت فزوجت نفسها رجلا في سكرها ، ثمَّ أفاقت فأنكرت ذلك ، ثمَّ ظنت أنه يلزمها ففزعت منه ، فأقامت مع الرجل على ذلك التزويج ، إحلال هو لها أم التزويج فاسد لمكان السكر ، ولا سبيل للزوج عليها؟ فقال (ع) : إذا أقامت بعد ما أفاقت فهو رضاً منها. قلت : ويجوز ذلك التزويج عليها؟ فقال (ع) : نعم » (١). ودلالة الرواية وافية. وحملها في المختلف على سكر لم يبلغ حد عدم التحصيل. وأورد عليه في المسالك : بأنه حينئذ يكون العقد صحيحاً بلا حاجة الى تقريرها ، فالجمع بين صحة عقدها واعتبار رضاها بعد ذلك غير مستقيم. بل اللازم إما طرح الرواية رأساً ، أو العمل بمضمونها. ولعل الأول أولى. انتهى. لكن الأولوية ممنوعة بعد صحة الرواية ، والعمل بها.

[٣] قد عرفت أن هذا الحمل ذكره في المختلف ، وهو الظاهر من‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٤ من أبواب عقد النكاح حديث : ١.

٣٨٧

بحيث لا التفات لها الى ما تقول [١]. مع أن المشهور لم يعملوا بها ، وحملوها على محامل [٢] ، فلا يترك الاحتياط.

( مسألة ١٤ ) : لا بأس بعقد السفيه [٣] إذا كان وكيلا عن الغير في إجراء الصيغة ، أو أصيلا مع إجازة الولي. وكذا‌

______________________________________________________

قول السائل : « فزوجت نفسها ». ولا ينافيه قوله : « فأنكرت ذلك » ، لاحتمال أن يكون الإنكار بلحاظ كونه على خلاف مصلحتها ، لا بمعنى أنها لم تكن شاعرة بوقوعه منها. وحينئذ يكون الخروج بها عن القاعدة من جهة اعتبار الرضا بعد الإفاقة في ترتب الأثر على العقد الصحيح عرفاً. لا من جهة ترتب الأثر على ما ليس بصحيح عرفاً ، كما يظهر من الشيخ في النهاية ، وغيره.

[١] هذا هو المائز بين المقام وبين مثل عقد النائم والمجنون والسكران إذا كان الجنون والسكر غالباً على نحو يعد العقد منهما من قبيل الهذيان.

[٢] حملها في كشف اللثام على ما إذا كان الزوج جاهلاً بسكرها ، فإنه لا يسمع في حقه قول المرأة ، وتجري عليهما أحكام الزوجية ظاهراً ، وإن لم يكن لها زوجية واقعاً. وبعد ما علمت بالفساد فأحكام التزويج جائزة عليها ، أي : ماضية قهراً ، وإن وجب عليها الامتناع على التمكين منها ما أمكنها. فتكون الرواية واردة في مقام بيان الحكم في مقام الإثبات ، لا الثبوت. وهذا الحمل في غاية البعد ولم أقف على من حملها على غيره. والمتحصل مما ذكرنا : أن الرواية ظاهرة في السكر الذي لا ينافي الإيقاع ، ودالة على اعتبار الرضا بعد الإفاقة. ولا بأس بالعمل بها بعد صحتها ، وعمل الجماعة بها.

[٣] إجماعاً. ويقتضيه إطلاق الأدلة.

٣٨٨

لا بأس بعقد المكره [١] على إجراء الصيغة للغير ، أو لنفسه إذا أجاز بعد ذلك.

( مسألة ١٥ ) : لا يشترط الذكورة في العاقد [٢] ، فيجوز للمرأة الوكالة عن الغير في إجراء الصيغة كما يجوز إجراؤها لنفسها.

( مسألة ١٦ ) : يشترط بقاء المتعاقدين على الأهلية إلى تمام العقد ، فلو أوجب ثمَّ جن أو أغمي عليه قبل مجي‌ء القبول لم يصح [٣]. وكذا لو أوجب ثمَّ نام ،

______________________________________________________

[١] إجماعاً. ويقتضيه إطلاق الأدلة. وحديث رفع الإكراه‌ (١) لا يقتضي البطلان في الصورة الأولى ، لعدم الامتنان على المكره في الرفع. وكذا في الصورة الثانية ، بل الرفع خلاف الامتنان.

[٢] كما في الشرائع والقواعد وغيرهما. وفي الجواهر : « بلا خلاف ، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه ». وفي كشف اللثام : أنه كذلك عندنا ، خلافاً للشافعية. والوجه فيه : إطلاق الأدلة من دون مقيد. وفي نصوص كيفية عقد المتعة دلالة واضحة عليه.

[٣] قال في الشرائع : « إذا أوجب ثمَّ جن أو أعمى عليه بطل حكم الإيجاب ». وفي الجواهر قال في شرح ذلك : « بلا خلاف أجده فيه ، كما اعترف به بعضهم ». ومقتضى إطلاق كلامهم عدم الفرق بين استمرار ذلك الى حين القبول ، وبين ارتفاعه قبل القبول. ومثله ما لو كان القابل حال الإيجاب غير قابل للقبول. ومرجع ما ذكروه الى شرطين ، أحدهما : أن يكون كل من الموجب والقابل قابلا للإيقاع حال إيقاع الآخر. والثاني : أن يكون ذلك موجوداً فيما بين الإيجاب والقبول ، فلو أوجب ثمَّ نام ثمَّ‌

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ٥٦ من أبواب جهاد النفس.

٣٨٩

______________________________________________________

أفاق قبل قبول الآخر فقبل حال إفاقته لم يصح العقد.

واستدل عليه شيخنا الأعظم (ره) في مكاسبه بتوقف معنى المعاقدة والمعاهدة على ذلك. وفي الجواهر استدل عليه : بأن ظاهر أدلة شرطية القصد والرضا ونحوها في العقد اعتبار ذلك في تمام العقد المركب من الإيجاب والقبول ، لا اعتبار قصد الموجب في الإيجاب فقط ، وقصد القابل في القبول فقط ، فاذا ارتفعت القابلية بعد الإيجاب قبل القبول لم يحصل الشرط في تمام العقد. لكن في المسالك قال : « وجهه أن العقد اللازم قبل تمامه يكون بمنزلة الجائز ، يجوز لكل منهما فسخه ويبطل بما يبطل به الجائز ، ومن جملته الجنون ، والاغماء. ولا فرق بين النكاح والبيع وغيرهما من العقود اللازمة. ولا يضر عروض النوم ، كما لا يقدح ذلك في الوكالة. ولكن هل يصح الإتيان بالقبول من الآخر حالته؟ قيل : لا. وبه قطع في التذكرة ، لأن التخاطب بين المتعاقدين معتبر ، وهو منتف مع نوم صاحبه .. الى أن قال : ويحتمل الصحة هنا ، لأن الإيجاب توجيه الى هذا القابل قبل النوم. والأصل الصحة ». وظاهره المفروغية عن صحة العقد مع عروض النوم بعد الإيجاب ثمَّ الإفاقة حال القبول. واحتمل الصحة مع استمرار النوم الى حين القبول ، وإن كان يحتمل البطلان.

أقول : أما ما ذكره في الجواهر من الاستدلال ففيه : أن ظاهر أدلة اعتبار الرضا في العقد اعتباره ولو بعد العقد ، ولذا قلنا بصحة عقد الفضولي. وظاهر أدلة اعتبار القصد اعتبار قصد الموجب في الإيجاب فقط ، وقصد القابل في القبول فقط ، ولا تدل على اعتبار أكثر من ذلك. وأما ما ذكره في المسالك فالظاهر أنه تبع فيه ما في التذكرة ، فقد ذكر فيها أنه لو زال عقله بعد الإيجاب بنوم ثمَّ استيقظ لم يبطل حكم الإيجاب ، إن لم يحصل الفصل بطول الزمان ، لأنه لا يبطل العقود الجائزة ، فكذا هنا.

٣٩٠

______________________________________________________

انتهى. ولكنه غير ظاهر من أصله ، إذ لا دليل على كون الإيجاب في العقد اللازم بمنزلة العقد الجائز ، يبطله ما يبطله.

وأما ما ذكره شيخنا الأعظم (ره) فتحقيقه أن فقدان الأهلية من كل منهما حال إنشاء الآخر تارة : يكون لوجود مانع من التخاطب من الجنون والاغماء ونحوهما. واخرى : لوجود ما يمنع من السلطنة على التصرف ، كالصبا ، والسفه ، والتفليس ، ونحوها. أما الأول : فالظاهر البطلان فيه ، لأن التخاطب بين المتعاقدين شرط في صدق المعاقدة والمعاهدة. ودعوى : أن النفوذ لا يختص بذلك ، بل التجارة والبيع والنكاح ونحوها أخذت موضوعاً للصحة ، وهي لا تتوقف على التخاطب. مدفوعة : بأن صيغها وإن لم يؤخذ فيها التخاطب لكنه مأخوذ في حاق معناها ، فإنها معاقدات ومعاهدات بين طرفين ، ولا تكون المعاهدة بين الاثنين إلا إذا كان أحدهما يوحي الى الأخر ويعاهده ، وإذا لم يكن أحدهما قابلاً للخطاب لا يكون قابلاً للعهد معه. نعم يظهر من التذكرة عدم اعتبار التخاطب بين الموجب والقابل ، قال في الفرع الثالث : « لو قال المتوسط : ( زوجت ابنتك من فلان ) ، فقال : ( زوجت ) ، ثمَّ أقبل على الزوج فقال : ( قبلت نكاحها ) ، فقال : ( قبلت ) ، فالأقرب صحة العقد. وهو أصح وجهي الشافعي. لوجود ركني العقد الإيجاب والقبول. والثاني : لا يصح ، لعدم التخاطب بين المتعاقدين ». والأظهر ما ذكرناه ، إذ لا أقل من الشك في اعتبار ذلك عرفاً في مفهوم العقد ، والأصل عدم ترتب الأثر.

وأما ما لا يمنع من صحة التخاطب ولكنه يمنع من صحة الإنشاء ونفوذه : فالظاهر عدم اعتباره إلا في حال الإنشاء ، فإذا كان القابل صبياً وبلغ بعد الإيجاب حال القبول صح. وكذا إذا كان محجوراً عليه للسفه أو التفليس أو غيرهما فارتفع الحجر عنه بعد الإيجاب حال القبول. وإذا‌

٣٩١

بل أو غفل عن العقد بالمرة. وكذا الحال في سائر العقود. والوجه عدم صدق المعاقدة والمعاهدة. مضافاً الى دعوى الإجماع [١] وانصراف الأدلة [٢].

( مسألة ١٧ ) : يشترط تعيين الزوج والزوجة [٣]

______________________________________________________

صار الموجب سفيهاً أو مفلساً بعد الإيجاب قبل القبول لم يضر ذلك في صحة العقد ، وإن بقي حال القبول. فضلا عما إذا زال قبل القبول. ولا مجال لمقايسة ذلك بما إذا رد الموجب الإيجاب قبل القبول ، فإن لغوية الإيجاب حينئذ لا تقتضي لغويته في الطوارئ المذكورة ، لأن الرد مانع من تحقق المعاهدة بينهما ، بخلاف طرو الحجر عليه. فإنه لا دخل له في المعاهدة بين الطرفين بوجه. مع أنه لو تمت المقايسة اختص الحكم بطرو الحجر بعد الإيجاب ، ولا تصلح لإثبات اعتبار وجدان القابل للقابلية حال الإيجاب. فلاحظ.

[١] قد عرفت خلاف المسالك في النوم ونحوه مما لا يبطل به العقد الجائز ، بل عرفت أن ظاهره المفروغية عن الصحة إذا أفاق حال القبول.

[٢] إذا تحقق الإطلاق وعدم اشتراط ذلك عرفاً فالانصراف بدوي لا يعتد به.

[٣] إجماعاً ، كما في التذكرة. واتفاقاً ، كما في كشف اللثام. وفي الجواهر : حكاه عن غيره أيضا. وفي الحدائق : نسبته إليهم. فإن كان المراد ما يقابل المردد : فوجهه ظاهر لأن المردد لا مطابق له في الخارج ولا مصداق ، فلا يكون موضوعاً للاحكام. وإن كان المراد ما يقابل الكلي أيضا : فوجهه غير ظاهر ، لجواز بيع الكلي وإجارته المعتبر فيهما العلم بالعوضين ، ففي المقام الذي لا يعتبر فيه ذلك أولى. وعلله في التذكرة وغيرها : بأن الاستمتاع يقتضي فاعلاً ومنفعلاً معينين لتعينه. انتهى. لكنه‌

٣٩٢

على وجه يمتاز كل منهما عن غيره بالاسم ، أو الوصف الموجب له [١] ، أو الإشارة ، فلو قال : « زوجتك إحدى بناتي » بطل [٢]. وكذا لو قال : « زوجت بنتي أحد ابنيك » أو « أحد هذين ». وكذا لو عين كل منهما غير ما عينه الآخر [٣] بل وكذا لو عينا معيناً من غير معاهدة بينهما ، بل من باب الاتفاق صار ما قصده أحدهما عين ما قصده الآخر. وأما لو كان ذلك مع المعاهدة لكن لم يكن هناك دال على ذلك من لفظ أو فعل أو قرينة خارجية مفهمة فلا يبعد الصحة [٤] ،

______________________________________________________

لا يقتضي التعيين من أول الأمر ، ولذا تصح إجارة الكلي ، مع أن الانتفاع المقصود من الإجارة يتوقف على التعيين.

والمتعين أن يكون الوجه فيه : أن الزوجية من الإضافات التي لا تقوم بغير المتعينين ، نظير الأخوة والأبوة والبنوة ، فلا يصح اعتبارها بين غير المتعين ، كما لا يصح اعتبارها لغير الحي ، أو لغير الإنسان. والظاهر أن ذلك واضح بأقل مراجعة لمرتكزات العرف. وكيف كان فالإجماع المدعى كاف في إثبات المدعى.

[١] بأن كان الاسم أو الوصف مختصاً.

[٢] قال في التذكرة : « فلو قال : زوجتك إحدى ابنتي ، أو زوجت بنتي من أحدكما ، أو من أحد ابنيك ، لم يصح العقد بلا خلاف ».

[٣] لانتفاء التطابق بين الإيجاب والقبول ، الذي قد عرفت اعتباره في مفهوم العقد. ولأجل ذلك كان المناسب أن يجعل هذا من فروعه ، لا من فروع اعتبار التعيين. وكذا الكلام في الفرع الآتي. بل الحكم فيه أظهر.

[٤] وفي الجواهر : « الظاهر القطع بصحة ذلك ، كما صرح به في‌

٣٩٣

وإن كان الأحوط خلافه. ولا يلزم تمييز ذلك المعين عندهما حال العقد [١] ، بل يكفي التميز الواقعي مع إمكان العلم به بعد ذلك ، كما إذا قال : « زوجتك بنتي الكبرى » ولم يكن حال العقد عالماً بتاريخ تولد البنتين لكن بالرجوع الى الدفتر يحصل له العلم. نعم إذا كان مميزاً واقعاً ولكن لم يمكن العلم به ظاهراً ـ كما إذا نسي تاريخ ولادتهما ، ولم يمكنه العلم به ـ فالأقوى البطلان [٢] ، لانصراف الأدلة [٣] عن مثله. فالقول بالصحة والتشخيص بالقرعة ضعيف.

( مسألة ١٨ ) : لو اختلف الاسم والوصف أو أحدهما‌

______________________________________________________

كشف اللثام والمسالك. وتعذر الشهادة بعد عدم اشتراطها عندنا غير قادح ». وفي القواعد : « لو كان له عدة بنات فزوجه واحدة منهن ولم يذكر اسمها حين العقد فان لم يقصد معينة بطل ، وإن قصد صح ». وفي التذكرة : « لو كان له بنت واحدة اسمها فاطمة فقال : زوجتك فاطمة ، ولم يقل : بنتي فلأنه ، لم يصح العقد. لكثرة الفواطم. ولو نواها صح عندنا. وهو قول الشافعية. وليس بجيد على رأيهم ، لأن النكاح عقد يفتقر إلى الشهادة ، والشهود إنما يشهدون على اللفظ دون النية ».

[١] لإطلاق الأدلة من دون مقيد ظاهر ، كما نص على ذلك في الجواهر.

[٢] وفي الجواهر : « لعله لا يخلو من قوة ».

[٣] هذا غير ظاهر. وقد اعترف في الجواهر : بأن الصحة مقتضى إطلاق الأدلة ، المقتصر في الخروج عنه على المتيقن ، وهو العقد على غير المتميز في الواقع. وهو ظاهر القواعد وكشف اللثام أيضاً. لكن بعد ذلك احتمل الرجوع الى أصالة عدم النقل. ولم يتضح المراد منها. ولعله‌

٣٩٤

مع الإشارة ، أخذ بما هو المقصود [١] ، وألغي ما وقع غلطاً ، مثلاً لو قال : « زوجتك الكبرى من بناتي فاطمة » وتبين أن اسمها خديجة ، صح العقد على خديجة التي هي الكبرى. ولو قال : « زوجتك فاطمة وهي الكبرى » فتبين أنها صغرى ، صح على فاطمة ، لأنها المقصود ، ووصفها بأنها كبرى وقع غلطاً ، فيلغى. وكذا لو قال : « زوجتك هذه وهي فاطمة » أو « وهي الكبرى » فتبين أن اسمها خديجة ، أو أنها صغرى فان المقصود تزويج المشار إليها وتسميتها بفاطمة ، أو وصفها بأنها الكبرى وقع غلطاً ، فيلغى.

______________________________________________________

أراد أصالة عدم ترتب الأثر. لكن أصالة الإطلاق حاكمة عليها.

[١] قال في التذكرة : « لو قال له : زوجتك بنتي فلانة ، وسماها بغير اسمها ، ولا بنت له سوى واحدة ، فالأقوى الصحة. وهو أصح وجهي الشافعية. لأن البنتية صفة لازمة ، فيتعين ، ويلقى الاسم المذكور بعده. والثاني : لا يصح النكاح لأنه ليس له بنت بذلك الاسم. ولو قال : زوجتك هذه فاطمة ، وأشار إليها ، وكان اسمها زينب ، فالوجهان للشافعية ». ونحوه في الجواهر.

ومنشأ الاشكال : هو أن القيد أخذ على نحو تعدد المطلوب. أو وحدته ، فعلى الأول : يصح. وعلى الثاني : يبطل. ولا ينبغي التأمل في أن المرتكزات العرفية تقتضي الأول. ولذا بنوا مع تخلف الشرط على صحة العقد ، وخيار الاشتراط ، فلو قال : « بعتك هذا العبد الكاتب ». فتبين أنه غير كاتب ، صح العقد ، وكان له الخيار. نعم إذا كان القيد مقوماً للموضوع عرفاً وذاتياً من ذاتياته بطل العقد بفقده ، كما لو قال‌

٣٩٥

( مسألة ١٩ ) : إذا تنازع الزوج والزوجة في التعيين وعدمه حتى يكون العقد صحيحاً أو باطلاً فالقول قول مدعي الصحة [١] ، كما في سائر الشروط إذا اختلفا فيها. وكما في سائر العقود. وإن اتفقا الزوج وولي الزوجة على أنهما عينا معيناً وتنازعا فيه أنها فاطمة أو خديجة ، فمع عدم البينة المرجع التحالف [٢] ،

______________________________________________________

له : « بعتك هذا العبد الحبشي ». فتبين أنه حمار وحشي. ولأجل ما ذكرنا كان المناسب لصاحب الجواهر قدس‌سره الجزم بالصحة ، لا ذكر الوجوه والاحتمالات ، وترجيح الصحة. فلاحظ.

[١] قد عرفت أن التعيين المعتبر في صحة العقد ما يقابل العقد على المردد أو الكلي ، فمدعي التعيين يدعي وقوع العقد على المعين ، وخصمه يدعي وقوع العقد على الكلي أو على المردد ، فالنزاع يكون حينئذ في موضوع العقد. لكن في كون أصالة الصحة تصلح لإثبات موضوع العقد تأمل ، فإذا اختلف البائع والمشتري في أن البيع وقع على عبد البائع أو على ولده ، فإثبات وقوعه على العبد بأصل الصحة محل تأمل. والمتيقن أن أصالة الصحة إنما تثبت شرائط العقد ، لا مقوماته ، فجعل الجميع من باب واحد غير ظاهر. وكذا الحكم في سائر العقود.

[٢] يظهر من الجواهر أنه مفروغ عنه عندهم. لأن كلاً منهما مدع ومنكر لما يدعيه الأخر ، فإن أقام أحدهما البينة عمل بها ، لأن البينة على المدعي ، وإن لم يكن لأحدهما بينة كان على كل منهما اليمين التي هي وظيفة المنكر ، فان حلف أحدهما ونكل الآخر حكم للحالف ، وإن حلفا معا تبطل الدعويان معا. ومقتضى ذلك الانفساخ. وكذا لو أقام كل منهما البينة على دعواه.

٣٩٦

______________________________________________________

تنبيه فيه أمور :

الأول : أن كون المقام من باب التداعي لا من باب المدعي والمنكر مبني على أن المعيار في حصول التداعي والمدعي والمنكر مصب الدعوى ، فان دعوى الزوج أن العقد كان على فاطمة مثلاً خلاف الأصل ، فيكون بذلك مدعياً ، وكذا دعوى الولي أن العقد كان على خديجة مثلاً. أما إذا كان المعيار هو الغرض المقصود من الدعوى ، فقد يكون كل واحد منهما مدعياً ، بأن كان لكل واحد منهما غرض يقصد تحصيله ، فالزوج يدعي أنها فاطمة يقصد تمكينه من استمتاعه بها ، والولي يدعي أنها خديجة يطلب الإنفاق عليها ، فيكون كل واحد منهما مدعياً ومنكراً لما يدعيه الآخر. أما إذا كان الغرض لأحدهما دون الآخر ، كما إذا كانت فاطمة غائبة لا يمكن الاستمتاع بها ، فالمدعي يكون هو الولي لا غير. وكذلك إذا كانت خديجة ناشزاً أو غائبة على نحو لا تستحق نفقة مثلاً ، فالمدعي يكون هو الزوج لا غير. فالتداعي يتوقف على أن يكون الغرض من الدعوى من كل منهما المطالبة بحق.

الثاني : أن جعل الولي طرف الدعوى يتوقف على كونه ولياً في جميع الجهات وعلى جميع الحيثيات. أما إذا كان ولياً على العقد لا غير ـ كما هو الغالب ـ فهو لا يطالب بحق ولا يطالب بحق. وعلى التقدير الأول يكون من التداعي بالعرض ، لا بالأصل ، فإن الزوج يدعي الحق على فاطمة ، وخديجة تدعي الحق عليه ، فهناك خصومتان ، إحداهما بين الزوج وفاطمة ، والأخرى بينه وبين خديجة ، والزوج في الأولى مدع ، وفي الثانية منكر ، والولي كالوكيل للزوجتين ، ينكر دعوى الزوج على فاطمة ويدعي حقاً لخديجة عليه ، كما لو ادعى شخص على زيد ديناً ، وادعى عمرو على ذلك الشخص ديناً ، وقد وكل زيد وعمرو جميعاً بكراً على‌

٣٩٧

كما في سائر العقود [١]. نعم هنا صورة واحدة اختلفوا فيها وهي ما إذا كان لرجل عدة بنات ، فزوج واحدة ، ولم يسمها عند العقد ، ولا عينها بغير الاسم ، لكنه قصدها معينة. واختلفا فيها ، فالمشهور على الرجوع الى التحالف [٢] ، الذي هو مقتضى قاعدة الدعاوي. وذهب جماعة إلى التفصيل [٣] بين ما لو كان الزوج رآهن جميعاً فالقول قول الأب ، وما لو لم‌

______________________________________________________

المخاصمة مع ذلك الشخص ، وليس هو من التداعي في شي‌ء.

الثالث : أن الزوج تارة : يوكل الأمر إلى الولي ، فيزوجه الولي ، ثمَّ يقع النزاع بينهما في تعيين الزوجة. وأخرى : يشترك معه في العقد ، فتارة : يوجب الولي ويقبل الزوج. وأخرى : يوجب الزوج ويقبل الولي. ففي الصورة الأولى لا ينبغي التأمل في أن القول قول الولي بيمينه ، لأنه وكيل على العمل ، فيقبل قوله ، ويكون خصمه مدعياً. وأما في الصورة الثانية ، ففي كونه كالصورة الأولى لكون الموجب هو المنشئ والقابل تابع له ، وعليه يكون الحكم في الصورة الثانية أن القول قول الزوج. أولا ، لعدم الاستقلال للموجب في الإيقاع ، لكونه متوقفاً على القبول ، فيكون الفعل مشتركاً بينهما. وجهان ، أقواهما : الثاني.

[١] مما ذكرنا تعرف عدم اطراد الحكم المذكور في سائر العقود أيضا. وأشرنا الى ذلك في فصل التنازع من كتاب الإجارة من هذا الشرح. فراجع.

[٢] لم أقف على من نسب ذلك الى المشهور. نعم حكي عن الحلي ، والمسالك ، والروضة ، وشرح النافع. واختاره في جامع المقاصد.

[٣] نسب الى الشيخ في النهاية ، والقاضي ابن البراج. واختاره الفاضلان ، والشهيد في اللمعة ، وغيرهم. وفي المسالك : نسب ما ذكره المحقق الى أكثر الأصحاب.

٣٩٨

يرهن فالنكاح باطل. ومستندهم صحيحة أبي عبيدة الحذاء [١] وهي وإن كانت صحيحة إلا أن إعراض المشهور عنها [٢]

______________________________________________________

[١] رواها الكليني عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد. وعن علي بن إبراهيم عن أبيه ، جميعاً عن ابن محبوب ، عن جميل بن صالح عن أبي عبيدة قال : « سألت أبا جعفر (ع) عن رجل كن له ثلاث بنات أبكار ، فزوج إحداهن رجلا ، ولم يسم التي زوج للزوج ولا للشهود ، وقد كان الزوج فرض لها صداقاً ، فلما بلغ إدخالها على الزوج بلغ الزوج أنها الكبرى من الثلاثة ، فقال الزوج لأبيها : إنما تزوجت منك الصغيرة من بناتك. قال : فقال أبو جعفر (ع) : إن كان الزوج رآهن كلهن ولم يسم له واحدة فالقول في ذلك قول الأب. وعلى الأب فيما بينه وبين الله تعالى أن يدفع الى الزوج الجارية التي كان نوى أن يزوجها إياه عند عقدة النكاح. وإن كان الزوج لم يرهن كلهن ، ولم يسم له واحدة منهن عند عقدة النكاح ، فالنكاح باطل » (١). ورواه الصدوق بإسناده عن جميل بن صالح ، والشيخ بطريق فيه محمد بن عمرو.

[٢] قد عرفت أن الاعراض عنها إنما كان من الحلي ، الذي يعرف من مذهبه أنه لا يعمل بأخبار الآحاد. وتبعه على ذلك في الروضة والمسالك ، على ما قيل. وإن كان في المسالك ـ بعد ما حكى عن الحلي الرد ـ قال : « ولعله أجود .. الى أن قال بعد ذلك : وحينئذ يقوى الإشكال في رد هذه الرواية ، نظراً الى صحتها. وللتوقف في ذلك مجال ». وفي جامع المقاصد : جعل ما عن الحلي أقوى ، ومثله عن شرح النافع. وأما المحقق ، والعلامة ، وأكثر الأصحاب على ما تقدم في المسالك ، فقد عملوا بها. لكن بعد تخريجها وحملها على ما لا ينافي القواعد. فلم يكن منهم عمل‌

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ١٥ من أبواب عقد النكاح.

٣٩٩

مضافاً الى مخالفتها للقواعد [١] مع إمكان حملها على بعض المحامل [٢] ، يمنع عن العمل بها. فقول المشهور لا يخلو عن قوة. ومع ذلك الأحوط مراعاة الاحتياط. وكيف كان لا يتعدى عن موردها.

______________________________________________________

واعتماد ، ولا إعراض مسقط عن الحجية.

[١] المخالفة للقواعد لازمة لأكثر أدلة الاحكام ، ولا توجب وهناً ولا انحطاطاً عن مقام الحجية.

[٢] قال في الشرائع : « إذا كان للرجل عدة بنات ، فزوج واحدة ، ولم يسمها عند العقد ، لكن قصدها بالنية ، واختلفا في المعقود عليها ، فان كان الزوج رآهن فالقول قول الأب ، لأن الظاهر أنه أوكل التعيين اليه. وعليه أن يسلم إليه التي نواها. وإن لم يكن رآهن كان العقد باطلا ». ونحوه في القواعد وغيرها. لكن في المسالك : « دعوى أن رؤيتهن دلت على الرضا بما عينه الأب ، وعدمها على عدمه في موضع المنع ، لأن كل واحدة من الحالتين أعم من الرضا بتعيين الأب وعدمه. وليس في الرواية على تقدير الاعتناء بها دليل على ذلك. بل في هذا التنزيل تخصيص لها في الحالين. وحينئذ فاللازم إما العمل بالرواية من غير حمل ـ كما فعله الشيخ ـ أوردها رأساً والحكم بالبطلان في الحالين ـ كما فعل ابن إدريس ـ ولعله أجود ، لأن العقد لم يقع على معينة مخصوصة منها ، وهو شرط صحته ». ولأجل ذلك قال في كشف اللثام : « لا بعد في أن يكون التفويض إلى الولي جائزا في النساء اللاتي رآهن ، لأنهن تعين عنده ، دون من لم يرهن ، لكثرة الجهالة. لا أن الرؤية دليل على التفويض ، وأن التفويض جائز مطلقاً ». فحمل الرواية على بيان أن الرؤية شرط في صحة التفويض ، فاذا لم ير الزوج البنات لا يصح منه تفويض الأمر إلى‌

٤٠٠