مستمسك العروة الوثقى - ج ١٤

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١٤

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٣٧

______________________________________________________

الأمة ». وفي المختلف حكى عن الشيخين ، وابن البراج ، وسلار ، وابن حمزة : القول بتخيير الحرة في فسخ عقد الأمة وإمضائه. ثمَّ قال : « هل للحرة أن تفسخ عقد نفسها لو دخلت الأمة عليها؟ قال الشيخان : نعم. وبه قال ابن البراج ، وسلار ، وابن حمزة ». وقريب منه ما في كشف اللثام. فيكون قول الجماعة مركباً من دعويين. خلافاً لما يظهر من بعضهم من أن قول الشيخين هو تخير الحرة في عقد نفسها لا غير ، ولما تقدم عن الرياض من أن المنسوب الى الشيخين وأتباعهما هو تخير الحرة بين إجازة عقد الأمة وفسخه.

وكيف كان لا مجال لدعوى الإجماع على البطلان بعد شهرة الخلاف من القدماء. وحينئذ يتعين الرجوع الى النصوص. وقد عرفت مقتضى الجمع بين نصوص البطلان مطلقاً وصحيح ابن بزيع‌. وأما موثق سماعة‌ فمقتضى الجمع بينه وبين نصوص البطلان مطلقاً وصحيح ابن بزيع‌ : هو مذهب الشيخين ، المؤلف من دعويين ، كما عرفت. فيثبت البطلان مع عدم الاذن من الحرة بمفهوم الصحيح ، الموافق لنصوص البطلان مطلقاً. والصحة مع الاذن منها بمنطوق الصحيح ، لإطلاقه. وثبوت الخيار لها حينئذ في عقد نفسها بموثق سماعة‌. والطعن بالموثق بالضعف ـ كما في النافع والمسالك ـ ضعيف.

وفي الحدائق : اختار البطلان. وأجاب عن الموثق بأنه لا يقوى على معارضة نصوص البطلان. وكأنه لأن الموثق ظاهر في صحة عقد الأمة مطلقا ، في قبال نصوص البطلان مطلقاً. ولم يتعرض للصحيح. وكأنه بناء منه على عدم إطلاقه. وفيه : أنه غير ظاهر. فاذا قيد الصحيح إطلاق البطلان بمنطوقه ، أمكن أن يقيد بمفهومه إطلاق الصحة في الموثق. ومن ذلك يظهر الاشكال فيما في الرياض من أن الموثق يدل على صحة نكاح‌

٢٨١

الشرطين على الأحوط [١]. ولا فرق في المنع بين كون العقدين دواميين أو انقطاعيين أو مختلفين [٢] ، بل الأقوى عدم الفرق [٣] بين إمكان وطء الحرة وعدمه لمرض ، أو‌

______________________________________________________

الأمة ، فيعارضه نصوص البطلان اللازم تقديمها عليه. نعم يشكل الموثق بأنه‌ رواه في الكافي هكذا : « في رجل تزوج امرأة حرة وله امرأة أمة ، ولم تعلم الحرة أن له امرأة. قال : إن شاءت الحرة .. » (١). فلا يكون فيما نحن فيه. وكأنه لذلك لم يتعرض في الجواهر للاستدلال به على المسألة ، بل استدل بما رواه في الكافي للمسألة الثانية ، وفي تزويج الحرة على الأمة. واحتمال أن تكونا روايتين في واقعتين مع اتحاد السائل ، والمسؤول منه ، والسند ، والجواب على طوله. واشتماله على سؤالات وأجوبة متكررة من السائل والمجيب. بعيد ، ولا سيما وأن الكليني لم ينقل المتن الأول ، والشيخ لم ينقل المتن الثاني. فلو كانا حديثين لكان اللازم نقلهما معا ، لأنهما جميعاً رويا ذلك عن الحسن بن محبوب عن يحيى اللحام ، عن سماعة ، والظاهر أن ذلك كان في كتاب الحسن بن محبوب ، فما الذي دعى الى هذا التبعيض؟! وإنه لبعيد جداً. والمظنون قوياً أنها حديث واحد اختلف النقلان في موضوع سؤاله. ولا ينبغي التأمل في تقديم نقل الكليني مع معارضته لنقل الشيخ. ولم يتحقق استدلال الشيخين وأتباعهما به على القول بالتخيير في الفرض ، بل من الجائز أن يكون دليلهم شيئاً آخر ، كما تقدم في تزويج بنت الأخ والأخت على العمة والخالة. فراجع.

[١] على ما تقدم من الإشكال في أصل المسألة.

[٢] لإطلاق الأدلة.

[٣] يعني : في المنع إلا مع الإذن. لإطلاق أدلة المنع.

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٧ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ملحق حديث : ٣.

٢٨٢

قرن ، أو رتق ، إلا مع عدم الشرطين [١]. نعم لا يبعد الجواز [٢] إذا لم تكن الحرة قابلة للاذن لصغر أو جنون ، خصوصاً إذا كان عقدها انقطاعياً. ولكن الأحوط مع ذلك المنع.

وأما العكس ـ وهو نكاح الحرة على الأمة ـ فهو جائز ولازم إذا كانت الحرة عالمة بالحال [٣]. وأما مع جهلها فالأقوى خيارها في بقائها مع الأمة وفسخها ورجوعها إلى أهلها [٤]

______________________________________________________

[١] لم يتضح وجه هذا الاستثناء ، لأنه مع عدم الشرطين يكون المنع أولى. والمظنون أن هذا الاستثناء راجع الى الجواز المذكور بقوله : « نعم لا يبعد الجواز .. ». لكن نسخة الأصل كما هنا.

[٢] كما احتمل ذلك في الجواهر ، بناء على ظهور دليل اعتبار الاذن في القابلة ، فيبقى غيرها داخلا تحت عمومات الحل. ثمَّ احتمل العدم ، لإطلاق النهي عن نكاح الأمة على الحرة ، المقتصر في تقييده على صورة الاذن من القابلة ، ويبقى غيرها داخلا تحت عموم المنع. وهذا هو الموافق للقواعد ، لأن عموم المنع أخص من عموم الحل ، فيقدم عليه. ومنه يظهر ضعف ما عن المبسوط من القول بالصحة.

[٣] بلا خلاف فيه ولا إشكال ، لأصالة الحل واللزوم. وخصوص النصوص المتضمنة جواز تزويج الحرة على الأمة ، كما تقدم بعضها.

[٤] كما هو المعروف. ويشهد له‌ خبر يحيى الأزرق : « سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل كانت له امرأة وليدة ، فنزوج حرة ولم يعلمها بأن له امرأة وليدة. فقال (ع) : إن شاءت الحرة أقامت ، وإن شاءت لم تقم. قلت : قد أخذت المهر ، فتذهب به؟ قال (ع) : نعم ، بما استحل من فرجها » (١). ونحوه موثق سماعة المتقدم عن الكافي‌. وعن.

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٧ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ١‌

٢٨٣

والأظهر عدم وجوب أعلامها بالحال [١]. فعلى هذا لو أخفى عليها ذلك أبداً لم يفعل محرماً.

( مسألة ١ ) : لو نكح الحرة والأمة في عقد واحد مع علم الحرة صح [٢]. ومع جهلها صح بالنسبة إليها [٣] وبطل بالنسبة إلى الأمة [٤] ،

______________________________________________________

التبيان : أن للحرة الخيار في عقد الأمة أيضا ، كالخيار في عقد نفسها. ودليله غير ظاهر في مقابل عمومات اللزوم. وعن المبسوط : أنه رواية ولكنها لم تثبت.

[١] كما في الجواهر ، للأصل ، ولما يستفاد من الخبرين المذكورين. ومجرد كون الخيار من حقوقها لا يستلزم وجوب أعلامها به. على أن كون الخيار في المقام من الحقوق غير ظاهر ، حتى في حال العلم ، فضلا عن حال الجهل. وحكى في الجواهر عن الرياض أنه قال : « ولو أدخل الحرة على الأمة جاز ، ولزم علم الحرة بأن تحته أمة إجماعا ونصوصاً ». ثمَّ قال في الجواهر : « ولم نتحقق ذلك. ويمكن أن يريد الإجماع والنصوص على الحكم الأول .. » ولكن نسخة الرياض التي عندنا هكذا : « جاز ولزم مع علم الحرة .. » ، فلا إشكال عليه حينئذ.

[٢] بلا إشكال ظاهر ، لعمومات الصحة. ولزم ، لدليل اللزوم.

[٣] بلا إشكال لعمومات الصحة.

[٤] بلا إشكال فيه في الجملة. ويقتضيه‌ صحيح أبي عبيدة الحذاء عن أبي جعفر (ع) قال : « سئل أبو جعفر (ع) : عن رجل تزوج امرأة حرة وأمتين مملوكتين في عقد واحد. قال (ع) : أما الحرة فنكاحها جائز ، وإن كان سمى لها مهراً فهو لها. وأما المملوكتان فان نكاحهما في عقد

٢٨٤

إلا مع إجازتها [١]. وكذا الحال لو تزوجهما بعقدين في زمان واحد على الأقوى [٢].

( مسألة ٢ ) : لا إشكال في جواز نكاح المبعضة على المبعضة [٣]. وأما على الحرة ففيه إشكال [٤]. وإن كان لا يبعد جوازه [٥] ، لان الممنوع نكاح الأمة على الحرة ، ولا يصدق الأمة على المبعضة ، وإن كان لا يصدق أنها حرة أيضا.

______________________________________________________

مع الحرة باطل ، يفرق بينه وبينهما » (١).

[١] فيصح عقد الأمة حينئذ ، كما في المسالك والجواهر وغيرهما. وفي المسالك حكاه عن الشيخين وأتباعهما. وفي الرياض عن جماعة من الأعيان البطلان. ويقتضيه إطلاق صحيح أبي عبيدة المتقدم‌. لكن في الرياض احتمل الحمل على الغالب ، وهو صورة عدم الاذن وظاهره التردد في البطلان. وكذا قوله في القواعد : « كان عقد الأمة موقوفاً ، أو باطلاً ». لكن في الجواهر دعوى القطع بالصحة مع الاذن. وكأنه مستفاد مما تقدم في عقد الأمة على الحرة. وهو غير بعيد. وفي المختلف : « كان للحرة الخيار في فسخ عقد الأمة وإمضائه ، والخيار في عقد نفسها ، لأن العقد واحد وقع متزلزلاً ولا أولوية » ويشبه أن يكون من الاجتهاد في قبال النص.

[٢] فإنه وإن لم يدخل في عبارة النص صريحاً ، لكنه يدخل في مفهومه كما لا يخفى ، لإلغاء خصوصيته عرفاً.

[٣] فإنه لا يدخل في نصوص المنع ، فيرجع فيه الى عمومات الحل.

[٤] لاحتمال كون شرف الحرية هو الموجب للمنع عن الفاقد لها.

[٥] كما مال إليه في الجواهر ، لما ذكر في المتن.

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٨ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ١.

٢٨٥

( مسألة ٣ ) : إذا تزوج الأمة على الحرة فماتت الحرة أو طلقها أو وهب مدتها في المتعة أو انقضت لم يثمر في الصحة [١] بل لا بد من العقد على الأمة جديداً إذا أراد.

( مسألة ٤ ) : إذا كان تحته حرة فطلقها طلاقا بائناً يجوز له نكاح الأمة في عدتها [٢]. وأما إذا كان الطلاق رجعياً ففيه إشكال ، وإن كان لا يبعد الجواز ، لانصراف الاخبار عن هذه الصورة [٣].

( مسألة ٥ ) : إذا زوجه فضولي حرة فتزوج أمة ثمَّ أجاز عقد الفضولي ، فعلى النقل لا يكون من نكاح الأمة على الحرة فلا مانع منه ، وعلى الكشف مشكل [٤].

______________________________________________________

[١] لاستصحاب عدم ترتب الأثر. اللهم إلا أن يرجع الى عموم الصحة ، المقتصر في تقييده باعتبار إذن الحرة على صورة كونه عقد الأمة على حرة ، وهو غير صادق في الفرض.

[٢] إذ ليس عنده حرة ، فلا يكون من تزويج الأمة على الحرة ، الذي هو موضوع المنع ، فعموم الحل بحاله شامل له. اللهم إلا أن يرجع الى استصحاب حال ما قبل الطلاق. لكن التحقيق عدم جريانه في مثل المقام مقابل العموم.

[٣] لو سلم لا يجدي في الجواز ، لأن دليل تنزيل المطلقة رجعياً بمنزلة الزوجة كاف في ثبوت الحكم الأول ، المقدم على عموم الحل.

[٤] أما على الكشف الحقيقي : فلا ينبغي الإشكال في المنع ، لأنه بالإجازة ينكشف أن الحرة زوجة حين عقد الفضولي ، قبل عقد الأمة ، فيكون العقد على الأمة من تزويج الأمة على الحرة. وأما على الكشف‌

٢٨٦

( مسألة ٦ ) : إذا عقد على حرة وعقد وكيله له على أمة وشك في السابق منهما لا يبعد صحتهما [١]. وإن لم تجز الحرة. والأحوط طلاق الأمة مع عدم إجازة الحرة.

( مسألة ٧ ) : لو شرط في عقد الحرة أن تأذن في‌

______________________________________________________

الانقلابي : فعقد الأمة حين وقوعه لم يكن من تزويج الأمة على الحرة ، لكن بعد الإجازة وحكم الشارع بتحقق الزوجية حين عقد الفضولي ينقلب العقد على الأمة بعد أن لم يكن من تزويج الأمة على الحرة ، فيكون من تزويج الأمة على الحرة. نعم يشكل المنع : بأن الأدلة منصرفة عن مثل ذلك ، والظاهر منها تزويج الأمة على الحرة حين حدوثه ، وليس الأمر كذلك على هذا المبنى. وأولى منه بالإشكال لو بني على الكشف الحكمي.

[١] أما عقد الحرة : فمعلوم الصحة على كل حال ، سابقاً كان أو لاحقاً أو مقارنا. وأما عقد الأمة : فإن كان لاحقاً أو مقارناً فهو باطل إلا بإذن الحرة ، وإن كان سابقاً فهو صحيح. ومع الشك في الصحة يبنى على الصحة ، لقاعدة الصحة. وأما الأصول الموضوعية : فمقتضاها الصحة أيضا إذا علم تاريخ عقد الأمة ، لأصالة عدم وقوع العقد على الحرة سابقاً ، ولا حين وقوع العقد على الأمة ، فلا يكون عقد الأمة لمن كانت عنده حرة لا سابقا ولا مقارناً ، فيكون صحيحاً وأما إذا علم تاريخ عقد الحرة فأصالة عدم وقوع العقد على الأمة سابقاً ولا حين وقوع العقد على الحرة لا يقتضي صحة عقد الأمة ، بل يلازم فساده ، كما هو ظاهر. وحينئذ لا يمكن إثبات صحة عقد الأمة بالأصل الموضوعي في هذه الصورة ، ويتعين الرجوع الى أصالة الصحة. إلا أن يستشكل فيها ، لأن الشك ناشئ من الشك في الأمور الاتفاقية ، وجريانها في مثله محل إشكال وكلام.

٢٨٧

نكاح الأمة عليها صح. ولكن إذا لم تأذن لم يصح [١] ، بخلاف ما إذا شرط عليها أن يكون له نكاح الأمة.

فصل

في نكاح العبيد والإماء‌

( مسألة ١ ) : أمر تزويج العبد والأمة بيد السيد ، فيجوز له تزويجهما [٢] ولو من غير رضاهما ، أو إجبارهما على ذلك. ولا يجوز لهما العقد على نفسهما من غير إذنه [٣] ،

______________________________________________________

[١] تقدم الكلام في هذه المسألة في المسألة التاسعة عشرة من فصل المحرمات بالمصاهرة. فراجع.

فصل

في نكاح العبيد والإماء‌

[٢] بلا إشكال فيه ظاهر في الجملة. وسيأتي بيان التعرض لذلك في الفتاوى والنصوص في المسألة السادسة عشرة. وتقتضيه قاعدة السلطنة بعد ثبوت قابلية المحل ، فاذا كان للحر ولاية تزويج نفسه ، فالعبد تكون ولاية تزويجه لمولاه.

[٣] فقد طفحت بذلك عباراتهم من دون نقل خلاف أو احتمال خلاف في ذلك. وتقتضيه قاعدة السلطنة ، فإن ثبوت السلطنة على ذلك للمولى يقتضي نفيها عن غيره. مضافا الى قوله تعالى ( فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ ) (١) ، وبعض النصوص الآتية في المسألة الثانية.

__________________

(١) النساء : ، ٢٥.

٢٨٨

كما لا يجوز لغيرهما العقد عليهما كذلك [١] ، حتى لو كان لهما أب حر. بل يكون إيقاع العقد منهما أو من غيرهما عليهما حراماً إذا كان ذلك بقصد ترتيب الأثر [٢]. ولو لا مع إجازة المولى. نعم لو كان ذلك بتوقع الإجازة منه فالظاهر عدم حرمته ، لأنه ليس تصرفا في مال الغير عرفاً [٣] كبيع الفضولي مال غيره. وأما عقدهما على نفسهما [٤] من غير إذن المولى ، ومن غيرهما [٥] بتوقع الإجازة فقد يقال بحرمته [٦]

______________________________________________________

[١] لما عرفت ، من غير فرق بين أن يكون العاقد أباً حراً ، وغيره ، لعموم القاعدة للجميع.

[٢] لحكم العقل باستحقاق العقاب على ما يصدر من المكلف من فعل أو ترك بقصد التوصل الى الحرام ، فتكون الحرمة عقلية لا شرعية.

[٣] لاختصاص التصرف في مال غيره المحرم بما يكون تصرفا خارجياً ، وإيقاع التزويج ـ كإيقاع البيع الفضولي ـ من التصرف الاعتباري ، فلا يدخل في الدليل.

[٤] لم يتضح الفرق بين هذه المسألة وما قبلها ، فان ما قبلها كان في عقدهما على أنفسهما ، وعقد غيرهما عليهما ، وفي هذه المسألة كذلك.

[٥] التصرف من غيرهما لا يناسب التعليل الآتي ، فاللازم الضرب عليه. والمظنون أن أصل العبارة غير موجود فيه قوله : « ومن غيرهما ».

كما أن أصل العبارة السابقة هكذا : « نعم لو كان ذلك من غيرهما بتوقع الإجازة .. ». فتكون العبارة السابقة في إيقاع الغير لا غير ، وهذه العبارة في إيقاعهما لا غير. فحينئذ تختلف المسألتان. وقد راجعت نسخة الأصل فوجدتها كما ذكرنا ، على ما هو الظاهر.

[٦] يظهر ذلك من الجواهر ، فإنه بعد قول ماتنه : « لا يجوز للعبد‌

٢٨٩

لسلب قدرتهما وإن لم يكونا مسلوبي العبارة. لكنه مشكل ، لانصراف سلب القدرة عن مثل ذلك [١]. وكذا لو باشر أحدهما العقد للغير بإذنه أو فضولة ، فإنه ليس بحرام على الأقوى وإن قيل بكونه حراماً [٢].

( مسألة ٢ ) : لو تزوج العبد من غير إذن المولى وقف على إجازته ، فإن أجاز صح. وكذا الأمة على الأقوى [٣].

______________________________________________________

ولا للأمة أن يعقدا لأنفسهما نكاحاً إلا بإذن المالك » قال : « بل ولا يجوز ـ على الأصح ـ أن يعقدا لغيرهما أيضا ذلك ولا غيره من العقود. وإن كان لو وقع منهما ترتب الأثر وإن أثما » ، فحمل كلام الشرائع على نفي الجواز التكليفي. وفي الرياض : علل الحكم المذكور في متن الشرائع بأنهما ملك له ، فلا يتصرفان في ملكه بغير إذنه ، لقبحه. انتهى. ونحوه كلام غيرهما.

[١] هذا الانصراف غير ظاهر. نعم ما جرت السيرة على وقوعه بغير إذن الولي مخصص لعموم سلب القدرة. لكن في كون المقام منه غير ظاهر. ومن ذلك يشكل ما يأتي في قوله (ره) : « على الأقوى ».

[٢] تقدم ذلك عن الجواهر.

[٣] كما عن الأشهر ، أو الأكثر ، أو المشهور. وفي الشرائع : أنه الأظهر. وفي المختصر النافع : أنه أشبه. للتصريح بذلك في جملة من النصوص الواردة في العبد ، كمصحح زرارة عن أبي جعفر (ع) : « سألته عن مملوك تزوج بغير إذن سيده. فقال (ع) : ذلك الى سيده إن شاء أجازه. وإن شاء فرق بينهما. قلت : أصلحك الله تعالى ، إن الحكم بن عيينة وإبراهيم النخعي وأصحابهما يقولون : إن أصل النكاح فاسد ، ولا تحل إجازة السيد له. فقال أبو جعفر (ع) : إنه لم يعص الله سبحانه ،

٢٩٠

______________________________________________________

إنما عصى سيده ، فإذا أجازه فهو له جائز » (١). والمراد من معصية السيد فعله بغير إذنه ، كما أن المراد من عدم معصية الله سبحانه فعله بإذنه. توضيح ذلك : أن المعصية إنما يصح اعتبارها في التكليف ، فهي الجري على خلاف مقتضى التكليف ، كما أن الإطاعة الجري على وفق مقتضى التكليف ، والمقام لما لم يكن فيه تكليف ، لا من الله تعالى ، ولا من السيد ، تعين أن يكون المراد بالمعصية فيه معنى آخر ، وهو فعل ما لم يأذن به ، فمعصية السيد فعل ما لم يأذن به السيد. وعدم معصية الله تعالى عدم فعل ما لم يأذن به الله تعالى ، بأن كان فعله مأذوناً فيه منه تعالى ، فان عقد العبد لا قصور فيه في نفسه ، فهو مشروع ، ومأذون فيه من الله تعالى ، فلم يكن فعله معصية لله تعالى بهذا المعنى ، كما أنه لم يأذن فيه السيد ، فيكون فعله معصية للسيد بهذا المعنى. ويشير الى ما ذكرنا‌ خبر زرارة عن أبي جعفر (ع) قال : « سألته عن رجل تزوج عبده امرأة بغير إذنه ، فدخل بها ، ثمَّ اطلع على ذلك مولاه. قال (ع) : ذاك لمولاه إن شاء فرق بينهما ، وإن شاء أجاز نكاحهما. فان فرق بينهما فللمرأة ما أصدقها ، إلا أن يكون اعتدى فأصدقها صداقاً كثيراً. وإن أجاز نكاحه فهما على نكاحهما الأول. فقلت لأبي جعفر (ع) : فإن أصل النكاح كان عاصياً؟ فقال أبو جعفر (ع) : إنما أتى شيئا حلالاً ، وليس بعاص لله ، إنما عصى سيده ، ولم يعص الله ، إن ذلك ليس كإتيان ما حرم الله عليه ، من نكاح في عدة وأشباهه » (٢). ومن النصوص الواردة في العبد‌ صحيح معاوية بن وهب قال : « جاء رجل الى أبي عبد الله (ع) فقال : إني كنت مملوكاً لقوم ، وإني تزوجت امرأة حرة بغير إذن موالي ، ثمَّ أعتقوني

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٤ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٢٤ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ٢.

٢٩١

______________________________________________________

بعد ذلك ، فأجدد نكاحي أباها حين أعتقت؟ فقال (ع) له : أكانوا علموا أنك تزوجت امرأة وأنت مملوك لهم؟ فقال نعم ، وسكتوا عني ولم يغيروا علي. قال : فقال : سكوتهم عنك بعد علمهم إقرار منهم. اثبت على نكاحك الأول » (١). ونحوها خبر الحسن بن زياد الطائي‌ (٢) وغيره.

ومن التعليل في الصحيح يظهر عموم الحكم للأمة. مضافاً الى إطلاق النصوص الدالة على أنه لا يجوز تزويج الأمة إلا بإذن مولاها ، مثل‌ خبر أبي العباس البقباق : « قلت لأبي عبد الله (ع) : يتزوج الرجل بالأمة بغير علم أهلها. قال : هو زنا إن الله تعالى يقول ( فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ ) » (٣) ‌و‌موثق أبي بصير قال : « سألت أبا عبد الله (ع) : عن نكاح الأمة.قال (ع) : لا يصلح نكاح الأمة إلا بإذن مولاها » (٤) ‌بناء على عمومها للاذن بعد العقد ، كما تحقق ذلك في مبحث الفضولي. وقوله (ع) : « هو زنا » ‌مختص بصورة عدم الاذن ، كما يظهر من الاستشهاد بالآية الشريفة.

وقيل بالبطلان فيهما ، وهو المحكي عن أكثر القائلين ببطلان نكاح الفضولي ، وإن كان بعضهم بنى على الصحة في العبد ، كالشيخ في الخلاف والمبسوط ، فقد حكي عنه أنه استثنى نكاح العبد بدون إذن سيده. وفيه : أن البناء على بطلان الفضولي في النكاح ، لا يقتضي البناء عليه في المملوك ، للنصوص الخاصة به التي عرفتها.

وقيل بالبطلان ، وأن الإجازة كالعقد المستأنف. حكي عن النهاية والتهذيب والمهذب. لكن في كشف اللثام ـ تبعاً للمختلف ـ حمل البطلان‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ١.

(٤) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ٤.

٢٩٢

والإجازة كاشفة [١]. ولا فرق في صحته بها بين أن يكون بتوقعها ، أو لا بل على الوجه المحرم. ولا يضره النهي ، لأنه متعلق بأمر خارج [٢] متحد. والظاهر اشتراط عدم الرد منه‌

______________________________________________________

على التزلزل ، فيرجع هذا القول الى المشهور.

وقيل بالبطلان في الأمة ، والصحة في العبد ، حكي عن ابن حمزة. واختاره في الحدائق. للنصوص الواردة في الأمة ، المتضمنة أن نكاحها بغير إذن مولاها فاسد أو زنا بناء منه على عدم عمومها للاذن بعد العقد. وأما الصحة في العبد فلما تقدم من النصوص. وفيه : ما عرفت في وجه الاستشهاد بنصوص الأمة.

[١] قد تحقق في مبحث الفضولي : أن الإجازة كاشفة. على نحو الكشف الانقلابي ، بمعنى : أن الشارع حين الإجازة يحكم بصحة العقد ، وثبوت مضمونه. ومضمون العقد وإن كان نفس الزوجية لا الزوجية حين العقد ، إلا أن المرتكز العرفي كون الزوجية من قبيل المسبب عن العقد ، على نحو المسببات الحقيقية عن أسبابها ، بحيث لا تنفك عنها. وهذا الارتكاز قرينة على حمل عمومات الصحة والنفوذ على النحو المذكور من النفوذ ، أعني : النفوذ على نحو المقارنة. فلاحظ مبحث الفضولي من كتابنا نهج الفقاهة.

[٢] التحقيق : أن النهي في المعاملات سواء كان متعلقاً بأمر داخل أم خارج ، متحد مع المعاملة أو غير متحد ـ لا يقتضي فساد المعاملة ، فإن النهي عن البيع وقت النداء نهي عن أمر داخل ، بل عن نفس مضمون العقد ، ولا يقتضي فساد العقد ، ولا عدم ترتب المضمون. نعم في العبادات يمكن التفصيل بين النهي عن العبادة نفسها أو عن أمر داخل فيها ، كالجزء ، وبين النهي عن أمر خارج ، فإن الأول يقتضي الفساد ، والثاني لا يقتضيه إذا لم يكن المنهي عنه متحداً مع ذات العبادة ، ومع الاتحاد يقتضي الفساد ،

٢٩٣

قبل الإجازة ، فلا تنفع الإجازة بعد الرد [١]. وهل يشترط في تأثيرها عدم سبق النهي من المولى فيكون النهي السابق كالرد بعد العقد ، أولا؟ وجهان. أقواهما : الثاني [٢].

( مسألة ٣ ) : لو باشر المولى تزويج عبده أو أجبره على التزويج فالمهر إن لم يعين في عين يكون في ذمة المولى [٣]

______________________________________________________

إلا بناء على جواز اجتماع الأمر والنهي. ثمَّ إنك عرفت أن حرمة العقد لا بتوقع الإجازة عقلية ، لا شرعية ، فالنهي إرشادي من باب لزوم دفع الضرر ، لا شرعي ، فاستحقاق العقاب علة للنهي ، لا معلول له. ثمَّ إن صحة العقد الواقع على الوجه المحرم بالإجازة اللاحقة صريح النصوص المتقدمة.

[١] كما هو المشهور ، بل المدعى عليه الإجماع. وكأن الوجه فيه : أن الرد بمنزلة الحائل بين الإجازة والعقد ، فلا يمكن ارتباط الإجازة به ، كما إذا كان بعد الإيجاب قبل القبول ، فإنه مانع من ارتباط الإيجاب بالقبول عرفاً.

[٢] لعمومات الصحة. وعن جماعة : البناء على البطلان. وهو غير ظاهر الوجه ، إلا بناء على أن النهي السابق على العقد يستوجب وقوع الكراهة حال العقد وبعده آناً ما ، فيكون الكراهة بمنزلة الرد. وفيه : أن الكراهة لا تكون رداً ، ولذا يصح عقد المكره إذا أجاز بعد ذلك. وبالجملة : عمومات الصحة لا فرق في شمولها لعقد الفضولي بين سبق النهي وعدمه.

[٣] الكلام تارة يكون في المهر المذكور في متن العقد. وأخرى في المهر المستحق بالوطء إذا لم يذكر المهر في العقد. والظاهر أن مورد فرض المسألة الصورة الأولى. وحينئذ يكون الوجه فيه ظاهر ، لأن المهر المذكور لما لم يعين في ذمة ولا في عين انصرف الى ذمة العاقد المباشر‌

٢٩٤

ويجوز أن يجعله في ذمة العبد يتبع به بعد العتق مع رضاه. وهل له ذلك قهراً عليه؟ فيه إشكال [١] كما إذا استدان على أن يكون الدين في ذمة العبد من غير رضاه. وأما لو اذن له في التزويج فان عين كون المهر في ذمته ، أو في ذمة العبد أو في عين معين تعين [٢]. وإن أطلق ففي كونه في ذمته ، أو في ذمة العبد مع ضمانه له وتعهده أدائه عنه [٣] ، أو كونه في كسب العبد ، وجوه. أقواها : الأول [٤]. لأن الإذن في الشي‌ء إذن في‌

______________________________________________________

وعهدته ، وفي صورة الإجبار يكون الآمر بمنزلة المباشر. لكنه غير ظاهر. فالأولى إلحاق صورة الإجبار بالصورة الآتية.

[١] للإشكال في دخول الذمة تحت سلطان المالك ، لأن الملكية قائمة بالعبد لا بذمته ، فلا تكون ذمته مملوكة ، ولا تحت ولاية المالك. إلا أن يقال : إن الذمة من شؤون المملوك ، فتكون تحت ولاية مالكه. ويحتمل أن يكون وجهه الإشكال في أن العبد حر بعد العتق ، فكونه يتبع به بعد العتق حق عليه في حال الحرية ، فلا سلطان للمولى على جعله. إلا أن يقال : إن المجعول أن يكون عليه حال الرقية أن يدفعه حال الحرية ، فالحق المجعول عليه جعل عليه في حال الرقية ، لا في حال الحرية.

[٢] لأنه مقتضى سلطان المولى.

[٣] الظاهر أن المراد من الضمان التعهد بالأداء ، لا الضمان الاصطلاحي ، بأن يكون المهر في ذمة المولى بعد أن كان في ذمة العبد.

[٤] كما في الشرائع والقواعد ، وغيرهما. وحكي عن ابني حمزة وإدريس وفي المسالك : أنه المشهور ، وأنه الأصح. لأن الاذن في النكاح يستلزم الاذن في توابعه ولوازمه ، كما لو أذن له في الإحرام بالحج ، فإنه يكون‌

٢٩٥

لوازمه. وكون المهر عليه ـ بعد عدم قدرة العبد على شي‌ء ،

______________________________________________________

إذناً في توابعه من الافعال وإن لم يذكر. انتهى. لكن التعليل المذكور إنما يقتضي الاذن في جعل المهر ، لا كون المهر في ذمة المولى. نعم لو ثبت أن العبد لا ذمة له تعين أن يكون المهر المجعول المأذون في جعله في ذمة المولى. ولكنه غير ظاهر. بل خلاف المتسالم عليه. فقد ذكروا أنه إذا جعل المهر أكثر من مهر المثل كان الزائد على مهر المثل في ذمته. ومن ذلك يظهر الاشكال فيما في الجواهر من الاستدلال على المشهور بقوله : « ضرورة عدم ذمة العبد صالحة للاشتغال ، وإلا لكان المهر جميعه فيها ، ولم يقل به أحد ». وأما عدم كون المهر جميعه فيها إذا كان زائداً على مهر المثل فليس ذلك لعدم ذمة العبد ، بل من الجائز أن يكون لدليل آخر.

ولأجل ما ذكرنا من الاشكال على التعليل فسره في المتن : بأن المراد أن من لوازم الاذن في التزويج عرفا أن يكون المهر على المولى ، لعدم قدرة العبد وكونه كلاً على مولاه. فالجعل في ذمة العبد وإن كان ممكناً ، لكنه خلاف ظاهر الاذن عرفاً. فكأن مراد المسالك ذلك. وكذا قبله في جامع المقاصد ، فقد ذكر فيه التعليل بعينه ، بزيادة أن النكاح يمتنع إخلاؤه عن المهر ، والعبد لا يملك شيئاً ، فلا يجب عليه شي‌ء ، لامتناع أن يجب عليه ما لا يقدر عليه ، لامتناع التكليف بما لا يطاق. فيكون وجوبه على المولى. انتهى. فلو لم يكن تعهد من المولى بالمهر كان الاذن صورياً ، لا جديا. هذا بالنظر الى الغالب. ولذلك كان الاذن دالا على كون المولى متعهداً بالمهر بالدلالة العرفية. وليس من باب أن الاذن في الشي‌ء إذن في لوازمه ، بل من باب أن لازم الاذن عرفاً التعهد بالمهر. وكان الأولى لذلك إسقاط الجملة الأولى من التعليل ، والاقتصار على ما بعدها. وهو غير بعيد.

٢٩٦

وكونه كلاً على مولاه ـ من لوازم الاذن في التزويج عرفا. وكذا الكلام في النفقة. ويدل عليه أيضا في المهر رواية علي ابن أبي حمزة [١] ، وفي النفقة موثقة عمار الساباطي [٢]. ولو تزوج العبد من غير إذن مولاه ثمَّ أجاز ، ففي كونه كالاذن‌

______________________________________________________

[١] رواها عنه الحسن بن محبوب عن أبي الحسن (ع) : « في رجل يزوج مملوكاً له امرأة حرة على مائة درهم. ثمَّ إنه باعه قبل أن يدخل عليها. فقال (ع) يعطيها سيده من ثمنه نصف ما فرض لها. إنما هو بمنزلة دين له استدانه بأمر سيده » (١). ومن ذيلها يظهر أن التزويج كان من العبد بإذن المولى ، لا من المولى مباشرة كما يظهر من صدر الرواية ، وإلا لم ينسجم بذيلها. فلاحظ.

[٢] قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل أذن لعبده في تزويج امرأة فتزوجها ثمَّ ان العبد أبق من مواليه ، فجائت امرأة العبد تطلب نفقتها من مولى العبد. فقال (ع) : ليس على مولاه نفقة وقد بانت عصمتها منه. فإن إباق العبد طلاق امرأته .. » (٢). فإن تعليل نفي النفقة على المولى بأنها بانت عصمتها يدل على ثبوتها على السيد مع عدم البينونة.

وعن المبسوط وابني البراج وسعيد : أن المهر في كسب العبد. وفي كشف اللثام : « وهو عندي أقوى ، لأن الأصل براءة ذمة المولى. والاذن في النكاح لا يقتضي تعليق لازمه في الذمة ، وإنما يستلزم الاذن في لازمه ، وهو الكسب للمهر والنفقة ». وفيه : أنه لا مجال للأصل مع الدليل ، وقد عرفت أن من لوازم الاذن في النكاح عرفاً التعهد بالمهر والنفقة. ومنع استلزام الاذن في النكاح الاذن في الكسب والمهر ، بل لا بد في فعل‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٧٨ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٧٣ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ١.

٢٩٧

السابق في كون المهر على المولى ، أو بتعهده ، أولا ، وجهان [١].

______________________________________________________

الكسب من الاستئذان. وكذلك صرف النماء في الوفاء. نعم إذا كانت قرينة خاصة على ذلك كان العمل عليها. وأما الكلية فغير ظاهرة. بل لو كان العبد معتاداً للخدمة في المضيف أو المنزل ، فاذن له المولى في التزويج ، فذهب واشتغل بالكسب من نساجة وغيرها ، بلا إذن من المولى في ذلك كان شاذاً ومتمرداً على مولاه. ولذا قال في الجواهر : « ليس في الاذن ما يقتضي اختصاص ذلك بخصوص الكسب من أموال السيد ». والاشكال عليه ـ كما في رسالة شيخنا الأعظم ـ بأن مراد كاشف اللثام أنه لا تسلط عليه في إلزامه بالدفع من غير الكسب. ضعيف. كيف؟! ولم يقل بذلك أحد. وإنما القائلون بتعلقه في ذمة المولى يريدون بذلك أنه له الدفع من أي مال شاء من كسب أو غيره. والشيخ وأتباعه يعينون الدفع من الكسب. هذا إذا كان العبد كسوبا ، أما إذا لم يكن ، أو كان كسبه يقصر عن المهر ، بقي المهر في ذمته ، يتبع به بعد العتق. وقد يستفاد من كلام المبسوط : أنه يتعلق برقبته كأرش الجناية.

وفي الجواهر : « قد يقال : إنه في ذمة العبد ، لكونه عوض ما انتقل اليه من البضع ، ولكن يستحق على السيد أداؤه حالا ، أو عند حلول الأجل. ولعل هذا هو المراد من قولهم في ذمة السيد ، وأنه في عهدته أداؤه عن العبد ، وإلا فالمهر على الزوج نصا ، وفتوى ». وكأنه الى ذلك أشار في المتن بقوله : « أو في ذمة العبد .. » ، كما تقدم شرح المراد منه. وما ذكره (ره) غير بعيد عن الأذواق العرفية.

[١] أقربهما : الأول. لما ذكر فيما إذا كانت الاذن سابقة. وفي القواعد : « وإجازة عقد العبد كالإذن المبتدأة في النفقة. وفي المهر إشكال ». وفي كشف اللثام ـ في وجه الاشكال ـ : « أن العقد لما وقع تبعه المهر ،

٢٩٨

ويمكن الفرق بين ما لو جعل المهر في ذمته فلا دخل له بالمولى [١] وإن أجاز العقد. أو في مال معين من المولى أو في ذمته [٢] فيكون كما عين أو أطلق ، فيكون على المولى. ثمَّ إن المولى إذا أذن فتارة يعين مقدار المهر ، وتارة يعمم ، وتارة يطلق ، فعلى الأولين : لا إشكال. وعلى الأخير : ينصرف الى المتعارف [٣]. وإذا تعدى وقف على إجازته [٤]. وقيل : يكون الزائد في ذمته [٥] يتبع به بعد العتق. وكذا‌

______________________________________________________

ولم يلزم المولى حينئذ ، وأنها رضيت بكونه في ذمة العبد. وفيهما منع ظاهر ».

[١] قد عرفت أن عدم قدرة العبد على الأداء قرينة عرفية على إرادة تعهد المولى بالدفع من إجازته العقد السابق.

[٢] الصورتان المذكورتان غير داخلتين في محل الكلام ، إذ لا ريب في أن مقتضى الإجازة صحة تعيين المملوك.

[٣] قد تكرر بيان أن التعارف لا يوجب الانصراف المعتد به ، ولو أوجب ذلك لزم تأسيس فقه جديد. لكن بناء الفقهاء في باب التوكيل في البيع والشراء والإجارة وأمثالها. على الانصراف الى المتعارف ، وتقييد الإطلاق به ، فاذا تعدى الوكيل كان العقد فضوليا ، ولا يصح إلا بإجازة المالك. ووجهه : أن الوكيل يجب عليه ملاحظة مصلحة الموكل ، فالتعدي عن مهر المثل خلاف مصلحته. وكأنه في المقام كذلك. وعليه فلا بد من ملاحظة مصلحة المالك في تصرف العبد ، والتجاوز عن مهر المثل خلاف مصلحته. وإذا كان المهر في ذمة العبد يتبع به بعد العتق ، وقد أذن له المولى ، فلا بأس لو تجاوز المهر مهر المثل ، لأنه لا يرتبط بمصلحة المولى.

[٤] راجع الى الصورة الأولى والأخيرة ، التي يمكن فرض التعدي فيهما.

[٥] كما لعله المشهور ، والمصرح به في الشرائع والقواعد. وفي المسالك :

٢٩٩

الحال بالنسبة إلى شخص الزوجة ، فإنه إن لم يعين ينصرف إلى اللائق بحال العبد من حيث الشرف والضعة [١]. فإن تعدى وقف على إجازته.

( مسألة ٤ ) : مهر الأمة المزوجة للمولى [٢] ، سواء‌

______________________________________________________

ان الفرق بينه وبين الشراء بأكثر من ثمن المثل ـ حيث يبطل البيع من أصله إلا بإجازة المالك ، بخلاف المقام ـ : أن النكاح لا يتوقف على المهر ، ولا تلازم بينهما بخلاف البيع ، فان الثمن شرط في صحته. ويشكل : بأن ثبوت الزائد على العبد أيضا محتاج الى الاذن ، فمع عدمه لا يصح تصرف العبد ، ولا يثبت شي‌ء في ذمته. ولذا قال في جامع المقاصد : « إن الأنسب بالقواعد ثبوت الخيار للمولى في العقد أو الصداق ».

[١] قد عرفت الإشكال في الانصراف إذا لم يرجع الى مصلحة المالك. وحينئذ يتعين العمل بالإطلاق ، كما ذكره بعض. إلا إذا كان اللائق بحال العبد هو اللائق بحال المالك ، فإن التعدي عن ذلك خلاف مصلحة المالك حينئذ ، فيحتاج إلى الإجازة.

[٢] بلا خلاف ، كما في الرياض ، وبلا خلاف ، ولا إشكال ، كما في الجواهر ، واتفاقاً ، كما في رسالة شيخنا الأعظم. لأنه عوض منافعها المستوفاة منها ، فهو كأجرة الأمة المستأجرة. لكن عرفت أن باب النكاح ليس من قبيل المعاوضات ، والمهر المذكور في العقد لم يلحظ فيه عوضية. نعم المهر المستحق بالوطء لوحظ فيه ذلك. وكيف كان فالاتفاق المدعى كاف في استحقاق المولى للمهر. مضافاً الى‌ خبر أبي بصير عن أحدهما (ع) : « في رجل يزوج مملوكة له من رجل حر على أربعمائة درهم ، فعجل له مائتي درهم ، وأخر عنه مائتي درهم ، فدخل بها زوجها. ثمَّ إن سيدها باعها بعد من رجل ، لمن تكن المائتان المؤخرة على الزوج؟ قال (ع) :

٣٠٠