مستمسك العروة الوثقى - ج ١٤

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١٤

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٣٧

والظاهر أنه كذلك إذا وهب مدتها [١] ، وإن كان مورد النص انقضاء المدة.

( مسألة ٤٩ ) : إذا زنى بإحدى الأختين جاز له نكاح الأخرى في مدة استبراء الأولى. وكذا إذا وطئها شبهة جاز له نكاح أختها في عدتها ، لأنها بائنة. نعم الأحوط اعتبار الخروج عن العدة [٢] ، خصوصاً في صورة كون الشبهة من طرفه‌

______________________________________________________

تنقضي عدتها » (١). ونحوه ما رواه في الفقيه أيضا عن علي بن أبي حمزة‌ (٢) ، وما رواه في الكافي عن يونس‌ (٣) ، وما رواه أحمد بن محمد ابن عيسى في نوادره‌ (٤). وعن نهاية المرام : أن العمل به متعين. لكن في السرائر : « وهي رواية شاذة ، مخالفة لأصول المذهب ، لا يلتفت إليها ولا يجوز التعريج عليها ». ولأجل ذلك توقف في المتن عن الفتوى بمضمونها. بل إعراض الأصحاب عنها موجب لسقوطها عن الحجية ، فلا مجال للخروج عن القواعد المقتضية للجواز.

[١] لأجل أن المفهوم عرفاً : أن موضوع الحكم العدة الموجبة للعلقة ، وليس لانقضاء الأجل خصوصية في ذلك.

[٢] كأن الوجه في الاحتياط المذكور الخبر الآتي بناء على عدم فهم خصوصية مورده.

__________________

(١) التهذيب الجزء : ٧ صفحة ٢٨٧ طبعة النجف الحديثة ، الوسائل باب : ٢٧ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الملحق الثالث للحديث : ١.

(٢) من لا يحضره الفقيه الجزء : ٣ صفحة : ٢٩٥. الوسائل باب : ٢٧ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الملحق الأول للحديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٢٧ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ١.

(٤) الوسائل باب : ٢٧ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الملحق الرابع للحديث : ١.

٢٦١

والزنا من طرفها من جهة الخبر [١] الوارد في تدليس الأخت التي نامت في فراش أختها بعد لبسها لباسها.

( مسألة ٥٠ ) : الأقوى جواز الجمع بين فاطميتين [٢]

______________________________________________________

[١] وهو‌ صحيح بريد العجلي قال : « سألت أبا جعفر (ع) عن رجل تزوج امرأة فزفتها إليه أختها ، وكانت أكبر منها ، فأدخلت منزل زوجها ليلا ، فعمدت الى ثياب امرأته فنزعتها منها ، ولبستها ، ثمَّ قعدت في حجلة أختها ونحت امرأته وأطفأت المصباح ، واستحيت الجارية أن تتكلم ، فدخل الزوج الحجلة فواقعها ، وهو يظن أنها امرأته التي تزوجها ، فلما أن أصبح الرجل قامت إليه امرأته ، فقالت : أنا امرأتك فلانة التي تزوجت ، وان أختي مكرت بي فأخذت ثيابي فلبستها ، وقعدت في الحجلة ، ونحتني ، فنظر الرجل في ذلك فوجد كما ذكر. فقال : أرى أن لا مهر للتي دلست نفسها. وأرى أن عليها الحد لما فعلت حد الزاني غير محصن. ولا يقرب الزوج امرأته التي تزوج حتى تنقضي عدة التي دلست نفسها ، فاذا انقضت عدتها ضم إليه امرأته » (١). وهذا الصحيح نظير ما قبله يظهر من الأصحاب إعراضهم عنه ، لعدم تعرضهم لمضمونه. فالعمل به غير ظاهر. مع أن مورده وطء الزوجة قبل خروج أختها الموطوءة شبهة من عدتها ، وهو غير ما نحن فيه. اللهم إلا أن يستفاد منه حكم ما نحن فيه ، لعدم الفرق.

[٢] كما هو المعروف بين الأصحاب ، بل ظاهرهم الاتفاق عليه ، وفي الجواهر : « لم أجد أحدا من قدماء الأصحاب ولا متأخريهم ذكر ذلك في المكروهات ، فضلا عن المحرمات المحصورة في ظاهر بعض وصريح آخر في غيره ». وقال في الحدائق : « هذه المسألة لم يحدث فيها الكلام‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٩ من أبواب العيوب والتدليس حديث : ١.

٢٦٢

على كراهة. وذهب جماعة من الاخبارية إلى الحرمة والبطلان بالنسبة إلى الثانية [١]. ومنهم من قال بالحرمة دون البطلان فالأحوط الترك [٢]. ولو جمع بينهما فالأحوط طلاق الثانية أو طلاق الاولى وتجديد العقد على الثانية بعد خروج الاولى عن العدة ، وإن كان الأظهر على القول بالحرمة عدم البطلان لأنها تكليفية ، فلا تدل على الفساد [٣]. ثمَّ الظاهر عدم‌

______________________________________________________

إلا في هذه الأعصار الأخيرة. وإلا فكلام المتقدمين من أصحابنا رضوان الله عليهم والمتأخرين خال من ذكرها والتعرض لها. وقد اختلف فيها الكلام وكثر النقض والإبرام بين علماء عصرنا ، ومن تقدمه قليلا ، فما بين من جزم بالتحريم ، ومن جزم بالحل ، ومن توقف في ذلك :

[١] يظهر ذلك من الحدائق ، حيث قال : « والتحقيق : أن هذه المسألة مثل مسألة الجمع بين الأختين حذو النعل بالنعل. وحينئذ فالمخرج منها هنا كما تقدم ثمة ، وهو أن يفارق الثانية ، وإن طلقها فهو أولى ». ولم أعرف من وافقه على ذلك.

[٢] يظهر ذلك من الشيخ جعفر بن كمال الدين ، ولم يتحقق لدي موافق له على ذلك. نعم نسب الى الشيخ سليمان البحراني ، فقد حكي عنه أنه أمر رجلاً بطلاق إحدى نسائه ، وكانت عنده فاطميتان. ونسب إليه أيضا التوقف ، كما نسب الى الحر العاملي ، وهو ظاهر الوسائل ، حيث قال : « باب حكم الجمع بين اثنتين من ولد فاطمة (ع) ». وكيف كان فالقائل بالحرمة والبطلان أو بالحرمة فقط نادر من الأخباريين. ونسبته إلى جماعة منهم غير ظاهرة.

[٣] أما أنها تكليفية على تقديرها : فلأجل التعليل في الخبر بالمشقة ،

٢٦٣

الفرق في الحرمة أو الكراهة بين كون الجامع بينهما فاطمياً أو لا [١]. كما أن الظاهر اختصاص الكراهة أو الحرمة بمن كانت فاطمية من طرف الأبوين أو الأب ، فلا تجري في المنتسب إليها ـ صلوات الله عليها ـ من طرف الأم [٢]. خصوصاً إذا كان انتسابها إليها بإحدى الجدات العاليات. وكيف كان فالأقوى عدم الحرمة ، وإن كان النص الوارد في المنع صحيحاً ، على ما‌

______________________________________________________

رواه الصدوق في العلل بإسناده عن حماد [٣] قال : « سمعت أبا عبد الله (ع) يقول : لا يحل لأحد أن يجمع بين اثنتين من ولد فاطمة (ع) ، إن ذلك يبلغها‌ المحمولة على الإيذاء المحرم. لا لأجل القصور في موضوع العقد ، لتدل على الفساد.

[١] لاطلاق النص الآتي.

[٢] هذا يتم لو كان موضوع المنع الفاطميتين. لكن الموضوع من كان من ولد فاطمة ، وهو يصدق على من تولد منها ، ولو من البنات. كما ذكره في الجواهر ، وجعله من جملة وجوه الإشكال في الخبر ، لأنه لا يخلو منه كثير من الناس ، بل أكثر الناس. ولعله لذلك خص المصنف (ره) الحكم بغيره.

[٣] رواه عن محمد بن علي ماجيلويه ، عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن ابي عمير ، عن أبان بن عثمان ، عن حماد ، قال : « سمعت .. » (١) ‌و‌رواه الشيخ بإسناده عن علي بن الحسن ، عن السندي بن الربيع ( عن علي بن السندي عن محمد بن الربيع. خ ) عن

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٠ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ملحق حديث : ١.

٢٦٤

فيشق عليها. قلت : يبلغها؟ قال (ع) إي والله » ‌، وذلك لإعراض المشهور عنه [١] ، مع أن تعليله ظاهر في الكراهة. إذ لا نسلم أن مطلق كون ذلك شاقاً عليها [٢] إيذاء لها حتى يدخل في‌ قوله (ص) « من آذاها فقد آذاني ».

______________________________________________________

محمد بن أبي عمير ، عن رجل من أصحابنا ، قال : « سمعته يقول : لا يحل .. » (١).

[١] بل في الجواهر : « عن بعض الناس أنه من البدع ». واحتمل كون الخبر المزبور من انتحال أبي الخطاب ، نظير انتحاله أن العلويات إذا حضن قضين الصوم والصلاة. وكفى في تحقق الإعراض أنه لم يتعرض للحكم المذكور في كلام المتقدمين والمتأخرين ومتأخريهم إلى زمان المحدث البحراني وما قارب عصره ، ولم يتعرض له إلا جماعة من الأخباريين ، ولم يتضح البناء على الحرمة إلا من نادر منهم ، والباقون ما بين راد له ، ومتردد فيه.

[٢] هذا الاشكال ذكره في الحدائق ، وأجاب عنه بأن المشقة النقل والشدة والصعوبة ، وذلك يستلزم الأذى ، فان الأذى هو الضرر ، وهو أقل مراتب المشقة. وفيه : أن إيذاءها (ع) المنهي عنه يراد به الإيلام النفساني ، وهو غير لازم من المشقة ، فإنه إذا نزل على الإنسان ضيف عزيز يجد أعظم المشقة من نزوله للاهتمام في إكرامه وتهيئة الطعام ولوازم الضيافة له ، مع التلذذ النفساني في ذلك ، والصلحاء من الناس يتحملون المشقة في صيام شهر رمضان في الصيف ، مع التلذذ النفساني ، والمجاهدون في ميدان القتال والجلاد في أعظم مشقة ، مع التلذذ النفساني .. وهكذا. فالآلام النفسانية لا تلازم المشقة. نعم الحمل على الكراهة بقرينة التعليل المذكور موقوف على إثبات ان إدخال الشاق عليها مكروه. وهو غير‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٠ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ١.

٢٦٥

( مسألة ٥١ ) : الأحوط ترك تزويج الأمة دواماً مع عدم الشرطين [١] ،

______________________________________________________

ظاهر ، لجواز كونه حراماً ، كالإيذاء. فتأمل.

[١] بل هو المنسوب في كشف اللثام الى أكثر المتقدمين ، وحكاه في الحدائق عن المبسوط ، والخلاف ، والمفيد ، وابن البراج ، وابن الجنيد ، وابن أبي عقيل. وفي محكي كلام الأخير نسبته الى آل الرسول. لقوله تعالى ( وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ. وَاللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ ، فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ ، وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ. فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ. ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ. وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ. وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) (١) فان صدر الآية الشريفة ظاهر في اشتراط جواز نكاح الأمة بأن لا يستطيع طولا ، وظاهر ذيلها اشتراطه بخوف العنت. فلا يجوز إلا مع وجود الشرطين. و‌صحيح زرارة بن أعين عن أبي جعفر (ع) قال : « سألته عن الرجل يتزوج الأمة؟ قال (ع) : لا ، إلا أن يضطر الى ذلك » (٢). و‌موثق أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) : « في الحر يتزوج الأمة. قال (ع) : لا بأس إذا اضطر إليها » (٣). و‌موثق محمد بن مسلم ، قال : « سألت أبا جعفر (ع) عن الرجل يتزوج المملوكة. قال (ع) : إذا اضطر إليها فلا بأس » (٤).

__________________

(١) النساء : ٢٥.

(٢) الوسائل باب : ٤٥ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٤٥ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٤.

(٤) الوسائل باب : ٤٥ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٦.

٢٦٦

______________________________________________________

ونوقش في الاستدلال المذكور بالآية تارة : بمنع حجية مفهوم الشرط. ويدفعها : أن المحقق في الأصول الحجية. وأخرى : بمنع حجية مفهوم الشرط في قبال عمومات التحليل. ويدفعها : أن المفهوم كالمنطوق ، فقد يكون مقتضى الجمع العرفي تقديم المفهوم ، لكونه أخص ، كما في المقام. وثالثة : بأن دلالة المفهوم على المنع بدون الشرط إذا لم يكن وارداً مورد الإرشاد الى ما فيه مصلحة المكلف بل كان وارداً في مقام جعل الحكم الشرعي. ويدفعها ، أن قرينة سياق الآية في سياق آيات التحليل والتحريم يقتضي الثاني ، ولا سيما وكون الأصل في كلام الشارع ذلك ، لا الإرشاد ، حيث يدور الأمر بينهما. ورابعة : بأن الشرط في المقام شرط للوجوب أو الاستحباب ، فمع انتفائه ينتفي الوجوب أو الاستحباب لا الجواز. وفيه : أن الظاهر كونه شرطاً للجواز ، بقرينة السياق ، وقوله تعالى ( وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ ). وخامسة : بعدم ثبوت كون كلمة ( من ) بمنزلة ( إن ) في إفادة المفهوم. ويدفعها : أن الظاهر ذلك ، كما يظهر بمراجعة مباحث مفهوم الشرط في الأصول. وسادسة : بأن مقتضى المفهوم العموم للعبد ، وهو خلاف الإجماع على الجواز فيه بدون الشرط ، فيتعين رفع اليد عن المفهوم. ويدفعها : أنه لا مانع من البناء على تخصيص المفهوم بغير العبد ، كما في كثير من الموارد. وسابعة : بأن من المحتمل أن يكون المراد مما ملكت أيمانكم السراري والجواري. وفيه : ـ مع أنه لا يناسب الشرط ـ مناف لقوله تعالى : ( فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ .. ) ، فإنه صريح في التزويج. ومثل هذه المناقشات مناقشات أخرى يظهر اندفاعها بأقل تأمل. فإذاً لا مجال إلا للأخذ بظاهر الآية.

وأما النصوص : فتمكن المناقشة فيها بأن الضرورة أخص من الشرطين. فيتعين حمل النهي على الكراهة ، للإجماع على عدم اشتراط الجواز بالأخص منهما ، كما سيأتي. وفيه : أنه يمكن الجمع بين النصوص وغيرها بحمل‌

٢٦٧

من عدم التمكن من المهر للحرة ، وخوف العنت بمعنى : المشقة أو الوقوع في الزنا [١].

______________________________________________________

الضرورة على الشرطين. وهو أولى من التصرف بالحكم.

وقيل بالجواز ولو مع عدم الشرطين ، وفي الشرائع : أنه الأشهر. وعن الغنية : الإجماع عليه. لعمومات الحل التي يجب تقييدها بما سبق. ولما دل على أنه لا يجوز نكاح الأمة على الحرة بغير إذنها ، لاشعارها بالجواز في غير موردها من وجهين ـ كما في الرياض ـ أحدهما : تخصيص النهي بتزويجها على الحرة ، فلو عم النهي لخلا التقييد بالحرة عن الفائدة. والثاني : دلالتها على جواز تزويجها ولو في الجملة ، وهو ينصرف الى العموم ، حيث لا صارف له عنه. وفيه : أن الأدلة المذكورة واردة في مقام آخر ، ولا تعرض فيها لما نحن فيه. ووجود الحرة مع الاذن لا يوجب فقد أحد الشرطين. و‌لخبر يونس عنهم (ع) : « لا ينبغي للمسلم الموسر أن يتزوج الأمة إلا أن لا يجد حرة » (١) ‌، و‌خبر أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) : « لا ينبغي للحر أن يتزوج الأمة وهو يقدر على الحرة » (٢). ونحوهما مرسل ابن بكير ، عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (ع) (٣). لكن ظهور « لا ينبغي » في الجواز ممنوع. ولو سلم فليس بحيث يقوى على صرف الظواهر المتقدمة في المنع.

[١] حمله على المعنى الأول جماعة. وهو الأوفق بالمعنى اللغوي وعلى الثاني جماعة أخرى ، بل في مجمع البيان نسبته الى أكثر المفسرين ، وفي كشف اللثام نسبته الى المشهور. وكأن الذي دعى الى هذا الحمل ـ

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٥ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٤٥ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ٤٥ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٥.

٢٦٨

______________________________________________________

مع مخالفته للمعنى اللغوي ـ قوله تعالى : ( وَإِنْ تَصْبِرُوا .. ) ، إذ الصبر لا يكون إلا مع حصول المشقة ، ولا يكفي في تحقق مفهومه خوفها ، فيتعين إرادة الثاني ، إذ لا ثالث لهما. وعن بعض الفقهاء : أنه المعنى الشرعي للعنت ، نقل اليه عن المعنى اللغوي. لكنه ـ كما ترى ـ غير ظاهر.

والعلامة في القواعد مع أنه في هذا المقام فسر العنت بمشقة الترك ، قال في مبحث نكاح الإماء : « وخوف العنت إنما يحصل بغلبة الشهوة ، وضعف التقوى ». فكأنه حمل خشية العنت على خشية أثره مع تحققه فعلاً ، نظير قوله تعالى ( إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ ) (١) ، وقوله تعالى ( ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ ) (٢) ، لا على خشية نفسه ، نظير قوله تعالى ( تِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها ) (٣) ، وقوله تعالى ( خَشْيَةَ إِمْلاقٍ ) (٤). وعلى هذا لا يكون خلاف في معنى العنت ، بل الخلاف في معنى خوف العنت ، فهو بمعنى المشقة الشديدة ، وخوفه : إما بمعنى خوف وقوعه ، أو بمعنى خوف أثره بعد المفروغية عن وقوعه. فالمشهور على الثاني. وغيرهم على الأول. وبذلك يرتفع ظهور التنافي بين كلامي العلامة ، وترتفع الغرابة عن تفسير المشهور بخوف الزنا.

نعم يبقى الإشكال في وجه تخصيص الزنا من بين الآثار المترتبة على المشقة الشديدة ، التي يخاف مما يترتب عليها ، فإنه لا قرينة على إرادته من أثر العنت. بل من الجائز أن يكون المراد مطلق المحذور المترتب على المشقة ، سواء لم يكن بالاختيار ، مثل المرض ونحوه ، أم كان بالاختيار ، مثل‌

__________________

(١) فاطر : ٢٨.

(٢) البينة : ٨.

(٣) التوبة : ٢٤.

(٤) الاسراء : ٣١.

٢٦٩

______________________________________________________

الزنا ونحوه من المحرمات. اللهم إلا أن يقال : القسم الأول إذا كان مخوفاً يجب الاحتياط فيه. فيجب التزويج ، ولا يكون الصبر أفضل فيتعين حمله على القسم الثاني. لكن عرفت أنه لا قرينة على إرادة الزنا بالخصوص من بين المحرمات الشرعية ، بل من الجائز العموم للنظر المحرم ، واللمس المحرم ، وغيرهما. اللهم إلا أن يكون المراد من الزنا في كلامهم ما هو أعم من ذلك ، على أن الفرق بين ما يترتب بلا اختيار وما يترتب بالاختيار في وجوب التزويج في الأول ، وعدم وجوبه في الثاني ، غير ظاهر. إذ في المقامين لا يكون ترك التزويج مقدمة للحرام. فان ترك التزويج إنما يكون مقدمة لحرمة الزوجة ، إذ مع التزويج تحل ، وبدونه تحرم ، ولا يكون مقدمة لوقوع المرض ونحوه بلا اختيار ، ولا لوقوع الزنا ونحوه بالاختيار وهذا نظير ما يقال : « إن شراء الدواء واجب مقدمي لدفع المرض » ، فان الشراء إنما يوجب حل الشرب ، ولا يوجب دفع المرض ، وإنما الذي يدفع المرض شرب الدواء لا شراؤه. فالفرق بين القسمين في المقدمية للحرام ـ كي يدعي عدم جواز الصبر في القسم الأول ، وجواز الصبر في القسم الثاني ـ غير ظاهر. فاذاً لا مانع من كون ترك التزويج أفضل في المقامين. هذا بناء على أن الأفضلية حكم حقيقي. أما إذا كان حكماً فعلياً ، فلا يجوز في المقامين ، كما لا يخفى. وسيجي‌ء التعرض لذلك. فانتظر.

والذي يقتضيه العمل بالظاهر حمل العنت على المشقة الشديدة ، وحمل خوفها على خوف ما يترتب عليها من محذور شرعي أو عرفي. ودعوى : نقل العنت شرعاً الى خصوص الزنا. عرفت أنها لا دليل عليها ، كما لا قرينة على إرادته بالخصوص. فاللازم الأخذ بالإطلاق. ولا ينافيه قوله تعالى ( وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ ) الدال على أن ترك التزويج أفضل ، وهو لا يتم إذا لزم محذور شرعي منه ، لإمكان تخصيصه بما إذا لم يترتب‌

٢٧٠

بل الأحوط تركه متعة أيضا ، وإن كان القول بالجوار فيها غير بعيد [١]. وأما مع الشرطين فلا إشكال في الجواز.

______________________________________________________

ذلك عليه ، كما عرفت.

[١] كما حكاه في الحدائق عن شرح النافع. فخص المنع بالدائم ، لأنه المنصرف اليه من أدلة المنع. و‌لمصحح البزنطي عن أبي الحسن الرضا (ع) : « لا يتمتع بالأمة إلا بإذن أهلها » (١) ‌، و‌صحيحه الآخر عنه (ع) : « عن الرجل يتمتع بأمة رجل بإذنه؟ قال (ع) : نعم » (٢) ‌، و‌صحيحه الآخر المروي عن قرب الاسناد عنه (ع) : « أنه قال في الأمة : يتمتع بها بإذن أهلها » (٣) ‌، و‌صحيحه الآخر عنه (ع) قال : « سألته يتمتع بالأمة بإذن أهلها؟ قال (ع) : نعم. إن الله عز وجل يقول ( فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ ) » (٤).

وفيه : أن الانصراف ممنوع. بل الأنسب بقوله تعالى ( وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) الانصراف الى التمتع ، لما ورد في المتمتع بهن من أنهن مستأجرات‌ (٥). والنصوص واردة في مورد حكم آخر ، وهو اعتبار إذن المالك في صحة المتعة ، لرفع احتمال عدم اعتبار الاذن في المتعة ، كما يشير اليه‌ خبر سيف بن عميرة عن أبي عبد الله (ع) : « لا بأس بأن يتمتع بأمة المرأة بغير إذنها. فأما أمة الرجل فلا يتمتع بها إلا بأمره » (٦).

__________________

(١) الوسائل باب : ١٥ من أبواب المتعة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٥ من أبواب المتعة حديث : ٤.

(٣) الوسائل باب : ١٥ من أبواب المتعة حديث : ٥.

(٤) الوسائل باب : ١٥ من أبواب المتعة حديث : ٣.

(٥) راجع الوسائل باب : ٤ من أبواب المتعة حديث : ٢ ، ٤.

(٦) الوسائل باب : ١٤ من أبواب المتعة حديث : ١.

٢٧١

لقوله تعالى ( وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ .. ) الى آخر الآية [١]. ومع ذلك الصبر أفضل [٢] في صورة عدم خوف للوقوع في الزنا [٣].

______________________________________________________

ونحوه خبر داود بن فرقد‌ (١). ويشير الى ذلك صحيح البزنطي الثالث‌ حيث تمسك فيه بالآية الشريفة ، الدالة على أن التزويج متعة داخل في الآية الدالة على اعتبار إذن المالك في تزويج الأمة ، لدفع توهم خلاف ذلك. فاذاً التفصيل المذكور ضعيف.

ومثله التفصيل بين من عنده الحرة فلا يجوز ، وبين غيره فيجوز ، ولو مع فقد الشرطين. فعن الشيخ (ره) : أنه حكاه عن قوم من أصحابنا. لكن بعضهم أنكر وجود القول المذكور. وكيف كان فلا دليل عليه في قبال ما عرفت من أدلة المنع. ولذا كان الأولى إرجاعه إلى القول بالمنع. واستدل له‌ بمصحح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) : « قال تزوج الحرة على الأمة ، ولا تزوج الأمة على الحرة. ومن تزوج أمة على حرة فنكاحه باطل » (٢). ونحوه غيره. ودلالته على جواز تزوج الأمة لمن لم يكن عنده حرة ولو مع فقد الشرطين خفية.

[١] فان قوله تعالى : ( فَانْكِحُوهُنَّ .. ) صريح في الجواز.

[٢] لما في ذيل الآية الشريفة من قوله تعالى ( وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ ) ولا منافاة بين ذلك وبين اشتراط الجواز بخوف العنت. لإمكان تخصيصه بصورة ما إذا لم يترتب عليه محذور شرعي ، كما سيأتي.

[٣] قال في المسالك : « أطلق القائلون بجوازه بالشرطين أن الصبر له أفضل ، عملاً بظاهر قوله تعالى ( وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ ). وفي الجمع بين خيريته مع اشتراط الجواز بخشية العنت إشكال ». وجه الإشكال :

__________________

(١) الوسائل باب : ١٤ من أبواب المتعة حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ٤٦ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ١.

٢٧٢

كما لا إشكال في جواز وطئها بالملك [١] ، بل وكذا بالتحليل [٢] ولا فرق بين القن وغيره. نعم الظاهر جوازه في المبعضة ،

______________________________________________________

ما أشرنا إليه من أنه إذا كان ترك التزويج يترتب عليه الزنا ، يكون حراماً ، فيمتنع أن يكون أفضل. لكن عرفت ما فيه ، وأن ترك التزويج إنما يترتب عليه تحريم الزوجة ، ولا يترتب عليه الزنا. وإنما يترتب الزنا على حصول الشهوة ، نظير ترك شراء الدواء ، الذي لا يترتب عليه المرض ، وإنما يترتب على ترك استعمال الدواء. وحينئذ لا مانع من كون ترك تزويج الأمة أفضل في نفسه ، وإن كان يلازمه الوقوع في الزنا ، أو المرض ، أو نحوهما مما يحرم وقوعه اختياراً ، لعدم المقدمية ، ولا مانع من اختلاف المتلازمين في الأحكام.

لكن الظاهر من قوله تعالى ( وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ ) كونه حكماً فعلياً لا يصح مع تحريم ملازمه. فلا بد أن يختص بصورة ما إذا لم يلزم المحرم ، سواء كان اختيارياً كالزنا ونحوه ، أم لا كالمرض ونحوه. بأن يلزم منه ما ليس بمحرم كتشويش باله ، ووقوف أعماله ، ومكاسبه ، ونحو ذلك. فإنه حينئذ يكون الصبر أفضل. وهذا مما يؤكد ما ذكرناه من الإطلاق وعدم الاختصاص بالزنا. وفي الجواهر دفع الإشكال بأن الزنا بعد ما كان بالاختيار لم يكن ترك التزويج مقدمة محرمة ، كي ينافي ذلك كونه أفضل. وفيه : أن الظاهر من قوله تعالى ( خَيْرٌ لَكُمْ ) أنه أفضل فعلاً ، وأنه في مقام الحث عليه. وهو يتنافى مع تحريم ما يلازمه من الزنا ، كما عرفت.

[١] باتفاق المسلمين. وفي الجواهر : أنه لا ريب فيه.

[٢] بناء على التحقيق من أنه داخل في ملك اليمين ، وليس من قبيل التزويج. نعم بناء على الثاني يكون حكمه حكم الدائم ، كما في المسالك وغيرها.

٢٧٣

لعدم صدق الأمة عليها [١] ، وإن لم يصدق الحرة أيضا.

( مسألة ٥٢ ) : لو تزوجها مع عدم الشرطين فالأحوط طلاقها [٢]. ولو حصلا بعد التزويج جدد نكاحها إن أراد على الأحوط [٣].

( مسألة ٥٣ ) : لو تحقق الشرطان فتزوجها ثمَّ زالا أو زال أحدهما لم يبطل [٤] ولا يجب الطلاق.

______________________________________________________

[١] كما نص على ذلك في الجواهر ، وإن كانت الآية الشريفة لم يذكر فيها الأمة وإنما ذكر فيها ( ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ) ، وهو أيضا لا يشمل المبعضة ، فلا تدخل في أدلة المنع.

[٢] لاحتمال صحة النكاح ، فلا يجوز تركها بلا طلاق.

[٣] لاحتمال عدم صحته حين حدوثه.

[٤] كما في المسالك والجواهر ، لأن الشرطين ـ على تقدير اعتبارهما ـ شرط في الحدوث ، فاذا تحققا وصح حين حدوثه جرى استصحاب صحته بعد ذلك ، وإن زال الشرطان ، بل لو فرض أنه طلقها رجعياً جاز له الرجوع بها بعد فقد الشرطين ، لأنها بمنزلة الزوجة. واستشكل فيه في الحدائق. لخلو الفرض عن النص بنفي أو إثبات ، وعدم حجية الاستصحاب. وعن بعض العامة : بطلان العقد. والجميع ـ كما ترى ـ خلاف الأصل. بل خلاف النصوص الدالة على جواز نكاح الحرة على الأمة ، فإنها محمولة على صورة ما إذا تزوج الأمة لوجود الشرطين ، ثمَّ زال أحدهما بحصول الطول الى تزويج الحرة. بل‌ في صحيح محمد بن قيس عن أبي جعفر (ع) : « في الرجل نكح أمة فوجد طولاً إلى حرة وكره أن يطلق الأمة. قال (ع) : ينكح الحرة على الأمة ، إن كانت الأمة أولهما عنده » (١).

__________________

(١) ذكره بهذا المتن في الحدائق ـ عن البحار عن كتاب الحسين بن سعيد ـ في مسألة الجمع ـ

٢٧٤

( مسألة ٥٤ ) : لو لم يجد الطول أو خاف العنت ولكن أمكنه الوطء بالتحليل أو بملك اليمين يشكل جواز التزويج [١]

( مسألة ٥٥ ) : إذا تمكن من تزويج حرة لا يقدر على مقاربتها ، لمرض ، أو رتق ، أو قرن ، أو صغر ، أو نحو ذلك ، فكما لم يتمكن [٢]. وكذا لو كانت عنده [٣] واحدة من هذه ، أو كانت زوجته الحرة غائبة.

______________________________________________________

[١] بل في المسالك والجواهر : لم يجز له نكاح الأمة ، لفقد الشرط وهو خوف العنت. وحكى فيهما احتمال الجواز ، لأنه لا يستطيع طول حرة. وفيه : أن خوف العنت شرط آخر ، وهو مفقود. ومن ذلك يظهر الإشكال في توقف المصنف عن الفتوى. إلا أن يكون من باب الإشكال في الحكم في أصل المسألة. نعم يشكل فرضه خوف العنت مع إمكان الوطء بالتحليل أو بملك اليمين. وكأنه يريد خوف العنت لا من جهة العجز عن النكاح ، فإنه لا ينافي التمكن من نكاح الأمة. لكن الظاهر منه في الآية الشريفة الخوف الناشئ من العجز الشرعي عن النكاح ، بحيث يكون العجز عن النكاح داعياً اليه. وهذا المعنى لا يتحقق مع التمكن من نكاح الأمة بالملك والتحليل. ولذا قال في القواعد : « والقادر على ملك اليمين لا يخاف العنت ، فلا يترخص ».

[٢] لصدق عدم الطول على نكاح الحرة.

[٣] كما في المسالك والجواهر والحدائق. وفي الأخير : نسبته الى تصريح الأصحاب. لصدق عدم الطول على نكاح الحرة. والظاهر عدم‌

__________________

ـ بين الحرة والأمة الجزء : ٦ صفحة : ١١٧ الطبعة القديمة ولا يوجد في الوسائل ، والموجود فيها حديث آخر عن محمد بن قيس مختلف معه متنا متحد معه معنى راجع الوسائل باب : ٨ من أبواب القسم والنشوز والشقاق حديث : ٢.

٢٧٥

( مسألة ٥٦ ) : إذا لم تكفه في صورة تحقق الشرطين أمة واحدة ، يجوز الاثنتين [١]. أما الأزيد فلا يجوز ، كما سيأتي [٢].

( مسألة ٥٧ ) : إذا كان قادراً على مهر الحرة لكنها تريد أزيد من مهر أمثالها بمقدار يعد ضرراً عليه ، فكصورة عدم القدرة [٣] ، لقاعدة نفي الضرر. نظير سائر المقامات ،

______________________________________________________

الاشكال فيه ، كما يقتضيه ما سيأتي من جواز نكاح الأمة على الحرة بإذنها نصاً ، وفتوى. نعم إذا تمكن من بعض الاستمتاعات بها غير الوطء ، على وجه يزول خوف العنت ، لم يجز له نكاح الأمة ، لفقد الشرط الثاني.

[١] نسبه في الحدائق إليهم. لإطلاق دليل الجواز مع وجود الشرطين ، الشامل لمن لم يتزوج الأمة ولمن تزوجها.

[٢] وتقدم من أنه لا يجوز للحر نكاح أكثر من أمتين.

[٣] قال في المسالك : « لو وجدت الحرة ، وقدر على ما طلبته من المهر ، لكن طلبت أزيد من مهر مثلها ، بحيث تجحف بالزيادة ، ففي وجوب بذله ، وتحريم نكاح الأمة وجهان ، من تحقق القدرة المقتضية لوجود الطول. ومن لزوم الضرر والمشقة بدفع الزيادة ، وحمل القدرة على المتعارف. وهو قوي مع استلزام بذل الزيادة الإسراف عادة بحسب حاله ، أو الضرر. وإلا فالأقوى الأول ».

والمصنف (ره) فرض مجرد الضرر المالي. واستدل له بقاعدة نفي الضرر. ويشكل أولا : بأن قاعدة نفي الضرر تختص بما يلاحظ فيه المالية » كباب المعاوضات المالية ، والنكاح ليس منها ، فان المهر لم يلحظ فيه المعاوضة المالية ، فإن الزوجة لا كلا ولا بعضا تكون ملكا للزوج عوض المهر ، ولا حق له فيها أيضا لوحظ عوضا عنه. وانما عنوان الاصداق‌

٢٧٦

كمسألة وجوب الحج إذا كان مستطيعاً ولكن يتوقف تحصيل الزاد والراحلة على بيع بعض أملاكه بأقل من ثمن المثل ، أو على شراء الراحلة بأزيد من ثمن المثل ، فان الظاهر سقوط الوجوب وإن كان قادراً على ذلك. والأحوط في الجميع‌

______________________________________________________

عنوان آخر. ولذا لم يكن بناء الفقهاء على الرجوع الى قاعدة نفي الضرر فيما لو تزوج وأصدق أكثر من مهر المثل ، كما هو حكم المغبون. وثانياً : أن غاية ما تقتضيه القاعدة المذكورة نفي الحكم الذي يؤدي الى الضرر ، لا إثبات صحة تزويج الأمة مع فقد شرطه ، ولا إثبات شرطه. نعم إذا توقف التخلص من الوقوع في الحرام على تزويج الحرة المذكورة ، وكان تزويجها ضرراً مالياً ، سقط وجوب تزويجها. لكن لا يشرع صحة تزويج الأمة مع فقد شرطها. ووجوب التخلص من الحرام لا يقتضي مشروعيتها. وكذلك رفع السهو والنسيان لا يقتضي صحة الصلاة التي وقع فيها السهو والنسيان. ودليل نفي الحرج لا يقتضي صحة المركب الذي كان بعض أجزاءه حرجياً.

فالمتحصل : أن قاعدة نفي الضرر تصلح لنفي الحكم الضرري ، ولا تصلح لتشريع الحكم الذي به يرتفع الضرر. ومن ذلك يظهر الإشكال في مقايسة المقام بمسألة وجوب الحج ، إذا توقف على بيع بعض أملاكه بأقل من ثمن المثل ، أو شراء الراحلة أو الزاد بأكثر من ثمن المثل ، فإن القاعدة هناك جارية على مقتضاها من نفي الحكم الضرري ، فينتفي وجوب الحج ، لأنه ضرري. وهنا يقصد إثبات صحة تزويج الأمة بالقاعدة ، وهي لا تصلح لذلك. مضافاً الى أن الذي اختاره المصنف عدم سقوط الحج بذلك. فراجع المسألة السابعة من مبحث الاستطاعة من حيث المال.

٢٧٧

اعتبار كون الزيادة مما يضر بحاله [١] لا مطلقاً.

فصل

الأقوى جواز نكاح الأمة على الحرة مع إذنها [٢].

______________________________________________________

[١] كما فرضه في المسالك. وحينئذ يجوز التزويج لصدق عدم الاستطاعة عرفاً من نكاح الحرة. وليس من باب التمسك بقاعدة نفي الضرر.

تنبيه

حكي عن المفيد (ره) أنه قال : « ومن تزوج أمة وهو يجد طولا لنكاح الحرائر خالف الله عز وجل وشرطه عليه. إلا أنه لا ينفسخ بذلك نكاحه » ، وحكي مثله عن ابن البراج. وظاهره صحة العقد ولزوم الإثم. فتكون الحرمة تكليفية. وفيه : أن ذلك خلاف ظاهر الأدلة والآية وغيرها من الإرشاد الى عدم حصول الزوجية ، كما في أمثال المقام.

فصل‌

[٢] كما هو المعروف. نعم عن الشيخ : أنه حكي عن قوم من أصحابنا عدم الجواز ، وإن أذنت. ولعله أراد صورة عدم خوف العنت ، لوجود الحرة. وحينئذ يكون في محله. وإلا فلا ينبغي التأمل في بطلانه. وفي الجواهر : « الإجماع بقسميه عليه ». ويشهد له‌ صحيح محمد بن إسماعيل ابن بزيع : « سألت أبا الحسن (ع) هل للرجل أن يتمتع من المملوكة بإذن أهلها وله امرأة حرة؟ قال (ع) : نعم إذا رضيت الحرة. قلت : فان

٢٧٨

والأحوط اعتبار الشرطين [١] من عدم الطول وخوف العنت وأما مع عدم إذنها فلا يجوز ، وإن قلنا في المسألة المتقدمة [٢] بجواز عقد الأمة مع عدم الشرطين ، بل هو باطل [٣].

______________________________________________________

أذنت الحرة يتمتع منها؟ قال (ع) : نعم » (١).

[١] على ما تقدم. وتوقف المصنف هنا من أجل توقفه في أصل المسألة ، كما سبق.

[٢] يعني مسألة الإحدى والخمسين.

[٣] بلا خلاف ظاهر ، لمصحح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) : « قال تزوج الحرة على الأمة ، ولا تزوج الأمة على الحرة. ومن تزوج أمة على حرة فنكاحه باطل » (٢) ‌، و‌خبر أبي بصير : « سألت أبا عبد الله (ع) : عن نكاح الأمة. فقال : تزوج الحرة على الأمة ، ولا تزوج الأمة على الحرة. ونكاح الأمة على الحرة باطل .. » (٣). و‌خبر محمد ابن الفضيل عن أبي الحسن (ع) : « قال لا يجوز نكاح الأمة على الحرة .. » (٤) ‌و‌خبر الحسن بن زياد : « قال أبو عبد الله (ع) : تزوج الحرة على الأمة ، ولا تزوج الأمة على الحرة .. » (٥). ونحوها غيرها. ودلالة الجميع على البطلان ما بين صريحة وظاهرة. ومقتضى إطلاقها : البطلان مطلقاً. وإن أذنت الحرة كما تقدمت حكاية ذلك عن قوم من أصحابنا. لكن عرفت لزوم تقييدها بصورة عدم إذن الحرة ، لصحيح ابن بزيع المتقدم‌. وهو‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٦ من أبواب المتعة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٤٦ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٤٦ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٢.

(٤) الوسائل باب : ٤٦ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٤.

(٥) الوسائل باب : ٤٦ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٥.

٢٧٩

نعم لو أجازت بعد العقد صح على الأقوى [١] بشرط تحقق‌

______________________________________________________

وإن كان مورده المتعة ، إلا أنه لا قائل بالفرق بينها وبين الدوام. كما في الرياض. ولا سيما بملاحظة دعوى الإجماع على الصحة مع الاذن ، كما عن التبيان ، والسرائر ، والتذكرة ، والمسالك.

[١] كما في الجواهر والمسالك ، لإطلاق صحيح ابن بزيع المتقدم‌ ، الذي عرفت تقييد نصوص البطلان به. فيكون المتحصل من الجمع بين النصوص : هو البطلان ما لم تأذن سابقا ، أو لاحقاً. خلافاً لما في الشرائع وغيرها من البطلان. بل عن المبسوط ، وظاهر التبيان ، والسرائر : الإجماع عليه ، واختاره في الرياض ، اعتماداً على ذلك. وهو كما ترى ، لشهرة الخلاف. فقد حكى في المختصر النافع قولا : بأن للحرة الخيار بين إجازة عقد الأمة وفسخه. ونسبه في الرياض الى الشيخين وابني البراج وحمزة ، فكيف يكون البطلان إجماعيا؟ وكيف يعتمد على نقل الإجماع على البطلان مع العلم بالخلاف؟!.

وحكى في المسالك عن الجماعة : القول بالخيار للحرة بين فسخ عقد الأمة وإمضائه ، وعقد نفسها وإمضائه ، لموثق سماعة عن أبي عبد الله (ع) : « عن رجل تزوج امة على حرة. فقال : إن شاءت الحرة أن تقيم مع الأمة أقامت ، وإن شاءت ذهبت إلى أهلها. قال : قلت : فان لم ترض بذلك وذهبت إلى أهلها ، فله عليها سبيل إذا لم ترض بالمقام؟ قال (ع) : لا سبيل له عليها إذا لم ترض حين تعلم. قلت : فذهابها إلى أهلها طلاقها؟ قال (ع) : نعم إذا خرجت من منزله أعتدت ثلاثة أشهر أو ثلاثة قروء ، ثمَّ تتزوج إن شاءت » (١). قال في المسالك ـ بعد ذكر الموثق ـ : « وهو يدل على جواز فسخها عقد نفسها. ويسهل بعده القول بجواز فسخ عقد‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٧ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٣.

٢٨٠