مستمسك العروة الوثقى - ج ١٤

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١٤

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٣٧

( مسألة ١٢ ) : لا فرق بين المسلمتين والكافرتين والمختلفتين [١].

( مسألة ١٣ ) : لا فرق في العمة والخالة بين الدنيا منهما والعليا [٢].

( مسألة ١٤ ) : في كفاية الرضا الباطني منهما من دون إظهاره ، وعدمها وكون اللازم إظهاره بالاذن قولا أو فعلا وجهان [٣].

______________________________________________________

فالاعتماد عليهما في ذلك غير ظاهر. وكأنه لذلك قال في الجواهر : « قد يقال : إن مقتضى ما ذكرنا جواز الجمع بينهما بعقد واحد بغير إذن منهما ، لاختصاص النصوص باعتبار الاذن لهما في صورة إدخالهما على العمة والخالة. اللهم إلا أن يستفاد حكم ذلك مما تسمعه في الجمع بين الحرة والأمة بعقد واحد ، بناء على اتحادهما في كيفية دلالة الدليل ، وقد ورد الخبر الصحيح هناك بصحة عقد الحرة دون الأمة ، أي مع عدم الاذن. فلاحظ وتأمل جيداً ». أقول : الوجه الثاني أضعف مما قبله ، لأنه أشبه بالقياس.

[١] لإطلاق الأدلة. اللهم إلا أن يقال : الاحترام المعلل به المنع في النصوص‌ (١) لا يقتضي المنع في صورة كون العمة أو الخالة كافرة.

[٢] كما عن المبسوط : الجزم به. واختاره جماعة. وقواه في الجواهر : واستشكل فيه في القواعد وغيرها ، للاشتراك في العلة ، ولاحتمال صدق العمة والخالة وبنت الأخ والأخت. ولزوم الاقتصار على المتيقن في الخروج عن عموم الحل. لكن الأول أقرب.

[٣] المذكور في أكثر النصوص اعتبار الاذن ، وفي خبر علي بن جعفر (ع) اعتبار الرضا. والجمع العرفي يمكن أن يكون بالتقييد ، فلا بد من الرضا والاذن معاً. ويمكن أن يكون بجعل الاذن طريقاً الى الرضا ، فيكون الشرط الرضا لا غير. والثاني أقرب ، فيكون الرضا هو الشرط والاذن طريق اليه ، فاذا حصل الرضا صح العقد واقعاً ، وإذا علم الرضا‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ١٠.

٢٠١

( مسألة ١٥ ) : إذا أذنت ثمَّ رجعت ولم يبلغه الخبر فتزوج لم يكفه الاذن السابق [١].

( مسألة ١٦ ) : إذا رجعت عن الاذن بعد العقد لم يؤثر في البطلان [٢].

( مسألة ١٧ ) : الظاهر كفاية إذنهما وإن كان عن غرور [٣] ، بأن وعدها أن يعطيها شيئاً فرضيت ثمَّ لم يف بوعده ، سواء كان بانياً على الوفاء حين العقد أم لا. نعم لو قيدت الاذن بإعطاء شي‌ء فتزوج ثمَّ لم يعط كشف عن بطلان الاذن والعقد [٤] ، وإن كان حين العقد بانيا على العمل به [٥].

( مسألة ١٨ ) : الظاهر أن اعتبار إذنهما من باب الحكم الشرعي ،

______________________________________________________

بطريق آخر صح واقعاً وظاهراً. ولكنه مع ذلك لا يخلو من إشكال ، وإن قربناه فيما سبق من مباحث مكان المصلي من هذا الشرح.

[١] لأن العدول عنه يوجب كونه بمنزلة العدم. والقياس على فعل الوكيل الذي لم يبلغه العزل لا وجه له.

[٢] إذ لا دليل على كون العدول عن الاذن رافعاً لأثر العقد وفاسخاً له ، فاستصحاب بقاء الأثر بحاله. فإن قلت : العدول يوجب كون الاذن السابق بمنزلة العدم. قلت : إنما يوجب ذلك بالنسبة الى ما بعد العدول ، لا من أول الأمر ، فحين وقوع العقد عن إذنه يترتب عليه الأثر ، لتحقق شرط التأثير ولا موجب لارتفاعه ، فيستصحب.

[٣] لإطلاق الأدلة.

[٤] لانتفاء المقيد بانتفاء قيده.

[٥] لأن الشرط الإعطاء ، وهو مفقود ، لا البناء على العمل.

٢٠٢

لا أن يكون لحق منهما [١] ، فلا يسقط بالإسقاط.

( مسألة ١٩ ) : إذا اشترط في عقد العمة أو الخالة إذنهما في تزويج بنت الأخ أو الأخت ، ثمَّ لم تأذنا عصياناً منهما في العمل بالشرط ، لم يصح العقد على إحدى البنتين [٢] وهل له إجبارهما في الاذن؟ وجهان [٣]. نعم إذا اشترط عليهما في ضمن عقدهما أن يكون له العقد على ابنة الأخ أو‌

______________________________________________________

[١] يعني : ليس اعتبار الاذن في المقام من باب اعتبار إذن المالك لعين أو حق في التصرف فيه. بل مجرد حكم الشارع بالتوقف على الاذن.

لأن البناء على الأول يتوقف على ثبوت ملك لعين أو فعل ، وهو خلاف الأصل ، بل خلاف إطلاق الدليل ، الموجب لاعتباره ولو بعد الإسقاط.

[٢] لإطلاق الأدلة.

[٣] مبنيان على أن الشرط يقتضي ثبوت حق للمشروط له على المشروط عليه بحيث يكون المشروط له مالكاً على المشروط عليه الفعل المشروط ، أو لا يقتضي ذلك؟ فعلى الأول : يكون الزوج مالكا عليها الاذن في العقد ، فيكون له المطالبة به ، ومع امتناعها يكون له الإجبار عليه. فان تعذر أمكن قيام الحاكم الشرعي مقامه في استيفاء الحقوق باعمال ولايته. وعلى الثاني : يكون مفاد الشرط محض الالتزام بالاذن ، فيجب عليها شرعاً كسائر الواجبات الشرعية ، فإذا امتنعت من أداء الواجب جاز إجبارها من باب الأمر بالمعروف ، فاذا تعذر الإجبار لم يكن للحاكم الشرعي القيام مقامها ، إذ لا ولاية للحاكم الشرعي على تحصيل الواجبات الشرعية على الناس ، وإنما له الولاية عليهم فيما لهم الولاية عليه لا غير. ومن ذلك يظهر أن اختلاف المبنيين ليس في مجرد جواز الإجبار وعدمه ، وإنما هو في نفوذ سلطان الحاكم الشرعي عند تعذر الاستيفاء. هذا ، وقد تقرر في‌

٢٠٣

الأخت فالظاهر الصحة [١] ، وإن اظهرتا الكراهة بعد هذا.

( مسألة ٢٠ ) : إذا تزوجهما من غير إذن ثمَّ أجازتا صح على الأقوى [٢].

( مسألة ٢١ ) : إذا تزوج العمة وابنة الأخ ، وشك‌

______________________________________________________

غير موضع من هذا الشرح أن مفاد الشرط ثبوت حق للمشروط له. فراجع.

[١] بعد ما كان اعتبار الاذن من باب الحكم الشرعي يكون شرط أن يكون له العقد من قبيل الشرط المخالف للكتاب ، فيبطل ، إلا أن يرجع الى شرط الوكالة عنها في الاذن ، فيصح. لكن في جواز عزله الوجهان السابقان. أو يرجع الى اشتراط بقاء الاذن له الى حين العقد. لكن في جواز العدول عن الإذن أيضا الوجهان السابقان. أو يرجع الى اشتراط الاذن فعلا. لكنها غير كافية مع ظهور الكراهة بعد ذلك.

[٢] كما عن العلامة في جملة من كتبه ، وكثير من المتأخرين ، لتحقق شرط الصحة وهو الاذن ، فيشمله دليل الصحة من غير معارض. وفي الشرائع والنافع وغيرهما : البطلان ، للنهي عنه المقتضي للفساد. لكنه ممنوع بعد حصول الاذن. أو لدلالة النهي على خروج المعقود عليها عن قابلية النكاح. وهو أيضا ممنوع بعد حصول الاذن. أو‌ لخبر علي بن جعفر (ع) عن أخيه (ع) : « ولا تزوج بنت الأخ والأخت على العمة والخالة إلا برضا منهما ، فمن فعل ذلك فنكاحه باطل » (١). وفيه : أنه لا يشمل المقام بعد الاذن وإن شمله قبل الاذن ، ولا تنافي بين الحكمين في زمانين. أو لظهور أدلة اعتبار الاذن في كونها مقارنة للعقد. وهو أيضا ممنوع : أو لأن العقد على بنت الأخ والأخت بدون إذن العمة أو الخالة معصية لله سبحانه ، فيكون فاسداً ، لما ورد في نكاح العبد بغير إذن مولاه من‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٣.

٢٠٤

______________________________________________________

أنه لم يعص الله وإنما عصى سيده فإذا أجاز جاز‌ (١) ، إذ يدل الحديث على أنه لو عصى الله تعالى كان نكاحه فاسداً ، فيدل على أن معصية الله تعالى كلية موجبة للفساد. وفيه : أن الظاهر من معصية الله سبحانه معصيته في نكاح المحرمات من النساء ، مثل الأصول والفروع ، لا مطلق المعصية ، وإلا كا التعليل غير ظاهر ، فيكون تعبدياً. وهو خلاف الأصل في التعليلات. على أن البناء على تحريم العقد تعبداً بحيث يوجب الإثم لنفسه غير ظاهر من الأدلة.

هذا ، وعن الشيخين ومن تبعهما ، بل عن غير واحد نسبته إلى الأكثر أن للعمة والخالة الخيار في فسخ العقد الواقع على بنت الأخ والأخت وبين فسخ عقدهما بلا طلاق. لوقوع العقدين صحيحين ، وحيث أنه لا يمكن الجمع بينهما إلا بإذن فهما مخيران في رفع الجمع بينهما بين رفع الأول ورفع الثاني. وفيه : أنه لا دليل على سلطنتهما على رفع الأول ، وإنما الدليل على سلطنتهما على رفع الثاني لا غير. وعن ابن إدريس : بطلان العقد الثاني وتزلزل العقد الأول ، فيكون للمدخول عليها فسخ عقد نفسها. ويظهر ضعف القول المذكور بكلا شقيه من وجوه الاشكال على القول الثاني والقول الثالث. مع أنه إذا بني على بطلان العقد الثاني لم يكن وجه لتزلزل الأول.

فإذاً العمدة القولان الأولان المبنيان على ظهور أدلة اعتبار الاذن في المقارنة وعدمه. وأما الوجوه الأخر مما ذكرناه وغيره فضعيفة. وقد عرفت منع ظهور الأدلة في اعتبار مقارنة الاذن للعقد. ويتضح ذلك بمقايسة المقام بعقد الفضولي. ولأجل ذلك يخرج عن الأصل بناء على أن مقتضاه مقارنة الشرط للعقد.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٤ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ١ ، ٢.

٢٠٥

في سبق عقد العمة أو سبق عقد الابنة حكم بالصحة [١]. وكذا إذا شك في السبق والاقتران بناء على البطلان مع الاقتران.

( مسألة ٢٢ ) : إذا ادعت العمة أو الخالة عدم الاذن وادعى هو الاذن منهما قدم قولهما [٢]. وإذا كانت الدعوى بين العمة وابنة الأخ مثلا في الاذن وعدمه فكذلك قدم قول العمة.

______________________________________________________

[١] لأصالة الصحة.

[٢] لأصالة عدم الاذن الموافق لقولها. وأصل الصحة وإن كان مقدماً على أصالة عدم الجزء أو الشرط الذي يكون فقده موجباً للفساد ، لكن دليله من السيرة والإجماع غير ثابت في مثل المقام مما كان المدعي لعدم الشرط ممن يقوم به الشرط. ففرق بين أن تكون دعوى عدم الإذن صادرة ممن تقوم به الاذن ، وأن تكون صادرة من غيره ، فاذا ادعى عدم الاذن غير من يقوم به الاذن كان المرجع أصل الصحة ، وإذا كان المدعي من يقوم به الاذن كان المرجع أصالة عدم الاذن ، لعدم ثبوت أصل الصحة فيه ، وإلا كان مقدماً أيضاً. فبناء على هذا لو ادعى البائع عدم البلوغ ، أو عدم العلم بالعوضين ، أو نحو ذلك يكون منكراً. وهو كما ترى. إلا أن يقال : إن دعواه ذلك خلاف ظاهر فعله واقدامه ، فيكون لأجل ذلك مدعياً. فتأمل. وربما يحتمل اختصاص أصل الصحة بالشك فيما يعتبر في موضوع السلطنة جزءاً أو شرطاً ، ولا يشمل الشك في السلطنة ، فالمدعي عدم السلطنة منكر. وفيه : أنه خلاف السيرة على البناء على الصحة لو شك في السلطنة مع عدم الدعوى ممن له السلطنة ، وعلى هذا يختص المنع من جريان القاعدة بصورة دعوى وجود إعطاء السلطنة بإذن أو بالتمليك أو نحوهما ، نظير قاعدة اليد المختصة بصورة عدم دعوى التمليك من خصمه وذلك غير بعيد من طريقة العقلاء والمتشرعة.

٢٠٦

( مسألة ٢٣ ) : إذا تزوج ابنة الأخ أو الأخت ، وشك في أنه هل كان عن إذن من العمة أو الخالة أو لا؟ حمل فعله على الصحة.

( مسألة ٢٤ ) : إذا حصل بنتية الأخ أو الأخت بعد التزويج بالرضاع لم يبطل [١]. وكذا إذا جمع بينهما في حال الكفر ثمَّ أسلم على وجه [٢].

( مسألة ٢٥ ) : إذا طلق العمة أو الخالة طلاقا رجعياً لم يجز تزويج إحدى البنتين [٣] إلا بعد خروجهما عن العدة.

______________________________________________________

[١] لخروجه عن مورد النصوص. لكن بناء على ما تقدم من المنع عن اقتران العقدين إلا بإذن العمة أو الخالة ، عملاً بما دل على المنع عن الجمع بينهما إلا بإذنهما‌ (١) ، يتعين البناء على ذلك هنا ، لتحقق الجمع بعد الرضاع ، فلا يجوز إلا بالإذن ، إذ لا فرق بين اقتران العقد وبين المقام في صدق الجمع.

[٢] يوافق الاستصحاب. لنفوذ الجمع في حال الكفر ، فان لكل قوم نكاحا‌ (٢) ، فيستصحب بعد الإسلام. وفيه : أن المستفاد من الأدلة ترتب آثار النكاح حال الكفر ، لا نفوذه ، كما يقتضيه الجمع بين الأدلة الأولية ومثل : « لكل قوم نكاح ». واستصحاب بقاء الآثار لا مجال له مع الدليل الدال على حرمة نكاح الأجنبية. مع أنه لو فرض صحة النكاح حال الكفر ، فبعد الإسلام يرجع الى عموم المنع المقدم على الاستصحاب.

[٣] لأن المطلقة رجعياً زوجة ، ولا يجوز إدخال بنت أخيها وأختها‌

__________________

(١) راجع المسألة : ٩ من هذا الفصل.

(٢) هذا المضمون موجود في بعض النصوص راجع الوسائل باب : ٨٣ من أبواب نكاح العبيد والإماء ، وباب : ٧٣ من أبواب جهاد النفس ، وباب : ١ من أبواب حد القذف.

٢٠٧

ولو كان الطلاق بائنا جاز من حينه.

( مسألة ٢٦ ) : إذا طلق إحداهما بطلاق الخلع جاز له العقد على البنت ، لان طلاق الخلع بائن. وإن رجعت في البذل لم يبطل العقد [١].

( مسألة ٢٧ ) : هل يجري الحكم في المملوكتين والمختلفتين وجهان. أقواهما العدم [٢].

( مسألة ٢٨ ) : الزنا الطارئ على التزويج لا يوجب الحرمة‌

______________________________________________________

عليها إلا بإذنها.

[١] بل يكون من باب إدخال العمة أو الخالة على بنت الأخ والأخت ، لأن الرجوع في البذل يوجب الحكم بالزوجية التنزيلية ، وهو حادث. نعم إذا رجع هو بها يكون رجوعه بها بحسب اعتبار العقلاء ليس إحداثاً للزوجية بل رجوعاً للزوجية السابقة كما سيأتي من المصنف (ره) في المسألة الرابعة والثلاثين ، فيكون من إدخال بنت الأخ والأخت عليها. اللهم إلا أن يكون هذا النحو من الإدخال ليس موضوعاً لأدلة المنع ، حتى لو قيل بالمنع عن الجمع بينهما بغير إذن ، كما هو مضمون خبر أبي الصباح‌ (١) ، لأن رجوع العمة بالبذل بمنزلة الاذن في الجمع بينها وبين البنت. اللهم إلا أن تكون جاهلة بذلك.

[٢] وفي الجوهر : أنه التحقيق ، وأنه ظاهر النصوص والفتاوى ، لاشتمالها على التزويج والنكاح الظاهرين في العقد ، واشتمالها على الاذن المختص بالحرة. فتأمل. وخبر أبي الصباح لو سلمت حجيته ، فحمله على الوطء لا قرينة عليه ، وكذا على الجامع بينه وبين العقد ، لما ذكر. مع أن الجامع العرفي متعذر ، فيتعذر عرفا استعماله فيه ، فلا يصلح حجة على المقام.

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٧.

٢٠٨

الحرمة ، إذا كان بعد الوطء [١] ، بل قبله أيضا على الأقوى [٢]

______________________________________________________

[١] إجماعا بقسميه عليه ، كما في الجواهر. ويشهد به النصوص المستفيضة أو المتواترة ، ففي صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) : « أنه سئل عن الرجل يفجر بالمرأة ، أيتزوج بابنتها؟ قال (ع) : لا ، ولكن إن كانت عنده امرأة ثمَّ فجر بأمها أو أختها لم تحرم عليه امرأته ، إن الحرام لا يفسد الحلال » (١) ‌، و‌في مصحح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) : « في رجل تزوج جارية فدخل بها ثمَّ ابتلى بها ففجر بأمها أتحرم عليه امرأته؟ فقال : لا ، إنه لا يحرم الحلال الحرام » (٢) ‌، و‌مصحح زرارة عن أبي جعفر (ع) : « أنه قال في رجل زنا بأم امرأته أو ببنتها أو بأختها فقال (ع) : لا يحرم ذلك عليه امرأته. ثمَّ قال : ما حرم حرام حلالا قط » (٣). ونحوها غيرها.

[٢] وهو المشهور شهرة عظيمة. وعن أبي علي : أنه قال إن عقد الأب أو الابن على امرأة فزنى بها الآخر حرمت على العاقد ما لم يطأها. لعموم : ( ما نَكَحَ آباؤُكُمْ ) (٤) مع عدم القول بالفرق ، و‌لموثق عمار عن أبي عبد الله (ع) : « في الرجل تكون عنده الجارية فيقع عليها ابن ابنه قبل أن يطأها الجد ، أو الرجل يزني بالمرأة هل يجوز لابنه أن يتزوجها؟ قال (ع) : لا ، إنما ذلك إذا تزوجها فوطئها ثمَّ زنى بها ابنه لم يضره ، لأن الحرام لا يفسد الحلال. وكذلك الجارية » (٥). ونحوه‌ خبر أبي

__________________

(١) الوسائل باب : ٨ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٨ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٨ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٣.

(٤) النساء : ٢٢.

(٥) الوسائل باب : ٤ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٣.

٢٠٩

فلو تزوج امرأة ثمَّ زنا بأمها أو بنتها لم تحرم عليه امرأته. وكذا لو زنا الأب بامرأة الابن لم تحرم على الابن. وكذا لو زنا الابن بامرأة الأب لا تحرم على أبيه. وكذا الحال في اللواط الطارئ على التزويج [١]. فلو تزوج امرأة ولاط بأخيها أو أبيها أو ابنها لم تحرم عليه امرأته إلا أن الاحتياط فيه لا يترك وأما إذا كان الزنا سابقاً على التزويج فان كان بالعمة أو الخالة‌

______________________________________________________

الصباح الكناني عن أبي عبد الله (ع) : « قال : إذا فجر الرجل بالمرأة لم تحل له ابنتها أبداً ، وإن كان قد تزوج ابنتها قبل ذلك ولم يدخل بها فقد بطل تزويجه ، وإن هو تزوج ابنتها ودخل بها ثمَّ فجر بأمها بعد ما دخل بابنتها فليس يفسد فجوره بأمها نكاح ابنتها إذا هو دخل بها ، وهو قوله : لا يفسد الحرام الحلال إذا كان هكذا » (١). ونسب هذا القول الى ظاهر الاستبصار. ومال إليه في الحدائق ، وحكى ذلك عن بعض مشايخه المحققين من متأخري المتأخرين ، اعتماداً على الخبرين ، لأنهما من المقيد الواجب حمل المطلق عليه.

ونوقش في الأول : بأنه استدلال بالمفهوم ، وهو ضعيف. وفي الثاني : بضعف السند. لكن مفهوم الحصر حجة. والثاني من الموثق ، وهو أيضا حجة. فالعمدة في وهن الخبرين إعراض المشهور عنهما. بل في الرياض بعد الاستدلال للقول المذكور بخبر الكناني قال : « وهو ضعيف ، لشذوذه ، وقد ادعى جماعة من الأصحاب الإجماع على خلافه ». فاذاً لا مجال للاعتماد عليهما في تقييد إطلاق نصوص الحل.

[١] كما تقدم الكلام فيه في المسألة الإحدى والعشرين من الفصل السابق ، كما تقدم فيها وجه الاحتياط الآتي. والظاهر أنه لا فرق في المقام بين‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٨ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٨.

٢١٠

يوجب حرمة بنتيهما [١] ، وإن كان بغيرهما‌

______________________________________________________

الدخول وعدمه عندهم. وخلاف أبي علي كدليله يختص بغيره.

[١] على المشهور شهرة عظيمة ، بل في محكي الانتصار : الإجماع عليه. وفي التذكرة : نسبته إلى علمائنا. ويشهد له في الخالة‌ مصحح محمد بن مسلم قال : « سأل رجل أبا عبد الله (ع) وأنا جالس عن رجل نال من خالته في شبابه ثمَّ ارتدع يتزوج ابنتها؟ قال (ع) : لا. قلت : إنه لم يكن أفضى إليها إنما كان شي‌ء دون شي‌ء. فقال : لا يصدق ولا كرامة » (١) ‌، و‌موثق أبي أيوب عن أبي عبد الله (ع) قال : « سأله محمد بن مسلم وأنا جالس عن رجل نال من خالته وهو شاب ثمَّ ارتدع أيتزوج ابنتها؟ قال : لا. قال : إنه لم يكن أفضى إليها إنما كان شي‌ء دون ذلك ، قال (ع) : كذب » (٢). وبضميمة عدم القول بالفصل يتعدى من الخالة الى العمة ، أو‌ لرواية السرائر قال : « وقد روي أن من فجر بعمته أو خالته لم تحل له ابنتاهما » (٣). ثمَّ قال : « فان كان على المسألة إجماع فهو الدليل عليها ». ثمَّ ناقش في ثبوت الإجماع. وظاهره التوقف في الحكم المذكور. ولأجله يشكل الاستدلال بروايته فضلا عن كونها مرسلة. كما يشكل التمسك بالإجماع ، لما في المختلف من قوله : « ولا بأس بالتوقف في هذه المسألة ، فإن عموم قوله تعالى ( وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ ) (٤) يقتضي الإباحة ». وظاهره أيضا عدم الاعتداد برواية الخالة. ولعله لما في المسالك من أنها ضعيفة السند ردية المتن ، فإن السائل لم يصرح بوقوع الوطء أولا ، وصرح‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٠ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٠ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ١٠ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٤.

(٤) النساء : ٢٤.

٢١١

ففيه خلاف [١] ، والأحوط التحريم ، بل لعله لا يخلو عن قوة.

______________________________________________________

بعدمه ثانياً ، وكذبه الامام (ع) في ذلك ، وهذا غير لائق بمقامه ، وهو قرينة الفساد. انتهى. لكن السند مصحح في رواية الكافي وموثق في رواية التهذيب ، وكلاهما حجة. وتكذيب الامام (ع) لا بد أن يكون لوجه يعلمه. ونحوه‌ صحيح يزيد الكناسي قال : « إن رجلا من أصحابنا تزوج امرأة قد زعم أنه كان يلاعب أمها ويقبلها من غير أن يكون أفضى إليها. قال : فسألت أبا عبد الله (ع) ، فقال لي : كذب ، مره فليفارقها. قال : فأخبرت الرجل ، فو الله ما دفع ذلك عن نفسه ، وخلى سبيلها » (١). مع أنه لا يقدح في حجية الدلالة. ومثله الإشكال بأن الظاهر أن الروايتين حاكيتان عن واقعة واحدة ، وفي رواية محمد‌ أن السائل رجل وهو جالس ، وفي رواية أبي أيوب‌ أن السائل محمد وهو جالس ، فهذا الاختلاف يوجب نوعاً من الوهن.

وبالجملة : لا مجال للمناقشة في الرواية بعد اعتماد الأصحاب عليها. والموهنات المذكورة لا تخرجها عن موضوع الحجية. بل الإنصاف أن تسالم الأصحاب على الحكم المذكور وعدم حكاية الخلاف فيه من أحد ، بل ولا التوقف فيه إلا من الحلي والعلامة يوجب الاطمئنان بثبوته ، وأن منشأه التسالم عند أصحاب الأئمة (ع) عليه. ومن العجيب ـ كما قيل ـ توقف المختلف في الحكم المذكور مع بنائه على الحرمة في غير العمة والخالة ، فإن أدلة التحريم في غيرهما دالة عليه فيهما أيضا. إلا أن يكون مراده الحل من الحيثية المذكورة.

[١] فالمحكي عن الأكثر ، أو الأشهر ، أو المشهور : الحرمة. ويقتضيه جملة من النصوص ، كصحيح محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) : « أنه سئل

__________________

(١) الوسائل باب : ٦ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٥.

٢١٢

______________________________________________________

عن الرجل يفجر بالمرأة أيتزوج بابنتها؟ قال (ع) : لا ، ولكن إن كانت عنده امرأة ثمَّ فجر بأمها أو أختها لم تحرم عليه امرأته ، إن الحرام لا يفسد الحلال » (١) ‌، و‌صحيح العيص بن القاسم قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل باشر امرأة وقبّل غير أنه لم يفض إليها ، ثمَّ تزوج ابنتها. فقال : إن لم يكن أفضى إلى الأم فلا بأس ، وإن كان أفضى إليها فلا يتزوج ابنتها » (٢) ‌و‌صحيح منصور بن حازم عن أبي عبد الله (ع) : « في رجل كان بينه وبين امرأة فجور ، هل يتزوج ابنتها؟ فقال : إن كان من قبلة أو شبهها فليتزوج ابنتها ، وليتزوجها هي إن شاء » ‌لكن‌ رواها في الكافي بسند فيه إرسال هكذا : « فليتزوج ابنتها إن شاء ، وإن كان جماعاً فلا يتزوج ابنتها وليتزوجها » (٣) ‌فتكون دلالتها بالمفهوم المصرح به. و‌روى الشيخ عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله (ع) قال : « سألته عن رجل فجر بامرأة أيتزوج ابنتها؟ قال (ع) : إن كان قبلة أو شبهها فلا بأس ، وإن كان زنا فلا » (٤) ‌ونحوها غيرها.

والمنسوب الى الفقيه ، والمقنع ، والمقنعة ، والمسائل الناصرية ، والمراسم ، والسرائر ، والإرشاد ، وكشف الرموز : الجواز. وفي النافع : أنه الوجه. وفي الرياض : نسبته الى المشهور عند القدماء. وعن المسائل الناصرية : الإجماع عليه. للنصوص الكثيرة ، منها‌ صحيح سعيد بن يسار قال « سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل فجر بامرأة ، يتزوج ابنتها؟ قال (ع) : نعم يا سعيد ، إن الحرام لا يفسد الحلال » (٥) ‌و‌صحيح هشام بن المثنى عن

__________________

(١) الوسائل باب : ٨ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٦ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٦ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٤.

(٤) الوسائل باب : ٦ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٨.

(٥) الوسائل باب : ٦ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٦.

٢١٣

______________________________________________________

أبي عبد الله (ع) : « أنه سئل عن الرجل يأتي المرأة حراماً أيتزوجها؟ قال (ع) : نعم ، وأمها وبنتها » (١). و‌صحيحته الأخرى قال : « كنت عند أبي عبد الله فقال له رجل : رجل فجر بامرأة أتحل له ابنتها؟ قال (ع) : نعم ، إن الحرام لا يفسد الحلال » (٢). وفي بعض النسخ رواية المتن الأول عن هاشم بن المثنى والظاهر منهما واحد. و‌موثق حنان بن سدير قال : « كنت عند أبي عبد الله (ع) إذ سأله سعيد عن رجل تزوج امرأة سفاحا ، هل تحل له ابنتها؟ قال (ع) : نعم ، إن الحرام لا يحرم الحلال » (٣). و‌صحيح صفوان قال : « سأله المرزبان عن رجل يفجر بالمرأة وهي جارية قوم آخرين ثمَّ اشترى ابنتها ، أتحل له ذلك؟ قال (ع) : لا يحرم الحرام الحلال. ورجل فجر بامرأة حراماً أيتزوج بابنتها؟ قال (ع) : لا يحرم الحرام الحلال » (٤). و‌المرسل عن زرارة قال : « قلت لأبي جعفر (ع) : رجل فجر بامرأة هل يجوز له أن يتزوج بابنتها؟ قال (ع) : ما حرم حرام حلالا قط » (٥). وهذه النصوص ـ كما ترى ـ مشتملة على الصحيح وغيره ، كالطائفة السابقة.

وفي الجواهر : « أن الجميع ـ كما ترى ـ قاصر عن معارضة ما عرفت ( يعني : الطائفة الأولى ) سنداً ، وعدداً ، وعاملا ، ودلالة ، لاحتمال الجميع الفجور بغير الجماع ، أو به ولكن بعد التزويج ، أو التقية ، وهو أحسن المحامل ».

ولا يخفى أن كلا من الطائفتين مشتمل على الصحيح وغيره. وتفاوت‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٦ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٧.

(٢) الوسائل باب : ٦ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ١٠.

(٣) الوسائل باب : ٦ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ١١.

(٤) الوسائل باب : ٦ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ١٢.

(٥) الوسائل باب : ٦ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٩.

٢١٤

______________________________________________________

العدد في الجملة ما لم يبلغ حد صدق الأشهر كتفاوت عدد العامل لا أثر له في الترجيح. واحتمال حمل الأخير على الفجور بغير الجماع ـ مع أنه بعيد في نفسه ـ لا يتأتى في صحيحة هشام‌ وموثق حنان‌. كما أن حملها على ما بعد التزويج أيضا بعيد. والحمل على التقية إنما يكون مع تعذر الجمع العرفي ، وهو ممكن بحمل الطائفة الأولى على الكراهة ، بل هو أقرب الوجوه. مع أنه لا قرينة على الحمل على التقية ، ولا سيما بملاحظة أن القول بالحرمة مشهور عند المخالفين ، فقد نسبه في التذكرة إلى عمران بن الحصين ، وعطا ، وطاوس ، ومجاهد والنخعي ، والثوري ، وأحمد ، وإسحاق ، وأصحاب الرأي.

ومن ذلك تشكل دعوى أن الظاهر من‌ النبوي : « الحرام لا يفسد الحلال ، أو لا يحرم الحلال » ‌: الحلال الفعلي ، وهو إنما يكون مع سبق التزويج على الزنا ، أما مع سبق الزنا فالحل تقديري ، والحمل على التقديري خلاف الظاهر ، فأرادوا (ع) تنبيه المخالفين على غلطهم في الحمل على التقديري. فإنها غير واضحة المأخذ ، كيف؟! وصريح الطائفة الثانية الحل التقديري ، كما هو ظاهر الآية الشريفة ( وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ ) (١) فمن الجائز أن يكون الغلط في الحمل على الحلال الفعلي ، لأن النبوي جار مجرى الآية الشريفة ، والحل فيها تقديري ، فتكون قرينة على إرادة الحل التقديري من النبوي أيضاً ، ويكون التخصيص بالفعلي لأجل التقية.

وبالجملة : النصوص الواردة في هذه الأبواب على أربع طوائف. إحداها : ما لم يتعرض لبيان المراد من الحديث من حيث الاختصاص بالحلال الفعلي أو الأعم منه ومن التقديري ، كمصحح الحلبي‌ ، ومصحح زرارة‌ المتقدمين ونحوهما ، فان موردها وإن كان الحلال الفعلي لكن المورد لا يخصص الوارد. والطوائف الثلاث الباقية متعرضة لذلك. الأولى :

__________________

(١) النساء : ٢٤.

٢١٥

______________________________________________________

ما يدل على أن المراد بالحلال الحلال الفعلي بشرط الوطء ، كموثق عمار‌ ، وخبر الكناني‌ المتقدمين في صدر المسألة. الثانية : ما يدل على أن المراد الحلال الفعلي بعقد أو ملك. كصحيح محمد بن مسلم المتقدم‌. الثالثة : ما يدل على أن المراد الحلال ولو تقديرياً ، كصحيح سعيد بن يسار‌ ، وصحيح صفوان‌ ، وصحيحة هشام بن المثنى‌ ، وموثق حنان بن سدير‌ ، والمرسل عن زرارة‌. ونحوها ، و‌خبر محمد بن منصور الكوفي قال : « سألت الرضا (ع) عن الغلام يعبث بجارية لا يملكها ولم يدرك أيحل لأبيه أن يشتريها أو يمسها؟ فقال : لا يحرم الحرام الحلال » (١). وقد عرفت أن الطائفة الأولى منها مهجورة ، فيبقى التعارض بين الطائفتين الأخيرتين. ولا ينبغي التأمل في ترجيح الثانية ، لكثرة العدد ، وانفراد الثالثة بالصحيح المذكور.

وأما الحمل على التقية : فقد عرفت أنه لا مأخذ له في كلتا الطائفتين ، وليس في النصوص ما فيه دلالة أو إشعار بأن مذهب المخالفين في المسألة هو التحريم ، أو أن المراد بالحديث الشريف هو العموم أو الخصوص. نعم استدل في التذكرة على الحل بعد أن نسبه الى جماعة من المخالفين ومنهم مالك ، والشافعي ، بما‌ رواه العامة عن النبي (ص) : « أنه سئل عن رجل يزني بامرأة ثمَّ يريد أن يتزوج ابنتها. فقال : لا يحرم الحرام الحلال » (٢) ‌، ثمَّ استدل للشيخ بعد أن نسب اليه القول بالحل بأمور ، منها قوله : « لا يحرم الحرام الحلال » ‌، فحمل الحلال في الحديث على الحلال ولو تقديراً لا يختص بالمخالفين ، ولا هو مذهب جميعهم ، ولا المشهور بينهم. وأما‌ صحيح مرازم قال « سمعت أبا عبد الله (ع) وقد سئل عن

__________________

(١) الوسائل باب : ٤ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٥.

(٢) يوجد قريب منه في كنز العمال الجزء : ٨ حديث : ٤٠٦٤ ، سنن البيهقي الجزء : ٧ باب الزنى لا يحرم الحلال.

٢١٦

______________________________________________________

امرأة أمرت ابنها أن يقع على جارية لأبيه فوقع ، فقال (ع) : أثمت ، وأثم ابنها. وقد سألني بعض هؤلاء عن هذه المسألة فقلت له : أمسكها فإن الحلال لا يفسده الحرام » (١). فلا إشعار له بكون الحل مذهب المخالفين بوجه.

والمتحصل : أن نصوص التحريم صالحة للحمل على الكراهة ، عدا مصحح يزيد الكناسي المتقدم ‌، وصحيح محمد بن مسلم‌. والتعارض بينهما وبين نصوص التحليل يقتضي الأخذ بالثانية ، لأنها أرجح بكثرة العدد. وكأن ما في الشرائع من حكمه بأن نصوص التحريم أوضح طريقاً مبني على ملاحظة جميع نصوص التحريم حتى ما أمكن الجمع العرفي بينها وبين نصوص التحليل. وإلا فالذي لا يقبل الجمع العرفي منها منحصر بالروايتين المذكورتين ، بل مصحح يزيد‌ يمكن حمل الفراق فيه على الفراق بالطلاق ، فتنحصر المعارضة بصحيح محمد. ولو سلم التساوي من حيث السند والعدد فنصوص التحليل موافقة للكتاب ، ومعتضدة بعموم قوله تعالى ( وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ ) ، فالأخذ بها متعين.

ثمَّ إنه لو قلنا بالتحريم فكما تحرم بنت المزني بها وأمها على الزاني تحرم المزني بها على أبي الزاني وابنه. لأن الزنا على هذا القول بمنزلة الدخول بالعقد الصحيح ، فلا فرق عند القائلين بالنشر بين المسألتين ، فلاحظ كلماتهم. ونصوص التحريم أيضا متعرضة لذلك ، ففي صحيح أبي بصير : « سألته عن الرجل يفجر بالمرأة ، أتحل لابنه؟ أو يفجر بها الابن ، أتحل لأبيه؟ قال : إن كان الأب أو الابن مسها لم تحل » (٢). و‌خبر ابن جعفر عن أخيه موسى (ع) قال : « سألته عن رجل زنى بامرأة ، هل تحل لابنه أن يتزوجها؟ قال (ع) : لا » (٣). ونحوهما غيرهما.

__________________

(١) الوسائل باب : ٤ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٤.

(٢) الوسائل باب : ٩ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٩ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٢.

٢١٧

وكذا الكلام في الوطء بالشبهة ، فإنه إن كان طارئاً لا يوجب الحرمة [١] ، وإن كان سابقاً على التزويج أوجبها [٢].

______________________________________________________

[١] كما عن الأكثر ، للأصل.

[٢] كما هو المشهور شهرة عظيمة. وخالف في ذلك ابن إدريس قال : « فاما عقد الشبهة ووطء الشبهة فعندنا لا ينشر الحرمة ، ولا يثبت به تحريم المصاهرة بحال ». وقال في الشرائع : « وأما الوطء بالشبهة فالذي خرجه الشيخ أنه بمنزلة النكاح الصحيح. وفيه تردد ، أظهره أنه لا ينشر الحرمة ». ونحوه في النافع. وفي القواعد : « وهل يلحق الوطء بالشبهة والزنا بالصحيح؟ خلاف ». وفي جامع المقاصد « ان الزنا يحرم ، كما سيأتي إن شاء الله ، فالوطء بالشبهة أولى. لأنه وطء محترم شرعاً ، فيكون الحاقه بالوطء الصحيح في ثبوت حرمة المصاهرة أولى من الزنا. ولأن معظم أحكام الوطء الصحيح لاحقة به ، فإن أعظم الاحكام النسب ، وهو في الشبهة كالصحيح. وكذا وجود المهر. وتخلف المحرمية لا يضر ، فإنها متعلقة بكمال حرمة الوطء .. ». وسبقه الى بعض ذلك في التذكرة ، وتبعه على ذلك في المسالك وغيرها. لكن الخروج عن عموم الحل بذلك كما ترى. ومثله الاستدلال بقوله تعالى ( وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ ) (١) ، إذ لم يثبت إرادة الوطء من النكاح. ولأجل ذلك لم يعتمد في الجواهر إلا على الإجماع الذي ادعاه في التذكرة. وحكى فيها عن ابن المنذر دعوى الإجماع عليه من كل من يحفظ من علماء الأمصار ، وعد منهم أصحاب النص ، وهم الإمامية. وسبقه الى ذلك في الرياض. وهو كما ترى أيضا ، فإن خلاف مثل الحلي ، والمحقق ، وتوقف العلامة في القواعد مانع من صحة الاعتماد على الإجماع. وكان الأولى الاستدلال له‌ بحديث : « لا يحرم

__________________

(١) النساء : ٢٢.

٢١٨

( مسألة ٢٩ ) : إذا زنى بمملوكة أبيه ، فإن كان قبل أن يطأها الأب حرمت على الأب [١] ،

______________________________________________________

الحرام الحلال » ‌بناء على أن المراد من الحلال الأعم من التقديري ، فان تعليل انتفاء المصاهرة بالوطء من جهة الحرمة يقتضي ثبوت المصاهرة مع انتفاء الحرمة ، كما في الشبهة. لكن مقتضى ذلك ثبوت المصاهرة حتى إذا كان الوطء لاحقاً ، ولا يظن الالتزام به. مع أنه موقوف على إرادة الزنا من الحرام ، مع أن الظاهر منه الحرام الواقعي ولو مع العذر ، فيشمل الشبهة.

ثمَّ إن الأدلة المذكورة مختلفة المفاد ، فإن الإجماع يقتضي الاقتصار في التحريم على الوطء السابق على العقد ، لأنه القدر المتيقن منه. ومثله الأولوية من الزنا بناء على التحريم به ، فإنه مختص بالزنا السابق. وأما الاستقراء ، وعموم ( لا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ ) : فمقتضاهما العموم للسابق واللاحق ، فان الوطء الصحيح إذا فرض لاحقاً لا بد أن يبطل السابق ، وكذا إطلاق الآية. فلاحظ.

[١] قال في القواعد : « ولو وطأ أحدهما مملوكة الآخر ( يعني : قبل وطء المالك ، كما يظهر مما بعده ) بزنا أو شبهة ففي التحريم نظر ». وحكى في كشف اللثام : التحريم عن الشيخ وابني الجنيد والبراج. واستدل له بعموم : ( ما نَكَحَ آباؤُكُمْ ) مع عدم القول بالفصل ـ يعني : بين منكوحة الأب ومنكوحة الابن ـ ، وكون النكاح في اللغة بمعنى الوطء. ولخبر عمار المتقدم في صدر المسألة‌. وهو وإن ضعف ، لكن يؤيده أخبار تحريم زوجة أحدهما عليه بزنا الآخر قبل العقد. انتهى. وفي جامع المقاصد جعل التحريم هو الأصح ، لما ذكر.

لكن انطباق العموم على ما نحن فيه غير ظاهر ، لعدم ثبوت إرادة‌

٢١٩

______________________________________________________

الوطء من النكاح. وموثق عمار‌ قد عرفت إشكال وعدم العامل به الا ابن الجنيد. اللهم إلا أن يكون حجة على الحرمة في الجارية غير الموطوءة للمالك وإن لم يكن حجة عليها في الزوجة غير الموطوءة ، ولا مانع من التفكيك بين المفادين في الحجية. مضافا الى‌ صحيح عبد الله بن يحيى الكاهلي قال : « سئل أبو عبد الله (ع) وأنا عنده عن رجل اشترى جارية ولم يمسها ، فأمرت امرأته ابنه وهو ابن عشر سنين أن يقع عليها فوقع عليها ، فما ترى فيه؟ فقال : أثم الغلام ، وأثمت أمه ، ولا أرى للأب إذا قربها الابن أن يقع عليها » (١). نعم يعارضه صحيح مرازم المتقدم في أواخر المسألة السابقة. لكنه مطلق من حيث الوطء وعدمه ، فيقيد إطلاقه بالصحيح المذكور. وكذلك‌ خبر زرارة قال : « قال أبو جعفر (ع) : إذا زنى رجل بامرأة أبيه أو بجارية أبيه فإن ذلك لا يحرمها على زوجها ، ولا يحرم الجارية على سيدها ، إنما يحرم ذلك منه إذا أتى الجارية وهي له حلال ، فلا تحل تلك الجارية لابنه ولا لأبيه » (٢).

اللهم إلا أن يقال : إن ظاهر الموثق أن التحريم في الزنا السابق وكذا اللاحق إذا لم يكن دخول ناشئ من كون المراد من « أن الحرام لا يفسد الحلال » ‌(٣) خصوص الحلال بعد الوطء ، فالتحريم في الزوجة والجارية فرع على التفسير المذكور ، فاذا بطل الأصل بطل الفرع ، والتفكيك غير ممكن عرفاً. وأما صحيح الكاهلي فالظاهر أو المحتمل من‌ قوله (ع) : « ولا أرى للأب إذا قربها الابن أن يقع عليها » ‌أنه إشارة عليه بذلك ونصيحة له ، وإن كان لأجل الكراهة ، فلا يدل على الحرمة ، ولا يصلح‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٤ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٦ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٦.

٢٢٠