مستمسك العروة الوثقى - ج ١٤

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١٤

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٣٧

______________________________________________________

عن أبي عبد الله (ع) : « قال : إذا جرد الرجل الجارية ووضع يده عليها فلا تحل لابنه » (١) ‌، و‌مصحح عبد الرحمن بن الحجاج وحفص بن البختري ، وعلي بن يقطين قالوا : « سمعنا أبا عبد الله (ع) يقول في الرجل تكون له الجارية أفتحل لابنه؟ فقال (ع) : ما لم يكن جماع أو مباشرة كالجماع فلا بأس » (٢) ‌، ونحوها غيرها.

وفي الشرائع ، وعن الحلي ، والعلامة في أكثر كتبه ، وغيرهم : الجواز. لموثق علي بن يقطين عن العبد الصالح : « عن الرجل يقبل الجارية يباشرها من غير جماع داخل أو خارج أتحل لابنه أو لأبيه؟ قال (ع) : لا بأس » (٣) ‌، و‌خبر عبد الله بن يحيى الكاهلي عن أبي عبد الله (ع) في حديث قال : « سألته عن رجل تكون له جارية فيضع أبوه يده عليها من شهوة أو ينظر منها الى ما يحرم من شهوة فكره أن يمسها ابنه » (٤). بناء على أن الجمع بينهما وبين ما سبق بحمله على الكراهة. أو لأجل أن الخبر ظاهر فيها ، وفيه : أن الموثق نسبته الى الصحيحين الأولين نسبة المطلق الى المقيد ، فيقيد بهما. مضافاً الى أن الموثق والصحيح الثالث من قبيل المتعارضين ، والجمع بينهما بالتفصيل بين الشهوة وغيرها أقرب الى الجمع العرفي من الحمل على الكراهة. وأما خبر الكاهلي فالأمر فيه أهون ، لأنه إن كان ظاهراً في الحل جرى فيه ما جرى في الموثق ، وإن كان قاصر الدلالة فلا يصلح للحجية على الجواز. مع أن مورده صورة كون النظر أو اللمس من غير المالك ، وهو غير ما نحن فيه.

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٤.

(٢) الوسائل باب : ٥ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ٧٧ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ٣.

(٤) الوسائل باب : ٣ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٢.

١٨١

______________________________________________________

وهذا هو العمدة في القول بالتحريم ، لا ما قيل من أن النظر واللمس أقوى من العقد ، فاذا حصل التحريم به حصل بهما ، فإن الأولوية غير قطعية ، بل ولا ظنية.

هذا ، وعن المفيد ، والشهيد في اللمعة : حل منظورة الابن على الأب خاصة ، وربما ينسب الى أبي الصلاح وسلار ، حيث اقتصرا في التحريم على منظورة الأب خاصة. وليس له وجه ظاهر غير اقتصار بعض نصوص التحريم على منظورة الأب كما تقدم. وهو كما ترى لا يصلح لمعارضة نصوص التحريم فيهما معا ، كما هو ظاهر.

ثمَّ إنه لا إشكال في عدم نشر الحرمة على الأب والابن بالنظر الى الوجه والكفين بغير شهوة ، بل الإجماع بقسميه عليه ، كما في الجواهر. وفي القواعد نفي الخلاف فيه ، ولا يبعد ذلك بالنظر إليهما بشهوة ، وإن حرم على غير المالك. لظهور التجريد والكشف ونحوهما مما ذكر في النصوص في غير ذلك ، كما اعترف به في المسالك والجواهر. بل لا يبعد لذلك عدم شمول التحريم للنظر الى ما يبدو غالباً من الجواري مثل بعض الرقبة ، وبعض الذراع ، وبعض الساق ، ونحو ذلك ، فلا يكون النظر إليه بشهوة موجباً للتحريم على أب الناظر وابنه ، وإن كان مع التلذذ ، كما مال إليه في الجواهر. والظاهر أنه لا فرق بين أن يكون التجريد والكشف بداعي التلذذ أو بداع آخر ، فحصل به التلذذ ، لعموم النصوص. ودعوى الانصراف إلى الأول غير ظاهرة. ثمَّ إن النصوص المذكورة موردها الجارية المملوكة للناظر واللامس ، ولا يبعد شمول بعضها للمحللة ، فشمول الحكم لهما معا غير بعيد ، وإن كان ظاهر كلام المصنف وغيره الاختصاص بالأولى. لكن التعميم أقوى. والمعروف كما في الجواهر قصر الحكم على المملوكة ، ولعله يأتي التعرض لغيرها فيما يأتي إن شاء الله.

١٨٢

وكذا لا تحرم المحللة لأحدهما على الآخر إذا لم تكن مدخولة [١]

( مسألة ٣ ) : تحرم على الزوج أم الزوجة وإن علت نسباً أو رضاعاً [٢] ، مطلقاً [٣].

______________________________________________________

[١] يعني : بمجرد التحليل ، بشبهة أن التحليل بمنزلة العقد ، فإنها ممنوعة. والنصوص المقتضية للتحريم لا تشمله ، فيتعين الرجوع فيه الى عمومات الحل.

[٢] لعموم : يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب » (١). وتوضيحه يطلب من محله.

[٣] كما هو المشهور شهرة عظيمة ، وفي الروضة : « كاد يكون إجماعاً ». بل عن الغنية والناصريات : الإجماع عليه. لعموم قوله تعالى : ( وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ ) (٢) ، وللنصوص ، ففي رواية إسحاق بن عمار عن جعفر (ع) عن أبيه (ع) عن علي (ع) في حديث : « قال : والأمهات مبهمات ، دخل بالبنات أو لم يدخل بهن ، فحرموا وأبهموا ما حرم الله تعالى » (٣) ‌و‌في خبر أبي حمزة المروي عن تفسير العياشي قال : « سألت أبا جعفر (ع) عن رجل تزوج امرأة ثمَّ طلقها قبل أن يدخل بها هل تحل له ابنتها؟ قال : فقال : قد قضى في هذا أمير المؤمنين (ع) لا بأس ، إن الله تعالى يقول ( وَرَبائِبُكُمُ اللاّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللاّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ ، فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ ) (٤) ، ولو تزوج الابنة ثمَّ طلقها قبل أن يدخل بها لم تحل له أمها. قال : قلت : أليس

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ١ من أبواب ما يحرم من الرضاع.

(٢) النساء : ٢٣.

(٣) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٢.

(٤) النساء : ٢٣.

١٨٣

______________________________________________________

هما سواء؟ قال : فقال لا ، ليس هذه مثل هذه ، إن الله تعالى يقول : ( وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ ) ، ولم يستثن في هذه كما اشترط في تلك ، هذه هنا مبهمة ليس فيها شرط ، وتلك فيها شرط » (١) ‌، و‌خبر غياث بن إبراهيم عن جعفر (ع) عن أبيه (ع) : « أن علياً (ع) قال : إذا تزوج الرجل المرأة حرمت عليه ابنتها إذا دخل بالأم ، فإذا لم يدخل بالأم فلا بأس أن يتزوج بالابنة. فإذا تزوج بالابنة فدخل بها أو لم يدخل بها فقد حرمت عليه الام ، وقال : الربائب عليكم حرام كن في الحجر أو لم يكن » (٢) ‌، و‌موثق أبي بصير قال : « سألته عن رجل تزوج امرأة ثمَّ طلقها قبل أن يدخل بها ، فقال : يحل له ابنتها ، ولا تحل له أمها » (٣).

وعن ابن أبي عقيل : اشتراط الدخول بالبنت في تحريم الأم. للإشكال في عموم الآية ، لأن الآية هكذا ( وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ ، وَرَبائِبُكُمُ اللاّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللاّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ ، فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ ) ومن المحتمل رجوع القيد الى الجملتين معا. وفيه : أنه خلاف الظاهر ، بل عن بعض : دعوى جمهور العلماء على خلافه ، لأن أهل العربية ذهبوا الى أن الخبرين إذا اختلفا لا يجوز أن يوصف الاسمان بوصف واحد ، فلا يجوز « قام زيد وقعد عمرو الظريفان ». مع أن القيد المدعى إرجاعه إلى الجملتين إن كان المراد به ( مِنْ نِسائِكُمُ ) ، فهو ممتنع ، لأنه إذا رجع الى الربائب كانت ( من ) ابتدائية ، وإن رجع الى ( نِسائِكُمْ ) كانت ( من ) بيانية ، فإرجاعه إليهما يوجب استعمال كلمة ( من ) في معنيين ، كما ذكره جماعة من المحققين ، ومنهم الزمخشري في‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٧.

(٢) الوسائل باب : ١٨ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٤.

(٣) الوسائل باب : ١٨ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٥.

١٨٤

______________________________________________________

الكشاف. وإن كان المراد به ( اللاّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ ) ، فإرجاعه إلى الجملتين وإن لم يلزم منه المحذور المذكور ، لكن يلزم من إرجاعه إلى الأولى الفصل بين الصفة والموصوف بالأجنبي ، كما ذكر في كشف اللثام ، بل هو لازم على الأول أيضا ، وهو غير جائز. والعمدة في الاشكال على رجوع القيد إلى الأول : أنه خلاف الظاهر ، وإلا فاللوازم المذكورة ليست محذوراً ، ولا سيما ما ذكر من لزوم استعمال كلمة ( من ) في معنيين ، فإنه مبني على كونها من قبيل المشترك اللفظي ، وهو بعيد جداً.

واستدل لهذا القول بالنصوص ، منها‌ صحيح جميل بن دراج وحماد ابن عثمان عن أبي عبد الله (ع) : « قال (ع) : الام والبنت سواء إذا لم يدخل بها يعني إذا تزوج المرأة ثمَّ طلقها فإنه إن شاء تزوج أمها وإن شاء ابنتها » (١). و‌في الفقيه هكذا : « عن جميل بن دراج : أنه سئل أبو عبد الله (ع) عن رجل تزوج امرأة ثمَّ طلقها قبل أن يدخل بها ، هل تحل له ابنتها؟ قال : الأم والبنت في هذا سواء إذا لم يدخل بإحداهما حلت له الأخرى » (٢) ‌، و‌صحيح منصور بن حازم ، قال : « كنت عند أبي عبد الله (ع) فأتاه رجل فسأله عن رجل تزوج امرأة فماتت قبل أن يدخل بها أيتزوج بأمها؟ فقال أبو عبد الله (ع) قد فعله رجل منا فلم ير به بأسا. فقلت له : جعلت فداك : ما تفخر الشيعة إلا بقضاء علي (ع) في هذه الشمخية ( السجية خ ل ) التي أفتاها (٣) ابن مسعود أنه لا بأس بذلك ، ثمَّ أتى علياً فقال له علي (ع) من أين أخذتها؟ فقال : من قول الله عز وجل : ( وَرَبائِبُكُمُ اللاّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللاّتِي

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٦.

(٣) هكذا في الوسائل الطبعة الحديثة ، والثابت بقلم الشارح ( قده ) : « أفتى بها ».

١٨٥

______________________________________________________

دَخَلْتُمْ بِهِنَّ ، فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ ). فقال علي (ع) : إن هذه مستثناة وهذه مرسلة ( وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ ) ، فقال أبو عبد الله (ع) أما تسمع ما يروي هذا عن علي (ع)؟ فلما قمت ندمت وقلت : أي شي‌ء صنعت؟ يقول هو : قد فعله رجل منا فلم نر به بأساً ، وأقول أنا : قضى علي (ع) ، فلقيته بعد ذلك فقلت : جعلت فداك مسألة الرجل ، إنما كان الذي كنت تقول كان زلة مني فما تقول فيها؟ فقال : يا شيخ تخبرني أن علياً قضى فيها وتسألني ما تقول فيها!! » (١) ، و‌خبر محمد بن إسحاق ابن عمار قال : « قلت له : رجل تزوج امرأة ودخل بها ثمَّ ماتت ، أيحل له أن يتزوج أمها؟ قال (ع) : سبحان الله كيف يحل له أن يتزوج أمها وقد دخل بها؟! قال : قلت له : فرجل تزوج امرأة فهلكت قبل أن يدخل بها تحل له أمها؟ قال : وما الذي يحرم عليه منها ولم يدخل بها؟! » (٢).

وأشكل على الصحيح الأول : بأن قوله : « يعني .. » لم يعلم أنه من كلام الامام (ع). وما قبله لا يخلو من إجمال ، لعدم وضوح ما به المساواة. وفيه : أن ذلك خلاف الظاهر. ولو سلم فالقرينة الخارجية دالة على إرادة المساواة في التحريم الأبدي. مع أن المتن الذي رواه الصدوق كافٍ في الحجية. وعن الشيخ أنه أشكل على الصحيح المذكور : بأن الأصل فيه جميل وحماد ، وهما تارة يرويانه عن أبي عبد الله (ع) بلا واسطة ، وأخرى يرويانه عن الحلبي عن أبي عبد الله (ع) ، ثمَّ إن جميلا تارة يرويه مرسلا‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ١. ولم يثبت الحديث بتمامه المذكور وانما ذكر تتمته المعلق عليها في الطبعة الحديثة. وقد ذكره في الكافي الجزء : ٥ صفحة : ٤٢٢ الطبعة الحديثة ، وفي التهذيب الجزء : ٧ صفحة ـ ٢٧٤ الطبعة الحديثة ، وفي الاستبصار الجزء : ٣ صفحة : ١٥٧ الطبعة الحديثة.

(٢) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٥.

١٨٦

وكذا بنتها [١] وإن نزلت [٢]

______________________________________________________

عن بعض أصحابه عن أحدهما (ع). وهذا الاضطراب في الحديث مما يضعف الاحتجاج به. وهذا الاشكال غير ظاهر ، ومن الجائز وقوع ذلك كله ، ولا محذور فيه. ومثله إشكاله على جميع النصوص المذكورة بأنها مخالفة لكتاب الله تعالى ، والاخبار المخالفة لها موافقة له ، فتكون أرجح. فإن ذلك إنما يتم بعد تعذر الجمع العرفي بين النصوص ، وهو ممكن بحمل المنع مع عدم الدخول على الكراهة ، ونتيجة ذلك تقييد إطلاق الكتاب بالحمل على صورة الدخول. ومثل ذلك حمل نصوص الجواز على التقية. فإنه إنما يكون بعد تعذر الجمع العرفي. مضافا الى أن المشهور بين علماء المخالفين عدم اعتبار الدخول في المنع. وفي المسالك حكاية ذلك عن أكثر علماء الإسلام. فتأمل.

فإذا العمدة في وجه الأخذ بنصوص المنع مطلقاً التسالم عليه بيننا ، بنحو لا يقدح في حجيته خلاف ابن أبي عقيل ممن تفرد بمخالفة المشهور والمسلمات ، الموجب لسقوط النصوص عن الحجية.

[١] بلا خلاف ، بل هو ضروري ، للآية الشريفة ، وهي قوله تعالى ( وَرَبائِبُكُمُ اللاّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللاّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ ، فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ ) (١).

[٢] كما صرح بذلك في مجمع البيان ، والقواعد ، والتحرير ، وكنز العرفان ، واللمعة ، والروضة ، وكشف اللثام ، وآيات الأحكام للجزائري ، والجواهر ، وغيرها. وفي بعضها التصريح بعدم الفرق بين بنت الابن وبنت البنت ، قال في المستند : « فروع : الأول : حكم بنت البنت وبنت الابن فنازلا حكم البنت بالإجماع ، وإن لم يستنبط من الاخبار ». لكن في آيات‌

__________________

(١) النساء : ٢٣.

١٨٧

بشرط الدخول بالأم [١] ، سواء كانت في حجره أم لا [٢] وإن كان تولدها بعد خروج الأم عن زوجيته. وكذا تحرم أم‌

______________________________________________________

الأحكام : « يعلم الحكم من النصوص والإجماع ». بل في التذكرة استدل بعموم الآية. ولا يخلو من إشكال أو منع. نعم لا تبعد دعوى دلالة النصوص المشتملة على التعبير بالبنت ، لقرب عمومها للبنت بواسطة. ومن ذلك تعرف الاشكال فيما ذكره في المستند.

[١] إجماعاً. ويقتضيه نص الكتاب ، وصريح السنة. وسيأتي في المسألة السابعة والثلاثين الكلام في تحريم البنت بالنظر الى أمها ولمسها.

[٢] بلا خلاف فيه. وفي التذكرة : « سواء كانت في حجره أو لم تكن في حجره عند جميع العلماء. وقال داود : إنما تحرم عليه إذا كانت في حجره وكفالته ، فاما إذا لم تكن في حجره وكفالته فإنها لا تحرم وإن دخل بأمها. وهو رواية عن مالك » ، وفي المسالك : « أجمع علماء الإسلام إلا من شذ منهم على أن هذا الوصف غير معتبر ، وإنما جرى على الغالب » وفي الحدائق : « وقع الاتفاق نصاً وفتوى على أن هذا الوصف غير معتبر ».

ويشهد لما ذكر‌ خبر إسحاق بن عمار عن جعفر (ع) عن أبيه : « ان عليا كان يقول : الربائب عليكم حرام من الأمهات اللاتي قد دخل بهن ، هن في الحجور وغير الحجور سواء. والأمهات مبهمات » (١) ‌ونحوه خبر غياث بن إبراهيم‌ (٢) ، ومرسل الفقيه‌ (٣). نعم‌ في خبر محمد بن عبد الله بن جعفر المروي في الاحتجاج عن صاحب الزمان (ع) : « انه

__________________

(١) الوسائل باب : ١٨ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ١٨ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٤.

(٣) الوسائل باب : ١٨ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٦.

١٨٨

المملوكة الموطوءة على الواطئ وإن علت مطلقاً ، وبنتها [١].

______________________________________________________

كتب اليه : هل يجوز للرجل أن يتزوج بنت امرأته؟ فقال (ع) : إن كانت ربيت في حجره فلا يجوز. وإن لم تكن ربيت في حجره وكانت أمها في غير حباله فقد روي أنه جائز » (١). ولكن لا مجال للأخذ به مع ما هو عليه من ضعف السند ، والدلالة ، والمخالفة لما عليه الأصحاب.

[١] إجماعاً محققاً. والنصوص به وافية ، ففي صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) : « سألته عن رجل كانت له جارية وكان يأتيها ، فباعها ، فأعتقت ، وتزوجت فولدت ابنة ، هل تصلح ابنتها لمولاها الأول؟ قال : هي عليه حرام ، وهي ابنته. والحرة والمملوكة في هذا سواء » (٢) ‌، و‌صحيح الحسين بن سعيد قال : « كتبت الى أبي الحسن (ع) : رجل له أمة يطؤها ، فماتت أو باعها ، ثمَّ أصاب بعد ذلك أمها ، هل له أن ينكحها؟ فكتب (ع) : لا تحل له » (٣) ‌، و‌مرسل جميل عن بعض أصحابه عن أحدهما (ع) : « في رجل كانت له جارية فوطئها ، ثمَّ اشترى أمها أو بنتها ، قال (ع) : لا تحل له » (٤) ‌، و‌في رواية رزين بياع الأنماط عن أبي جعفر (ع) : « في رجل كانت له جارية فوطئها ، ثمَّ اشترى أمها وبنتها ، قال (ع) : لا تحل له الأم والبنت » (٥) ‌ونحوها غيرها.

نعم يعارضها جملة أخرى ، منها‌ خبر رزين بياع الأنماط عن أبي جعفر (ع) قال : « قلت له : تكون عندي الأمة فأطأها ، ثمَّ تموت أو

__________________

(١) الوسائل باب : ١٨ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٧.

(٢) الوسائل باب : ١٨ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٢. مع اختلاف في متن الرواية‌

(٣) الوسائل باب : ٢١ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٧.

(٤) الوسائل باب : ٢١ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٨.

(٥) الوسائل باب : ٢١ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ١٤.

١٨٩

( مسألة ٤ ) : لا فرق في الدخول بين القبل والدبر [١] ويكفي الحشفة أو مقدارها [٢].

______________________________________________________

تخرج عن ملكي فأصيب ابنتها ، أيحل لي أن أطأها؟ قال (ع) : نعم لا بأس به ، إنما حرم ذلك من الحرائر ، فأما الإماء فلا بأس به » (١) ‌، و‌خبر الفضيل بن يسار وربعي بن عبد الله قال : « سألنا أبا عبد الله (ع) عن رجل كانت له مملوكة يطؤها فماتت ، ثمَّ أصاب بعد أمها ، قال (ع) : لا بأس ، ليست بمنزلة الحرة » (٢). لكن لا مجال للعمل بها بعد دعوى الإجماع على خلافها.

[١] كما نص عليه غير واحد على نحو يظهر أنه من المسلمات. نعم في القواعد : « والأقرب مساواة الوطء في الفرجين » وفي كشف اللثام : « ويحتمل العدم. لتبادر القبل ، وانتفاء الإحصان في الدبر. وفيه : منع التبادر. وأن الإحصان ليس منوطاً بالدخول ». وبالجملة : ليس ما يوجب رفع اليد عن الإطلاق.

[٢] لا إشكال في ذلك ، ولا خلاف. ويقتضيه إطلاق الأدلة. بل مقتضاه الاجتزاء ببعض الحشفة ، لصدق الدخول معه ، كما تقدم في حكم من لاط بغلام. لكن ظاهرهم الإجماع على عدم الاكتفاء به هنا. وكأنهم أخذوه مما ورد من النصوص في اشتراط العدة ، والمهر ، والغسل بالتقاء الختانين‌ (٣). لكن دلالتها على المقام غير ظاهرة. فالعمدة الإجماع إن تمَّ.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢١ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ١٦.

(٢) الوسائل باب : ٢١ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ١٥.

(٣) راجع الوسائل باب : ٦ من أبواب الجنابة ، وباب : ٥٤ من أبواب المهور.

١٩٠

ولا يكفي الإنزال على فرجها من غير دخول [١] وإن حبلت به [٢]. وكذا لا فرق بين أن يكون في حال اليقظة أو النوم اختياراً [٣] أو جبراً منه أو منها [٤].

( مسألة ٥ ) : لا يجوز لكل من الأب والابن وطء مملوكة الآخر من غير عقد ولا تحليل [٥] ، وإن لم تكن‌

______________________________________________________

[١] لخروجه عن موضع الأدلة ، فيرجع فيه الى أصالة الحل.

[٢] ونسب اليه الحمل ، فيكون ولداً ، كما في الدخول ، على ما في النصوص‌ (١).

[٣] كما نص على ذلك في كشف اللثام. وكأن وجه الاشكال : أن الخطاب في الآية الشريفة للمكلفين ، فالدخول متعلق بهم ، فلا يشمل دخول غيرهم. وفيه : أن الدخول مطلق لا يختص بحال التكليف.

[٤] عن الإيضاح أنه نفى احتمال الخلاف في جانب الموطوءة.

[٥] كما في الشرائع وغيرها ، بل إجماعا ، كما في الرياض ، لحرمة التصرف في ملك الغير بغير إذنه. وللنصوص الآتية. نعم‌ في صحيح ابن مسلم عن أبي جعفر (ع) : « قال : في كتاب علي (ع) إن الولد لا يأخذ من مال والده شيئاً ، ويأخذ الوالد من مال ولده ما شاء ، وله أن يقع على جارية ابنه إن لم يكن الابن وقع عليها. وذكر أن رسول الله (ص) قال لرجل : أنت ومالك لأبيك » (٢). وظاهره جواز الوطء من غير تقويم ، وإن كان الولد كبيراً. ولا بد حينئذ من تأويله ، أو طرحه.

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ١٦ من أبواب أحكام الأولاد.

(٢) الوسائل باب : ٤٠ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ٦. لكن ذكره من دون الذيل وهو : « وذكر أن رسول الله .. » نعم رواه مع الذيل في ضمن حديث عن أبي عبد الله (ع) في باب : ٧٨ من أبواب ما يكتسب به حديث : ١ ، مع خلاف يسير في متن الحديثين.

١٩١

مدخولة له ، وإلا كان زانياً [١].

( مسألة ٦ ) : يجوز للأب أن يقوم مملوكة ابنه الصغير على نفسه ووطؤها [٢].

______________________________________________________

وقد تعرضنا لذلك في شرح المسألة الثامنة والخمسين من فصل شرائط وجوب حجة الإسلام.

[١] بلا خلاف ، ولا إشكال ، كما في الجواهر ، لأنه وطء غير مستحق من دون شبهة.

[٢] بلا خلاف ظاهر ، كما في الرياض. بل الإجماع بقسميه عليه ، كما في الجواهر ، للنصوص ، منها‌ صحيح الكناني عن أبي عبد الله (ع) : « عن رجل يكون لبعض ولده جارية وولده صغار ، هل يصلح له أن يطأها؟ فقال (ع) : يقومها قيمة عدل ثمَّ يأخذها ، ويكون لولده عليه ثمنها » (١) ‌ونحوه خبر داود بن سرحان عنه (ع) (٢) و‌في صحيح محمد ابن إسماعيل قال : « كتبت الى أبي الحسن (ع) في جارية لابن لي صغير ، يجوز لي أن أطأها؟ فكتب : لا ، حتى تخلصها » (٣). و‌في صحيح عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي الحسن موسى قال : « قلت له : الرجل يكون لابنه جارية إله أن يطأها؟ قال : يقومها على نفسه ويشهد على نفسه بثمنها أحب الي » (٤). و‌في خبر الحسن بن صدقة قال : « سألت أبا الحسن (ع) فقلت له : إن بعض أصحابنا روى أن للرجل أن ينكح جارية ابنه وجارية بنته ، ولي ابنة وابن ، ولابنتي جارية اشتريتها لها من صداقها ، أفيحل لي أن أطأها؟ فقال (ع) : لا ، إلا بإذنها. فقال الحسن بن الجهم : أليس قد جاء أن هذا جائز؟ قال (ع) : نعم ذلك

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٠ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٤٠ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ٤.

(٣) الوسائل باب : ٤٠ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ٢.

(٤) الوسائل باب : ٤٠ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ٣.

١٩٢

والظاهر إلحاق الجد بالأب [١] ، والبنت بالابن [٢] وإن كان الأحوط خلافه. ولا يعتبر إجراء صيغة البيع [٣]

______________________________________________________

إذا كان هو سببه. ثمَّ التفت إلي وأومى نحوي بالسبابة ، فقال : إذا اشتريت أنت لابنتك جارية أو لابنك وكان الابن صغيرا ولم يطأها حل لك أن تقبضها فتنكحها. وإلا فلا إلا بإذنهما » (١). وكأن المراد صورة ما إذا لم تدخل في ملك الابن والبنت ، وإنما كان من الوالد مجرد التحليل والعارية. و‌في صحيح الحسن بن محبوب قال : « كتبت الى أبي الحسن الرضا (ع) : اني كنت وهبت لابنة لي جارية حيث زوجتها ، فلم تزل عندها وفي بيت زوجها حتى مات زوجها ، فرجعت إلي هي والجارية ، أفيحل لي أن أطأ الجارية؟ قال : قومها قيمة عادلة ، وأشهد على ذلك ، ثمَّ إن شئت تطأها » (٢). وظاهره جواز التقويم في الكبير أيضاً. اللهم إلا أن يحمل على صورة ما إذا كانت البنت قد فوضت إلى الأب جميع شؤونها.

[١] كما نص على ذلك غير واحد ، منهم جامع المقاصد. وقواه في الجواهر ، للقطع باتحاد الجميع. لكنه غير ظاهر. قال في الرياض : « وفي تعدية الحكم الى الجد إشكال ، من اختصاص النصوص بالأب ، ومن اتحاد المعنى. وهو أقوى ».

[٢] يظهر من الرياض اختصاص الإشكال في الجد دون البنت. وكأن الوجه فيه. إطلاق صحيح الكناني المتقدم ، فان الولد شامل للبنت.

[٣] قال في جامع المقاصد : « ولا يكفي مجرد التقويم قطعاً ، إذ لا ينتقل الملك إلا بسبب ناقل ، وقبل الانتقال لا يجوز التصرف ، ولا‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٠ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ٥.

(٢) الوسائل باب : ٧٩ من أبواب ما يكتسب به حديث : ١.

١٩٣

ونحوه ، وإن كان أحوط. وكذا لا يعتبر كونه مصلحة للصبي [١] نعم يعتبر عدم المفسدة [٢]. وكذا لا يعتبر الملاءة في الأب [٣] وإن كان أحوط.

( مسألة ٧ ) : إذا زنا الابن بمملوكة الأب حد [٤]. وأما إذا زنا الأب بمملوكة الابن فالمشهور عدم الحد عليه [٥]

______________________________________________________

أثر للتقويم بدون العقد المملك. ولا خلاف في شي‌ء من هذه الأحكام » وفي الجواهر : « عن غير واحد من الأصحاب التصريح بذلك. لأصالة عدم دخولها في الملك إلا بالمملك الشرعي ».

أقول : الذي يظهر من التقويم في النص والفتوى هو إيقاع المعاوضة عليه بالقيمة في ذمته والالتزام بذلك في نفسه ، فيكون إيقاعاً لا عقداً ، ونفسياً بحتاً بلا مظهر له من قول أو فعل. وبذلك يفترق أيضا عن اقتراض القيمي ، فإنه أيضا مشتمل على الإيجاب والقبول ، وله مظهر من قول أو فعل ، بخلاف المقام كما عرفت. ولا مانع عن الأخذ بظاهر النص المعتضد بالفتوى. إلا أن يكون إجماع ، كما يظهر من جامع المقاصد. ولكنه غير ثابت.

[١] كما يقتضيه إطلاق النص ، خلافا لآخرين فاشترطوها ، كما في الرياض. والإطلاق يردهم.

[٢] إجماعا كما في الرياض. وبه ترفع اليد عن إطلاق النصوص.

[٣] كما نص على ذلك في المسالك وجامع المقاصد ، للإطلاق. وكأن وجه الاشكال ما دل على اعتبار الملاءة في الاتجار بمال اليتيم. لكنه غير ما نحن فيه.

[٤] بلا إشكال ولا خلاف ، لعموم أدلة الحد.

[٥] كما في الشرائع ، والتذكرة ، والقواعد ، وجامع المقاصد ، والمسالك وغيرها. وفي جامع المقصد : أنه لا خلاف في ذلك. وفي الجواهر : « لا‌

١٩٤

وفيه إشكال [١].

( مسألة ٨ ) : إذا وطأ أحدهما مملوكة الآخر شبهة لم يحد [٢] ، ولكن عليه مهر المثل [٣]. ولو حبلت فان كان‌

______________________________________________________

أجد فيه خلافاً ».

[١] لعدم وضوح ما يستوجب الخروج عن عموم أدلة الحد. وما في جامع المقاصد من تعليله بأن الأب لما كان أصلا في وجود الابن أثبت له الشارع هذه المزية ونحوها ، ونحوه ما في كشف اللثام وغيره. غير ظاهر. نعم في المسالك قال : « والفرق بين الأب والابن بعد النص أن الأب أصل له فلا يناسبه إثبات العقوبة عليه ، بخلاف العكس ». وظاهره وجود النص الفارق ، ولم أعثر عليه ، ولا على من أشار إليه سواه. ولعله أراد به ما ذكره في جامع المقاصد بقوله : « و‌قوله (ع) : أنت ومالك لأبيك‌ إيماء الى ذلك » (١). وفيه : أن الظاهر منه كونه حكماً أدبياً ، كما تقتضيه قرينة السياق ، فان الولد حر لا مملوك لوالده ولا لغيره. ولأجل ذلك يكون الإشكال في محله. إلا أن يتم إجماع عليه. لكن في المسالك في أواخر حد السارق في شرح المسألة الرابعة ما يظهر منه المفروغية عن ثبوت الحد في المقام ، حيث قال في الفرق بين الزنا والسرقة : « ألا ترى أنه إذا سرق مال ابنه لا يقطع وإذا زنى بجاريته يحد ». لكن ذلك منه ينافي ما ذكره هو وغيره هنا ونفى الخلاف فيه. فلا بد أن يحمل على بعض الوجوه ، ويكون العمل على ما ذكره هنا.

[٢] لأن الحدود تدرأ بالشبهات.

[٣] لما استحل من فرجها.

__________________

(١) تقدم التعرض له في المسألة : ٥ من هذا الفصل.

١٩٥

الوطي هو الابن عتق الولد قهراً مطلقاً [١]. وإن كان الأب لم ينعتق [٢] إلا إذا كان أنثى. نعم يجب على الأب فكه [٣] إن كان ذكراً.

( مسألة ٩ ) : لا يجوز نكاح بنت الأخ أو الأخت على العمة والخالة إلا بإذنهما [٤] ،

______________________________________________________

[١] كما في الشرائع ، والقواعد ، وجامع المقاصد ، والمسالك ، وغيرها. لأنه لو بقي رقا كان ملكا لمالك الأمة ، وهو جده ، والرجل لا يملك ولده وإن نزل ذكراً كان أم أنثى.

[٢] كما نص عليه الجماعة. لأنه لو بقي رقا كان ملكا لمالك الأمة ، وهو أخوه ، ولا مانع من أن يملك الرجل أخاه. نعم إذا كان الولد أنثى انعتق قهراً ، لأن الرجل كما لا يملك عموديه لا يملك محارمه ، ومنها الأخت ، فلما لم يمكن أن يكون مملوكا لمالك الأمة انعتق قهراً أيضاً. ثمَّ إنه يأتي من المصنف (ره) في نكاح الإماء تبعية الولد لأشرف الأبوين كما هو مذهب جماعة. وعليه يكون الولد حراً لا رقاً ، فيكون ما ذكره هنا منافيا لما يذكره فيما يأتي من نكاح الإماء. ولعل المراد من الحكم بالرقية : الرقية من حيث النسب ، بمعنى أن النسب لا يقتضي الحرية لا الرقية مطلقاً. وسيأتي إن شاء الله وجه الجمع بين الكلامين. فانتظر.

[٣] كما صرح به الجماعة للنصوص الدالة على ذلك ، الآتية في مبحث نكاح الإماء. ويتعين كون المراد منه بناء على الحرية : أن الأب ضامن لقيمته ، لا أنه رق يجب على الأب شراؤه.

[٤] بلا خلاف معتد به أجده في شي‌ء من ذلك ، بل الإجماع مستفيضاً أو متواتراً عليه. كذا في الجواهر. ويشهد له النصوص الكثيرة ، منها‌ موثق محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) : « قال : لا تتزوج ابنة الأخ ولا

١٩٦

______________________________________________________

ابنة الأخت على العمة ولا على الخالة إلا بإذنهما ، وتزوج العمة والخالة على ابنة الأخ وابنة الأخت بغير إذنهما » (١) ‌، و‌خبر أبي عبيدة الحذاء قال : « سمعت أبا جعفر (ع) يقول : لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها إلا بإذن العمة والخالة » (٢) ‌، ونحوهما غيرهما.

وعن الإسكافي والعماني : الجواز مطلقاً. وفي المسالك ناقش في صحة النسبة. وعلى تقديرها فكأنه لعمومات الحل ، و‌لخبر علي بن جعفر (ع) المروي في كتابه عن أخيه موسى بن جعفر (ع) قال : « سألته عن امرأة تزوج على عمتها أو خالتها؟ قال (ع) : لا بأس » (٣). ومثله خبره المروي في قرب الاسناد‌ (٤). وفيه : أن العموم مخصص ، والخبر مقيد بما ذكر.

ومثله ما في المقنع من المنع مطلقاً قال : « ولا تنكح المرأة على عمتها ، ولا على خالتها ، ولا على ابنة أختها ، ولا على ابنة أخيها ، ولا على أختها من الرضاعة ». وكأنه لإطلاق بعض النصوص ، مثل‌ صحيح أبي عبيدة قال : « سمعت أبا عبد الله (ع) يقول : لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها ، ولا على أختها من الرضاعة » (٥). ونحوه غيره. لكن الجميع مقيد بما ذكر ، ومحمول على صورة عدم الاذن. وبالجملة : النصوص طوائف ثلاث : مانعة مطلقاً ، ومجوزة مطلقاً ، ومفصلة بين الاذن وعدمه. والمقنع اعتمد على الأولى لا غير. والقديمان اعتمدا على الثانية. والمشهور‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الملحق الثاني للحديث : ٣.

(٤) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الملحق الأول للحديث : ٣.

(٥) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٨.

١٩٧

من غير فرق بين الدوام والانقطاع [١] ، ولا بين علم العمة والخالة وجهلهما. ويجوز العكس [٢] ، وإن كانت العمة والخالة جاهلتين بالحال على الأقوى [٣].

______________________________________________________

اعتمدوا على الجميع بعد الجمع بينها بحمل الأولتين على الأخيرة حملاً للمطلق على المقيد.

[١] لإطلاق الأدلة فيه ، وفيما بعده.

[٢] على المشهور شهرة عظيمة ، وعن التذكرة : الإجماع عليه ، للنصوص التي تقدم بعضها. و‌في خبر محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) : « قال : تزوج الخالة والعمة على بنت الأخ وابنة الأخت بغير إذنهما » (١) ‌، و‌صحيح ابن مسلم المروي عن نوادر ابن عيسى عن أبي جعفر (ع) : « قال : لا تنكح ابنة الأخت على خالتها ، وتنكح الخالة على ابنة أخيها. ولا تنكح ابنة الأخ على عمتها ، وتنكح العمة على ابنة أخيها » (٢) ‌ونحوهما غيرهما. وتقدم عن المقنع المنع مطلقاً. وكأنه لإطلاق‌ خبر أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله (ع) : « قال : لا يحل للرجل أن يجمع بين المرأة وعمتها ، ولا بين المرأة وخالتها » (٣). لكنه مقيد بما سبق.

[٣] وهو المشهور. وفي المسالك : « يشترط علم الداخلة بكون المدخول عليها زوجته ، وإلا لم يصح ». ولم يعلم له وجه ظاهر. وفي الجواهر : « لعله أخذه مما تسمعه في نكاح الحرة على الأمة ، بناء على اشتراك المسألتين في كيفية دلالة الدليل ، وفي حكمة الحكم ، وهي الاحترام ، إلا أنه ستعرف هناك عدم اعتبار الاذن في الجواز والصحة ، وإنما تتسلط هي على الخيار ».

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٥.

(٢) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ١٢.

(٣) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٧.

١٩٨

______________________________________________________

ويحتمل أن يكون الوجه فيه : خبر محمد بن مسلم عن الباقر (ع) : « لا تزوج الخالة والعمة على بنت الأخ وابنة الأخت بغير إذنهما » (١) ‌، كما ذكره بعض ، بناء على رجوع الضمير إلى العمة والخالة ، وفيه : أن المضبوط روايته : « تزوج الخالة والعمة .. » وقد رواه في المسالك كذلك. مع أن الظاهر رجوع الضمير الى المدخول عليهما. وحينئذ فهو معارض بغيره مما ظاهره التفصيل بين دخول العمة والخالة على ابنة الأخ والأخت وبين العكس ، كحديث علي بن جعفر الذي رواه في المسالك قال : « تزوج العمة والخالة على ابنة الأخ وابنة الأخت ، ولا تزوج بنت الأخ والأخت على العمة والخالة إلا برضا منهما ، فمن فعل ذلك فنكاحه باطل » (٢). وكذا غيره من الأخبار المفصلة ، فإن الجمع بينهما يقتضي الجواز على كراهية.

ومن العجيب ما في الرياض حيث قال : « لا فرق في الجواز بين علم الداخلة بكون المدخول عليها بنت أخ أو أخت أم لا ، وفاقاً للأكثر ، للأصل ، وإطلاق النصوص. وعن العلامة : اشتراط العلم. ومستنده غير واضح. والنصوص باعتبار إذنهما مختصة بالصورة الاولى ». وظاهر الصورة الأولى صورة علم الداخلة ، فيكون عكس ما ذكر في المسالك. ولا يخفى ما فيه أولاً : من عدم الوقوف على هذه النصوص ، وثانياً : أنه مناف لما ذكره من إطلاق النصوص ، وثالثاً : أنه لا معنى لاعتبار اذن الداخلة مع علمها ، فان دخولها مع العلم إذن ، فلا معنى لاعتبار الإذن حينئذ. والمظنون أن أصل العبارة « بالصورة الثانية » الآتية في كلام مصنفه ، وهي صورة دخول بنت الأخ أو الأخت على العمة والخالة.

هذا وفي القواعد : « والأقرب أن للعمة والخالة فسخ عقدهما لو‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٥.

(٢) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٣.

١٩٩

( مسألة ١٠ ) : الظاهر عدم الفرق [١] بين الصغيرتين والكبيرتين والمختلفتين ، ولا بين اطلاع العمة والخالة على ذلك وعدم اطلاعهما ابداً ، ولا بين كون مدة الانقطاع قصيرة ولو ساعة أو طويلة ، على إشكال في بعض هذه الصور ، لإمكان دعوى انصراف الأخبار [٢].

( مسألة ١١ ) : الظاهر أن حكم اقتران العقدين حكم سبق العمة والخالة [٣].

______________________________________________________

جهلتا لا المدخول عليها ». ووجهه في كشف اللثام بعدم الفرق في الاحترام بين التقدم والتأخر ، ولخبر أبي الصباح. وفيه : أن مقتضى الاحترام البطلان ـ كما ذكر في المسالك ـ لا الصحة والتسلط على الفسخ. ولو سلم فالتعدي إلى الفرض غير ظاهر ، لاختصاصه بما إذا كان المدخول عليها العمة ، والفرق بين الداخلة والمدخول عليها في الاحترام وعدمه ظاهر عرفاً. وأما الخبر : فقد عرفت أنه مقيد بما سبق. وبالجملة : مقتضى القواعد الأولية صحة العقد ولزومه وليس ما يدل على البطلان أو الخيار فيتعين العمل بها.

[١] للإطلاق.

[٢] لكنه بدوي لا يعول عليه في رفع اليد عن الإطلاق.

[٣] النصوص الواردة في الباب كلها يتضمن إدخال بنت الأخ والأخت ، عدا رواية أبي الصباح‌ (١) المتضمنة للمنع عن الجمع بين العمة وابنة الأخ والخالة وبنت الأخت ، ومثلها النبوي‌ (٢) ، وهما شاملان للمقام. لكنهما مرميان بالضعف ، وظاهرهما المنع من مطلق الجمع كما هو مذهب المخالفين ،

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٧.

(٢) مستدرك الوسائل باب : ٣٠ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٤.

٢٠٠