القرآن والطبّ الحديث

الدكتور صادق عبدالرضا علي

القرآن والطبّ الحديث

المؤلف:

الدكتور صادق عبدالرضا علي


الموضوع : الطّب
الناشر: دار المؤرّخ العربي
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٢٤

١١ ـ الوسوسة والخوف من المستقبل.

١٢ ـ التعلق بالأبوين أو أحد الاخوان أو أحد الأصدقاء.

١٣ ـ القلق وعدم الاستقرار ، وظهور حركات غير طبيعية.

١٤ ـ التردد في إطاعة الأوامر الصادرة إليه من قبل الآخرين.

١٥ ـ حقد الطفل على أحد أفراد عائلته أو جيرانه.

١٦ ـ اعتناق الطفل لبعض الأفكار الشاذة والغريبة ليعوض عن مركب النقص الموجود لديه.

١٧ ـ الإصابة بنوبات هستيرية أو نوبات صرع.

١٨ ـ الخوف من الموت.

١٩ ـ ضعف الثقة بالنفس.

٢٠ ـ التردد في اتخاذ القرارات.

٢١ ـ انعقاد اللسان والتهتهة واللجلجة.

٢٢ ـ الانكماش والخجل.

٢٣ ـ الجبن وعدم القدرة على التفكير المستقل.

٢٤ ـ التبول الليلي.

٢٥ ـ الكذب بأشكاله المختلفة.

٢٦ ـ الميل إلى السرقة.

٢٧ ـ نمو شعور الغيرة عند الطفل.

٢٨ ـ ازدياد المشكلات الجنسية.

٢٩ ـ الخوف من الظلام والليل وحالات السكون.

٣٠ ـ الخوف من بعض المشاهد ، كمشهد الدم أو ذبح الحيوانات ، أو حالات الشجار بين الأفراد.

٣١ ـ التعرض للإصابة بالأمراض المختلفة نتيجة الضعف البدني.

٣٢ ـ زيادة أعراض الخوف بشكل تدريجي ممّا قد يؤدي الى الإصابة

٤١

بالأمراض النفسية الخطيرة والجنون.

٣٣ ـ الانتحار في بعض الحالات.

الخوف عند الكبار : الخوف عند الكبار : إما أن يكون حديث النشوء نتيجة المعاناة التي يمر بها الإنسان أثناء مراحل حياته ، أو استمرارية للخوف والعقد الكامنة داخله بعد تحوله من مرحلة الطفولة إلى مرحلة الشباب والتأهيل ، حينما تبدأ المسؤوليات تزداد بشكل تدريجي ومستمر تبعا للظروف التي يمر بها ، حيث تضغط ضغطا إضافيا على قابلياته وطاقاته ، ومدى قدرة تحمله واستيعابه لهذه المرحلة الجديدة من حياته.

والخوف يزداد بصورة طردية مع تزايد ونمو فكر الإنسان ، وتشابك التيارات والأفكار المطروحة أمامه ، وبروز متطلبات حياتية جديدة تكون بمثابة أدوات إضافية ضاغطة على قدرة الفرد النامي ، وعلى مجمل اسلوب حياته وفكره وقابليته للصمود أمام هذه المستجدات.

والخوف عند الكبار : إما أن يبرز بشكل حاد ومؤثر ، وتصبح نتائجه خطيرة على مستقبل الإنسان ، فيدفع حياته ثمنا لذلك ، أو ينمو مع نمو المشاكل وتطورها وتعددها وديمومتها. فان كانت معقدة ودائمة التأثير أصبح الأثر التدريجي الذي تتركه دائميا ومزمنا ، وذا قوة مؤثرة تجعل من الفرد مسلوب الارادة ، والراحة ، والقابلية ، والإبداع ، وأخيرا تؤدي به إلى الإصابة بعقدة الخوف القاتلة التي تحول حياته إلى قلق دائم ومرعب ومستحكم لا يمكن الخلاص منه.

ومن هذا نستخلص أن الخوف أنواع : ـ

أ ـ ذاتي : نابع من ذات الإنسان وداخله ، نتيجة عوامل داخلية محضة ، لا دخل للعوامل الاخرى فيه كما يقول سبحانه وتعالى : (أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتابُوا

٤٢

أَمْ يَخافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (١).

ب ـ غير ذاتي : يصيب الإنسان نتيجة العوامل الخارجية التي يتعرض لها ، ويعاني منها طوال مراحل حياته المختلفة.

ج ـ مختلط : وهذا النوع ناتج من تأثير العوامل الداخلية الموجودة في ذات الإنسان ، إضافة إلى التفاعلات الخارجية التي تصيبه خلال حياته المستقبلية وتأثيراتها المتلاحقة.

وأسباب الخوف عند الكبار تختلف عمّا هي عند الأطفال ، لتباين واختلاف المؤثرات الداخلية والخارجية على كل منهما ، وهي : ـ

١ ـ المنافسة : وهي أنواع منها :

أ ـ المنافسة العلمية والدراسية والأدبية : يقول الله تعالى : (وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ) (٢).

فالمراحل الدراسية تجعل من الإنسان أن يعيش حياة قلقة ، مضطربة ، تتطلب منه بذل المزيد من الجهد للنجاح والانتقال إلى صف جديد ، ومرحلة جديدة. وبالرغم من أنّ هذه المنافسة شريفة ومشروعة ، إلّا أنها عامل ضغط لا ينكر على فكر الإنسان وحياته.

ب ـ المنافسة التجارية والاقتصادية : أصبحت المنافسة التجارية اليوم في عصر السرعة والعلم والتكنولوجيا ، وعصر المضاربات التجارية ، والتكتلات الاقتصادية ، وعصر الابتكارات ، والإبداع العلمي ، مصدر قلق وخوف لكثير من الكسبة ، والتجار والرأسماليين ، والشركات ـ الصغرى والكبرى ـ وحتى الحكومات.

وهذه التقلبات التجارية السريعة في عالم اليوم ، جعلت الإنسان الضعيف الايمان لا يطمئن لمستقبل عمله التجاري والاقتصادي.

__________________

(١) سورة النور : الآية ٥٠.

(٢) سورة المطففين : الآية ٢٦.

٤٣

ج ـ المنافسة المالية : أصبح اقتناء المال ، وزيادة الثروة ظاهرة تسيطر على أغلب أفكار الناس في مختلف بقاع العالم في الوقت الحاضر ، وتأخذ قسطا كبيرا من تفكيرهم. علما بأنّ أغلب المشاريع التجارية وقوانين البنوك الحالية لا تستند إلى قواعد إسلامية تجعل من رأس المال الموجود مأمون الجانب. لا سيما إذا كانت تلك الأموال لم تجمع وفق القواعد الشرعية الإسلامية.

د ـ المنافسة السياسية والفكرية : وهذه المنافسة أصبحت اليوم الشغل الشاغل لأكثر الناس ، والمفكرين منهم على اختلاف طبقاتهم ومستوياتهم ، حيث اتخذ الصراع الفكري في العصر الراهن منحنى خطيرا ، ومؤثرا على اختلاف مستويات وشرائح تلك الطبقات. فكل فرد أو حزب ـ وحتى الحكومات ـ تعيش حالة من التفكير والقلق السياسي الدائم حول مشاكل الحاضر وما يخبئه المستقبل. سواء كان هذا القلق مشروعا وغايته خدمة الناس والمجتمع والدين. أو غير مشروع يخدم أهداف بعيدة عن السياسة الحقيقية الأصيلة والمفاهيم الدينية القويمة.

وعصرنا الحاضر يزخر بالصراعات السياسية والفكرية المتعددة الجوانب والأشكال والآفاق والمفاهيم. ولكن الصفة المميزة المشتركة لهذه المنافسة والصراع ، هي عدم الاطمئنان والخوف والحذر من إمكانية النجاح أو الفشل في تحقيق ما يريده الفرد من سياسة أو فكر. أو ما تتوخاه الجمعيات والأحزاب من نجاح أو سقوط ، خلال مراحل الصراع السياسي بين تلك الأحزاب. وما يرافق ذلك من تطورات دولية لها أثر ومساس مباشر في بقائها أو القضاء عليها.

هذا إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أنّ أغلب أهدافها وشعاراتها بعيدة عن روح الإسلام ومفاهيمه الحكيمة ، التي لا مكان للخوف والقلق فيها إلّا من الله ورسالته السماوية.

٤٤

وجل من قائل : (وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدى آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً) (١).

ه ـ المنافسة في الاختراعات والاكتشافات : العلوم اليوم كثيرة ومتعددة ، وأغلبها اكتشف لأجل خدمة الإنسان وراحته. وكسب المزيد من الربح الاقتصادي السريع ، مما جعل الأفراد والشركات والحكومات في منافسة حامية مستمرة ، لتقديم أفضل المخترعات التي تدر عليهم أعلى الأرباح وأسرعها.

لذا تحتم على كل طرف أن يكون في تفكير دائم ، ومراقبة مستمرة للطرف الآخر ، مترصدا بخوف وحسد أي مخترع أو تقدم علمي جديد ، قد يؤثر على مستقبل اختراعه وصناعته وبالتالي مستقبله المالي والحياتي.

و ـ المنافسة الرياضية : أصبحت الرياضة تشغل حيّزا كبيرا من حياة الفرد والمجتمع ، وأصبح لها عشاقها وروادها ومحترفوها ، وصارت جزءا من تربية الفرد الصحيّة اللازمة في الوقت الحاضر.

وتشكلت الفرق الرياضية المختلفة في كافة الأحياء والمدن والدول ، وتنوعت الألعاب كثيرا ، وأصبح التنافس والتسابق بينها سمة وشعارا ، وأدى ذلك في نهاية المطاف إلى إيجاد حالة من القلق والخوف بين تلك الفرق من أجل تقدم المستوى الرياضي والمحافظة عليه.

(ز) المنافسة الدينية : بعد التطور الحاصل في وسائل الإعلام ، والدعاية المحلية والعالمية ، وسرعة التنقل بين المدن والدول ، وازدياد عدد الذين يجيدون القراءة والكتابة .. أخذت المنافسة الدينية تشتد بين الأديان والمذاهب من جهة ، وبين من يستغل هذه المنافسة والاختلافات لتحقيق مآرب وأطماع سياسية وخصوصا الاستعمار العالمي ، والصهيونية ، وذوي النزعات التسلطية والانتهازية من جهة اخرى. مما زاد

__________________

(١) سورة الجن : الآية ١٣.

٤٥

من عمق هذه المنافسة وجعلها شائكة ذات مسار بعيد ـ في بعض الأحيان ـ عن الواقع الديني الذي وجدت من أجله.

واليوم نراها مصدر قلق لكثير من المخلصين الدعاة. وحتى المنافقين والمتاجرين بإسم الدين من الذين يسيّرهم رجالات السياسة المحلية والعالمية من أجل منافع مالية أو سلطوية والذي قال الله فيهم : (كَلَّا بَلْ لا يَخافُونَ الْآخِرَةَ) (١).

(٢) الخوف من المرض : بالرغم من تطور العلوم الطبية ـ تكنولوجيا ونوعيا ـ وكثرة الأطباء ، فإننا نلاحظ أنّ عدد المرضى آخذ بالازدياد ، والأمراض منتشرة ومزمنة في بعض المجتمعات والدول ، والكثير من الأمراض لا يزال مستعصيا على العلاج ، والدواء قليل التأثير والفاعلية لأسباب عديدة لا مجال لذكرها الآن.

كما أخذت العاهات الموروثة والمكتسبة نتيجة الجهد والإرهاق والقلق أثناء فترة الحمل ، أو بسبب العامل المادي ، الذي جعل المرأة تهجر البيت وتتجه إلى العمل تاركة تربية الأطفال لغيرها ، تزداد بمرور الأيام مما نجم عن ذلك أمراض جسمية ونفسية لا حصر لها.

فتلك العوامل جميعها والتي مرّ ذكرها جعلت الإنسان يفكر في نفسه ومستقبله ، وينظر إليهما بمنظار الخوف والقلق والحسبان عند إصابته بأي مرض بسيط.

(٣) الخوف من البطالة وفقدان العمل : تطورت الحياة في الوقت الحاضر ، وأصبحت التكنولوجيا الحديثة تغزو كافة الميادين ، وتتنافس بأساليب مختلفة ، لإيجاد الأسواق التي من خلالها تقوم بتصريف البضائع والمنتجات. والأخبار تنقل إلينا عن غلق بعض المعامل ، أو تسريح آلاف العمال نتيجة الكساد ، والركود الاقتصادي ، أو شحة المواد الاولية ، أو اكتشاف بدائل جيدة لبعض المواد المصنعة ، أو الاستغناء عن الايدي العاملة المكلفة ، بالآلات الالكترونية الحديثة القليلة الكلفة.

__________________

(١) سورة المدثر : الآية ٥٣.

٤٦

وكإنعكاس لهذه النتائج المستجدة والمرتقبة نجد الآلاف ـ بل الملايين ـ من العمال أو الناس المرتبطين بهم يعيشون حالة الخوف والتشاؤم من جراء ما حدث أو سيحدث مستقبلا.

(٤) الخوف من الحرب : يعيش العالم اليوم حالة تمحور واستقطاب بين محورين رئيسين في العالم ، وتحاول كل من الدولتين العظميين السيطرة على بقية دول العالم بصورة أو باخرى ، مستخدمة كل السبل المشروعة ظاهرا وغير المشروعة ، ومسخرة جزءا كبيرا من مواردها لإنتاج وخزن الأسلحة المدمرة والفتاكة التي تؤدي إلى دمار العالم ، كالأسلحة النووية والكيمياوية والجرثومية.

وقد تلجأ تلك الدول إلى إثارة حروب محلية لغرض تصريف إنتاجها من السلاح ، وإيجاد الأسواق الملائمة واللازمة لتصريف بضائعها ، مستفيدة من المشاكل التي خلقتها في مختلف بقاع العالم بوسائل معروفة أو غير معروفة ـ تقليدية أو خفية الجانب ـ بواسطة عملائها المدسوسين هنا وهناك.

وبالتالي ينشب الصراع المسلح في داخل بعض الدول أو بين عدة دول متجاورة ، وما يرافق هذه الصراعات من تصريف للمواد والسلاح غير عابئين بما يترتب عليه من تشريد الآلاف من الناس وتدمير ممتلكاتهم وبيوتهم في ظل هذا الهوس والجنون.

ويعيش عالمنا اليوم هذا الخوف في غمرة تسابق محموم لشراء السلاح ، وإنشاء الجيوش الجرارة التي تهدد وتهدم قيم الانسان وطمأنينته ، وتجعل فكره مربوطا بما تثيره مراكز القوى الكبرى من أزمّات مفتعلة ـ كأزمة الصواريخ في كوبا ـ أو التهديد بحرب جديدة ـ كالحرب العالمية الثانية ـ التي راح ضحيتها ملايين الناس ، وضربت فيها هيروشيما وناكازاكي بالقنابل النووية.

ولا يزال العالم يعيش حالة حرب باردة بين الدولتين العملاقتين ، الأمر الذي جعل الانسان يعيش وكأنه في حالة حرب قائمة فعلا لا محالة لها.

٤٧

(٥) الخوف من الحياة العائلية : يعيش الإنسان فترة بحث وترقب وهو يحاول اختيار شريكة العمر الصالحة التي ستجلب له الراحة والسعادة ، ويتم الزواج ويعقبه الانجاب وتزداد المتطلبات العائلية والمصروفات المالية المترتبة على توسع الاسرة.

وتبدأ المشاكل المالية العائلية تطفو على سطح الحياة السعيدة فتعكرها وتحيلها الى شقاء عند بعض الاسر ، بحيث قد تدفع بالعائلة أو أحد أفرادها إلى سلوك حياة مضطربة تؤدي به في نهاية المطاف إلى الاصابة بالأمراض النفسية أو إحدى عقد الخوف التي تنغص حياته ومستقبله ، وتجعله يتخبط في بحر من الأوهام والأفكار والهواجس.

هذه المسببات جعلت الطلاق وهجر العائلة وتفكك أواصرها يزداد بصورة ملحوظة ومأساوية ، خصوصا في أمريكا والدول الغربية التي تدعي التقدم.

(٦) الخوف من الكوارث الطبيعية : الكوارث الطبيعية التي تحدث في العالم لها أسباب وعوامل عديدة منها : التغييرات البيئية المختلفة التي طرأت على العالم نتيجة كثرة استعمال بعض المواد الكيمياوية ، أو تفجير القنابل النووية ، ومنها ما هو الهي لا نعرف بالضبط الأسباب الحقيقية لها أو المراد منها كالأعاصير والزلازل وانفجار البراكين والفيضافات والجفاف ، وموجات البرد أو الحر الشديدة.

هذه الكوارث جعلت أعدادا كبيرة من الناس يعيشون حالة وجل وترقب وخوف دائمي من المستقبل المجهول الذي ينتظرهم ويحيل حياتهم إلى دمار ، بالأخص اولئك الناس الذين يعيشون قرب البراكين ، أو ما يسمى بخط الزلازل.

(٧) الخوف من المجاعة ونقص الغذاء : لا يخفي على أحد أنّ نفوس العالم آخذة بالازدياد ، وأنّ بعض الأراضي قد فقدت صلاحيتها للزراعة بسبب سوء الإدارة.

وكل عام تحدث مجاعات في أماكن متعددة من العالم نتيجة التخطيط غير المدروس ، أو بسبب الاستثمار الاستعماري المتعمد والمقصود ، الذي يهدف إلى ربط

٤٨

إقتصاد البلدان الفقيرة والنامية بالعجلة الاستعمارية ، لكي تسهل السيطرة عليها واستعبادها اقتصاديا وسياسيا.

وهذا ما جعل من إطروحة الانفجار السكاني أداة تهديد استعمارية تشهر في وجوه الناس البسطاء والدول الفقيرة ، كلما أراد الاستعمار أن يحقق له هدفا يضمن الربح المادي الكثير.

ومما لا شك فيه أنّ هذه الورقة الرابحة التي يستعملها الاستعمار ، ويهدد بها في أكثر المناسبات عبر وسائل إعلامه الخبيثة ، لاقت القبول لدى الكثير من الناس والدول ، وجعلتهم يتطلعون إلى المستقبل بتشاؤم وقلق ، وكأنّ المجاعة قادمة لا محالة ، وأنّ البشرية ستمر بفترة مظلمة تطغى فيها المجاعة على كل شيء.

ولكن لو فكر الناس بإيمان وواقعية ، لأدركوا أن الخالق العظيم قد ضمن للناس الحياة الكريمة ، التي توفر لهم كل مستلزمات الرفاه الاقتصادي والعيش الكريم ، تحت ظل الاقتصاد الاسلامي السليم. حيث لا يخفى على أحد أنّ المليارات المكدسة من الأموال وملايين الأطنان من الذهب المخزون ، لو احسن استعماله بصورة إسلامية صحيحة ، بدلا من صرفه على تطوير السلاح القتّال ، لما بقي إنسان جائع على وجه الأرض.

(٨) الخوف من العقاب الآلهي والموت والحساب : يقول الله سبحانه : (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ) (١).

الخوف من الموت وساعة الحساب والآخرة موجود عند كل إنسان ، سواء كان مؤمنا أو كافرا ، وهذا الخوف يتجسم بوضوح عند قسم كبير من الناس الذين يعتنقون مبدأ الالحاد أو الديانات الاخرى غير السماوية التي لا تؤمن بالله واليوم الآخر.

إلّا أنهم شاءوا أم أبوا فإنّ عقدة الخوف من دنو الأجل وملاقاة الموت

__________________

(١) سورة الرحمن : الآية ٤٦.

٤٩

وما بعده موجودة لديهم ، ومسيطرة على مخيلتهم وتفكيرهم ، وربما كانت إحدى العوامل التي عن طريقها يسلكون طريق الهداية والخير.

وعزّ القائل : (وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) (١).

أما المؤمنون الذين كلما ذكر الله والموت والحساب ، ازدادوا ايمانا ورهبة وخشية من تلك الساعات ، حيث يواجهون الخالق الرحيم وكلهم إيمان وأمل بأنّ ما عملوه هو لله الواحد القهار ، وأن النتيجة والمصير معروفان بلا شك ، لأنّ الله لا يضيع أجر من أحسن عملا من المؤمنين.

وهؤلاء هم الذين قال الله فيهم : (تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) (٢).

إذن فخوف المؤمن يختلف عن خوف الكافر لأنّ هذا النوع من الخوف يترتب عليه الإيمان والسكينة والقناعة والسلوك الإنساني الحميد ، فالدنيا دار امتحان مؤقتة وقنطرة للعبور إلى دار الأمان والراحة والخلود.

(٩) الخوف من تسلط الحكام الظالمين : الخوف الحقيقي ـ كما أوضحنا سابقا ـ لا يكون إلّا من الله.

والإمام الحسين (عليه‌السلام) يخاطب الناس وهو يحارب في ساحات القتال ، ويأمرهم بعدم طاعة الحاكم الجائر الظالم ، حيث يقول بأعلى صوته : «إني لا أرى الموت إلّا سعادة والحياة مع الظالمين إلّا برما» و «كونوا أحرارا في دنياكم». لأنّ الحاكم الظالم بلاء على الناس والمجتمع والدولة ، وحتى على الدول الاخرى المجاورة بعض الأحيان.

وما أكثر الحكام الظلمة في عصرنا هذا الذين أفرطوا في ظلمهم كيفا ، وجاءوا

__________________

(١) سورة الأنعام : الآية ٥١.

(٢) سورة السجدة : الآية ١٦.

٥٠

بجميع معاني الظلم إذا لم نبالغ.

ولنا أن نتصور الحالة النفسية والمعاناة اليومية والحياتية التي تحل علينا من جراء تسلط هذا الحاكم الظالم أو ذاك.

فعند ما يعيش الإنسان تحت ظل نظام تسلطي إرهابي غير قانوني وغير إسلامي ، لا بدّ وأن يكون عرضة لأي نوع من أنواع الاضطهاد ، والانتهاك ، والمضايقة السياسية ، أو الدينية ، أو الاقتصادية ، أو العنصرية. وحتى الأخلاقية. وغيرها مما لا تخطر على باله وفكره.

لأن ذلك الحاكم يتسلط على رقاب الناس بقوة السيف والمادة ، فلا قانون أو دين يردعه ، ولا عقل أو ضمير يمنعه من عمل ما يريد ، وإنما يعمل بما يمليه عليه فكره العنيف وعقله البليد ، لأنّ الناس في نظره ليسوا سوى عبيد يسيرهم وفق رغباته وشهواته وجنونه.

وفي هذه الحالة لا يبقى للفرد أية قيمة وهو يعيش في ظل كابوس الخوف والتناقض ، ويلازمه شبح الطاغوت في كل ساعة ويوم ، ولا يفارقه حتى في الأحلام أحيانا.

(١٠) الخوف من الحوادث اليومية والمجهول : يعيش اليوم الملايين من الناس حياة روتينية ، وليست لديهم مشاكل أو مضايقات يعانون منها ، إلّا أنّ طبيعة أعمالهم التي يمارسونها ، أو البيئة التي يعيشون فيها ، تجعلهم في حالة من الخوف المرتقب الذي قد يحل بهم في أي لحظة. كعمال الكهرباء والإطفاء والمجاري ، وعمال معامل السموم والمبيدات وعمال المناجم والطائرات ، وخبراء المتفجرات وشرطة مكافحة الإرهاب ، والحراس الليليين.

أو أحيانا الخوف من الحيوانات عند القرويين وغيرها.

وهنالك حالات عديدة ينتاب الانسان فيها نوع من القلق والخوف الذي لا مبرر له. وعند السؤال عن السبب ، تجد الجواب مجهولا وغامضا.

٥١

نتائج الخوف عند الكبار : بعد أن تجلت الصورة أمامنا عن مدى تأثير الخوف ، والعوامل النفسية المختلفة على روحية وجسم الانسان ، وما تتركه من آثار سيئة على صحته وتؤدي إلى تدهورها وانحرافها ، نورد الآن أهم النتائج النفسية والبدنية التي تنشأ عنها ، وهي : ـ

(أ) الإصابة بمختلف الأمراض النفسية :

١ ـ القلق الدائم.

٢ ـ الكآبة والحزن.

٣ ـ التشاؤم الدائم.

٤ ـ الهستريا.

٥ ـ إهمال النفس والهندام.

٦ ـ الشك وعدم اليقين.

٧ ـ انفصام الشخصية.

٨ ـ الهلوسة.

٩ ـ جنون العظمة.

١٠ ـ داء النسيان.

١١ ـ الخوف من الموت.

١٢ ـ حب التسلط.

١٣ ـ تغير السلوك الشخصي.

١٤ ـ بروز ظاهرة الكذب.

١٥ ـ التخلف العقلي.

١٦ ـ الجنون.

١٧ ـ الانتحار.

٥٢

١٨ ـ عقدة الشعور بالذنب.

١٩ ـ حب الاعتداء وازدياد النزعة نحو الإجرام.

(ب) الشذوذ الجنسي بكل أشكاله.

(ت) الإدمان على الكحول والمخدرات.

(ث) الميل نحو السرقة.

(ج) تدهور الصحة الجسمية وفقدان الشهية للطعام.

(ح) العزوف عن العمل أو تعثر العمل.

(خ) فقدان عنصر الابتكار والابداع.

(د) التأخر الدراسي والعلمي.

(ذ) عدم الاستقرار العائلي وتفكك الاسرة.

(ر) اختلال الوظائف الجنسية ، كالبرود الجنسي عند المرآة ، والعنّة عند الرجل.

(ز) الصداع المزمن والاصابة بداء الشقيقة.

(س) الحساسية والربو القصبي.

(ش) تساقط الشعر من الرأس.

(ص) الإصابة بالأمراض الجلدية المزمنة.

(ض) التهاب الأمعاء الغليظة (القولون).

(ط) الإصابة بقرحة المعدة والاثنى عشر والتهاب البنكرياس.

(ظ) الإصابة بمرض السكر.

(ع) الإصابة بمرض ارتفاع ضغط الدم بكافة أنواعه.

(غ) ازدياد الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية ، كالسكتة القلبية وغيرها.

(ف) ازدياد الإصابة بمرض الروماتيزم.

٥٣

(ق) ازدياد الإصابة بمرض السرطان.

(ل) ازدياد الإصابة بالجلطة الدماغية والشلل.

(ك) الإصابة بتورم الغدة الدرقية.

(م) اضطرابات الحمل وتشوه الجنين والاسقاط.

(ن) تسوس الأسنان.

(ه) إنبعاث روائح كريهة من الفم.

(و) إنبعاث روائح كريهة من الجسم خصوصا من تحت الابطين.

(ي) عدم الالتزام بأحكام الدين.

(يا) ترك التوكل على الله والاتكال بالوسائل المادية.

(يب) العزوف عن الايمان الحقيقي بالله.

(يت) الميل نحو أظهار الكفر بالدين.

(يث) اعتناق المبادئ الالحادية الهدامة.

وهكذا تتضح لنا الصورة المؤلمة بكل أبعادها ، من جراء تسلط الخوف والقلق على جميع الناس وبمختلف الأعمار ـ صغارا وكبارا ـ وفي ظني أنّ النتائج التي أوجزناها كافية لتوضح لنا مدى إتساع هذه المشكلة.

[لقد أدى القلق والاضطراب النفسي إلى تحول ثلة كبيرة من المتمدنين المعاصرين في العالم إلى مرضى ، وهذا المرض المؤلم قد سلب راحة المصابين به من الرجال والنساء. فنجد البعض منهم يستعينون للحصول على نوم بضع ساعات والاستراحة بأقراص مخدرة ومنومة ، أما في اليقظة فصراع دائب مع الآلام الباطنية والقلق المستمر ، والبعض الآخر يلجأوون لنسيان أنفسهم لبعض الوقت والتخلص من شر القلق الداخلي إلى استعمال المشروبات الروحية والحشيشة ، وهم بعملهم هذا يهدمون صرح سعادتهم وسلامتهم.

أما القسم الآخر فإنهم قد فقدوا القدرة على المقاومة بالتدريج ، على أثر الضغط الروحي المتواصل والقلق المستمر إلى حيث الاصابة بالأمراض النفسية أو

٥٤

الجنون وقضاء ما تبقى من العمر في مستشفيات المجانين بأسوأ حال وأشنع صورة.

وهناك طائفة تأزمت حالتها تجاه المضايقات الروحية المستمرة إلى درجة أنها أفلتت عنان الاختيار من يدها ، وأقدمت على الانتحار من القلق والألم ، وبهذا الوضع المزري ينهون تلك السلسلة من الاضطرابات] (١).

لنعد الآن إلى الآية الكريمة : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ).

فالآية الكريمة تدل على أنّ لكل شيء ثمرا ، فالذي يريد أن يجني ثمرا عليه أن يزرع ويبذل الجهد ليحصل على ما يريد ، وكذلك العامل والمؤمن وكل من يريد الآخرة والجنة ورضى الله ، عليه أن يضحي في حياته ، ويصبر على مكاره الدنيا وامتحاناتها ، فلا جنة بدون امتحان وتمحيص. وعلى الناس أن يمروا بسلسلة من الاختبارات والامتحانات القاسية التي تظهرهم على حقيقتهم ، حتى يكونوا أهلا لرضى الخالق كما قال الله تعالى : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ) (٢).

ومن المعلوم والواضح والبديهي أنّ أشد أنواع الامتحان صعوبة على النفس هو فقدان المال أو إعطاؤه جبرا ، والموت ، أو صعوبة الحصول على الغذاء اللازم ، أو مرور الإنسان بحالة من القلق والخوف التي قد تؤدي إلى زعزعة إيمانه وهز كيانه ووجدانه.

ولكن الشيء الذي يلفت النظر ويعتبر من المعجزات القرآنية التي حيرت علماء النفس والباحثين ، وجعلتهم يقفون موقف الاحترام والاجلال والخشوع والايمان ، هو دقة وإعجاز وشمولية آيات القرآن ، وتوافقها الدائم وتفسيرها ـ الذي لا يقبل الطعن والنقاش ـ للمستجدات التي تظهر للوجود خلال المراحل الزمنية

__________________

(١) الشيخ محمد تقي فلسفي : الطفل بين الوراثة والتربية.

(٢) سورة البقرة : الآية ٢١٤.

٥٥

الحاضرة والمستقبلية ، وما يرافقها من اكتشافات علمية ومشاكل اجتماعية جديدة.

فالله سبحانه وتعالى قدم الخوف في هذه الآية على غيره من الامتحانات الآلهية ، لكي يتبين عندهم عمق الايمان وصدق الحقيقة ، قبل غيرها من الامتحانات كالجوع ونقص الأموال والأنفس والثمرات. علما بأن الخوف وغيره جاء جزئيا وليس ، كليا ، لأنّ الانسان الاعتيادي لا طاقة له على تحمل الخوف الكلي الشمولي الذي يتطلب أعلى حالات الاستعداد النفسي والصبر والصمود.

وخلاف ذلك يصبح الانسان عرضة للانهيار النفسي والعصبي ، الذي قد يقوده إلى الضلال وحاشا لله وهو أرحم الراحمين.

فلا عجب أن ترى الدهشة تصيب بعض قراء القرآن الكريم الذين ليست لديهم المؤهلات أو العمق العلمي الكافي من التفسير وهم يلاحظون باستغراب.

إنّ الخوف يتصدر قائمة الامتحانات التي فرضها الله على عباده ، ليرى الصالح منهم والطالح على بقية الامتحانات الاخرى ، والتي هي بنظرهم أكبر وأعظم وأشد من الخوف في تأثيره على البشر.

وهنا تكمن حقيقة كون القرآن ، كان ولا يزال وسيبقى ، من أكبر معجزات الاسلام التي خلدها الدهر والعلم.

فالآية الكريمة عند مقارنتها ومطابقتها مع الواقع الذي بيناه وفصلناه بما مرّ ذكره ، يتجلى لنا الاعجاز الربّاني والقرآني بأسمى وأجل وأقدس معانيه ، إذ أنها وضّحت لنا الحقيقة بأسبقيتها وقوة تأثيرها على الانسان.

ولنأخذ ـ مثلا ـ أحد الأفراد الذين يعيشون على ظهر هذا الكوكب الشاسع ، ونجري عليه بعض الامتحانات والاختبارات التي من خلالها نستكشف المعجزة القرآنية في هذه الآية ، ونرى النتيجة المعطاة بعد ذلك.

فالانسان خلال مسيرة حياته ، إذا تعرض لخسارة ، أو جوع ، أو فقدان أحد أحبائه ، أو أفراد اسرته ، قد يصاب ـ أو لا يصاب ـ بصدمة معينة تلازمه بعض الأحيان ،

٥٦

وفي الغالب تمر بشكل سريع ، ولكن بمرور الأيام يحل النسيان محلها ، ولا يبقى منها شيء يذكر خلال مسيرته الحياتية. بينما الخوف والقلق الذي غطى أغلب طبقات المجتمع فرض نفسه على الانسان بصورة دائمة ومخيفة ، وبتناسب طردي مع تقدم الحياة وعصريتها والآثار الناجمة عنها.

وأظن أنّ أغلب الناس بدأوا يشعرون بعظم هذه الكارثة التي تلازمهم كالظل ، ولو سألنا الآن الطاعنين في السن عن الكثير من الأمراض التي ظهرت حديثا بشكل كبير وازدادت بصورة غير متوقعة ومحسوبة لأظهروا العجب ، وأنكروا وجودها سابقا بهذه الحالة الرهيبة.

فلا عجب إذا شاهدنا أنّ كثرة المستشفيات والأطباء والعقاقير لم تعد كافية ، وليس بمقدورها كبح جماح الزيادة الرهيبة في الأمراض النفسية ، وخصوصا الخوف والقلق. ولا نستغرب أنّ كثيرا من الناس لم يسمعوا سابقا بمرض السرطان ، لا بسبب عدم وجوده ، ولكن لندرته وقلة الناس بالمصابين به.

ومرض السكر هو الآخر كان من الأمراض النادرة ، والمصابون به لا يتعدون العشرات ، وكذلك ضغط الدم ، والسكتة القلبية ، كانت من العجائب عند الأقدمين.

أما قرحة المعدة وتهيج (القولون) ، وقلة الشهية ، والعزوف عن الطعام ، فهي عجيبة اخرى ، أو نكتة يتداولونها في أحاديثهم ، لأن الانسان كان يأكل من الطعام أضعاف ما يأكله الآن بالرغم من عدم تنوع طعامه ومأكله.

والإحصاءات الحديثة التي تبين زيادة الأمراض النفسية والجسمية بصورة مضطردة وكبيرة ، هي بلا شك برهان قاطع على أنّ الخوف والقلق سيكون مشكلة المستقبل التي يستعصى حلها والسيطرة عليها.

كما أنّ وجود المال الوافر والعقارات الكثيرة وكثرة الأولاد وتوفر الغذاء ، لا تجعل الانسان سعيدا إذا كان مصابا بعقدة الخوف ، التي تجعله ينظر إلى المستقبل بعين القلق والاضطراب ، كما أنّ الأضرار الناجمة منها لا يمكن تعويضها بتلك النعم الزائلة. وقد يكون الموت سعادة لبعض الناس المؤمنين ، أو خلاصا ظاهريا للأشقياء

٥٧

والمرضى من شقائهم ومرضهم.

وأمامنا الآن أمثلة كثيرة على أنّ الخوف والقلق إذا استمر وأخذ يغلي ويتفاعل في صدر الإنسان ، فربما يجره إلى مكاره كثيرة تؤدي به في النهاية إلى ارتكاب مختلف الجرائم كالقتل ، والسلب ، وإيذاء الناس ، وتدمير الممتلكات ، وغيرها.

إذن هكذا الصورة الحالية لإنسان القرن العشرين الذي يعيش الخوف بمختلف أشكاله ومعانيه ، فلنا أن نتصور حالة إنسان ما بعد هذا القرن حينما تزداد الاضطرابات ويعم الخوف المرعب نتيجة العوامل التي مرّ ذكرها واستفحل أمرها ، مضافا إليها التفكك العائلي الذي نشهده الآن بكل أبعاده ومآسيه ، والسباق المادي الطاغي ، وابتعاد الناس عن الالتزام والتمسك بالدين الاسلامي الحنيف ، الذي يدخل السعادة إلى قلوبهم ويجعل منهم جبلا شامخا يكافح الصعاب.

وأخيرا لا يبقى أمامنا إلّا بابا واحدا يحوي كل الحلول الجذرية المطلوبة ، ألا وهو الايمان الكامل بقضاء الله وقدره. لأن الايمان بالله يجعل الانسان في أقصى وأعلى وأتم حالات الهدوء الروحي والنفسي ، ويزوده بالقدرة الكافية على كبح شهواته وغرائزه وميوله ، ويمكنه من الاحتفاظ بشخصيته أمام الحوادث والويلات التي تجلبها الحياة ، ويكسبه الحصانة الآلهية التي تمنعه من السقوط في خضم الاضطرابات النفسية العديدة.

[هنا يظهر دور الإيمان الكبير في علاج مرض القلق ، فإنّ المؤمنين يتسندون إلى الله تعالى في مد الحياة وجزرها. ويستعينون بألطافه وعناياته باستمرار ، ولذلك فهم يملكون أرواحا قوية ، ونفوسا تتحدى التحطيم ، ولا يفشلون أمام تقلبات الحياة ، حيث قال الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (١). إنّ المؤمن لا يشعر بالصغار والذلة أبدا ، لأنه يجد أنه يستند إلى أعظم قوة

__________________

(١) سورة الاحقاف الآية ١٣.

٥٨

في الوجود ، ذلك هو الله تعالى (أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (١)] (٢).

ويقول (وليم جيمس) أبو علم النفس الحديث واستاذ الفلسفة في جامعة (هارفرد) : [إنّ أشد العقاقير تأثيرا في رفع القلق هو الإيمان بالله والاعتقاد الديني] (٣).

فالحاصل النهائي الذي يتوجب على الانسان الأخذ به هو التوكل على الله ، لأنه نعم المولى ونعم النصير.

ولأنّ الخائف لا عيش له ، والحزن يهدم الجسد ، والهم نصف الهرم كما قال أمير المؤمنين علي عليه‌السلام (٤).

* * *

__________________

(١) سورة الرعد : ٢٨.

(٢) العلامة الشيخ محمد تقي فلسفي : الطفل بين الوراثة والتربية.

(٣) دع القلق وابدأ الحياة : ص ١٥٩.

(٤) سفينة البحار للشيخ عباس القمي.

٥٩

الموضوع الثاني

«فرعون»

شاءت الظروف والصدف أن يحكم بعض مناطق العالم في حقبة من الزمن بعض الملوك والامراء الذين وجدوا أنفسهم على رأس السلطة ، فأخذوا يتصرفون بما يحلو لهم متمتعين بكل السلطات والصلاحيات المطلقة التي تتيح لهم التصرف بالدولة وكأنها ملك آبائهم ، وبالناس كالعبيد المطيعين.

وقد مارس هؤلاء الحكام مختلف الأعمال ، وارتكبوا المآسي التي تفوق حدّ الإحصاء ، بسبب تلك الصلاحيات والقدرة التي كانوا يتمتعون بها. فمارسوا الهيمنة على الناس بأبشع صورة ، وقبضوا على السلطة بيد حديدية قاسية لا ترحم ولا تسمح لأحد حتى بابداء الرأي في الامور البسيطة ، لأنّ كل الأشياء والموجودات في نظرهم هي من بركات وجودهم ، وهذا ما حدا بهم بصورة تدريجية أن يتخيلوا ويتصوروا أنفسهم اناسا غير عاديين ، وأنّ بقية بني البشر هي مخلوقات دون مستواهم من جميع الوجوه.

وقد أدى بهم هذا الوضع الشاذ والمصطنع في نهاية المطاف إلى أن يصابوا بجنون العظمة والخيلاء ، فعاشوا وتصرفوا وفق هذا التصور الخاطئ ، الذي جرفهم في النهاية إلى حالات نفسية معقدة اختلفت من واحد لآخر ، وتراوحت بين الدكتاتورية والأنانية وحب التسلط والعظمة ، وحتى بعض حالات الجنون العنيفة.

ومن هؤلاء الحكام (فرعون) الذي حكم (مصر) بقوة الحديد والنار ، وسخر الناس لمآربه الخاصة ، حتى أعلن عن نفسه بكل وقاحة بأنه إله واجبة طاعته ، وأخذ يتصرف بمصر وأهلها بصفته الربّ المقدّس الذي أوجد ومنح لهم النعمة.

هكذا أخذ (فرعون) يفعل ما يشاء وفق عقليته السوداء التي سيطرت عليه ، فنصّب على رؤوس الناس الطغاة والمارقين وقتل الكثيرين بأسباب واهية ، واستولى

٦٠