القرآن والطبّ الحديث

الدكتور صادق عبدالرضا علي

القرآن والطبّ الحديث

المؤلف:

الدكتور صادق عبدالرضا علي


الموضوع : الطّب
الناشر: دار المؤرّخ العربي
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٢٤

ثم تقره! وتلك نتيجة طبيعية لاثارة الغريزة بالأزياء الفاضحة والمواقف المريضة التي تفضح فيها الشهوات وتستعلن الحيوانية ..

لكنهم لا يقرون ولا يتراجعون ، ولا عليهم! فلتتغير الأخلاق والقيم بدلا من أن تتغير الأوضاع! وليصبح الفسوق تقدما والرذيلة فضيلة ، بدلا من الاعتراف بفساد العادات وخطأ التجارب ..

لهذا نلاحظ أنّ المجتمعات الغربية بصورة خاصة راحت تعاني من انهيار كيان الاسرة ، وكثرة الأطفال غير الشرعيين وزيادة حالات الطلاق ، وشيوع الأمراض الناتجة عن الشذوذ الجنسي. وحالات قتل الزوج للزوجة ، وبالعكس .. ومشاكل اخرى كثيرة خلقها الواقع الاجتماعي الذي لم يحترم المرأة والذي لم ينظر إليها بمنظار يتناسب والفطرة التي فطرها الله عليها ..

والقرآن الكريم أرشدنا في آياته الحكيمة إلى كيفية مواجهة مشاكلنا الاجتماعية التي نمر بها يوميا طيلة عمر الانسان ، من خلال وضعه لحلول صحيحة وقويمة كفيلة للتغلب على تلك المشكلات ، بعد أن أثبت الواقع بأنّ عدم مراعاتها وإهمالها يؤدي بالنتيجة إلى حدوث كوارث عائلية لا حصر لها ، وتنعكس آثارها على المجتمع أخيرا. كما نراه اليوم في المجتمعات الغربية التي تشجع ظاهرة الاختلاط الجنسي والعائلي ، من بروز الانحرافات النفسية والجنسية والاجتماعية.

فالازدحام السكاني ، واختلاط السكن ، والعمارات السكنية الكبيرة لها الدور الكبير والمؤثر في استفحال هذه الظاهرة الخطيرة التي تهدد كيان الاسرة والمجتمع.

فوجود الخدم والعمال في البيوت ، خلافا للشرع الاسلامي ، والذي سبب حوادث كثيرة انتهت إلى تحطيم العديد من الاسر وتهديم كيانها ، لمن أكبر الشواهد وأصدق الأدلة على ما نطقت به آيات القرآن الكريم.

كما أنّ الانحراف الجنسي عند صغار الأطفال ، لدليل آخر على أنّ للعامل

١٨١

التربوي والاسكان العلمي والالتزام الديني أهمية كبيرة في حفظ الملايين منهم من الضياع ، والانزلاق في مزالق الشذود والانحراف الجنسي المدمر.

ولتجنب حدوث هذه المخاطر التي تستقبل أطفالنا واسرنا لا بدّ من دراسة هذه الظاهرة وفق الاسس التي حددها القرآن الكريم ، دفعا لما لا يحمد عقباه.

من ذلك توجيه وإرشاد الأطفال ـ ذكورا واناثا ـ الذين بدأوا يتحسسون القضايا الجنسية ، كيفية التصرف داخل الاسرة خلال ممارسة حياتهم اليومية.

والأوقات الثلاثة التي حددها القرآن هي أوقات حساسة ذات مساس بالجانب النفسي والتربوي للاسرة والمجتمع.

الوقت الأول : قبل صلاة الفجر عند ما يكون الانسان في حالة نوم عميق ، وهو يرتدي ملابس النوم الخاصة. أو لا يستر بعض أجزاء جسمه وعورته غطاء ، وربما يكون الغطاء والملابس شفافة تكفي للكشف عن أجزاء محرمة من جسم النائم.

الوقت الثاني : حين يقوم الانسان بتبديل ثيابه عند الظهيرة ليسترخي وينام ، يكون قد أصبح عرضة للتفرج والنظر اليه من قبل أحد محارمه الذي يدخل عليه دون استئذان بدافع الفضول أو الغريزة ، مما يؤدي إلى حالات ارتباك وخجل عند الناظر والمنظور إليه ، تنتهي تدريجيا إلى الشذوذ الجنسي.

الوقت الثالث : بعد صلاة العشاء ، حين ينوي الانسان تغيير ملابسه وتبديلها بملابس النوم الخاصة ، ويكون حرا في تصرفاته بعيدا عن أنظار المحرّمين شرعا ، سواء كانوا من المماليك أو أطفال الاسرة نفسها.

وتعتبر هذه الفترة من الفترات الحساسة التي تتوجب على الانسان أخذ الحيطة والحذر فيها منعا لوقوع وارتكاب أخطاء تربوية يلحق ضررها بالاسرة والمجتمع.

وما نشاهده اليوم من ظواهر سلبية ومؤلمة حرفت المجتمع عن طريقه

١٨٢

السوي ، وقذفته في متاهات الشذوذ والانحراف الجنسي ، إلا نتيجة الاهمال المتعمد وغير المتعمد للقوانين الإلهية ، التي جاءت بأفضل الارشادات التربوية ووضعت حلولا شافية لتلك المأساة الاجتماعية وأخطارها ، التي عصفت بأمن واستقرار الجو العائلي والاجتماعي للاسر والمجتمعات الاسلامية ، التي لم تلتزم بالاسلام فكرا وتطبيقا ، وغير الاسلامية التي لم تطلع على عظمة القرآن والاسلام.

الاختلاط وأمراضه النفسية والاجتماعية :

١ ـ انتشار ظاهرة الزنا والخيانة الزوجية.

٢ ـ تفشي الشذوذ الجنسي بين النساء.

٣ ـ انحراف الأطفال واللواط بين الذكور.

٤ ـ كثرة الفضائح الأخلاقية والمشاكل النفسية.

٥ ـ كثرة حالات الحمل غير الشرعي ، وما يرافق ذلك من مضاعفات وعواقب غير محمودة.

٦ ـ انتشار الأمراض الجنسية المختلفة.

٧ ـ زيادة المشاحنات والمشادات العائلية.

٨ ـ انعدام الثقة بين أفراد العائلة والمجتمع وزيادة حالة الشك.

٩ ـ تعرض الأطفال لأنواع الصدمات النفسية ينجم عنها ظاهرة الفضول والشذوذ.

١٠ ـ تسرب الأسرار العائلية إلى الخارج ، وما يتبعه من صدمات ومشاكل.

١١ ـ تفشي العادة السرية بين المراهقين.

١٢ ـ ازدياد حالات الطلاق والتسيب وهروب الأطفال من البيت.

١٣ ـ توتر العلاقات الاجتماعية مع الأقارب والجيران.

١٤ ـ التأثيرات التي تمحو غالبا التواضع الفكري والاخلاقي الذي عليه مدار حفظ الفضيلة.

١٥ ـ يؤدي الاختلاط إلى تزاحم في الأعمال مما يضعف الانتاج.

١٨٣

الموضوع الثاني

«الفواحش»

(قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِ) (١).

(وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلاً) (٢).

(وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ) (٣).

(وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا) (٤).

(إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) (٥).

وروي عن الامام أمير المؤمنين علي (عليه‌السلام) أنه قال : «إذا أراد الله بعبد خيرا حال بينه وبين شهوته ، وحجز بينه وبين قلبه ، وأذا أراد به شرّا وكّله إلى نفسه».

وفي (نهج البلاغة) : «من عشق شيئا أعشى بصره ، وأمرض قلبه ، فهو ينظر بعين غير صحيحة ، ويسمع بأذن غير سميعه ، قد خرقت الشهوات عقله ، وأماتت الدنيا قلبه ، فهو عبد لها ولمن في يديه شيء منها ، حيثما زالت زال إليها ، وحيثما أقبلت أقبل عليها ، لا ينزجر إلى الله بزاجر ، ولا يتعظ منه بواعظ».

__________________

(١) سورة الأعراف : الآية ٣٣.

(٢) سورة الاسراء : الآية ٣٢.

(٣) سورة الأنعام : الآية ١٥١.

(٤) سورة النور : الآية ٣٣.

(٥) سورة النور : الآية ١٩.

١٨٤

وقال بعض الحكماء : «إذا انقادت النفس للعقل بما قد أشعرت من عواقب الهوى ، لم يلبث الهوى أن يصير بالعقل مدحورا ، وبالنفس مقهورا».

وقال بعض العلماء : «الهوى ملك غشوم ، ومتسلط ظلوم».

وقال بعض الادباء : «أعز العز الامتناع من ملك الهوى».

وقال بعض البلغاء : «أفضل الناس من لم تفسد الشهوة دينه ، وخير الناس من أخرج الحرص من قلبه ، وعصى هواه في طاعة ربه».

وقال بعض الأكابر : «أفضل الجهاد ، جهاد الهوى».

وقال بعض الأعاظم : «لا تسكن إلى نفسك وإن دامت طاعتها فإن لها خدائع ، وإن سكنت إليها كنت مخدوعا».

وقال أحد الشعراء :

إذا المرء أعطى نفسه كل ما اشتهت

ولم ينهها تاقت إلى كل باطل

وساقت إليه الاثم والعار بالذي

دعته إليه من حلاوة عاجل

خلق الله الانسان وهو يحمل معه العقل والشهوة ، فإذا سيطر العقل على الشهوة عاش الأنسان سعيدا ، بعيدا عن الفواحش والمفاسد ، متجها بروحه وقلبه إلى عش الزوجية السعيد ، فالزواج يعتبر من سلسلة العلاقات الكونية ومن مقتضيات الفطرة ، ومن مقتضيات قدرة الله تعالى في خلقه (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ).

(سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ) (١).

ويعتبر الزواج اتجاها في تركيب الانسان ، وهو اتجاه تكويني بالدرجة الاولى قبل أن يكون اتجاها تشريعيا ، أي أن إقامة علاقة بين الذكر والانثى في مجتمع الانسان ضمن إطار الزواج يعتبر سنّة وقانونا تكوينيا ، نابعا من تكوين وخلقة

__________________

(١) سورة يس : الآية ٣٦.

١٨٥

الانسان ومن طبيعة الانسان. (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً) (١).

في نفس الوقت يعتبر الزواج من السنن التشريعية فيقول الرسول الأكرم (ص) : «الزواج سنّتي فمن رغب عن سنّتي فليس منّي» (٢).

وقال تعالى : (هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَ) (٣).

وقال (ص) : «من جاءكم ترضون دينه وخلقه فزوّجوه الّا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير» (٤). وهو بذلك يضع لنا مقومات الحياة الزوجية السعيدة ، ويوضحها لنا حتى نسير عليها.

والزواج مبادلة روح بروح : (وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً) (٥).

حدّد الله سبحانه عقد الزواج بألفاظ ذكرها في كتابه العزيز ، أوجب الوقوف عندها ، والتعهد بها تماما كألفاظ العبادة ، وأضفى على عقد الزواج من القداسة ما أبعده عن كل العقود ، كعقد البيع والاجارة ، وما إليها ، لأن البيع مبادلة مال بمال ، أما الزواج فمبادلة روح بروح ، وعقده عقد رحمة ومودة ، لا عقد تمليك للجسم بدلا عن المال.

وقال الفقهاء : «إنّ عقد الزواج أقرب إلى العبادات منه إلى عقود المعاملات والمعاوضات ، ومن أجل هذا يجرونه على اسم الله ، وكتاب الله ، وسنة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ...».

وإذا تنبهنا إلى أن كلمة ميثاق لم ترد في القرآن الكريم إلّا تعبيرا عما بين الله وعباده من موجبات التوحيد ، والتزام الأحكام ، وعما بين الدولة من الشؤون العامة

__________________

(١) سورة الروم : الآية ٢١.

(٢) الطبرسي (مجمع البيان) ج ٧ ص ٢٣٦.

(٣) سورة البقرة : الآية ١٨٧.

(٤) وسائل الشيعة : ج ٧ ص ١٥١.

(٥) سورة النساء : الآية ٢١.

١٨٦

الخطيرة ، علمنا مقدار المكانة التي سما القرآن بعقد الزواج إليها.

وإذا تنبهنا مرة اخرى إلى أن وصف الميثاق «بالغليظ» لم يرد في موضوع من مواضعه إلّا في عقد الزواج ، تضاعف لدينا سمو هذه المكانة التي رفع القرآن إليها هذه الرابطة السامية عن كل ما أطلق عليه كلمة ميثاق.

... فالقرآن الكريم حدد الهدف من عقد الزواج ، وهو السكنى. والسكنى بمعنى أن الاستقرار والاطمئنان في الحياة لا تتم إلّا بمشاركة المرأة بطبيعتها والرجل بطبيعته ، وهما إذن طرفا عقد الزواج.

... إنّ العلاقة الجنسية المحظة في تفكير بعض الشارحين للحياة اليومية والاجتماعية .. هو اقتران مادي ، لا ينهض أن يكون آية من آيات الله ونعمة من نعمه سبحانه ، التي يسوقها دليلا على خالقيته واستحقاقه الربوبة والعبادة في الانسان.

أما إذا تغلبت الشهوة على العقل فقد أصبح الانسان مطية لها تسيره كيف تشاء ، حتى تنتهي به إلى الهوى في طريق الضلال والفساد والفحشاء.

فجريمة (الزنا) ينكرها الناس جميعا ، وتنكرها كذلك المدنية الغربية جهرا ، وترضى عنها سرا!!

وقد أنكرها الاسلام سرا وجهرا. وجعل سرها عنده كالجهر بها ، في اعتبارها عدوانا على حدود الله ، واستباحة لحرماته .. ولكنه جعل الحد الذي أوجب إقامته على الزناة عقوبة دنيوية ، وذلك للتشنيع على هذا الفاحشة ، ونكالا بالذين يخرجون على المجتمع هذا الخروج السافر بلا حياء ، واستحياء حيائه ..

أما العقاب لمن يأتي هذه الجريمة سرا ، فهو إلى الله تعالى يوم القيامة .. إن شاء عفا رحمة وفضلا ، وإن شاء عاقب حقا وعدلا ..

ومن جهة اخرى فإنّ إباحة الزنا في مجتمع أو تفشيه بين أفراده ، دون أن ينكره ضمير المجتمع أو يتأذى به شعوره ، فإن معنى ذلك ضياع الأنساب ، وانقطاع صلة الأبناء بآبائهم ، وحل روابط الاسرة التي يقوم بناؤها على صلة الدم بين أفرادها.

١٨٧

وإنّ من نتائج ذلك تصدع المجتمع ، وانهيار بنيانه ، حيث تموت فيه دواعي العمل للحاضر والمستقبل من خلال تلك العاطفة الأبوية ، التي تلح على الكائن الحي أن يعمل من أجل صغاره ، الذين يرى فيهم وجوده .. فكيف بالانسان وما خلق الله تعالى فيه من عقل وإرادة؟

من أجل هذا كان ذلك التشريع الاسلامي ، الذي يحمي به مجتمع المسلمين من الانهيار ، والانحدار إلى عالم دون عالم الحيوان ، حيث أنّ كثيرا من الحيوانات يقوم اتصال الذكر فيها بالانثى على حماية انثاه من أن يتصل بها غيره من جنسه.

وفي هذا يقول الله تعالى : (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (١).

وهذه الآية خاصة بغير المحصنين ، أما المحصنون فقد جاء الحكم برجمهم بقول الرسول الكريم (ص) ، وبعمله .. إذ أنّ غير المحصن أكثر تعرضا للوقوع في هذه الفاحشة ، وأكثر جرأة عليها ، وإتيانها على هذا الاسلوب العلني الذي يراه الناس فيه رأي العين!!.

أما المحصن ، وهو المتزوج ، فإنه لا تتحكم فيه الشهوة تحكمها في غير المحصن ، كما أنه يجد من الحياء ما يرده عن المعالنة بهذا المنكر على رؤوس الأشهاد ..

وقد اتخذ المفترون على الاسلام ما قررته شريعته من الجلد ، والرجم ، مع الفضح والتشهير لمرتكبي هذه الجريمة .. اتخذوا من ذلك بابا واسعا يدخلون منه للطعن على الاسلام ، وعلى فقدان الجانب الانساني فيه .. إذ كيف يبلغ به أن يجلد الانسان كما يجلد الحيوان ، ثم لا يكتفي بهذا بل يمثل به هذا التمثيل ، فيدعو الناس إلى مشاهدته وهو يتلوى تحت سياط العذاب؟

أما عملية الرجم ، فهي عملية أشد بشاعة ، وأنكر نكرا من كل ألوان العقاب

__________________

(١) سورة النور : الآية ٢.

١٨٨

والعذاب .. فهذا رجل ، وتلك امرأة يرمى بهما أحياء في حفرة ، ثم تأخذهما الأيدي من كل جانب ، رجما بالحجارة ، حتى الموت!!

هكذا يقول المفترون على الاسلام ، دون أن ينظروا إلى ذلك الانسان الذي وقع تحت هذه العقوبة ، وإلى أي مستوى حيواني ـ لا إنساني ـ نزل إليه.

حقا إن العقوبة قاسية ، فيها إهدار لآدمية الانسان ، واستخفاف بإنسانيته ..

ولكن أي إنسانا هذا الذي أهدر الاسلام آدميته ، واستخف بإنسانيته؟

إنه لم يعد إنساسا بإقدامه على هذا الفعل على تلك الصورة ، التي يأبى كثير من الحيوان أن يفعلها علنا ، بل كثير من الحيوانات إذا اتصلت بانثاها حرصت على أن تذهب بعيدا بحيث لا تراها عين ، من إنسان أو حيوان!

أما هذا الحيوان الآدمي ، فقد تعرى من كل معاني الانسانية ، فلا حياء ، ولا عفة ، ولا مروءة ، بل فجور ، وتجرد من الحياء. واستخفاف بالجماعة التي يعيش بينها ، فلا يكتفي بالعدوان على حرمة أحد أفرادها ، في ستر وخفاء ، بل يأتي جريمته علنا على أعين الناس ، وكأنه في حجرة مغلقة عليه ، وعلى زوجه!

إنّ الناس حين يرون كلبا علق بكلبة في الطريق العام يرجمونهما بكل ما يقع بأيديهم من حجارة ، أو نحوها. هكذا بدون حساب أو تقدير .. وهكذا ينبغي أن يفعل بالرجل والمرأة إذا رآهما الناس على تلك الحال ، وغاية ما هناك هو أن يقادا إلى ولي الأمر ، وتقام عليهما الشهادة من أربعة شهود عدول ، ثم يقضي ولي الأمر بالحد الذي قضت به الشريعة فيهما ، ولا نحسب أنّ مجتمعا من المجتمعات يقبل أن يرى هذا الفعل المنكر ، ثم لا ينكره بالعمل ، ويعجل بإنفاذ العقوبة في مرتكبيه قبل أن يسوقهما إلى ساحة القضاء!

ولو استعرضنا العصر الجاهلي وما انتشرت في وسطه من فواحش أدت إلى انحطاطه وفساده ، عرفنا أثر تلك الفواحش التي حرمها الأسلام كي يجعل من مجتمعه مجتمعا قويا محصنا بعيدا عن المفاسد والآثام.

١٨٩

وكانت الآيات القرآنية هي الدستور الرادع والحل الوحيد الأمثل والبلسم الشافي الذي يداوي جروح المجتمع الجاهلي ، ويخلصه من آثامه ومفاسده ، ليحفظ وحدة الاسرة ويؤدي إلى تماسك المجتمع.

فقال عز من قائل : (الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) (١).

وهنا يتجلى نجاح التحريم بسلامة التطبيق ، ويحدثنا التأريخ أن الفترة التي حكم فيها الرسول الأكرم (ص) والإمام علي (ع) قد ندرت فيها الفواحش والآثام ، وما ذلك إلّا لتطبيق أحكام الشريعة الاسلامية التي هي ـ بحق ـ ضمان أكيد للقضاء على كل ألوان الموبقات. كتشجيع الزواج المبكر الذي لا تعيقه قيود.

وتتعاقب الأيام ويتعطل العمل بالقوانين الاسلامية ، فماذا كانت النتيجة؟

هي تعرض الجنس البشري للحيف والاضطهاد والمعاناة من القوانين والأعراف الظالمة ، وتحمله من البطش والارهاب الشيء الكثير خلال المسيرة الطويلة الشائكة ، والمرأة بصورة خاصة قد تحملت الشق الأكبر من هذا الحيف والظلم والبطش والانتهاك .. فلم ينظر للمرأة على أنها إنسانة لا تختلف عن أخيها الرجل إلّا بما فرضته واقتضته طبيعتها الانثوية ، فقد كان ينظر إليها من زاوية ضيقة داكنة رعناء ، فكانت وفقا لتلك النظرة تعامل معاملة قاسية جائرة ، وكانت تئن وتلتوي تحت سياط الحيف الاجتماعي اللاذعة ، وتبكي وتتضرع لعلها تثير في النفوس الغليظة الرأفة.

تذكر مجلة المانية : «إنّ تحرر المرأة وابتعادها عن الدور الطبيعي لها ، كان عاملا رئيسيا في الصعوبات التي تواجه زيجات اليوم .. وأنّ المرأة المعاصرة أصبحت حائرة في نفسها :

أ ـ كأم أمينة تعني بأولادها وزوجها ، وتخصيص رعايتها لهم.

ب ـ وكمشاركة في الكسب ، وشريكة شركة كاملة في الزيجة.

__________________

(١) سورة النور : الآية ٣.

١٩٠

ج ـ وكملاعبة ، جذابة للرجل» (١).

ولذلك ابتدأت معايير السلوك الأخلاقي تتغير ، فالمرأة العاملة إذا أتاح لها الاستقلال الاقتصادي حرية وانطلاقا أوسع ، فلا غضاضة عليها إطلاقا من الناحية الأخلاقية ـ تبعا لمنطق الإستقلال ـ أن تسلك مع الرجل في المعاشرة الجنسية مسلكا يخالف ما جرى عليه العرف الأخلاقي في المجتمعات ، وهو الذي قام على عقد الزواج وحده.

حتى أنّ إحدى محاكم (كوبنهاكن) بالدانمارك أصدرت قرارا .. يعتبر أول قرار من نوعه في العالم ، يرفض قبول الخيانة الزوجية كسبب من أسباب الطلاق (٢).

لأن وضع المجتمع الصناعي أتى بفرصة العمل للمرأة ، ومكنها استقلالها إقتصاديا في الانفاق على حياتها الخاصة ، فلم يعد هناك مكان فسيح للارتباط بعقد الزوجية في السلوك الجنسي ، وفي شرعية العلاقة بين الرجل والمرأة!.

أما الحياة العامة في المجتمع الغربي فيقول عنها (بول بيرو) العالم الاجتماعي الفرنسي المعروف :

«إنّ من أراد من الباحثين أن يطالع حياتنا المدنية من خلال هذه النماذج للحياة التي لا يزال يعرضها كتاب مسرحياتنا منذ ثلاثين أو أربعين عاما ، فلا جرم أنه يستنتج أنّ جميع الأزواج المتزوجة في مجتمعنا قوم خونة متجردون من الوفاء اللازم للعشرة الزوجية ، فيكون كل زوج إما بليدا غافلا أو يكون لزوجته بلاءا ونكبة ، وأما الزوجة فأحسن خصالها أن تكون في كل حين متبرمة من زوجها وتكاد تميل بهواه عنه إلى غيره» (٣).

فالمرأة التي عملت في تلك المجتمعات في غير مجالها الحقيقي .. قد اضطرت

__________________

(١). Dieneue lllust Rierteفي عددها الرابع والأربعين ص ٣٨ في أول سبتمبر سنة ١٩٦٤ م

(٢) جريدة الأهرام القاهرية عدد ٢٨٤٦٤ ص ٢ ملحق في ١٥ / ١١ / ١٩٦٤ م.

(٣) مجلة (الصحوة الإسلامية) العدد الثاني ـ ذي القعدة ـ ١٤٠٥ ه‍ مقال بعنوان (الغرب وشعارات حرية المرأة).

١٩١

لغيابها عن البيت إلى تسليم أطفالها إذا كان لها أطفال إلى دور الحضانة ، والمربيات .. وليس في هذه الأماكن مسحة من حنان أو عطف من امومة ، يعوض نظرات الام وحنانها ، وضمها لصغيرها في ساعة يقظة منه .. ومن هنا انعكست آثار تلك الأعمال على الأجيال التي تسلمت زمام المجتمع ، وتحكمت في مصيره ..

«أما في عصرنا الحالي حيث قطعت البشرية أشواطا بعيدة من التقدم المادي ، وتفتحت أمامها أبواب علمية جديدة ، واستطاع الأنسان أن يهتدي إلى طرق وخبايا لم تكن تدور في ذهن الأسلاف ، فإنّ المرأة في ظل المجتمعات الغربية لم تكن بأحسن من حال اختها في الأزمان الدارسة. فراح ينظر إليها على أنها (انثى) فقط وليس كونها إنسانة يجب أن يكون لها الموقع الحقيقي ، وأن تحظى بإحترام وتقدير المجتمع ، وأن تصان عفتها وشرفها ، وأن تنال من التربية والأخلاق ما يتناسب مع رسالتها في إعداد الأجيال النقية الصالحة ..

صحيح أنه قد رفعت شعارات (حرية المرأة) وطالب بهذه الحرية كثير ممن تأثروا بالغرب في ديار المسلمين ، ولكن ما ذا تعني حرية المرأة في نظر هؤلاء؟ إنها الإباحية والمجون والانتهاك. فحرية المرأة هي أن تتحول إلى جنس يتحرك على مسرح المجتمع ليشبع غرائز التائهين والمتعطشين ، وأن تتحول إلى وسيلة لهو عابث ، وإلى أسلوب دعائي خليع على صفحات المجلات التافهة ومداخل الشوارع وواجهات المحلات .. ونتيجة لذلك كله فقد انحدرت المرأة إلى أودية التيه وسقطت في حفر الضياع. وغرقت في مستنقعات الامتهان والفساد وأضحت لعبة مسلية لهذا وذاك خالية من الأحاسيس والمشاعر.

لهذا نلاحظ أنّ المجتمعات الغربية بصورة خاصة راحت تعاني من انهيار كيان الاسرة ، وكثرة الأطفال غير الشرعيين ، وزيادة حالات الطلاق ، وشيوع الأمراض الناتجة عن الشذوذ الجنسي ، وحالات قتل الزوج للزوجة وبالعكس .. ومشاكل اخرى كثيرة خلقها الواقع الاجتماعي الذي لم يحترم المرأة ، والذي لم ينظر

١٩٢

إليها بمنظار يتناسب والفطرة التي فطرها الله عليها ..

ولو ضربت أمثلة من واقع المجتمع الغربي نفسه لأدركت رغبة العقلاء منهم بأن تعود المرأة إلى فطرتها التي فطرها الله عليها .. دون أن تختلط بالرجال في المجتمع وتزاحمهم في أعمال إنتاجها فيه ضعيف حسب الاحصائيات .. وتحملها قليل ، لأن تكوينها الطبيعي والجسماني يختلف قوة واحتمالا عن وضع الرجل ..

إنّ مسألة المرأة لا يحلها خلع عذار وإطراح برقع وإزار. وإنما هي مسألة تحتاج لنظر طويل وبحث دقيق وجدال تتحطم فيه الأقلام وتجأر منه المحابر» (١).

فعن كتاب (تاريخ الفحشاء) للكاتب الأنجليزي (جورج رائيلي اسكات) : «ولا تزال تكثر النساء اللاتي يزاولن العلاقات الجنسية قبل الزواج من غير ما تحرج ، وفي حكم النادر والشاذ وجود الأبكار اللاتي يكن في الحقيقة أبكارا عند ما يعقدون النكاح عقد الوفاء الأبدي أمام منبر الكنيسة».

ويذكر الكاتب الأسباب التي أفضت بأحوال المجتمع إلى هذا الحد ، فيعد من هذه الأسباب الولوع الفاحش بالتبرج الذي قد بعث في نفس كل فتاة أشد الحرص على الأزياء الفاتنة من أحدث الطرز ، ثم حرية النساء المطلقة ، فقد بلغ من ضعف رعاية الآباء ورقابتهم لبناتهم أن قد تهيأ لهن من الحرية والانطلاق ما لم يكن ميسورا حتى للأبناء قبل ثلاثين أو أربعين عاما ، ثم تهافت النساء على الأشغال التجارية ووظائف المكاتب والحرف المختلفة حيث يختلطن بالرجال صباح مساء.

ويقول بعد ذلك : «وقد حط ذلك من المستوى الخلقي في الرجال والنساء ، وقلل جدا من قوة المدافعة في النساء لاعتداءات الرجال على عفتهن ، ثم أطلق العلاقة الشهوانية بين الجنسين من كل القيود الخلقية. فالآن أصبحت الفتيات لا يخطر ببالهن الزواج أو الحياة العفيفة الكريمة ، حتى صار اللهو والمجون الذي كان يطلبه في الزمان الغابر أوغاد الناس تطلبه كل فتاة اليوم».

__________________

(١) المرأة بين المادية والإسلام : للسيد طالب الخرسان ص ٦٦ ـ ٦٧.

١٩٣

«والجدير بالذكر أن مجموع المنحرفين جنسيا في الولايات المتحدة الأمريكية أكثر من ١٥ مليون منحرف».

«وأنّ أرباح صناعة الجنس تزيد على المليارد دولار في امريكا فقط. وهناك (٢٠٠) شركة جنسية على الأقل تصدر عشرات الآلاف من الكتب والمجلات ومئات الأفلام المتخصصة».

«أما في لندن فقد ارتفعت حالات الإجهاض من (٥٠) ألف عام ١٩٦٩ م إلى (٨٣) ألف في عام ١٩٧٠ م ونحو (٢٠٠) ألف في عام ١٩٧١ م».

«وترتفع هذه النسبة في فرنسا لتصل إلى ما بين (٤٦ ـ ١٤٣) إجهاض لكل مائتي ولادة و (١٦ خ ـ ٩٥ خ) في إيطاليا و (١٢٤ ـ ١٣٧) في بلجيكا و (٧٨ ـ ١٣٥) في النمسا» (١).

وما ظن القارىء الكريم بامة اضطرت إلى أن تعفي خمسة وسبعين ألفا من جنودها عن الخدمة ، وهي في أشد المآزق وفي أمس الحاجة ، في السنتين الاولى من سني الحرب الاولى ، اضطرت إلى أن تعفي هذا العدد الضخم من الجنود وتبعث بهم إلى المستشفيات لأنهم اصيبوا بمرض الزهري؟

وفي وصف هذه الظاهرة نشرت مجلة (لانست) مقالا جاء فيه : «يبلغ عدد النساء اللواتي حملن بين عامي (١٩٣٨ م ـ ١٩٤٣ م) من علاقة غير شرعية (٠٠٠ / ٨٠) امرأة بمعدل الثلث في أول حمل ، ويمكننا أن نقول : إنّ لامرأة من كل عشر نساء علاقة جنسية خارج الزواج ، ولقد كانت في عام ١٩٣٨ م (٤٠ خ) من الفتيات اللواتي تزوجن قبل سنّ العشرين حاملات ، و (٣٠ خ) من اللواتي تزوجن في سنّ الواحدة والعشرين ، ولا تمثل هذه الأرقام التي تتعلق بسنتين من سنوات قبل الحرب إلّا عدد العلاقات التي تؤدي إلى الحمل ، وهي نسبة صغيرة بالنسبة للعلاقات العامة فعليا ، ولا شك أنّه كان بإمكان التربية الجنسية الصحيحة أن تحول دون ولادة عدد ضخم من ال (٠٠٠ / ٤٨٠) طفل الذي ولدوا بالرغم من إرادة آبائهم» (٢).

__________________

(١) ملحق صحيفة (النهار) البيروتية بتاريخ ٢٧ / شباط / ١٩٧٢ م.

(٢) اوسفلد شفارتس (علم النفس الجنسي) ص ١٠١.

١٩٤

وقد تقدمت لجنة خاصة في وزارة الشؤون الاجتماعية باقتراح مفاده إدراج موضوع الاعتداء على النساء ضمن البرامج الدراسية في مدارس السويد. وتقول اللجنة : «إننا نريد أن يصبح الاعتداء على النساء مادة دراسية في مختلف المستويات التعليمية».

وقد خصصت الحكومة مبلغ مليون كراون في ميزانية عام (١٩٨٢ م ـ ١٩٨٤ م) لنشر المعلومات الكفيلة بمكافحة الاعتداء على النساء (١).

«ومنع الحمل ووأد النسل المنتشران إنتشارا عظيما في تلك الربوع ، شاهدان على صدق تلك الدعوى؟ على أنّ علاقة الرجل بالمرأة علاقة شهوة مجردة ، فهما يطلبان التخلص من نتائجها ، ويلتمسان له الأسباب ، ويبتغيان الحيل ، ويفزعان إلى الطب وعقاقيره ومستحضراته وآلاته ، وهي لديهم ميسورة موفورة ، تباع في كل بلدة وفي كل قرية دون أي حذر ودون أي مراقبة.

«فهل علمت أنّ (٠٠٠ / ٦٠٠) نسمة على الأقل يمنع توليدها في فرنسا في كل سنة على ما يقدر الاخصائيون ، من جراء هذه العادة المنتشرة في البلاد ، وأنّ (٠٠٠ / ٤٠٠) جنين اخرى تسقط من بطون امهاتها».

«وأنّ في أمريكا يسقط مليون ونصف مليون حمل على أقل التقدير في كل سنة ، ويقتل آلاف من الأطفال من فور ولادتهم» على ما يقول القاضي الأمريكي (بن لندسي) رئيس محكمة جنايات الصبيان (بدنور).

«وأنّ (٩٥ خ) من العلاقات الجنسية الحاصلة اليوم بين الرجال والنساء يحولون بينها وبين نتائجها الفطرية بتدبير منع الحمل ، ثم لا يعد هذا العمل لديهم إجراما يعاقب عليه القانون».

هذه علاقة الرجل بالمرأة وعلاقة المرأة بالرجل في ظل تلك النظرة المادية ، فهل نطمع بشواهد أكثر ونتائج أكبر؟! وهل في هذا السلوك ما يشرف المرأة ويرفع

__________________

(١) صحيفة (اكسبرنسن) السويدية في ٣٠ / مارس / ١٩٨٣ م.

١٩٥

من قدرها ، بل وما يشرف الرجل والمجتمع ويرفع من قدرهما؟!» (١).

«ونحب أن ننبه إلى أنّ الوضع السيء الذي صارت إليه المرأة في المجتمع الأسلامي في القرون الأخيرة ، لم يكن وضعا خاصا بالمرأة وحدها ، بل هو الوضع الذي انحدر إليه المجتمع كله ، وما أصابه من ضعف ، وجهل .. فإذا كانت المرأة قد أخذت نصيبها من هذا البلاء ، فإنّ الرجل قد أخذ نصيبا مضاعفا منه!.

وإنه يوم يعود للمجتمع الاسلامي وضعه الذي ينبغي أن يكون له في ظل الاسلام ، فإنّ هذه الصورة المعتمة المضطربة التي يراها الناس للمرأة ستتغير كثيرا ، حيث تنزع المرأة المسلمة كل هذه الأثواب المستعارة ، وتلبس ثوب الاسلام ظاهرا وباطنا ، ويومها يستر باطنها ما انكشف من ظاهرها .. ومن هنا نجد نذيرا جديدا للذين يجعلون من أوروبا مثلهم الأعلى في كل تجديد ، فإنّ مشكلة المرأة الأوروبية ما زالت خطيرة ، خطيرة حتى في ذهن المرأة ذاتها ، وفي تصورها لنفسها ، كيف تتحقق كمثل أعلى خلقي وجمالي لحضارة» (٢).

الزنا وأمراضه الزهرية : ـ

١ ـ السيلان Gonorrhoea : ـ وسببه الميكروبات ذات البنية المكورة (Gonococcus) التي يصاب بها الانسان نتيجة العلاقات الجنسية غير المشروعة واتصاله بالنساء المريضات أو العكس ، وقد تكون المرأة حاملة للميكروب سنين طوال في أعضائها التناسلية فتكون مصدرا للعدوى الدائمية الخطيرة.

الأعراض : ـ

أ ـ التهاب الأحليل الحاد الذي يصحبه ترشح قيحي مع حرقة في البول وتعدده.

__________________

(١) مجلة (الصحوة الإسلامية) العدد الثاني ـ ذي القعدة ـ ١٤٠٥ ه‍.

(٢) المرأة بين المادية والإسلام : للاستاذ السيد طالب الخرسان ص ٦ ـ ٧ (المقدمة).

١٩٦

ب ـ التهاب ثنايا المهبل وتقيحه وحول عنق الرحم وداخله.

ج ـ التهاب الحشفة والبروستات.

د ـ التهاب الحويصل المنوي والحبل المنوي والبربخ والخصية.

ه ـ قد يسبب العقم عند بعض المصابين.

و ـ ترشح مهبلي قيحي.

ز ـ التهاب غدة (بارثولين).

ح ـ التهاب ملحقات الرحم كقنوات البيض أو المبيض وكذلك البريتون ، وفي حالة انسداد قنوات البيض يحدث العقم عند النساء.

ط ـ التهاب المستقيم عند الذكور في حالات اللواط.

ى ـ مضاعفات عامة ، كالتهاب الجلد والمفاصل ، وكذلك إصابة القلب والسحايا وتسمم الدم في بعض الحالات.

٢ ـ السفلس (Syphilis) : ـ وهو من الأمراض الزهرية الخطرة يسببه ميكروب «اللولبية الشاحبة» ويصاب به الانسان أثناء العلاقات الجنسية السرية مع الفاحشات أو عند اللواط ، وهو نوعان ـ مكتسب ووراثي ـ.

أ ـ السفلس المكتسب : تحدث الاصابة به عند الاتصالات المشبوهة ، حيث تدخل جرثومته الجسم وتمكث فيه مدة ثلاثة أسابيع دون أن يصحبه أعراض ، وتسمى هذه الحالة ب (فترة الحضانة) ، ثم تبدأ الأعراض بالظهور وفي ثلاث مراحل.

١ ـ السفلس الأولي : وتظهر أعراضه بعد ثلاثة أسابيع من التقارب الجنسي ، ومن علائمه تقرح في الأعضاء التناسلية للمرأة والرجل معا كالقضيب والشفرين والمهبل وعنق الرحم وفتحة الشرج والفم خصوصا عند المصابين بالشذوذ الجنسي ، ويحدث تورم في العقد الليمفاوية المغبنية ، ويمكن كشف مكروب السفلس تحت المجهر بعد أخذ عينة أو مسحه من مكان الاصابة ، أو من العقد اللمفاوية.

٢ ـ السفلس الثانوي : تبدأ أعراضه بعد ستة أسابيع من اختفاء أعراض

١٩٧

السفلس الأولي ، وتنتشر إصابته في الجسم ، ومن أبرز علائمه ظهور طفح جلدي متنوع في كافة أنحاء الجسم بضمنها الأنسجة المخاطية في الفم والمهبل ، كما يصحبه سقوط شعر الرأس أو الشعر في أجزاء الجسم الاخرى ، وظهور الطلاء الأبيض على اللسان ، مع حدوث تورم في العقد الليمفاوية في عموم الجسم ، ويستمر السفلس الثانوي حتى السنة الثالثة أو الرابعة ، يرافقه أحيانا تورم في الطحال والكلية والكبد والتهاب السحايا والدماغ والحنجرة مع ارتفاع درجة الحرارة وصداع الرأس وفقدان الشهية والضعف العام. ويمكن العثور على مكروب السفلس عند فحص نماذج مأخوذة من أماكن الاصابة أو العقد الليمفاوية.

٣ ـ السفلس الثالوثي : ويطلق عليه اسم (الدور المخرب) حيث يصيب الجلد وسائر أعضاء الجسم ، وتقوم (الدرنات السفلسية) بدور واسع ومخرب داخل أنسجة الجسم ، ويتعرض الجهاز العصبي للتخريب وخصوصا الأعصاب الحسية التي تفقد الشخص القدرة على تحسس الألم والحرارة والبرودة فتسبب له مضاعفات عديدة ومؤذية.

وفي هذا الدور يصاب الكبد والقلب والأبهر والكليتين والمعدة والخصية والسحايا والدماغ.

ب ـ السفلس الوراثي : يحدث نتيجة إصابة الام بالسفلس العام ، وبه يصاب الجنين عن طريق المشيمة ، لأن ميكروب السفلس يتمكن من اختراق غشاء المشيمة فيؤدي إلى موت الجنين داخل الرحم وحصول الاجهاض ، وقد يولد الطفل وجلده متجعد على العموم ، ولونه عميق (قهوائي) مع ظهور طفح كيسي على الجلد ، ويمكن العثور على ميكروب السفلس بفحص محتوياته.

كما يلاحظ التهاب الغشاء المخاطي للفم ومجرى التنفس مع تورم العقد الليمفاوية والطحال والكبد ومفاصل العظام مع الغضاريف.

ويلاحظ أحيانا وجود تشوهات في العين والجهاز العصبي عند الولادة ، وتظهر أعراض السفلس الوراثي بعد عدة أسابيع أو أشهر من ولادة الطفل الطبيعية.

١٩٨

٣ ـ الحمى الراشحة [Herpes Simplex] : وتصيب الانسان عند الاختلاط الجنسي ، وتحدث نتيجة الاصابة بفيروس الحمى الراشحة ، ومن علائمها : ـ

أ ـ التهاب المهبل عند النساء ، والقضيب عند الرجال.

ب ـ ظهور حكة شديدة في المنطقة المصابة.

ج ـ بروز طفح جلدي يتحول تدريجيا الى قرحة مؤلمة ينتشر في منطقة المهبل ، وقد يصاب كامل غشاء المهبل.

د ـ حرقة عند التبول واحتباس البول أحيانا.

ه ـ تورم العقد الليمفاوية في كلّي الجانبين.

و ـ التهاب عنق الرحم مما يؤدي إلى ترشح مائي كثير في المرأة المصابة.

ز ـ ارتفاع درجة الحرارة مع ضعف شديد في الجسم.

ح ـ تكرر المرض عند المصاب مرات عديدة ويبلغ أشده في بعض الأحيان فيسبب الموت.

٤ ـ التهاب الجلد الفطري [Fungal Dermatitis] :

ويأتي هذا المرض نتيجة العلاقات المشبوهة فيصيب طبقات الجلد الخارجية ويسمى [Tineacruris] وغالبا ما يلاحظ أثره في المنطقة العلوية للفخذ والمناطق المحيطة بالأعضاء التناسلية ، ويمتاز بإحمرار المنطقة وتقشرها ، ويصحب المرض حكة في في المنطقة المصابة.

٥ ـ الاصابة بقمل العانة [Pediculosis Pubis] :

وينتقل جراء المقاربة الجنسية ، وذلك بانتقال القمل نفسه أو عن طريق تعلق البيوض بالجلد ، وتؤدي الإصابة بالقمل إلى حكة ليلية شديدة.

٦ ـ الجرب [Scabies] :

ومن أعراضه وجود حكة جلدية شديدة في الجسم والمناطق الجنسية وأعلى الفخذين ، وينتقل بصورة مباشرة عند التصاق الجسم أثناء القيام بالعمليات الجنسية غير المشروعة.

١٩٩

٧ ـ الديدان الخيطية [Pin Worm] :

وتنتقل أثناء العمليات الجنسية عند تماس الأشخاص وذلك بدخول بيوض المصاب إلى السليم ، ومن أعراضها ظهور حكة شرجية في الليل غالبا.

٨ ـ الدويبات الشعرية [Trichomonas Vaginalis] :

وتحدث غالبا عند الاتصالات الجنسية الممنوعة ، فتصيب إحليل الرجل مع ترشحات قيحية ، والتهاب مهبل المرأة والجزء الأسفل للمجرى البولي ، ويصحب ذلك سيلان مهبلي ذو رائحة كريهة ولون مائل للأخضرار ، وتخدش جدران المهبل في استمرار الاصابة مدة طويلة ، وتعاني المرأة من حرقة التبول وزيادة في الادرار ، ومن علائم الدويبات الشعرية هي الحكة الفرجية.

٩ ـ الاصابة بالثؤلول او الزوائد الجلدية [Condylomata Acuminata] :

تحدث نتيجة التّماس الجنسي بفعل فايروس خاص ، ويكون لونها بنفسجيا ، وهي رخوة رطبة تصحبها حكة متوسطة ، ويمكن مشاهدتها في المهبل وعنق الرحم وحول فتحة الشرح.

١٠ ـ الاصابة بمرض الكلامكيديا [Chlamydial infection] :

من علائم الاصابة بهذا المرض : التهاب الاحليل عند الرجل ، وحرقة في التبول لدى الجنسين ، والتهاب عنق الرحم المصحوب بترشح مخاطي قيحي ، والتهاب قناة البيض بعض الأحيان ، أما العقد الليمفاوية فتكون كبيرة وملتهبة.

١١ ـ الورم الحبيبي الليمفاوي المغبني الزهري [Lymphogranul Loma enereum] :

وأهم أعراض هذا المرض ما يلي :

أ ـ تقرح المستقيم والمنطقة المحيطة بالشرج.

ب ـ ضيق منطقة المستقيم.

ج ـ آلام في منطقة الشرج والحوض وعند التغوط ، مصحوبا على الأكثر بخروج دم قليل عند التغوط.

٢٠٠