القرآن والطبّ الحديث

الدكتور صادق عبدالرضا علي

القرآن والطبّ الحديث

المؤلف:

الدكتور صادق عبدالرضا علي


الموضوع : الطّب
الناشر: دار المؤرّخ العربي
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٢٤

١٤١
١٤٢

الفصل الرابع

«علم الجراحة»

علم الجراحة : من العلوم الحديثة نسبيا ، وذو أهمية بالغة في حياة الانسان بعد أن أصبح كثير التنقل ، وما يتعرض له من حوادث يومية مختلفة من جراء كثرة المعامل ، واستخدام الآلة ، وزيادة الحركة والسفر بين المدن.

وأخذ علم الجراحة في عصرنا هذا يتقدم تقدما مطردا مع تقدم العلوم الاخرى ، حيث الأجهزة الحديثة والمعقدة ، وأنواع الأدوات الجراحية ـ من المقص إلى جهاز القلب ـ وصالات العمليات المجهزة بأحدث الوسائل ، كل ذلك لأنقاذ حياة الانسان من خطر الموت عند تعرضه لحوادث مختلفة ، نتيجة ممارساته العادية وعمله اليومي.

وتحدثت آيات قرآنية عديدة عن العلوم الجراحية سواء في ضرب الأمثال ، أو في سرد الحوادث والقصص التي حدثت في الماضي. فكانت موضع استفادة الانسان قديما وحديثا من هذا الضياء العلمي ، وذلك من خلال حياته الطبية والجراحية.

ولا تزال تلك الآيات شامخة وسط العلوم الطبية الحديثة ، لتقيم شاهدا على عظمة القرآن الكريم.

قال سبحانه وتعالى : (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ) (١).

(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ إِنَّ اللهَ كانَ عَزِيزاً حَكِيماً) (٢).

__________________

(١) سورة الكهف : الآية ١٨.

(٢) سورة النساء : الآية ٥٦.

١٤٣

(وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ. وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) (١).

(سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُ) (٢).

* * *

__________________

(١) سورة الذاريات : الآيتان ٢٠ ـ ٢١.

(٢) سورة فصلت : الآية ٥٣.

١٤٤

الموضوع الأول

«الحروق»

(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ إِنَّ اللهَ كانَ عَزِيزاً حَكِيماً) (١).

(إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ) (٢).

في الآيتين الكريمتين وردت لفظة (عذاب الحريق) جزاء لمن عصى الله ، واستكبر عن آياته.

هؤلاء الهالكون يبدءون مع الخفقة الأخيرة من حياتهم في مواجهة الواقع المرير : (وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ) (٣).

(وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ) (٤).

هل نريد الآن صورة كاملة بقدر الامكان عن مقام الهالكين ، وما سوف يسامون من عذاب؟ فلنتنرك القرآن يتحدث ، فذلك أولى بنا وأجدر.

* ليذوقوا عذابا لا نظير له يومئذ : (فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ.)

* يتعرضون فيه لعقاب الإحراق : (وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ.)

__________________

(١) سورة النساء : الآية ٥٦.

(٢) سورة البروج : الآية ١٠.

(٣) سورة الأنعام : الآية ٩٣.

(٤) سورة الأنفال : الآية ٥٠.

١٤٥

* فهم غذاء جهنم : (فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً.)

* وكلما أحس العصاة بالعذاب والألم حاولوا الهروب منه ، فتدفعهم الزبانية في النار ، يضربونهم بهراوات من الحديد : (وَلَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ. كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها).

* ويحيط بهم النكال من كل صوب : (إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها).

* وسيضرب اللهيب وجوههم : (تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ).

* وسيسلخ جلدهم : (نَزَّاعَةً لِلشَّوى).

* وسيحرق لحمهم : (لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ).

* ويصل إلى قلوبهم : (الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ).

* أما الذهب الذي يجمعه البخلاء فسوف يحمى في النار ، ثم تكوى به الجباه ، والجنوب ، والظهور : (يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ).

* هنالك ستكون صرخات ألم وتوسلات : (وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيها رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ).

* وستكون لهم فيها زفرات وشهقات : (لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ).

* وكلما ذابت جلودهم كان لهم غيرها ، حتى يذيقهم الله العذاب مضاعفا ، وهكذا إلى الأبد ، (سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ).

* ولن يقتصر أمرهم على عذاب الحريق ، بل سيكونون كذلك في عذاب الحميم ، يغمسون في هذا الماء المغلي ، ثم يقذفون في النار ، وهكذا دواليك : (يُسْحَبُونَ. فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ).

* ويصب هذا الماء الحميم على رؤوسهم ، فيذيب جلودهم ، وأحشاءهم :

١٤٦

(يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ).

* فإذا شربوا منه انشوت وجوههم ، وتمزقت أمعاؤهم : (وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ).

(وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ).

* ولسوف يسقون شرابا آخرا أكثر تقيحا ، لا يطيقون إساغته : (وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ. يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ).

* وهنالك أيضا طعام الزقوم ، يغلي في بطونهم كرصاص يذاب : (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ. طَعامُ الْأَثِيمِ. كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ. كَغَلْيِ الْحَمِيمِ).

* وأطعمة اخرى ذات غصة ، وعذاب كله ألم : (وَطَعاماً ذا غُصَّةٍ وَعَذاباً أَلِيماً).

* من صنوفه الريح المحرقة : (فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ).

* وظلّ من دخان خادع : (وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ. لا بارِدٍ وَلا كَرِيمٍ).

* وكذلك حين تتوالى على المعذبين أقصى حالات البرودة ، وأقصى حالات الحرارة ـ على ما قاله بعض المفسرين في كلمة (غساق) ـ (هذا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ).

* وموجز القول : أنهم سوف يلقون عقوبات ، وآلاما دائمة لا انقطاع لها : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ. عامِلَةٌ ناصِبَةٌ).

والآيات المذكورة أشارت بوضوح إلى أنّ النّار سوف تصلى الكافر ، وكلما احترق جلده أبدله الله جلدا آخرا حتى يلاقى العذاب الشديد جزاء كفره وضلاله.

واختص التبديل بالجلد دون سائر الأعضاء الاخرى لشدة الألم الذي ينتج عنه عند تعرضه للحرق.

وقبل تبيان الاعجاز الالهي الذي حوته تلك الآيات ، لا بدّ لنا من التعرف على التركيب النسيجي والعمل الفسيولوجي ، والوظائف التي يضطلع بها الجلد ، وكيفية تأثير الحروق عليه ودرجات الحروق ومضاعفاتها.

١٤٧

تكوين الجلد وطبقاته : ـ

١ ـ يعتبر الجلد أكبر عضو في الجسم.

٢ ـ يكوّن (٨٠ / ١) م ٢ من جسم الانسان البالغ.

٣ ـ يتكون من ثلاث طبقات هي :

أ ـ البشرة

ب ـ الأدمة

ج ـ النسيج تحت الأدمة

٤ ـ نهايات الأعصاب الحسية توجد ـ فقط ـ في منطقة الأدمة مع الأوعية الدموية.

٥ ـ احتواء الجلد على الغدد العرقية التي تنظم حرارة الجسم بواسطة السيطرة على تبخر الماء من الجلد وإفرازها لكميات قليلة من ملح الصوديوم ـ كلورايد ـ والكولسيترول ، وأيضا لافرازها كميات ضئيلة من (الألبومين) و (اليوريا).

٦ ـ تقسّم نهايات الأعصاب الحسية الموجودة في منطقة الأدمة إلى ما يلي :

أ ـ نهايات أعصاب اللمس والحس.

ب ـ نهايات أعصاب الضغط.

ج ـ نهايات أعصاب الحرارة.

د ـ نهايات أعصاب الألم.

ه ـ نهايات أعصاب البرودة.

٧ ـ يقوم الجلد بصنع فيتامين D بتأثير أشعة الشمس على الكولسيترول الموجود في الجلد.

٨ ـ يكون الجلد ناعم اللمس وذا طراوة خاصة ، وذلك لاحتوائه على الغدد الدهنية وبكميات كبيرة.

١٤٨

درجات الحروق

١ ـ حروق الدرجة الاولى : تشمل منطقة البشرة وحدها ، ويحمر لون جلدها مع أضرار جلدية ضئيلة ، وتمتاز بألم شديد بسبب سلامة نهايات الأعصاب الحسية ، وتلتئم هذه الحروق غالبا بعد مضي يومين أو ثلاثة أيام.

٢ ـ حروق الدرجة الثانية : تشمل منطقة البشرة وقسما من الأدمة وتكون ذات إحمرار شديد ويصاحبهما تكوّن فقاعات مختلفة الأحجام مملوءة بالبلازما ، تزداد مع عمق الحرق وتكبر بعد مدة من حدوثه ، ويلتئم هذا النوع من الحروق بعد مرور (١٠ ـ ١٤) يوما إن لم تتعرض لمضاعفات والتهابات بكتريولوجية ، ويصاحب هذه الحروق آلاما حسية متنوعة.

٣ ـ حروق الدرجة الثالثة : ويكون لون سطوحها في بعض الحالات قهوائيا أو أسود أو أحمر أو أبيض ، غير مصحوبة بآلام ، وذلك لاحتراق طبقة الجلد بالكامل مع نهايات الأعصاب الحسية الموجودة فيه ، ولا يتأثر الجلد نتيجة الضغط عليه بسبب تدمير الأوعية الدموية وموت الأنسجة.

تعتمد خطورة الحروق على : ـ

١ ـ مساحة الجسم المحروق.

٢ ـ عمق الحرق.

٣ ـ العمر.

٤ ـ سلامة الجسم قبل الحرق.

٥ ـ منطقة الحرق.

٦ ـ وجود أعضاء مصابة بأضرار نتيجة الحرق.

مضاعفات الحروق : ـ

١ ـ التأثير على الجهاز التنفسي نتيجة استنشاق الحرارة ، والتهاب الرئة ، وحدوث تخثرات فيه.

١٤٩

١٥٠

٢ ـ التأثير على المعدة والاثنى عشري ، حيث يؤدي الحرق في بعض الحالات إلى حدوث قرحة تسمى (Curlingulcer).

٣ ـ التأثير على الكلى بسبب ترسب بعض المواد الممتصة داخلها نتيجة الحرق.

٤ ـ التهاب الحروق وارتفاع درجة الحرارة.

٥ ـ الصرع عند الأطفال.

٦ ـ الاختناق في حالة حروق الرقبة.

٧ ـ تقلص حجم الدم.

٨ ـ توسع شديد في المعدة.

٩ ـ التسمم بأول أوكسيد الكاربون.

بعد هذا العرض الموجز لتركيب الجلد ودرجات الحروق ومضاعفاتها ، نعود إلى الآيات المباركة لنرى ما فيها من إعجازات علمية حواها القرآن الكريم منذ مئات السنين ، وقبل أن يشرّح الجلد ، وتعرف وظائفه ومكوناته النسيجية بصورة دقيقة.

فالآية الكريمة أشارت إلى أنّ الكافرين سيصلون نارا كلما نضجت جلودهم أبدلهم الله جلودا غيرها. باعتبار أنّ الجلد هو أكبر الأعضاء في جسم الانسان كما يغطي مساحة كبيرة منه ، ويحتوي على أكثر النهايات العصبية الدقيقة والحساسة جدا للحرارة والألم.

ولهذا فعند احتراقه يصبح الانسان في قمة الهيجان ويبلغ الألم منتهاه عند إحتراق كامل منطقة الجلد. ولا يخف الألم إلّا بتلف واحتراق نهايات الأعصاب الحسية التي لا يبق منها شيء يذكر وحينها يقل الاحساس بآلام الحرق ويبدأ الانسان بالشعور بالراحة.

وهذا ما يلمسه الانسان العادي في بعض المستشفيات ، حين يرى صورتين

__________________

(١). Current surgical diagnosis and treatment

١٥١

متقابلتين ، يرى في الاولى مريضا يصرخ ويتلوى من الألم مع أنّ حروقه بسيطة وخفيفة المظهر ، ويعزى سبب ذلك إلى سلامة النهايات الحسية العصبية الموجودة في الجلد وعدم تلفها ، الأمر الذي يجعله في قمة الألم والانزعاج.

وفي الثانية يرى مريضا وقد اصيب بحروق شديدة ومسودة ، لكنه هادىء ساكت لا يبدو منه ما يثير الهيجان أو الانفعال بعكس الأول ، وما ذلك إلّا نتيجة تلف النهايات العصبية الحسية جراء الحرق الحاصل ، مما جعل الحرق عديم الألم لا يصحبه صراخ أو استغاثة المريض بالرغم من حالته السيئة.

وهنا تتجلى المعجزة الربانية من تبديل الجلد بعد نضوجه واحتراقه ، لكون الجلد المحترق عديم الألم والاحساس ، بينما الجلد الجديد السليم أكثر ألما وأشد مرارة قياسا بسائر أعضاء الجسم الاخرى عند ما يعرض على النار مرة ثانية.

* * *

١٥٢

الموضوع الثاني

«قرحة النوم» أو «قرحة الفراش»

Bed Sore

(وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللهِ مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ) (١)

بيّن القرآن الكريم في هذه الآية دستورا طبيا وجراحيا عاما ، يتضمن تقليب الانسان النائم على الفراش مرات عديدة يوميا ، كي لا يصاب بمرض أو (قرحة النوم) حسب ما يصطلح عليه طبيا.

فمن الثابت طبيا أنّ النائم على جهة واحدة فترة طويلة ، يكون عرضة للاصابة بقرحة النوم ، خصوصا إذا لم يكن الفراش صحيّا بسبب الضغط الحاصل على بعض اجزاء الجسم ، ولهذه القرحة مضاعفات عديدة قد تسبب موت الشخص المريض ، كما يعتبر تقليب المريض النائم ضرورة طبية أساسية في علم الجراحة الحديث ، ويتطلب الملاحظة والدقة والاستمرارية.

وفعل ذلك البارىء عزوجل مع أصحاب الكهف ليكونوا لنا مثلا نستفيده ، لأنهم كانوا في حالة نوم طويل ممّا يعرضهم للخطر ، لذلك أو عز الله سبحانه بتقليبهم ذات اليمين وذات الشمال كيلا يصابوا بقرحة النوم القاتلة نتيجة نومهم الطويل.

وتبين حديثا أنّ قرحة النوم تحصل نتيجة ضغط متصل ودائم على الجلد ، خصوصا في المناطق البارزة ، ممّا يسبب نقص التروية الدموية عن بعض مناطق الجلد ، نتيجة انضغاطها بين الأجزاء الصلبة من البدن ومكان النوم ، وتحصل غالبا في منطقة

__________________

(١) سورة الكهف : الآيتان ١٧ ـ ١٨.

١٥٣

«العجز» و «الإليتين» ، وعند لوحي الكتف وكعبي القدمين ورؤوس العظام الكبيرة ، وتحصل القرحة عند المرضى النيام في الحالات التالية : ـ

١ ـ في المريض النائم على الفراش مدة طويلة.

٢ ـ في المريض الضعيف البنية.

٣ ـ في المريض الطاعن في السنّ.

٤ ـ في المريض ذي التغذية الغير جيدة والغير ملائمة.

٥ ـ في المريض المشلول.

٦ ـ في المريض الذي لا يحظى بعناية جيدة.

٧ ـ نتيجة رطوبة الفراش أو تلوثه بالبول المتقطع أو الغائط ، ممّا يؤدي إلى تخدش الجلد وحدوث القرحة بعد عدة ساعات.

علائم قرحة النوم : ظهور منطقة حمراء مؤلمة تؤدي بعد ساعات إلى حدوث قرحة في الجلد ، وهذه القرحة تكبر وتزداد عمقا تبعا لقوة الضغط الموجود ومدته ، والتلوث الحاصل ، والمضاعفات المرافقة للجرح ، وقدرة المريض البدنية ، كما تؤدي إلى التهاب العظم القريب من الجرح في بعض الأحيان.

العلاج : ـ

١ ـ رفع الضغط عن المنطقة وذلك بتغيير موضع نوم المريض عدة مرات في اليوم الواحد.

٢ ـ حماية الجرح بوضع وسادة أو وسائد خاصة.

٣ ـ أن تكون ملابس المريض وفراشه نظيفين وجافين دائما.

٤ ـ توفير العناية الطبية الجيدة مع التمريض اللائق.

٥ ـ توفير الشروط الصحية لنوعية الغذاء مع مراعاة فقر الدم الموجود عند المريض.

١٥٤

٦ ـ القضاء على الالتهابات ومنع حدوث مضاعفات مرضيّة.

٧ ـ تنظيف منطقة التقرح يوميا وبشكل منظم ، مع مراعاة جعل الجرح جافا ونظيفا.

٨ ـ إجراء عملية جراحية في الحالات الضرورية التي تستوجب ذلك (١).

* * *

__________________

(١). Hand book of surgery

١٥٥
١٥٦

الفصل الخامس

علم البيئة الصحية

ما هي البيئة؟ : هي كل ما يحيط الانسان من هواء وماء ونبات وحيوان وحتى الانسان نفسه.

وتعتبر البيئة في الوقت الحاضر إحدى مشاكل الانسان الرئيسية التي يحسب لها الحساب بشكل علمي دقيق ، بعد مشكلة الأنفجار السكاني والغذاء.

لذا يتوجب علينا أن ندرس العوامل التي تؤثر على سلامة البيئة وتلوثها ، دراسة علمية جادة ، بغية إيجاد حلول ملائمة للبيئة تقلل من كمية التلوث ، وتجعل من بيئتنا بيئة صحية سليمة مناسبة لحياة الانسان ، وخالية من العوامل المؤثرة التي تعكر صفو الحياة وتهدد المستقبل.

وتأسيسا على ذلك قامت الدول المتقدمة بوضع البرامج الجدية لحماية بيئتها من خطر التلوث ، وقررت الدراسات اللازمة والبحوث الجادة للمستقبل ، فأنشأت المدارس والكليات القادرة على خلق كادر بيئي متدرب ، لمراقبة ودراسة بيئة الانسان بكل جوانبها ، وتوجيه أنظار المجتمع وحثهم على ضرورة العناية بالبيئة والحد من زيادة عوامل التلوث واستمراريتها ، والتي أصبحت اليوم كبيرة ومؤثرة نتيجة الصراع والتطور الحضاري الذي شمل أنحاء العالم.

العوامل المؤثرة على البيئة : ـ

١ ـ زيادة الكثافة السكانية في الأماكن والمجتمعات الفقيرة.

١٥٧

٢ ـ سرعة الحركة والانتقال داخل المدن وخارجها ، وكذلك زيادة السفر والتجارة بين مختلف دول العالم.

٣ ـ كثرة المصانع بشكل ملفت للنظر.

٤ ـ سرعة الانفجار السكاني.

٥ ـ الزيادة الحاصلة في نسبة الفضلات الناتجة عن الانسان والمعامل المختلفة :

٦ ـ كثرة استعمال المركبات كالسيارات والآليات المتنوعة والطائرات وغيرها.

٧ ـ استمرار الحروب الداخلية والخارجية وما يرافقها من مشاكل بيئية.

٨ ـ استمرار التجارب النووية على سطح الأرض والبحار والفضاء.

مقومات البيئة الصحّية : ـ

١ ـ توفير المياه الصالحة للشرب.

٢ ـ التخلص من الأوساخ والفضلات الناتجة عن الانسان والحيوان.

٣ ـ توفير الحليب الصحي والغذاء الكافي.

٤ ـ القضاء على الحشرات والهوام.

٥ ـ حماية البيئة من التلوث الهوائي الناجم من استعمال المنتجات الكيمياوية المختلفة.

٦ ـ السكن وتخطيط المدن.

٧ ـ التعليم الصحي والبيئي.

١٥٨

وقد أولى القرآن الكريم البيئة عناية لازمة ، حيث وردت آيات كثيرة حول بيئة الانسان وخلق الأرض والجبال والأشجار والأنهار ، وكيف وزعت المياه على سطح الأرض؟ وتأثير الجاذبية على حياة الكرة الأرضية ، وعلاقة الأرض بالكواكب السيارة الاخرى.

والآيات التي وردت في سور عديدة ومكررة بعض الأحيان ، جاءت لتوجه فكر الانسان ونظره نحو الاعجاز الإلهي اللامحدود ، في كيفية خلق هذه البيئة وتنظيمها وتركيبها وموازنتها وتخطيطها بصورة إلهية وعلمية ، تمكن البشر من الاستفادة منها قدر المستطاع ، لينعم بالعيش الصحي المرضي في ظلال تلك البيئة النظيفة الصالحة المتوازنة التي أوجدها الله سبحانه وتعالى لخدمة الانسان.

فلنستمع إلى القرآن الكريم وهو يحدثنا أحسن الحديث :

(وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ وَأَنْهاراً وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (١).

(وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ وَمِنْها تَأْكُلُونَ) (٢).

(أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها وَزَيَّنَّاها وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ. وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) (٣).

(هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ) (٤).

__________________

(١) سورة الرعد : الآية ٣.

(٢) سورة النحل : الآية ٥.

(٣) سورة ق : الآيتان ٦ ـ ٧.

(٤) سورة يونس : الآية ٥.

١٥٩

(وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) (١).

(وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) (٢).

(وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ) (٣).

(وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَها يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوافِها وَأَوْبارِها وَأَشْعارِها أَثاثاً وَمَتاعاً إِلى حِينٍ. وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً وَجَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ) (٤).

* * *

__________________

(١) سورة لقمان : الآية ١٩.

(٢) سورة يونس : الآية ٨٧.

(٣) سورة الأنبياء : الآية ٣٠.

(٤) سورة النحل : الآيتان ٨٠ ـ ٨١.

١٦٠