القرآن والطبّ الحديث

الدكتور صادق عبدالرضا علي

القرآن والطبّ الحديث

المؤلف:

الدكتور صادق عبدالرضا علي


الموضوع : الطّب
الناشر: دار المؤرّخ العربي
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٢٤

ولا تزال التجارب على العسل مستمرة بجد ، لكشف أسرار هذا الغذاء العجيب الذي وهبنا الله إياه من أصغر المخلوقات ، ليكون عبرة لنا في التفكر بعظمة الله وقدرته.

فما هو العسل؟ وما هي مركباته؟ هذا ما أجاب عليه الكثير من العلماء ، وقام الدكتور نزار الدقر بدراسة مستفيضة حول ذلك ، وألف كتابا خاصا حول ذلك المركب الالهي الفريد سماه «العسل فيه شفاء للناس».

مكونات العسل : ـ

هو عبارة عن مخزن كامل لمجموعة من العقاقير العلاجية والوقائية الفعالة ، والذي يدخل في تركيبه أكثر من سبعين مادة مختلفة ، وذات أهمية حيوية كبرى للأعضاء. ويكون مصدرا للمواد السكرية وأكثر أهمية على مدى آلاف السنين. ويعادل الكيلو غرام الواحد من العسل (٣١٥٠ ـ ٣٣٥٠) سعرة حرارية.

ويختلف تركيب العسل اختلافا يتناسب واختلاف الزهور والمناطق والأرض ، وحتى باختلاف الأحوال الجوية.

فإذا أخذنا عينة من العسل ، وأجرينا عليها فحصا مختبريا نجدها معقدة التركيب جدا ، وتتألف من السكريات بالدرجة الاولى ، وقد اكتشف لحد الآن ما يقرب من خمسة عشر نوعا من السكريات في العسل وأهمها : ـ

١ ـ سكر الفواكه بنسبة ٤٠ خ

٢ ـ سكر العنب بنسبة ٣٠ خ

٣ ـ سكر القصب بنسبة ٤ خ

٤ ـ سكر الشعير والميلسيتوز

٥ ـ دكسترين

٦ ـ الأرلوز وغيرها.

١٠١

وهذه السكريات تنتج خلال عمليات التحضير والتخمير بفعل الأحماض والخمائر المختلفة.

ويحتوي العسل على أحماض عضوية كثيرة منها :

١ ـ حامض النمل.

٢ ـ حامض الليمون.

٣ ـ حامض التفاح.

٤ ـ حامض الأخير.

٥ ـ حامض الحماض.

٦ ـ حامض غلوكونيك.

٧ ـ حامض باير وغلوتاميك.

٨ ـ النبيذ والزبرة.

والعسل ذو أهمية خاصة لاحتوائه العديد من الخمائر التي تلعب دورا هاما في حياة الكائن الحي ، وخمائر العسل العديدة يأتي بعضها من رحيق الأزهار ، والبعض الآخر من النحلة بالذات وأهمها : ـ

١ ـ خميرة الشعير (الأميليز) التي تحول النشاء والدكسترين إلى سكر.

٢ ـ خميرة (القلابين) التي تحول السكر العادي إلى سكر العنب والفواكه.

٣ ـ خميرة (الكاتالاز) التي تحلل الماء الأوكسجيني.

٤ ـ خميرة (الفوسفاتاز) التي تعمل على توليد الفوسفات.

٥ ـ الخميرة التي تنتج الأحماض من سكر العنب.

٦ ـ آثار من خميرة (البيروكسايد) و (الليباز) وبهذا يكون عاملا مهما من عوامل تغذية الانسان.

وقد أجرى البروفسور (ن ـ أيوريش) من معهد الفيتامينات للأبحاث العلمية السوفيتي بموسكو أبحاثا مفادها أن العسل يحتوي على مجموعة من

١٠٢

الفيتامينات أهمها : ـ

١ ـ فيتامين ب ١.

٢ ـ فيتامين ب ٢.

٣ ـ فيتامين ب ٣.

٤ ـ فيتامين ب ٥.

٥ ـ فيتامين ب ٦.

٦ ـ فيتامين ث.

٧ ـ فيتامين K.

٨ ـ فيتامين E.

٩ ـ الكاروتين.

واحتواء العسل على الفيتامينات يرتبط بما يحتويه من غبار الطلع (Pollen). ذلك أنّ العسل الموجود في جوف النحلة أو في داخل فتحات القرص الشمعي يختلط بغبار الطلع الذي تجمعه النحلة كراتب غذائي بروتيني.

وهذا الغبار الطلعي هو بحد ذاته مادة شديدة التعقيد لم يكشف النقاب عن الكثير من خصائصها الكيمياوية.

ولهذا نجد العسل يحتوي على أنواع البروتينات ، والأحماض الأمينية ، ومشتقات الكلوروفيل ، وأنواع الأصبغة ، والمنشطات الحيوية ، والروائح العطرية ، والأغوال السكرية : كالمنيتول ، والديلستول ، وبعض الألدهيدات ، والأسترات ، والعفصيات.

وتؤكد الأبحاث بأن الفيتامينات أثناء وجودها داخل العسل لا تتأثر ، أو تفقد أي جزء منها بعكس الفواكه والخضار.

كما أنّ العسل يحتوي على بعض الهرمونات الجنسية بكميات ضئيلة ، وكذلك مواد هرمونية شبيهة بالأنسولين. وأنّ سكّره لا يؤثر على المرضى المصابين بمرض

١٠٣

(السكري) البسيط ، خصوصا العسل المسمى ب (عسل السنط) وذلك لأحتوائه على نسبة عالية من (الفركتوز).

الأملاح المعدنية الموجودة في العسل : ـ

١ ـ أملاح الكالسيوم.

٢ ـ أملاح الصوديوم.

٣ ـ أملاح البوتاسيوم.

٤ ـ أملاح المنغنيز.

٥ ـ أملاح الحديد.

٦ ـ أملاح الكلور.

٧ ـ أملاح الفسفور.

٨ ـ أملاح الكبريت.

٩ ـ أملاح اليود.

١٠ ـ عناصر معدنية من أملاح :

المغنيزيوم ، السيلسيوم ، الألمنيوم ، الكروم ، النحاس ، الليثيوم ، النيكل ، الرصاص ، القصدير ، التيتانيوم ، الزنك ، الأوسميوم.

والمعادن بصلاتها مع الخمائر والفيتامينات والهرمونات تؤثر على قابلية التهيج في الجهاز العصبي.

وإنّ نقصها في غذاء الانسان يؤدي إلى فقدان نشاطه وحيويته مع فتور في التفكير والحركة. كما تلعب المعادن دورا هاما في تنفس الأنسجة ، وفي مبادلاتها الغازية.

وكذلك لها دور لا ينكر في أعمال الدورة الدموية ، وتكوين الدّم.

العسل مضاد للجراثيم : ـ

أجرى بعض الأطباء بحوثا على العسل من قبيل زرع جراثيم متنوعة فيه ،

١٠٤

فثبت لديهم موتها بعد ساعات من زرعها. كما أكد البعض الآخر من الأطباء بعد إجرائهم تجارب عديدة بأنّ الجراثيم المرضية التي تصيب الانسان تموت بالعسل. ولوحظ عدم تعفن أنواعا من العسل رغم مرور مدة طويلة على حفظها ، ويرجح السبب برأي المختصين هو وجود تأثير مشترك للخمائر والسكريات كمواد مضادة للحيوية.

وقد أجمع العديد من الباحثين على أن في العسل موادا مثبطة لنمو الجراثيم والعفنيات ضمن تركيبه والتي تمنع نمو الجراثيم ، وأنّ هذه المضادات من صنع النحلة نفسها ، وليس مقتصرا على التركيز السكري العالي للعسل. ويطالعنا رأي آخر هو وجود الماء الأوكسجيني القاتل للجراثيم ، أو وجود كميات من البوتاسيوم الذي يقوم بسحب الرطوبة المائية للجراثيم نفسها.

استعمالات العسل في الأمراض المختلفة : ـ

١ ـ استعمال العسل في طب الأطفال : أكد الباحثون أنّ العسل يزيد في خضاب الدم ، وعدد الكريات الحمراء في دماء الأطفال ، ويعتبر غذاء للأطفال ويساعد على نموهم لا سيما الأطفال الخدج ، ويقيهم من الاصابة بأمراض مختلفة ، وقد لوحظ بأنّ وجود العسل مع غذاء الأطفال ينظم جهاز الهضم ويقلل الغازات عندهم.

٢ ـ استعمال العسل في الشيخوخة : للعسل تأثير على التجعد في الجلد المسترخي ، وله أيضا تأثيره على شكاوى الطاعنين في السن في حالات الانحطاط ، والوهن العام ، وآلام الرأس ، والوهن العصبي ، والنفسي ، وداء الثعلب ، والتهاب المفاصل ، وتصلب خلايا الدماغ ، كما يساعد المرضى المصابين بداء الكحول المزمن.

٣ ـ استعمال العسل في الأمراض الجلدية : للعسل تأثيرات موضعية في معالجة الجروح والقروح والأمراض الجلدية المختلفة ، وقد استعمل قديما وحديثا لأنّ وجوده يساعد في زيادة افرازات الجروح لمادة (الفلوتاتيون) التي لها دور كبير في عمليات الأكسدة ، ويزيد في نمو البراعم الحبيبية ، وإسراع التندب حتى الشفاء.

١٠٥

٤ ـ استعمال العسل في أمراض العيون : أدى استعمال العسل في التهابات القرنيه ، وحواف الأجفان الى نتائج طيبة ، فقد استعمل في تحضير الكثير من مراهم العيون. كما أعطى نتائج ملموسة عند استعماله في حروق العيون.

٥ ـ استعمال العسل في أمراض الجهاز الهضمي : ـ

أ ـ يكافح الإمساك وينظم الهضم.

ب ـ يشعر المرضى براحة بعد إجراء العمليات الجراحية على الجهاز الهضمي ، لما يقوم به من تحريك الأمعاء وذلك لوجود المواد العطرية الطيارة فيه.

ج ـ يكافح جراثيم الأمعاء والتخمر.

د ـ يعمل كمنظم لحموضة المعدة.

ه ـ له تأثير جيد على غشاء المعدة ، وتبرز فائدته في التئام القرحة المعدية.

و ـ له تأثير كبير في عملية تنشيط الكبد.

٦ ـ استعمال العسل في أمراض الجهاز التنفسي : ـ

أ ـ يفيد في شفاء النزلات الشعبية.

ب ـ يستعمل كبخار مفيد في التهابات الأنف والفم والبلعوم والحنجرة.

ج ـ يريح صداع الجيوب الأنفية.

د ـ يزيد في شفاء المصابين بمرض (السل) عند استعماله مع الأدوية المضادة للسل.

٧ ـ استعمال العسل في أمراض جهاز الدوران والقلب : ـ

أ ـ يقوي عضلة القلب لأحتوائه على السكريات والفيتامينات بنسبة كبيرة.

ب ـ يزيد في إرواء عضلة القلب بالدم ، ويقوم بتوسيع الأوعية الاكليلية لوجود عامل (الفليكوتيلين) الذي له أثر خاص على الكبد والدورة الدموية.

ج ـ ينظم الضغط الدموي وضربات القلب.

د ـ يخفف من تأثيرات الأدوية الجانبية على عضلة القلب.

ه ـ يفيد بعد العمليات الجراحية على القلب.

١٠٦

٨ ـ استعمال العسل في أمراض الجهاز العصبي : ـ

أ ـ قليله مهدىء وكثيره منبه ومنشط.

ب ـ يفيد في علاج «داء الرقص».

ج ـ يفيد في علاج ضعف الذاكرة والوهن والجمود الفكري.

د ـ يساعد في ضبط النفس ويقلل من نسبة الهيجان العصبي.

ه ـ يخفف من وذمة الدماغ.

و ـ يفيد في علاج (اللمباجو) ، والتهاب (العصب الوركي).

ز ـ يعتبر العسل أفضل غذاء ، ومرمم للجهاز العصبي.

٩ ـ استعمال العسل في الأمراض النسائية : ـ

أ ـ يفيد العسل في تقليل تأثير الوحام عند النساء الحوامل ، خصوصا إذا استعمل كمحلول يزرق بالوريد.

ب ـ يساعد الألياف الرحمية على التقلص فتحدث الولادة بشكل طبيعي وأمين.

ج ـ أعطى العسل نتائج طيبة عند ما استعمل مع المخدر الموضعي في الحالات النسائية لأنه يطول مدة تأثير المخدر ، وبدون أن يحدث هبوطا في ضغط الدم ، خصوصا المرضى المصابين باضطرابات قلبية أو دورانية وسمي هذا المركب ب (الميليستين).

د ـ يساعد في شفاء الجروح بشكل سريع ، دون أن يصحبها ألم (١).

أنواع العسل : كل نوع من أنواع العسل يفيد في شفاء حالات مرضية معينة ، وفيما يلي سنعرض لبعض النماذج (٢).

__________________

(١) د. نزار الدقر : العسل فيه شفاء للناس.

(٢) مجلة (نور الاسلام) العدد الثاني ـ السنة الاولى ص ٩٢ (شهر رمضان ـ ١٤٠٨ ه‍).

١٠٧

١ ـ عسل السّنط

اللون : عنبري.

الرائحة : نفاذة.

المذاق : شديد الحلاوة.

الكثافة : سائل.

استطباباته : إنّه ـ بفضل حلاوته ـ عسل المائدة المميّز والمفضل ، وهو أيضا الأثير لدى الأطفال. ويمكن استخدامه لتحلية الرضاعة للأطفال. وينصح به أكثر من سواه للمرضى المصابين إصابة بسيطة بمرض السّكر ، وذلك لأحتوائه على نسبة عالية من سكر (الفركتوز) ولكن دون إفراط.

٢ ـ عسل الزعرور

اللون : عنبري فاتح.

الرائحة : معطر.

المذاق : حلو سائغ.

الكثافة : محبب ناعم (أي ذو حبيبات ناعمة).

استطباباته : ينصح بتناوله في حالات الإصابة بإرتفاع الضغط ، وتصلب الشرايين. إنّه عسل مرضى القلب. ويستخدم في حالات التشنج والخفقان والذبحة الصدرية. وبما أنّه مضاد للتقلصات العضلية فإنه مفيد وجيد لعصبيي المزاج وللمصابين بالقلق كما يستعمل في حالات (الدوخة) وطنين الاذن ، وهو يخفف الأرق.

٣ ـ عسل البرتقال

اللون : عنبري.

الرائحة : خفيفة.

المذاق : محبب.

الكثافة : عجيني.

١٠٨

استطباباته : مضاد للتشنج ومسكّن. يفيد أصحاب المزاج العصبي والقلق وفي حالات الشقيقة (الصداع النصفي) والأرق وخفقان القلب.

٤ ـ عسل الحنطة السوداء

اللون : بني غامق.

الرائحة : متميزة.

المذاق : غريب ، غير اعتيادي.

الكثافة : غليظ القوام.

استطباباته : ينصح باستخدامه للأطفال في طور النمو ، وفي حالات خسف المعدنيات ، وبعد الولادة وأثناء الرضاعة ، وبعد الإصابة بكسور في العظام.

٥ ـ عسل الزيزفون

اللون : أصفر فاقع.

الرائحة : شديد العطرية.

المذاق : لذيذ.

الكثافة : عجيني.

استطباباته : يفيد ضد التقلصات ، وكمهدىء لمجمل الجهاز العصبي ، ويستعمل ضد الأرق. ويمكن استخدامه لتحلية نقيع الماء (١).

* * *

__________________

(١) النقيع : هو ماء مغلي يوضع فيه نبات طبي ثم يصفّى ويشرب.

١٠٩

الموضوع الرابع

«الإسراف في الطعام»

(خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) (١).

ما جاء في الآية الكريمة يعتبر من أعظم وأروع القوانين الالهية التي لها علاقة بصحة الانسان ، كما يعتبر حجر الزاوية في العلاقة بين الانسان والغذاء ، ذلك أنّ الرغبة في تناول الشراب والطعام وجدت مع الانسان منذ اليوم الأول لوجوده في هذا الكون.

والغذاء بأنواعه المختلفة يعطي الانسان الطاقة اللازمة لادامة الفعاليات الحيوية ، وتناوله يخضع لميزان صحّي وعلمي يخدم الانسان خلال حياته ، ويجعله ينعم براحة وسلامة بعيدا عن الأمراض. فإنّ كمية الغذاء المتناول إذا كانت أكثر من حاجة الجسم ولدّت له مضاعفات وسببت المشاكل الغذائية والصحية ، في حين أن تناول كمية من الغذاء أقل من حاجة الجسم أدت إلى هبوط فعالياته المختلفة.

ومن خلال التجارب العلمية وجد أنّ جسم الانسان العادي المتوسط القامة والوزن يحتاج بمعدل (٢٥) غم من البروتينات و (١٠٠) غم من السكر وكمية من الدهنيات والأملاح والفيتامينات. وتجاوز هذه النسب بمعدلات عالية يولد للجسم مضاعفات وأعراض مرضية قد تؤدي به إلى الموت في بعض الأحيان.

ولعل الرغبة في امتلاك الغذاء وتناوله شغلت بال الأنسان كما شغله المال والبنون ، وللحد من هذه الرغبة الجامحة جاءت الآية الكريمة لتحذر الانسان من

__________________

(١) سورة الأعراف : الآية ٣١.

١١٠

الأنجرار وراء تناول الطعام بإسراف ، الذي ينتج عنه أضرار بدنية ليس لها ما يبررها من النواحي الصحّية والعلمية.

والرسول الأكرم (ص) لم يترك هذه المشكلة ، وإنّما نبّه عليها في الكثير من أحاديثه وأقواله ، أليس القائل (ص) : «نحن قوم لا نأكل حتى نجوع ولا نشبع إذا أكلنا» (١).

و «المعدة بيت الداء ، والحمية رأس كل دواء ، واعط كل بدن ما عود» (٢).

و «ما ملأ ابن آدم وعاء شرّا من بطنه» (٣).

كما تطرق أمير المؤمنين الإمام علي (ع) الى هذا الموضوع الهام حيث قال : «كثرة الطعام تميت القلب كما يميت كثرة الماء الزرع» (٤).

وعن الإمام الصادق (ع) : «الأكل على الشبع يورث البرص» (٥).

وعنه أيضا : «إياك والإكثار من شرب الماء ، فإنّه مادة كل داء».

وقال (ع) : «لو أنهم أقلّوا من شرب الماء لاستقامت ابدانهم» قال : وكان النبي (ص) إذا أكل دسما أقلّ من شرب الماء ، فقيل له : يا رسول الله! إنك لتقلّ من شرب الماء؟ فقال : «إنّه أمرأ للطعام» (٦).

والإسراف : إمّا أن يكون بتناول كميات كبيرة من الطعام ، أو التركيز على نوع معين من الغذاء دون غيره ، أو الانسياق الشديد وراء رغبات النفس الغذائية دون النظر إلى الأضرار وعواقب الامور.

__________________

(١) بحار الانوار ج ٦٣ ص ٣٣٠.

(٢) مكارم الأخلاق ص ١٥٠.

(٣) مكارم الأخلاق : ص ١٤٧.

(٤) نفس المصدر : ص ١٥٧.

١١١

الأمراض التي يسببها الإسراف في الطعام : ـ

١ ـ التخمة وعسر الهضم وما يرافق ذلك من توسع المعدة ، وألم في الجزء العلوي من البطن ، وزيادة الغازات ، وقد يصحب ذلك إسهال أو تقيؤ مع نحول ودوران وانبعاث روائح كريهة من الفم ، نتيجة تناول كميات كبيرة من الغذاء.

٢ ـ التهاب البنكرياس الحاد أو المزمن.

٣ ـ وذمة قلبية خصوصا عند الطاعنين في السن إذا كان الغذاء يحتوي كميات كبيرة من الدهنيات.

٤ ـ تصلب الشرايين نتيجة تناول الدهنيات بكثرة.

٥ ـ التهاب المعدة الحاد أو المزمن أو القرحة.

٦ ـ داء النقرس الناتج عن تناول اللحوم والخضروات بكثرة.

٧ ـ ارتفاع ضغط الدم خصوصا عند الاكثار من تناول الأملاح.

٨ ـ الاسهال أو القبض نتيجة تناول بعض الفواكه.

٩ ـ داء السكر : ويحدث عن تناول السكريات بكثرة خصوصا عند الأشخاص المصابين بالسمنة.

١٠ ـ حساسية في البدن : وتحدث من جراء تناول الفلافل والبهارات والأطعمة الحارة بكميات كبيرة.

١١ ـ تسوس الأسنان : ويحدث بسبب الاكثار من تناول السكريات الصناعية التي تساعد على التخمر في جوف الفم وبين الأسنان.

١٢ ـ الحصيات الكلوية : تحدث لدى البعض نتيجة تناول اللحوم والحليب والجبن وبعض المياه الثقيلة أكثر من اللازم.

١٣ ـ السمنة : وهي زيادة في كمية الدهنيات الموجودة في الجسم تحدث جراء الاكثار من الطعام وخاصة السكريات والدهون لا سيما عند الأفراد الذين لديهم استعداد وراثي للسمنة.

١١٢

أسباب السمنة : ـ

١ ـ زيادة تناول الغذاء خصوصا الدهنيات والسكريات.

٢ ـ عدم قيام الجسم بفعاليات لصرف الطاقة.

٣ ـ الاستعداد الوراثي.

أعراض السمنة : ـ

١ ـ كآبة وقلق نفسي.

٢ ـ تسطح القدمين والتهابات أنواع المفاصل في الجسم.

٣ ـ ضيق النفس.

٤ ـ قصور في فعاليات الجسم المختلفة.

٥ ـ إحتمال حدوث فتوق في الجسم خصوصا الفتق المفبني والمعدي.

٦ ـ زيادة كميات (الكولسيترول) بالدم.

٧ ـ زيادة حجم القلب.

٨ ـ زيادة نسبة ضغط الدم.

٩ ـ زيادة الاصابة بالذبحة الصدرية.

١٠ ـ تصلب الشرايين.

١١ ـ قصر عمر المصاب بالسمنة.

أسباب نفسية ترفض الإسراف في الطعام :

١ ـ مرفوض اجتماعيا ونفسيا ، وقد يعرض صاحبه للطعن ، ويجعله عرضة للنقد.

٢ ـ يخالف آداب الطعام المتعارف عليها دينيا وإجتماعيا وعائليا.

١١٣

قال (ص) : «نور الحكمة الجوع ، والتباعد من الله الشبع ، والقربة إلى الله حب المساكين والدنو منهم» (١).

وقال الإمام الصادق (ع) : «كثرة الأكل مكروهة» (٢).

وعنه (ع) : «من أكل طعاما لم يدع إليه فكأنما أكل قطعة من النار» (٣).

٣ ـ يؤدي إلى حدوث مشاكل اقتصادية ومالية ونفسية.

قال النبي (ص) : «ليس بمؤمن من بات شبعانا وجاره طاويا» (٤).

٤ ـ يؤثر على تربية الأطفال وسلوكهم.

فعن الإمام الصادق (ع) : «إذا دعي أحدكم إلى الطعام فلا يستتبعن ولده ، فإنه إن فعل أكل حراما ودخل عاصيا» (٥).

٥ ـ يجعل الأنسان عرضة للحسد.

٦ ـ يؤدي إلى التساهل في العبادة :

فعن رسول الله (ص) : «لا تميتوا القلوب بكثرة الطعام والشراب ، فإنّ القلوب تموت كالزروع إذا كثر عليه الماء» (٦).

و «لا تشبعوا فيطفأ نور المعرفة من قلوبكم ، ومن بات يصلي في خفة من الطعام باتت الحور العين حوله» (٧).

وسئل رسول الله (ص) : «ما أكثر ما يدخل النار؟! قال (ص) : الأجوفان : البطن والفرج» (٨).

__________________

(١) مكارم الأخلاق : ص ١٤٩.

(٢) نفس المصدر : ص ١٤٧.

(٣) نفس المصدر والصفحة.

(٤) أيضا ص ١٣٧.

(٥) مكارم الأخلاق ص ١٤٧.

(٦ و ٧ و ٨) مكارم الأخلاق ص ١٥٠.

١١٤

وقال أمير المؤمنين الإمام علي (ع) : «إياكم والبطنة فأنها مقساة للقلوب ، مكسلة عن الصلاة ، مفسدة للجسد» (١).

وقال الإمام الصادق (ع) : «إنّ البطن إذا شبع طغى» (٢)

* * *

__________________

(١) بحار الانوار ج ٦٣ ص ٣٣٨.

(٢) مكارم الأخلاق ص ١٤٣.

١١٥

الموضوع الخامس

«المحرّمات»

(حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ) (١).

الميتة : هي الحيوان الميت الذي كان أكله حلالا عند ما كان حيّا سليما. والحيوان الميت حرّم الشارع أكله ، وهو مكروه من الناحية النفسية ، كما أنّ الطب الحديث وقف معه موقف المعارض لأسباب صحّية كثيرة حفاظا لسلامة جسم الانسان من أن يصاب بأمراض عند تناوله لذلك اللحم الميت.

وهذه المعارضة الطبية جاءت بعد دراسات ومتابعات أثبتت أن هلاك الحيوان ناتج عن مرض حاد أو مزمن ، مما جعل لحمه غير صالح للاستهلاك البشري.

وتبدأ في الحيوان الميت عمليات التفسخ بعد ساعات من موته ، كما يخضع لتغيّرات كيمياوية وفيزيولوجية مختلفة ، تبدأ أولا بترسب الدم في أجزاء معينة من جسم الحيوان ، فينتج عنها ما يسمى ب (الزرقة الرمية) ثم يحدث بعد ذلك (التيبس الرمي) الذي يؤدي إلى تصلب عضلات جسم الحيوان الميت وتوترها ، بسبب تكوّن الأحماض كحامض (اللبن) و (الفسفور) و (الفورميك).

وبعد فترة تعود الحالة القلوية للعضلات ويبدأ (التيبس الرمي) بالزوال ، وعندها تغزو الجراثيم جثة الحيوان وبشكل كثيف وسريع ، وتأخذ الجراثيم (الهوائية) و (اللاهوائية) بالتكاثر داخل جسم الحيوان الميت ، مما يؤدي إلى تعفن الجثة وانتفاخها وتفسخها مع انبعاث الروائح الكريهة منها ، حيث يلعب الدم المتجمد في عروق الجسم

__________________

(١) سورة المائدة : الآية ٣.

١١٦

دور العامل المساعد في سرعة عملية التفسخ.

والأمراض الحيوانية التي تؤدي إلى الموت كثيرة ، منها ما يختص بالحيوانات فقط ولا تصيب الانسان ، ومنها ما تصيب الانسان والحيوان معا ، وفي هذه الحالة يكون تناول اللحوم أكثر خطورة على الإنسان من السابق.

أما الأمراض المشتركة التي تصيب الحيوان والانسان فهي : ـ

١ ـ مرض السل.

٢ ـ الجمرة الخبيثة.

٣ ـ مرض التيفوئيد.

٤ ـ مرض الدزنتري.

٥ ـ الأكياس المائية.

٦ ـ أمراض طفيليات الكبد.

٧ ـ مرض حمى مالطا.

٨ ـ الديدان المعوية والشريطية.

٩ ـ الاصابة بأمراض الميكروبات المسبحية والعنقودية.

١٠ ـ الاصابة ببعض الأمراض الفيروسية.

لقد أصبح واضحا في الوقت الحاضر أنّ عملية الذبح على الطريقة الأسلامية هي عملية صحيحة وعلمية ، لما لها من فوائد كثيرة تضمن سلامة اللحم المذبوح ، حيث ثبت أنّ عملية ذبح الحيوان التي تتم بقطع الأوردة الرئيسية في الرقبة فقط مع المحافظة على بعض الأوردة والشرايين تضمن خروج أكبر كمية من الدم في جسم الحيوان ، لأنّ العلاقة بين المخ والقلب لا تزال سليمة ، وهذا يعطي الفرصة لكميات كبيرة من الدم للخروج من جسم الحيوان المذبوح.

أما إذا كانت عملية الذبح خلاف هذه الطريقة الاسلامية ، فإنها تؤدي إلى صدمة عنيفة للحيوان يتبعها تجمد الدم في العروق والجسم مع ترسب حامض

١١٧

(البوليك) في لحم الحيوان المصدوم.

الدّم : هو عبارة عن مركب معقد يوجد في عروق الانسان والحيوان ، ذو منظر مفزع ، والحديث عنه مرعب ومخيف ، لأن لفظه يترادف مع الأحداث والمشاكل والمآسي ، والتحدث به كغذاء ذي فائدة لا يقبله الذوق ولا ترنو إليه النفس ، وقد ثبت في الوقت الحاضر أنّ الدّم لا يصلح لأن يكون غذاء للانسان لأسباب صحّية كثيرة لا تقبل الجدل والنقاش ، ومن أهمها : ـ

١ ـ يعتبر الدّم أفضل غذاء للميكروبات ووسطا صالحا لنموها بشكل سريع وفعال ، حيث تتكاثر فيه بسرعة هائلة لا يوازيه فيها إلّا الحليب ، فهو إذن سريع التلوث ، حتى في حالة جواز تناوله كغذاء ، ويتعفن خلال مدة قصيرة جدا.

٢ ـ ذو رائحة كريهة.

٣ ـ منظره وشربه يولّد القسوة في نفس الانسان العادي ، ويجعله عرضة لارتكاب الجرائم ، فهو مكروه من الناحيتين (النفسية والتربوية).

٤ ـ يحتوي على نسبة كبيرة من حامض (اليوريك) والفضلات الاخرى التي تضر الجسم.

٥ ـ ثقيل التناول ، وذلك لاحتواء كريات الدم الحمراء على نسبة عالية من الحديد ، ممّا يسبب آلاما في المعدة والأمعاء والبطن ، ويتبع ذلك التقيؤ والاسهال. وبالتالي يحرم الجسم من امتصاص المواد الغذائية الضرورية الموجودة في الجهاز الهضمي.

٦ ـ يؤدي تناوله إلى اضرار تصيب الكبد والمعدة والأمعاء ، وترسب في الكلى ممّا يؤدي إلى أعراض خطيرة ، لأنّ الدم المتجمع في المعدة والأمعاء يخدش جدارها ويلحق بها الأذى. وهذا ما نلمسه عند انفجار دوالي المرىء أو قرحة المعدة أو القولون ، حيث تحدث حالات التقيؤ الشديد والإسهال ، ممّا يعطي دليلا قاطعا بأنّ الجسم لا يقبل كميات من الدم وإن كانت قليلة داخل تجاويفه ومن نفس جسم

١١٨

الإنسان.

٧ ـ لا يمكن اعتباره غذاء متكاملا من الناحية الغذائية والعلمية ، فنسبة البروتينات فيه ضئيلة جدا ، كما أنّه عسر الهضم بسبب (الفايبرين) الذي يؤدي تأثيره إلى تليّف الدم.

لحم الخنزير : الخنزير حيوان قذر ، كريه المنظر ، يعيش في البيئات الوسخة التي تنعدم فيها الظروف الصحّية ، وقد حرّم القرآن الكريم أكل لحمه قبل مئات السنين ، ولم تكن حينذاك مختبرات طبية حديثة أو دراسات علمية كالتي نراها اليوم حول أضرار لحم الخنزير.

ولعل ما اكتشفه لنا العلم الحديث ، وما سيكتشفه مستقبلا لهو خير دليل على كون المحرمات التي جاء بها القرآن هي لصالح الانسان وسلامة جسده ونفسه.

الأمراض التي تصيب الانسان نتيجة التلوث بفضلات الخنزير : ـ

١ ـ الدزنتريا الخنزيرية : وتسببه الطفيليات المعروفة باسم (البلانتريازس) والتي تكثر في البيئات التي تعيش فيها الخنازير ، حيث تقوم بنقل الميكروبات إلى المأكولات ، فتحدث حالات الاسهال المصحوبة بالمخاط والدم مع التقيؤ ، وارتفاع درجة الحرارة ، والضعف العام.

٢ ـ مرض (داء وايل) : وينتقل إلى الانسان عن طريق المياه الملوثة ببول الخنزير.

٣ ـ شريطية السمك العريضة : وهي تصيب الانسان ويبلغ طولها (٣ ـ ١٠) م ، ويلعب الخنزير دور العائل الخازن في دورة حياتها.

٤ ـ الأميبا النسيحبية : وتسبب للانسان (الزحار الأميبي) ، ويلعب الخنزير فيها دور العائل العادي.

٥ ـ حصبة الخنزير : وهو مرض يصاب به الخنزير وغيره من الحيوانات ، وينتقل منه إلى الانسان.

١١٩

الأمراض التي تصيب الإنسان نتيجة أكل لحم الخنزير : ـ

١ ـ الديدان الشريطية : تصيب الانسان عند تناوله لحم الخنزير غير المطبوخ جيدا ، حيث تسبب له اضطرابات مختلفة في الجهاز الهضمي مع ضعف عام ونحول واصفرار الوجه.

٢ ـ يحتوي لحم الخنزير على (١ / ٢٨ خ) من الدهون ، في حين أنّ لحم البقر يحتوي على (٥ / ٤ خ) من الدهون وغني بالبروتينات ، لذلك يكون لحم الخنزير أعسر هضما ويؤثر على الأمعاء.

٣ ـ يؤدي تناول لحم الخنزير ومشتقاته إلى إصابة الانسان بديدان (الترخينة) التي لا يزيد طولها عن (٤) ملم عند تكامل نموها ، وهذه الديدان تعيش في عضلات الخنزير بشكل يرقات صغيرة متحوصلة ، فإذا لم يطه لحم الخنزير جيدا ، فإنّ الانسان يصبح عرضة للاصابة بهذه الديدان التي توّلد له الضعف والهزال والحمى وشدة الآلام. ويحتمل أن يكون المرض وبائيا مما يؤدي إلى موت الكثير من الأشخاص.

٤ ـ تناول المواد الغذائية الملوثة ببيوض الديدان الشريطية للخنزير ينتج عنه أمراض عديدة ، حيث يؤدي ابتلاع هذه البيوض التي تحتوي اليرقات ذات القابلية على اختراق جدار الأمعاء والوصول إلى الدم ، ومنه تستقر في عضلات الجسم المختلفة ، أو تحت الجلد على شكل كيس متليّف ، ويحدث خطرها في حالة استقرارها في العضلات المسؤولة عن التنفس (عضلات الحجاب الحاجز وما بين الأضلاع) ، وقد تستقر في عضلات العين والقلب والعظام ، وتزداد خطورتها عند ما تستقر في أنسجة المخ حيث تنتج عنها أمراض عديدة كالصرع وغيره.

٥ ـ يحتوي لحم الخنزير على كمية كبيرة من حامض (البوليك) خلافا لسائر الحيوانات على وجه المعمورة ، فكل الحيوانات تستطيع أن تفرز (٩٠ خ) من هذه المادة بمساعدة الكليتين ، إلّا أنّ الخنزير لا يتمكن من إفراز أكثر من (٢ خ) في حين تصبح الكمية الباقية جزءا من لحمه ، ولهذا السبب فإنّ الخنزير يشكو آلاما في المفاصل ،

١٢٠