مصنّفات ميرداماد - ج ١

مير محمّد باقر بن محمّد حسين الاسترابادي [ ميرداماد ]

مصنّفات ميرداماد - ج ١

المؤلف:

مير محمّد باقر بن محمّد حسين الاسترابادي [ ميرداماد ]


المحقق: عبدالله نوراني
الموضوع : الفلسفة والمنطق
الناشر: منشورات مطبعة وزارة الإرشاد الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-7874-07-3
الصفحات: ٦٣٨
الجزء ١ الجزء ٢

بالصّورة ، فإنّ بين المعنيين فرقانا.

فإذن ، ذات الهيولى مفتقرة في وجودها إلى نفس ذات الصّورة ، ثمّ كونها متشخّصة وقائمة بالفعل إلى مقارنتها المتأخّرة عن وجودهما بالذّات ، فالشّيء يجوز أن يحتاج في اتّصافه بصفة ما إلى ما يتأخّر عن ذاته ، كالعلّة المحتاجة في اتّصافها بالعليّة إلى وجود معلولها المتأخّر عنها وليس في ذلك إلّا استيجاب تأخّر صفة ما لها عمّا يتأخّر عن ذاتها.

إيماض

(٢٣ ـ علاقة الهيولى والصّورة عليّة ومعلوليّة)

وأيضا إذا استبان تلازم الهيولى والصّورة في الوجود ـ ومن البيّن أنّهما ليستا على علاقة التضايف ، أليس تعقل الصّورة جرمانيّة أو طبيعيّة ، ولا يذعن أنّ لها مادّة إلّا بتجشّم ؛ والمادّة جوهرا مستعدّا ، ولا يعلم وجوب اقترانها بالصورة المستعدة لها بالفعل إلّا بفحص. نعم تعرضها علاقة الإضافة بما هما الشّيئان المستعدّ والمستعدّ له ، ولكنّ النظر في جوهريهما ـ فليس هناك بد من علاقة العليّة والمعلوليّة.

فإمّا أن تكونا معا في المعلوليّة لثالث ، فيكون سبب ما خارج عنهما يقيم كلّ واحدة منهما ، إمّا بالأخرى ومعها على الوجه الدائر وهو مستحيل بتّة ، أو مع الأخرى لا على الوجه الدّائر ، بل على وجه آخر محصّل ، كما في المضافين.

فلم يخل : أكلّ واحدة منهما بحسب نفس ذاتها متعلقة بنفس ذات الأخرى في الوجود تعلّقا ما افتقاريّا ، فيرجع الوجه الدّائر ، أم ليس هناك تعلّق الافتقار [٤٣ ب] ، فينقلب التّلازم بالطّبع تصاحبا بالاتّفاق ؛ أم التّعلّق الافتقارىّ من الجنبتين في الوجود ، ولكن لا لكلّ من الذّاتين بنفس ذات الأخرى بل بمعروضها ، فهذا لا يعقل في ذاتين جوهريّتين ، بل إنّما في عرضين متباينى المعروض ، كالأبوّة والنّبوّة ، أم من الجنبتين ولكلّ من الذّاتين بنفس ذات الأخرى ، ولكن لا في أصل الوجود ، بل في ما وراء الوجود ، فتكونان على تغان مطلق بحسب أصل الوجود وعلى ارتباط ما بحسب وصف وراء الوجود. فبالضّرورة البرهانيّة لا يكون تلازم إلّا بحسب ذلك الوصف ، فينفسخ فرض التّلازم بينهما بحسب الوجود ، وهو خلف.

فبقى أن لا تكونا في درجة واحدة في المعلوليّة ، بل تكون إحداهما أقرب درجة

٨١

البتة إلى الثّالث العلّة.

وما في «التلويحات» ، من : «النّقض بلبنتين منحنيتين تقام كلّ منهما مع الأخرى وليس بينهما ارتباط الافتقار بوجه» ؛ فليس برصين ، إذ لا يعدّ ذلك من باب التلازم ، بل من باب تقاوم الأثقال المتدافعة في الميل إلى مركز الكلّ ، كما تتدافع أثقال جوانب الأرض ، فتستقرّ هي في الوسط ، وينطبق مركز ثقلها على مركز العالم لتكافؤ القوى.

ثمّ لو عدّ من التّلازم لم يكن في الوجود ، بل في حفظ «وضع» بعينه في «أين» بعينه. وكلّ واحدة منهما في ذلك الوصف مفتقرة ، لا محالة ، إلى ذات الأخرى. ولا يجرى مثل ذلك في الهيولى والصّورة بعد فرض التّلازم بينهما في الوجود.

وإمّا أنّ تكون بينهما عليّة ومعلوليّة ، فليس لك أن تدير من الجنبتين ، ولا أن تقول: ليست إحداهما بأن تقام بها الأخرى أولى من الأخرى بعكسه. فإذن قد بزغ أنّ إحداهما بخصوصها متعيّنة بالعليّة ، فلننظر أيّتهما كذلك ، وأيّة نحو لها من العليّة [٤٤ ظ].

إيماض

(٢٤ ـ المادّة لها القبول لا التأثير)

إنّ الهيولى طباعها قوّة القبول والاستعداد ، وطباع القوّة والقبول غير طباع الفعل والتّأثير ، والمستعدّ بما هو مستعدّ لا يكون سببا موجبا لوجود المستعدّ له. فعلاقة الاستعداد إنّما بحسبها الجواز والقوّة ، لا الوجوب والفعل. فهي ليست العلّة الموجبة للتلازم ، ولا شريكتها بتّة ، ولذلك لم يصحّ أن يكون جرم علّة لوجود ، إذ الصّورة الجرمانيّة لا تفعل إلّا بواسطة المادّة. ولو تسبّب جرم لوجود جرم ، لكان أوّلا يتسبّب لجزءيه اللّذين هما أقدم منه أيضا.

ثمّ المادّة غير مختلفة ، فلو كانت هي العلّة ، كانت الصّور غير متخالفة ، فإن كان اختلافها لأمور تختلف من أحوال المادّة كانت تلك هي الصّورة الأولى في المادّة ، وعاد القول جذعا. وإن كان تضامّ المادّة وسبب ما غيرها ليس فيها ، بل إنّما معها في الوجود قد اقتضى صورة ما بعينها فيها. فإذا اجتمع معها سبب آخر غيره ، حصلت فيها صورة أخرى غيرها ، فلا يكون للمادّة بالحقيقة إلّا القبول المطلق. فأمّا خصوصيّات الصّور ، فعن تلك الأسباب ، ولا صنع للمادّة في شيء منها إلّا أنّها لا بدّ منها في أن توجد

٨٢

الصّورة فيها. فإذن يبقى للمادّة القبول فقط ، ولا صنع لها في شيء بالتأثير أصلا.

إيماض

(٢٥ ـ الصّورة جزء من العلّة)

فقد تعيّنت الصّورة للعليّة ، ولا تصلح أن تكون علّة مطلقة أو آلة أو واسطة كذلك. والآلة ما به يؤثّر الفاعل في منفعله القريب ، والواسطة معلول يقاس إلى الطّرفين فيوجد علّة قريبة لأحدهما ، فذاك المعلول المطلق ، والآخر علّة بعيدة.

أمّا الصّور الّتي تفارق الهيولى إلى بدل عاقب ، فالأمر فيها بازغ ، وإلّا انعدمت الهيولى ، مهما افتقدتها بتّة. وهو ممّا قد أحالته [٤٣ ب] الضّرورة البرهانيّة.

وأمّا الّتي تلزمها أبدا حيث لا يقع افتراق عن التحام ، والتحام عن افتراق ، ولا تتبدّل صورة تقتضى الآثار وتنوّع ، فإنّها في شخصيّتها مفتقرة إليها ، وإلّا لم تكن توجد قائمة فيها. فلو كانت علّة مطلقة لقوامها ، لسبقتها بالتّقرّر والوجود بنفسها وبعلل ماهيّتها وعلل وجودها جميعا ، وهي من علل وجودها متشخصة. فإذن ، قد سبقت الهيولى نفسها بالوجود لا بمرتبة واحدة.

وأيضا ما يفتاق إليه الشّيء في ذاته أو في وجوده ، يفتاق إليه في فاعليّته أو في آليّته للفاعل ، فيلزم افتياق الصّورة إلى الهيولى في أن تفعلها أو تكون آلة لفاعلها.

ثمّ الصّورة الجرميّة المتشخّصة لا يتمّ وجودها في حدّ نفسها الشّخصيّة إلّا بالتّناهي والتّشكّل أو معهما أو هما من العوارض المسبّبة بالمادّة. وقد دريت أن المتقدم على المتقدّم أو على المع متقدّم.

وبالجملة إنّ الهيولى مستغنية الوجود عن الصّورة الجرميّة والّتي تصحبها من المنوّعة بما هي صورة شخصيّة وإن لزمتها في عوالم الطّبيعة الخامسة ، لا في عالم الطّبائع الأربع. والمستغنى عنه في شخصيته ، ليس له أن تكون علّة مطلقة لما يستغنى عنه من الهويّات الشّخصيّة ، ولا أن تكون من الآلات أو المتوسّطات المطلقة.

فإذن بقي أنّ الصّورة بما هي صورة مرسلة وبما هي صورة ما جزء من العلّة التامّة للهيولى الشّخصيّة ، غير الفاعل قريبا أو بعيدا ، أو غير الآلة المطلقة.

٨٣

إيماض

(٢٦ ـ الشّخصيّة والمادّة)

هل أشعرك مسلف القول : [البيان ل] أنّ الشخصيّة مستحيل الانعدام ، فقد تلى عليك : أنّ طروء العدم بحسب الدّهر ممتنع على الإطلاق ، وبحسب الزّمان لا يصحّ إلّا بسبق المادّة ، فيلزم أنّ يكون للمادّة الأولى مادّة. وأيضا [٤٥ ظ] لو انعدمت ، فإمّا أن تنعدم بالمرّة ، وهو متصوّر ، أو تنفعل إلى هيوليين حادثتين من كتم اللّيس ، فتكون للهيولى هيولى ، ويتمادى الأمر إلى لا نهاية.

وبالجملة ، كلّ ما ليس وجوده للمادّة فليس له قوّة على قبول الفناء بعد فعل الوجود ، وإنّما بالنّظر إلى ذاته دائما إمكان ارتفاع ذلك الوجود بالانتفاء الباتّ المطلق في الآزال والآباد رأسا وإن استحال انجذاذه بعد الحصول بالفعل.

إيماض

(٢٧ ـ الصّورة والتّناهي والتشكّل)

أليس الشّكل هيئة تلحق المقدار من حيث يحاط بحدّ واحد أو حدود متكثّرة ، فهو بدرجات بعد الجرم الّذي هو بعد الصّورة الجرميّة ، لأنّها جزؤه ، لكنّ البعديّة إنّما له بالقياس إلى ماهيّة الصّورة ، لا من حيث هي متشخصة.

فالصّورة من حيث الماهيّة لا تتعلق بالتّناهي والتّشكّل ، بل إنّها لا تنسلخ عنهما من حيث الوجود فقط ، أعني أنّ الصّورة المشخّصة متعلقة بهما بما هي متشخّصة.

فالشّيء ربّما يتعلق في شخصيّته بما يتأخّر عن جوهر ماهيّته ، كالجسم ، بالأين والوضع المتأخّرين عن ماهيّته المرسلة.

إيماض

(٢٨ ـ المعلولات على أقسام)

إنّ من المعلولات ما هو مباين الذّات عن ذات العلّة ، كالعالم ، عن بارئه الحقّ سبحانه ؛ ومنها ما هو مقارن لذات علّته ، إمّا معلول نفس ماهيّتها ، كالفرديّة للثلاثة ، أو معلولها بحسب الوجود ، سواء كانت بعينها هي العلة الموجبة ، كطباع الصّورة

٨٤

الجرمانيّة الموجودة لتناهي الامتداد ـ لست أعني تناهيا ما شخصيّا بهيئاته وتعيّناته ، فإنّ للمادّة بقوّتها الانفعاليّة مدخلا في ذلك ، فاختلاف التناهيات بحسب انفعالات المادّة ، بل أعني طبيعة مطلق الانبتات المساوق لانتفاء اللّانهاية ـ أو كانت هي عضة من العلّة الموجبة التامّة ، كمطلق الصّورة الموجودة بما هي الصّورة المرسلة وبما هي صورة ما للهيولى الموجودة [٤٥ ب] الشّخصيّة. فالعقل في ما يبدو بأوّل اللّحظ لم يكن ينقبض عن تسويغ هذه الأقسام ، ثمّ النّظر الفحصىّ قد أوجب إحقاقها جميعا في عالم التقرّر.

إيماض

(٢٩ ـ الصّورة وتقويم الهيولى)

فإذن ، الصّورة بما هي صورة ما مبدأ تقويم الهيولى أوّلا بما هي موجودة في جوهر ذاتها وبما هي متشخصة في الوجود جميعا ، ثمّ اقتضاء كونها ملاقية الذّات إيّاها على أن تكون هي في درجة التّشخّص قائمة الوجود فيها. والمرجع إلى أنّ الصّورة يلزمها بطباع نوعيّتها أن تصير بحسب التشخّص حالّة الذّات والوجود في الهيولى الشّخصيّة بعينها.

سياقة

(٣٠ ـ الصّورة وواهب الصّور بإذن ربّه)

وإذ بان أنّ الصّورة ليست السّبب ، ولا العلّة الفاعلة ؛ فهناك ، لا محالة ، شيء وراء الصّورة تتعلق به الهيولى لتفيض بتوسّطه عن المبدع الحقّ. لكن يستحيل أن يكمل فيضانها عنه بلا صورة أصلا ، بل إنّما يتمّ الأمر بهما جميعا ، ويمتنع بالضّرورة الفحصية أن يكون هو نفسا مدبّرة لجرم فضلا عن كونه جرما أو طبيعة ما جرمانيّة. فهو ليس إلّا جوهرا نوريّا من الأنوار القدسيّة والقادسات العقليّة ، وإن هو إلّا الّذي يهب الصّور بإذن ربّه.

تنصيص وتشبيه

(٣١ ـ الصّورة تتمّة العلّة)

٨٥

فالنور العقليّ الّذي يهب الصّور بإذن الله يقيم الهيولى بذات الصّورة من دون العكس. وإذا ما انجذّ تقرّر صورة هي لابستها استبقاها بتعقيب صورة عاقبة ، فبما أنّ العاقبة تشارك السّابقة في أنّها صورة تعاون المقيم على الإقامة ، وبما تخالفها تجعل الهيولى بالفعل جوهرا غير الجوهر الّذي كان بالسّابقة ؛ فالصّورة من وجه واسطة في التّقويم بين الهيولى [٤٥ ظ] المستبقاة وبين مستبقيها ، فلا محالة ، هي متقوّمة أوّلا ، أولية بالذّات ، فهي أقدم تقوّما ووجودا من الهيولى ، وهي فعل وقوّة ، فعليّتها في المادّة الّتي هي في نفسها بالقوّة من كلّ جهة ، إلّا الاستعداد الصّرف ، وإنّما تصير بالفعل بالصّورة.

وإن شئت شبّهت المقيم المفارق واستحفاظه الهيولى الشّخصيّة بالصّور المترادفة بمن يمسك سقفا بعينه بدعامات متعاقبة ، يزيل منها واحدة فواحدة ، ويقيم أخرى بدلها. والفحص يقضى أنّ ما يصحّ أن يعدّ عضة من العلّة بالذّات إنّما هو الطّباع الوحدانىّ المشترك ، لا كلّ واحدة واحدة على التّبادل ، وكذلك الأمر في الصّور اللازمة.

فكلّ واحدة من هيوليات عالم الطّبيعة الخامسة تتخصّص بصورتها من قبل عقل يهب الصّورة بإذن الله ، ويستحفظ المادّة بها بما هي صورة مرسلة ، لا بما هي تلك الصّورة الشخصيّة ، وإن كانت بشخصيّتها غير مفارقة ، بل لازمة.

فإذن ، الصّورة مطلقا ، لا بشخصها ، بل بسنخ جوهرها ، من تتمّات العلّة المؤثّرة. وأمّا المادّة ، فلا تأثير لها بشيء من الاعتبارات ، بل إنّما شاكلتها القبول والاستكمال. وإلّا اجترّتها التّحليل إلى أنّ تكون في حدّ جوهرها ذات أمرين ، بأحدهما تستعدّ وبالآخر تؤثّر ، فيكون الأمر المستعدّ منهما هو الجوهر المادّة بالحقيقة والآخر أمرا زائدا مقارنا.

وهم وتشريق

(٣٢ ـ الصّورة واحدة بالطبيعة)

أو لعلّك تقول : وكيف تكون طبيعة مرسلة مبدءا لهويّة شخصيّة ، ومن الاصول البرهانيّة : أنّ الواحد بالعموم لا يكون علّة للواحد بالعدد.

فيقال لك : إنّ البرهان إنّما أحال ذلك في العلّة الجاعلة ، فالعقل ينبو عن تسويغ كون المجعول والمصنوع أقوى تحصّلا من جاعله وصانعه. وأمّا الشّرائط والرّوابط وما يسير مسير عضة السّبب [٤٦ ب] الموجب وتتمّة العلّة الفاعلة ، فلا ينقبض

٨٦

العقل عن كونها على وحدة مبهمة نوعيّة أو جنسيّة وإن كان المعلول ذا وحدة معيّنة شخصيّة، وأنّ ذلك ليس يخرج العلّة التامّة عن الوحدة بالعدد ، بل إنّما يجعل الواحد بالعدد تامّا بالتأثير.

وبالجملة ، إنّ الواحد بالمعنى العامّ المستحفظ وحدة عمومه بواحد بالعدد ، قد يكون علّة للواحد بالعدد. أليس إذا كانت الطبيعة المرسلة علّة بالذّات ، لم يكن شيء من أفرادها علّة من تلك الجهة إلّا بالعرض.

فإذن يأتلف من انضياف الواحد بالطّبيعة إلى الواحد بالشّخص علّة شخصيّة تامّة التأثير باقية التقرّر بعينها غير متكثّرة بتكثّر أشخاص تلك الطّبيعة بتّة ، إذ شيء منها ليس علّة بالذّات ، وإنّما جزء العلّة بالذّات نفس الطّبيعة الواحدة المشتركة المنحفظة. وهاهنا فإنّ الواحد بالطّبيعة ، أعني طبيعة الصّورة ، مستحفظ بواحد بالعدد ، أعني النّور المفارق الّذي يهب الصّور بإذن ربه الحكيم.

تشريق

(٣٣ ـ الافتقار إلى الجاعل والعلل الأخرى)

ثمّ ألم يبلغك من سلّاف شركائنا في العلم بأقاويلهم الحقّة : أنّه إنّما المفتاق إليه بالذّات وبالقصد الأوّل مجرّد العلّة الجاعلة. وأمّا افتقار المعلول إلى سائر العلل فليس إلّا في أن يكمل تهيّؤه وتأهبه للاستناد إليه ، فهي المفتاق إليها بالعرض وبالقصد الثّاني.

وعساك إن فتّشت عن حاقّ الحقّ الصريح أن تجد أنّ كلّ معلول بطباع جوازه الذّاتيّ إنّما افتياقه واستناده بالقصد الأوّل إلى الجاعل القيّوم الواجب بالذّات ، جلّ ذكره ، فإن لم يكن بجوهر حقيقته فقط صالحا لقبول الفيضان عنه نآى بالدّرجة وتعلّق بالغير ليقتنص الصّلوح للقبول ويستكمل القوّة على الاستناد.

والّذين يحاجّون في ذلك ، من بعد ما قضى البرهان ، حجّتهم داحضة ، فإذن ، ما أسهل أنّ يتأنّى [٤٧ ظ] لك تعليق الهويّة الشّخصيّة بعلّة متعيّنة تامّة عضة منها ماهيّة ما مرسلة.

إيماض

(٣٤ ـ تعلّق الهيولى والصّورة)

٨٧

حان حين أن يتلى عليك : إنّ الهيولى وإن لم تكن تناط بها إفادة القوام للصّورة حتّى يصدق فيها أنّها تقوّمت فأقامت ، كما كان يصدق في الصّورة ؛ إلّا أنّها مع ذلك سابقة الماهيّة والشّخصيّة على شخصيّة الصّورة القائمة فيها بتّة. فاعتبار الشّخصيّة يوجب تكرّر التعلّق من الجنبتين ، لا على الإدارة.

فاعلمن أنّ تشخّص الهيولى بنفس ذات الصّورة المرسلة لا بهويّتها الشّخصيّة ، فهي بماهيّتها فقط أقدم من الهيولى مطلقا ، أي : بما هي هيولى مرسلة وبما هي هيولى شخصيّة جميعا. وأمّا الصّورة فلا يعقل تشخّصها بالجوهر الهيولى بما هي هيولى ما ، إذ ليس يصحّ أن يعقل هذه الصّورة هذه بعينها ، وهي مفارقة لهذه الهيولى بما هي هذه بعينها وإن تعلّقت بها بما هي هيولى مطلقة ، بل إنّما تلك شاكلة الهيولى بالنّسبة إلى الصّورة. فلذلك إنّها بماهيّتها وشخصيّتها جميعا أقدم من الصّورة بشخصيّتها فقط.

ثمّ إنّ تشخّص الهيولى بالصّورة المطلقة من حيث إنّها من تتمّات فاعل الشّخصيّة ، وتشخّص الصّورة بالهيولى الشّخصيّة من حيث إنّها المحلّ القابل لهويّتها المتشخّصيّة ، فهذه مسألة من غامضات المسائل.

تشريق

(٣٥ ـ مقوّمات الهويّة)

فما قد أسمعناك من قبل : أنّ كلّ نوع يحتمل أشخاصا كثيرة فإنّما يتشخّص ويتكثّر بالشّخص بالمادّة ، قد بزغ الآن ما يرام به ، وهو أنّ تشخّص النّوع المتكثّر الأشخاص إنّما يكون بالمادّة من حيث إنّها تقبل الشّخصيّات ، لا من حيث إنّها تفعل التّشخّص ، أو إنّ لها صنعا ما في فعله.

فجاعل التّقرّر وفاعل الوجود يفعل الشّخص على أنّ من [٤٧ ب] تلقائه التّخصّص بالوجود ، المتعيّن بالوجود ، المتعيّن بامتناع الشّركة. والأعراض المكتنفة بالمادّة ، كالوضع والأين ومتى ، مثلا ، مسمّاة بالمشخّصات ، على أن هي لوازم وأمارات للمتشخصيّة ، وربّما تعدّ من مقوّمات الهويّة الشّخصيّة ومن لحاقات العلّة لتشخّص النّوع ومتمّماتها وإن لم يتحصّل منها بطباع امتناع الحمل على كثيرين.

٨٨

إيماض

(٣٦ ـ الجواهر وسائط والأعراض)

الجسم يفتقر ، لا في تقرّره جسما ، بل في وجوده متشخّصا ، إلى الأين ، مثلا ، لا من حيث هو أين بعينه ، بل من حيث هو أين ما ؛ والأين ، بما هو أين ما ، إلى الجسم بما هو جسم ما ، وبما هو أين بعينه إليه بما هو جسم بعينه. فالجواهر بماهيّاتها المرسلات وسائط في وجود الأعراض بعد تقوّمها في حدّ أنفسها بالفعل.

ثمّ الأعراض من مقوّمات هويّات الجواهر الشّخصيّة ، وإن لم يكن طباع امتناع الحمل على الكثرة لها من تلقائها ، بل بحسب نحو الموجوديّة من تلقاء الجاعل.

فإذن ، الأعراض المشخّصة ليست صورا ، لكنّها مضاهية الصّور من بعض الوجوه ، وفي طائفة من الأحكام. فالصورة مقيمة المادّة في ذاتها وفي شخصيّتها ، والأعراض مقيمة الجسم لا في جسميّته ، بل في معروضيّته للتّشخّص. ومعقّب الصّورة مستبقى جوهر المادّة وشخصها جميعا بالصّورة ، ومعقّب الأيون مستبقي الجسم المتشخّص بالأين ، فالأين بما هو أين ما من اللوازم التّابعة لنفس جوهر الجسم ، لا مقيم الجسميّة أصلا ، فهناك مراوغة للمتشكّكين من باب إيهام العكس.

تنبيه

(٣٧ ـ الهيولى والصّورة كالمتضايفين)

أمر الهيولى والصّورة ، كأمر المتضائفين ، من حيث تكرّر التّعلّق من الجنبين ، لكنّ الصّورة أقدم ذاتا من الهيولى ، وإنّما التّعلّق المتكرّر بينهما بحسب التّشخّص فقط ، ولكلّ واحدة منهما بالأخرى نفسها لا بمتعلّقها ، وأنّ المتضايفين [٤٨ ظ] على خلاف ذلك كله.

إيماض

(٣٨ ـ تكامل الصّور بأحوال)

إنّما يستتبّ تعقيب الصّور بالمعقّب القدسيّ والحركة المستديرة المستمرّة الاتّصال ، وأحوال تتفق من خارج ، طبيعيّة قسريّة ، بها يتجدّد ما يجب من القدر والشّكل مثلا ، على ما قد سلف.

٨٩

إيماض

(٣٩ ـ وجود الصّورة وجودها في الهيولى)

إنّ وجود الصّورة الشّخصيّة في نفسها هو بعينه وجودها في الهيولى الشّخصيّة وإلّا لم يكن يصحّ لها الحلول بتّة ، فلا محالة ، عدمها عنها هو عدمها في نفسها. فإذن يمتنع عليها أن تنتقل عنها إلى هيولى ما غيرها ، وكذلك سبيل العرض بالقياس إلى الموضوع.

إيماض

(٤٠ ـ التحرّك في الهيولى والجسم)

ألسنا قد بيّنا لك في صحفنا : أنّ المتحرّك في مقولة ما إنّما له التّلبّس بالفعل بفرد ما زمانيّ من تلك المقولة في زمان حركته الشّخصيّ. وأمّا في الأبعاض الوهميّة المفترضة لذلك الزّمان بعينه والآنات المنوّعة المنتزعة منه ، فليس له إلّا التوسّط بين الأفراد بالفعل والتلبّس بها بالقوّة القريبة منه دون الصّرفة الّتي قبل فعل التوسّط بين المبدأ والمنتهى ، فهو في كلّ حدّ بحيث لو انبتّت الحركة عنده للبس فردا هو بإزائه. فاحدس من ذلك : أن كلّ ما لا يتقوّم الشّيء في ذاته ووجوده إلّا وهو لابسه بالفعل البتّة ، فإنّه يستحيل أنّ يتحرّك الشّيء فيه ، وإلّا لبطلت ذاته في أبعاض زمان الحركة وآناته ، إذ لم يتقرّر فيها مقوّم ذاته بالفعل أصلا ، فعادت الحركة فسادا لذاته ، وهو متهافت. فإذن ، لا حركة للهيولى في الصّورة الجوهريّة لا بما هي هيولى شخصيّة ولا بما هي هيولى مرسلة. وأمّا الجسم الشّخصيّ فقد يتحرّك في الأعراض المسمّاة مشخّصات ، إذ هويّته الشّخصيّة متقوّمة إمّا بتلك الأعراض أنفسها وإمّا بالتوسّط بينها على الشاكلة الموصوفة. فمقوّم الشّخص إمّا أين ما مثلا بالفعل وإمّا التوسّط بالفعل وإمّا التّوسّط بالفعل بين الأيون على تلك الشّاكلة.

وهم وتثبيت

(٤١ ـ تقرّر الهيولى والصّورة) [٤٨ ب]

أفربّما إهمال الفحص أو همك : أنّ الصّورة ممتنعة أن تدخل في التقرّر ، والهيولى غير داخلة فيه ، وأن تبقى مستمرّة التقرّر ، والهيولى منصرمته ، وكذلك الهيولى بالقياس

٩٠

إلى الصّورة ، فكلّ منهما ترتفع برفع الأخرى ، فلا أحقيّة لإحداهما بالتقدّم أو التّأخّر.

فعليك بالتثبّت ، فإنّ التّلازم المتكرّر من جنبتى العلّة الكاملة أو مكمّلها الأخير والمعلول في الرّفع والوجود إنّما يكون بحسب الزّمان أو الدّهر ؛ وأمّا من حيث الذّات فالعلّة متعيّنة رفعا ووجودا بالملزوميّة والمعلول باللازميّة. فرفع العلّة ووجودها أقدم بالذّات من رفع المعلول ووجوده وإن كانا معا في الزّمان أو في الدّهر.

وذلك كوجود الإنسان في نفسه وإحقاق القائل أنّه موجود ، فهما مصطحبان على التّلازم انتفاء وتحقّقا. والعقل يحكم أنّه إذا انتفى صدق القول بأنّه موجود ، كان هو قد انتفى في نفسه أوّلا ، وإذا تحقق يكون هو أوّلا قد وجد في نفسه ، وكذلك اليد والمفتاح في التحرّك.

دفاع شكّ

(٤٢ ـ تركّب الهيولى والصّورة)

لا ينكتمنّ عن بصيرتك : أنّ أجزاء الشّيء في العقل ، أي : في اعتباره الملقّب بلحاظ التعيّن والإبهام ، أعني الجنس والفصل ، وراء أجزائه في الوجود ، أعني المادّة والصّورة. وما لا يقع في مطلب «لم» أصلا ، أي : لا بحسب الثّبوت للشيء ولا بحسب الإثبات له ، إنّما هي الجوهريّات دون الأجزاء الوجوديّة.

فإذن ، تركّب الجسم من الهيولى والصّورة ليس يستوجب الاستغناء عن البرهان ، وأنّه يتعرّف بجوهريّاته المحمولة ، فتطلب بالحجّة أجزاؤه الوجوديّة وإن اشتملت الأولى بالقوّة على الأخير. فالأبعاد المأخوذة في الحدّ تدلّ على صورته الّتي هي الجوهر الممتدّ بالذّات ، والقبول المأخوذ فيه على مادّته الّتي هي الهيولى الأولى.

تنبيه

(٤٣ ـ الجسم وأجزاؤه)

إنّ التناهي والسطح من عوارض الجسم ، والأخير يلزمه من حيث يلزمه الأوّل ، وإنّما تعلّقه به من حيث الطرف لا بحسب نفسه ، فلا يعقل كونها من أجزائه [٤٩ ظ] العقليّة ولا من أجزائه الوجوديّة وكذلك ذو السّطح والتّناهي. فالصّورة الجرميّة

٩١

تنتهى بحسب جسميّتها التّعليميّة ببسيطها ، وهو قطعها. والبسيط إذا كان متناهيا في الوضع بخطّه ، وهو قطعه ، والخطّ المتناهي في الوضع بنقطته ، وهي قطعه ، وكذلك الزمان بالآن ، وهو قطعه ، ولكن بالقوّة وفي الوهم ، لا بالفعل في الأعيان.

والفحص يقضي أنّ هناك أمورا ثلاثة : نفاد تمادي الممتدّ المقداريّ ، كالجسم ، بانجذاذه ، لا عدم ذاته رأسا ؛ والسّطح ، مثلا ، وهو الكمّ المتصل ذو البعدين فقط ، وإنّما يستدلّ على ثبوته للجسم بثبوت الأوّل له ؛ وإضافة إلى ذلك الممتدّ المقداريّ إذا اعتبرت عارضة للأوّل ، كان المجموع نهاية مضافة إلى ذى النّهاية ، وإذا اعتبرت عارضة للثاني كان ، مثلا ، بسيطا مضافا إلى ذى البسيط ، أو خطّا مضافا إلى ذى الخطّ.

تشريق

(٤٤ ـ الأطراف نهايات)

لا ينخبئنّ عنك أنّ الأطراف إنّما تكون نهايات بالذّات لذويها إذا كانت في جهات تلك الامتدادات ، كالنقطة للخطّ ، والخطّ للسطح ، مثلا. فأمّا السطح المثلّث ، مثلا ، بالقياس إلى نقط زواياه ، فغير منته بها ، بل إنّما منتف عندها. وكذلك سطح المخروط ، وجسمه عند نقطة الرّأس ، والجسم المسنّم عند خطّه ، فالانتهاء بالطّرف أخصّ من الانتفاء عنده.

تذكير

(٤٥ ـ قبول الهيولى الصّورة لازم لجوهرها)

استعداد الهيولى لقبول صورة بعينها في الأثيريّات لازم لجوهر ذاتها المستفادة عن مبدعها ، وفي الأسطقسات ليس تستتبعه نفس جوهر الذّات ، بل إنّه يستفاد من الأحوال المتجدّدة من خارج.

٩٢

تلحقه التّكملة [الثّالثة]

بفرائد جمّة غامضة وفوائد مهمّة وامضة

تفصلة

(١ ـ القوّة تطلق على أمور)

إنّ لفظة «القوّة» تطلق ، بالاشتراك الصّناعىّ [١] على كلّ ما هو مبدأ تأثّر وتغيّر من تلقاء شيء في آخر بما هو آخر ، كانت هناك إرادة أو لم تكن. فالمبدأ إن كان في المنفعل من آخر ، فالقوة الانفعاليّة ، وإن كان في الفاعل في الآخر ، فالقوّة الفعليّة.

و [٢] على مقابلة ما بالفعل ، أعني إمكان فعليّة الحصول ، فيسمّى ما تقرّره في حدّ الإمكان متقرّرا بالقوّة. وهي أخصّ من العدم ، بمعنى السّلب الصّرف المطلق ، فإنّها انتفاء الوصف حين تقرّر ذات الموضوع [الموصوف ، ل] بالفعل مع جواز التلبّس به بالنّظر إلى جوهر الذّات البتّة ، أو لا فعليّة نفس الذّات بما هي نفس الذّات حين فعليّتها بما هي من تلقاء الجاعل ، كما عدم الملكة أخصّ منه بقيد الاستعداد شخصا أو نوعا أو جنسا فقط. ومن هناك ما يسمّى إمكان الوجود قوّة الوجود. وربّما تقصر على لا فعليّة الوصف ، ويقال : الإمكان بالقوّة أشبه منه بالعدم. وما عنيناه هو الإمكان الذّاتىّ ، وليس هو إلّا نفس ممكنيّة الشّيء ، كما الشّأن في الوجود وفي الوجوب أيضا ذلك. وبالجملة ، فإمكان القبول والانفعال قوّة انفعاليّة ، وإمكان الفعل والتّأثير قوّة فعليّة ، وإمكان حصول الوجود قوّة الحصول والفعليّة ، لا قوّة فعليّة ولا قوّة انفعاليّة. ثمّ الفعل تمام هذه القوّة فعلا ، وإن لم يكن فعلا ، بل انفعالا أو أمرا آخر غيرهما.

[٣] وقد تطلق القوّة أيضا على القوّة على الفعل. وتباين هذه تلك : بأنّها تبطل مع الفعل وهذه تنحفظ ، وبأنّ الفعل الّذي بإزائها يعمّ الفعل ، والانفعال ؛ وما ليس شيئا منهما ، إذ كان لا يعنى به إلّا فعليّة التقرّر وحصول الوجود ، بخلاف الّذي بإزائه هذه.

٩٣

وكثيرا ما يغلط اللفظ ويورث [٥٠ ظ] الغلط إغفالا عن الفرق. فمن العجب ما وقع للتلميذ في «التحصيل» (ص ٤٩٢) من بعد ما نبّه عليه شريكنا السّالف ، وهو شيخه، في «النجاة» (ص ١٢٨).

[٤] ويقال أيضا قوّة : لما به يجوز من الشّيء فعل أو انفعال ، ولما به يصير الشّيء مقاوما لآخر ، ولما به يصير الشّيء ثابتا لا يتأثّر ولا يتغيّر ، فإنّ التغيّر محلوب الضّعف. والمهندسون جعلوا المربّع : قوّة خطّ في منتّه أنّ يكون ضلعه ومربّعي ضلعيه قوّة قطره.

[٥] والقوّة الفعليّة مهما كانت الفاعليّة عن مشيّة ـ أي : منبعثة عن علم وإرادة ـ سميّت قدرة وقوّة اختياريّة. فكلّ من هو بحيث إذا عقل شيئا فشاءه فعله ، وإذا لم يشأه لم يفعله ، فإنّه قادر عليه بالاختيار بتّة وإن كان دائم الاختيار غير متغيّر الإرادة دواما اتفاقيّا أو مستحيل تغيّرها استحالة ذاتيّة ، لكونه بذاته كامل الجود تامّ الإفاضة. فمن المستبين أنّ القوّة الاختياريّة على الفعل والترك بالمشيّة واللامشيّة ، ليس في طباعها استيجاب جهة إمكانيّة في الذّات بحسبها ولا اصطدام وجوب المشيّة بالنّظر إلى مفيض بحسب فيّاضيّته للخير ووهّابيّته، وكون إيثاره الإفاضة بالاختيار والمشيّة ، بل إنّ حقيقة الاختيار تتأكّد بوجوب المشيّة. فهذا من الأقاويل الصحيحة ، الخفيفة على لسان العقل الصّريح وإن كانت ثقيلة على الأسماع الجمهوريّة.

[٦] ثمّ قوّة المنفعل قد تكون مهيّأة نحو شيء واحد ، كقوّة الماء على قبول الشّكل ، ولا قوّة فيه على حفظه ، وفي الشّمع قوّة عليهما جميعا ، والهيولى الأولى هي بالقوّة كلّ شيء ، ولكنّها تقوى على قبول المعوق عنه بالفعل بزوال ما عاقها عنه ، ويتمّ استعدادها للبعض ، كالمزاج. وربّما كانت في الشّيء قوّة انفعاليّة بحسب الضدّين ، كما الشّمع فيه قوّة أن يتسخّن وأن [٥٠ ب] يتبرّد. وكذلك قوّة الفاعل إمّا محدودة نحو شيء واحد ، كقوّة النّار على الإحراق فقط ، وإمّا هي أمور شتّى ، كقوّة المختارين على مختاراتهم ، وأيضا على الضدّين. وقد تكون القوّة الاختياريّة الفعليّة في الفاعل القويّ على كلّ شيء ، ولكن تمام فاعليّتها بالفعل بتوسيطات وتسبيبات.

والقوى الّتي هي مباد للحركات والأفعال :

[١] منها : ما تقارن النّطق والتّخييل ، فلا تكون تامّة تفعل البتة مهما صادفت القوّة

٩٤

المنفعلة الّتي في منفعلها ، بل إنّما تكون مبدأ تغيير من آخر في آخر بما هو آخر بالتّمام وبالفعل بانبعاث القوّة النّزوعيّة عن اعتقاد وهمىّ يتبع تخيّلا شهويّا أو غضبيّا أو عن رأي عقلىّ يرتدف فكرة عقليّة أو تصوّر صور عقليّة وبتأكّدها إلى حيث تستتمّ إرادة اجماعيّة ، تستوجب هزّ القوى المنبثّة في الأوتار والعضلات وتحريك الأعصاب والأعضاء الأدوية وتتمّ العلة الموجبة.

[٢] ومنها : ما في غير ذوات النّطق والتّخييل ، وإنّها إذا لاقت القوّة المنفعلة التّامّة الانفعال ، ولم يصدّها صادّ من خارج ، وجب الفعل ، إذ ليس هناك اختيار منتظر ، بل إن كان فعسى طبع منتظر وكذلك القوّة الفعليّة المحدودة مهما لقيت منفعلها بقوّته الانفعاليّة التّامّة القربية ، حصل الفعل بتّة.

والقوى بضربيها الفعليّة والانفعاليّة [اى ، سواء كانت فعليّة أو انفعاليّة. منه] طباعيّة وعاديّة وصناعيّة واتفاقيّة وإن كان بين ما بالصّناعة وما بالعادة فرق فارق ، لكنّك إذا دقّقت النظر ، عادت الصّناعة والعادة إلى جهة واحدة هي أنّ الملكة المستحصلة منهما إنّما حصولها من واهب الصور بإذن ربّه.

ثمّ إنّ فريقا من المتفلسفين الأوائل وغارا من المتكلفين الأواخر ، طحت بهم أهواؤهم وتاهت بهم أوهامهم ، فزعموا [انّما زعمهم هذا في القوّة الحادثة] أنّ القدرة ، بل القوّة مطلقا [٥١ ظ] (أي : سواء كانت فعليّة أو انفعاليّة. منه) إنّما تكون مع الفعل ولا يتقدّمه بحسب الحصول إلّا تقدّما بالذّات ، ولا يكاد يستصحّه العقل ، اللهمّ إلّا أنّ يعنى القوّة المستجمعة المشطّرات الفعل بالأسر. أليس من المستبين أنّ القاعد في جبلّته أن يقوم ، والخشب في جبلّته أنّ ينحت منه باب. بل كلّ ما ليس في الوجود ، ولا قوّة على أن يوجد ، فإنه مستحيل الوجود.

وأمّا القوّة الّتي هي مقابلة الفعل ، بمعنى حصول الوجود ، فعند أمة من عامّة الأقدمين متقدّمة على الفعل تقدّما دهريّا ، وقد عبّر عنه في «الشفاء» بالقبليّة على الإطلاق ، لا في الزّمان وحده. فقد جعلوا للهيولى وجودا في وعاء الحصول الّذي هو الدّهر قبل الصّورة مفارقا لسائر اللواحق المادّيّة. ثمّ الفاعل بعد ذلك ألبسها

٩٥

الصّورة وكساها عوارضها. إمّا ابتداء (١) من نفسه وإمّا لداع دعاه إليه.

ولعلّك غير ناس ما أسلفناه لك : أنّه يمتنع أن تفارق الهيولى ملابسة الصّورة في الوجود ، وإلّا لم تكن مبهة في وحدتها الشّخصيّة ، فلم تكن على سنة الطّباع الهيولوىّ ، وأنّه إنّما يصحّ سبق القوّة حاملها ، أعني المادّة ، على الزّمنيّات ، أي الجزئيّات الكائنة الفاسدة بما هي حوادث زمانيّة ، سبقا زمانيّا ، ولا الأبديّات والدّهريّات ، بل الزّمنيّات أيضا بما هي حوادث دهريّة معز ولا فيها النّظر عن حدوثها الزّمانيّ فغير مسبوقة الحصول في الدّهر بالقوّة وبالمادّة الّتي هي حاملتها مسبوقيّة بالدّهر أصلا ، بل هي مسبوقيّة بالطّبع فقط.

والآن ، فبالحريّ أنّ نستأنف تأمّلا أدقّ من سبيل آخر : أليست القوّة لا محيد لها من أن تقوم بجوهر ، فلا محالة يكون هو بالفعل في ذاته ، وإلّا فكيف يعقل أن يكون مستعدّا لقبول شيء وراء ذاته.

ثمّ قد يتقرّر شيء بالفعل ولا يكون هو بالقوّة شيئا ، كالأبديّات المفارقة ، وهو بفعليّته يقع في نظام الوجود في السّلسلة الطّوليّة منه منتهية في التّرتّب بالطّبع إلى الّذي بالقوّة. فمن هذه الجهة حقيقة ما بالفعل قبل حقيقة ما بالقوّة قبليّة بالذات

وأيضا ليس ما بالقوّة مفتاق الذّات من حيث هي بالقوّة إلى ما يخرجه من القوّة إلى الفعل ، وليس يصحّ أن يكون المخرج بالحقيقة إلّا ما هو متقدّس الذّات عن ملابسة معنى ما بالقوّة من كلّ جهة ، إذ لو كان لما بالقوّة من جهة ما هو بالقوّة ، جسما كان أو نفسا أو عقلا ، حظّ ما من الجاعليّة والإيجاب كان للقوّة والعدم شركة فى إفاضة الفعليّة والوجود ؛ ولذلك كان الجاعل المفيض على الإطلاق هو القيّوم الواجب بالذّات ، جلّ ذكره ، لا غير ، إذ كان لا يعرى شيء من الجائزات في حدّ ذاته عن ملابسة الهلاك والقوّة.

فالتّحليل يذر حيثيّة الذّات الجائزة بما هي هي تحت مفهوم ما بالقوّة وفي تيه قاع الهالكيّة ، فيجدها صفر الكفّ من اقتضاء الفعليّة لشيء ما ، إذ هي من سنخها باللّيس بذورة ملغاة السّعي في استنقاذ شيء ما من هلاك الذات ، إذ هي بجوهرها به ممنوّة

__________________

(١) انتهت الإيماضات الموجودة بخط صدر الدين محمد بن ابراهيم الشيرازى فى كلمة «ابتداء» ، وباقى الرسالة من هنا إلى آخر الموجود منها نقلناه من نسخة مصوّرة موجودة فى المكتبة المركزية بجامعة طهران ، رقم. ٣٧٤.

٩٦

قد كنّا برهنّا في ما سلف ، على أنّ جملة الجائزات بقبائلها وشعبها وكليّاتها وجزئيّاتها كانت باطلة الذّوات معدومة الهويّات ، فأخرجها الجاعل الحقّ من كتم اللّيس الصّرف ومن جوف العدم المطلق.

فإذن قد استبان أنّ الفعل المحض من جميع الجهات ، وهو القيّوم الحقّ من كلّ جهة ، قبل مطلق القوّة والقوّة المطلقة ، قبليّة بالذّات وقبليّة سرمديّة وقبليّة بالشّرف جميعا.

إيماض إيقاظىّ

(٢ ـ معنى القابل ومعنى الفاعل)

إنّ أقواما سبقونا ، من المتكلّفين لما لا يعنيهم في جماهير النّظريّين ومن عوامّ الفلسفييّن أولي القرائح الجمهوريّة والأذهان المشهوريّة ، جعلوا وقوع القبول في الاصطلاح الصّناعيّ ، على ما تلزمه صحّة استصحاب القوّة المقابلة لفعليّة الحصول ، والنّسبة بحسبه جوازيّة لا غير وعلى مجرّد معنى الموصوفيّة والمنتزع منتهية ومبدئيّة الانتزاع الّتي ليست تأبى أن تكون النّسبة بحسبها وجوبيّة اقتضائيّة باشتراك الاسم ؛

ولم يستطيعوا إلى الفرقان بين المعنيين سبيلا ، فظنّوا أنّ القبول مطلقا نسبة بالجواز ؛ وقد أخطئوا في ذلك خطّا سيّالا مستطيرا ، حاسبين أنّ مرصاد الحكمة أنّه لا يكون شيء ما من الأشياء قابلا وفاعلا بجهة من الجهات أصلا ، أيّ شيء كان ، لأيّ شيء كان على الإطلاق ؛ فعراهم الوهم وتمادى الخطأ بهم إلى إبطال أن تكون حقيقة ما بسيطة ، بل ماهيّة ما واحدة ، بما هي طبيعة واحدة ، علّة موجبة للازمها الّذي هي قابلة له ، كماهيّة الأربعة للزّوجيّة وماهيّة المثلّث لذي الزّوايائيّة.

وبذلك برهنوا على كون صفات الله ، سبحانه ، هي بعينها ذاته القدّوس وإنيّته الحقّة، ولم يفقهوا أنّ نفي صفات حقيقيّة كماليّة زائدة على نفس ذاته الحقّ وحقيقته الأحديّة إنّما برهانه لزوم استناد حيثيّات متكثّرة إلى اقتضاء البسيط الحقّ من كلّ جهة في درجة واحدة ، وتأدية الأمر إلى كونه ، تعالى عزّه ، في مرتبة نفس الحقيقة عروا عمّا هو زينة الذّات وبهاء الإنّ وكمال الوجود ، فليزم النّقصان في مرتبة الذّات ، ثمّ التّجمّل بحلية الحقيقة في مرتبة أخيرة.

وأيضا تجرّده التّامّ ، سبحانه ، عن المادّة وعلائقها ، وتقدّسه عن ماهيّة وراء إنيّته ، و

٩٧

كون نفس حقيقته في مرتبة الذّات بعينها وجوب التقرّر وتأكّد الوجود وتمام الفعليّة وينبوع الخير ، من أنور البراهين وأبلغها وأوثقها على أنّ نفس مرتبة ذاته ، تعالى ، هي بعينها العلم التّامّ بذاته وبما عدا ذاته على أبسط الوجوه وأبلغها في الظّهور والانكشاف ، والقدرة البالغة على كلّ شيء على أشدّ المراتب وأقواها ، والحياة المحضة على أشرف الأنحاء وأقدسها ، والإرادة المتأكدة لنظام الخير على أكمل الضّروب وأجملها.

والعجب كلّ العجب اجماع الجماهير عامّتهم على إسناد ذلك كلّه إلى كافّة الحكماء من بعد [أن كان] شريكانا السّلفان ، قد نبّها على الحقّ وحقّقا : أنّ البسيط فيه وعنه واحد.

وأوضح [ابن سينا] الأمر فيه ، كما في «تعليقاته» (ص ١١٥) ، حيث قال : «القابل يعتبر فيه وجهان ، أحدهما أن يكون يقبل شيئا من خارج ، فيكون ثمّة انفعال وهيولى يقبل ذلك الشّيء الخارج ، وقابل من ذاته لما هو في ذاته لا من خارج ، فلا يكون ثمّة انفعال. وإن كان هذا الوجه الثاني صحيحا ، فجائز أن يقال على الباري تعالى.»

وقالا : «لا فرق بين أن يوصف جسم بأنّه أبيض ، لأنّ البياض فيه من خارج ، وبين أن يوصف بأنّه أبيض من لوازمه. وإنّما وجد فيه لأنّه لو كان يجوز ذلك في الجسم ، وإذا أخذت حقيقة الأوّل تعالى على هذا الوجه ولوازمه على هذه الجهة استمرّ هذا المعنى فيه. وهو أنّه لا كثرة فيه ، وليس هناك قابل وفاعل ، بل هو من حيث هو قابل هو فاعل. وهذا الحكم مطرد في جميع البسائط ، فإنّ حقائقها هي إنّما تلزم عنها اللوازم وفي ذاتها تلك اللّوازم على أنّها من حيث هي قابلة فاعلة ، فإنّ البسيط فيه وعنه شيء واحد ، إذ لا كثرة فيه ، ولا يصحّ فيه غير ذلك ؛ والمركّب يكون ما عنه غير ما فيه ، إذ هناك كثرة ثمّ وحدة ، وحقيقته أنّه يلزم ذلك ، فيكون عنه وفيه شيئا واحدا ، وكلّ اللّوازم هذا حكمها. فالوحدة في الأوّل تعالى هي عنه وفيه ، والوحدة في غيره واردة عليه من خارج ، فهي فيه لا عنه ، وهناك قابل ، وفي الأوّل تعالى القابل والفاعل شيء واحد» ، فهذا قولهما بألفاظهما.

نعم يصحّ ذلك في الأوّل ، تعالى ، بالقياس إلى ما يلزم حقيقته ويستتبعه كمال ذاته ، لا بالقياس إلى ما هو بهاء حقيقته وجمال إنيّته ؛ إذ كلّ ما هو بهاء معتبر التّقرّر بما هو تقرّر ، وكمال مطلق الوجود بما هو وجود ، فإنّه يجب أن يكون هو بعينه نفس

٩٨

حقيقته سبحانه وعين ذاته وصرف إنيّته ، لا من لوازمه ، المقتضاة لنفس حقيقته ، التّابعة لكمال ذاته ، كجعل ماهيّة.

فماهيّته وإيجاد إنيّته واللّازم القريب الأوّل له ، سبحانه ، ليس يجوز أنّ يكون إلّا واحدا بسيطا ، فإنّه لا يلزم عن الواحد بما هو واحد إلّا واحد ، إذ ليس في طباع الكثرة أنّ تصدر عنه معا فى درجة واحدة. ثمّ الآخر بالتّوسّط ، أي في درجة متأخّرة ، وهكذا إلى أقصى اللّزوم. وإنّما كثرة اللوازم لذاته الأحد الحقّ ، كإيجادات المعلولات المتقدّمة على وجوداتها بالذّات ، على هذا النّمط ، ثمّ الإضافات تتبع على هذا السّبيل. وكذلك السّلوب.

أوهام وتسديدات

(٣ ـ القابليّة والفاعليّة والبحث في معانيهما)

أسمعت أمثلهم طريقة يقول في كتاب «المطارحات» ، (ص ، ٤٠) إذ يراوغ متوغّلا في الحيود عن السّبيل :

«إنّ الجهة الفاعليّة غير الجهة القابليّة. أمّا أوّلا : لأنّ الفعل للفاعل قد يكون غيره ـ أي الفعل بما هو فعل ليس يأبى ذلك القبول للقابل بما هو قبول يستحيل أن يكون في غيره. وإذا امتنع على أحد شيئين ما يمكن على الآخر بالإمكان العامّ أو الخاصّ كانا لا محالة متباينين. وثانيا : إنّ الجهة القابليّة لا تقتضي التّحصيل بالفعل ، والفاعليّة هي المخرجة إلى التّحصيل ، فاختلف الجهتان. وثالثا : إنّه لو كانت الفاعليّة. عين القابليّة لقبل كلّ ما فعل بنفسه وفعل كلّ ما قبل بنفسه.

ومن الضّوابط الكليّة : أنّ الاثنين أبدا لا يصيران واحدا إلّا بما يفرض من اتّصال وامتزاج يستوجب أمرا ثالثا ، هو الواحد ، فإنّه إن بقى كلاهما أو بطل أحدهما فلا اتّحاد أصلا. وكذلك الواحد أبدا لا يصير اثنين إلّا بتفصيل أو بتفريق أجزاء ، فإنّه إن بقى هو ـ وهو واحد ـ فما صار اثنين ، فأبدا لا يصير المفهومان مفهوما واحدا ، ولا الاعتباران اعتبارا واحدا ، ولا المفهوم الواحد والاعتبار الواحد مفهومين واعتبارين. فإذا كانت جهة القبول غير جهة الفعل فى نفسها وفي اقتضائها ، فكيف يتصوّر أن تكون في شيء واحد بما هو واحد ، ولا سيّما إذا كان أحديّ الذّات من كلّ جهة ، جهتان

٩٩

مختلفتان في نفسها ومختلفتا الاقتضاء» [مع اختلاف في العبارة]

فلا تسدد النظر ، فتفطّن بما نبّهناك : أنّ الفعل بمعنى التّأثير في غير الفاعليّة ، بمعنى مبدئيّة الانتزاع ، أي كون الشّيء في حدّ نفسه بحيث ينتزع منه مفهوم ما وراء جوهريّاته باقتضاء ذاته ، وأمّا بمعنى تأثير الشّيء في نفس ذاته أو في جوهريّاته فلا يكاد يعقل أبدا. وكذلك القبول بمعنى انفعال الشّيء من فاعل خارج وبمعنى استعداده لما ليس فيه بالفعل غير القابليّة. بمعنى منشئيّة الانتزاع والموصوفيّة بحسب الذّات ، أي كون الشّيء في نفسه بالفعل بحيث ينتزع العقل منه مفهوما ما ، لا بمقتض من خارج ، وإنّما المشترك فيه فيها لفظة القبول، كما المشترك فيه في ذينك لفظة الفعل.

فإذن ، الفعل بالمعنى الأخير يأبى مفهومه أن يكون له عمل في أمر آخر منفصل عن ذاته ، كما القبول يأباه ، وليس يأبى القبول بمعنى الموصوفيّة ، بل إنّه يحقّقه ويؤكّده. وكذلك الموصوفيّة ، وهي القابليّة بالمعنى الأخير ، ليست تأبى أن تكون هي من تلقاء اقتضاء الذّات.

لست أقول : إنّ هناك اعتبارين غير مصطدمين ، بل أقول : إنّ اعتبارا واحد للشيء فى نفسه يستحقّ أنّ يطلق عليه اسم القابليّة إذا قيس بحال القوابل مع مقبولاتها لجامع الموصوفيّة ، واسم الفاعليّة إذا قيس بحال الفواعل بالقياس إلى آثارها لجامع الاقتضاء. فكلّ ما فعل بنفسه هذا الفعل قبل هذا القبول ، وكلّ ما قبل بنفسه هذا القبول فعل هذا الفعل بتّة.

وكما الفاعليّة تقتضي وجوبيّة لا جوازيّة ، فكذلك هذه القابليّة. فهما ليستا بمختلفتين في نفسهما ولا بمختلفتي الاقتضاء. كأنّك قد قرع سمعك ما وزانه هذا الوزان وسبيله هذا السّبيل ، قد بسطناه في كتاب «التقديسات» ، أعني بذلك أمر العاقليّة والمعقوليّة. فليس الموجود المفارق الذّات عاقل ذاته ومعقول ذاته ، وليس في عاقليّة ومعقوليّة ذاته استيجاب اثنينيّة في الذّات ولا في الاعتبار ، إذ ليس يوجب ذلك تكثير الحيثيّة أصلا ، بل إنّما هناك اختلاف في التّعبير والتّرتيب والتّسمية ، إذا ما قويس بينه وبين الذّوات العاقلة لمعقولات هي غيرها تارة والذّوات المعقولة لعاقلات هي غيرها أخرى.

١٠٠