مصنّفات ميرداماد - ج ١

مير محمّد باقر بن محمّد حسين الاسترابادي [ ميرداماد ]

مصنّفات ميرداماد - ج ١

المؤلف:

مير محمّد باقر بن محمّد حسين الاسترابادي [ ميرداماد ]


المحقق: عبدالله نوراني
الموضوع : الفلسفة والمنطق
الناشر: منشورات مطبعة وزارة الإرشاد الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-7874-07-3
الصفحات: ٦٣٨
الجزء ١ الجزء ٢

بحسب الانفصال جزء من هيولى الذّراع من حيث الصّورة الواحدة الاتّصاليّة.

فإذن ، انفصال الذّراع من حيث الصّورة الواحدة [٣٢ ب] الاتّصاليّة ليس انفصال هيولاه بما هي هيولى واحدة شخصيّة ، بل إنّما هو انفصالها بما هي حاملة لوحدته الاتّصاليّة الشّخصيّة ، الّتي هي له بالذّات ولها بالعرض.

فإذن ، مادّتا الجسمين منفصلتان بما هما مادّتاهما ، لا بما هما جزءان من الهيولى الشّخصيّة الّتي هي مادّة مجموع الجسمين ، أليس لا يعتبر بحسب ذلك فيهما اتصال ولا انفصال أصلا ، فلا محالة ، ليس يتصوّر في هويّتها الشّخصيّة انفصال بالذّات ، فهي بعينها منحفظة في مراتب الاتّصال والانفصال أبدا.

إيماض

(٢٤ ـ معانى الوحدة)

إنّ للوحدة معنيين : أحدهما : ما نفي الكثرة من لوازمه ، كالوحدة الاتّصاليّة ، فهي ، لا محالة ، معنى ما وجودىّ يلزمه سلب الكثرة فيه ؛ والآخر ما هو من لوازم نفى الكثرة ، بل عين سلب الكثرة. ومن هذا القسم : ما هي لازمة للهيولى بحسب هويّتها الشّخصيّة المستمرّة ذاتا وتشخّصا في الاتّصالات والانفصالات جميعا. فما أشبه وحدتها الشّخصيّة المبهمة في انحفاظها بالوحدة الوفقيّة العدديّة المحفوظة في مراتب الكثرة في الأضلاع والأقطار ، والقسم الأول لازم للصورة الجرميّة الشّخصيّة وعارض للهيولى الشّخصيّة بتوسّطها.

فالاتّصال ليس شيئا به يكون المتّصل متّصلا ، بل إنّما هو نفس متّصليّة الشّيء : إمّا متّصليّة المتّصل بنفس الذّات أو متّصليّة الذّات بالارتباط بالمتّصل بنفس الذّات.

كما القبليّة الزّمانيّة : إمّا قبليّة القبل الزّمانيّ بنفس الذّات أو قبليّة الشّيء بالارتباط بالقبل الزّمانيّ بنفس الذّات.

وما أشبه ذلك بالوجود ، فإنّه ليس أمرا به تكون الموجوديّة ، بل إنّه نفس الموجوديّة : إمّا موجوديّة الموجود بنفس الذّات أو موجوديّة الشّيء بالارتباط بالموجود بنفس الذّات ، وكذلك التّشخّص نفس متشخصيّة المتشخّص : إمّا بنفس الذّات أو بالارتباط بالمتشخّص بنفس الذّات. [٣٣ ظ].

٦١

إيماض

(٢٥ ـ أقسام الوحدة)

إنّ لكلّ اثنين من الأثانين وحدة شخصيّة قد غشيت الكثرة بحسبها الامتياز عن سائر معروضات الاثنينيّة ، بل أشخاص الموجودات بأسرها. ولا تصادمها الاثنينيّة بل إنّها معتبرة فيها. ولهيولى الجسمين وحدة شخصيّة بحسبها الامتياز عن سائر الهيوليات بل سائر أشخاص عالم التقرّر ، ولا يستدعى اثنينيّة الجسم ولا وحدته ولا تأباهما ، ولا شيئا من مراتب الكثرة فيه.

فللطّبيعة الجنسيّة ، كالحيوان ، وحدة مبهمة بالقياس إلى حقائق متباينة هي عينها بالذّات في مرتبة جوهر الحقيقة ، بحسبها التّميّز عن سائر الطّبائع الجنسيّة والإبهام بالنّظر إلى تلك الحقائق في حدّ أنفسها.

وللطّبيعة النوعيّة ، كالانسان ، وحدة محصّلة بالقياس إلى سائر الحقائق ، مبهمة بالقياس إلى أشخاصها الّتي هي عينها وتمام حقيقتها بالذّات.

ولطبيعة العرضىّ كالأبيض ، ـ أي : طبيعة مطلق الذّات المنتسب إليها البياض على التّحييث البحت ، لا على اعتبار البياض والنّسبة بالدّخول فيها ـ وحدة مبهمة بالقياس إلى الذّوات الّتي هي عينها بالعرض وفي مرتبة بعد مرتبة جوهر الذّات ، بحسبها التّميّز عن طبائع سائر المعروضات (العرضيات ل) بل المفهومات بأسرها ، والإبهام بالنّظر إلى تلك الذّوات، لا بحسب مرتبة الذّات وجوهر الحقيقة ، بل بحسب أنّها ذوات معروضة للبياض مثلا ، وإنّما ذلك في مرتبة متأخّرة.

ولكلّ واحدة من الهيوليّات الموجودة وحدة شخصيّة مبهمة ، بحسبها فعليّة التّحصّل الشخصىّ في حدّ نفسها وقوّة الحامليّة الإبهاميّة بالقياس إلى شخصيّات أجسام هي هيولاها.

إيماض

(٢٦ ـ الهيوليات حقائق)

اعلمن أنّ الهيوليات حقائق متخالفة بالنّوع ، وكلّ حقيقة هيولويّة تستحق بذاتها شخصيّة بخصوصها متخصصة بمرتبة مساحيّة بعينها من الطّبيعة الممتدّة بالذّات ،

٦٢

سواء كانت في اتّصال واحد أو في اتصالات متكثّرة ، أىّ تكثّر كان [٣٣ ب].

فإذن ، هيولى عالم أسطقسات الكون والفساد ، من مركز العالم إلى مقعّر فلك القمر، شخص واحد مخالف الحقيقة النّوعيّة لسائر الهيوليّات مستمرّ الوجود والتشخّص في أطوار اتّصالات الصّورة الجرمانيّة وانفصالاتها واختلافات الصّور الطّبيعيّة وانقلاباتها أبدا. أليس أنّ كثرة أمواج البحر واختلاف ألوان المياه الّتي هي أجزاؤه لا تستوجب افتراز البحر عن الوحدة الّتي لذاته.

فالهيولى الّتي مقرّها جوف فلك القمر أمر واحد بالشّخص ، كالبحر الّذي هو واحد بلحاظ ذاته ، والعناصر والحوادث اليوميّة ، كالأمواج والألوان. فكما البحر لا يفترز بكثرة الأمواج والألوان عن وحدة الذّات ، فكذلك هيولى العناصر لا يفترز بكثرة الصّور العنصريّة من الأسطقسات والمواليد عن وحدتها الشّخصيّة المخصوصة بها.

ولعلّ التّعبير عن الهيولى بالبحر من أسرار التّنزيل الكريم في بعض متشابهات القرآن الحكيم. وكذلك هيوليات الأفلاك أشخاص مختلفة بالنوع متهيّئة لقبول الاتّصال والانفصال، وإن كانت الصّور النّوعيّة الفلكيّة قد استوجبت لزوم الوحدة الاتّصاليّة المساوقة لوحدة الصّورة الجرميّة بالشّخص.

إيماض

(٢٧ ـ تألّف الجسم انضماميّ لا اتحاديّ)

أليس انعدام الشّيء ببعض أجزائه دون بعض إنّما يتصوّر في المركّبات الخارجيّة ، لا في الماهيّات البسيطة بحسب الأعيان وإن كان تحصّلها في لحاظ التعيّن والإبهام من جوهريّاتها بطبائعها المرسلة المحمولة. أمّا لديك من المنصرح : أنّ طبائع المقوّمات المحمولة متّحدة جعلا وتقرّرا ، فكيف تتفارز بالبقاء والزوال في الماهيّة البسيطة. وقد انصرح : أنّ الهيولى الشخصيّة تبقى مع طروء الانفصال وتزول الشّخصيّة الجرمانيّة.

فإذن ، تألّف الجسم منهما انضمامىّ بوجود الصّورة في الهيولى في الأعيان ، لا تركيب اتّحاديّ في العقل. فهما مادّة وصورة خارجيّتان للجسم ، لا جنس وفصل له. ووجود الصّورة الشّخصيّة الجرمانيّة في ذاتها هو [٣٤ ظ] بعينه وجودها في الهيولى. فلا محالة عدمها عنها هو بعينه عدمها في ذاتها.

٦٣

حكومة

(٢٨ ـ الاتّصال والانفصال في الهيولى)

ولو عزلنا النّظر عن قضاء البرهان : أنّ طروء الانفصال يستوجب انعدام الجوهر الشّخصيّ المتّصل ، فإجراء حكم الهيولى المبهمة الذّات بوحدتها الشّخصيّة على الجوهر الممتدّ بالذّات المستتمّ التحصّل بالفعل ، على ما قد تجسّمته الفئة المستنكرة ، قياس تخمينيّ بلا جامع. أليس إذا لم تكن نفس ذات الجرميّة بما هي هي متصلة في مرتبة جوهر الحقيقة ، بل كان اتصالها من تلقاء العارض ـ أي : الكميّة التعليميّة ـ كانت ، لا محالة ، بحسب الوجود في مرتبة ذاتها الشّخصيّة : إمّا من مفارقات الأحياز والأبعاد والجهات مطلقا ثمّ يلحقها التّعلّق بها أخيرا ، وإمّا متألّفة الذّات من جواهر متفاصلة متجاورة غير متجزّية متناهيّة أو غير متناهيّة ، ثمّ يلحقها الاتّصال وقبول التجزئة لا إلى نهاية في المرتبة المتأخّرة ، وذلك متهافت بالضّرورة الفطريّة ، فهي بما هي هي في حدّ ذاتها متصلة ممتدّة واحدة بالوحدة الاتّصاليّة الزّائلة عند الانفصال بتّة.

وأمّا الهيولى فليست بحيث (بحسب ل) ذاتها متّصلة ولا منفصلة ، بل إنّما لها الاتّصال أو الانفصال من تلقاء عارضها ـ أعني الصّورة الجرميّة الواحدة أو المتكثّرة ـ ولا يلزم شيء من المحالات ، إذ الهيولى ليست تتقدّم بالذّات على طبيعة الاتّصال ، كما تتقدم الصّورة الجرميّة على الكميّة التعليميّة. فلا تكون في مرتبة ذاتها الشّخصيّة خلوا عن الوحدة الاتّصاليّة ومقابلتها جميعا ، وإن لم يكن ذلك لها بلحاظ جوهرها. وهذه دقيقة نشأت من كون الصّورة الجرميّة الحالّة فيها جوهرا ، بخلاف الجسميّة التّعليميّة العارضة للجرميّة الطّبيعيّة. فالمحلّ يتقدّم تقدّما بالذّات على شخصيّة الحالّ العرضيّ وعلى طبيعته المرسلة النّاعتيّة جميعا وعلى شخصيّة الحالّ الجوهريّ دون طبيعته المرسلة القائمة بذاتها.

فلذلك كانت الصّورة الجرميّة [٣٤ ب] ، بطبيعتها المرسلة وبما هي صورة ما ، مقوّمة لشخصيّة الهيولى ، وكذلك لوجودها بما هي هيولى ما ومتقدّمة عليها بالذّات وبما هي صورة شخصيّة بعينها قائمة في ها ومتأخّرة عنها. فهي توجد متّصلة فتنفصل أو منفصلة فتتّصل وهي باقية بذاتها ، والصّورة الجرميّة لا توجد ذاتها ، إلّا متصلة ، فتزول عند الانفصال.

٦٤

تنبيه

(٢٩ ـ الحجميّة وشاغليّة الحيّز والوضع والتناهى والتشكل للهيولى من اقتران الصورة) إنّما الحجميّة وشاغليّة الحيّز والوضع والتّناهي والتّشكل للهيولى الأولى بالاستفادة ، أي : لا بحسب نفسها منفردة ، بل من قبل اقتران الصّورة الجرميّة ، فالامتدادات الإشاريّة تكتنفها ، وهي متلبّسة بالصورة حاملة.

إيماض

(٣٠ ـ برهان القوّة والفعل لها)

إنّ لسياقة البرهان مسلكا آخر من سبيل القوّة والفعل ، فإنّ للجسم المتّصل بالفعل قوّة قبول صورتين اتّصالتين بالانفصال ، ثمّ عود ذلك الاتّصال ، أي : تجدّد مثله بالالتحام. فقوّة هذا القبول غير وجود المقبول بالفعل وغير هيأته وصورته. وما له هذه القوّة غير ما له فعل الاتصال بالذّات. بل كلّ جسم فهو : من حيث جسميّته موجود بالفعل ، وله الصّورة الجرميّة ، وهي معنى محصّل بالفعل ، ومن حيث إنّه مستعدّ ، أيّ استعداد شئت ، فهو بالقوّة ، إذ يقوى على قبول أمور غير متناهيّة وكمالات غير محصورة ، والشّيء الواحد من الجهة الواحدة لا يكون مبدأ القوّة والفعل جميعا. فإذن ، الجسم مركّب ممّا عنه له القوّة وممّا عنه له الفعل ، فالّذي بالفعل صورته ، والّذي بالقوّة مادّته ، وهو الهيولى.

فإن أوهم : أنّ الهيولى في نفسها جوهر موجود بالفعل ، وهي أيضا مستعدّة ، فيلزم تركّبها أيضا من مادّة وصورة ، وهكذا إلى لا نهاية.

ازيح : بأنّ الفعل هناك فعل القوّة ، والجوهريّة جوهريّة استعداديّة ، وليس في الوجود حقيقة تكون الهيولى بها بالفعل ، وحقيقة [٣٥ ظ] أخرى تكون بها بالقوّة ، بل نسبتها إلى هذين المعنيين أشبه بنسبة البسيط إلى الجنس والفصل منها بنسبة المركّب إلى المادّة والصّورة. فإذن ، الهيولى أمر جنسه الجوهر وفصله أنّه مستعدّ لكلّ صورة ، فهي بما هي بالفعل ليس لها إلّا الاستعداد المطلق.

٦٥

تشريق

(٣١ ـ القوّة والفعل في عالم الجواز)

كلّ ما في عالم التّقرّر من الجائزات حتّى الأنوار العقليّة مزدوج من مفهومى ما بالقوّة وما بالفعل بحسب جوهر الماهيّة وبحسب الاستناد إلى الموجود الحقّ وإن لم يكن له معنى ما بالقوّة أصلا. ثمّ الهيولانيّات نأت عن صقع المجد ، فلم تستدفع أن يكون لها مع ذلك أيضا معنى ما بالفعل ومعنى ما بالقوّة.

والهيولى نفسها توغّلت في النّأى والهبوط ، فواقت افق نقص الذّات واستقرّت على مركز وهن الحقيقة ، فكانت ذاتها مع ذلك كلّه إنّما لها الفعليّة مضمّنة فيها القوّة. فحيثيّة جوهريّتها متضمّنة للاستعداد البحت المرسل وفعليّتها للقوّة الصرفة المطلقة. وكذلك شاكلة حقيقة الحركة. فلها أيضا فعليّة مضمّنة فيها القوّة ، فلذلك أبدعهما العليم الحكيم عاملتين على الإعداد والاستعداد ، لانتظام الحدوث في افق الزّمان على الاتّصال ، وتهيئة الحوادث الزّمانيّة لقبول الفيض على الاستمرار ، كى يتصل الخير ويستمرّ النظام ولا يتعطّل الجود ولا يتصرّم الإفاضة.

إيماض

(٣٢ ـ معنى تشخّص الشّيء)

وإذ قد بان لك : أنّ تشخّص الشّيء المجعول هو نحو وجوده المرتبط بجاعله المتشخّص بالذّات بالفيضان عنه متميّزا ، فاحدس أنّ الطبيعة المحصّلة النوعيّة لا تتكثّر بالأشخاص إلّا من جنبة المادّة ، إذ ليست تقبل وجودات تترى وصدورات شتّى عن الجاعل إلّا باختلاف استعدادات المادّة وتكثّرات عوارض المادّة.

وأيضا المعنى الوحدانيّ لا يتكثّر بذاته وإلّا لم يوجد واحد منه أصلا. [٣٥ ب] إذ كلّ واحد منه يكون لا محالة ، على طباعه. وإذا لم يكن واحد لم تكن كثرة أيضا ، فالكثرة لا تكون إلّا من الوحدات. فإذا فرضنا المعنى الوحدانيّ يتكثّر بذاته فقد أبطلنا الكثرة.

فإذن ، الأشياء الّتي لها حدّ نوعيّ واحد إنّما كثرتها للمادّة الّتي هي القوّة القابلة لتأثيرات الفاعل. فكلّ ما ليس ماديّا ، فإنّ من حق طباعه أن يكون نوعه في شخصه ، والجاعل بذاته يبدع ماهيّته ويفعل وجوده الّذي هو بعينه تشخّصه.

٦٦

فإن اوهم : أنّ تكثّر المتماثلات لو كان لتكثّر المحالّ لافتقرت المحالّ المتكثّرة إلى محالّ أخر ويتسلسل.

ازيح : بأنّ تكثّر المادّة بحسب تكثّر الصّورة ، وتكثّر الصّورة لنفس المادّة القابلة ، لا لتكثّرها. وأمّا أنّه لو لا تغاير المحلّين لم يتغاير الحالّان ، كما لو لا تغاير الحالّين لم يتغاير المحلّان ، فيدور ، فإنّما يشكل لو لم تكن قوّة القبول إلّا للمحلّين المتغايرين بالذّات البتّة. والهيولى الأولى بوحدتها الشّخصيّة تقوى على قبول المتكثّرات ، ثمّ هي تتكثّر لا بالذّات ، بل إنّما بالعرض. على أنّ ذلك لا يستلزم توقّف كلّ من ذينك المتغايرين على الآخر ، بل إنّما التلازم بينهما كما في المتضايفين.

تنبيه

(٣٣ ـ النّوع في الشّخص)

وكذلك إذا كان نوع ما مادّيّ قد استحقّ بطباعه ما يعوقه عن الانفصال ، فإنّ من المستحيل أنّ يتعدّد أشخاصه في الوجود ، فمن حقّه أنّ يكون نوعه في شخصه.

تنبيه

(٣٤ ـ حكم ما ليس في إقليم الهيولى)

فإذ دريت أنّ الانفعال من عوارض القوّة الّتي هي شاكلة جوهر المادّة ، ومن البيّن أنّه لا تغيّر إلّا بانفعال ما ، فاحكم أنّ ما ليس في إقليم الهيولى فإنّه لا يصحّ أن يكون موضوعا للتغيّر أصلا.

٦٧

تكملة السّقاية [الثّالثة]

بذكر ما يلتصق بإثبات الهيولى أشدّ الالتصاق [٣٦ ظ]

إيماض

(١ ـ البرهان على عدم تمادي البعد)

ليكن لديك من المحقّق أنّه لا يتمادى بعد في ملأ أو خلأ إن جاز وجوده إلى لا نهاية. ومن البراهين عليه برهان الحيثيّات ، وهو أنّه إذا كانت حيثيّات أو أعداد مترتّبة بالطّبع أو نقاط مترتّبة في الوضع : فإن كان بين حيثيّة ما وحيثيّة أخرى منها أيّتها كانت ، أو نقطة ما ونقطة أخرى أيّتها كانت ، لا يتناهى ، فقد انحصر عديم النهاية بين طرفين حاصرى الترتيب ، وهو فطريّ البطلان ومن الفطريّات الأوائل ؛ وإن كان بين كلّ واحدة من تلك الحيثيّات وأيّة حيثيّة كانت أو من النقاط وأيّة نقطة كانت على الاستغراق الشمولىّ ليس يقع إلّا متناه ، فالكلّ أيضا متناه بتّة.

وليس هذا حكما على الكلّ الجمليّ بما حكم به على كلّ واحد من الآحاد ، فربما يكذب ، كما لو قيل : كلّ واحد واحد من أبعاض هذا المقدار دون الذّراع ، فهو أيضا دون الذّراع ، وربّما يكون هو ذراعا أو أكثر ، فيتناول الحكم كلّا من الأبعاض المترتّبة ويكذب على الجملة ، بل إنّه حكم إجماليّ على المترتّبات على الاستغراق بحيث يستوجب أن يتناول الجملة ، كما لو قيل : ما بين هذه النّقطة الطرف وأيّة نقطة توجد أو تفرض في هذا المقدار دون الذّراع ، فهذا المقدار دون الذّراع ، فإنّه إذا صدق ذلك الحكم على الاستغراق الشّمولىّ كان المقدار بجملته دون الذّراع بالضّرورة الفطريّة.

فإذن ، لو امتدّ بعد ما إلى لا نهاية ، لزم إمّا أن يكون بين المبدأ مثلا وبين حدّ ما من حدوده الموجودة أو المفروضة امتداد عديم النهاية ، وهو باطل ؛ أو يكون الامتداد بينه وبين أيّ حدّ فرض من الحدود الممكنة الانفراض ، في اللحاظ الإجماليّ على

٦٨

العموم الاستغراقىّ ، متناهيا بالفعل [٣٦ ب] البتّة. فإذن ، لا منتدح للمجموع عن حكم التّناهي بتّة ، إذ من المبدأ إلى كلّ ما بلغه الامتداد بالفعل متناه ، وإلّا لم يصدق ذلك الحكم على الإحاطة الاستغراقيّة ، فإذن قد بطل فرض اللّانهاية بالخلف.

إيماض

(٢ ـ البرهان السّلمىّ)

والبيان الأوفى للبرهان السّلّميّ أنّه لو امتدّ ساقا مثلّث إلى لا نهاية وفرضت فى الانفراج أبعاد غير متناهيّة ـ فوق بعد ما سمّى البعد الأصل ـ زائدة عليه ، لا محالة ، ومتزايدة تزايدا لا على سبيل التناقض ، فتكون هناك زيادات على البعد الأصل إلى لا نهاية متساوية المقدار أو متفاضلته ؛ وكلّ زيادة فإنّها مع المزيد عليه مشتمل عليها في بعد واحد فوقها. فكلّ بعد مشتمل ، لا محالة ، على جميع الأبعاد المتزايدة الّتي دونه ، وأيّة زيادات أمكنت إذا أخذت معا وجدت موجودة مع المزيد عليه في واحد. أليس إذا لم يكن كذلك كان بعد ما مشتمل على جملة ما دونه غير مشتمل عليه في واحد فوقه ، فيكون لا جرم هو آخر الأبعاد الانفراجيّة الممكنة ، وهو خرق فرض اللّانهاية.

فإذن ، كلّ زيادة وكلّ مجموع أبعاد متزايدة ، أىّ مجموع كان ، على الإحاطة الاستغراقيّة في اللّحاظ الإجمالىّ محكوم عليها بالاجتماع في واحد فوقها. ولا يستدفع هذا الحكم في اللّحاظ الإجماليّ شيء من المجموعات أصلا. فهذه المقدّمة في البرهان السّلمىّ في حيّز فيئيّتها في برهان الحيثيّات. فإذن ، مجموع الأبعاد المتزايدة اللامتناهيّة مشتمل عليها في بعد واحد فوقها قطعا ، فقد صار عديم النّهاية بالفعل محصورا بين السّاقين الحاصرين ، ثمّ لزم انتهاء السّاقين عند ذلك البعد ، إذ لو نفدا وراءه لوجد بعد فوقه ، فاتلأبّ (١) التبيان بالاستقامة والخلف معا.

إيماض

(٣ ـ برهان الحيثيّات) [٣٧ ظ]

ألم يقرع سمعك ما ذهب إليه أترابي السالفون من المعلمين والرّؤساء ـ واخترته أنا

__________________

(١) اتلأبّ ، أيّ : استقام ، واتلأبّ الطريق : إذا امتدّ واستوى.

٦٩

وأفتيت به وبرهنت عليه في صحفى ـ وهو وجود الحركة القطعيّة المتّصلة والزّمان الممتدّ الّذي هو مقدارها في الأعيان ، لا على قرار الذّات بحسب أفق التّغيّر وبالنّسبة إلى المتغيّرات وعلى اجتماع الأجزاء في الوعاء الّذي هو الدّهر وبالقياس إلى الموجودات الثابتة. فاحكم أنّ ما يقضى بامتناع اللّانهاية ، كبرهان الحيثيّات وما يضاهيه ممّا سيتلى عليك من ذي قبل ، إن شاء الله تعالى ، منتهض بالحكم هناك أيضا ، لتحقّق الوصفين ، التّرتّب والاجتماع في الوجود.

فمن هناك أيضا ينتظم الدّليل على حدوث عالم الجواز ، بناء على ما استمرّت عليه أوهام الجماهير ، أنّ قدم الزّمان في قوّة تمادي امتداده في جهة الماضى إلى لا نهاية ، وحدوثه في قوّة تناهيه في تلك الجهة. ولكن ذلك وهم محقوقف ، أساسه عدم تعرّف الحدوث الدّهريّ كنه التعرّف ، وقياس الشأن فيه على الحدوث الزّمانيّ.

والفحص الغائر في عمق العلم يسوق العقل الملكوتىّ إلى القضاء بأنّ حدوث الشّيء المقداريّ ، بعد صريح العدم في وعاء الدّهر ، ليس يستوجب النّهاية في تماديه ولا يصادم اللّانهاية فيه ؛ وكذلك قدمه في الدّهر ليس يستوجب لا تناهى مقداره ولا يصادم تناهيه ، بل الأمر إنّما يستعلم بأنظار أخر. والممتدّات القارّة والممتدات الغير القارّة في ذلك سواء. فإذن ، إنّما الاستدلال على الحدوث الدّهريّ من ذلك السّبيل عند حزب الحقّ من البيانات الجدليّة المحمودة ، لا من التبيانات الفحصيّة البرهانيّة.

إيماض

(٤ ـ امتناع اللّانهاية)

ليس يختصّ امتناع اللّانهاية ونهوض [٢٦ ب] البرهان بإيجابه في الأبعاد القارّة وفي الامتدادات الغير القارّة بالوجود العينىّ فقط ، بل يستحيل أيضا أن يوجد في الذهن ما يحمل عليه الممتدّ إلى لا نهاية بالفعل ، الحمل الشائع الصّناعىّ. وأمّا إمكان تصوّر الامتداد الغير المتناهي ، فإنّما معناه إضافة الذّهن مفهوم اللّانهاية ، بما هو هذا المفهوم ، إلى مفهوم الامتداد وتصوّرهما مع تصوّر تلك الإضافة ، وهذه النكتة مطّردة في تصوّر الممتنعات.

٧٠

إيماض

(٥ ـ العالم متناه)

وإذا كانت الأبعاد محدودة فالجهات محدودة ، فالعالم متناه ، فليس للعالم خارج خال، وإذا لم يكن خارج لم يكن شيء من خارج. فالبارى ، عزّ اسمه ، وجوده متعال عن المكان والزّمان وعن أن يكون في داخل أو خارج ، والرّوحانيّون المقرّبون من ملائكته أيضا كذلك.

إيماض

(٦ ـ حكم العالم والزّمان ...)

الجهات نهايات الامتدادات ، وإليها اتّجاه الحركات ، والعالم في نفسه لا علو له ولا سفل ، إنّما العلو والسّفل لما فيه من الأجرام بقياس بعضها إلى بعض. فالامتداد الإشاريّ من المركز إلى المحيط علو وسمك ويتحدّد بالمحيط ، ومن المحيط إلى المركز سفل وعمق ويتحدّد بالمركز. فإذا فرض أنّ شخصا ما عند السّطح المحيط بالكلّ لم يكن له أنّ يمدّ يده إلى الخارج ، لا لمصادم مقداريّ ، بل لانتفاء الجهة والبعد.

وكذلك الزّمان في نفسه ليس له مضىّ واستقبال ، وإنّما المضىّ والاستقبال لأجزائه بقياس بعضها إلى بعض ، ولمقارنات أجزائه كذلك. وجهة المضىّ إلى حيث قد تحقق امتداد الزّمان أزل زمانىّ ، وجهة الاستقبال أبد زمانىّ ، والأزليّة والسرمديّة في وعاء الدّهر طور آخر أعلى وأرفع.

وليس لمتوهّم أن يتوهّم : حدوث شيء قبل الزّمان أو امتدادا في أيس أو ليس مع عدمه ، بل قبل الزّمان عدم صريح لن يتصوّر أنّ يقع فيه انبساط وامتداد ويتميّز حدّ عن حدّ وحال عن حال أصلا. فمن أمانى [٣٨ ظ] الأوهام السّوداويّة إمكان واسطة في الوجود بين الباري ، عزّ اسمه ، وبين الحوادث الدّهريّة تحدث في الوعاء الّذي هو الدّهر قبلها.

تنبيه

(٧ ـ الطّبيعة والهيولى)

٧١

كأنّك إن حصّلت ما أصّلته لك ، علمت أنّ الطبيعة الجرميّة الامتداديّة بممتديّة جوهرها تأبى مفارقة الهيولى في الوجود ، وإلّا لوجدت متشخّصة ولا قوّة هناك على قبول الانفصال أصلا ، ولاختلفت أشخاص طبيعة محصّلة نوعيّة بالحلول واللّاحلول. والهيولى بهيوليّتها ليست تقبل أن توجد متجرّدة عن الصّورة ، وإلّا لتحصّلت بشخصيّتها ، وليس هناك شيء من الاتّصال والانفصال ليسيّة بالمرّة ، فلم يكن وحدتها الشّخصيّة مبهمة لا تتعيّن إلّا باتّصال أو انفصال قطعا ، فلم تستمرّ الهيولى على سنّة الهيوليّة. وذلك كلّه فاسد بالغريزة الحدسيّة والضرورة الفحصيّة. فإذن ، أنت بما أوتيت لفي مندوحة من تعمّقات السّلّاف الأوائل في هذه المسائل.

إيماض

(٨ ـ صور قائمة بالهيولى الاولى)

إنّ هناك صورا أخرى زائدة على الصّورة الجرميّة تقوم بالهيولى الأولى فتنوّعها بالعرض ، والجسم المطلق المتألّف من الهيولى والصّورة الجرميّة بالذّات ، وهي الصّور الطّبيعيّة. أليس من الحدسيّات اختلاف البسائط الأسطقسّية بالحقيقة النوعيّة ، وكذلك المركّبات الطّبيعيّة الّتي لها تأحّد بالطّبع ، كالمواليد وأنواعها ، لا الصّناعيّة الّتي إنّما تأحّدها بالفرض والصّنعة ، كالبيت والكرسيّ ، مثلا.

ولعلّ من القطعيّات بالضّرورة الفطريّة أنّ تضامّ المقولات المتباينة لا يحصّل حقيقة وحدانية. وكيف يتأحّد الشّيء نوعا محصّلا من جنسين عاليين ، ولا سيّما من جنس الجوهر [٣٨ ب] وشيء من أجناس الأعراض والجسميّة المطلقة طباع مشترك بين جميع الأقسام.

فإذن ، هناك جوهر آخر به التّحصّل والتّنوّع ، والجسم يتأحّد من هذه الجواهر الثّالثة تأحّدا نوعيّا بالفعل ، لا بتصنّع ولا بفرض فارض. والعرض إنّما يصحّ أنّ يدخل في التشخّص والتصنّف ، لا في تحصّل الحقيقة النوعيّة.

إيماض

(٩ ـ الأجسام المختلفة)

٧٢

وأيضا ، الأجسام في حدّ أنفسها ، مع عزل النّظر عمّا يلحقها من خارج ، تختلف بقبول التّفكّك والالتحام بسهولة وعسر واللاقبول رأسا ، وفي طلب الأمكنة والأحياز والأوضاع ، وفي استحقاق المقادير والحجوم والأشكال والكيفيّات الأربع الفعليّتين والانفعاليّتين.

فهذه الأعراض لها ، لا محالة ، مباد في تجوهر الأجسام وراء الجسميّة المطلقة المشتركة بين الجميع ، والمادّة المستعدّة الّتي شاكلتها القوّة والقبول. وتلك المبادى هي الصّور المنوّعة الطّبيعيّة العاشقة لتلك الأعراض والآثار.

فالصّور النّوعيّة فائضة عن بارئها مختلفة ، وإنّما انتهاؤها واستنادها إلى عناية البارئ الوهّاب. فهو ، سبحانه ، باختياره الحقّ يهبها للموادّ المستحقّة حسبما تستوهب وتسأل بلسان الاستعداد. فالفعّال المختار لا يختار إلّا باستحقاق مخصّص ، ولا يفعل إلّا بحكمة من حجّة.

والطبائع وقواها ملائكة جسمانيّة. ومن ملائكة الله الرّوحانيّين المسبّحين أيضا ـ وهم الجواهر المفارقة العقليّة ـ من يقوم بكلاءة النّوع وتربيته بإذن الله. فالصّور النّوعيّة بما يترتّب عليها من الآثار كظلّ له ، بما له من الهيئات النّوريّة. وسنتلو عليك طبقات العقول ومراتب الأنوار المفارقة ، إن شاء الله تعالى وحده.

إيماض

(١٠ ـ معدّات الصّور السابقة واللاحقة)

فلا تحسبنّ وجود الحامل المشترك الواحد بالتشخص كافيا في تعيّن صورة طبيعيّة تفيض عليه من لدن واهب الصّور ، [٣٩ ظ] ، بل إنّ الصّور السّابقة والاستعدادات المتسابقة على سبيل الارتباط بالحركات الدّوريّة السّماويّة من معدّات الصّور اللاحقة.

إيماض

(١١ ـ المعدّات للصّور الجرمانيّة)

وكذلك ليس وجود الحامل الشّخصيّ المشترك يكفي لأن يتشخّص الصّورة الجرمانيّة. أما بان لك : أنّ الشّيء إذا كان هو المتهيّئ لقبول الفيض ، كالعقل ، كان

٧٣

الفاعل الحقّ بذاته يفعل ما ماهيّته المرسلة وتشخّصه الخاصّ جميعا ، فيكون ، لا محالة ، نوعه في شخصه. وإذا لم يكن له في الفيضان بدّ من قابل ، فإن استحقّه القابل بنفسه أفاضه الفاعل عليه ، وكان نوعه أيضا في شخصه ، كالفلك. وأمّا إذا كان الاستحقاق لا يحصل إلّا بمعدّات من خارج ، فهناك يستتبّ تكثّر أشخاص الطّبيعة. فالطبيعة النّوعيّة إنّما تتعدّد بالأشخاص بحسب المادّة ، لا بالمادّة نفسها.

فإذن ، حامل عالم الأسطقسات يفتقر ، فى ما تختلف أعراضه من أجزاء العناصر المختلفة الأقدار والأشكال ، إلى مشخّصات وأحوال يتّفق وجودها من خارج ، غير دائميّة ولا أكثريّة. أليس الشّخص لا يوجد بعينه مرّتين ، فعلل الأشخاص بما هي أشخاص متماثلة يجب أنّ تشتمل على امور يندر وجودها ، بل لا توجد إلّا مرّة واحدة.

فإذن ، تشخّص الصّورة يستتبّ تهيّؤه الفيضان بالفعل عن الجاعل الحقّ بالقوى السّماويّة والأحوال الأرضيّة الّتي هي الصّور السابقة والتغيّرات الطّبيعيّة والقواسر الخارجة. وأمّا الحامل فإنّما هو علة قابليّة ومستكمل لقوّة القبول بالمعدّات المتعاقبة والعوارض المتواردة.

شكوك وتحقيقات

(١٢ ـ اختلاف الصّور)

إذا سمعت المتشكّكين يقولون : «إن استند اختلاف الصّور في العنصريّات إلى اختلاف استعدادات في مادّتها المشتركة بحسب الصّور السّابقة ، وفي [٣٩ ب] الفلكيّات إلى اختلاف قوابلها في الماهيّات ، فلم لا يجوز إسناد اختلاف الأعراض إليها من غير توسّط الصّور؟

وأيضا ، هذه الصّورة إن قوّمت الجرميّة ، وهي مفتقرة إليها ، دار الأمر وصادم كون الصّورة الجرمانيّة طبيعة متحصّلة نوعيّة ، وإن قوّمت الهيولى كانت المادّة الواحدة البسيطة قد قوّمتها صورتان ، وما أنتم بمسوّغيه؟

ثمّ كون تلك الصّور مصادر لأعراض مختلفة غير مترتّبة ، بعضها من باب الكيف وبعضها من باب الأين وكذلك من سائر الأبواب ، لا بأن يصدر البعض بتوسّط البعض ، يناقض القول بأنّ : «الكثير لا يصدر عن الواحد». وإن أسندتموها إلى صور فوق

٧٤

واحدة ، بطل قولكم : «المادّة الواحدة لا تتقوّم بصورتين معا في درجة واحدة».

فقل : كلّ جسم موجود إذا لوحظ في حدّ ذاته المحصّلة مع عزل اللّحظ عن لاحقات من خارج ، كان له استحقاق بعض بخصوصه من تلك الأعراض مضادّ للبعض الآخر ، فلا جرم لها مباد تغايرها داخلة في تجوهر الأجسام بذواتها ، ويمتنع تحصّل الأجسام منسلخة عن تلك المبادي ، وهي الصّور. وليس من شرط الصّور تقويم الجرميّة ، بل من شرطها أن تقوّم الهيولى.

والّذي ما نحن بمسوّغيه : هو أن تقوّم مادة واحدة بسيطة صورتان من حيّز واحد وفي درجة واحدة جرميّتان أو طبيعيّتان ، لا صورتان من حيّزين وفي درجتين مترتّبتين بالطّبع ، كالجرمانيّة والمنوّعة ، فالهيولى لا يتمّ تقوّمها وتحصّلها بالصورة الجرميّة وحدها ، بل يشبه أن الصّورة الطبيعية أقدم بالذّات في تقويم الهيولى من الصّورة الجرميّة. وسيعاد هذا ذكرا إذا عدّت مراتب البدء [٣٤٠ ظ] في بعض السّقايات المرتقبة ، إن شاء الله تعالى.

وما أورده التلميذ في «التحصيل» (ص ٣١٤) بخلافه ، فلست أستصحّه ، والكثير يجوّز أنّ يصدر عن الواحد إذا كانت هناك جهات وشروط مختلفة. فهذه الصور تفعل بحسب ذاتها وتنفعل بحسب المادّة ، وتقتضى حفظ الأين بشرط الكون في المكان الطّبيعىّ ، والعود إليه بشرط الخروج عنه ، وعلى هذا السّبيل سائر الأعراض.

والراسخون في العلم يقولون : إنّ البارئ الفعّال فيّاض لذاته ، وإنّما يتخصص فيضه العامّ بحسب تخصّصات القوابل والصّور الطّبيعيّة والقوى الجسمانيّة ، بل الجواهر العقليّة والمفارقات الرّوحانيّة روابط ومعدّات وشرائط ومخصّصات. فأمّا الفاعل المطلق فليس إلّا المفيض الحقّ. «قل : الله خالق كلّ شيء وهو الواحد القهّار» (الرعد ، ١٠) ، فإلى هذا ذهب الفلاسفة المحصّلون والحكماء الإلهيّون كافّة.

إيماض

(١٣ ـ الصّور المنوّعة والجسم المطلق)

فإذن ، الجسميّة المطلقة ليست أمرا قائما بالفعل ، ومقتضاها من كلّ صفة أمر عامّ ، كمطلق المكان والشّكل العامّ والمقدار المطلق. فالجسم المطلق الّذي هو الهيولى

٧٥

الثّانية أمر ، كالجنس ، ويقوّمه ويقيمه شيئا متحصلا بالفعل جوهر داخل في تقويمه يجرى مجرى الفصل ، هو الصّورة المنوّعة. والأفلاك أنواع مختلفة من قبل الهيوليات ومن قبل الصّور المنوّعة جميعا ، والعنصريّات من قبل الصّور المنوّعة فقط.

وإذا ترادفت صور منوّعة تترادف أيضا صور جرميّة. فعند بطلان الصّورة النّاريّة وحدوث الصّورة الهوائيّة ، مثلا ، تبطل الصّورة الجرميّة بشخصها وتحدث صورة أخرى جرميّة، وإلّا لزم أن تكون الصّور النوعيّة المترادفة أعراضا ، على أنّ هناك [٤٠ ب] ، لا محالة ، تخلخلا أو تكاثفا ، وإنّ ذلك لمستوجب تبدّل الأبعاد والامتدادات المختلفة بالزّيادة والنّقصان في المساحة.

تذنيب

(١٤ ـ الطبائع والصّور)

الطبيعة في البسائط هي الصّورة المنوّعة بعينها ، فهي باعتبار التّقويم صورة ، وباعتبار أنّها مبدأ استتباع الآثار طبيعة. والطّبائع للأجرام البسيطة أربع ، والسّماويّات مسمّاة بالطّبيعة الخامسة. وصور بسائط العناصر لا تبطل عند التّركيب ، بل تنحفظ ، وتفيض من واهب الصّور على المركّب صورة فاشية في مجموع الأجسام المتضامّة الحاملة للكيفيّة المزاجيّة.

فإن كانت سارية فيها وفي أبعاضها المعروضة للمزاج جميعا ، كما في الياقوت ، والأعضاء البسيطة الحيوانيّة ، كالعظم واللحم والعصب ، كانت هناك مع التركيب أجزاء مقدارية متحدة بالماهيّة والوجود وراء الأجزاء المتباينة في الوجود ، أي : الأجسام المختلفة الطبائع الّتي منها التركيب ، وإلّا كانت الصّورة للمجموع خاصّة دون الأبعاض ، كالصّور النوعية الحيوانيّة ، فلم يكن إذن للمركّب أجزاء مقدارية. وكذلك الصّورة الفلكية إنّما هي لكليّة الجرم البسيط الّذي هو الفلك ، لا لأجزائه المقداريّة مع كونها متشابهة غير متباينة بالوجود ولا مختلفة بالماهيّة.

إيماض

(١٥ ـ طباع العليّة والمعلوليّة)

٧٦

يجب أن يكون عندك من المستبين : أنّ كلّ شيئين ، يخرج كلّ منهما عن قوام ماهيّة الآخر ، وبينهما تلازم طبيعىّ في مجرّد الاقتران بحسب التحقّق أو في التعقّل أيضا بحسب نفس الماهيّة بما هي هي ، فإنّهما لا يعريان عن طباع العليّة والمعلوليّة ، إمّا بقياس أحدهما إلى الآخر ، أو بقياسهما معا إلى ثالث موقع بينهما ارتباطا ما افتقاريّا على بعض الوجوه لا محيص عنه بتّة. أليس إذا لم يكن ذلك [٤١ ظ] ، لم يكن رفع أيّهما لوحظ بما هو رفعه موجب رفع الآخر البتة ، وإن اتّفق أن كان مع رفعه ، كما ثبوته مع ثبوته دائما ، فلم يكونا على علاقة طبيعيّة يمتنع بحسبهما الافتراق ، بل إنّما على صحابة اتّفاقيّة فقط.

وأمر المتضائفين ليس على [ما] يظنّ : فالحقيقيّان ، كالأبوّة والبنوّة ، معلولا ثالث ، كالولادة ، على افتقار لكلّ منهما ، لا إلى نفس مفهوم الآخر ، بل إلى ذات هو عارضها ؛ والمشهوريّان ، كالأب والابن ، يفتقر كلّ منهما ، لا في جملته ، بل في بعضه ، أي : إضافته ، لا إلى جملة الآخر ، بل إلى بعضه ، أي : ذاته. وكذلك معلولا علّة واحدة ، كلّ منهما في طباعه بحيث يستوجب أن يفتاق إلى علّة الآخر ، فلا محالة ، يرتبطان بملازمة عقليّة. وتلازم العقود وعكوسها والشّرطيّات المتلازمة أيضا على هذه الشّاكلة.

وبالجملة ، طباع التّلازم يأبى إلّا أن يتعلّق أحد المتلازمين في ذاته ووجوده بالآخر أو بما يتعلّق به الآخر. فلو فرض موجودان واجبان بالذّات متكافئان في الوجود ـ تعالى الله عن أن يكون له شبه في الذّات أو شريك في الملك علوّا كبيرا ـ لم يتحقق بينهما طباع امتناع الافتراق بالضّرورة البرهانيّة ، بل إنّما يكون صحابتها في دوام الوجود على الاتّفاق الصّرف لا غير.

إيماض

(١٦ ـ المضاف مع مضائفه بحسب التعقل والحصول)

فالمضاف الحقّ مع مضائفه في درجة واحدة بحسب التعقّل ، وبحسب الحصول معلول لعلّته ومفتقر إلى معروضه وإلى معروض نفسه جميعا ، ولا كذلك سائر الأعراض ، إذ شيء منها ليس يفتقر بطباعه البتّة إلى معروض عرض آخر مباين الذّات لمعروضه.

٧٧

إيماض

(١٧ ـ ملازم المقبولين كيف يكون)

ارتباط مقبولين بقابل واحد ليس يستوجب امتناع الافتراق ، فلا هناك إيجاب ولا فعل أصلا ، بل [٤١ ب] التلازم عند الفحص لا يقتضيه إلّا الجاعل الموجب.

إيماض

(١٨ ـ المعيّة بالمعلوليّة والعليّة)

المعان بالمعلوليّة ليس يصحّ أن يستندا في درجة واحدة إلى علّة واحدة حقّة ، أعنى بالذّات وبالحيثيّة جميعا ، بل قصيا ما يستأثران به من الاتّحاد أن يكون لهما معا علّة موجبة أحديّة الذّات متكثّرة الحيثيّة الاعتباريّة. فهذا ما يستصحّه الفحص من المعيّة بالمعلوليّة. وكذلك المعان في العليّة يمتنع عليّتهما بالقياس إلى معلول واحد بعينه. فإذا اتّفق ذلك ظاهرا كان إنّما العلّة بالحقيقة الطباع المشترك ، وهو أمر واحد ، فلذلك استعسر تحقيق الأمر في المعيّة بالعليّة ، بخلاف المعيّة بالطّبع والمعيّة بالماهيّة.

تنبيه

(١٩ ـ كيفيّة التّلازم بين المعلولين)

فمن هناك يمتحق ما ربّما يوهم : أنّ معلولى علّة واحدة يستحقان أن يتلازما على الإطلاق ، وسواء عليهما أتعلّق أحدهما بالآخر على وجه ما أم لم بتعلّق أصلا ، إذ كلّما تحقّق أحدهما تحقّقت العلّة الموجبة ، وكلّما تحقّقت العلّة الموجبة تحقّق الآخر ، فكلّ واحد منهما ملزوم لتلك العلّة ، وهي ملزومة لذلك الآخر.

أفليس إذا صدرا عن ذات واحدة ، فإنّما صدورهما عنها من حيثيتين مكثّرتين بالاعتبار التقييديّ ، لا من حيثيّة واحدة. فكلّ واحد منهما ليس يستلزمها إلّا من الحيثيّة الّتي هي جهة المصدريّة بالقياس إليه ، وهي ليست تستلزم الآخر إلّا من جهتها الأخرى ، فلا يتكرّر الوسط.

فإذن ، إذا لم يكن أحد المتلازمين علّة موجبة للآخر ، لم يكن التّلازم إلّا من جهة استنادهما معا إلى علّة موجبة موقعة بينهما ارتباطا ما متكرّرا من الجنبين ، ولكن لا على

٧٨

الوجه الدّائر المستحيل بتّة ، بل على سبيل آخر ، كما في المضاف الحقّ ومضائفه.

إيماض

(٢٠ ـ التّقدّم والتّأخّر بالزّمان وغيره)

إنّ في القبليّة والمعيّة بالزّمان أو بالدّهر أو بالشّرف أو بالمرتبة ، ما مع القبل قبل بالضّرورة ؛ وكذلك [٤٢ ظ] ما قبل المع. وما مع البعد بعد ، وكذلك ما بعد المع. فأمّا في التّقدّم والمعيّة بالذّات ، فما مع المتقدّم ليس يستحقّ بذلك أن يتقدّم بالذّات ، فما مع المتقدّم ليس يستحقّ بذلك أن يتقدّم بالذّات ، ولا المتأخّر عن المع بالذّات أن يتأخّر ، فقد يكون الشّيئان معا بالمعلوليّة أو بالطّبع ، ثمّ لكلّ منهما دون الآخر معلول ليس معلول الآخر قطعا.

وإنّما استحقاق التّقدّم بالذّات للمتقدّم على المتقدّم بما هو متقدّم على المتقدّم ؛ سواء كان هو في ذاته بما هو هو متقدّما أيضا بالذّات ، كما الجاعل الواجب بالذّات على كلّ من معلولاته البعيدة من حيث هو على طباع الجواز الذّاتيّ ؛ أولا ، اللهمّ إلّا بالعرض ، كما الفاعل للماهيّة ، كالأربعة ، بالنّسبة إلى لوازمها المستندة إليها ، ككونها زوجا ، لا من حيث طباع الجواز الذّاتيّ المشترك بين قاطبة الجائزات ، بل من حيث خصوص الثّبوت الرّابطيّ بحسب خصوص حاشيتي الاتّصاف ، ولا كذلك ما مع المتأخّر ، فإنّه يجب أن يتأخّر بالذّات ، ولا المتقدّم على المع بالذّات ، فإنّه يجب أن يتقدم بتّة.

أليس إذا تأخّر شيء عن شيء بالمعلوليّة ، فإنّ المعلول بالمعلوليّة بالقياس إليه لا يكون إلّا صادرا عن فاعله التامّ بعينه ، وإن كان ذلك من حيثيتين مختلفتين ، لا من حيثيّة واحدة ؛ وكذلك العكس ، أي : إذا كان شيئان معا بالمعلوليّة ، فإنّ كلّا منهما لا يتأخّر بالمعلوليّة إلّا عن الفاعل التّامّ للآخر ، وبمثل ذلك يقاس بالطّبع وبالماهيّة بالنّسبة إلى شيء ما بعينه.

فإذن ، قد استقرّ الفصل بين المتأخّر من المعلول بالمعلوليّة ، مثلا ، وبين ما مع المتأخّر بالمعلوليّة في حكم التّأخّر ، وكذلك بين المتقدّم بالعليّة على المعلول بالمعلوليّة وبين ما مع المتقدّم في حكم التقدّم.

وإنّ شريكنا السالف بيّن في «الاشارات» على الفرق وقلّ في [٤٢ ب] المقلدين

٧٩

من فطن للفارق ، فأوهمهم إمّا الاستشكال أو حمل المعيّة تارة على علاقة المتلازمين بالطّبع ، وتارة على المصاحبة الاتفاقية.

وهم وإيقاظ

(٢١ ـ مساوقة المعين وحكمها)

فإن أزاغك عن الحقّ أنّ المعين بالذّات يقضى لحاظ العقل أنّهما بحسب نفس الأمر في مرتبة واحدة ، فكلّ ما يتقدّم على أحدهما أو يتأخّر عنه بالذّات يتقدّم لا محالة ، على تلك المرتبة أو يتأخّر عنها بعينها ، فلا جرم يتقدّم على ذلك الآخر أو يتأخر عنه بالذّات ، فذلك الفرق ليس في مساغ أصلا.

فتدبّر واستشعر : أنّ مساوقة المعين بالذّات في نفس الأمر إنّما تعتبر بحسب حال أحدهما عند الآخر لا بحسب حال ثالث عندهما أو حالهما عند ثالث ، فلعلّهما بقياس أحدهما إلى الآخر يستحقّان التساوق في مرتبة واحدة وبقياس ثالث إليهما بالتعلّق لا يتساوقان ، بل لا يأبيان الانفصال في ذلك التعلّق بالنّظر إلى طباع الثّالث ، كما وجود الماهيّة واقتضاؤها لوازمها بالنّظر إلى لوازم ، فالاقتضاء غير منسلخ عن الوجود بحسب المرتبة. أليست الماهية في مرتبة الاقتضاء مخلوطة بالوجود بتّة. ثمّ إنّ تلك اللّوازم متعلقة بالاقتضاء ومتأخّرة عنه بالذّات ، وليست هي كذلك بالنّسبة إلى الوجود ، بل تلك شاكلة لوازم الوجود.

والقريحة في لحاظ هذه الاعتبارات الّتي هي معايير حكميّة ، أخلق بأن تكون متيقّظة مجتهدة أن لا تقع في التخليط. وينبغى لها أن تتحرّز من الخلط بين المعيّة في المعلوليّة والمعيّة في التّأخّر بالمعلوليّة ، أو بين المعيّة في الطبع والمعيّة في التّأخّر بالطّبع ، أو بين المعيّة في الماهيّة والمعيّة في التّأخّر بالماهيّة.

إيماض

(٢٢ ـ فعليّة تحصّل الهيولى بالصورة)

أما قد كان لك من [٤٣ ظ] أمر الهيولى أنّها ليست إلّا القابل المحض ، وإنّما فعليّة التّحصّل لها بحسب الصّورة ، فلا جرم ذاتها ممتنعة الاستغناء في أن تقوم بالفعل عن الصّورة. لست أقول : ملتزمة لمقارنة الصّورة ، بل أقول : مستحيلة الوجود بالفعل إلّا

٨٠