مصنّفات ميرداماد - ج ١

مير محمّد باقر بن محمّد حسين الاسترابادي [ ميرداماد ]

مصنّفات ميرداماد - ج ١

المؤلف:

مير محمّد باقر بن محمّد حسين الاسترابادي [ ميرداماد ]


المحقق: عبدالله نوراني
الموضوع : الفلسفة والمنطق
الناشر: منشورات مطبعة وزارة الإرشاد الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-7874-07-3
الصفحات: ٦٣٨
الجزء ١ الجزء ٢

الملكوتيّة وتنوير جوّ السّرّ بالأنوار الحقّة اللّاهوتيّة. فإذا استقيت الحكمة [٢٦٥ ب] من شطّ العقل ؛ فاحذر أن يدور بك دولاب الوهم أدوار الشكوك. والله ولىّ الفضل والجود ، وبيده مفاتيح الفيض ومقاليد الوجود. والحمد لله كما يليق بكرم وجهه وعزّ جلاله. فلقد نجز القول في التّرعة الأولى بمنّه وإفضاله.

وكتب مصنّفه أحوج الخلق إلى الرّبّ الغنىّ ، محمد بن محمد ، المدعوّ باقر الداماد الحسينىّ ، ختم الله له بالحسنى ، حامدا مصلّيا مسلّما مستغفرا راجيا مؤمّلا داعيا.

أمّا بعد ، فقد كان من منّ الرحيم الرّحمن ، الذي لا يكدّر عطاياه بالامتنان ، ولا يبيع نعمه بالأثمان ، أن وفّق عبده ، وهو أولى بالحرمان ، لاقتطاف وورود هذه الأزهار واجتناء هذه الثّمار واقتناء هذه اللّئالى البحريّة والعقود الجوهريّة والنّخب الصّحاح اللّغويّة وأخذها من السّاحل ، حيث ألقاها اليمّ فيه وأبداها قذف متلاطم العباب إليه. وهي لعمرى الجوهر الذي لم يثقب والمطيّة التي لم تركب. ولمّا كان مؤلّفها ومبدعها ومصنّفها من ذريّة المصطفى وعترة المرتضى ، كانت بكلامهم أنسب وإملائهم أقرب. فهى حدّ وسط بين كلامهم وكلام البريّة ، ولها على ما سواها ما لمؤلّفها من المزيّة. كتبتها بحمد الله [من] مسودتها الأصليّة ونسختها الّتي بخطّه الأوّليّة.

ثمّ هذا الكتاب بعون الله الملك الوهّاب ، في يوم الخميس ، ثامن شهر ربيع الأوّل ، سنة ستّ وستّين بعد الألف من الهجرة النبويّة ، صلوات الله عليه ، أنا أقلّ العباد الحقير الفقير الجانى المذنب العاصى ، محمد قاسم بن أحمد الطبرستانىّ [بلدة من بلاد الطبرستان المشهور بالبارفروش]. نقل من خطّ السيّد الزكيّ ، أفضل المتقدّمين والمتأخّرين ، مير محمد باقر الداماد الحسينىّ ، نوّر الله مرقده ونوّر ضريحه. وكان مسكنى ومنامى في ذلك [الزمان] في مدرسة الشيخ المغفور المبرور ، شيخ لطف الله الميسىّ العاملىّ. [٢٢٦ ب]

ربّ لا أثق إلّا بك ولا أتّكل إلّا عليك ولا أرى في الوجود إلّا نور وجهك ، فأدركني بفيض فضلك واهدني سبيلا إلى جناب قدسك ، ولا تجعل للشّيطان على قلبي دليلا ولا للباطل إلى سرّي سبيلا. وصلّ وسلّم على أفضل الوسائل إليك ، محمّد اكرم المرسلين وآله أفاضل المعصومين ما دارت السّماوات على الأرضين.

٤٨١

المساق الثّانية

التّرعة الثّانية من المساق الأوّل من كتاب الصراط المستقيم

في أنحاء الحدوث الزّمانيّ وتحقيق القول فيها وما يترتّب على الفحص عنها وكشف

غطاء الخفاء عن محيى الحقّ في غوامض حكميّة ترتبط بمسائل الحركة وتلتصق

بالمباحث الزّمانيّة.

فصل (١)

في أنحاء الحدوث الزّمانىّ وتحقيق ما عليه الشيء فيها و

ما يناط بالفحص عنها على سبيل قول تحصيليّ.

إشارة

لعلّ النّظر التّحقيقيّ لا يسع إلّا أن نقول ، على سياق ما قاله الشّيخ في «الشفاء» وغيره : إنّ وجود الشّيء الواجد الزّمانيّ أو عدمه : إمّا أن يكون دفعيّا ، بأن يحصل أو يعدم دفعة في آن يختصّ به ، فإن استمرّ كان ذلك أوّل آنات حصول الوجود أو العدم ، وإن لم يبق كالأمور الآنيّة كان مجرّد (٢٦٧ ب) ذلك الآن لا غير ظرف الحصول.

وامّا أن يكون تدريجيّا ، بأن يكون الشّيء الوحدانيّ له هويّة اتّصاليّة لا يمكن أن تتحصّل إلّا في زمان واحد متّصل على سبيل الانطباق عليه ، ويعبّر عن ذلك بالحصول على سبيل التّدريج ، ولا يلزم أن يكون حصول ذلك الشّيء حصول أشياء كثيرة في أجزاء ذلك الزّمان ، لأنّه من حيث هويّته ليس بملتئم عن أشياء كثيرة هو شيء واحد من شأنه قبول القسمة إلى أجزاء ، فهو قبل عروض القسمة ليس إلّا شيئا واحدا منطبقا على زمان واحد ، ولا يكون لذلك الزّمان طرف يوجد هو فيه ، لأنّ

٤٨٢

وجوده ممتنع الحصول في طرف زمان أو حدّ من حدوده (١٦٨ ظ) ، بل واجب أن يحصل مقارنا لجميع ذلك الزّمان ، وأمّا بعد عروض القسمة ، فيكون حصول أجزائه في أجزاء ذلك الزّمان شيئا بعد شيء. فهذا الحاصل ، أعني ما يكون له حصول واحد تدريجيّ ، لا يكون له آن ابتداء الحصول ، بل ظرف حصوله إنّما هو الزّمان ، لا طرفه.

وإمّا أن يكون زمانيّا ، بأن يكون حصول الوجود أو العدم في نفس الزّمان لا في طرفه ، ولا فيه على سبيل الانطباق عليه ، إذ لا يكون للشىء الحاصل هويّة اتّصاليّة تنطبق على الزّمان ، بل إنّما يختصّ حصوله بذلك الزّمان ، على معنى أن لا يمكن أن يوجد أو يفرض في ذلك الزّمان أن إلّا ويكون ذلك الشّيء (٢٦٨ ب) حاصلا فيه ، وتقرير القول كأنّه على أسلوب تحصيليّ قد اضمحلّ به ما استشكله مثير فتنة التّشكيك ، من الشّكوك في «الملخّص» وفي شرحه للإشارات.

شك وهميّ وفحص حكمي

كأنّك متوهّم أنّ وجود الشيء أو عدمه بتمامه : إمّا أن يحصل يسيرا يسيرا ، فيكون في زمان على وجه الانطباق عليه والانقسام إلى الأجزاء حسب انقسامه أو دفعة واحدة ، فيكون في آن قطعا ، وهو أن أوّل الحصول ؛ أن وكذلك تقول : إمّا يحصل بتمامه دفعة واحدة ، فيكون في آن هو آن أوّل (٢٦٩ ظ) الحصول ضرورة ، أو لا ، بل قليلا قليلا ، فيكون لا محالة في زمان ينطبق هو عليه ، فكيف يتصوّر هناك الواسطة.

فيقال : ذلك الموجود أو المعدوم دفعة ، بمعنى الّذي يحصل في آن واحد يختصّ به ابتداء وجود الشّيء أو عدمه بتمامه ، ليس لازما لقابل الّذي يوجد يسيرا يسيرا أو يعدم يسيرا يسيرا ، بل هو أخصّ صدقا وتحقّقا ممّا هو المقابل ، والمقابل هو الّذي ليس يذهب إلى الوجود أو العدم أو الاستحالة أو غير ذلك يسيرا يسيرا. وهذا يصدق على ما يحصل وجوده بتمامه دفعة واحدة في آن ما ، سواء استمرّ زمانا ما ، أو لم يبق بعد ذلك الآن أصلا ، أو يحصل عدمه (٢٦٩ ب) بتمامه دفعة واحدة في آن ما ، على ما يحصل وجوده بتمامه في زمان ما ، بأن يكون في جميع ذلك الزّمان موجودا ، على أنّه في كلّ جزء من أجزاء ذلك الزّمان وفي كلّ آن من الآنات

٤٨٣

المفروضة فيه موجود بتمامه ، ويكون في الآن الذي هو طرف ذلك الزّمان وليس بزمان معدوما أو ما يقع عدمه بتمامه في زمان ما بأن يكون في كلّ جزء من أجزاء ذلك الزّمان وفي كلّ آن من الآنات المفروضة فيه معدوما ، ويكون في الآن الّذي هو طرف ذلك الزمان وليس بزمان موجودا.

فهذا الوجه الأخير ليس يوجد فيه الشّيء أو يعدم قليلا قليلا. والأوّل أيضا كذلك ، وهو الّذي يكون وجوده (٢٧٠ ظ) أو عدمه في آن. لكن هذا الوجه يباين ذلك الوجه الأوّل : بأنّ ذلك قد فرض فيه الحكم في الآن الّذي هو نهاية الزّمان بالذّات ، كالحكم في جميع ذلك الزّمان اذا كان للحكم استمرار ، وفى هذا قد فرض الحكم في ذلك الآن مخالفا للحكم في ذلك الزمان من غير أن يوضع آن بعد ذلك الآن لابتداء المخالفة ، وإلّا لوقعت مشافعة بين آنات ، ولكان ذلك الآن هو الطّرف بالذّات.

وليس كلامنا الآن في أنّ هذا الوجه الثّاني يصحّ وجوده أولا يصحّ ، فإنّا لا نتكلّم فيه من حيث نصدّق بوجوده ، بل إنّما نلحظه من حيث يحمل عليه سلب ما ، أعني أنّه ليس يوجد أو يعدم قليلا قليلا ، وله في ذلك (٢٧٠ ب) شريك. فذلك الشّريك أخصّ من هذا السّلب ، والأخصّ لا يلزم الأعمّ ، وليس يجب أن يكون الشيء من حيث يتصوّر موضوعا أو محمودا بحيث يصدّق بتحقّقه أو لا يصدّق ، وقد علم هذا في صناعة المنطق.

فإذن قولنا : «ليس يوجد أو يعدم يسيرا يسيرا» ، الّذي هو مقابل قولنا : «يوجد أو يعدم يسيرا يسيرا» أعمّ من قولنا : «يوجد أو يعدم دفعة» ، بمعنى أنّه يكون حاله ذلك في آن مبتدأ ، وكذلك مقابل ما يوجد أو يعدم دفعة هو ما لا يوجد دفعة ، أى لا يوجد في آن مبتدأ أو لا يعدم كذلك ، وليس يلزمه لا محالة أنّه يوجد أو يعدم قليلا قليلا ، بل قد يصدق معه الذي بحسب الوجه المذكور (٢٧١ ظ).

فليس قولك : «إمّا أن يكون يسيرا يسيرا أو يكون دفعة في آن مبتدأ» ، أو قولك: «إمّا أن يكون دفعة أو يكون قليلا قليلا» صادقا صدق المنفصل المحيط بطرفي النّقيض أو المحيط بشيء ، وما يلزم نقيضه ، فقد تبيّنت الواسطة ، فاعتزل الوهم تتعرّفها.

تبيان

سبيل البرهان على تثليث القسمة وتحقّق هذه الواسطة ، على سياق ما في «الشفاء» ،

٤٨٤

هو أن ننظر : هل الآن المشترك بين زمانين ، في أحدهما الشيء بحال وفي الآخر بحال أخرى ، قد يخلو الأمر فيه عن الحالين جميعا أو يكون فيه على احدى الحالين دون الأخرى. ومن المعلوم أنّ الشيئين اللّذين هما في قوّة (٢٧١ ب) المتناقضين أو المتقابلين تقابل العدم والملكة يمتنع خلوّ الشيء أو الموضوع القابل عنهما جميعا في ذلك الآن.

ثمّ من الأمور : ما يحصل في آن ، ثمّ تتشابه حاله فى أيّ آن فرض في زمان وجوده ، ولا يحتاج في أن يكون إلى أن يطابق مدّة ، كالمماسّة والتربيع وغير ذلك من الهيئات القارّة المتشابهة الحال في كلّ آن من زمان وجودها ؛ وما كان كذلك ، فالشيء في ذلك الآن الذي هو الفصل المشترك موصوف به.

ومنها : ما يقع وجوده في الزّمان الثاني وحده ، والآن الفاصل بينهما لا يحتمله ، كالحركة التي لا تتشابه حالها في آنات زمان وجودها ، بل يتجدد بحسبها في كلّ آن قرب جديد إلى الغابة وبعد عن المبدأ ، وهي إنّما تحصل بعد الآن الذي هو الفصل المشترك ، أي في جميع الزّمان الذي هو بعده وفي جميع آناته ، وكذلك ما لا يقع إلّا بالحركة ، كاللّامماسّة الّتي هي المفارقة بعد المماسّة. فلمثل هذه الأمور لا يكون أوّل آنات ، التحقّق ، وإلّا : فإمّا أن يتصل ذلك الآن بالذي هو الفصل المشترك ، فيلزم تشافع الآنات ، أو يتخلّل بينهما زمان ، فيلزم خلوّ الشيء في ذلك الزّمان عن الحركة والسّكون والمماسّة واللّامماسّة مثلا.

وبالجملة ، الحركة التوسّطية موجودة قطعا ولا تحصل في الآن الذي هو طرف زمان الحركة القطعيّة ، لأنّه آخر آنات السّكون ؛ وأيضا هو منطبق (٢٧٢ ب) على طرف المسافة الذي هو مبدأها ، فكيف يصدق أنّ المتحرك بحسب وقوعه فيه متوسّط بين مبدأ المسافة ومنتهاها. وبعد ذلك الآن لا يخلو عنها آن من آنات زمان الحركة ولا جزء من أجزائه ، ولا يمكن أن يتلو ذلك الآن آن آخر ، فيقع بين الآنات متشافعة.

فإذن ، هي موجودة في زمان ما وفي كلّ آن من آناته ، وليس لها آن ابتداء الحصول. وكذلك حال ما لا يتمّ حصوله إلّا بالحركة التّوسّطيّة ، ولا يستدعى قدرا معيّنا من الحركة القطعيّة أصلا ، بل يكفي فيه تحقّق حركة ما على أيّ قدر كان.

٤٨٥

وأيضا ما يختصّ وجوده بآن (٢٧٧ ظ) فقط ، كالأمور الآنيّة الوجود إنّما يعدم في جميع الزّمان الّذي طرفه آن الوجود وفي جميع الآنات بعد ذلك الآن ، ولا يكون هناك آن مبتدأ يختصّ به أوّل وقوع العدم.

تنبيه

أوّل الأقسام ، أعنى الحصول الدّفعيّ ، وهو الحصول دفعة في آن هو طرف للزمان وفصل مشترك بين حاشيتيه لا يقع إلّا في الحوادث الزّمانيّة ، فإنّ القديم الزّمانيّ لا يبتدأ وجوه في آن ، بل إنّما يكون حادثا دهريّا يخرجه مبدعه من العدم الصّرف الواقع في الخارج إلى الوجود من دون أن يتحقّق هناك آن يكون طرفا لزمان ، على ما قد استبان لديك من قبل (٢٧٣ ب).

وأما الأخيران ، أعنى الحصول يسيرا يسيرا في زمان على سبيل الانطباق عليه ، وهو الحصول التدريجيّ ، والحصول في نفس الزّمان لا على التّطابق وهو الحصول الزّمانيّ ؛ فكما يكونان في الحوادث الزّمانيّة ، كالحركات القطعيّة الحادثة زمانا ومقاديرها من الأزمنة والحركات التّوسّطيّة الراسمة لتلك الحركات والآنات السّيالة الرّاسمة لتلك الأزمنة ، فقد يكونان للقديم الزّمانيّ أيضا ، كالحركة القطعيّة للفلك الأقصى والزّمان الّذي هو محلّه والحركة التّوسّطيّة لذلك الفلك والآن السيّال الذي هو منطبق عليها.

توضيح

فإذن ، الحادث (٢٧٤ ظ) الزّمانيّ ليس ما يكون له أوّل آنات الوجود ، بل هو ما يكون زمان وجوده مسبوقا بزمان عدمه أو آن وجوده طرفا لزمان علامه السّابق ، سواء كان طرفا لزمان عدمه اللّاحق أيضا ، فيكون فصلا مشتركا بين زمانيّ عدميه السّابق واللّاحق ، أو كان طرفا لزمان وجوده البقائيّ.

فالحادث الزّمانىّ يكون على ثلاثة أضرب : ضرب منه يوجد عن العلّة دفعة في آن ما من الآنات ويكون وجود هذا الحادث أو أوّل حدوثه لا محالة منطبقا على ذلك الآن. وضرب منه يوجد عن العلّة في مجموع زمان معيّن على نحو الانطباق (٢٧٤ ب) عليه بحيث ينفرض بإزاء كلّ جزء من الزمان جزء في ذلك الحادث ،

٤٨٦

فيكون تحصّل كلّ بعض من ابعاض ذلك الحادث في بعض معيّن من أبعاض ذلك الزمان ؛ وضرب منه يوجد مجموعه في جميع أجزاء زمان ما ، لا على نحو الانطباق عليه ، بل بأن يوجد جميع ذلك الحادث في كلّ جزء فرض من أجزاء ذلك الزّمان.

وأمّا الحادث الدّهرىّ ، فيفيض بتمامه عن العلة مرّة واحدة ، ولكن لا في زمان ولا في آن ما من الآنات ، وهو يشارك الحادث الذاتيّ في ذلك المعنى ويباينه من حيث إنّ وجوده يكون مسبوقا بعدمه في الخارج ، فيحدث بتمامه (٢٧٥ ط) عن العلّة مرّة واحدة ، ويقع في الدّهر الذي ليس فيه امتداد ولا مقابله. والحادث الذّاتيّ لو لم يكن حادثا دهريّا على ما اخترعه المتهوّسون بالقدم لا يكون كذلك. بل يكون موجودا دائما دواما دهريّا. لكن لا دواما ذاتيا ، بل بتأثير العلّة وإفاضة الموجد على الدوام.

استقراء

يندرج في النّوع الأوّل الأمور الآنيّة ، كالوصولات إلى حدود المسافة والوصول إلى ما إليه الحركة والكون والتّربيع والتّماسّ والسّكون وانطباق إحدى الدّائر تين على الأخرى وأحد الخطّين على الآخر وكلّ ما يكون له آن ابتداء الحدوث ثمّ يستمرّ وجوده زمانا.

ويقع في النوع الثاني (٢٧٥ ب) الحركات القطعيّة ومقاديرها المنطبقة هي عليها من الأزمنة الحادث ارتسامها في الاذهان وما يتبع الحركات من الهيئات الغير القارّة ، كالأصوات وأمثالها.

ويدخل في النّوع الثالث الحركات التّوسّطيّة وحدوث الزّاوية بالحركة ، كزاوية المسامتة الحادثة بين خطّين متوازيين يتحرك أحدهما عن المسامتة إلى الموازاة وافتراق أحد الخطّين المنطبق أحدهما على الآخر عنه أو مقاطعهما بالحركة واللّاوصول واللّامماسّة والفساد. وبالجملة ، كلّ ما لا يتمّ إلّا بالحركة ، لا بالانطباق عليها وعدم الأمور الآنيّة الحصول وعدم الآن ، بل الأعدام الطّارية للحوادث مطلقا (٢٧٦ ظ) بعد آخر آنات وجودها ولو استقريت وجدت جزئيّات تكاد لا تنحصر.

فإذن ، قد انكشف لك ما أسلفناه ، من حلّ الشكّ للمتوهّمين في أمر عدم الآن ، وأنّه يلزم أن يكون تدريجيّا أو يستوجب مشافعة بين الآنات.

فكأنّه قد بان أنّ الآن إنّما يعدم في جميع الزمان الذي بعده وفي كلّ جزء وحدّ

٤٨٧

منه ، لا في آن يليه ، فإنّ فناء ليس إلّا بعبور زمان ما غير متعيّن الامتداد واعتبر الحكم من النّقطة ، فما أشبه أمر الآن بأمرها.

كما أنّ النّقطة موجودة طرفا للخطّ وليست موجودة في نفس الخطّ وليس يتلوها نقطة يبتدأ (٢٧٦ ب) منها عدمها ، فالحكم بأنّ النّقطة موجودة هناك صادق على الخطّ وليس بصادق على نفس الخطّ المتصل ، والحكم بأنّها ليست بموجودة هناك صادق على نفس الخطّ ، وليس بصادق على طرفه ، ولا يلزم من ذلك أن يكون للخطّ طرف آخر غير تلك النّقطة يصدق عليه الحكم بأنّها ليست بموجودة هناك ، فكذلك في الآن بالنّسبة الى الزمان.

عقدة وحلول

أسمعت ما يعدّ من عويصات الشكوك ومستصعبات الأوهام : أنّه قد برهن أقليدس الصّورى (٢٧٦ ظ) في خامس عشر المقالة الأولى من «اصول الهندسة» على أنّ الزّاوية الحادثة من الدّائرة والخطّ المماسّ لها حدّ من كلّ زاوية مادّة مستقيمة الخطّين ، فلا محالة تكون الزّاوية الحادثة من منطقة الدائرة ومقعّرها أعظم من جميع الزوايا الحادّة المستقيمة الخطّين ، لما بيّنه اقليدس في ذلك الفصل أيضا ولأنّها تتمّم الزّاوية الأولى من قائمة ، إذ الخطّ الخارج من نقطة التماسّ إلى مركز الدّائرة عمل على الخطّ المماسّ ، كما برهن عليه في تلك المقالة.

ويلزم من ذلك أنّه يشترك القطر من طرف المركز أدنى طرف مع ثبات نقطة التماسّ تصير (٢٧٧ ب) الزاوية الحادثة من القطر والدائرة بعد الحركة أعظم من قائمة من غير أن تصير مثل القائمة ، لأنّ أيّ قدر يتحرّك القطر ينضاف إلى تلك الزّاوية زاوية مستقيمة الخطّين ، وهي أعظم من الزاوية الحاصلة من الدّائرة والخطّ المماسّ التي كانت متمّمة للزاوية الحاصلة من الدّائرة والقطر من قائمة ، فيكون مجموعها أعظم من قائمة ، فيلزم أن يصير المقدار الصغير بالحركة أعظم من المقدار الكبير من غير أن يصير مساويا له. وهذا هو الطفرة.

ويلوح الأمر من النّظر في دائرة ب ج د (٢٧٨ ظ) على قطر د ، والخطّ المماسّ لها أب ه وخطّ ب د منطبقا تارة على قطريه ومفترقا عنه أخرى بالحركة من جانب

٤٨٨

المركز مع ثبات طرفه المنطبق على ب نقطة التماسّ وبقاء قطر ب ح على ما كان.

ثمّ هل أصغيت إلى الّذي يقول (١) ، وهو ممّن قد يستطيل على أهل صقع التحصيل؛ وهذا الإشكال ممّا لم يصل إلينا من أحد من الفضلاء والأذكياء حلّه.

وأقول : قد تحقق عند المحققين : أنّ الزاوية من الكيفيّات المختصّة بالكميّات ، وليس كمّا بالذّات ، بل الكم بالذّات هو السّطح الّذي هو معروض الزّاوية ؛ ولا شك أنّ السّطح (٢٧٨ ب) الصّغير في هذه الصّورة لا يصير أعظم من الكبير إلّا بعد أن يساويه ، وأمّا الزّاوية القائمة فكيفيّة مخصوصة لا توجد في هذه الحركة ، كما أنّه لا توجد الصّفرة في الحركة من الفستقيّة إلى السّواد لا البياض ، وفي الطّعوم لا توجد في الحركة من الحموضة إلى الحلاوة المرارة.

والحاصل : أنّ الطفرة إنّما تلزم لو كان المقدار الأصغر قد زاد على المقدار الأكبر من غير أن يساويه ، والمقدار هو السّطح ، وهو لا يزيد على السّطح الأعظم منه إلّا بعد أن يساويه.

وأمّا الزاوية فليست مقدارا بالذّات ، بل هي من الكيفيّات العارضة للسّطح (٢٧٩ ظ) ، ولا يلزم تحقّق جميع الكيفيّات في جميع الحركات الكيفيّة. ولا يستشعر أنّ الكيفيّات المختصّة بالكميّات تتصف بالمساواة والمفاوتة حسب اتّصاف الكميّات الّتي هي محالّها. نعم لا يكون ذلك لها بالذّات. فاختلافها بالعظم والصّغر أو مساواتها يستلزم اختلاف كميّات هى معروضاتها أو مساواتها ، وبالعكس ، بل هو ذلك بعينه منسوبا إليها بالعرض لعلاقة المقارنة.

فكما أن السّطح الناقص عن آخر لا يزيد عليه بالحركة والتّدريج الّا بعد المساواة ، كما استيقنته ، فكذلك الكيفيّة المختصّة به الموصوفة بالمساواة والمفاوتة (٢٧٩ ظ) بالعرض والتّبعيّة لا تزيد على كيفيّة أخرى ناقصة عنها إلّا بعد البلوغ إلى مساواتها. والكميّة والكيفيّة المتكمّمة بالعرض ، سبيلهما في ذلك واحد.

ثمّ أليس السّطح المتوسّط بين السّطحين المعروضين لهيئتى الحدّة والانفراج هو السّطح المعروض لهيئته القائمة. فإذ يبلغ السّطح الواقع في الدائرة إلى مساواة سطح القائمة ، هل يعرى عن إحاطة الخطّين الغير المفارقين إيّاه ولا يكاد يتوهمّه ذو غريزة

__________________

(١) هو الفاضل المحقق جلال الملّة والدين محمد الدوانى. قال ذلك في رسالة أنموذج العلوم. منه ، رحمه‌الله.

٤٨٩

العقل أصلا أو لم يعر ، فيلزم أن تعرضه الهيئة التي هي القائمة قطعا ، وهو ممتنع هناك. فالذهاب إلى الكيفيّة لا ينجى ، بل لا يجدى أصلا. (٢٨٠ ظ) على أنّ الرّياضيّين يجعلون الزّاوية من مقولة الكم ، والإشكال عليهم والصّفرة غير متوسّطة بين الفستقيّة والسّواد ، ولا واقعة في مسلك الانتقال من البياض إلى السواد من طريق الفستقيّة ، فإنّ لذلك الانتقال مسالك شتّى وفي كلّ متوسّطات وفي السّلوك إنّما يجب البلوغ إلى المتوسّط لا غير ، فلا يقاس عليها حال القائمة المتوسّطة بين الحادّة والمنفرجة.

تنوير وحلّ

أليس من المستبين لديك أنّ الطفرة إنّما هى ترك حدّ من حدود ما فيه الحركة ونيل حدّ آخر منها بالحركة التدريجيّة من دون البلوغ إلى حدّ يتوسّطهما. فاذا انضمّ إلى مقدار ما (٢٨٠ ب) مقدارا انضماما ما تدريجيّا من غير أن ينضمّ إليه أوّلا ما هو أقلّ من ذلك المقدار هناك طفرة. وأمّا إذا فارق الشّيء مقدارا ونال مقدارا آخر عظيما ، لا على سبيل التّدرّج ، فلا يلزمه أن يكون ذلك من بعد البلوغ إلى ما هو أقلّ منه ، فإنّه إنّما يرجع إلى انعدام فرد من المقدار وحدوث فرد آخر عظيم من كتم العدم ابتداء. وهو لا يستوجب أن يكون ذلك مسبوقا بحدوث ما هو أصغر منه.

وأما استبان لك ممّا تأسّس أنّه إذا تحرّك خطّ عن الانطباق على خطّ آخر مع ثبات انطباق أحر طرفيه على أحد طرفي ذلك الآخر يحدث بينهما زاوية لا على التّدرّج (٢٨١ ظ) ، بل حدوثا زمانيّا في نفس مجموع الزّمان الّذي هو بعد آخر آنات الانطباق ولا يكون لها آن أوّل الحدوث.

فإذن قد اكشف عليك أنّ زاوية القطر والمحيط ليست تتعاظم على التّدريج إلى أن تصير منفرجة ، بل تحدث المنفرجة في جميع زمان حركة القطر مرّة واحدة ، لا على أن يختصّ ابتداء حدوثها بآن ، إذ الحادّة المستقيمة الخطّين الحادثة بين القطر المتحرّك والقطر المفروض ثابتا تحدث كذلك وتنضمّ إلى زاوية القطر والمحيط انضماما لا على التّدريج ، بل مرّة واحدة في نفس ذلك الزّمان وكلّ آن مفروض (٢٨١ ب) فيه.

فلا طفرة فى تلك الأعظميّة الحادثة مع الحركة التوسّطيّة للقطر وبسببها ، فإنّها تتوقّف في تحقّقها على تحقّق حركة ما قطعيّة ، لا بأن تنطبق على قدر ما منها أصلا. فإذن قد

٤٩٠

تحقّق الأمر ، سواء كانت الزّاوية من الكميّات أو من الكيفيّات المختصّة بها ، فليحقّق.

تشكيك وتنظيم

ولعلّك تعود فتقول : زاوية أب ح الحاصلة من القطر وب ح ج المقاطع للدائرة أصغر من زاوية القطر والمحيط. لوقوع أحد ضلعيها ، وهو ب ح ج ، بين ضلع ا ب ، المشترك بينهما وبين قوس ب ح الضلع الآخر لزاوية القطر والمحيط.

فإذا فرضنا حركة ب ح ج مع ثبات نقطة ب منه (٢٨٢ ظ) منطبقا على نقطة التّماسّ إلى جهة ح ب إلى أن ينطبق على ب ه الخطّ المماسّ بقرب نقطة ح موضع تقاطع خطّ ب ح ج والدائرة شيئا فشيئا إلى نقطة ب محلّ تماسّ الدائرة وخطّ ه ب إلى أن تتبدّل إلى نقطة التماسّ وتنطبق على ب ، فتعظم زاوية أب ح يسيرا يسيرا إلى أن تصير قائمة من دون البلوغ إلى مساواة زاوية القطر والمحيط (١) ، فإنّ ب ح ج ما دام مقاطعا للدائرة تكون تلك الزّاوية أصغر من هذه. وإذا انتقل من التقاطع إلى التماسّ صارت هى أعظم منها ، فقد صار الأصغر من مقدار أعظم منه بالتّدريج على سبيل الانطباق (٢٨٢ ب) على الحركة القطعيّة من غير أن يساويه.

ثمّ إنّ زاوية ه ب ح زاوية تماسّ خط ه ب ، والدّائرة وإن كانت أحدّ من جميع الزّوايا الحادّة المستقيمة الخطّين ، لكنّها من المقادير القابلة الانقسام إلى غير النّهاية وإن لم يمكن انقسامها بوقوع خطّ مستقيم بين ضلعيها.

وحين انتقال خطّ ب ح ج من مقاطعة الدائرة إلى مماسّتها تنضاف زاوية التّماسّ القابلة للانقسام إلى غير النهاية الى زاوية ا ب ح دفعة واحدة من دون أن تتضاف إليها أوّلا بعض من تلك الزاوية ، مع أنّ ذلك الانضياف واقع على حدّ من حدود الحركة القطعيّة لخط ب ح ج وإنّما نتحصل على التدريج. (٢٨٣ ظ)

__________________

(١) ـ يعنى أن يفرض خطّ ب ح ج متحركا إلى أن ينطبق على خطّ ه ب الماسّ ويفارقه في الجهة الأخرى ، لا أن تنقطع حركته عند الانطباق ، إذ لو انقطعت الحركة هناك كان أعظميّة زاوية أب ح مستقيمة الضلعين من زاوية القطر والمحيط وانضياف زاوية التماسّ من خارج إليها تحصلان دفعة عند انقطاع الحركة ، والطفرة إنّما هى الوصول إلى مقدار في حدّ من حدود الحركة في الوسط من دون الوصول إلى أقلّ منه قبله ، لا الوصول إليه كذلك في طرف الحركة ، إذ يمكن أن يكون حدوث ذلك المقدار موقوفا على انقضاء الحركة ، لا على سبيل الانطباق عليها. فليتأمّل منه ، رحمه‌الله.

٤٩١

فيقال لك : أليس زاوية القطر والمحيط ، لها اعتباران ، اعتبار أنّها سطح واعتبار أنّها أحيطت بمستقيم ومستدير. وهى إنّما تقع في طريق تلك الحركة بالاعتبار الأوّل فقط دون الاعتبار الثاني ، وذلك لأنّ شيئا من الزوايا المستقيمة الخطين لا يمكن أن تساوى زاوية مختلفة الضلعين.

وكذلك العكس ، فإنّه إذا طبق الضلع المستقيم من المستقيمة الضّلعين على المستقيم من مختلفهما ، فإمّا أن يقع المستقيم الآخر بين المختلفين أو خارجا عنهما ، إذ لا يمكن أن ينطبق المستقيم على المستدير ، فلا تنطبق المستقيمة الضّلعين إلى ما هى مختلفتهما. وبالجملة تخلف حقيقة الزّاوية من جهة اختلاف الضّلعين باستقامتهما معا وكون أحدهما مستقيما «٢٨٣ ب) والآخر مستديرا ، لكون المستقيم والمستدير مختلفين بالماهية النوعيّة ، وشيء من أفراد أحد المقدارين المختلفين بالماهيّة لا يقع في طريق الحركة في الآخر.

فالمتزايد بحسب المقدار الخطّي بالحركة مثلا لا يساوي في شيء من المراتب مقدارا ما سطحيّا ولا بالعكس. وكذلك المتزايد في السّطح بالحركة لا يبلغ في شيء من حدود الحركة إلى مساواة جسم ما ولا العكس.

فكلّ فرد من أحد نوعي الزاويتين اذا تحرك ضلعه وصار أكبر إنّما يبلغ بالتّدريج إلى مساواة جميع الأفراد المتوسّطة في القدر بين المبدأ والمنتهى من ذلك النّوع ، وهي الّتي تكون واقعة في مسلك تلك (٢٨٤ ظ) الحركة. ولا يمكن أن يبلغ إلى مساواة شيء من أفراد النّوع الآخر ولا تكون تلك الأفراد واقعة في مسلك تلك الحركة ولا متوسّطة بين المبدأ والمنتهى.

فإذن ، ليس يلزم مساواة الزاوية التي هي مستقيمة ضلعى ا ب ح من حيث إحاطة المستقيمين بها في شيء من مراتب التّدريج لزاوية الفطر والمحيط من حيث احاطة مستقيم ومستدير بها.

يعم يلزم مساواتها لها من حيث كونهما سطحين مع عزل النظر عن ملاحظة الحيثيّة. وكذلك زاوية التّماسّ من خارج الدائرة إنّما تنضاف إلى زاوية ا ب ح المستقيمة الضلعين (٢٨٤ ب) دفعة واحدة من حيث إنّها محاطة بمحيط الدّائرة والمستقيم المماسّ لها. وأمّا سطحها مع قطع النظر عن تلك الحيثيّة فإنّما ينضمّ إلى

٤٩٢

سطح هذه شيئا فشيئا ، إذ كلّما تقرب نقطة التّقاطع إلى نقطة التّماسّ ينضمّ شيء من ذلك السطح إلى هذا السّطح.

وهكذا ، إلى أن ينتفى التقاطع ، فتنضمّ زاوية التّماسّ المحاطة بالمختلفين من تلك الحيثيّة إلى تلك المستقيمة الضّلعين دفعة ، فتصير تلك أعظم من زاوية القطر والمحيط الغير الواقعة من تلك الحيثيّة في مسافة الحركة. ولا حرج في ارتكابه ، فليتدبّر.

تذكار

ومن جملة ما تنحلّ عقدة الإعضال (٢٨٥ ظ) فيه بما تأسّس لديك أمر منطقة البروج باعتبار طلوع نصفها في أفق يساوي عرضه تمام الميل الكلّي ، فإنّ قطب منطقة البروج هناك ينطبق في كلّ دورة من معدّل النّهار على قطب الأفق مرّة واحدة ، فتنطبق أيضا منطقة البروج على الأفق لا محالة.

فإذا افترق قطب منطقة البروج عن قطب الأفق بحركة المعدّل تفترق لا محالة منطقة البروج عن الأفق دفعة وتتقاطعان ، فيطلع نصفها عن الأفق مرّة واحدة ، فتنطبق أيضا منطقة البروج على الأفق لا محالة.

فإذا افترق قطب منطقة البروج عن قطب الأفق بحركة المعدّل تفترق لا محالة منطقة البروج عن الأفق دفعة وتتقاطعان ، فيطلع نصفها عن الأفق دفعة لا في زمان ويغرب نصفها الآخر.

وليس للنّصف الطّالع مطالع من معدّل النّهار ولا للنّصف الغارب مغارب ، بل إنّما يكون طلوع ذلك (٢٨٥ ب) وغروب ذا مع نقطة من المعدّل ؛ ثمّ يطلع النّصف الغارب مع تمام دور معدّل النّهار ويضمحلّ ما يستشكل فيه : بأنّ الطلوع والغروب لا يكون إلّا بالحركة ، وهى لا تكون إلّا في زمان ، فيستدعى طلوع قوس ما من المعدّل هى المطالع وغروب قوس ما هى المغارب.

ولو ارتكب وقيل : إنّ طلوع النّصف أو غروبه على سبيل التّدريج حتى يكون في زمان ، لزم تقاطع العظيمتين ، لا على التّناصف ؛ فما أسهل لك أن تتعرفه من بعد ما تلي عليك ومنها أمر حدوث زاوية المسامتة في برهان المسامتة على تناهى الأبعاد ، وسيتلى عليك إن شاء الله تعالى (٢٨٦ ظ).

تتمّة

وممّا يستتمّ بتأسيس تلك الأصول ما ذكره الشّيخ في طبيعيّات «الشفاء» إبطالا لشبهة الدّحرجة. وتحقيقه : أنّ انطباق المستدير على المستدير كمنطقة للكرة المتدحرجة

٤٩٣

على سطح مستو حتى يعود إلى وضعها على خطّ مستقيم فيه ؛ إنّما يمنع دفعة في آن لا على سبيل التدريج في زمان. وكذلك انطباق النّقطة على الخطّ في الزّمان غير ممتنع. كما إذا كان مخروط ينطبق برأسه على نقطة من طرف سطح ، فأمررته عليه.

فالكرة إنّما تماسّ السّطح المستوي والخطّ بالنقطة لا غير في حال الثبات والسّكون. فاذا تحركت (٢٨٦ ب) ماسّت بالخطّ في زمان الحركة ولم تكن في زمان الحركة مماسّة على النّقطة إلّا في الوهم (١) ، إذ لم يكن البتة وقت بالفعل تماسّ فيه بالنّقطة من دون تعمّل الوهم، لأنّ ذلك لا يتوهّم إلّا مع توهّم الآن ، والآن لا وجود له بالفعل البتة. والمسلّم هو أنّ الكرة لا تلقى السّطح في آن واحد إلّا بنقطة ، وليس يلزم من ذلك أن تنتقل الحركة من نقطة إلى نقطة مجاورة لها ومن آن إلى آن مجاور له.

فالتّشافع بين النّقط وبين الآنات ممتنع ، والملاقاة بالنّقطة تزول في جميع زمان الحركة (٢٨٧ ظ) كذلك أمر المخروط المدود برأسه على خط.

وأمّا ما تشبّث به مثير فتنة التّشكيك في «الملخّص» و «المباحث المشرقيّة» ، من: «أنّه إذا فرضت كرة متلاقية للسطح على نقطة ، ثمّ زالت الملاقاة عن تلك النّقطة فقد حدث أمران ، زوال الملاقاة وحصول اللّاملاقاة. فأمّا زوال الملاقاة فهو حركة ، فلا جرم ليس له بداية يكون هو فيها حاصلا. وأمّا حصول اللّاملاقاة ، فهو من جملة ما يحصل في الآن ، ويستمرّ في جميع الزّمان الذي بعده ، فاللّاملاقاة هى بداية هى حاصلة فيها.»

«فالآن الّذي (٢٨٧ ب) حصلت فيه اللّاملاقاة : إمّا أن يكون هو الآن الّذي كانت فيه الملاقاة أو غيره. والأوّل باطل وإلّا اجتمعت الملاقاة واللّاملاقاة بالنّقطة الواحدة في الآن الواحد. وعلى الثّاني ، فإمّا أن يكون بين آن الملاقاة وآن اللّاملاقاة زمان أو لا

__________________

(١) ـ وأمّا ما ذكره بعض المشهورين بالتحقيق في «شرح المواقف» لدفع الشّكيك ، حيث قال : «المماسّة على النقطة الأولى وإن كانت حاصلة في آن ، لكنّها باقية في زمان حركة الدحرجة المؤدّية إلى المماسّة على النقطة الأخرى ، ففى آن حصول هذه المماسة الثانية تزول المماسّة الأولى وهكذا مماسّة على نقطة تحصل في آن وتبقى زمانا. ولا ينافي ذلك استمرار حركة الكرة ، كما يظهر ذلك بالتخيّل الصادق لحركة الدحرجة ، فلا يلزم تتالى النقطة والآنات ، فلا يكاد يتكلّفه من له قوّة النظر التامّ وبضاعة التحصيل البالغ ، كما يظهر ممّا حصّلناه في أصل الكتاب مفصّلا ، بل الحقّ على خلاف ما ارتكبه ، فإنّ كلّ مماسّة على نقطة إنّما تحصل في آن وتزول في زمان هو بعد ذلك الآن ولا يلزم تتالى النقط والآنات. منه ، رحمه‌الله.

٤٩٤

يكون. فإن كان كانت الكرة فيه ملاقية للنقطة الأولى ، فتكون ساكنة إن لم يتوسّطهما زمان ، فقد تتالى آنان.»

«وأيضا ، الآن الذي هو أوّل زمان اللّاملاقاة بتلك النّقطة إمّا أن تكون الكرة فيه ملاقية بنقطة أخرى أو لا تكون. فإن لم تكن ملاقية بنقطة أخرى لم تكن الكرة ملاقية للسطح ، هذا خلف ، وإن كانت (٢٨٩ ظ) ملاقية له ، فإمّا أن تكون ملاقية بالنّقطة الأولى أو بنقطة أخرى. والأوّل يستلزم كون الملاقاة بالنقطة الأولى غير زائلة ، وعلى الثاني ، فإمّا أن تكون بين تلك النّقطة وبين النقطة الأولى واسطة أو لا تكون. فإن كانت ، فتكون ملاقاة الكرة للسطح بذلك المتوسّط قبل الملاقاة بالنّقطة الثانية ، فلا تكون الملاقاة بالنقطة الثانية في أوّل زمان اللّاملاقاة بالنقطة الأولى ، وذلك خلف ، فإذن ليس بين النقطتين واسطة ، فيلزم تتالى النّقط (١)» ؛

فمستبين الوهم ممّا ظهر عليك.

فعلى ما تعرّفت ، حصول اللّاملاقاة بالنّقطة إنّما هو (٢٨٩ ب) على النّحو الثالث من أنحاء الحدوث ، وليس يلزم أن يكون اللّاملاقاة لها آن أوّل الحصول ، بل هى حاصلة في جميع الزّمان الّذي هو بعد آخر آنات الملاقاة بتلك النّقطة وفي أيّ آن فرض فيه ، وليس لها بداية آنيّة ؛ بل كلّ آن فرض في ذلك الزّمان يكون بينه وبين آخر آنات الملاقاة بالنّقطة لا محالة زمانا ، ويكون الكرة فيه ملاقية للسطح لا بالنّقطة ، بل بالخطّ الذي بإزاء ذلك الزمان ينفرز بحسب الوهم عن الخطّ الذي عليه تكون ملاقاتها له في مجموع زمان الحركة ، وهكذا إلى حيث يذهب الوهم.

وليس يمكنه لا محالة (٢٩٠ ظ) أن يبلغ إلى آن يصحّ أنّ فيه ابتداء اللّاملاقاة بالنّقطة واللّاملاقاة بالنّقطة مع تحقّق الملاقاة أعمّ من أن يكون هناك ملاقاة بالخطّ أو بنقطة أخرى. وعلى ذلك يقاس أمر رأس المخروط مع الخطّ.

فإذن ، قد صحّ ما أورده الشّيخ : «إنّه إذا كان المسلّم هو أنّ الكرة تلاقى السّطح بالنّقطة في آن وكان الخلاف في أنّ الحركات والازمنة غير مركّبة من أمور غير متجزية ومن آنات ، كالخلاف في المسافة ، وكان إنّما يلزم تجاور النّقط لو صحّ تجاور

__________________

(١) الرازى ، المباحث المشرقية ، ج ١ ، ص ٤٢٧.

٤٩٥

الآنات ؛ كان استعمال ذلك في إثبات تتالى النّقط كالمصادرة على المطلوب الأوّل وسقط التشكيك (٢٩٠ ب). (١)

وما أورده الشّيخ أوّلا ، من منع إمكان تدحرج الكرة على السّطح المستوى ؛ فمعناه: لعلّ ضرورة امتناع التتالى تحيل ذلك ، كما أنّ ضرورة الخلأ ربما تفسّر الطّبائع وتصدّها عن بعض مقتضياتها ، وتمسك الأجسام في غير أحيازها. وبذلك ينحسم تشبّث مثير فتنة التشكيك بحديث الانزلاق.

وأمّا الذي اعتمد هو فيه عليه في حسم الشّبهة ، من «أنّ القول بالجزء الذي لا يتجزّى يمنع من امكان وجود الكرة والدّائرة ؛ فكيف يستدلّ بوجود الكرة وحركتها على وجود الجزء ، وأيضا ، الحركة لا يعقل وجودها مع القول بالجزء الّذي لا يتجزّى ، فلا يمكن أن يستدلّ بها عليه» ، (٢٩١ ظ).

فلا ثقة به ، إذ ذلك الاستدلال عند أصحابه إنّما هو على قانون الجدل ، بناء على مسلّمات الحكماء ، من وجود الكرة وحركتها لا على سبيل البرهان. ثمّ بما تأسّس من الأصول ، ينقض جدار الوهم في شكوك شتّى ، إن استقريناها كان يفضى بنا إلى سلوك سبيل التّطويل.

فصل (٢)

في كيفيّة تلبّس المتحرّك في زمان الحركة بالمقولة الّتي فيها الحركة. والنظر في ما

يظنّ أنّه ليس للمتحرّك شيء من أفراد المقولة ما دامت الحركة ، وتحقيق

المعنى المحصّل من ذلك ، وتعيين ما له منها ما دامت هى

مدخل

بلغ مقابلة بحسب الجهد والطاقة من نسخة بخطّه.

__________________

(١) وبيان الشيء بما هو مجهول أيضا ، فإنّه لا يتمّ هذا البيان إلّا بأن يقال : إنّ الكرة تلاقى السّطح في الآن الأوّل بنقطة أخرى وهكذا ، والآنات متجاورة ، فالنقط متجاورة. منه ، رحمه‌الله.

٤٩٦

مصنّفات ميرداماد

(٧)

المختصرات

(١) قوس النّهار

بسم الله الرّحمن الرّحيم

يا خالق الأرض والسّماء ، أنّى لخديج العقل أن يدرك طور مجدك بفطانته البتراء ، أو يبصر نور عزّك ببصيرته العمشاء ، صلّ وسلّم على قوس نهار الشّرف في أفق فضل الأنبياء ، وعلى آله مطالع طوالع العلم والحكمة ، في خطّ استواء الشّريعة الغرّاء على المحجّة البيضاء.

وبعد ، فيقول أحوج الخلق إلى الرّبّ الغنىّ محمّد بن محمّد ، المدعوّ بباقر الدّاماد الحسينىّ ، ختم الله له بالحسنى : هذه مقالة فيها نياط قلب الفحص ومناط حقّ البحث عن مباحث معضلة مهيّمة للآراء ، ومع ذلك ، فإنّها إنّما تجبّ عرق شبهة عوصاء بيد جذّاء. وعسى أن نأتى من فضل الله العظيم برحيق محض الحقّ على رقيق صرف التّحقيق في كأس رسالة أخرى مبسوطة ، فيها أمد النّظر من الجليل والدّقيق إن شاء الله تعالى.

فالآن نقول ، وبالله الاعتصام : مقالتنا هذه يتضمّن مقاصدها فصول.

٤٩٧

(١ ـ قوس النهار المشهورية والحقيقيّة)

قوس النّهار المشهوريّة هي مجموع نصف الدّور وضعف تعديل النّهار إن كانت الشّمس من المعدّل في جهة القطب الظّاهر أو فضل نصف الدّور على ضعف تعديل النّهار إن كانت هي منه في القطب الخفىّ إذا كان هناك تعديل نهار ؛ وأمّا إذا لم يكن ، كما في خطّ الاستواء دائما وفي الآفاق المائلة لما يكون الشّمس في أحد الاعتدالين ، فقوس النّهار نصف الدّور بلا زيارة ونقصان. وذلك لما بيّن في مظانّه : أنّ الأفق ينتصف المدارات في خطّ الاستواء ومعدّل النّهار في الآفاق المائلة ، وأنّ المدار المتقسم بالأفق المائل إن كان في جهة القطب الظّاهر كان قسمه الظّاهر أعظم من نصف الدّور بضعف تعديل النّهار ، وإن كان في جهة القطب الخفىّ كان أصغر بذلك بضعف تعديل النّهار أيضا

ولا يخفى أنّ الحقيقة تقتضى خلاف هذا ، لأنّ النّقطة الّتي مع الشّمس من المعدّل لا تغرب معها بسبب حركة الشّمس الخاصّة إلى التّوالى على خلاف جهة حركة المعدّل.

فقوس النّهار الحقيقيّة هي ما يدور من معدّل النّهار من وقت طلوع مركز الشّمس من الأفق الشّرقىّ إلى وقت غروب مركزها في الأفق الغربىّ ، وهو أزيد من الأوّل بقدر مغارب ما تسيره الشّمس بسيرها المقوّم في ذلك النّهار لتلك البقعة ، لأنّ الجزء الّذي كانت الشّمس فيه في أوّل النّهار إذا صار من المشرق إلى المغرب بالحركة اليوميّة ، فقد تحرّك المعدّل قوسا في هذا الزّمان ، وهي قوس النّهار المشهوريّة. والشّمس قد تحرّكت بحركتها الخاصّة إلى خلاف تلك الجهة على توالى البروج في ذلك الزّمان قوسا صغيرة. فما لم يغرب هذا القوس لم تغرب الشّمس قطعا. وإذا غربت هذه القوس من البروج غربت بإزائها قوس من معدّل النّهار هي مغارب للقوس الأولى.

فهذه المغارب إذا زيدت على قوس النّهار وإن وقع في عبارة أعاظمهم ، كإمام المحققين الحكيم الطّوسىّ ، روّح رمسه ، والعلّامة قطب المحققين ، والفاضل العلّامة نظام الدّين النّيشابورىّ ، فإنّه ليس بسديد. اللهمّ إلّا أن يقال : قد يطلق المطالع ويراد المغارب ، بناء على أنّ مغارب القوس في أفق هي بعينها مطالعها في نظير ذلك الأفق.

وربّما يقال : إنّ مقدار اليوم بليلته إذا أخذ المبدأ من الطّلوع دورة من معدّل النّهار

٤٩٨

مع قوس المطالع البلديّة لقوس من البروج تسيرها الشّمس في ذلك الزّمان ، وقوس اللّيل الحقيقيّة أزيد من قوس اللّيل المشهوريّة بمطالع ما تسيره الشّمس في ذلك اللّيل.

فإذا نقصنا قوس الليل الحقيقيّة من مقدار اليوم بليلته يبقى قوس النّهار الحقيقيّة أزيد من قوس النّهار المشهوريّة بمطالع ما تسيره الشّمس في ذلك الوقت ، ضرورة أنّ مجموع قوس النّهار وقوس اللّيل بعينه مقدار اليوم بليلته ، فيصحّ ما ذكروه من غير تعسّف.

(٢ ـ شبهة)

وأقول : إنّ هذا الكلام ، ربما يصعب على بعض المدارك حلّها ويلزم منها أن تكون مغارب كلّ قوس كمطالعها مع امتناع ذلك في الآفاق المائلة ، على ما برهن عليه في مقامه ؛ فإنّا قد بيّنا أنّ فضل قوس النّهار الحقيقيّة على المشهوريّة بقدر مغارب ما تسيره الشّمس في ذلك النّهار. فإذا كان ذلك الفضل بقدر مطالع ما تسيره الشّمس فيه كان المغارب في أفق مائل كالمطالع في ذلك الأفق بعينه ، هذا خلف.

ومن العجب أنّ الفاضل النّيشابورىّ تمسّك بذلك في تصحيح المرام ، حيث قال في «شرح التذكرة» : «وكيف لا ، واليوم بليلته ، كما عرفت ، دورة من معدّل النّهار مع زيادة مطالع مقوّم الشّمس في المدّة ، والمجموع ينقسم إلى نهار وليل. فالزّيادة أيضا يتوزّع عليها». وتبعه الشّريف المحقق على ذلك في شرحه للتذكرة. وكان مرادنا بيان لزوم انضياف الزّيادة إلى المشهوريّة ، لتحصيل الحقيقيّة ، لا أنّ تلك الزّيادة بقدر المطالع. وفيه تأمّل.

(٣ ـ حلّ الشبهة)

وأمّا حلّ الشّبهة ، فربما يقال : وجهه أن يلتزم أنّ مقدار اليوم بليلته إذا أخذ المبدأ من الطلوع يخالف اليوم بليلته إذا أخذ المبدأ من الغروب.

ولا يخفى ما فيه من فقد الجدوى ، فإنّ كلّا من مقدارى اليوم بليلته إذا أخذ المبدأ من الطّلوع واليوم بليلته إن أخذ المبدأ من الغروب وإن خالف صاحبه ، ضرورة أنّ الأوّل دورة من المعدّل مع مطالع قوس ما سارتها الشّمس في تلك المدّة ، والثّاني هي مع مغارب تلك القوس ، لكنّه بعينه مجموع مقدارى جزأيه ، أعنى زمانى النّهار ،

٤٩٩

فيكون مقدار دورة المعدّل مع مطالع ما سارته الشّمس في مدّتها ، سار بالمجموع مقدارى قسميه من قوس النّهار واللّيل ، وقوس اللّيل هي ما دار من المعدّل من الغروب إلى الطّلوع مع مطالع ما تسيره الشّمس في ذلك الزّمان ، فيبقى قوس النّهار ما دار من المعدّل من الطلوع إلى الغروب مع مطالع ما سارته الشّمس في ذلك الزّمان.

فالوجه أن يقال : إنّ مجموع قوس النّهار المأخوذ مبدءا من الطّلوع أو من الغروب ، فإنّ فضل ذلك المجموع على دورة المعدّل يكون بقدر مجموع مغارب ما تسيره الشّمس في ذلك النّهار ومطالع ما تسيره في ذلك الليل ، وفضل مقدار اليوم بليلته على الدّورة بقدر مطالع ما تسيره الشّمس في اليوم بليلته إن أخذ المبدأ من الغروب.

والمطالع لطوالع مدّة اليوم بليلته على الأوّل لا تساوى مجموع مغارب الغوارب النّهاريّة ومطالع الطوالع الليليّة ، وإن كان ذلك النّهار مساويا لذلك الليل ، بناء على اختلاف مطالع كلّ قوس ومغاربها فى الآفاق المائلة. وكذلك مغارب غوارب مدّة اليوم بليلته على الثّاني لا تساوى مجموع تلك المغارب النّهاريّة والمطالع الليليّة ، وإن تساوى اللّيل والنّهار ، بناء على ما ذكر بعينه من عدم مساواة مطالع شيء من القسىّ لمغارب تلك القوس بعينها في الآفاق المائلة. وذلك لأنّ مطالع كلّ قوس في الأفق المائل تكون مخالفة لمطالع نظيرها هناك ، ومطالع نظيرها مساوية لمغارب تلك القوس هناك ، تكون مغارب كلّ قوس في كلّ أفق ، استوائيّا كان أو مائلا ، كمطالع نظيرها فيه ، ضرورة أنّ تقاطع الأفق مع كلّ من المعدّل ومنطقة البروج على التّناصف.

فبمقدار ما يطلع من كلّ منها من الأفق الشّرقىّ يغرب بذلك المقدار منها كلّ مساويا لنظيره في الأفق الغربىّ ، فيكون مطالع كلّ قوس مخالفا لمغاربها في ذلك الأفق ويكون مطالع كلّ قوس فى الأفق الشّمالىّ لمغاربها فى الأفق الجنوبىّ ، وبالعكس إذا تساوى عرضها الأفقين.

وهذا القول وإن قرع باب التّحقيق ، لكنّه بعد لم يأمن قارعة الإشكال ، فإنّه يستلزم عدم مساواة زمان الطّلوع إلى الطّلوع لمجموع زمانى ما بين الطّلوع والغروب ، وما بين الغروب والطّلوع ، مع أنّ تساوى مقدار بعينه ومجموع مقدارى قسميه ممّا لا يخفى على كلّ ذى فطرة إنسانيّة.

٥٠٠