مصنّفات ميرداماد - ج ١

مير محمّد باقر بن محمّد حسين الاسترابادي [ ميرداماد ]

مصنّفات ميرداماد - ج ١

المؤلف:

مير محمّد باقر بن محمّد حسين الاسترابادي [ ميرداماد ]


المحقق: عبدالله نوراني
الموضوع : الفلسفة والمنطق
الناشر: منشورات مطبعة وزارة الإرشاد الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-7874-07-3
الصفحات: ٦٣٨
الجزء ١ الجزء ٢

لوصف الحضور ، فيلزم أن يكون موجودا في آن. فما لا يكون موجودا في آن ، لا يكون موجودا في الماضى. وعليه يقاس مقارنة الوجود للاستقبال.

وبعبارة اخرى ، الشيء إذا استلزم أحد الوصفين [٩١ ب] ولم يجامع شيئا منهما ، فإنّه لا يوجد أصلا. والحركة تستلزم أحد الأمرين من المضىّ والاستقبال ، إذا لا يتصف بالحضور أصلا ، ولا يجامع وجودها شيئا منهما ، لأنّ وجودها إمّا ماض الآن وليس بوجود الآن ، أو مستقبل الآن وليس بموجود الآن ، فهى لا توجد في الخارج قطعا.

فهلّا قلت له : أما تفكّرت أنّ الانقضاء إنّما هو بالقياس إلى الآن ، لا في نفس المتصل ولا بحسب الأعيان مطلقا ، فإنّما يصحّ سلب الوجود العينىّ المقيّد ذلك الوجود بالوقوع في الآن ، فهو نقيضه ، فلا يرتفعان عن شيء ، لا سلب مطلق الوجود في الأعيان [٩٢ ظ] المقيّد ذلك السلب بكونه في الآن. فهذا لا يناقض الوجود العينىّ في الآن ، بل ربما يكذبان معا. فإذن وجود الماضى إنّما يقارن وصف المضىّ بالقياس إلى الآن ، لا بحسب الأعيان مطلقا ، فلا يصدق الآن الحكم بعدمه في الأعيان مطلقا ، بل بعدم وجوده في الآن فقط ، فلا يلزم من عدم وجود الماضى في الآن عدم وجوده مطلقا. وكذا القول في الاستقبال. فانظر كيف تخبّط فتورّط. ولو شاء الله لجمعهم على الهدى ، فلا تكوننّ من الجاهلين.

[١٣] دفاع وهم

لعلّك تجد عبارة الشيخ الرئيس [٩٢ ب] في طبيعيات («الشفاء» ، ص ٨٣) :

«إنّ الحركة اسم لمعنيين ، أحدهما لا يجوز أن يحصل بالفعل قائما في الأعيان ، والآخر يجوز أن يحصل في الأعيان ، فإنّ الحركة إن عنى بها الأمر المتصل المعقول للمتحرّك بين المبدأ والمنتهى. فذلك لا يحصل البتة للمتحرّك ، وهو بلين المبدأ والمنتهى ، بل إنّما يظنّ أنّه قد حصل نحوا من الحصول إذا كان المتحرّك عند المنتهى. وهناك يكون هذا المتصل المعقول قد بطل من حيث الوجود ، فكيف يكون له حصول حقيقىّ في الوجود ، بل وهذا الأمر بالحقيقة ممّا لا ذات له قائمة في الأعيان. وإنّما يرتسم لأنّ [٩٣ ظ] صورته قائمة في الذّهن بسبب نسبة المتحرّك إلى مكانين : مكان تركه ومكان أدركه ، أو يرتسم في الخيال ، لأنّ صورة المتحرّك وله حصول في

٣٨١

مكان وقرب وبعد من الأجسام تكون قد انطبعت فيه ، ثمّ تلحقها من جهة الحسّ صورة أخرى بحصول له آخر في مكان آخر وقرب وبعد آخرين ، فيشعر بالصّورتين معا على أنّهما صورة واحدة متحركة ، ولا يكون لها في الوجود حصول قائم كما في الذهن ، إذ الطّرفان لا يحصل فيهما المتحرّك في الوجود معا ، ولا الحالة التي بينهما لها وجود قائم. وأمّا المعنى [٩٣ ب] الموجود بالفعل الذي بالحريّ أن يكون الاسم واقعا عليه ، وأن تكون الحركة التي توجد في المتحرّك ، فهى حالته المتوسّطة حين يكون ليس في الطرف الأوّل من المسافة ولم يحصل عند الغاية ، بل هو في حدّ متوسّط» ، إلى آخر ما ذكر هناك ، بظاهرها. ناصّة على عدم وجود الممتدّ من الحركة في الأعيان بوجه أصلا.

فتظنّ و ـ أنت غير محصّل لمذهب الشيخ ، من مقامات اخر ـ أنّ ذلك هو ما عناه بها ، فاعلم أنّ ما رامه إنّما هو نفى وجود الحركة الممتدّة على أن تكون تارة تجتمع أجزاؤها في الوجود في الآن ، فإنّ ذلك لا يصحّ بحسب الأعيان بوجه أصلا ، بل إنّما يكون بحسب الارتسام [٩٤ ظ] في الخيال من حيث البقاء دون الحدوث ، على ما سلف ، لا نفى وجودها العينىّ مطلقا.

ويرشدك إلى ذلك قوله : «لا يجوز أن يحصل بالفعل قائما» حيث قيد الحصول بالقيام ، أعنى قرار الذّات ، وقوله : «ولا يكون لها في الوجود حصول قائم ، كما في الذهن ، إذ الطرفان» ، إلى آخره ، حيث نصّ على نفى الوجود من حيث يجتمع الطّرفان ، فكيف لا ، وقد قال ، بعد هذا القول بيسير (ص ٨٤) : «إنّ الّذي يقال ، من أنّ كلّ حركة ففى زمان ، فإمّا أن يعنى بالحركة الحالة التي للشيء بين مبدأ ومنتهى وصل إليه ، فتقف عنده أو لا تقف. فتلك [٩٤ ب] الحالة الممتدّة هي في زمان ، وهذه الحالة فوجودها على سبيل وجود الامور في الماضى وتباينها بوجه آخر ، لأنّ الأمور الموجودة في الماضى قد كان لها وجود في آن من الماضى كان حاضرا ، ولا كذلك هذا ، فيكون هذه الحركة يعنى بها القطع ؛ وإمّا أن يعنى بالحركة الكمال الأوّل. الذي ذكرناه ، فيكون كونه في زمان ، لا على أنّه يلزمه مطابقة الزمان ، بل على أنّه لا يخلو من حصول قطع ذلك القطع مطابق للزمان فلا يخلو من حدوث زمان ، لا أنّه كان ثابتا في كلّ آن من ذلك الزّمان مستمرّا فيه» ، انتهى قوله. [٩٥ ظ].

٣٨٢

فهل تظنّ بمثله أن يناقض نفسه في عدّة أسطر. ومن توهّم التوفيق بأنّ المراد بهذا الأخير أنّ وجودها في الخيال على نحو وجود الأشياء في الماضى. ألم تتفطّن أنّ عدم قرار الذّات إنّما يتمّ إذا لم تجتمع الأجزاء في الوجود والبقاء معا.

ثمّ إنّ الشيخ سيعلن بتحقيق وجود الزمان الممتدّ ولا يتصوّر إلّا بوجود الحركة الممتدّة ، إذ هو مقدارها ، فتبصّر وتصرّف من ذلك معنى قول بهمنيار أيضا في («التحصيل» ، ص ...) : «أنّ الوهم يقيس الحركات المنقضية بأناس ، يجتاز واحد منهم أثر الواحد ، فيجتمعون في مكان [٩٥ ب] واحد ، وليس الحال في الحركات كذلك ، فقد أعلن بأنّ المنفىّ هو الاجتماع في الوجود والبقاء ، فاستقم كما امرت».

[١٤] استصباح

العادّ الحقيقىّ هو أوّل معط للشيء معنى الوحدة ، ومعط له الكثرة بالتكرير ، والآن الذي وصفناه يعدّ الزّمان بما يحدث إذا أخذنا آنا من الآنات التي هي حدود ، لأنّه حينئذ يجعله ذا عدد بما يفيده من التّقدّم والتأخّر. فإنّا إذا أخذنا آنات إزاء لحدود المسافة حدثت في الزّمان تقدّمات وتأخّرات معدودة ، كالنقط بعد الخطّ ، بأن يكون كلّ نقطة مشتركة بين خطّين بإضافتين ، [٩٦ ظ] وما لم يكن آن لم يتعدّد الزمان ولم يكن متقدّم ولا متأخّر ، والمقدّمات والمتأخّرات تعدّ الزمان على أنّها أجزاؤه ؛ وكلّ جزء من أجزائه ، فإنّ من شأنه الانقسام ، كأجزاء الخطّ فإذن أولى يوصف بأن نسبته إلى الزمان تشبه نسبة الوحدة إلى العدد إنّما هو الآن [أعنى السيّال ، منه رحمه‌الله] ، وأجزاء الزمان متشابهة بالحقيقة مختلفة بالقبليّة والبعديّة بالنسبة إلى الآن المحفوف بجزءين من تلك الأجزاء أو إلى الزمان الذي حواليه. فالأقرب من أجزاء الماضى إليه بعد ، والأبعد قبل ، وفي المستقبل بالعكس. ولو لا الحركة بما تفعل [٩٦ ب] في المسافة من حدود التقدّم والتأخّر للزمان ، لما وجد للزمان عدد ، على ما تكرّر ذكره سابقا.

ثمّ إنّ الزمان يقدّر الحركة ، والحركة أيضا تقدّر الزّمان. لكن هو يقدّرها على وجهين ، بأن يجعلها ذات قدر ، وبأن يدلّ على كميّة قدرها ، وهي تقدّره على وجه واحد فقط ، بأن تدلّ على قدره بما توجد فيه من المتقدم والمتأخّر ، فإنّ الدلالة على القدرة ، تارة تكون كما يدلّ المكيال على المكيل ، وكذلك تارة تدلّ المسافة على

٣٨٣

قدر الحركة ، فيقال : مسير [٩٧ ظ] فرسخين ، وتارة الحركة على در المسافة ، فيقال : مسافة رمية ، إلّا أنّ الذي يعطى المقدار للآخر هو أحدهما بعينه ، وهو الذي بذاته مقدار. والزمان ـ لأنّه متصل في جوهره ـ صحّ أن يقال : إنّه طويل وقصير ، ولأنّه عدد بما يلحقه من الانقسام إلى متقدم ومتأخّر ـ صلح أن يقال : إنّه كثير وقليل. وكذلك الحركة يعرض لها اتصال وانفصال ، فيقال : عليها خواصّ المتصل وخواصّ المنفصل. لكن جميع ذلك إنّما بعرض لها من غيرها على الوجه السّالف تقريره.

[١٥] ذيل

الماء كما يطلق على ما سلف ، يطلق أيضا على الزّمان القليل الذي [٩٧ ب] على جنبتيه. قال الشيخ في رسالة («الحدود» ، ص ٣٠) «الآن هو طرف موهوم يشترك فيه الماضى والمستقبل من الزمان». يقال : آن لزمان صغير المقدار عند الوهم متصل بالآن الحقيقىّ من جنبتيه وقد. وهذا كما يقال : يكتب الآن ، فيمتنع أن يقع الكتابة في الدفعىّ دون الزمان الذي حواليه. وفي («شرح الإشراق» ، ص ٣٩١) : «إنّه مشترك بين الماضى والمستقبل» وهو تخمين قياسا على الآن ، ليس بتحقيق.

وفي («طبيعيّات الشفاء» ، ص ١٧٢) : «إنّ تحقيق سبب هذا القول ـ أعنى أن يقال : الآن ، ويعنى : الزّمان القصير ـ هو أنّ كلّ زمان يحدث عنه ، فله حدّان [٩٨ ظ] لا محالة هما آنان يفترضان في الذهن له وإن لم يشعر به وهذان الآنان يكونان في الذهن حاضرين معا لا محالة ، لكنّه قد يشعر الذهن في بعض الأوقات بتقدّم آن في الوجود وتأخّر آن. وذلك لبعد المسافة بينهما ، كما يشعر بالآن المتقدّم من آنى السّاعة واليوم ، وفي بعضها يكون الآنان من القرب بحيث لا يشعر الذهن بما بينهما في أوّل وهلة ، ما لم يستند إلى استبصار ، فيكون الذّهن يشعر بهما كأنّهما وقعا معا ، وكأنّهما آن واحد».

[١٦] شكوك وأوهام

من نفى وجود الزّمان تعلّق بأنّ الزمان [٩٨ ب] إن كان موجودا ، فإمّا أن يكون شيئا غير منقسم ، فلا يكون منه ساعات وسنون وشهور وماض ومستقبل ؛ أو منقسما ، فإمّا أن يوجد بجميع أقسامه ، فيتحقق الماضى والمستقبل واليوم وزمان الطوفان

٣٨٤

مثلا معا أو ببعضها ، ولا يكون ذلك البعض الماضى أو المستقبل ، لكونهما معدومين ، فتعيّن أن يكون هو الحاضر. فإن كان منقسما عاد الفساد بعينه وإن لم ينقسم كان هو المسمّى بالآن ، وليس بزمان ، ومع ذلك فإنّه لو وجد فإمّا أن يبقى ، فيكون منه شيء متقدم وشيء متأخر ولم يكن كلّه آنا ، او يعدم ويكون ذلك لا محالة دفعه ، لئلّا يعود الانقسام [٩٩ ظ] فعند فنائه يحدث آن آخر دفعة ، ولا يتخلّل بينهما زمان ، لفرض عدم البقاء ، فتتشافع الآنات ، وهو محال.

وبأنّ كلّ زمان يفرض فقد يتحدّد عند فارضه بآنين ، آن ماض وآن هو بالقياس إلى الماضى مستقبل ، ولا يوجدان معا. وبالجملة كيف يكون شيء واصلا من موجود ومعدوم.

وبأنّ المعيّة التي بالزمان هي أن يكون عدّة أشياء في زمان واحد او في آن واحد ، وكلّ حركة تستتبع زمانا. فإذا كانت عدّة حركات موجودة معا كانت أزمنتها لا محالة معا ، فيكون لتلك الأزمنة زمان واحد.

ثمّ الكلام في ذلك الزمان مع تلك [٩٩ ب] الأزمنة كالعدم فيها ، بعضها مع بعض ، إلى أنّ يلزم أزمنة بلا نهاية معا. والأزمنة تتبع الحركات ، فتكون هناك حركات لا نهاية لها معا ، فيلزم وجود حركات لا نهاية لها معا. هذا خلف. وقد سبق ما يزال به الأخير، إلّا أنّ له دفعا من وجه آخر أيضا.

قال الشيخ في طبيعىّ («الشفاء» ، ص ١٥٠) : «فمن جهة هذه الشكوك ووجوب أنّ يكون للزمان وجود ، اضطرّ كثير من الناس إلى أن جعل للزمان نحوا من الوجود آخر ، وهو الذي يكون في التوهّم ، والامور التي من شأنها أن توجد في التوهّم ، هي الأمور التي تلحق المعانى إذا عقلت ونوسب بينهما ، فتحدث (١٠٠ ظ) هناك صور نسب ، إنّما وجودها في الوهم فقط ، فجعلوا الزمان شيئا ينطبع في الذّهن من نسبة المتحرّك إلى طرفي مسافته اللّذين هو بقرب أحدهما بالفعل وليس بقرب الآخر بالفعل ، إذ حصوله هناك لا يصحّ مع حصوله هاهنا في الأعيان. ولكن يصحّ في النّفس ، فإنّه يوجد في النفس تصوّرهما وتصوّر الواسطة بينهما معا ، ولا يكون في الأعيان أمر موجود يصل بينهما ، ويكون في التوهّم أمر ينطبع في الذهن أنّ بين وجوده

٣٨٥

هاهنا وبين وجوده هناك شيئا في مثله تقطع هذه المسافة بهذه السّرعة أو البطء ، فيكون التي لهذه الحركات أو لهذا العدد من الحركات والسكونات المركبة هذا تقديرا [١٠٠ ب] للحركة لا وجود له. لكنّ الذهن يوقعه في نفسه ليصول أطراف الحركة فيه بالفعل معا ، مثل ما أنّ الحمل والوضع والمقدّمة وما يجري هذا المجرى أشياء يقضى بها الذّهن على الأمور المعقولة ، ومناسبات بينها ، ولا يكون في الأمور الموجودة شيء منها».

ثمّ قال : (ص ١٥٢) «والأولى بنا أن ندلّ أوّلا على نحو وجود الزمان وعلى ماهيّته ، بأن نجعل الطريق إلى وجوده من ماهيّته ، ثمّ نكر على هذه الشّبه فنحلّها».

ثمّ قال في آخر الفصل (ص ١٥٤) : «وإذ قد أشرنا إلى المذاهب الباطلة في ماهيّة الزمان ، فيتّضح من هناك وجوده ، ويتّضح حلّ الشبه المذكورة [١٠١ ظ] في وجوده».

[١٧] ذكر فيه إشارات

كأنّه حقيق بنا أنّ نورد لإزاحة هذه الأوهام قول الشيخ في «الشفاء» بألفاظه ، ليكون شاهدا لنا في تثبيت ما حقّقناه ، ومشيّدا لأركان الحقّ في تقويم ما مهّدناه.

قال في فصل حلّ الشكوك المقولة في الزمان بهذه العبارة (ص ١٦٦) : «وأمّا الزّمان ، فإنّ جميع ما قيل في أمر إعدامه وأنّه لا وجود له ، فهو مبنىّ على أن لا وجود له في الآن. وفرق بين أن يقال : لا وجود له مطلقا ، وبين أن لا وجود له في آن حاصلا ، ونحن نسلّم ونصحّح أنّ الوجود المحصّل على هذا النّحو لا يكون للزمان إلّا في النفس والتوهّم ، وأمّا الوجود المطلق المقابل للعدم [١٠١ ب] المطلق ، فذلك صحيح له ، فإنّه إن لم يكن ذلك صحيحا له ، صدق سلبه.

فصدق أن نقول : إنّه ليس بين طرفي المسافة مقدار إمكان لحركة على حدّ من السّرعة يقطعها ، وإن كان هذا السلب كاذبا ، بل كان للحركة على ذلك الحدّ من السّرعة مقدار ، فيه ، يمكن قطع هذه المسافة ، ويمكن قطع غيرها بأبطإ وأسرع ، على ما قد بيّنا قبل. فالإثبات الذي يقابله صادق ، وهو أنّ هناك مقدار هذا الإمكان ، والإثبات دلالة على وجوده مطلقا ، وإن لم يكن دالّا على نحو وجوده محصّلا في آن أو على جهة ما. وليس هذا الوجه له بسبب التوهّم ، فإنّه وإن لم يتوهّم ، [١٠٢ ظ] كان هذا النحو من الوجود وهذا النحو من الصدق حاصلا.

٣٨٦

ومع هذا فيجب أن يعلم أنّ الموجودات ، منها ما هي متحققة الوجود محصّلته ، ومنها ما هي أضعف في الوجود. والزمان يشبه أن يكون أضعف وجودا من الحركة ومجانسا لوجود أمور بالقياس إلى أمور ، وإن لم يكن الزّمان من حيث هو زمان مضافا ، بل قد تلزمه الإضافة. ولمّا كانت المسافة موجودة ، وحدود المسافة موجودة ، صار الأمر الذي من شأنه أنّ يكون عليها ومطابقا لها أو قطعا لها ، أو مقدار قطع ، لها نحو من الوجود ، حتّى إن قيل إنّه ليس [١٠٢ ب] له البتة وجود ، كذب. فإن اريد أن يجعل للزمان وجود لا على هذه السبيل ، بل على سبيل التحصيل ، لم يكن إلّا في التوهّم. فإذن ، المقدمة المستعملة ـ في أنّ الزمان لا وجود له ثابتا ، معناه : لا وجود له في آن واحد ـ مسلّمة. ونحن لا نمنع أنّ يكون له وجود ، وليس في آن ، بل وجوده على سبيل التّكون بأن يكون أيّ آنين فرضتهما ، كان بينهما الشيء الذي هو الزمان ، وليس في آن واحد البتة.

وبالجملة طلبهم : إنّ الزمان إن كان موجودا فهو موجود في آن أو في زمان ؛ أو طلبهم : متى هو موجود ممّا ليس يجب أن يشتغل به ، فانّ الزمان موجود لا في آن [١٠٢ ظ] ولا في زمان ولا له متى ، بل هو موجود مطلقا ، وهو نفس الزّمان ، فكيف يكون له وجود في زمان.

فليس إذن قولهم : «إنّ الزّمان إمّا أن لا يكون موجودا أو يكون وجوده في آن أو يكون وجوده باقيا في زمان ، قولا صحيحا ، بل ليس مقابل قولنا : إنّه ليس بموجود ، هو أنّه موجود في آن ، أو موجود باقيا في زمان ، بل الزمان موجود ولا واحد من الوجودين ، فإنّه لا في آن ولا باقيا في زمان. وما هذا إلّا كمن يقول : إمّا أن يكون المكان غير موجود أو يكون موجودا في مكان أو في حدّ من مكان. وذلك لأنّه ليس يجب إمّا أن يكون موجودا في مكان [١٠٢ ب] أو حدّ مكان ، وإمّا غير موجود ، بل من ما ليس موجودا البتة في مكان ، ومن الأشياء ما ليس البتة موجودا في الزمان. والمكان من جملة القسم الأوّل. والزمان من جملة القسم الثاني. وستعلم هذا بعد». انتهت عبارته بألفاظها.

[١٨] تلخيص فيه تأييد

إنّ أحسن ما لخّص به كلام الشيخ قول خاتم الحكماء في («نقد المحصّل» ، ص

٣٨٧

١٣٦) : «إنّ الزمان إمّا الماضى وإمّا المستقبل. وليس له قسم آخر هو الآن. إنّما الآن هو فصل مشترك بين الماضى والمستقبل ، كالنقطة في الخطّ ، والماضى ليس بمعدوم مطلقا ، إنّما هو معدوم في المستقبل ، والمستقبل معدوم [١٠٤ ظ] في الماضى ، وكلاهما معدومان في الآن ، وكلّ واحد منهما موجود في حدّه. وليس عدم شيء في شيء هو عدمه مطلقا ، فإنّ السماء معدوم في البيت وليس بمعدوم في موضعه ولو كان الآن جزءا من الزمان لما أمكن قسمة الزمان إلى قسمين. مثلا ، تقول : من الغداة إلى الآن ، ومن الآن إلى العشاء ، فإن كان الآن جزءا لم تكن هذه القسمة صحيحة ، وإلّا لأمكن قسمة مقدار من الزمان إلى قسمين. فالآن موجود ، وهو عرض حالّ في الزمان ، كالفصل المشترك في الخطّ ، [١٠٤ ب] وليس بجزء من الزمان ، وليس فناؤه إلّا بعبور الزمان ، فلا يلزم منه تتالى الآنات».

[١٩] وهم وإيماء

إن كنت من المتربّصين للتشكيك ، كأبي البركات البغدادى ، أو ممّن يستمع إليهم ، فهوى قلبه سبيلهم ، كالفاضل فخر الدين الرازيّ ، فلعلّك تقول : الزمان لو كان موجودا ، فإنّما يكون مقدارا لمطلق الموجود ، فإنّ الباقى من الأشياء الزمانيّة لا يتصوّر بقاؤه إلّا في زمان مستمرّ. وما لا يكون زمانيّا ويكون باقيا ، فإنّه أيضا لا بدّ وأن يكون لبقائه مقدار من الزمان.

وأيضا إنّا كما نعلم بالضرورة أنّ من الحركات ما كانت موجودة أمس ، [١٠٥ ظ] ومنها ما يوجد اليوم ، ومنها ما يوجد غدا ، كذلك نعلم أنّ الله تعالى كان موجودا بالأمس وأنّه موجود اليوم وسيبقى غدا. فلو جاز إنكار أحدهما جاز إنكار الآخر ، فيكون الزمان مقدار الوجود ، وقد وضع أنّه مقدار الحركة.

ثمّ إنّه كيف يكون مقدارا لمطلق الوجود ، وهو في نفسه إمّا متغيّر فيستحيل انطباقه على الثابت وإمّا ثابت فيمتنع أن ينطبق على المتغيّر. فيقال لك : أما تبيّن في ما سلف أنّ الزمان إنّما هو مقدار كهيئة غير قارّة. وسيستبين الفرق بين الزمانيّات والموجودات الغير الزمانيّة في كيفيّة [١٠٥ ب] الانتساب إلى الزمان وعدمه ، وينكشف معنى البقاء في كلّ من القسمين ، فيستقيم الأمر على ذوق الحكمة وعلى

٣٨٨

طباق مذهب الحكماء. وأمّا المتكلّمون فحيث قالوا : القديم موجود في أزمنة مقدّرة لا نهاية لأوّلها ، فقد حكموا بصحة انطباق الثابت على المتغيّر.

[٢٠] شكّ وإشارة

ربما يتخالج في صدرك من أمر الآن ، الذي هو من الزمان كالنّقطة من الخطّ ، أنّه إمّا أن يعدم على التدريج يسيرا يسيرا ، فيمتدّ آخذا إلى العدم مدّة ، أو دفعة ، فيكون عدمه في آن ، فيقع مشافعة بين آنين ، هذا خلف.

فاعلم أنّ السبيل إلى تحقيق الحقّ في ذلك هو ما ذكره [١٠٦ ظ] الشيخ في («الشفاء» ، ص ١٦٢) : «إنّه ليس قول القائل : إمّا أن يعدم يسيرا يسيرا أو دفعة صادفا صدق المنفصل المحيط بطرفي النقيض أو المحيط بالشيء ، وما يلزم نقيضه». فإنّ هناك قسما ثالثا ، وهو أن يكون عدمه في جميع الزمان الذي بعده. وسنتكلّم فيه في المستقبل من القول على ضرب ما من البسط إن شاء الله تعالى.

[٢١] وهم وتحقيق

كأنّه يسبق إلى بعض الأوهام أنّ الآن هو نفس نهاية الزمان ، فقد توهّم في سائر الأطراف ، وهي السطح والخطّ والنقطة ، أنّها نهايات لذويها. فتشبّث صاحب «المحصّل» بذلك في نفى الوجود عن [١٠٦ ب] الأطراف مطلقا ، سواء كانت نفس الكميّات ، كالسطح والخطّ أو مبادى الكم ، كالنقطة والآن ، وجعلها عدميّات ، فإنّ نهاية الشيء هي فناؤه ، فكيف أمرا وجوديّا. واضطرب كلامه في شرحه للاشارات ، فتارة جعل النهاية من المضاف المشهوريّ واخرى جعلها إضافة عارضة لكلّ من الأطراف بالقياس إلى ذى الطرف ، فيكون من المضاف الحقيقىّ. قال : «فالسطح مثلا إذا قيس إلى الجسم عرضت له إضافة هي النهاية ، وهي وإن كانت متأخرة عن السطح في التحقّق لكونه معروضا لها ، إلّا أنّ ثبوتها للجسم علّة لثبوت السطح [١٠٧ ظ] له ، كالأوسط في برهان اللم إذا كان معلولا للاكبر وعلّة لثبوته للأصغر ، وبذلك صحّح حكم الشيخ بأن لزوم السّطح للجسم بواسطة التّناهي. وهذا كلّه خبط في خبط. وكيف يكون إضافة العارض إلى معروضه سببا لعروض ذلك العارض

٣٨٩

للمعروض وتلك الإضافة لا تعقل إلّا بعد العروض.

وتحقيق المقام هو سياق كلام خاتم الحكماء في «شرح الإشارات» و «نفد المحصل» أنّ السّطح مثلا ليس هو فناء الجسم فقط ، فإنّ الفناء لا يقبل الإشارة الحسية والسّطح يقبل.

والفحص التحقيقىّ يقتضي أنّ هناك ثلاثة أمور. أوّلها ماهيّة السّطح الذي هو المقدار [١٠٧ ب] المتصل ذو البعدين ، وثانيها فناء الجسم وعدم له ، بمعنى نفاده وانقطاعه وانتهائه في جهة معيّنة لا العدم المطلق ، وثالثها إضافة إلى الجسم عارضة للقناء ، فيقال له بحسب ذلك نهاية لجسم ذى نهاية.

وإنّما يستدلّ على ثبوت الأوّل للجسم بثبوت الثاني له ، إذ هو مقارن ومستلزم للأوّل. وأمّا الثالث ، فإذا اعتبر عروضه للأوّل ، كان المجموع سطحا مضافا إلى ذى السّطع. وإذا اعتبر عروضه للثانى كان نهاية مضافة إلى ذى النهاية. فالنّهاية ليست عارضة للسطح بالقياس إلى الجسم ، بل الانقطاع يعرض لامتداد [١٠٨ ظ] الجسم أوّلا ، ثمّ السطح يلزم ذلك الانقطاع ثانيا ، ثمّ يعرض لهما الإضافة بالاعتبارين. وكذلك القول في الخطّ والنقطة.

فإذن عليك باعتبار الأمر في الآن. وإنّ هناك أيضا ثلاثة أمور ، شيء لا ينقسم بحسب الامتداد هو الآن ، وفناء للزمان عنده ، وإضافة عارضة لكلّ منهما. بحسبها يقال لذلك الفناء : إنّه نهاية مضافة إلى ذى نهاية هو الزمان وللآن : إنّه آن مضاف إلى ذى الآن، وهو الزمان. وربما يقال بحسبها للآن : إنّه نهاية الزمان ، بمعنى أنّه مقارن لما هو نهاية ، أعنى الفناء من حيث الإضافة.

[٢٢] تذييل

ربما يقال : يطلق الخطّ والسّطح [١٠٨ ب] باشتراك الاسم على معنى لا يؤخذ في مفهومه النهاية. كما يقال : خطّ ، ويعبّر به عن مجرّد الطول مع قطع النظر عن العرض والعمق ، لا على أن يكون مجرّدا عن مقارنتهما ، بل على أنّه طول غير ملحوظ فيه سوى حقيقة الطّوليّة ، أعنى الامتداد الواحد من غير منافة الاقتران العرض والعمق به في الوجود ، أو لا اقترانهما. وكذا يقال : سطح ، لمجرّد الطول والعرض ، أعنى

٣٩٠

الامتدادين مع قطع النظر عن الامتداد الآخر ، وكلّ منهما بهذا الاعتبار مقدار موجود محسوس. وذلك موضوع لعلم الهندسة. وعلى ما تؤخذ النهاية في مفهومه ، كما يقال : خطّ وسطح ، بالمعنى المذكور. ولكن يشترط أنّ لا يبقى شيء آخر وراءهما ، [١٠٩ ظ] فشيء منهما لا يصير نهاية إلّا من حيث هذا المفهوم السلبىّ ، وكذلك الآن والنقطة يطلقان باشتراك الاسم على معينين ، أحدهما مبدأ الكميّة ، والآخر ذلك المعنى بشرط لا بقاء شيء آخر وراءه. وما يطلق عليه النهاية إنّما هو المعنى الأخير.

وهذا هو كلام صاحب «التلويحات» حيث قال ، بعد أنّ قرّر أنّ النهايات عدميّة ، لأنّها هي كون الشيء ذا كميّة لا يبقى وراءها منه شيء آخر : «فإن قيل : ألستم حكمتم بأنّ السّطح يحسّ فهو موجود ، يقال : قد يعبّر عن مجرّد طول بالخطّ ومع العرض بالسّطح ، وهما من الكميّة فهو بالاشتراك ، وإلّا النهايات العدميّة [١٠٩ ب] من حيث عدمها لا تحسّ ، والكميّات ما لم يشترط فيها لا بقاء شيء آخر وراءها لا تصير نهاية. فلا بدّ من سلب في مفهومها». فما يدور على ألسنة المتأخّرين أنّه يخالف الحكماء ، فيقول : السّطح والخطّ والنّقطة عدميّات يرجع إلى افتراء عليه أو سوء تفطّن لمرامه.

[٢٣] حكومة وردع

إنّ جمهور الحكماء يقضون بوجود السطح والخطّ والنقطة على أنّها موجودات مغايرة لما هي حدوده بالنوع. ومنهم من يجعلها [الجاعل هو صدر المحققين وتبعه قوم من المتأخرين عنه ، منه رحمه‌الله] من العوارض التحليليّة للجسم ، يعنى الموجودة بعين وجوده على قياس الأجزاء التحليليّة ، ظانّا أنّ الموجود في الأعيان ليس إلّا الجسم. ثمّ العقل بضرب من التحليل ينتزع منه [١١٠ ظ] السطح ومن السطح الخطّ ومن الخطّ النقطة. ويحكم بأنّها موجودة في الأعيان. لكن لا بوجودات منفرزة عن وجود الجسم ، بل بعين ذلك الوجود. وربما يزعم أنّ في كلام المعلّم الأوّل في إثبات تجرّد النّفس تصريحا بذلك ، وأنّ الشيخ قد حققه في «الشفاء» ناصّا عليه. وكأنّى قد أسلفت لك ما يصدّك عن تسويغ اتحاد العرض والجوهر في الوجود. فعسى أن تكون على هدى في أمرك إن كنت من المتذكرين.

وليست أفقه من قول الشيخ في «الشفاء» إلّا نفى التمايز بحسب الوضع دون نفى التغاير

٣٩١

بحسب الوجود. فهذه عبارته في فصل تجرّد النفس من الطبيعيات («الشفاء» ، ص ١٨٧) :

«إن كان محلّ المعقولات جسما أو مقدارا من المقادير ، فإمّا أن تكون [١١٠ ب] الصورة المعقولة تحلّ منه شيئا وجدانيّا غير منقسم أن يكون إنّما تحلّ منه شيئا منقسما ، والشيء الذي لا ينقسم من الجسم هو طرف نقطىّ لا محالة.

ولنمتحن أوّلا أنّه هل يمكن أن يكون محلّها طرفا غير منقسم؟ فنقول : إنّ هذا محال، وذلك لأن النقطة هي نهاية ما لا تميّز لها عن الخطّ في الوضع ، أو عن المقدار الذي هو منته إليها تمييزا يكون به النقطة شيئا يستقرّ فيه شيء ومن غير أن يكون في شيء من ذلك المقدار.

بل كما أنّ النقطة لا تنفرد بذاتها ، وإنّما هي طرف ذاتيّ لا هو بالذات مقدار ، كذلك إنّما يجوز [١١١ ظ] أن يقال بوجه ما : إنّه يحلّ فيها طرف شيء حالّ في المقدار الذي هي طرفه ، فهو متقدّر بذلك المقدار بالعرض.

وكما أنّه يقدّر به بالعرض ، كذلك يتناهى بالعرض مع النقطة ، فتكون نهاية بالعرض مع نهاية بالذات ، كما يكون امتداد بالعرض مع امتداد بالذات. ولو كانت النقطة منفردة تقبل شيئا من الأشياء لكان يتميّز لها ذات ، فكانت النقطة إذن ذات جهتين : جهة منها تلى الخطّ الذي تميّزت عنه ، وجهة منها مخالفة له مقابله ، فتكون حينئذ منفصلة عن الخطّ بقوامها. وللخطّ المنفصل عنها نهاية لا محالة [١١١ ب] غيرها تلاقيها. فتكون تلك النقطة نهاية الخطّ لا هذه. والكلام فيها وفي هذه النقطة واحد. فيؤدى هذا إلى أن تكون النقط متشاعفة في الخطّ ، إمّا متناهية وإمّا غير ما ناهية». انتهت بألفاظها.

وأمّا قوله في «الشفاء» : «إنّ السطح هو نفس ظاهر الجسم» ، فليس فيه استيجاب للاتحاد في الوجود أصلا.

وما يقال [القائل صدر المدققين] : «من البيّن أنّ الجسم في الخارج ليس شيئين ، أحدهما ظاهره والثاني باطنه ، بل كلاهما موجود واحد في الخارج ، والعقل يميّز ظاهره عن باطنه» ، فإنّه تخييل بلا تحصيل ، إذ الجسم في الخارج ليس شيئين ، بل الموجود [١١٢ ظ] في الخارج شيئان ، أحدهما الجسم والآخر مقدار حالّ فيه ذو

٣٩٢

بعدين ، يقال له باعتبار أنّه ظاهر الجسم.

قال الشيخ في («التعليقات» ، ص ٧٤) : «السطح يعتبر فيه أنّه نهاية ويعتبر فيه أنّه مقدار ، وليس هو مقدار بالجهة التي هو بها نهاية ، ونسبة ذلك المعنى ، وهو أنّه يمكن أن يفرض فيه بعدان إلى المقداريّة فيه نسبة فصل إلى جنس».

ثمّ كيف يكون وجود العرض يعينه وجود الجوهر الذي هو موضوعه ، ووجود الجوهر هو وجود الشيء لنفسه ، ووجود العرض هو وجود الشيء في موضوعه ، أعنى الوجود الرابطىّ [١١٢ ب].

ولعلّ في قول الشيخ في («التعليقات» ، ص ...) : «الوحدة والنقطة والخطّ والسطح كلّها تحدّ من دون الموضوع وإن لم تكن توجد إلّا في موضوع» ، كفاية. وأيضا قد يتداخل سطحان أو خطّان او نقطتان. ولا يمكن أن يتداخل جسمان أصلا. فلو لم يكن بين الجسم وبين تلك الأمور تغاير بحسب الوجود مع عدم التمايز بحسب الوضع ، فكيف يصحّ ذلك. فإذ قد ذكّرناك فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين.

[٢٤] استيقاظ

أليس قد ظهر بما قد سلف أنّ معنى كون الزمان غير قارّ الذات هو أنّ أجزاءه لا تجتمع في الوجود دفعة ، أعنى الوجود بالقياس [١١٣ ظ] إلى الآن ، لا أنّها لا توجد في الأعيان على وجه الاتصال. فالزمان في نفس اتصاله موجود واحد ذاته على قرار بحسب الوجود الاتصالىّ الوحدانىّ في الأعيان ، وهو غير قارّ الذات بحسب أجزائه الحاصلة بعد تحليل الوهم إيّاه بالقياس إلى ما يتوهّم فيه من الآنات ، فتحقّق القلبيّة والبعديّة في الزمان إنّما يكون بانفراض الآن واتصاف أجزائه بالمضىّ والاستقبال باعتبار ذواتها وهويّاتها ، وأمّا الحركة فإنّما الحركة فإنّما تتّصف بعدم قرار الذات والمضىّ والاستقبال من جهة مقارنة الزمان لا بذاتها وسيعا. وفي ذلك كلّه ضرب [١١٣ ب] آخر من القول في مستأنف الكلام إن شاء الله العزيز الحكيم.

٣٩٣

فصل (٤)

في تحقيق معانى الدهر والسّرمد وبيان متى الأشياء والفرق بين الزمانيّات و

الأشياء الغير الزمانيّة في الانتساب إلى الزمان وأمور اخر تتمّم النظر وتكمّل الغرض

[١] سرّ طيّه أسرار

ما أسهل ما يتأتى لك أن تتحدث أن الامتداد إنّما هو من أوصاف الكميّة المتصلة لا غير ، فلا يوصف به الوجود أو العدم بالذات أصلا ، بل إنّما يصحّ ذلك بالعرض على أن يكون الممتدّ حقيقة هو الزمان ، واتّصاف الوجود أو العدم بالامتداد عبارة عن مقارنة أحدهما لما هو الموصوف به حقيقة [١١٤ ظ] ، أعنى الزمان ، فوجود شيء من الموجودات لا يصلح أن يحكم عليه بامتداد خاصّ ، أو الامتداد المطلق إلّا باعتبار المقارنة لزمان معيّن أو لطبيعة الزمان. وكذلك اللاامتداد بمعنى كون الشيء دفعيّتا غير ممتدّ ، فإنّ موصوفه بالذات إنّما هو الآن طرف الزمان لا ، شيء آخر أصلا. وأمّا الوجود أو العدم أو أيّة طبيعة كانت من الأمور التي هي غير الآن ، فلا تتصف بذلك المعنى إلّا باعتبار مقارنة الآن على سبيل الانطباق عليه. ففى طبيعة الوجود من حيث هو وجود ، أى لا من حيث مقارنة الزمان ، وطرفه ليس [١١٤] إلّا التحقّق الصّرف من دون أن يكون على امتداد أو لا امتداد. وكذلك في العدم الصّرف ليس إلّا الانتفاء البحت من غير أن يتّصف باستمرار أو لا استمرار. فلست أعنى باللّاامتداد مجرّد سلب الامتداد ، أى مقابله مقابلة السلب والإيجاب.

أفليس من البيّن أنّ المتقابلين تلك المقابلة لا يعرى عنهما موضوع بحسب نفس الأمر البتة. وإن عريت عنهما الذات بحسب خصوص بعض الملاحظات التي هي أنحاء وجود الشيء في نفس الأمر ، أعنى حيث تؤخذ الذات من حيث هي ، بل إنّى أعنى بذلك إمّا مقابل الامتداد [١١٥ ظ] مقابلة العدم والملكة الذي هو أخصّ من نقيضه بقيد الاستعداد ، فيخلو عنها الموضوع الغير القابل ، كالوجود الذي لا يشاب بالدخول تحت الكون والعدم الذي لا يختصّ بالوقوع في زمان أو في طرفه أو الأخصّ من ذلك أيضا ، أى كون الشيء دفعيّا غير ممتدّ منطبقا على طرف الزمان ، فإنّ هذا

٣٩٤

المعنى قد يكذب هو والامتداد كلاهما معا. وكان الموضوع على القابليّة باعتبار الوقوع في أفق الزمانيّات كحدوث الحركة التوسّطيّة المنطبقة على الآن السيّال.

فإذن إنّما يعقل الامتداد والاستقرار ومقابلاهما في الأمور الواقعة [١١٥ ب] في افق الزمانيّات فقط. وهناك أيضا من قبل الزمان وطرفه لا غير.

والشيخ الرئيس أبو على أمعن النظر فقال في كتاب («التعليقات» ، ص ١٣٩) «كلّ ما يكون له أوّل وآخر ، فبينهما اختلاف مقداريّ ، أو عدديّ ، أو معنويّ. فالمقداريّ ، كالوقت والوقت ، أو الطرف والطرف ؛ والعدديّ كالواحد والعشرة ؛ والمعنويّ كالجنس والنوع ، والوجود لا أوّل له ولا آخر بذاته».

[٢] منهل

مقولة متى هي نسبية ما للشيء إلى الزمان ، وهي كونه فيه نفسه أو في طرفه ، فإنّ كثيرا من الأشياء يقع في أطراف الأزمنة لا في زمان أصلا ، كالمماسّة والتقاطع بين الخطّين والوصول [١١٦ ظ] إلى ما إليه الحركة ويسأل عنها بمتى يجاب.

وذكر الشيخ في قاطيغورياس («الشفاء» ، ص ٢٣٢) : «أنّه كما لم يكن الإضافة معنى مركّبا ، كذلك الأين ومتى يجب أنّ لا يظنّ فيهما تركيب. ولخّص ذلك فى («التعليقات» ، ص ٤٣) بقوله : «قولنا متى وأين ، ليس يعنى به كون الشيء في المكان أو الزمان مركّبا ، ويعنى بالتركيب الموضوع مع نسبة ؛ بل يعنى به نفس النسبتين. فنفس النسبة هو الأين ، لا المنسوب ولا المنسوب إليه ، ولا مجموع النسبة والمنتسبين. وكذلك الحال في الإضافة ، كالأخوّة» ، ثمّ قال بعد ذلك بيسير (ص ٤٤) : «متى الشيء هو كونه في زمانه. وقد يكون الزمان [١١٦ ب] موجودا ، ولا يكون ذو الزمان فيه ، فلا يكون متى وكذلك الأين».

[٣] جمع وتفريق

أليس الأين ، منه حقيقىّ أولى ، وهو كون الشيء في مكانه الحقيقىّ ، ومنه ما هو ثان غير حقيقىّ ، وهو كون الشيء في مكانه الغير الحقيقىّ ، كالكون في الدار أو في السوق ، ومنه جنسىّ ، كالكون في المكان المطلق ، ومنه نوعىّ ، كالكون في الهواء ، و

٣٩٥

منه شخصىّ ، ككون هذا الشيء في هذا الوقت في الهواء ، وهو مكان ثان ، أو كون هذا الجسم في هذا المكان الحقيقىّ.

فكذلك متى ، منه حقيقىّ ، ككون الشيء في زمان مطابق له لا يفضل عليه ، كقولهم : كان هذا الأمر [١١٧ ظ] وقت الزوال ، ومنه غير حقيقىّ ، كقولهم : في سنة كذا ، ولم يكن الأمر في جميع السنة ، بل في جزء منها ، فالسنة نظير السوق في الأين ، ومنه جنسىّ ، كمطلق الكون في الزمان أو في طرفه ، ومنه نوعىّ ، ككلّ من ذينك الكونين ، ومنه شخصىّ ، ككون هذا الشيء في هذا الزمان المطابق له ، أو في هذه السّنة. لكنّ الزمان الواحد قد يكون بعينه زمانا بالتحقيق لأشياء كثيرة على سبيل المطابقة. وإن كان متى كلّ منها هو خلاف متى الآخر ، لأنّ كون كلّ واحد منها في ذلك الزمان هو غير كون الآخر ، ولا كذلك المكان الواحد [١١٧ ب] ، فهو لا يكون مكانا حقيقيّا لعدّة فوق الواحد. فهناك يختلف النسبة والمنسوب إليه ، اللهمّ إلّا في الغير الحقيقىّ ، فيختلف النسبة فقط دون المنسوب إليه.

وأيضا يقع المضادّة في الاين ، فإنّ الكون عند المحيط يخالف الكون عند المركز ، وهما معنيان يوجد لهما موضوع واحد يتعاقبان عليه ، وبينهما غاية الخلاف ، وأيون متوسّطة ليس بينها تلك الغاية ، وليس يقع في متى. فالكون في الزمان وإن كان غير الكون في طرفه على أنّ بينهما غاية الخلاف ، فليس يوجد موضوع واحد يتعاقبان عليه أيصير التدريجىّ تارة دفعيّا أخرى [١١٨ ظ].

ثمّ الأين سبيله أن تقبل الأشدّ والأضعف فقد يكون اثنان كلاهما فوقين وأحدهما أشدّ فوقيّة ، إلّا أنّ قبول الأشدّ والأضعف لا يكون له باعتبار طبيعة الفوقيّة أو التحتيّة ، بل باعتبار الإضافة إلى فوقيّة أو تحيّة أخرى. فالفوق الحقّ لا يقبل الأشدّ والأضعف ، بل الفوق المضاف إلى آخر ، كما أنّ السواد الحقّ لا يكون أشدّ وأضعف ، بل المضاف إلى سواد آخر. ومتى ليس على ذلك السبيل ، فليس فيه أشدّ وأضعف مطلقا أو بحسب الإضافة. فإذن المقولتان لهما عوارض جامعة وعوارض فاصمة.

[٤] ذنابة

قال الشيخ في قاطيغورياس («الشفاء» ، ص ٢٣١) : «أقول : وقد هوّل فاضل المتأخّرين

٣٩٦

[١١٨] ـ يعنى به المعلّم الثاني أبا نصر الفارابىّ ـ في العبارة عن المتى الخاصّ ، تهويلا مفرطا ، فقال : إنّ متى نسبة الشيء إلى الزمان الذي تنطبق نهاياته على نهايتى وجوده ، أو زمان محدود ، هذا الزمان جزء منه. وذلك أنّه ذكر نهايتى وجوده ، فبيّن أنّ الذي يصحّ أن يعنى الشيخ أبو نصر بذلك ليس الّا نهايتا متى الشيء ونسبته إلى زمانه.

قال بعد إبطال سائر ما يحتمل العبارة : وأمّا نهايتا النسبة ، فيمكن أن يجعل له وجه تأويل ، فيقال : إنّ معناه أنّ متاه هو نسبته إلى زمان ينطبق نهايتاه على نسبتين له إلى نهايتى هذا الزمان ، ثمّ لا نسبة له قبل ولا بعد [١١٩ ظ] إليه ، فيحب أن يفهم قوله على هذا الوجه. لكن نسبة الشيء إلى الآن الذي يقارنه عسى أن يظنّ بها أنّها ليست من مقولة متى بذاتها. فإن كان ذلك كذلك ، فكان هذا الرسم غير صحيح. وذلك لأنّ كون الشيء في آن ما لا يحمل عليه هذا الحدّ. لكنّ الحقّ أنّه يكون للشيء نسبة إلى الزمان ، لا على أنّه فيه ، بل على أنّه في طرفه ، ومع ذلك يكون آنا. فهذا يفسد ما قاله هذا الفاضل الفهم ، إلّا أن يحكم بأنّ النّسبة إلى الآن ليس من مقولة متى ، لكنّها لا مقولة لها يليق بها غير هذه المقولة ، ولا يعلمها غير داخلة في مقولة أصلا» انتهى قوله.

ثمّ قال : «ثمّ بعد هذا [١١٩ ب] نظر ، لكنّ الاشتغال به يخوض بالمبتدى في ما لا يعنيه». قلت : وكأنّه عنى به النظر في متى الأمور الغير الزمانيّة ، أعنى المفارقات ، فإنّه بخلاف متى الزمانيّات وأنّ فيه لغموضة يقصر عنها قواصر الأنظار ، فالاشتغال به لا يناسب فنّ قاطيغورياس ، الموضوع لمن بضاعته من الحكمة ، بضاعة المبتدعين.

[٥] استشهاد

ألست لو نظرت إلى قول بهمنيار في («التحصيل» ، ص ...) في فصل الأين والمتى ، بعد إيماء الكلام فيهما : «وستعلم أنّ الأمور الزمانيّة التي توصف أنها في زمان ، فهى أمور واقعة تحت التغيّر ، وأنّ الأمور الثابتة لا يصحّ أن يقال : إنّها موجودة في زمان ، بل لها كون آخر نبيّنه في مكان» ، لوجدت فيه [١٢٠ ظ] ، سوق ذلك القول من «الشفاء».

[٦] هداية وتحصيل

ألا إنّ ما ذكر هو متى الزمانيّات لا غير، أعنى الأمور الواقعة في الزمان أو في طرفه، و

٣٩٧

الزمان نفسه لوجوده أو عدمه متى. فما أحسن قول الشيخ في («التعليقات» ، ص ...) «الزمان ليس وجوده في زمان ، فكذلك ليس بعدم في زمان ، والآن نفسه ليس لوجوده متى بخلاف عدمه ، فإنّ متاه نفس مجموع الزمان الذي بعده. وهذا كما أنّ المكان نفسه ليس له أين أصلا. والنقطة نفسها ليس وجودها في الخطّ أو النقطة وأنّها معدومة في مجموع خطّ بعدها. وأمّا الأمور الغير الزمانيّة فربما يقال [١٢٠ ب] بحسب جليل النظر أنّ متاها يباين متى الزمانيّات بالمعنى. فمتى الزمانيّات هو النسبة إلى الزمان بالفيئيّة ، ومتى ما هو أعلى من الكون نسبته إلى الزمان بالمعيّة.

ثمّ إنّ ضربا من النظر الدقيق يأتى بفحص بالغ ، فيحكم بأنّ هذا الأخير كون أعلى طور آخر على من أن يكون متى ، بل إنّما هو بإزاء المتى ، أعنى كون الزمانيّات في الزمان أو في طرفه ، فلا ينبغى أن يدخل ذلك في التسمية إلّا أن يسلك مسلك التشبيه من طريق بعيد ، فإنّ النسبة التي هي المتى يعتبر فيها انطباق المنسوب على المنسوب إليه ، وما يرتفع عن الزمان لا ينسب إليه [١٢١ ظ] بالانطباق على شيء من الأزمنة أو الاطراف ، بل إنّه يحيط بالجميع ، فبالحريّ أن ينزّه عن الوقوع تحت ما يعتريه هذا الاسم ، فكيف والزمان لا يكون له متى ، فما ظنّك بشواهق العوالى ، وما هو أعلى منها.

[٧] تأييد تنصيصىّ

عساك تكون ممّن ظفر من كلام الشيخ الرئيس بقول ناصّ على ما حققناه ، ألم يكفك قوله في رسالته المسمّاة «الكلمة الإلهيّة» : «سبحان الملك القهّار ، الإله الجبّار ، لا تدركه الأبصار ، ولا تمثّله الأفكار ، لا جوهر يقبل الأضداد فيتغيّر ، ولا عرض فيسبق وجوده الجوهر ، لا يوصف بكيف فيشابه ويضاهى ، ولا بكم فيقدّر [١٢١ ب] ويجزّى ، ولا بمضاف فيوازى ويحاذى ، وبأين فيحاط به ويحوى ، ولا بمتى فينتقل من مدّة إلى أخرى». وأشباه ذلك في كتبه غير محصورة فتصفح.

وممّا في زبر من سبقه من الأقدمين ينصّ على ذلك قول المعلّم الثاني للحكمة في («فصوصه» ، ص ١٠١١) : «هو أوّل ، من جهة أنّ كلّ زمانىّ ينسب إليه تعالى بكون، فقد وجد زمان لم يوجد معه ذلك الشيء ووجد ، أعنى الحقّ الواجب، معه لا فيه».

٣٩٨

[٨] دعامة تنويريّة

ألست تذعن أنّ الكائن في شيء يلزمه أن يختصّ بذلك الشيء على سبيل الانطباق عليه ، ولا كذلك الموضوع مع شيء فكأنّك [١٢٢ ظ] تفرّق بين المعينين ، فالأمر الزمانىّ هو ما يختصّ وقوعه بالانطباق على الزمان أو على جزء من أجزائه أو على آن من الآنات ، وما ليس بزمانىّ لا يكون كذلك ، بل إنّما يوجد مع الزمان ، لا كمعيّة الزمانيّات ويحيط به كلّه دفعة ، والزمان لكونه متغيّرا سيّالا بذاته ، فلا يكون فيه ولا معه معيّة زمانيّة إلّا ما يتغيّر بتغيّره ويسيل بسيلانه ، ويصحّ أن يكون له ابتداء وانتهاء. وأمّا ما هو خارج عن هذه فإنّه يوجد مع الزمان المعيّة التي هي إضافة عارضة ، فيجب أن يكون له اقتران به طبيعىّ ، فيتحقّق بينهما تضايف بالفعل لا بالفرض [١٢٢ ب] وذلك بأن يكون حاملا لمحلّه كالفلك او فاعلا لوجوده كالمبدإ المفارق.

قال الشيخ الرئيس في («النجاة» ، ص ١١٨) : «وليس كلّ ما يوجد مع الزمان فهو فيه ، فإنّا موجودون مع البرّة الواحدة ولسنا فيها».

وقال في («الشفاء» ، ص ١٧٠) : ومن المباحث في أمر الزمان أن نعرف كون الشيء في الزمان ، فنقول : إنّما يكون الشيء في الزمان على الأصول التي سلفت ، بأن يكون له معنى المتقدّم والمتأخّر ، وكلّ ما له في ذاته معنى المتقدّم والمتأخّر ، فهو إمّا حركة أو ذو حركة. أمّا الحركة فذلك لها من تلقاء جوهرها ، وأمّا المتحرّك فذلك له من تلقاء الحركة. وأمّا الأمور التي لا تقدّم فيها ولا تأخّر [١٢٣ ظ] بوجه ، فإنّها ليست في زمان ، وإن كانت مع الزمان ، كالعالم ، فإنّه مع الخردلة وليس في الخردلة. وإن كان شيئا له من جهة تقدّم وتأخّر ، مثلا لا من جهة ما هو ذات وجوهر ، فهو من جهة ما لا يقبل تقدّما وتأخرا ليس في زمان ، وهو من الجهة الأخرى في الزمان» انتهى.

وكأنّه لم يرم حصر الزمانيّات مطلقا في الحركة وذى الحركة. فكيف وإنّ ما يتوقف على الحركة ، كالحوادث المرتبطة بالأزمنة وأطرافها لمن الزمانيّات. فوجود الحادث باعتبار الحدوث والبقاء كليهما ممّا يختصّ بالوقوع في الآن أو في جزء من الزمان ، وليس بحركة ولا بذى حركة، بل إنّما رام [١٢٣ ب] بالزمانىّ ما يكون زمانيّا بالذّات ، أى لا من حيث كونه متوقفا على شيء هو زمانىّ بذاته أو بالحركة وذى

٣٩٩

الحركة ما هو أعمّ منهما وممّا يجرى ذلك المجرى من حيث توقفه على الحركة. فالأمور الغير الزمانيّة هي ما لا تكون حركة ولا متحركا ولا متوقفا في شيء من الحدوث والبقاء على وجود الحركة أصلا ، وما دونها ينسب إلى الزمان أو طرفه بالفيئيّة. إنّ هذا لهو قسطاس زنة الحكمة، فلا عليك لو اتّخذته ميزانا.

[٩] مشكاة فيها مصباح

إنّي إذن كدت أشهد أنّك تحدّست وتعرّفت أنّه إذا انتسب متغيّر إلى متغيّر بالتطابق على أن يصلح أحدهما لأن تنفرض فيه [١٢٤ ظ] أجزائه بإزاء ما تنفرض في الآخر ، فينطبق كلّ ما انفرض فيه على ما بإزائه في الآخر ، حصل هناك كون متصف بالامتداد ، فإن كان المنسوب إليه من المنطبقتين بحيث لا يكون في طباعه قبول الانقسام أصلا ، اتصف ذلك الكون باللاامتداد ، ويعبّر عن تلك النسبة في الصورتين بالفيئيّة. فالمنتسب إلى الزمان بالفيئيّة له كون ممتدّ ، وإلى الآن بها له كون غير ممتدّ. وأمّا النسبة إليهما بإضافة المعيّة في التحقّق لا على سبيل الانطباق ، فهى كون ودهريّ ، لا يتصوّر فيه امتداد واستمرار أصلا ولا مقابلاهما. نعم المنسوب إليه هو ما كونه [١٢٤ ب] ممتدّ وما هو كونه غير ممتدّ.

قال الشيخ الرئيس في رسالة («الحدود» ، ص ٢٩) : «الدهر معنى معقول من إضافة الثبات إلى النفس في الزمان كلّه».

ثمّ إنّ نسبة ما هو ثابت الذات إلى ما هو غير متغير الذات بإضافة المعيّة في التحقّق هي كون سرمديّ يتقدّس عن الامتداد ، ومقابله في نفس الكون وفي المنتسبين جميعا. فالدهر نوع من أوعية الكون يحيط بالزمان كلّه ، فهو وعاء الزمان ، إذ معيّة الثابت وشيء من أبعاض الزمان وإن كان معنى غير النسبة إلى الزمان بالفيئيّة ، إلّا أنّ الكون الذي بحسبها لا يسمّى دهرا. والسّرمد [١٥٢ ظ] نوع آخر أرفع من الدهر أيضا ومحيط به. والحكماء المحصّلون عبّروا عن هذه المعانى بقولهم : «نسبة المتغيّر إلى المتغيّر زمان ، ونسبة الثابت إلى المتغيّر دهر ، ونسبة الثابت إلى الثابت سرمد» ، ويعمّها الدوام المطلق. والدهر وعاء الزّمان.

٤٠٠