مصنّفات ميرداماد - ج ١

مير محمّد باقر بن محمّد حسين الاسترابادي [ ميرداماد ]

مصنّفات ميرداماد - ج ١

المؤلف:

مير محمّد باقر بن محمّد حسين الاسترابادي [ ميرداماد ]


المحقق: عبدالله نوراني
الموضوع : الفلسفة والمنطق
الناشر: منشورات مطبعة وزارة الإرشاد الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-7874-07-3
الصفحات: ٦٣٨
الجزء ١ الجزء ٢

فالزمان لا يكون له آن بالفعل موجود بالقياس إلى نفسه ، بل بالقوّة القريبة من الفعل، فإنّه يتهيّأ أنّ يفرض فيه الآن [٦٠ ظ] دائما ، إمّا بفرض فارض أو بموافاة الحركة حدّا مشتركا غير منقسم ، كمبدإ طلوع أو غروب أو غير ذلك. وذلك ليس بالحقيقة إحداث فصل في ذاته نفسه ، بل في إضافته إلى الحركات ، كما يحدث من الفصول الإضافيّة في المقادير الاخر ، كما ينفصل جزء جسم من جزء آخر بموازاة أو مماسّة أو فرض فارض ، من غير أنّ يكون قد حصل فيه بالفعل فصل في نفسه ، بل مقيسا إلى غيره» («السماع الطبيعى» ، [باختصار].

[١٤] نقد

كأنّا نبهناك بالذكر والوعد ، على ما ابين به فاسد هذا القول من صحيحه ، فعدم وجود الآن بالفعل ، ثمّ عدم قطعه بعد الانقراض اتصال الزمان في نفسه ، بل باعتبار الإضافة صحيح ما أيسر [٦٠ ب] أن يتحدّس ذلك. وأمّا استيجاب نهاية الزمان مطلقا قبليّة العدم ذلك النحو من القبليّة ، أعنى التي ليس معروضها بالذات إلّا الزمان ، أو بعديّة الوجود الواجب أو الإمكان المطلق تلك البعديّة ، فعساه كاد يسير منكشف الفساد لثاقب بصيرتك.

وإنّى لعلى شدّة التعجّب من الرئيس أبى على ابن سينا ، كيف يجعل معيّة غير الزمانيّات مع الزمان أو الزمانيّات نحوا آخر من المعيّة الزمانيّة ، وسيحيط به علمك إن شاء الله. وكذلك معيّة بعض المفارقات بالنسبة إلى بعض ، ولا يأتى بمثل ذلك في القبليّة أو البعديّة [٦١ ظ] ، فيثبت بإزاء تلك المعيّة نحوا من القبليّة أو البعديّة لا يكون زمانيّة. ولعلّ ذلك من جملة ما أوجبته المماشاة الملتزمة في كتاب «الشفاء» ، فقد نبّأ بها في مفتتحه.

[١٥] استذكار

أما تبيّن لك ، بما قرع سمعك في طبقات التعاليم الحكيميّة ، أنّ الأطراف إنّما تكون نهايات للمقادير من جهة الوضع ، لا من جهة المقدار. فما يكون غير متناهي الوضع لا يكون له طرف وإن كان متناهي المقدار في المساحة ، كمحيط الدائرة ومحيط الكرة.

٣٦١

[١٦] نياط

أفتذكّرت أنّ النقطة لا تلزم طبيعة الخطّ من حيث هي خطّ ، ولا من جهة الوجود مطلقا ، [٦١ ب] بل قد تتخلّف ، وكذلك الخطّ بالنسبة إلى السطح ، وأمّا السّطح ، فإنّه يلزم الجسم في الوجود البتة ، لكن من حيث هو متناه ، لا من حيث هو جسم. فاحتفظ أنّ الآن سيرته ذلك بالنسبة إلى الزمان ، فلا يلزمه ، بل يتخلّف عنه في الأعيان دائما وأمّا في الأوهام فقد يعرض من جهة الإضافة.

[١٧] مفحص تذكيرىّ

عساك تكون ممّن تفطّن في علومه الحكميّة : أنّه ليس انتفاء المقدار الموجود في امتداده مطلقا انتهاء لذلك الامتداد بشيء من الأطراف ، انتفاء الامتداد عند حدّ على أنّ يمكن للعقل بمعونة الوهم تصوّر امتداد آخر متصل به ، [٦٢ ظ] يجمعهما ذلك الحدّ هو انتهاء له طرف ، هو ذلك الحدّ ، حيثما ليس هذا السبيل ، فلا طرف ولا انتهاء ، بل انتفاء ، فحسب فأحد امتدادى سطح المخروط المستدير ، أعنى المقاطع للامتداد الآخذ من جهة القاعدة ذاهبا إلى جهة الرأس لا ينتهى بنقطة الرأس بالذات ، بل هو غير متناه في الوضع منتف عند تلك النّقطة ، وانتفاء امتداديه عندها لا يستلزم انتهاء هما بالذّات بها. أفليس امتدادا سطح المثلّث ينتفيان عند نقطة من نقطة زواياه. ثم لا يستوجب ذلك كونهما منتهيين بها بالذات ، [٦٢ ب] وأ ليس الجسم المخروط المستدير ينتفى عند نقطة الرأس. وكذلك الجسم المسنّم عند خطّ به ينتهى سطحان من محيطه ، ثمّ لا ينتهى الأوّل بتلك النقطة ، ولا الثاني بهذا الخطّ بالذات. بل انتهاؤهما بالذات إنّما هو بالسطح ، وهو ينتهى في المخروط بإحدى جهتى أحد امتداديه بتلك النقطة وينتفى بالامتداد الآخر عندها وفي المسنّم بالخطّ.

[١٨] فصّ

فكما أنّ الامتداد المستدير لسطح المخروط منتف عند نقطة الرأس وحادث بتمامه بعدها من دون الانتهاء بها. وكذلك الدائرة حول القطب في سطح الكرة ، فإنّها منتفية عند نقطة القطب وموجودة بتمامها بعدها ، فكذلك الزمان منتف في جانب الأزل

٣٦٢

على معنى أنّه كان معدوما صرفا. ثم إنّه أخرج من صرف العدم الى الوجود بتمام امتداده المقداريّ من غير أن يكون له آن أوّل ينتهى به امتداده بحسب الوجود ، لقد علمت أنّ الانتفاء لا يلزمه الانتهاء فلا تكن من الجاهلين.

[١٩] استبصار

انقطاع الزمان في جهة البداية مثلا ، إنّما يستلزم وجود الآن لو كان هو بطرفه مسبوقا بالعدم على سبيل أن يمكن وراءه امتداد يوقع العقل [٦٣ ط] بمعونة الوهم بينهما اتصالا. فربّما يسبق إلى الوهم ؛ أنّه قد وقع الانقطاع في شيء من أوساط ما يتصوّر من الامتداد ، فحصل طرف للموجود من الامتداد تخلّل بينه وبين العدم. وأمّا لو كان له بنفسه أيس بعد ليس مطلق على أن يكون انتفاؤه بحيث لا يتصوّر وراءه امتداد أصلا ، كما يكون للزمان ، ولا امتداد ، كما يكون للآن ، بل عدم صرف للزمان لا ممتدّ ولا غير ممتدّ ، على ما نضعه لضروب التّبيين ، فلا يكون الانتفاء في جهة الامتداد يلزم الانتهاء بالآن. فالآن لا يستطيع هناك إليه سبيلا. وأمّا تحققه في التوهّم ريثما يخلّل الوهم امتداد الزمان إلى أجزاء ينتزعها منه. فليس بقطع اتصاله [٦٣ ب] في الأعيان أصلا ، ولا في الوهم بحسب نفس ذاته ، بل بحسب الإضافة ، حسب ما افيد في كلام الشيخ الرئيس ، فتلطّف في سترك وتقدّس في نفسك واخلع بدنك واقلع حسّك وخذ الحكمة بعقلك وطهّرها عن رجس وهمك ، ولا تمنحها ذا فطرة عو جاء أو فطانة بتراء.

[٢٠] نقاوة معيارية

إنّما يلزم الوجود للآن بالفعل حيث يكون لمسافة الحركة التي هي علّة الزمان. فجلّه امتداد خطّيّ استقامىّ يتعيّن طرفه بأنّه منه تبتدأ الحركة ، فالانطباق بين المسافة والحركة يوقع ذلك. وأمّا لو كانت المسافة أوضاعا متصلة ، كما في الحركة الوضعيّة لجرم ما مستدير ، فلا يتعيّن [٦٤ ظ] نقطة بمبدئيّة الحركة أصلا ، لا في الجسم المتحرك ولا في سطح هو نهايته ولا في محيط دائرة مفروضة فيه ، فإنّ تبدّل الوضع يعرض لجميع الأجزاء والنّقاط بعضها بالنسبة إلى بعض أو إلى خارج معا ، ولا يكون آن يتعيّن أوّل حدوث ذلك التبدّل بأنّه فيه ، بل لا يصحّ لمثل هذا الحدوث أوّل آنيّ على ما تتعرّفه من بعد ، إن شاء الله تعالى

٣٦٣

شأنه. فمثل هذا الحركة لا يستلزم ذلك من جهة البداية أصلا ، لا في العين ولا في الوهم. نعم ربّما استلزمته في الوهم من جهة النهاية لانتهاء الحركة. فإنّ الوصول إلى منتهى المسافة آنيّ الحدوث. فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد. [٦٤ ب]

[٢١] إشارة

إنّك لتعلم أنّ الحركة إذا وجدت لا مع احد من السّرعة والبطء في زمان فإذا فرض وقوع أخرى في نصف ذلك الزمان أو في ضعفه ، كانت لا محالة أبطأ أو أسرع من الأولى. فكانت تلك أيضا على حدّ من السرعة والبطء ، وقد كانت وضعت لا حدّ على حدّ منهما ، هذا خلف. فإذن ، الحركة بنفسها ليس في طباعها استدعاء زمان بعينه. كيف وكلّ حركة في مسافة يقع في زمان ، يمكن وقوعها على أنّها في تلك المسافة في زمان أقلّ ، وكلّ زمان أيضا يمكن بالنظر إلى هويّته وقوع الحركة في أقلّ منه.

[٢٢] تأسيس

إنّ السّرعة والبطء لا تختلف بهما الحركات اختلافا [٦٥ ظ] بالنوع ، فكيف وهما تعرضان لكلّ صنف منها ، وهما ممّا يقبل الأشدّ والأضعف ، والفصل لا يقبلهما ، بل الحركة الواحدة بالاتصال تتدرّج من سرعة إلى بطء ، فهما من الأمور التي هي الحركة بالإضافة إلى حركة ، لا من التي لها في ذاتها ولا في الأزمنة تختلف هي بها اختلافا نوعيّا. فكيف وهي لا تختلف من حيث هي أزمنة بالنوع البتة ، لأنّها أقسام متصل واحد ، بل إن كان فبالشّخص ، ومقارنة ما تختلف بالشخص دون النوع لا توجب البتة مخالفة فصليّة منوّعة. فإذن الحركة إنّما تختلف نوعا باختلاف الأمور التي تقوّم ماهيّتها ، [٦٥ ب].

[٢٣] ذنابة

لعلّ الاستقامة والاستدارة في الحركة تتعاندان تعاند الفصول أو لو حق الفصول اللازمة التي يدلّ تعاندها على اختلاف الأشياء في النوع ، كما هما في الخطّ.

[٢٤] تنبيه وهتك

أليس حدّ السّرعة والبطء في المستقيمة والمستديرة من الحركة واحدا. فالسريع هو

٣٦٤

الذي يقطع مقدارا أطول في الزّمان الواحد ، وهذا يتناولهما معا. فكما أنّ المستقيم مقدار ، فكذلك المستدير ؛ وكما أنّ الأطول في المستقيم ما فيه المثل بالقوّة والزيادة ، فكذلك في المستدير ، والزمان غير مختلف. فإذن ما قد ظنّ أنّ السّرعة إنّما يقال عليها باشتراك الاسم فاسد. ولا يؤبه لمن ظنّه ، وإن كان النظر [٦٦ ظ] ربّما أوجب أنّه لا يصحّ المقايسة بين المستقيم والمستدبر ، ولا المناسبة فيهما ، كما لا يصحّ بين الخطّ والسطح مع قول المقدار عليهما على التّواطؤ.

[٢٥] استكشاف

أما تبيّن لك أنّ للحركة المستقيمة طرفا بالفعل ، إزاء لما ينطبق عليه من المسافة ، وهو طرفها. فلو كان الزمان مقدارا لحركة مستقيمة كان له أيضا طرف ينتهى هو به بالفعل ، أعنى الآن بالمعنى المسلف تفسيره. كأنّك تفطّنت أنّ الزمان لا يكون له ذلك بالفعل البتة. فإذن إنّما هو مقدار الحركة المستديرة. لا أيّة حركة كانت ، بل التي هي أسرع الحركات ، وهي حركة الجرم الأقصى من المشرق [٦٦ ب] إلى المغرب على منطقة معدّل النّهار.

فقد بيّن ، بما تبرهن في «علم الهيئة» ، أنّه يقطع مقدار درجة من مقعّره وعدد أميالها تسعة آلاف ، ألف وثلاث مائة وثلاثة وأربعون ألفا ، وثلاثة وتسعون في ثلاث خمس ساعة مستوية وفي جزء من تسع مائة جزء منها. وذلك بقدر ما يعدّ أحد من واحد إلى ثلاثين يقطع ما عدد أمياله مائة وخمسة وخمسون ألفا وسبع مائة وثمانية عشر وسدس. فمقدار ما يقول أحد واحد يتحرّك خمسة آلاف ومائة وستة وتسعين ميلا ، وهو ألف وسبع مائة واثنان وثلاثون فرسخا من مقعّره. والله أعلم بما يتحرّك محدّبه [٦٧ ظ] حينئذ.

[٢٦] تأييد

كأنّك تحدّست أنّ الزّمان بأجزائه من الساعات والأيّام والشهور والأعوام أظهر المقادير إنّية ، فيكون محلّه المستحفظ هو به أظهر الحركات فعليّة : وهي الحركة اليوميّة ، أعنى حركة فلك معدّل النهار التي يتحرك بها جميع السماويّات ، وبها تتقوم الأيّام والساعات

٣٦٥

في بقاع الأرض بأسرها ، وتطلع وتغرب الكواكب الثابتة والسيّارة في الآفاق أكثرها.

[٢٧] تشييد حدسىّ

إنّ جملة الزّمانيات يسعها الزمان بالفيئيّة ، كما يسع المكان جملة المكانيّات كذلك. وكما أنّ كلّا من مظروفات المكان يتصل منه امتداد مكانىّ إلى أقصى عالم المكان ، وهو فلك محدّد الجهات ، كذلك كلّ [٦٧ ب] من مظروفات الزمان يتصل امتداد زمانىّ منه إلى أقصى عالم الزّمان ، وهو أفق محتد التغيّر ومحدّد جهة التقضّى والتجدّد. وكما المكان يحيط بالمكانيّات جميعها ، كذلك الزّمان بالزّمانيّات جملتها ، وإلّا كان نسبة بعضها إليه بالمعيّة الغير الزمانية دون الفيئيّة. وما أيسر أن يظهر لك فساد ذلك.

فلو كان محلّ الزمان حركة مستقيمة ، ولا شيء منها يحيط بالكلّ ، كان لم تقع فيه الزمانيّات على أن تنسب إليه ب «في» ، بل كان أكثرها تقع مبانية له على أن يقتصر في النسبة على «مع» معيّة على نحو أخرى غير زمانيّة. وفيه خداج وزيغ. وسيتلى عليك ضربا ما من البيان [٦٨ ظ] إن شاء الله تعالى.

فإذن محلّ الزمان حركة مستديرة تحيط بهذا العالم كلّه ، وما هي إلّا حركة الجرم المحيط بالكلّ المحدّد للجهات. فتقدّس بعقلك وتحدّس من نفسك.

[٢٨] إيقاظ

ارجع إلى نفسك ، عساك تجد فعليّة تحقق الآن في الزّمان بحسب الوهم ، كأنّها تشبه فعليّة النّقطة في السطح المستدير ، كما لقطب الحركة في سطح الكرة ؛ أو المستوى ، كما لمركز الدائرة في سطحها. ما أسهل ما يتأتى لك بعد ما سبق أن تتفطّن.

[٢٩] تبصير

ليس الجرم المتحرك الحركة الحافظة للزمان ، وجد ، ثمّ إنّه تحرّك ، بل إنّما أخرجه [٦٨ ب] مبدعه من الليس إلى الأيس متحرّكا.

[٣٠] مضيق شكّ وفصية تحقيق

لعلّك تقول : إن كان للزمان وجود على أن يكون مقدارا للحركة ، وجب أن يتبع كلّ

٣٦٦

حركة زمان ، فيكون كلّ حركة تستتبع زمانا.

فيقال لك : ألست تفرّق بين أن يقال : إنّ الزمان مقدار لكلّ حركة ، وبين أن يقال : إنّ إنيّته متعلقة بكلّ حركة ، فالصحيح هو الأوّل دون الثاني. فليس من شرط ما يقدّر الشيء أن يكون عارضا له وقائما به ، بل ربما قدّر المباين بالموافاة والموازاة. وأيضا بين أن يقال : [٦٩ ظ] ذات الزمان متعلّقة بالحركة على سبيل العروض فالصحيح هو الثاني ، فيكون هذا يعرض لتلك دون الأوّل ، فيكون تلك تستتبع هذا ، فليس إذا تعلّق ذات شيء بطبيعة شيء ، وجب أن لا تخلو طبيعة الشيء عنه. وما تبرهن من أمر الزمان إنّما هو أنّه متعلق بالحركة وهيأته لها ، ومن أمر الحركة أنّ كلّ حركة تقدّر بزمان. وليس يلزم من هذين أن يكون كلّ حركة يتعلق بها زمان يخصّها. فلو أنّ كلّ ما قدّر شيئا استلزم إن كان عارضا له ، كان لكلّ حركة زمان يعرض ذاتها ، وليس بذلك ، بل الحركات التي لها ابتداء أو انتهاء مطلقا عند [٦٩ ب] المتهوّسين بالقدم أو على وجه يستلزم وجود الآن بالفعل على ما يشبه أن يكون هو الحقّ لا يتعلق بها زمان. وكيف ، ولو كان لكان مفصولا بالآن ، وقد زاف ذلك.

فإذن الزمان العارض لحركة واحدة على صفة تصلح لأن يتعلق بها هو يقدّرها وتقدّر به سائر الحركات ، وتلك حركة تستمرّ ، ولا يكون لها بالفعل أطراف تستلزم آنات تنطبق عليها ، وذلك كالمقدار الموجود في جسم يقدّره ويقدّر ما يحاذيه ويوازيه ، وليس يوجب تقديره ، وهو واحد بعينه للجسمين ، أنّ يكون متعلّقا بهما ، بل يتعلّق [٧٠ ظ] بأحدهما ويقدّره ، والآخر الّذي لم يتعلق به أيضا. وأمّا السكون ، فإنّما ينسب إليه الكون في الزمان أو التقدّر به على مسلك التجوّز. والمعنى أنّ السّاكن لو كان متحرّكا كان مقدار حركتها الزّمان.

[٣١] تذنيب

فإن قلت : أرأيت ، إن لم توجد تلك الحركة أكان يفقد الزّمان ، حتّى إذا وجدت حركات غيرها كانت بلا تقدّم وتأخّر. قيل : أجاب عنه الشيخ في «الشفاء» بأنّه إن لم يكن حركة مستديرة لجرم مستدير ، لم تعرض للمستقيمة جهات ، فلم يكن حركات مستقيمة طبيعيّة ، فلم تكن قسريّة ، فيجوز أن يكون حركة جسم من الأجسام [٧٠ ب]

٣٦٧

وحده ولا أجسام أخر مستحيلة ، وإن لم تكن استحالتها بيّنة ، فكثير من المحالات لا تتبيّن استحالتها إلّا ببرهان. والوهم إذا رفع المستدير وأتى بالمستقيم يجد زمانا محدودا لا يستنكره. لكنّ النظر في ما يصحّ في الوجود ، دون التوهّم.

[٣٢] تفريع وضبط

فالدّوريّة غنيّة عن سائر الحركات غير مستغنية عنها. فهى إذن أقدم الحركات بالطبع ، فيجب أنّ تتقدّم جميع الحركات حتّى يصحّ وجودها. وأيضا المستديرة تامّة لا تقبل الازدياد والنقص والاشتداد والتضعّف ، كما تعرض في الحركات الطبيعيّة أن تشتدّ آخر الأمر ، كمدرة إذا قربت (٧١ ظ) من المركز فى القسريّة إن تتضعّف إلى أن تبطل رأسا. والتّامّ وكذلك الجرم الأقصى المستدير الذي هو موضوع تلك الحركة الدوريّة ، فإنّه أقدم الأجرام بالطبع ، وبه تتجدّد جهات الحركات الطبيعيّة المستقيمة ، فلا تحيّف بسطحه المحدّب خلأ ولا ملأ وهو. أيضا أشرف من الناقص. فالدوريّة أقدم من سائر الحركات بالشرف أيضا أشرف من سائر الأجرام.

[٣٣] كشف وإذاعة

رأيت كيف بدأنا بما يحيل قيام الزّمان بشيء من الحركات الفاعلة حدودا ونقطا ، أينيّة كانت أو كميّة أو كيفيّة ؛ ثمّ ثنّيناه بإيجاب كون مستديرة بوضعيّة الاستحفاظ هي أظهر الحركات [٧١ ب] ، وليست إلّا اليوميّة ، فرجع إبداء احتمال وضعيّة لا يشعر بها ، وهي أسرع من اليوميّة ساقطا سقوط اللّغو من القول [مبدئ الاحتمال هو الشريف العلّامة في حاشية شرح العين. منه رحمه‌الله]. ثمّ قفّيناه بما شمل الحركة الكيفيّة الغير المتناهية لو أمكنت ، كحركة الهيولى في الكيفيّات الاستعداديّة عندهم. وأمّا حركة النّفوس في الكيفيّات النفسانيّة والشوقيّة ، فأنت متحدّس من نفسك حالها. وكيف لم تحوجها سياقة البيان إلى أخذ وجوب السكون بين المستقيمتين.

وفيه تجشّم أنت عنه لفى مندوحة. فالرواقيّون ، ومنهم أفلاطون الإلهيّ نافوه ، وأكثر المتكلمين موافقوهم. والمشّاءون مثبتوه بقول دحض ، والجبّائيّ من [٧٢ ظ] من المعتزلة بما هو أدحض.

٣٦٨

[٣٤] تبصرة

المتهوّسون بالقدم يجعلون الزمان غير متناهي الامتداد في جانب الأزل ، ولا منقطعه في جنب الأبد ، فينزّهونه عن العدم أزلا وأبدا. ونحن ، قاطبة المليّين ـ نردعهم عن الحكم الأوّل. ويوافقنا من أوائل القدماء الحكماء السّبعة المقتبسون نور الحكمة من مشكاة النبوّة. فمن الملطيّين ثالس وانكساغورس وانكسيمايس ، ومن غيرهم أنباذقلس وفيثاغورس وسقراط وأفلاطون دون الثاني. فلم يقم عقل أو شرع بامتناع بقاء ممكن ما أبدا ، بل قد يقومان بإثباته ، كما في المفارقات من النّفوس النّاطقة الإنسانيّة وغيرها [٧٢ ب]. ولعلّه هو الحقّ في الزّمان أيضا.

[٣٥] تكملة

من نفى منهم السّكون بين الحركات المختلفة أينيّة وغيرها ، يتمسّك في الإسناد إلى المستديرة بامتناع اتصال الحركات المختلفة بعضها ببعض بحيث يصير المجموع حركة واحدة. فالزّمان إذ هو شيء واحد متصل دائما يجب إسناده إلى ما هو مثله في الاتصال الوحدانىّ. فإذن الحافظة له متصلة دائمة ، ولا يكون سوى الدّوريّة.

ومن أثبت ، قال : المتحرك إلى حدّ ما بالفعل إنّما يصل إليه في آن. ثمّ إذا تحرّك عنه فلا محالة يصير مقارنا أو مباينا له بعد أن كان واصلا في آن أيضا ، ولا يتّحدان ، فيكون المتحرك واصلا ، [٧٣ ط] ، مباينا معا ، فليجتمع النّقيضان ، فهما متغايران ولا تتشافعان، فيلزم الجزء الّذي لا يتجزّى ، فبينهما زمان ، والمتحرك لا يكون فيه متحرّكا إلى ذلك الحدّ ، ولا عنه. فإذن هو ساكن. ونوقض بالحدود المفروضة في المساقات المتصلة المقطوعة بحركة واحدة.

وذكر الشيخ في «الشفاء» (...) : إنّ مباينة المتحرّك للحدّ ، أعنى حركته ، إنّما تقع في زمان. فإن عنى بآن المباينة طرف زمانها ، فلا يمتنع أنّ يكون هو بعينه آن الوجود ، فإنّه طرف للحركة عن ذلك الحدّ ، وطرف الحركة يجوز أنّ يكون شيئا ليس فيه حركة ، فيخرج عن ذى الطرف ، وفيه [٧٣ ب] يقع اللاوصول ولا يجتمع النقيضان ؛ وإن عنى به آن يصدق فيه الحكم بالمباينة فهو مغاير لذلك الآن ، وبينهما زمان. لكنّ المتحرك لا يسكن فيه ، بل يقطع مسافة تقع بين ذلك الحدّ وبين المباين له وضعا.

٣٦٩

قال : «وكذلك إن بدّل لفظ المباينة لا مماسّة».

ثمّ أتمّ الحجّة بأنّ الحركة الموصلة إلى الحدّ المذكور إنّما تصدر عن علّة موجودة تسمّى باعتبار كونها مزيلة للمتحرك عن حدّ ما ، مقرّبة له إلى آخر مثلا. وتلك هي علّة الوصول إلى ذلك الحدّ. لكن باعتبار الإيصال. وذلك اعتبار آخر [٧٤ ظ] غير ما بحسبه التّسمية ميلا ، وهي موجودة آن الوصول. فالميل من الأمور التي توجد في آن يكون معلوله ، وليس من التي لا توجد إلّا في زمان ، كالحركة. ثمّ المباينة لا تحدث إلّا بميل ثان يحدث أيضا في آن ويبقى زمانا ، ولا يكون ذلك الآن هو آن الوصول ، فكيف يجتمع ميلان مختلفان في جسم واحد ، فإذن بينهما زمان يكون المتحرّك فيه عديم الميل ، فيسكن.

[٣٦] أوهام وتنبيهات

ولعلّك تقول : ألا لم لا يكون الميل علّة معدّة للوصول ، لا موجبة ، فيجوز أنّ تنعدم ، فيوجد معلولها؟ فيقال لك : ألم يكن النظر في علّة علّته الموجدة ، وهي بعينها علّة صدور الحركة لا باعتبار [٧٤ ب] ما يسمّى ميلا ، أعنى كونها مزيلة المتحرك عن حدّ ما ، مقرّبه إلى حدّ آخر ، فيزول بذلك الاعتبار عند الوصول إلى ذلك الحدّ ، بل باعتبار الإيصال إليه وأنّه يبقى ما بقى معلوله ، كما في طبيعة الحجر من الثقل قبل الوصول إلى حيّزه الطبيعىّ وما دام فيه بعده.

أو تقول : ما ذكر إنّما يصحّ لو صحّ للآن وجود ، وليس يصحّ. فيقال لك : أليس يتعيّن عند الوهم آنات في الزمان تطابق حصول أشياء واقعة ، لا شيئا فشيئا ، بل دفعة ، كطلوع أو غروب. وهذه موهومات انتزاعيّة ليست اختراعيّة ، فيصدق كونها [٧٥ ظ] ظروفا لحصولات أو ارتفاعات.

أو تقول : أليس ينتقض البيان بعلّة الآن وعلّة عدمه. فإمّا أنّ تجتمعا في وقت واحد أو يكون إحداهما تدريجيّة أو يقع بينهما زمان؟ فيقال : سيقرع سمعك أنّه ليس كلّ ما لا يكون حدوثه على التدريج ، فإنّه يكون آنيّا ، بل هناك قسم ثالث هو الحادث في جميع الزمان على أنّ يكون له آن أوّل الحدوث فتربّص.

٣٧٠

[٣٧] هتك وحكومة

ربما يقال : لم يكون اللّامماسّة حاصلة في الزّمان الحاصل بعد المماسّة ، لا على أنّ يكون لزمانها طرف غير آن المماسّة ، فيكفى هناك [٧٥ ب] آن واحد.

ويدفع : بأنّ آن المماسّة الذي يجب أنّ يوجد فيه السبب الموصل لا يمكن أنّ يقع مبدأ زمان يزول فيه عن السبب كونه موصلا ، لأنّ ذلك الزّوال فاقر إلى حدوث سبب متجدد ، لا يمكن اجتماعه مع السبب الأوّل. والسّببان ليسا من الموجودات التي تحصل في أزمنة دون أطرافها ، ولا ممّا لا يوجد إلّا في أطراف الأزمنة ، ولا ممّا تكون منطبقة على أزمنتها. فهما إذن ممّا توجد في الأزمنة وفي أطرافها. لكن يتأتّى أنّ المفارقة تتحقق في نفس زمان ، طرفه آن الوصول وفي أيّ جزء فرض فيه ، فهى مع الحركة التي [٧٦ ظ] يوجد منها اللّاوصول. وإذ ليس لها آن أوّل الحدوث فكذلك لما معها.

فإذن الميل الثاني إنّما يحدث في نفس ذلك الزمان ، لا على سبيل أنّ يكون لحدوثه آن أوّل ، لكون معلوله أيضا على هذا السبيل. فلا ينفصل علّة المفارقة واللّاوصول عنهما في الحكم. ثمّ لو لم يؤخذ ذلك على مسلك التّبيين ، فلم لا يسلك في تزييف الحجّة على طريقة المنع؟

وما يقال : «إنّ الطّبيعة ، بعد أن يتقدّم عن محلّها القوّة الموصلة ، لا يمكن أن يوجد فيه الميل المزيل إلّا بعد زمان. وإذ ليس للميل هويّة اتصاليّة تنطبق على الزمان لا يمكن أن يوجد شيئا [٧٦ ب] فشيئا. فإذن حدوثه في آن هو آخر ذلك الزمان» ، يشبه أن يكون دعوى خليّة عن برهان. فإنّ تأثيرات الجسمانيّات وإن كانت زمانيّة ، لكن ليس يلزم أن يكون لآثارها أوّل الحدوث.

[٣٨] شكّ وإفشاء

إنّه ليسبق إلى الوهم : أنّ لنا أن نفرض ثلاث كرات صغرى ووسطى وكبرى ، بعضها في ثخن بعض ، على أن يكون البعد بين مركزى الاوليين كالبعد بين مركزى الاخريين ، وكلّ حاوية متحركة ومحرّكة ، محويّتها حول مركزها ، وحركة الوسطى المحاطة ضعف حركة الكبرى المحيطة وعلى خلاف جهتها. ولنفرض المراكز في مبدأ [٧٧ ظ] الدّور على خطّ مستقيم هو قطر المحيطة الكبرى. في تمام دوراتها

٣٧١

يتحرّك مركز جرم الصغرى على تمام قطر منطقة الكبرى مرّتين نزولا وصعودا ، ولا يتخلّل بينهما سكون لاتصال الحركات.

فكيف وقد أسّس ذلك من قام لسدّ ثغور الحكمة ، [هو الحكيم المحقق الطوسىّ قدّس سره القدوسىّ ، منه رحمه‌الله] على أن يكون أساسا لحلّ العقدة في أشكال تشابه حامل القمر حول مركز العالم مع عدم تساوى أبعاد مركز التدوير عنه في أجزاء الدّور. وإنّك تعلم أنّه لا يتطرّق السكون إلى الفلكيّات ويفشى الزّلل فيه بأنّه إنّما يحصل الصعود والهبوط هناك بالحركات المستديرة في نفس الأمر والمركّبة [٧٧ ب] منها في مركز الصغرى إنّما هي المستقيمة بحسب الرؤية ، لا التي يلزمها الميل الاستقامىّ ، والحكم إنّما كان على المستقيمتين تلك الاستقامة ، فهما تستندان إلى تخالف الميلين. وأمّا هذه فلا تستلزم مبدأ ميل استقامىّ، فلا يلزم أن يكون في الفلكيّات مبدأ ميل مستقيم ، وفيها مبدأ الميل المستدير. ثمّ إنّ الكلام في الحركات المستقيمة بالذات ، وهذه حركة بالعرض.

[٣٩] وضع استنكارىّ

كأنّ الرّائين ذلك الرأى يجعلون امتناع وجود الميلين سببا لتحقق السكون ، كما أنّ امتناع الخلأ قد يكون سبب الحركة التّخلخليّة ، ويرون أنّ عدم حدوث الميل [٧٨ ظ] المحرّك عن القوّة المحرّكة هو المبدأ القاسر للسكون. فالميل القريب ربّما يستولى على الميل الطبيعىّ ويعدمه ، ويمنع الحركة الطبيعيّة ، وتكون عند انتهاء الحركة القسريّة بقيّة من الميل الغريب تقوى على منع القوّة الطبيعيّة عن إحداث الميل الطبيعىّ إلى أن تبطل بنفسها أو يبطلها سبب آخر. كما أنّ السّخونة الغريبة بعد انقطاع الحركة قد تمنع طبيعة الماء عن انبعاث بردها الطبيعىّ عنها ، أو أنّ السّبب فيه معنى وجوديّ ، فإنّ المحرّك يفيد قوّة غريبة يتحرّك بها الجسم ، وبتوسّطها قوّة مسكّنة هي أمر كالمضادّ للميل ، أعنى بذلك أنّها أمر غريب ، به يحفظ الجسم مكان [٧٨ ب] ما هو فيه ، كما بالميل يترك مكانه فيكون منه قسريّ وطبيعىّ ، كما يكون من الميل. ويلتزمون السّكنات حيث تحصل في المسافة حدود بالفعل ، كما إذا اختلفت أبعاضها بعروض البياض والسواد مثلا. والسكون في الكرة المركّبة على دولاب دائر

٣٧٢

تحت سطح بحيث تلقاه عند الصّعود على نقطة ، ثمّ تفارقه حين المماسّة ، والرئيس أبو على لم يصوّب تعليق أحكام طبيعيّة بأوهام رياضيّة.

ومنهم من ينشط العقدة بأنّ موافاة الحركة المستديرة لموضع المماسّة لا يقتضي انقطاعها ، كما في سائر الحدود المفروضة في المسافة ، [٧٩ ظ] فكيف والكواكب تنتهى بالحركات المستديرة المتصلة إلى نقاط معيّنة ، وترجع عنها ولا سكون في الفلكيّات.

ومنهم من لم يفرّق بين الحركات المستقيمة والمستديرة إذا ما كان الوصول إلى حدود بالفعل ، ويقصر الحكم بتخلّل السكون على الحركات المختلفة الذاتيّة ، والكواكب إنّما تتحرّك تلك الحركات بالعرض ، وبه يسدّ الخلل أيضا في حجر الرّحى المرمىّ إلى فوق إذا ما عارضه في مسلك نزوله حصاة صغيرة صاعدة. وفى «الشفاء» ، سيق المقال إلى ضرب من البسط لا يحمله طور [٧٩ ب] الغرض في هذا الكتاب ، واسلوب الجبّائىّ مستبين الوهن بالمسلف من القول.

٣٧٣

فصل (٣)

فيه يستقصى النّظر في الآن السّيّال ، وتحلّ شكوك قيلت في أمر الزّمان والآن ،

ويحقّق معنى كون الزمان غير قارّ الذات.

[١] مدخل

هل كفاك سلف القول في كشف الغطاء عن حقيقة الآن ، بمعنى الطّرف الوهمىّ للزمان ، أعنى الذي هو حدّ مشترك بين حاشيتيه ، الماضى والمستقبل ، به يتصل أحدهما بالآخر ، وهو واصل بينهما بذلك الاعتبار ، فاصل باعتبار أنّه يفصل الأوّل عن الثاني ، لكونه نهاية لذلك وبداية لذا. لكن على الجهة التي عرّفناكها [٨٠ ظ] من قبل. وتتحصّل فعليّته الذهنيّة بشعور دفعىّ بمماسّة جسم لآخر ، أو وصول مركز النيّر إلى محاذاة الأفق أو شيء من أشباه ذلك ، وهو نفس طرف الزمان ، لا شيء في طرفه وكذلك سنّة الأطراف. فالسّطح هو نفس ظاهر الجسم ، لا شيء في ظاهره. والخطّ هو نفس طرف السّطح وظاهره، لا شيء هو كذلك. وكذلك النقطة ، فقد حان حين أن تتعرف أنّ هناك آنا على سبيل آخر.

[٢] توطئة

ألم يقرع سمعك في الحكمة أنّ الحركة على معنيين : أحدهما التوسّط بين مبدأ المسافة ومنتهاها ، بحيث أيّ حدّ يفرض في الوسط لا يكون [٨٠ ب] المتحرّك قبله ولا بعده فيه، لا كحدّى الطّرفين ، فهذا هو صورة الحركة ، وهو صفة واحدة بسيطة شخصيّة تلزم المتحرّك ولا تتغيّر ما دام هو متحرّكا وإن تغيّرت حدود التوسّط بالفرض إزاء ما ينفرض في المسافة من التقاط مثلا. وليس كون المتحرّك هو متوسّطا ، لأنّه في حدّ دون حدّ ، بل لأنّه على الصفة المذكورة.

ثمّ هذا الكون في الوسط وإن كان واحدا شخصيّا ، فإنّه من حيث له حدود بالقوّة من جهة اتصال موافاة حدود المسافة يقبل الانقسام بالفرض إلى غير نهاية ، وإلّا كان دفعة ؛ فهو مستمرّ بحسب الذات غير مستقرّ بحسب [٨١ ظ] النسبة إلى حدّ تلك الحدود. فكما أنّ النقطة مثلا في المسافة لا تكون بالفعل ولكن بالقوّة ، فكذلك كلّ

٣٧٤

كون من الأكوان المنتزعة من ذاك لا تتميّز عمّا يليه بالفعل إلّا بالقوّة.

فإذن ، الحركة وجود بين صرافة القوّة ومحوضة الفعل. فهى كمال أو فعل أوّل ، به يتوصّل إلى كمال أو فعل ثان هو الوصول إلى الغاية ، فلذلك رسموها بكمال أو فعل أوّل لما هو بالقوّة من جهة ما هو بالقوّة أو بالخروج من القوّة إلى الفعل يسيرا يسيرا على سبيل اتجاه نحو شيء. وثانيهما الأمر المتصل المنطبق على الممتدّ من المسافة بين طرفيها ؛ وهذا يسمّى الحركة بمعنى القطع ، (٨١ ب) والأوّل الحركة التوسّطيّة. فتذكّر ولا تكون من الذاهلين.

[٣] إيناس

هل اختطفت ما يقولون : إنّ النقطة فاعلة للخطّ ، كالوحدة للعدد ؛ فإنّ طرف المتحرّك ، وليكن نقطة ما ، كرأس مخروط يرسم بحركته وسيلانه مسافة ، بل خطّا ما ، كأنّه ، أعنى ذلك الطرف ، هو المنتقل ، فقد تعرض للنقطة مماسّة منتقلة ، والمماسّة لا تحدث إلّا في آن. فلا يصحّ تتالى المماسّات.

فإذن ، بين كلّ مماسّتين حركة وزمان ، فيوجد هناك لا محالة خطّ ينطبق عليهما. ثمّ ذلك الخطّ تنفرض فيه نقطة متوهّمة ، لا على أنّها فاعلة له أو أجزائه ، بل على أنّها [٨٢ ظ] واصلة بين أجزائه الوهميّة. فالفاعلة للخطّ غير المتوهمّة فيه.

فهذا القول في النقطة وإن كان أمرا يقال للتخييل ، لا على أنّ له إمكان وجود ، على ما حققه الشيخ الرئيس في «الشفاء» و «التعليقات». فإنّه إذا ماسّ الجسم جسما بنقطة ثمّ ماسّه باخرى تكون النقطة الاولى قد بطلت بالحركة التي بينهما ، إذ المماسّة لا تثبت ، والجسم يكون بعد المماسّة كما كان قبل المماسّة ، فلا تبقى فيه نقطة ثابتة تكون مبدأ خطّ بعد المماسّة ولا يبقى امتداد بينهما وبين أجزاء (آخر) المماسّة. فإنّ تلك النقطة إنّما هي نقطة بالمماسّة لا غير ، كما علم في الطبيعيّات. فإذا بطلت [٨٢ ب] تلك المماسّة بالحركة فكيف تتبقى هي نقطة ، وكيف تبقى الخطّ الذي هي مبدأ له. وأيضا ما لم يكن هناك سطح موجود ، لم يصحّ للنقطة حركة. فإذن السطح والخطّ يوجدان قبل النقطة ، فلا تكون النقطة حركة النقطة علّة لوجود الخطّ ، بل هذه الحدود جميعا متأخّرة عن وجود الجسم. لكنّك إذ انجذبت بذهنك إلى لحاظه تدرّجت إلى نيل ما أنت بسبيله.

٣٧٥

[٤] إذاعة

يشبه أن يكون في الحركة بمعنى القطع شيء ، كالنقطة الفاعلة للخطّ وأشياء كالنقط المفروضة فيه التي لم تفعله ، بل تأخّرت عنه (٨٣ ط) وكذلك في الزمان ، فإنّه يتوهّم منتقل وحدّ في المسافة وزمان. فالمنتقل بفعل نقلة متصلة على مسافة متصلة في زمان متصل ، فهو ، بل حالته التي تلزمه في الحركة ، أعنى الكون في الوسط ، أمر بسيط غير منقسم ، فعّال بسيلانه اتّصالا متقدّرا بالزمان ، ويطابقه من المسافة نقطة ، أعنى الفاعلة ، لا الواصلة بين جزءين من اجزائها ، ومن الزمان آن.

وهذا هو ما نسمّيه الآن السّيال. لست أعنى بذلك ، الآن المحفوف بالماضى والمستقبل ، كأنّه حدث زمان فحدّ بعد حصوله بذاك ، على ما عرّفناك من قبل ، بل الأمر [٨٣ ب] البسيط الراسم للزمان الذي هو مقدار الحركة المنطبق على الحركة التوسّطيّة. فمن البيّن أنّه لا يكون مع المنتقل المتحرّك خطّ المسافة فقد خلفه ، ولا الحركة بمعنى القطع فقد انقضت ، ولا الزمان فقد سلف. فإذن إنّما يكون معه من كلّ واحد أمر غير منقسم باق دائما ما بقى الانتقال. فمن القطع الشيء الذي هو الحركة ما دام الشيء يتحرك ، ومن المسافة الحدّ إمّا نقطة أو غيرها ومن الزمان هذا الآن.

[٥] ذكر فيه تشييد

قال الشيخ في طبيعيات («الشفاء» ، ص ١٦٤) : «فكلّ واحد من هذه نهاية ، والمنتقل أيضا نهاية لنفسه ، [٨٤ ظ] من حيث انتقل ، كأنّه شيء ممتدّ من مبدأ المسافة إلى حيث وصل ، فإنّه من حيث هو منتقل شيء منتقل من المبدأ إلى المنتهى ، وذاته الموجودة المتصلة حدّ ونهاية لذاته من حيث قد انتقل إلى هذا الحدّ.

فحرى بنا أن ننظر : هل كما أنّ المنتقل ذاته واحدة ، وبسيلانه فعل ما هو حدّه ونهايته ، وفعل المسافة أيضا ؛ فكذلك في الزمان أيضا شيء هو الآن يسيل ، فتكون هي ذاتا غير منقسمة من حيث هي هو ، وهو بعينه باق من حيث ذلك ، وليس باقيا من حيث هو الآن ، لأنّه إنّما يكون آنا ، إذا أخذ مجدّدا للزمان ، كما أنّ ذلك [٨٤ ب] إنّما يكون منتقلا إذا كان محدّدا لما يحدّده ، ويكون في نفسه نقطة أو شيئا آخر.

وكما أنّ المنتقل يعرض له ، من حيث هو منتقل ، أنّه لا يمكن أنّ يوجد مرّتين ، بل

٣٧٦

هو يفوت بفوات انتقاله ، كذلك الآن من حيث هو آن ، لا يوجد مرّتين. لكنّ الشيء الذي لأمر ما صار آنا ، عسى أنّ يوجد مرارا ، كما أنّ المنتقل من حيث هو أمر عرض له الانتقال عسى أن يوجد مرارا. فإن كان شيء مثل هذا موجودا ، فيكون حقّا ما يقال : إنّ الآن يفعل بسيلانه الزمان ، ولا يكون هذا هو الآن الذي يفرض بين زمانين يصل بينهما. كما أنّ النّقطة الفاعلة بحركتها [٨٥ ظ] مسافة هي غير النقطة المتوهّمة فيها. فإن كان لهذا الشيء وجود فهو مقرون بالمعنى الذي حققنا في ما سلف أنّه حركة ، من غير أخذ متقدم ولا متأخر ولا تطبيق.

وكما أنّ كونه ذا أين إذا استمرّ سائلا في المسافة أحدث الحركة ، كذلك كونه ذا ذلك المعنى الّذي سمّيناه الآن إذا استمرّ سائلا في متقدّم الحركة ومتأخّرها أحدث الزّمان. فنسبة هذا الشيء إلى المتقدم والمتأخّر هي كونه آنا ، وهو في نفسه شيء يفعل الزمان».

[١٦] تنبيه

أيتيسّر لك أن تتلطّف من نفسك فتجد أنّ استمرار ذلك الأمر البسيط في الحركة مع عدم استقرار [٨٥ ب] نسبته إلى الحدود المفروضة في المسافة بحسب الوجود في الأعيان واتصال ذلك مدّة الحركة بحيث تنطبق على المسافة المتصلة في ذاتها وحصول قطع المسافة في الخارج على الاتصال ، لا على أن يكون هناك قطوع أجزاء المسافة متمايزة على الانفصال ، فيلزم أن يكون هي ذات مفاصل بالفعل يستوجب الحكم البتّى بوجود أمر ممتدّ من الحركة في الأعيان منطبق على المسافة المتصلة ، لكن على أن يكون موجوديّته في مجموع شخص زمان الحركة على التطابق. فتنفرض الأجزاء فيه جسمات ، تنفرض في ذلك الزّمان ولا يجتمع اثنان [٨٦ ظ] متها في شيء من أجزاء الزّمان أو شيء من الآنات المنفرضة فيه. وكذلك وجود الآن السيّال في الخارج على وصفى الاستمرار وعدم الاستمرار ، ووجود الحركات المعيّنة مع انطباق الحركة على الزمان يستدعيان الممتدّ المتصل من الزمان أيضا في الأعيان على نحو ما في الحركة ، إلّا أنّ الممتدّ من الزمان موجود في نفسه ، لا في آن ولا في زمان ، بخلافه من الحركة ، فإنّها توجد في الزمان.

ثمّ أليس قول جمهور الحكماء في تقسيم الكم الموجود في الأعيان إلى القارّ و

٣٧٧

غير القارّ ، وتبيين وجود الزمان بأجزائه الممتدّة من الليالى والأيّام والشهور [٨٦ ب] والأعوام ، والحكم بأنّ الموجود من الحركة يتقدّر بالزمان وينطبق على المسافة وتتكمّم بكميّتها بالعرض ، وهو لا يصحّ في التوسّطيّة ؛ ومخالفة عامّة المتكلّمين لهم في وجود العرض الغير القارّ من الأمور الموضعة مذهبهم في وجود الممتدّ من الزمان والحركة وإجراء تلك الأحكام مجرى المسامحة يشبه أن يكون فشفشة في القول وتقوّلا على الفلاسفة وقعقعة في الفلسفة وهدما لبنيان الحكمة.

[٧] إشارة

كما أنّ الحركة التوسّطيّة والآن السيّال ترسمان الممتدّ من الحركة والزمان الذي هو مقدارها في الأعيان ، كذلك يرتسم [٨٧ ظ] من كلّ منهما بحسب الاستمرار وعدم الاستقرار أمر ممتدّ في الذهن ، أعنى الخيال. وحدوث ذلك الارتسام الخيالىّ إنّما يكون على التدريج في زمان. فالأجزاء المفروضة في ذلك الممتدّ تكون متعاقبة في الارتسام على نحو ما تتعاقب الأجزاء المفروضة في الخطّ المستقيم المرتسم من القطرة النازلة أو المستدير المرتسم من الشعلة الجوّالة ، أعنى بذلك التعاقب في صرف الحدوث دون البقاء ، فإنّ تلك الأجزاء مجتمعة هناك في البقاء آنا على خلاف ما يكون في الارتسام الخارجىّ ، فشأنه [٨٧ ب] هناك تعاقب ما تنفرض من الأجزاء المتوهمة حدوثا وبقاء. فاحدس من ذلك أنّ من حكم بكون الزمان أو الحركة غير قارّ الذات مطلقا ، عنى به ذلك بحسب الوجود في الأعيان.

[٨] وهم وهتيكة

أرأيت من الناس من ضلّ فظنّ أنّه لا يوجد في الأعيان من الحركة والزمان إلّا التوسّط والآن السيّال المنطبق عليه. وأمّا الممتدّ منهما فإنّما يرتسم في الخيال من ذينك الراسمين على الجهة المستقصاة ، لا غير. ثمّ من العجب ما يدور على السنة المتأخّرين عامّتهم أنّ ذلك [٨٨ ظ] هو ما اجتمعت عليه آراء الفلاسفة بشتاتها. وقد ذكر الشيخ في طبيعيات «الشفاء» أنّه من المذاهب الباطلة التي اضطر كثير من النّاس إلى انتهاجها من جهة شكوك اوردت ، ويعسر على الأوهام حلّها. وسنبلّغك قوله بعبارته إن شاء الله.

٣٧٨

[٩] شكّ وتحقيق

ربما يقال : نعيّن آنا في زمان الحركة فنقول : أفيه حركة ، فيقع الحركة في الآن ويستلزم جزءا غير منقسم في المسافة ، وقد أبطل ؛ أو سكون ، فتنبتّ الحركة ، وقد وضع أنّها متصلة واحدة كالمسافة غير ملتئمة من المبتدءات. ثمّ من المتحرّكات ما في طباعه مبدأ [٨٨ ب] امتناع السكون ، كالفلكيّات ، أو ليس فيه شيء منهما ، فيخلو الموضوع القابل عنهما ، وهو خلف.

فيزال بانه ليست فيه حركة لعدم كونها دفعية ولا سكون لتحقق الحركة وإن لم يكن في الآن. فالحركة في الآن أخصّ من اللّاسكون وممّا يساويه. فانتفاؤهما لا يستلزم انتفاء مساوى اللّاسكون ، لتحقّقه بالحركة لا في الآن. ونظير ذلك من وجه المتحرّك في البيت ، فإنّه ليس بساكن ولا متحرك في السوق. فإذن ، الآن إن أخذ ظرفا للاتّصاف اختير الاتّصاف فيه بالحركة الواقعة في الزمان ، لا فيه ، وإن جعل ظرفا لوقوع [٨٩ ظ] الحركة والسكون ؛ قيل: لا يقع شيء منهما فيه ، ولا يلزم خلوّ الموضوع فيه عن الاتّصاف بهما.

[١٠] عقدة وحلّ

ولعلّك تقول : إنّ المتحرّك ما لم يصل إلى المنتهى لم توجد الحركة بتمامها. وإذا وصل فقد بطلت الحركة.

فيقال لك : إنّما يستدعى ذلك امتناع وجودها في آن الوصول إلى المنتهى ، بل أيّ آن فرض من الآنات ، ويعيّر عنه بالحال ، والوجود في الأعيان أعمّ من ذلك. فالحركة إنّما توجد في زمان ، نهايته آن الوصول. فهناك يتمّ وجودها في الماضى. ولا ينقبض العقل من أن يكون بعض الأشياء بحيث يكون ظرف وجوده نفس الزمان دون الآن ، فيكون إمّا ماضيا أو مستقبلا كالزمان. نعم الشيء الذي يكون ظرف وجوده الآن إذا لم يوجد [٩٩ ب] في آن من الآنات لم يصحّ أن يوصف بالوجود أصلا.

فإن توهّمت أنّها لا تتصف بالوجود العينىّ قبل الوصول لعدم انقطاعها ، ولا حاله وإلّا استلزمت شيئا لا ينقسم من المسافة.

أزيل وهمك ، بأنّه إن اريد بقبل الوصول آن قبله ، فالترديد غير حاصر ، وإن اريد

٣٧٩

به ما يعمّه وزمانا اختير أنّها تتصف بالوجود العينىّ في زمان قبل آن الوصول ، نهايته ذلك ، فهى بنفسها توجد في نفس ذلك الزّمان ويحدّها في تلك النهاية. فإذن الحركة لا وجود لها إلّا في الماضى من الزمان أو في المستقبل منه. وأمّا الحال ، فإنّما هو نهاية أحدهما وبداية الآخر ، وليس [٩٠ ظ] بزمان. فلا يكون فيه حركة أصلا.

ولا يسوغ لك أن تقول : الماضى من الحركة هو الذي كان موجودا في آن حاضر ثمّ مضى ، فإنّه هو الّذي كان بعضه بالقياس إلى آن قبل الحال مستقبلا وبعضه ماضيا ، وصار في الحال كلّها ماضيا. وهكذا في المستقبل. والآن الفاصل بين الماضى والمستقبل ليس يقع فيه حركة.

أو لم يكفك قول خاتم الحكماء في «شرح الإشارات» و «نقد المحصل» : أنّه لا يصحّ قسمة الحركة والزمان إلى ماض ومستقبل وحال ، لأنّ الحال هو حدّ مشترك بين الماضى والمستقبل هو نهاية أحدهما وبداية الآخر ، والحدود المشتركة بين [٩٠ ب] المقادير لا تكون أجزاء لها ، وإلّا لكان التنصيف تثليثا والتثليث تخميسا ، بل هي موجودات مغايرة لما هي حدوده بالنوع.

[١١] وهم وإزاحة

كدت أسمعك تقول : أما يلزم من اتصال الحركة الماضية بالمستقبلة اتصال الموجود بالمعدوم. أفلا تتفكّر أنّك إن عنيت اتصال الموجود بالمعدوم المطلق بحيث يحصل منهما موجود عينىّ ، فذلك غير لازم ، وإن عنيت اتصال الكائن في الزمان الماضى بالمعدوم في الحال الكائن في الزمان المستقبل بحيث يلتئم منهما موجود في مجموع الزمانين على أن ينحلّ إليهما في الوهم ، وهو في نفسه وفي الوجود العينىّ متصل وحدانىّ ، فذلك [٩١ ظ] غير مستحيل ، بل هو ما عليه الأمر نفسه.

[١٢] إماطة ريبة

أأصغيت إلى الذي يقول ، وهو ممّن قد يسير مع زمرة الحافّين حول عرش التحقيق ، أنّه إذا قيل بوجود الماضى ، فإمّا أن يراد أنّ وجوده مقارن لوصف المضىّ ، فيلزم أن يكون موجودا أو معدوما معا ، إذا لا معنى للمضيّ إلّا الانقضاء أو أنّه كان مقارنا

٣٨٠