مصنّفات ميرداماد - ج ١

مير محمّد باقر بن محمّد حسين الاسترابادي [ ميرداماد ]

مصنّفات ميرداماد - ج ١

المؤلف:

مير محمّد باقر بن محمّد حسين الاسترابادي [ ميرداماد ]


المحقق: عبدالله نوراني
الموضوع : الفلسفة والمنطق
الناشر: منشورات مطبعة وزارة الإرشاد الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-7874-07-3
الصفحات: ٦٣٨
الجزء ١ الجزء ٢

ثمّ العقل بمعونة الوهم ربما يحلّله إلى أجزاء يخرجها له من القوّة إلى الفعل. فتلك القبليّات والبعديّات ، أعنى بذلك أنّ تلك النّحو من القبليّة والبعديّة لا تزيد على حقيقة الزمان ، بل إنّ ما به القبليّة والبعديّة هو نفس أجزاء الزّمان ، سواء كان القبل والبعد هي أو غيرها. فكلّ جزء من أجزاء الزّمان هو نفس القبل والقبليّة باعتبارين [٢٤ ب]. وكذلك ما به المعيّة في ما تجرى فيه المعيّة الزّمانيّة ، فإنّه أيضا هو بعينه جزء من أجزاء الزّمان.

فإذن ، التقدّم والتأخّر ليسا بعارضين يعرضان للأجزاء ، فيصيّرانها متقدّما ومتأخّرا ، بل تصوّر عدم الاستقرار الّذي هو حقيقة الزّمان يستلزم تصوّر التقدّم والتّأخّر للأجزاء المفروضة فيه لعدم الاستقرار ، بل هما آن جزء منه أو حدّان مفروضان فيه. وهذا تحصيل معنى عروضهما له بالذّات.

وأمّا ما له حقيقة غير عدم الاستقرار يقارنها ذلك ، كالحركة وغيرها ، [٢٥ ظ] فإنّما يصحّ حمل المتقدّم والمتأخّر عليه بتصوّر عروضهما له. فانفصال ما هو المعروض بذاته عن الّذي بغيره قد استوى إذن أمره.

قال الشيخ أبو على في طبيعيّات («الشفاء» ، ص ١٥٨) في الفصل المعقود للمختار من المذاهب ، بعد قسط من البيان :

«فبيّن من هذا إنّ هذا المقدار هو بعينه الشّيء الّذي هو لذاته يقبل إضافة قبل وبعد، بل هو في نفسه منقسم إلى قبل وبعد. لست أعنى بهذا : أنّ الزّمان يكون قبل لا بالإضافة ، بل أعنى أنّ الزمان لذاته تلزمه هذه الإضافة ، وتلزم سائر الأشياء بسبب الزّمان ، فإنّ الشيء إذا قيل له قبل ، وكان ذلك الشيء غير الزّمان ، (٢٥ ب) فكان مثل الحركة والإنسان وغير ذلك ، كان معناه : أنّه موجود مع شيء هو بحال ، تلك الحال تلزمها إذا قيست إلى حال الآخر إن كان الشّيء بها قبل لذاته ، أى يكون هذا اللزوم له لذاته. فالمتقدم تقدّمه أنّه له وجود مع عدم شيء آخر لم يكن موجودا ، وهو موجود ، فهو متقدّم عليه إذا اعتبر عدمه ، وهو معه إذا اعتبر وجوده فقط ، وفي حال ما هو معه ، فليس متقدما عليه ، وذاته حاصلة في الحالين ، وليس حال ما هو له متقدم هو حال ما هو مع ، فقد يبطل منه لا محالة أمر كان له من التقدّم عند ما هو مع

٣٤١

فالتقدّم [٢٦ ظ] والقبليّة معنى لهذا الذّات ، ليس لذاته ، ولا ثابت مع ثبات ذاته. وذلك المعنى مستحيل فيه أن يبقى مع الحالة الأخرى استحالة لذاته ، ومستحيل فيه أن يصير مع ، ومعلوم أنّ هذا الوجود لا يثبت له عند وجود الآخر.

وأمّا الشيء الّذي له هذا المعنى والأمر ، فلا يستحيل ذلك فيه ، فإنّه تارة يوجد ، وهو قبل ، وتارة يوجد وهو مع ، وتارة يوجد وهو بعد وهو واحد بعينه. وأمّا نفس الشّيء الّذي هو قبل وبعد لذاته ، وإن كان بالقياس ، فلا يجوز أن يبقى هو بعينه ، فيكون بعدا ، بعد ما كان قبلا ، فإنّه ما جاء المعنى الّذي به الشّيء بعد إلّا بطل (٢٦ ب) ما هو به قبل والشيء ذو هذا الأمر هو باق مع بطلان الأمر القبل».

(«الشفاء» ، «السماع الطبيعى» ، ص ١٥٨) ، انتهى ما رمنا نقله ، لتقرير غامض المعنى. وإن كانت هذه السّياقة من الإطناب وراء طور الكتاب.

[٥] تبيان

ربما يتوافق المتحركان في ابتداء الحركة وانتهائها ويختلف مقطوع المسافة قلّة وكثرة ، إمّا لاختلاف السّرعة والبطء أو لتفاوت عدد السّكونات المتخلّلة كما يراه قوم ، أو في أحد الأمرين فقط ، وتساوى مقطوعا هما من المسافة لذلك أيضا ، أو فيهما وفي حدّ السّرعة والبطء جميعا ، فتتساوى [٢٧ ظ] المقطوعتان حينئذ.

وأيّا ما كان ، يكون من مبتدأ الحركة إلى منتهاها إمكان قطع المسافة بعينها بالحركة المعيّنة السّرعة والبطء أو المعيّنة التّركيب مع السّكون ، وإمكان قطع ما هي أطول أو أقصر بالأسرع ، والأقلّ مخالطة سكونات أو الأبطأ والأكثر مخالطة السكونات ، فبين المبتدأ والمنتهى إمكان محدود بالقياس إلى الحركة وإلى السرعة.

وإذا نصّفت المسافة والسّرعة بعينها والبطء بعينه ، حصل إمكانان متساويان ، كلّ منهما نصف الإمكان المفروض أوّلا فذلك الإمكان منقسم ، وكلّ منقسم (٢٧ ب) فمقدار أو ذو مقدار. فقد صحّ أنّه لا يعرى عن مقدار ما ، فهو إمّا مقدار المسافة ، فتعود المتساويات مسافة متساويات فيه. وليس كذلك ، أو مقدار المتحرك ، فيكون الأعظم أعظم فيه ، وهو منتف. ومن المعلوم أنّ الحركة ليست نفسها ذات هذا المقدار نفسه ، ولا السّرعة والبطء ذلك ، إذ الحركات تتفق في أنّها حركة وفي

٣٤٢

السّرعة والبطء ، وتختلف في هذا المقدار. وربّما تختلف في السرعة وتتفق فيه الحركة ، ولا يجوز أن يكون قائما بنفسه ، كيف وهو منقض فاسد مع ، بقدره. فهو إذن متعلق بموضوع ليس مادّة المتحرك [٢٨ ظ] بلا واسطة ، وإلّا لتصير به أصغر وأعظم ، فهو فيه بواسطة هيئة ولا تكون قارّة ، كالبياض والسّواد ، فيكون بتمام مقدارها يحصّل في المادّة مقدارا ثابتا قارّا ، والمادّة تزيد بزيادته وتنقص بنقصانه ، وليس كذلك ، فبقى أن يكون مقدار هيئة غير قارّة ، وهي الحركة. ولذلك لا يتصوّر الزّمان إلّا مع الحركة ، ومتى لم يحسّ بحركة لم يحسّ بزمان ، كما وقع لأصحاب الكهف ولقوم من المتألهين قبلهم ، على ما حكى المعلّم الأوّل.

فإذن ، الزّمان هو لذاته مقدّر للتغيّر ومقدار لما هو في ذاته ذو تقدّم وتأخّر ، لا يوجد المتقدّم منها مع المتأخّر ، [٢٨ ب] فلا يكون هو قبل وبعد ، لأجل شيء آخر ، وإلّا لكان ذلك الشيء أو شيء آخر ينتهى إليه التّدريج آخر الأمر هو لذاته قبل وبعد. وأمّا سائر الأشياء ، فإنّما يكون فيها قبل وبعد ، بمعنى أنّ القبل منها فائت أو البعد غير موجود مع القبل ، لا لذواتها ، بل لمقارنتها في الوجود لقسم من أقسام هذا المقدار. فما طابق منها جزءا هو قبل قيل له قبل ، فما طابق منها جزءا هو بعد قبل قيل له بعد. وهذا الأشياء هي ذوات التّغيّر ، إذا لا فائت ولا لاحق حيث لا تغيّر. وكيف يكون [٢٩ ظ] قبل وبعد إذا لم يحدث أمر فأمر ، ولم يكن اختلاف وتغيّر ، فالزّمان مادّيّ موجود في المادّة بتوسّط الحركة، ولا توجد إلّا بوجود تجدّد حال مع استمرار ذلك التّجدّد ، فهو كم متصل ليس بذى وضع.

[٦] إشارة

أمّا تحقق عندك : أنّ للحركة كميّة من جهة مقدار المسافة ، فتزيد وتنقص بزيادتها ونقصانها وكذلك من جهة الزّمان ، وأنّ لها عددا من حيث انقسامها إلى أجزاء متقدّمة واخر متأخّرة حسب انقسام المسافة إليهما إلّا أنّ الأجزاء المتقدمة للمسافة تجتمع [٢٩ ب] في الوجود مع المتأخّرة منها ، بخلاف ما بإزائهما من متقدّمة الحركة ومتأخّرتها ، فإنّهما لا توجدان معا ، وكذلك من جهة الزّمان إذا انقسم إلى أجزاء متقدمة ومتأخرة ، ولكن ذلك إنّما يكون من جهة المسافة. فالتقدّم والتّأخّر من جهة

٣٤٣

ما هما للحركة معدودان بها ، فإنّها بأجزائها تعدّ المتقدّم والمؤخّر. فالحركة لها عدد من حيث لها في المسافة تقدّم وتأخّر ومقدار بإزاء مقدار المسافة. فما أيسر لك أن تعتبر الزّمان كميّة الحركة ومقدارها [٣٠ ظ] ما دامت على اتّصالها وعددها إذا انفصلت إلى متقدّم ومتأخّر لا بالزمان ، بل من جهة ما يتبع انقسام المسافة على ما هو المسلوك في «الشفاء». فلا تقع في التحديد الدّورىّ. وأمّا مسلك «الإشارات» ، وهو أن تعتبر كميّة وعددا لها ، لا من جهة المسافة ، بل من جهة التقدّم والتأخّر اللّذين لا يجتمعان. فربما يفضى بك إلى الوقوع في الدّور ، إلّا تمتطى تسامحا.

[٧] سياقة

الزّمان كم متّصل بالذات وبالعرض أيضا ومنفصل بالعرض ، أمّا الأوّل ، فلأنه في نفسه مقدار الحركة. وأمّا الثاني [٣٠ ب] فلأنّه يقدّر بالمقايسة إلى مسافة ما ، فيقال : زمان حركة فرسخ فيقدّر الزّمان بالفرسخ ، وهو مقدار خارج عنه ، فقد يكون الشيء في مقولة. ثمّ يعرض له شيء من تلك المقولة ، كالكيفيّة تعرض لها الكيفيّة ، والإضافة تعرض لها الإضافة. وأمّا الثالث ، فلما يعرض له من الانفصال إلى الساعات والأيّام وغير ذلك. وإنّما يعرض له ذلك بسبب التقدّم والتأخّر.

[٨] تلويح استفادىّ

أليست الحركة في ذاتها حقيقة هي كمال ما بالقوّة أو خروج من قوّة إلى فعل ، وليس في طبيعة هذا المعنى أنّ هناك بعدا ما بين [٣١ ظ] المبتدأ والمنتهى متصلا قابلا للقسمة الوهميّة ، بل إنّما يعلم ذلك بنوع من النّظر يحقق أنّ هذا المعنى إنّما يوازى المقدار المتصل لا غير. فلا يدخل في ماهيّتها اتصال أو تقدّر ، بل إنّما يعرضها ذلك من جهة المسافة ، واتصاله المسافة تصير علّة لوجود تقدّم وتأخّر فيها ، وهي بهما تقتضى وجود عدد لها هو الزّمان. فهى متصلة من جهتين. فعلّة اتصال الزّمان اتّصاله المسافة بتوسّط اتّصال الحركة بها. لست أعنى بذلك أنّه علّة لصيرورة الزّمان متصلا. كيف وهو متصل بذاته لا بعلّة ولا بأمر عارض ، بل [٣١ ب] عليّته لوجود ذات الزّمان المتّصل. كما أنّ سبب الحركة علّة لوجود الحرارة التي هي كيفيّة بذاتها لا

٣٤٤

لكون الحركة كيفيّة. فالاتصال المسافيّ يقتضي وجود المتقدّم والمتأخّر في الحركة على الاتصال، وعدد المتقدم والمتأخّر يكون بمقدار الحركة ، والحركة تعدّ الزّمان من المتقدم ، والمتأخّر والزّمان يعدّ الحركة على أنّه نفسه عدد لها. كما أنّ وجود المعروض للعدد علّة لوجود العدد العارض ، ثمّ هو يعدّ المعروض على أنّه عدد له.

واعتبر الأمر في وجود الناس [٣٢ ظ] بالنسبة إلى عددهم ، وهو مثلا عشرة. فلوجودهم وجدت العشريّة ، وهي جعلتهم ذوى عدد. فإذا عدّتهم نفس لم يقع المعدود طبيعة الإنسان ، بل العشريّة الّتي حصّلها افتراق الطبيعة وإن كانت هي صحّحت لها المعروضيّة للعدد. فكما أنّ النّفس بالانسان تعدّ العشريّة ، فكذلك بالحركة تعدّ الزّمان بالمعنى المذكور على الجهة المستقصاة تلخيصا وترصيصا.

[٩] مصباح

كأنّك إذن متحدّس أنّ الزمان ، لكونه بذاته مقدارا ، يكون استعداد [٣٢ ب] الموهوب من القسمة فيه له بذاته ، ولا كذلك الحركة. وأمّا تعيّن الامتداد بالفعل فإنّما يعرض له بسبب الحركة.

فإذن الحركة علّة لوجود الزمان ، كالجسم لوجود المقدار ، والزّمان علّة لكون الحركة غير متناهية المقدار أو متناهيته ، والمحرّك علّة لوجود الحركة ، فهو علّة أولى لوجود الزمان وعلّة أيضا لثبات الحركة المستتبع لازدياد كمّيتها ، أعنى الزّمان ، ولا علّة لكون الزّمان مستعدّا لأن يمتدّ إلى نهاية معيّنة أو لما إلى نهاية أصلا. فإنّ ذلك له لذاته ، كما كان قبول الانقسام له كذلك. [٣٣ ظ].

لكن وجود هذا المعنى ، أعنى الامتداد إلى نهاية أو لا نهاية بالفعل ، إنّما يكون له بسبب المحرّك وبتوسّط الحركة. كما أنّ وجود الانقسام له بالفعل إنّما يكون بقاسم خارج. فالحركة بذاتها توجد الزّمان على نحو يلزمه استعداد قبول الانقسام لذاته ، وبثباتها كونه ممتدّا إلى نهاية أو لا نهاية بالفعل.

ثمّ الزّمان يفيد كون الحركة ذات مقدار متناه أو غير متناه. فكثير من الأشياء يوجد أمرا ، وكذلك الأمر صفة أوّليّة ، ثمّ يكون له تلك الصّفة بالقصد. [٣٣ ب] الثاني. فتولّ الخوض كى تدرك فيه غوره.

٣٤٥

[١٠] إحصاء

من النّاس من نفى وجود الزمان مطلقا ، ومنهم من أثبت له وجودا ، لا على أنّه في الأعيان بوجه من الوجوه ، بل إنّه أمر متوهّم ، ومنهم من جعل له وجودا لا على أنّه أمر واحد في نفسه ، بل على أنّه نسبة ما على جهة ما ، لأمور أيّها كانت إلى أمور أخر ، أيّها كانت تلك أوقات لهذه ، فتخيّل أنّ الزّمان مجموع أوقات ، والوقت عرض حادث يفرض مع وجوده وجود عرض آخر ، أيّ عرض كان ، فهو وقت لذلك الآخر ، كطلوع الشمس وحضور إنسان. ومنهم [٣٤ ظ] من وضع له وجودا وحدانيّا على أنّه جوهر قائم بذاته مفارق للجسمانيّات. ومنهم من جعله جوهرا جسمانيّا هو نفس الفلك الأقصى. ومنهم من عدّه عرضا ، فجعله نفس الحركة عودة الفلك زمانا ، أى دورة واحدة. فهذه هي المذاهب المسلوكة في الأعصار السالفة قبل نضج الحكمة. حكى عنها في طبيعىّ «الشفاء» ، (ص ١٤٨).

وأمّا المحصّلون من أرباب الحكمة النضيجة ، فذهبوا [إلى] أنّه موجود مقدار للحركة. ولعلّك من أنفة القول على هدى فيه. ثمّ [٣٤ ب] في مستأنف البيان يتعيّن لديك أنّ ما يستتبعه هي حركة معدّل النهار إن شاء الله الحكيم. وصاحب «التلويحات» يزعم أنّ الحركة من حيث تقدّرها عين الزمان وإن غايرته من حيث هي حركة. فهو لا يزيد عليها في الأعيان ، بل في الذهن فقط إذا اعتبرت من حيث هي حركة. وأبو البركات البغداديّ يتقوّل على الحكمة ، فيألق ويقول : إنّ الزمان مقدار الوجود.

[١١] تذنيب

انتحلت الأشاعرة ثالث المذاهب ، فعندهم الزّمان متجدد معلوم يقدّر به متجدّد مبهم يزال به إبهامه. وقد يتعاكس بحسب متصوّر المخاطب [٣٥ ظ]. فإذا قيل : متى جاء هذا الإنسان ، يقال : عند طلوع الشمس إذا استحضر الطلوع دون المجيء. ثمّ إذا قال مستحضر المجيء دون الطلوع متى طلعت الشمس ، يقال : حين جاء هذا الإنسان ، وكذلك يختلف بالنسبة إلى الأقوام ، فيقال لهم : أجعلتم الزمان نفس ذلك المتجدد وهو أمر موجود ، فكأنّكم نسيتم ما كنتم تذهبون إليه ، من أنّه موهوم. ثمّ إذا بقى مدّة ، و

٣٤٦

هو واحد بعينه ، كان مدّة البقاء ووقت الابتداء واحدا ، ولا يتفوّه به إنسان أو نفس الاقتران والمعيّة. فكلّ مقترنين ومعين [٣٥ ب] إنّما يقترنان في أمر ما هما فيه معا. فما به المعيّة هو الوقت الذي يجمعهما ويجعل كلّ منهما دالا عليه ، بل قد يدلّ عليه بغير هما ممّا يقع فيه ، فقد جعلتم أمارات الأوقات أوقاتا ، فأمكن عندكم تعاكس التوقيت. ولو كنتم تفقهون ما هو الوقت حقيقة ، لحكمتم بامتناع ذلك.

[١٢] تشعيب

من النّاهضة لرابع الآراء من تحيّف بخداج الظنّ فيتخيل للزمان وجودا مفارقا للمادّة على أنّه واجب الوجود بذاته ، مستقلّ بالقيام بنفسه. وإليه ذهبت متقدّمة الفلاسفة من متهوّشتهم. ومنهم من يضع إدراجه في الطبائع [٣٦ ظ] الإمكانيّة. لكن لا على أن يعتريه تعلّق بمادّة ، بل على أنّه جوهر موجود ، منفصل الذّات عن المادّيّات ، مفارق الوجود للجسمانيّات ، مستقلّ بنفسه ، قائم في وجوده بذاته. وهذا الرأى ينسب إلى إمام الحكمة أفلاطون الإلهيّ وشرذمة من أشياعه.

ومشرع الفريقين استيجاب أن لا يقع في بحث ذات الزمان. والمدّة تغيّر أصلا ما لم تعتبر نسبة ذاته إلى المتغيّرات. فالمدّة إن لم يقع فيها شيء من الحركات والتغيّرات لم يكن فيها إلّا الدوام والاستمرار ، وإن وقع حصلت [٣٦ ب] لها قبليّات وبعديّات لا من جهة التغيّر في ذات الزمان والمدّة ، بل إنّما من قبل تلك المتغيّرات.

ثمّ إن اعتبر نسبته إلى الذّوات الدائمة الوجود المتنزّهة عن التغيّر سمّى من تلك الجهة بالسرمد ، وإن اعتبرت نسبته إلى ما فيه الحركات والتغيّرات من حيث حصولها فيه ، فذاك هو الدّهر الدّاهر ؛ وإن اعتبر من جهة نسبته إلى المتغيّرات المقارنة إيّاه فذاك هو المسمّى بالزمان. وصاحب «المباحث المشرقية» يتزحزح عن مندوحة الحقّ بمضايق الشّبه ، ويجتنح ، في شرحه لعيون الحكمة ، إلى التشبّث [٣٧ ظ] بذيل أفلاطون.

[١٣] إيضاح

ليست الحركة تتصف بالسرعة والبطء حقيقة. لا بالزيادة والنقصان والمساواة والمفاوتة إلّا من جهة المسافة أو الزمان ، ولا كذلك الزمان ، بل إنّما يتّصف بالطول و

٣٤٧

القصر والزّيادة والنّقصان والمساواة والمفاوتة بالذات ، ويكون حركتان معا ، ولا يكون زمانان معا ، وقد يحصل حركتان مختلفتان معا في زمان واحد ، وزمانهما لا يختلف ، والحركة فصولها غير فصول الزمان ، والأمور المنسوبة إلى الزمان مثل هو ذا وبغتة والآن وآنفا ، ليست هي من حدّ الحركة في شيء ، والزّمان [٣٧ ب] يصلح أن يؤخذ في حدّ الحركة السريعة دون الحركة. وكذلك حكم الحركة الأولى الفلكيّة وجزء الزّمان زمان وجزء الدّورة ليس بدورة. وليس كلّ ما يتقضّى منه شيء ويتجدّد آخر زمانا. بل إنّما يكون إذا كان ذلك لطبيعته بذاتها ، والحركة ليست كذلك بطبيعتها ، بل بمقارنة الزمان. والقياس من موجبتين في الشكل الثاني لا ينتج على أن إحدى مقدّمتيه كاذبة ، وكلّ موجود ليس ينطق عليه الزمان ، بل بعض الموجودات يرتفع عن سمط الزّمان ويحيط به. فاستقم كما أمرت ، ولا تقتحم عقبات الظنون والأوهام. [٣٨ ظ]

[١٤] تفصلة فيها تبصرة

عند محصّليهم أنّ عدم الزّمان قبل وجوده أو بعده ، قبليّة وبعديّة تصدّان ما هو قبل وبعد عن الاجتماع في الوجود يمتنع بالنظر إلى ذاته. ولا يلزم أن يكون واجب الوجود ، كما توهّم ، عديم التحصيل منهم في سالف الحكمة ، لأنّ امتناع خصوص نحو عدم لذاته لا يستلزم امتناع طبيعة العدم ، فلا يأبى ذاته أن يعدم أزلا وأبدا ، فلا يوجد أصلا. ولعلّ الحقّ لا يسع إلّا ما هو أخصّ من ذلك. فالممتنع بالنظر إلى ذاته عدمه المتقدم على وجوده التقدّم الذاتىّ الزمانىّ ، أو المتأخر [٣٨ ب] عنه ذلك التأخّر ، إذ يلزم إذ ذاك اقتران وجود الشيء بعدمه. ولنأتينّك بمشبع النّظر في مستقبل القول ليطمئنّ قلبك.

[١٥] أسّ قانونىّ

وجوب الطبيعة بشرط شيء لذاتها أو بالنظر إلى شيء يستلزم وجوب الطبيعة لا بشرط شيء كذلك ، بل هو عينه ، ولا عكس ؛ وامتناع الطبيعة لا بشرط شيء في نفسها أو بالنظر إلى شيء يستلزم امتناع الطبيعة بشرط شيء كذلك ، وليس عينه ، ولا عكس.

[١٦] عقد وحلّ

لعلّك تقول : أما جعلتم في أساسات تعاليمكم الإمكان محوج الممكن في بقائه

٣٤٨

أيضا إلى العلّة ، وأحد النقيضين إذا امتنع بالنظر إلى ذات بذاتها. أما [٣٩ ظ] تضعون الآخر واجبا بالنسبة إلى تلك الذات من حيث هي تلك. فإذا امتنع العدم الطارئ بالنظر إلى ذات الزمان ، كان نقيضه ، وهو الوجود ، في آن الوجود أو الوجود المستمرّ ، أو ما شئت فسمّه ، واجبا له بذاته ، فكيف يحتاج هو في بقائه إلى علّة مبقية.

فيقال لك : كيف يكون ذلك النحو من الوجود واجبا لذات الزمان ، ويمكن انتفاؤه عنه نظرا إلى ذاته ، في ضمن انتفاء الوجود المطلق عنه بالكليّة ، وإن لم يمكن ذلك بعد عروض الوجود ، فالوجوب على تقدير لا يوجب الوجوب بالذّات [٣٩ ب] نحو شيء من أنحاء الوجود لا يقع نقيضا للعدم الطارئ ، بل هو رفعه ، ويتحقق بالوجود ، وبعدم لا يكون طاريا. فالمقيّد قد يرتفع برفع ذاته المقيّدة ، وقدير تقع برفع قيده ، وما يتبرهن امتناعه هو العدم الطّارئ على طريق التوصيف التقييدىّ دون الإضافة ، أى رفع الوجود على التّقييد بالطريان ، أعنى الرّفع المقيّد لا الرفع المضاف على سبيل رفع المقيّد. فما أسهل لك أن تجتزى في تحقق نقيضه برفع الطريان ، فيتحقق برفع غير طار.

[١٧] تنوير

سبيل العدم بعد الوجود بعديّة زمانيّة بالنظر إلى ذات الزّمان سبيل الوجود بعد العدم أيّة بعديّة كانت [٤٠ ط] بالقياس إلى ذات الواجب الوجود تعالى ، فإنّه يمتنع هناك مع امتناع جميع أنحاء العدم ويتحقق نقيضه بوجود ليس بعد عدم.

[١٨] شكّ وتكشاف

ربما يستكن بخلدك أنّ فردا من الماهيّة كيف يكون نقيض فرد آخر منها وأفراد الماهيّة متشابهة من جهة ما لها من تلك الماهيّة. أفليس العدم الطارئ ورفعه فردين لطبيعة العدم. فيزال : بأنّ طبيعة العدم تختلف باختلاف ما أضيفت إليه. فإن أخذ العدم الطارئ فردا من طبيعة رفع الوجود ، لم يكن رفعه فردا من فلك الطبيعة ، بل من طبيعة العدم ، بمعنى [٤٠ ب] مطلق الرفع المساوق للسلب المستفاد من كلمة النفى مطلقا. والفرق غير متضح الفساد ، سيّما في المفهومات الاعتباريّة.

فإن لجّ لاجّ وقصر الرفع البتة على الإضافة إلى الثّبوت دون الماهيّة في نفسها ، فيكون

٣٤٩

قد أرجع النقيضين إلى الثبوت العدم الطارئ ورفعه. وإن أعيد النظر في رفع شيء ما من الأشياء مقيّدا بالطريان ، وقيل إنّه فرد من طبيعة الرّفع المساوق لمفهوم كلمة السلب مطلقا ؛ ونقيضه ، وهو رفعه أيضا فرد من تلك الطبيعة ، ارتكب أنّ نقيض الشيء قد يكون من أفراد ماهيّته [٤١ ظ] في نفسه. ومن هاهنا يتأسّس أنّ التناقض بهذا المعنى لا يتكرّر من جانبى النّقيضين ، إذ لا يكون مفهوم كلّ منهما رفع الآخر ، وأنّه لا يتحقق بين أكثر من مفهومين. فلا يكون شيئان ، مفهوم كلّ منهما شيء واحد بعينه.

[١٩] مدحضة [٤١ ب]

أنت على سلطنة التشكيك من قولك ، وإذن قد صار عدم العدم مقابل العدم ونوعه. وبينهما تدافع ، لأنّ النوعيّة توجب حمل ما هو الجنس على ما هو النوع مواطاة ، وعلى ما يحمل عليه النوع مواطاة أو اشتقاقا ذلك الحمل بخصوصه. فما أظهر أنّ عروض النوع بالأخصّ مطلقا لشيء يلزمه عروض الجنس أو طبيعة الأعمّ مطلقا له ، بل هو عينه. وما أسخف قول من قال : النوعيّة بحسب حمل المواطاة ومقتضاها الصّدق بحسبه والتقابل بحسب الحمل الاشتقاقىّ على ثالث. وسبيله [٤٢ ظ] امتناع الاجتماع بحسبه ، فلا يتنافيان ويدانيه في الفساد وسبيله [٤٢ ظ] امتناع الاجتماع بحسبه ، فلا يتنافيان.

ويدانيه في الفساد حديث من يسرد [صدر المدققين] أنّ موضوع التقابل هو مسمّى لفظ عدم العدم ، وهو لا عدم ، لا أنّه عدم ، فليس من أنواعه ، وموضوع النوعيّة نفس مفهومه ، وهو ما عيّن مسمّاه به في الذّهن ، والمسمّى قد يتناول ما عيّن هو به ، وهو الحاصل منه في الذّهن ، كالمفهوم ، فيطلق اللفظ الموضوع للمسمّى عليه حقيقة ، وقد لا يتناوله ، كاللّامفهوم ، إذ ما يحصل منه في الذّهن مفهوم ، فيطلق عليه اللفظ الموضوع لمسمّاه المقابل للمفهوم على سبيل التّوسع. [٤٢ ب] ، فلفظ عدم العدم يطلق على مفهومه في الذّهن ، وهو العدم المضاف إلى نفسه توسّعا ، وعلى مسمّاه الّذي هو موضوع التقابل ، وهو اللّاعدم حقيقة ، فيختلفان.

وكيف يفرّق بين المسمّى والمفهوم أفنسي ما تحقق عند أهل التحصيل ، وقد حصّله هو أيضا ، من أنّ الألفاظ إنّما توضع للصّور الذهنيّة بالذّات وللحقائق الّتي تلك عنوانات لها بالعرض ، ولم أهمل حيثيّتى الحملين الذاتىّ والعرضىّ ، ولم

٣٥٠

يحصّل أنّ شيئا لا يسلب عن نفسه ، وكلّ مفهوم يحمل على نفسه بالحمل الأوّلىّ الذّاتىّ. إلّا أنّ طائفة [٤٣ ظ] من المفهومات تحمل على أنفسها بالحمل العرضيّ ، كالموجود المطلق والممكن العامّ والمفهوم والكلىّ وأمثالها ؛ وطائفة منها لا تحمل على أنفسها ذلك الحمل ، بل الحمل الأوّلىّ فقط ، كالجزئىّ واللّامفهوم واللّاممكن وعدم العدم وأشباهها. ولذلك اعتبر في وحدات التّناقض وحدة الحمل أيضا. ولا يجبّ عرق الشّبهة إلّا تكثير الحيثيّة التّقييديّة الموقعة تكثّرا في ذات الموضوع دون التّعليليّة ، كما يقال : إنّ النّوعيّة من حيث إنّه عدم مقيّد ، والتقابل من حيث إنّه رفع للعدم ، ولا يقرن بما يكثّر الجهة ، [٤٣ ب].

[٢٠] تذييل فيه هدم وتحصيل

أسمعت الّذي هو [الفاضل المحقق جلال الملّة والدين محمّد الدّوانىّ] بعيدىّ الغور يتفصّى بأنّ العارض للعدم هو حصّة من العدم محصّصة به تحصّص العارض بالمعروض. وهذا لا يقابل العدم ، بل هو نوع منه ومعروضه معدوم ، والمقابل له هو عدم العدم الّذي تحصّصه بالعدم سابق على العروض ، ويصير ، بعد اعتبار عروضه له عدم عدم العدم ، ومعروضه موجود. فالمعنيان متغايران.

ولا يتوهّم أنّ معروض الأخير إن لم يتصف بالعدم المطلق يحقّق المقيّد بدون المطلق ، وإن اتصف به كان موجودا ومعدوما ، لأنّه متصف به ، بمعنى أنّه سلب [٤٤ ظ] عنه شيء ما ، والمعدوم بهذا المعنى لا يقابل الموجود ، إنّما المقابل له هو بمعنى ما سلب عنه الوجود ؛ ويعترف بعدم حسمه لمادّة الشّبهة ، إذ لو قيل : إنّ عدم العدم الّذي تحصّصه بالعدم سابق على العروض عدم مقيّد بقيد ، فيكون نوعا منه ، ولا يجتمع مع العدم في الموضوع ، فيكون مقابلا له ، لتأتّى.

ثمّ يقول : الحقّ أنّ هذا المقيّد ، من حيث إنّه عدم مقيّد بقيد مع قطع النظر عن خصوصيّة القيد نوع منه ، ومن حيث إنّه رفع للعدم ، مقابل له. فالمنظور إليه [٤٤ ب] في الاعتبار الأوّل هو كونه عدما مقيّدا بقيد ، وفي الاعتبار الثاني هو كونه رفع العدم وسلبه. فالموضوع مختلف بالاعتبار ، كما يقال ، مثلا في معالجة الشخص نفسه : إنّه ، من حيث إنّه معالج ، غيره من حيث إنّه مستعلج. فالمؤثّر النّفس من حيث ما لها من

٣٥١

ملكة المعالجة ، والمتأثّر هي من حيث ما لها من قبول العلاج. وفي علم النّفس بذاتها إنّها من حيث حضور مجرّد عندها عالم ، ومن حيث إنّها مجرّد حضر عند مجرّد معلوم. فموضوع العالميّة يغاير موضوع المعلوميّة بالاعتبار ؛

ولا يستشعر أنّ المقيّد باعتبار [٤٥ ظ] مطلق التقييد ، مع عزل النظر عن خصوصيّة القيد إذا كان نوعا من العدم ، بمعنى الأخصيّة منه ، كان باعتبار الخصوصيّة أحرى بأن يكون كذلك ، ونوعيّة الأوّل بالنّسبة إلى طبيعة العدم المطلق غير مدافعه لأن يكون الثاني أيضا نوعا منه ، بل محققة لذلك. وكيف ظنّ أنّ علم المجرّد بذاته ممّا يحوج إلى تكثّر جهة تقييديّة فيه على أن يكون في ذاته شيء بإزاء العالميّة وآخر بإزاء المعلوليّة ولو بحسب انتزاع العقل. ولا يتكلّفه من في نفسه قوّة طابخة للحكمة. فقد استبان لذويها أنّ معقوليّة الشيء هو كون ماهيّته [٤٥ ب] المجرّدة لشيء ، وعاقليته هي كون ماهيّته مجرّدة لشيء له بلا شرط أن يكون ذلك الشيء هو أو غيره ، ووجود المعقول في ذاته هو وجوده لمدركه ، ووجوده لمدركه نفس معقوليّه.

فلمّا كان المجرّد وجوده لذاته بخلاف الماديّ ، فإنّ وجوده في ذاته هو وجوده للمادّة ؛ كان وجوده بعينه عقله لذاته ، وما منه بإزاء العاقليّة هو ما منه بإزاء المعقوليّة ، إلّا أنّك إذا قايست بينه وبين الذّوات العاقلة لمعقولات هي غيرها سمّيته باعتبارك أنّ ذاته لها هويّته المجرّدة عاقلا ؛ وحكمت بأنّ ذلك منه بإزاء العاقليّة ، [٤٦ ظ] وباعتبارك أنّ هويّته المجرّدة لذاته معقولا ؛ ووضعت هذا منه بإزاء المعقوليّة ، لا على أنّ في ذاته أحد الاعتبارين يخالف الآخر. فاختلاف الاسم يتبع اختلاف الإضافة الحاصلة بالمقايسة.

ولو كان الأمر كما ظنّ ، لا نجرّ تغاير اعتبارات ذات المبدأ الأوّل ، تعالى شأنه ، إلى تكثّر الحيثيّات في ذاته ، جلّ ذكره ، وهو قول فضيح يتقدّس عن أمثال ذلك جناب قدّوسيّته ، فليس هناك إلّا تكثّر الأسماء باعتبار السّلوب والإضافات اللّازمة من المقايسة بينه وبين غيره ، وكبرياؤه أعلى من ذلك كلّه. وليته ينظر إلى قول الشيخ الرئيس [٤٦ ب] أبي على في كتابى «الشفاء والنجاة».

فقد فهمت أنّ نفس كونه عاقلا ومعقولا لا يوجب أن يكون اثنين في الذّات ولا اثنين في الاعتبار أيضا ، فإنّه ليس تحصيل الأمرين إلّا اعتبار أنّ له ماهيّة مجرّدة هي

٣٥٢

ذاته ، وأنّه ماهيّة مجرّدة ذاته له. وهاهنا تقدير وتأخير في ترتيب المعانى. والغرض المحصّل شيء واحد بلا قسمة.

فقد بان أنّ كونه عاقلا ومعقولا لا يوجب فيه كثرة البتة. وفي كتاب «المباحثات» : «إنّه عاقل وإنّه معقول ، فيه ، شيء واحد». (ص ٢٤٢). وفي كتاب «التعليقات» : «والبارى تعالى هو عقل ، لأنّه هويّة مجرّدة ؛ وهو عاقل ، لأنّ ذاته له ؛ وهو معقول ، لأنّ هويّته المجرّدة لذاته. وكون ذات البارى عاقلا ومعقولا لا يوجب أن يكون هناك اثنينيّة في الذّات ولا في الاعتبار. فالذات واحدة والاعتبار واحد ، لكن في الاعتبار تقديم وتأخير في ترتيب المعانى ، ولا يجوز أن تحصل حقيقة الشيء مرّتين ، كما تعلم. فلا يجوز أن تكون الذات اثنين» (ص ٧٨). فانظر كيف زلّ حتّى كاد يضلّ ، والله يهدى من يشاء إلى صراط المستقيم.

[٢١] قسطاس

ما هو أخصّ [٤٧ ظ] من طبيعة ، ولنضعه نوعا منها ، كالإنسان من الحيوان ، إنّما نوعيّته من حيث إنّه تلك الطبيعة مع قيد ، لا من حيث تخصّصه بخصوصيّة القيد ، كالناطق ، فإنّ الطبيعة ، وإن كانت عين الفرد بحسب أنحاء الوجود جميعها ، إلّا أنّ للعقل أن يأخذها تارة من حيث التعيّن وأخرى من حيث الإبهام ، ويضع بينهما اثنينيّة ما. والفرد وإن كان في تلك الملاحظة أيضا مخلوطا بالطبيعة بحسب نفس الأمر ، لأنها لا بشرط شيء لم تأب في ذاتها عن أن يكون معها شرط أو لم يكن ، فيتحقق بوجود الطبيعة بشرط [٤٧ ب] شيء ، أينما وجدت ، ولو في هذا النّظر إلّا أنّ هذا اللّحظ لمّا كان اعتبارا للطبيعة بشرط شيء من حيث خصوص تعيّنها حتّى يكون أصل الطبيعة لا بشرط شيء مفصولة عنها ، ريثما تلحظ بذلك اللحظ ؛ صحّ أيضا أن يحكم عليهما بالتّعرية فيه بحسبه ، فيشبه أن يكون تلك الملاحظة ظرف الخلط والتعرية باعتبارين.

وما أشبه ذلك بقولهم في ظرف اتصاف الماهيّة بالوجود : «إنّ المعتبر في مطلق الاتّصاف بحسب ظرف ما هو أن يكون الموصوف بحسب مرتبة وجوده في ذلك الظرف غير مخلوط بذلك الوصف العارض».

ولا يستراب [٤٨ ظ] أنّ الماهيّة في الوجود الخارجى مخلوطة بذلك الوجود و

٣٥٣

في الوجود في نفس الأمر كذلك مخلوطة به بحسب نفس الأمر وفى الوجود العقلىّ أيضا مخلوطة به بحسب نفس الأمر ، لكن للعقل أن يأخذها غير مخلوطة بشيء من العوارض. فهى في هذا الاعتبار معرّاة عن جميع العوارض حتّى عن هذا الاعتبار.

فهذا النظر وإن كانت التعرية فيه ، لكنّه ممّا به الخلط بحسب النفس الأمر ، وهذا النحو ظرف للاتصاف به ، وهو نحو من أنحاء وجود الماهيّة في نفس الأمر. وهو وإن تقدّم على سائر الاتصافات ، لكنّه لا يتقدّم على [٤٨ ب] نفسه ، والاتصاف به أيضا فيه ، فلذلك أهمل بعض أهل التحقيق اشتراط التقدّم في الموصوف.

[٢٢] وهم وإزاحة

ولعلك تقول : فيلزم تحقّق المقيّد دون المطلق أو الفرد دون الطبيعة في هذا النظر ، وهو نحو من أنحاء الوجود في نفس الأمر.

فيقال لك : هذا النظر وإن كان من أنحاء نفس الأمر ، لكن تلك أوسع من هذا ، واللازم تحقيق للفرد دون الطبيعة في هذا ، لا بحسب تلك ، والخرق في ارتكاب ذاك دون ذا ؛ أو يقال : هذا إنّما يكون من أنحاء نفس الأمر من حيث إنّه وجود لا بتعمّل العقل اتفق أن صار [٤٩ ظ] ذلك عينه ، لا من حيث خصوصيّة الاعتبار ، على ما سيقرع سمعك. وذلك التّحقق فيه من حيث خصوص الاعتبار ، لا بالاعتبار الأوّل.

[٢٣] تذكير. (تنبيه خ)

فعدم العدم فرد من أفراد العدم باعتبار طبيعة أنّه طبيعة العدم مع قيد لا ، من حيث خصوصيّة القيد في نحو ملاحظة التّعيّن والإبهام ، فإنّه من حيث تلك الخصوصيّة ، هو هذا الفرد بخصوصه ، وهو شيء غير طبيعة الفرد في تلك الملاحظة ومقابل له من حيث الخصوصيّة ، لا من جهة مطلق الفرديّة. ولا أظنّك شاكّا في أنّ التدافع إنّما هو بين [٤٩ ب] التقابل وسنخ مطلق الفرديّة ، لا بينه وبين التخصّص بخصوصيّة هذه الفرديّة من غير أن يجعل النّظر إليها مشوبا بالنظر إلى سنخ الفرديّة ، وإن كان ذلك السّنخ وهذه الخصوصيّة متخالطين في الوجود. فهذا سبيل اختلاف الحيثيّة التقييديّة ، طباق أملك ، فاسلكه ممجّدا لربّى وربّك تمجيدا.

٣٥٤

فصل (٢)

في استيناف القول في أمر الزّمان على طور آخر

[١] تمهيد

أما استبان لك ، من المتلوّ عليك من قبلنا ، والمخزون عندك من تلقاء نفسك في أصل إيصال الجسم وأنّه عديم المفاصل في ذاته بالفعل ، [٥٠ ظ] أنّ الزّمان مقدار ، وهو متّصل محاذ لاتصال الحركات والمسافات. فعند المتهوّشين بإثبات القدم أولى التحصيل منهم هو بجملته من الأزل إلى الأبد موجود متصل واحد شخصىّ ، وكذلك محلّه ، وهو الحركة المستديرة الحافظة له بسرمديّته. وأهل التّهويش من أسلافهم يضعون أزمنة متكثّرة يلتئم السّرمد من تركيبها.

وعلى ما ذقناه من الحكمة ، ويشبه أن يكون فيه طعم التّحقيق ، هو بهويّته الامتداديّة المتناهية ، لا على أن ينتهى إلى أزل زمانىّ ، بل على نحو آخر ، سيستبين سبيله على ما نصف [٥٠] لك ، إن شاء الله الحكيم تعالى ، موجود وحدانىّ شخصىّ متصل من أزله إلى أبده ، حذاء اتصال محلّه من الحركة المستديرة كذلك. فلا محالة يتوهّم بين أجزائه الوهميّة فصول مشتركة حسب ما هو شأن المتّصلات. فتلك هي الّتي تسمّى الآنات ، ولا تتشافع ، وإلّا استلزمت الأجزاء الّتي لا تتجزّى في الجسم.

[٢] إشارة

إنّك لتعلم أنّ أجزاء المتصل الواحد الموجود ، وتسمّى الأجزاء المقداريّة ، ليست معدومة صرفة ، كيف والذهن يحلّله إليها. ولعلّ عقلك ينقبض من تحليل الموجود إلى المعدومات الصرفة ، ثمّ هي ربما تصير موضوعات في صوادق [٥١ ض] الموجبات ، كما إذا كان شيء من أبعاض وآخر منها بارد أو متصل حارّا أحد أقسام متصل محاذيا لأحد أقسام اخر ، فيصدق عليها الإيجاب الخارجىّ ، والربط الإيجابيّ مطلقا في طباعه استيجاب وجود الموضوع. فإذن لها نحو من الوجود إلّا أنّه ليس منفرزا عن وجود الكلّ ، بل هي موجودة بعين وجوده.

٣٥٥

[٣] سدّ ثغرة

لا تكن كمن يسبق إلى وهمه أنّ ذلك يستوجب كونها بالحقيقة أجزاء ذهنيّة ، كالجنس والفصل. فتذكّر أنّ تلك ما بحسب الماهيّة وهذه [٥١ ب] ما بحسب الكميّة ؛ ولا كمن يتشبّث بمنع استلزام اختلاف العرض للانقسام الخارجىّ ، وكون محلّ الحرارة والبرودة مثلا في الخارج هو الكلّ الموجود بالفعل ؛ إذ يمكن أن يجتمع الضدّان في محلّ على أن يكون التّمايز بحسب الإشارة دون الوجود ، والإشارة الحسيّة إلى الأجزاء إنّما توجب الوجود بالقوّة لا بالفعل. فتحدّس من نفسك أنّ العقل ، بعد تحليل المتصل إلى قسمين ، يجد أنّ محلّيّته للحرارة مثلا باعتبار أحدهما.

فتوقع الحكم الإيجابيّ بذلك عليه على أنّه صادق [٥٢ ظ] وكون الأجزاء في الخارج بالقوّة لا يدفع كون الانقسام خارجيّا. فحيثيّة اختلاف العرض توجب الانقسام الخارجىّ وإن لم تستلزم كون نفس ذلك بالفعل. فهو من تلك الحيثيّة إنّما يكون بالقوّة ، لكنّه حيث تحقق في الذهن بالفعل يكون مأخوذا بالنسبة إلى ما بحسب الخارج.

ويشبه أن يكون هذا هو مراد من سمّاه ذهنيّا إن صحّ. فلم نر في زبرهم إلّا أنّ اختلاف العرض ، كالبلقة ، هل يحدث في المتصل انفصالا بالفعل في الخارج ، كالقطع والكسر ، فيترتب عليه إثبات [٥٢ ب] الهيولى أولا ، فيحتاج إلى بيان آخر. وكلّ صار إلى مذهب. وأمّا أنّ ما يستتبعه من الانقسام عند لحاظ العقل بعد فعليّته هل يعدّ خارجيّا أو ذهنيّا ، فلا تعرّض له في أقوالهم. وهو مفروغ عنه بتحديد أقسام الانقسام في مظانّه.

[٤] وهم وإحصاف

ولعلّ متحيّن وقت التشكيك يقول : فقد أوجبت بما وضعت صحّة أن تحمل الأجزاء المقداريّة على المتصلات ، فيقال ، مثلا ، الزّارع المتصل نصف ذلك الذراع ، إذ مجرّد الاتحاد في الوجود مصحّح للحمل مواطاة. فيجاب : بأنّ جزئيّة الجزء المعيّن [٥٣ ظ] من تلك للمتصل ، كنصف الذراع له ، إنّما يكون باعتبار حقيقته الشخصيّة ، لا من حيث نفس الماهيّة ، إذ هو من جهة الماهيّة الاتصاليّة ليس على تعيّن شيء من الامتدادات ليصلح لانتزاع جزء بعينه منه. فاتّحاده معه وجودا إنّما هو من حيث الشخصيّة ، لا بالذات من جهة الماهيّة. والمعتبر في الحمل ذاك لا غير.

٣٥٦

فيقول : إنّ كثيرا من المفهومات تحمل على الأشخاص من حيث خصوصيّات الهويّات الشخصيّة ، ويدفع بأنّ ذلك إنّما يكون في المحصول حملا عرضيّا. [٥٣ ب] فالاتحاد هناك بالعرض لا بالحقيقة ، فيكفى أن يكون وجود الشّخص باعتبار من الاعتبارات منسوبا إليه. وأمّا الحمل الذاتىّ فلا يتحقق إلّا حيث يكون وجود الشخص لمفهوم بالذّات من حيث الماهيّة ، فيعود بأنّ المعتبر في مطلق الحمل مطلق الاتحاد. فإن استكفى في العرض بانتساب وجود الموضوع من جهة هويّته الشخصيّة إلى مفهوم بالعرض ، لكفى في الذاتىّ أيضا كون ذلك له بالذات من تلك الجهة ، إذ مفاد الهيئة التركيبيّة عندهم في الحمليّات مطلقا مطلق الاتحاد ولا يختلف في الحملين.

[٥] افتحاص وفحص

[٥٤ ظ] كأنّك أصغيت إلى الذي من أهل التحقيق [الدوانىّ في حاشية الاشارات] يقول : إنّ الحمل مطلقا وإن كان هو الاتحاد في الوجود ، لكنّ التعارف الخاصّى خصّه بذلك مع عدم التمايز في الوضع ، كما خصّه ، من بين مطلق الاتحاد ، بالاتحاد في الوجود ، فهو مطلق الاتحاد ، ويقتضي اثنينيّة ما ووحدة ما ، إذ لو كانت الوحدة الصّرفة لم تتحقق ، أو الكثرة الصّرفة لم تصدق.

وكما أنّ الوحدة على جهات شتّى ، كالنوعيّة والجنسيّة ، فكذلك هو ، حتى أنّه لا يجرى في جميع أقسامها ، إلّا أنّ أشهر أفراده هو الحكم بالاتحاد في الوجود ، إذ لا يقال في المتعارف «زيد عمرو» من حيث [٥٤ ب]. اشتراكهما في النوع أو «الثّلج الجصّ» من جهة الاشتراك في عرض هو البياض. فلذلك قيل : الحمل هو الاتحاد في الوجود.

أفرضيت منه بتخصيص لا يناسب طور الحكمة ، وهو الذي قد كان يضع أنّ الحقائق لا تقتنص من الإطلافات العرفيّة.

ثمّ لو كان النظر في إطلاق لفظ الحمل لوسع هذا الطور ، لكن ليس هو ، بل إنّه يلزم كون المتصل الواحد عين جزئه المقداريّ بحسب الأعيان ، إذ المصحّح لتلك العينيّة هو الاتحاد في الوجود. وتخصيص الحمل بالاتحاد في الوجود ليس بحسب اللفظ أو التّعارف ، بل على سبيل أنّ سائر الأنواع [٥٥ ظ] لا تفيد العينيّة المصحّحة للحمل

٣٥٧

بحسب الخارج ، بل بحسب جهة الوحدة فقط بخلاف هذا.

[٦] ميزان ،

معيار الحمل في الذاتيّات أن ينسب وجود ذى الذاتىّ إليها بالذات ، لا من حيث إنّها أبعاض الأمر الواحد الموجود في العرضيّات أن ينسب إليها وجود المعروض بالعرض ، لا من حيث إنّها أبعاضه. والأجزاء المقداريّة وإن كانت موجوديّتها بعين وجود المتصل الواحد ، لكن ليس من حيث إنّها أمور موجودة برءوسها اتفق أن كان وجودها عين وجود ذلك الواحد ، كما في الطّبائع [٥٥ ب] المحمولة ؛ بل من حيث إنّها أبعاض الموجود الواحد ، فلا تغاير هناك بحسب الوجود ولا حمل.

[٧] أساس

الوجود ليس إلّا نفس الموجوديّة التي ينتزعها العقل من الماهيّات ونفس تحققها بالمصدريّ ، ولا يثبت له فرد يقوم بالماهيّة سوى الحصص المعنيّة بالإضافة أو بالوصف ، كالوجود الذي لا سبب له ، والوجود المطلق ليس له خصوصيّة إلّا الإضافة إلى ما ينتزع هو منه ، ولا يتحصص إلّا بتلك ، لا قبلها.

وهذا متكرّر في كلام الشيخ الرئيس أبى على وأترابه وتلامذته ومن في طبقتهم.

ففى «التعليقات» : «الوجود [٥٦ ظ] الذي للجسم هو موجوديّة الجسم ، لا كحال البياض والجسم في كونه أبيض». وفي («التحصيل» ص ٢٨١) : الوجود ليس هو ما يكون به الشيء في الأعيان ، بل كون الشيء في الأعيان أو صيرورته في الأعيان».

وتخصيص كلّ وجود هو بإضافته إلى موضوعه وإلى سببه ، لا على أن يكون الإضافة لحقته من خارج ، فإنّ وجود الإنسان ، مثلا ، متقوم بإضافته إلى الإنسان ، ووجود زيد بإضافته إلى زيد. وإنّا إذا قلنا : «كذا موجود» فليس المعنىّ به أنّ الوجود معنى خارج ، بل نعنى أنّ كذا في الأعيان أو كذا في الذّهن. ولعلّنا نوضحه بضرب [٥٦ ب] آخر من البيان في ما نستقبله إن شاء الله تعالى.

[٨] إرشاد

فالماهيّات المتباينة لا تتحد في الوجود. وكيف ينتزع من إحداها عين المنتزع من

٣٥٨

الأخرى مع اختلافهما. ونقول : المنتزع بالإضافة إلى ما ينتزع منه ، فالواحد بالاتصال لا يختلف بالطبيعة. والماء ، مثلا ، لا يكون بينه وبين ما يخالفه في الحقيقة وحدة بالاتصال ، بل وحدة بالتّماسّ. والقسمة الوهميّة أو الفرضيّة ، إنّما يكون إلى أمور متحدة في الماهيّة مشابهة للكل في الحقيقة. وعليه بنى إبطال مذهب ديمقراطيس. فلا تصغ إلى المنكر «صدر المحققين» ، فإنّه مخاصم العقل وعدوّ الحكمة.

قال في المقالة [٥٧ ظ] الثالثة من الإلهيّات «الشفاء» ؛ «والوحدة بالاتصال إمّا معتبرة في المقدار فقط ، وإمّا أن تكون مع طبيعة أخرى ، مثل أن تكون ماء أو هواء. ويعرض للواحد بالاتصال أن يكون واحدا في الموضوع ، فإنّ الموضوع المتصل بالحقيقة جسم بسيط متفق بالطبع. وقد علمت هذا في الطبيعيّات. فيكون موضوع وحدة الاتصال أيضا واحدا في الطبيعة من حيث إنّ طبيعته لا تنقسم إلى صور مختلفة» (ص ٩٩).

[٩] إفصاح

أفقد بان لك أنّ اتحاد الموضوع والمحمول في الوجود الّذي هو مناط الحمل الّا إذا كان [٥٧ ب] حقيقتهما واحدة بالذات متغايرة بالاعتبار ، لأنّ الوجود ليس إلّا نفس المعنى المصدريّ المنتزع عن الماهيّات المتخصّص بالإضافة إليها ، لا قبل ، فلا يتصوّر اتحاد الحقائق المتباينة بالذات بحسبه. فحقيقة الموضوع والمحمول إن كانتا متحدتين بالذات ، كالإنسان والحيوان ، استتبع ذلك اتحاد هما في الوجود أيضا كذلك ، فيكون الحمل ذاتيّا وإن كان اتحادهما بحسب الحقيقة بالعرض ، كما في الإنسان والأبيض ، استتبع ذلك اتحادهما بحسب الوجود أيضا كذلك ، فيكون الحمل بالعرض. فليكن ذلك لقريحتك [٥٨ ظ] في الفطانة دستورا ، وليخترط في سلك ما لا مجاز لك من الغياهب دون أن تتّخذ منه لبصرك نورا.

[١٠] تذكرة

سبيل الآن من الزّمان يشبه من وجه سبيل النّقطة من الخطّ ، وهي للخطّ طرف ونهاية ، كما الخطّ للسطح ، والسّطح للجسم. لكن الآن لا يوجد أصلا إلّا بحسب التوهّم على خلاف الأطراف ، والأطراف ربما تكون فاصلة ، والآن لا تكون إلّا واصلا.

٣٥٩

[١١] فصّ تاسيسىّ

فأحقّ ما يجب أن يحقق إذن في أمر الآن يشبه أن لا يتعدى أنّ نسبته إلى الزمان نسبة النقطة إلى [٥٨ ب] الخطّ المستدير المتناهي مقدارا ، لا وضعا وقد حقق ذلك أو لو بضاعة في البراعة في الصّناعة.

[١٢] إشارة

إنّ اتصال الزّمان وما يتلى عليك في تناهي امتداده ، ليس على أن ينتهى إلى أزل زمانىّ محدود بالآن ، بحيث يمكن وراء الزمان امتداد ، يوقع العقل بمعونة الوهم بينهما اتصالا بحسب التصوّر ، فإن حكم به حاكم فهو بحت ذات الوهم ، لا غير ، بل على سبيل آخر يسرى بفطانتك إليه إن شاء الله يضمنان لك بيان عدم وجود الآن البتة بالفعل في الأعيان وبالقياس إلى نفس الزمان. فإن وجد فإنّما هو على أن يتوهّمه الوهم في مستقيم الامتداد إذا قطعه ضربا [٥٩ ظ] من القطع ، فيجده إذ ذاك واصلا بين منتزعيه منه بالفعل إلّا أنّ المتهوّسين بالقدم يبيّنونه ضربا من البيان على طور آخر.

[١٣] تذكار

ذكر في («الشفاء» ، ص ١٦) : «إنّ الآن لا يوجد بالفعل بالقياس إلى نفس الزّمان أصلا ، والّا لقطع اتّصاله ، بل إنّما وجوده على أن يتوهمه الوهم واصلا في مستقيم الامتداد ، والواصل لا يكون بالفعل في المستقيم الامتداد من حيث هو واصل ، وإلّا لكانت واصلات بلا نهاية ففعليّته إنّما تكون لو قطع الزمان ضربا من القطع ، ومحال أن يقطع اتصاله. فلو جعل له قطع ، فإمّا في بدايته ، فيكون معدوما ، ثمّ وجد [٥١] فعدمه قبل وجوده ، ولا شيء غير الزّمان يحصل به هذا النوع من القبيلة ، فيكون هذا الزمان قبله زمان يتصل به ، ذلك قبل ، وهذا بعد. وهذا الفصل يجمعهما وقد فرض فاصلا ، أو على أنّه نهاية له. وليس لا يمكن أن يوجد بعده شيء ، ولا واجب الوجود حتّى يستحيل أنّ يوجد شيء مع عدمه.

فالوجود الواجب والإمكان المطلق لا يرتفعان ، فيكون بعده إمكان وجود شيء ، فله بعد ، وهو قبل ، فالآن واصل ، لا فاصل ، فقد خولف ما فرض وضعه.

٣٦٠