مصنّفات ميرداماد - ج ١

مير محمّد باقر بن محمّد حسين الاسترابادي [ ميرداماد ]

مصنّفات ميرداماد - ج ١

المؤلف:

مير محمّد باقر بن محمّد حسين الاسترابادي [ ميرداماد ]


المحقق: عبدالله نوراني
الموضوع : الفلسفة والمنطق
الناشر: منشورات مطبعة وزارة الإرشاد الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-7874-07-3
الصفحات: ٦٣٨
الجزء ١ الجزء ٢

أن لا تكون ثابتة. وهذا على قسمين : فإنّه إمّا أن توجد لا على الاتصال ، بل توجد منها آنا غير متصل بآن يليه ، فيلزم تتالى الآنات ؛ وكيف يصحّ تتالى الآنات ، ومعنى تتالى الآنات هو أن يكون ما بينهما لا شيئا مطلقا وما بين آنين أقلّ ممّا بين أكثر منهما. واللّاشيء المطلق لا يقبل الأقلّ والأكثر ، وهو المطلوب. وهذه الحركة التي لا أوّل لها ولا انقطاع فيها هي الحركة التي يصحّ عليها الاتصال ، وسنبيّن ، أنّها هي الحركة الدوريّة لا غير ، في موضعه» (ص ٤٤٥).

ثمّ ساق الكلام إلى حيث قال : «وإذ قد بان أنّه لو لا الحركة لما صحّ وجود حادث ولا عدم شيء. والحركة من جملة الحوادث ، فبيّن أنّه لو لا الحركة لما صحّ وجود الحركة. وأنت قد عرفت أنّ الحركة ليست ممّا يقع عليه التناهي وغير التناهي ، إذ لا توجد منها جملة. وإن وجدت لم تكن كثرة طبيعيّة تقبل التناهي وغير التناهي إلّا بالفرض. وأيضا فكلّ واحد من الحركات ليس بموقوف وجوده على حركات لا نهاية لها» (ص ٤٤٧).

هذا ما ريم نقله من كلامه. وأمثال ذلك في أقاويل الأوائل متكرّرة جدّا.

وبالجملة ما قد دير به على الألسن الجمهوريّة وسير به في الأذهان المشهوريّة ـ من إسناد القول بعلل مترتّبة على التعاقب متسلسلة في التصاعد إلى لا نهاية بالعدد لتصحّح الحدوث الزمانىّ إلى شركائنا المبرّزين في الصناعة من الرّؤساء والمعلّمين ـ ممّا لا اصل له يركن إليه ، في كلماتهم وأقاويلهم. وإن أحببت التنطّع في أسرار هذه المسألة والتضلّع بمداقّ هذا المقام ، فلتكن ملازمتك لكتاب «خلسة الملكوت» على السّهم الأكثر والنّصيب الأوفر.

الإيقاظ الثاني

(المادّة الأولى القابلة والحركة المتصلة)

إنّ الله ، جلّ سلطانه ، كان ذا جود فيّاض ، لا يبقى في الإفاضة والإعطاء من باقية وقوّة فعالة في شدّة الفعّاليّة وديموميّته الفيّاضيّة وفي آثارها المقوى عليها عدّة ومدّة غير متناهية وكانت جواهر عالم الإبداع مفطورة الهويّات على استثبات ما يصحّ لذواتها من الاصطناعات الربوبيّة والفيوضات الإلهيّة وكان من المحال وجود ما لا يتناهى

٢٢١

من الزمنيّات معا في آن واحد ، فأبدع ، عزّ مجده ، بقدرته السابغة وحكمته البالغة : الهيولى الأولى الأسطقسيّة الحاملة لطباع ما بالقوّة ذات قوّة منفعلة غير متناهيّة في القبول والانفعال. كما قوّته الفعّالة غير متناهية في الفعل والإفاضة ، وإن كانت اللانهاية هناك ، على نمط آخر أرفع وأعلى لا يقاس ولا يكتنه ، متضمّنة في فعليّة جوهرها القوّة من سبيلين. وكذلك الحركة المستديرة المستمرّة الاتصال مضاهية لها في حمل ما بالقوّة وتضمّن فعليّتها أيضا للقوّة من سبيلين ، ثمّ استعملهما على تكوين الكون والفساد وجعل تصحيح أمر الحدوث الزمانىّ تدور رحاه على المادّة الأولى القابلة والحركة المستديرة المتصلة الحاملتين بطباع فعليّتهما لطبيعة ما بالقوّة من غير وجه واحد بتقدير الله العزيز العليم ، سبحانه. وبسط القول في ذلك كله على ذمّتى «الأفق المبين» و «الصحيفة الملكوتيّة».

الإيقاظ الثالث

(لا جبر ولا تفويض ولكن أمر بين أمرين)

من المتّفق على ثبوته في الحديث من طرق العامّة والخاصة عن النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وآله ، «القدريّة مجوس هذه الأمّة» (التوحيد ، ص ٣٨٢) ، ولعنت القدريّة على لسان سبعين نبيّا» (بحار الأنوار ، ج ٥ ، ص ٤٧). فاختلف الفئتان المتخاصمتان في تعيين القدريّة وتحقيق المعنى الذي هو ملاك تصحّح النسبة إلى القدر. فالشيعة والمعتزلة على أنّها الفئة المجبّرة من الأشاعرة ومن في حزبهم. والمعنى المصحّح للنسبة إسنادهم الخيرات والشرور جميعا إلى مجرّد قضاء الله تعالى وقدره من غير مدخليّة ما لقدرة الإنسان وإرادته في شيء من أفعاله ، بل لممكن ما من الممكنات في شيء ما من الأشياء أصلا. والأشاعرة تزعم أنها أصحاب العدل والتوحيد من المعتزلة والشيعة. ومصحّح نسبتهم إلى القدر توغّلهم وتبالغهم في نفيه وإنكاره. قالوا ، ما تلخيصه : إنّ تنزيله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ القدريّة منزلة المجوس [يأبى] إلّا أن تكون هي المثبتين لبعض الجائزات ، كالأعمال والأفعال ، مبدءا غير الواجب بالذّات جلّ سلطانه ، كالعباد. كما المجوس مثبتون للوجود مبدأين ، مبدأ للخيرات ، يسمّونه يزدان ، ومبدأ للشرور ، ويسمّونه أهرمن. فأمّا المسندون جملة ما في نظام

٢٢٢

الوجود وعالم الامكان إلى الله الواحد الحقّ ، سبحانه ، من غير إثبات تأثير ما ومدخليّة ما لغيره ، سبحانه وتعالى ، في ذرّة من ذرّات الوجود أصلا ، فإنّ تشبيههم بالمجوس والثنويّة ممّا لا يكاد يصحّ له وجه يستصحّه أولو الألباب.

قلت ، أوّلا ، لا يستراب في أنّ الفريقين المتخاصمين متّفقان على أنّ كل ما على ساهرة التقرّر وفي دائرة الوجود ، فإنّه منته في سلسلة الاستناد ولو بأخرة إلى مبدأ واحد هو الله الأحد الحقّ ، تعاظم سلطانه. ومن ليس يعتقد ذلك فهو في طريق الشرك وفلاة الإشراك ، لا في مدينة الإخلاص ودين التوحيد. إنّما الاختلاف والاختصام في أنّ المبدأ القريب المستند إليه المعلول ابتداء لفعل : أهو قدرته وإرادته أم القدرة الوجوبيّة الربوبيّة والإرادة الحقّة الإلهيّة. فإذن ليس مناط التشبيه هنالك القول بتثنية المبدأ ، بل إنّ ملاكه أنّه كما المجوس يجعلون الإنسان معزولا مطلقا من المدخليّة في فعله خيرات أفاعيله مستندة إلى يزدان وشرورها إلى أهرمن ، فكذلك المجبّرة والكسبيّة. إلّا أنّهم يسندون الجميع من بدء الأمر إلى الله الواحد القهار.

وثانيا ، أنّه لو كان ذلك مساغ المجوسيّة لم يكن للأشاعرة مساق إلّا إلى الوقوع فيها ، ضرورة أنّ كلّ مخلوق مستند إلى الله سبحانه وإلى قدرته وعلمه وإرادته بتّة. وتلك صفات أزليّة زائدة على الذات الأحديّة عندهم وليس ما وراء الذات الواجبة إلّا الجائزات الصرفة. فإذن لا محيص لهم من إثبات مبادى متعدّدة للوجود وإسناد كلّ موجود إليها جميعا.

وما يتمجمج به أبو الحسن الأشعريّ : «إنّ هذه الصفات أزليّة قائمة بذاته تعالى ، لا يقال هي هو ولا غيره ولا هو ولا غيره» ، كما نقله عنه صاحب «الملل والنحل» (ص ١٠٩). ممّا لا يفوه به من يستحقّ مخاطبة العقلاء. ولقد أصاب واصل بن عطا في ما قال: «من أثبت معنى وصفة قديمة فقد أثبت إلهين» (الملل والنحل ، ص ٦٠)

وفي أحاديث أصحاب العصمة من أئمّة المسلمين ، صلوات الله عليهم ، نصوص ناصّة على أنّ من أثبت لمبدإ الوجود صفة أزليّة وراء ذاته القيّومة فقد أشرك وثنّى واتخذ مع الله آلهة أخرى. ولروايات بذلك متكاثرة الطرق متواترة المعنى. وهي جميعا في معنى ما رواه الصدوق ، رضوان الله تعالى عليه ، في كتاب «عيون أخبار الرضا» عليه

٢٢٣

السلام ، مسندا عن الحسين بن خالد ، قال : سمعت الرضا ، عليه‌السلام ، يقول :

«لم يزل الله عزوجل عليما قادرا حيّا قديما سميعا بصيرا». فقلت له : يا بن رسول الله، إنّ قوما يقولون : لم يزل الله عالما بعلم وقادرا بقدرة وحيّا بحياة وقديما بقدم وسميعا بسمع وبصيرا ببصر. فقال عليه‌السلام : من قال ذلك ودان به فقد اتخذ مع الله آلهة أخرى وليس من ولايتنا على شيء. ثمّ قال عليه‌السلام : لم يزل الله تعالى عليما قادرا حيّا قديما سميعا بصيرا لذاته. تعالى الله عمّا يقول المشركون والمشبّهون علوّا كبيرا» (عيون أخبار الرضا ، ج ١ ، ص ١١٩).

ثمّ ممّا ينصّ على ما حققناه في شرح الحديث ما روى عن النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، «إنّه قال لرجل قدم عليه من فارس : أخبرنى بأعجب شيء رأيت. فقال : رأيت أقواما ينكحون أمّهاتهم وأخواتهم. فإذا قيل لهم : لم تفعلون ذلك؟ قالوا بقضاء الله علينا وقدره. فقال ، ص: «سيكون في آخر أمّتى أقوام يقولون مثل مقالتهم ، أولئك مجوس أمّتى» (بحار الأنوار ، ج ٥ ، ص ٤٧. عن الفائق ، ص ٩٨). ونظائر ذلك عن الأوصياء الطّاهرين ، عليهم‌السلام ، متظافرة متباهرة.

ولقد اتّقح من لاجّ في المحاجّة : بأنّ ما ذكر لا يدلّ إلّا على أنّ القول ، بأنّ فعل العبد إذا كان بقضاء الله وقدره وخلقه وإرادته ، يجوز للعبد الإقدام عليه ويبطل اختياره فيه واستحقاقه للثواب والعقاب والمدح والذمّ ، قول المجوس. فلينظر أنّ هذا قول المعتزلة أم المجبّرة. ولكن من لم يجعل الله له نورا فما له من نور.

وبالجملة محزّ الصواب هنالك كلام خاتم المحصّلين من حملة العلم في «نقد المحصّل» من قوله : «وقال أهل التحقيق في هذا الموضع : «لا جبر ولا تفويض ولكن أمر بين أمرين». فهذا هو الحقّ. ومن لا يعرف حقيقته وقع في التحيّر» (ص ٣٣٤).

وفي «شرح رسالة مسألة العلم» ، حيث قال : «وكلّ فعل يصدر عن فاعل بسبب حصول قدرته وإرادته فهو باختياره ، وكلّ ما لا يكون كذلك فهو ليس باختياره. وسؤال السائل : إنّه بعد حصول القدرة والإرادة ، هل يقدر على الترك ، كقول من يقول : الممكن بعد أن يوجد ، هل يمكن أن يكون معدوما حال وجوده. ومحال أن يكون قدرته إنّما تحصل بقدرته ، وإلّا لتسلسل.

٢٢٤

وأمّا الإرادة ، فربّما تحصل له بقدرة وإرادة سابقة ، كالمتروّي في طلب أصلح الوجوه ، فإنّه بعد علمه بالوجوه يقصد إلى فرض وقوع واحد واحد منها بفكره ، الذي يصدر عنه أيضا باختياره ، لينكشف الصلاح والفساد فيها ، فتحصل له الإرادة بما يراه أصلح.

وهذه الإرادة مكتسبة له. أمّا أسباب كسبها ، وهي القدرة على الفكر وإرادته والعلوم السابقة ، فبعضها يحصل أيضا بقدرة وإرادة ، لكنّها لا تسلسل ، بل تقف عند أسباب لا تحصل بقدرته وإرادته. ولا شكّ أنّ عند حصول الأسباب يجب الفعل وعند فقدانها يمتنع. فالذى ينظر إلى الأسباب الأول ويعلم أنّها ليست بقدرة الفاعل وبال بإرادته ، يحكم بالجبر. وهو غير صحيح مطلقا ، لأنّ السبب القريب للفعل هو قدرته وإرادته. والذي ينظر إلى السبب القريب يحكم بالاختيار. وهو أيضا ليس بصحيح مطلقا ، لأنّ الفعل لم يحصل بأسباب كلّها مقدورة ومرادة. والحقّ ما قاله بعضهم (عليهم‌السلام) : «لا جبر ولا تفويض ولكنّ أمر بين أمرين» (التوحيد ، ص ٣٦٢) ، وأمّا في حقّ الله تعالى ، فإن أثبتت له قدرة وإرادة متباينتان ، لزم ما يلزم هاهنا من إمكان نقص. لكنّ صدور أفعاله تعالى عنه ليس موقوفا على كثرة. إنّما هو سبب وجود الكثرة. فلا يتصور هناك إيجاب ولا اختيار». انتهى كلامه بعبارته ، (ص ٤٥).

ومن المستعجب أنّ إمام المتشككين أيضا ودّع أصحابه في «المطالب العالية» وسار بنظره مسير مذهب التحقيق في هذا المرصد. ولقد حكى عنه فاضل تفتازان في («شرح المقاصد» ، ج ، ص) كلاما له بهذه العبارة : «إنّ حال هذه المسألة عجيبة ، فإنّ الناس كانوا مختلفين فيها أبدا ، بسبب أنّ ما يمكن الرجوع إليه فيها متعارضة متدافعة. فمعوّل الجبريّة على أنّه لا بدّ لترجيح الفعل على الترك من مرجّح ليس من العبد ؛ ومعوّل القدريّة على أنّ العبد لو لم يكن قادرا على فعله لما حسن المدح والذّمّ والأمر والنهى ، وهما مقدّمتان بديهيّتان.

ثمّ من الدلائل العقليّة اعتماد الجبريّة على أنّ تفاصيل أحوال الأفعال غير معلومة للعبد ، واعتماد القدريّة على أنّ أفعال العباد واقعة على وفق قصودهم ودواعيهم ، وهما متعارضتان. ومن الالزامات الخطابيّة : أنّ القدرة على الإيجاد صفة كمال لا يليق بالعبد الذي هو منبع النقصان وأنّ أفعال العباد تكون سفها وعبثا ، فلا يليق بالمتعالى عن النقصان.

٢٢٥

وأمّا الدلائل السمعيّة ، فالقرآن مملوّ بما يوهم بالأمرين ، وكذا الآثار ، فإنّ أمّة من الأمم لم تكن خالية من الفرقتين ، وكذا الأوضاع والحكايات المتدافعة من الجانبين. حتّى قيل: إنّ وضع النرد على الجبر ووضع الشطرنج على القدر. إلّا أنّ مذهبنا أقوى ، بسبب أنّ القدح في قولنا : «لا يترجّح الممكن إلّا بمرجّح» يوجب انسداد باب إثبات الصانع. ونحن نقول : الحقّ ما قال بعض أئمّة الدين : «إنّه لا جبر ولا تفويض ولكن أمر بين أمرين».

وذلك لأنّ مبنى المبادى القريبة لأفعال العباد على قدرته واختياره. والمبادى البعيدة على عجزه واضطراره. فالإنسان مضطرّ في صورة مختار ، كالقلم في يد الكاتب والوتد في شقّ الحائط. وفي كلام العقلاء : قال الحائط للوتد : لم تشقّنى؟ قال : سل من يدقّنى؟» هذا كلامه المحكىّ.

قلت : ما أورده ، من معوّل الجبريّة وأولئك هم القدريّة حقّا ، ليس ممّا يصحّ التعويل عليه أصلا. أليس الاحتياج إلى مرجّح من خارج غير مصادم لكون قدرة العبد وإرادته ممّا يتوقّف عليه فعله ، ووجوب الفعل بالقدرة والاختيار ليس ينفى ثبوتهما ، بل إنّه يشهد لهما بالتحقّق ويسجّل على ذلك بتّة. وما ذكره من معتمدهم غير حفىّ الوهن على المتبصّرين.

وليعلم أنّ المشهور لدى الجمهور أنّه سلك هذا المسلك وسار هذا المسير من المعتزلة أبو الحسين البصريّ فقال : الفعل موقوف على الداعى. فإذا تحققت القدرة وانضمّ إليها الداعى صار مجموعهما علّة موجبة للفعل. وهو مذهب الحكماء ، واختاره أيضا إمام الحرمين ، فذهب إلى أنّ فعل العبد يقع بقدرته إيجابا. وكذلك الأستاذ أبو إسحاق الأسفراينىّ ، إذ ذهب إلى أنّ وقوع الفعل بمجموع القدرتين الإلهيّة والإنسانيّة. وإنّ حامل عرش التحصيل والتحقيق يقول : لا خلاف بين الحكماء والمعتزلة في هذه المسألة. ويأتمّ به في ذلك أكثر من بعده من الأتباع المحصّلين.

قال في «شرح المقاصد» ، (ص ...) : «فعل العبد واقع عند الحكماء بقدرة يخلقها الله تعالى في العبد. ولا نزاع للمعتزلة في أنّ قدرة العبد مخلوقة لله تعالى ، وشاع في كلامهم : أنّه خالق القوى والقدر ، فلا يمتاز مذهبهم عن مذهب الحكماء. ولا يفيد ما أشار إليه في «المواقف» ، من أنّ المؤثّر عندهم قدرة العبد ، وعند الحكماء مجموع

٢٢٦

القدرتين على أن يتعلّق قدرة الله تعالى بقدرة العبد وهي بالفعل». وذكر الإمام الرازيّ وتبعه بعض المعتزلة : «أنّ العبد عندهم موجد لأفعاله على سبيل الصحّة والاختيار ، وعند الحكماء على سبيل الإيجاب ، بمعنى أنّ الله تعالى يوجب للعبد القدرة والإرادة ، ثمّ هما يوجبان وجود المقدور».

وأنت خبير بأنّ الصحّة إنّما هي بالقياس إلى القدرة ، وأمّا بالقياس إلى تمام القدرة والإرادة فليس إلّا الوجوب وأنّه لا ينافي الاختيار. ولهذا صرّح المحقّق في «قواعد العقائد» : أنّ هذا مذهب المعتزلة والحكماء جميعا. وقال في «التلويح» تبيينا وشرحا لقول صدر الشريعة ، وهو من فضلاء المعتزلة وحذّاقهم : «الجبر إفراط في تفويض الأمور إلى الله تعالى والقدر تفريط في ذلك. والحقّ ، أى الثابت في نفس الأمر ، هو الحاقّ. أى الوسط بين الإفراط والتفريط ، على ما أشار إليه بعض المحقّقين ، حيث قال : «لا جبر ولا تفويض ، ولكنّ أمر بين أمرين». وحقيقة الحقّ احتراز عن مجازه ، أى عن ما يشبه الحقّ وليس بحقّ».

الإيقاظ الرابع

(الروايات والأخبار في الأمر بين الأمرين)

ما نحن ، معشر الحكماء الراسخين والعقلاء الشامخين ، أفدنا المستفيدين في هذه المزلقة وأفتينا المستفتين في هذه المسألة ، فهو ممّا قد تظافرت بالتنصيص عليه من سادتنا الطاهرين خزنة أسرار الوحى وحملة أنوار الدين ، صلوات الله وتسليماته عليهم أجمعين ، أخبار جمّة معتبرة الأسانيد متواترة المعنى.

(١) فقد روينا من طريق رئيس المحدّثين أبى جعفر الكلينىّ ، رضى الله عنه ، في جامعه «الكافى». (ص ١٧٠) ومن طريق الصدوق أبى جعفر بن بابويه ، رضوان الله تعالى عليه ، في مسنده المعروف بكتاب «التوحيد» (٢٦) عن يونس بن عبد الرحمن ، عن غير واحد ، عن أبى جعفر وأبى عبد الله (ع) قالا : «إنّ الله أرحم بخلقه من أن يجبر ، خلقه على الذنوب ثمّ يعذّبهم بها ، والله أعزّ من أن يريد أمرا فلا يكون. قال : فسئلا : هل بين الجبر والقدر منزلة ثالثة؟ قالا : نعم ، أوسع ممّا بين السماء والأرض».

(٢) ومن طريقهما عن يونس بن عبد الرحمن ، عن حفص بن قرط ، عن

٢٢٧

أبى عبد الله ، عليه‌السلام ، قال : قال رسول الله (ص) : «من زعم أنّ الله تعالى يأمر بالسّوء والفحشاء فقد كذب على الله ، ومن زعم أنّ الخير والشّر بغير مشيّة الله فقد أخرج الله من سلطانه ، ومن زعم أنّ المعاصى بغير قوّة الله فقد كذب على الله ، ومن كذب على الله أدخله الله النار» (التوحيد ، ص ٣٥٩ ؛ الكافى ، ص ١٥٨).

(٣) ومن الطّريقين عن هشام بن سالم عن أبى عبد الله ، عليه‌السلام ، قال : «الله أكرم من أن يكلّف الناس ما لا يطيقون ، والله أعزّ من أن يكون فى سلطانه ما لا يريد». (الكافى ، ص ١٦ ، التوحيد ، ص ٣٦٠).

(٤) ومن الطريقين ، عن أحمد بن محمّد بن أبى نصر البزنطى ، من طريق الصدوق في الصحيح ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عنه ؛ ومن طريق الكلينىّ عن سهل بن زياد عنه ، قال : قلت لأبى الحسن الرضا (ع) : إنّ أصحابنا بعضهم يقولون بالجبر وبعضهم بالاستطاعة ، قال : فقال لى اكتب : «بسم الله الرحمن الرحيم ، قال على بن الحسين (ع) قال الله عزوجل : يا بن آدم ، بمشيّتى كنت الذي تشاء ما تشاء وبقوّتى أدّيت فرائضى وبنعمتى قويت على معصيتى ، جعلتك سميعا بصيرا ، ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيّئة فمن نفسك ، وذلك أنّى أولى بحسناتك منك وأنت أوّلى بسيّئاتك منى. وذلك إنّى لا أسأل عمّا أفعل وهم يسألون. قد نظمت لك كلّ شيء تريد.» (الكافى ، ص ١٦٠).

(٥) ومن الطّريقين ، عن يحيى الخرّاز من طريق الكلينى ، عمّن حدّثه ، ومن طريق الصدوق عن المفضّل بن عمر ، عن أبى عبد الله عليه‌السلام ، قال : «لا جبر ولا تفويض وكلن أمر بين أمرين» الحديث. (الكافى ، ص ١٦ ، التوحيد ، ص ٣٦٢).

(٦) ومن طريقيهما كليهما في الصحيح عن الحسين بن سعيد ، فمن طريق «الكافى» (ص ١٦٢) عن بعض أصحابنا ، عن عبيدة بن زرارة ؛ ومن طريق كتاب «التوحيد» (ص ٣٤٦) عنه لا بواسطة ، قال : حدّثني حمزة بن حمران ، قال : «سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الاستطاعة ، فلم يجبنى ، فدخلت عليه دخلة أخرى ، فقلت : أصلحك الله ، إنّه قد وقع في قلبى منها شيء لا يخرجه إلّا شيء أسمعه منك. قال : فإنّه لا يضرّك ما كان في قلبك. قلت : أصلحك الله ، إنّى أقول : إنّ الله تبارك وتعالى لم يكلّف

٢٢٨

العباد ما لا يستطيعون ولم يكلّفهم إلّا ما يطيقون ، وإنّهم لا يصنعون شيئا إلّا بإرادة الله ومشيّته وقضائه وقدره. قال : فقال : هذا دين الله الذي أنا عليه وآبائى. أو كما قال».

(٧) ومن طريقهما كليهما في الصحيح عن حماد بن عيسى عن إبراهيم بن عمر اليمانى عن أبى عبد الله (ع) قال : «إنّ الله ، عزوجل ، خلق الخلق ، فعلم ما هم صائرون إليه وأمرهم ونهاهم. فما أمرهم به من شيء فقد جعل لهم السبيل إلى الأخذ به ، وما نهاهم عنه من شيء فقد جعل لهم السبيل إلى تركه ، ولا يكونون آخذين ولا تاركين إلّا بإذن الله تعالى» (الكافى ، ص ١٥٨) ، التوحيد ، ص ٣٥٩). ورواه الصدوق تارة أخرى من طريق آخر عن إسماعيل بن جابر عن أبى عبد الله عليه‌السلام. قال : «سئل عن الجبر والقدر ، فقال : لا جبر ولا قدر ، ولكن منزلة بينهما ، فيها الحقّ ، التي بينهما لا يعلمها إلّا العالم أو من علّمها إيّاه العالم» (التوحيد ، ص ١٥٩).

(٨) ومن طريق الكافى (ص ١٥٩) ، عن صالح بن سهل ، عن بعض أصحابه ، عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : «سئل عن الجبر والقدر ، فقال : لا جبر ولا قدر ، () ولكن منزلة بينهما ، فيها الحقّ ، التي بينهما لا يعلمها إلّا العالم أو من علّمها إيّاه العالم».

(٩) ومن طريق «الكافى» (ص ١٥٩) ، عن أبى طالب القمىّ ـ وهو عبد الله بن الصلت الثقة المسكون إلى روايته من أصحاب الرضا (ع) عن رجل ، عن أبى عبد الله (ع) قال : «قلت : أجبر الله العباد على المعاصى؟ قال : لا. قال : قلت : ففوّض إليهم الأمر؟ قال : لا. قلت : فما ذا؟ قال : لطف من ربّك بين ذلك».

(١٠) ومن طريق «الكافى» (ص ١٥٩) ، عن يونس ، عن عدّة ، عن أبى عبد الله (ع) قال : «قال له رجل : جعلت فداك ، أجبر الله العباد على المعاصى؟ قال : الله أعدل من أن يجبرهم على المعاصى ، ثمّ يعذّبهم عليها. فقال له : جعلت فداك ، ففوّض الله إلى العباد؟ قال : لو فوّض إليهم لم يحصرهم بالأمر والنهى. فقال له : جعلت فداك ، فبينهما منزلة فقال : نعم ، أوسع ما بين السماء والأرض» (التوحيد ، ص ١٥٩).

(١١) ومن طريق «الكافى» (ص ١٥٩) ، عن الموثق ، عن إسماعيل بن جابر ، قال : «كان في مسجد المدينة رجل يتكلّم في القدر والناس مجتمعون ، قال : فقلت : يا هذا ، أسألك ، قال : سل ، قلت : يكون في ملك الله تبارك وتعالى ما لا يريد؟ قال :

٢٢٩

فأطرق طويلا ، ثمّ رفع رأسه إلى ، فقال لى : يا هذا. لئن قلت : إنّه يكون في ملكه ما لا يريد ، إنّه مقهور ، ولئن قلت : لا يكون في ملكه إلّا ما يريد ، أقررت لك بالمعاصي. فقلت لأبى عبد الله عليه‌السلام : سألت هذا القدريّ ، فكان من جوابه كذا وكذا ، فقال : لنفسه نظر ، أمّا لو قال غير ما قال هلك».

(١٢) ومن طريق «الكافى» (ص ١٥٤) ، لى الصحيح العالى الإسناد ، عن معاوية بن وهب ، قال : سمعت أبا عبد الله يقول : إنّ ممّا أوحى الله إلى موسى عليه‌السلام وأنزل عليه في التوراة : إنّنى أنا الله ، لا إله إلّا أنا ، خلقت الخلق وخلقت الخير وأجريت على يدى من أحبّ. فطوبى لمن أجريته على يديه ، وأنا الله لا إله إلّا أنا ، خلقت الخلق وخلقت الشرّ وأجريته على يدى من أريده ، فويل لمن أجريته على يديه».

(١٣) ومن طريق «الكافى» (ص ١٥٤) ، في الحسن بل في الصحيح عن ابن أبى عمير ، عن محمّد بن حكيم ، عن محمّد بن مسلم ، قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : إنّ في بعض ما أنزل الله من كتبه : إنّى أنا الله ، لا إله إلّا أنا ، خلقت الخير وخلقت الشرّ. فطوبى لمن أجريت على يديه الخير ، وويل لمن أجريت على يديه الشرّ ، وويل لمن يقول كيف ذا وكيف ذا».

(١٤) ومن طريق «الكافى» (ص ١٥٤) ، عن المفضل بن عمر وعبد المؤمن الأنصاريّ ، عن أبى عبد الله عليه‌السلام ، قال : «قال الله جلّ وعزّ : أنا الله ، لا إله إلّا أنا ، خالق الخير ، والشرّ ، فطوبى لمن أجريت على يديه الخير ، وويل لمن أجريت على يديه الشرّ ، وويل لمن يقول : كيف ذا ، وكيف هذا ، قال يونس : يعنى من ينكر هذا ، لا من يتفقّه فيه».

(١٥) ومن طريق «الكافى» (ص ١٥٦) ، عن الحسن بن على الوشّاء ، عن حمّاد بن عثمان ، عن أبى بصير ، عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : «إنّ من زعم أنّ الله يأمر بالفحشاء فقد كذب على الله. ومن زعم أنّ الخير والشرّ إليه فقد كذب على الله».

(١٦) ومن الطريقين عن الحسن بن على الوشّاء ، عن أبى الحسن الرضا ، عليه‌السلام ، قال : «سألته فقلت : الله فوّض الأمر إلى العباد؟ قال : الله أعزّ من ذلك. قل : فجبرهم على المعاصى؟ قال : الله أعدل وأحكم من ذلك. قال : ثمّ قال : قال الله : يا ابن آدم ، أنا أولى بحسناتك منك ، وأنت أولى بسيّئاتك منّى ، علمت المعاصى

٢٣٠

بقوّتى التي جعلتها فيك» (الكافى ، ص ١٥٧).

(١٧) ومن الطريقين ، من طريق الصدوق في جامعه المسند في «التوحيد» (ص ٣٨٠) ، وفي كتاب «عيون أخبار الرضا» بعدّة أسانيد مسلسلات : منها على بن أحمد بن محمّد بن عمران الدقّاق ، بإسناده المتصل المسلسل بالتحديث ، عن على بن جعفر الكوفي قال : «سمعت سيّدى على بن محمّد عليه‌السلام يقول : حدّثني أبى محمّد بن على ، عن أبيه الرضا على بن موسى ، عن ابيه موسى بن جعفر ، عن أبيه جعفر بن محمّد ، عن أبيه محمّد بن على ، عن أبيه على بن الحسين ، عن أبيه الحسين بن على بن على عليهم‌السلام ومنها محمّد بن عمر الحافظ البغدادىّ بالإسناد المسلسل بالتحديث عن سليمان بن محمّد القرشى ، عن إسماعيل بن أبى زياد ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه محمّد بن على ، عن أبيه ، عن جدّه عن على عليهم‌السلام قال. واللفظ لعلىّ بن محمّد بن عمران الدقّاق ومنها أبو الحسين محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الفارسى بإسناده المسلسل بالتحديث متصلا إلى محمّد بن عبد الله بن بحبح عن أبيه ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن جدّه عليهم‌السلام ومنها أحمد بن الحسن القطّان مسلسلا بالتحديث عن عكرمة عن ابن عباس. ومن طريق رئيس المحدثين الكلينى في جامعه «الكافى» ، (ص ١٥٥) ، على بن محمّد ، عن سهل بن زياد وإسحاق بن محمّد وغيرهما ، رفعوه ، قال :

«كان أمير المؤمنين عليه‌السلام جالسا بالكوفة بعد منصرفه من صفّين ، إذ أقبل شيخ فجثى بين يديه وقال : يا أمير المؤمنين ، أخبرنا عن مسيرنا إلى أهل الشام ، أبقضاء من الله وقدر؟ فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : أجل ، يا شيخ ، ما علوتم تلعة ولا هبطتم بطن واد إلّا بقضاء من الله وقدر. فقال له الشيخ : عند الله أحتسب عنائى يا أمير المؤمنين ، فقال له : مه يا شيخ ، فو الله لقد عظّم الله الأجر في مسيركم وأنتم سائرون ، وفي مقامكم وأنتم مقيمون ، وفي منصرفكم وأنتم منصرفون ، ولم تكونوا في شيء من حالاتكم مكرهين ولا إليه مضطرّين.

فقال له الشيخ : وكيف لم نكن في شيء من حالاتنا مكرهين ولا إليه مضطرّين ، وكان بالقضاء والقدر مسيرنا ومنقلبنا ومنصرفنا؟ فقال له : وتظنّ أنّه كان قضاء حتما و

٢٣١

قدرا لازما؟ إنّه لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب والأمر والنهى والزجر من الله ، وسقط معنى الوعد والوعيد. فلم تكن لائمة للمذنب ولا محمدة للمحسن ، ولكان المذنب أولى بالإحسان من المحسن ، ولكان المحسن أولى بالعقوبة من المذنب ، تلك مقالة إخوان عبدة الأوثان وخصماء الرحمن وحزب الشيطان وقدريّة هذه الأمّة ومجوسها. إنّ الله تبارك وتعالى كلّف تخييرا ونهى تحذيرا وأعطى على القليل كثيرا ، ولم يعص مغلوبا ولم يطع مكرها ، ولم يملّك مفوّضا ، ولم يخلق السماوات والأرض وما بينهما باطلا ، ولم يبعث النبيّين مبشّرين ومنذرين عبثا. ذلك ظنّ الذين كفروا ، فويل للذين كفروا من النار. فأنشأ الشيخ يقول :

أنت الإمام الذي نرجو بطاعته

يوم النجاة من الرّحمن غفرانا

أوضحت من أمرنا ما كان ملتبسا

جزاك ربّك بالإحسان إحسانا

ولهذا الحديث في المستفيض طريق مسند عن الأصبغ بن نباتة. وفيه يسير من الزيادة والنقصان.

(١٨) ومن طريق الصدوق مسندا مسلسلا بالتحديث عن أبى حازم ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جدّه قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «لا يؤمن أحدكم حتّى يؤمن بالقدر خيره وشرّه وحلوه ومرّه» ، (التوحيد ، ص ٣٨٠).

(١٩) وممّا قد صحّ عن مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام أنّه خطب الناس على منبر الكوفة فقال : «ليس منّا من لم يؤمن بالقدر خيره وشرّه (من لم يؤمن بالقدر خيره وشرّه فقد كفر» ، (بحار الأنوار ، ج ١٠ ، ص ١٣٧).

(٢٠) ومن طريق الصدوق عن الحسن بن الحسين اللؤلؤى ، عن ابن سنان ، عن مهزّم قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «أخبرنى عمّا اختلف فيه من خلّفت من موالينا. قال: قلت في الجبر والتفويض؟ قال : فسلنى. قلت : أجبر الله العباد على المعاصى؟ قال : الله أقهر لهم من ذاك. قال : قلت : ففوّض إليهم؟ قال : الله أقدر عليهم من ذاك. قال : قلت: فأيّ شيء هذا. أصلحك الله؟ قال : فقلّب يده مرّتين أو ثلاثا. ثمّ قال : لو أجبتك فيه لكفرت» ، (التوحيد ص ٣٦٣).

(٢١) ومن طريق الصدوق من طريق ابن بطّة في العالى الإسناد عن الحسين بن

٢٣٢

سعيد ، عن حمّاد بن عيسى الجهنىّ ، عن حريز بن عبد الله ، عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : «إنّ النّاس في القدر على ثلاثة أوجه : رجل يزعم انّ الله عزوجل أجبر الناس على المعاصى ، فهذا قد ظلّم الله في حكمه فهو كافر ، ورجل يزعم أنّ الأمر مفوّض إليهم ، فهذا قد أوهن الله في سلطانه فهو كافر ، ورجل يزعم أنّ الله كلّف العباد ما يطيقون ولم يكلّفهم ما لا يطيقون ، وإذا أحسن حمد الله ، وإذا أساء استغفر الله ، فهذا مسلم بالغ» ، (التوحيد ، ص ٣٦٠).

(٢٢) ومن الطريقين في الصحيح ، من طريق الصدوق عن جعفر بن بشير ، عن العرزمىّ ، وهو أبو محمّد عبد الرحمن بن محمّد بن عبيد الله العرزمىّ الفرازيّ ، عن أبى عبد الله عليه‌السلام. ومن طريق رئيس المحدثين على بن الحكم ، عن محمّد بن عبد الرحمن العرزمىّ ، عن أبيه ، عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : «كان لعلىّ عليه‌السلام غلام اسمه قنبر وكان يحبّ عليّا ، حبّا شديدا. فإذا خرج على ، عليه‌السلام ، خرج على أثره بالسيف ، فرآه ذات ليلة ، فقال : يا قنبر ، مالك؟ قال : جئت لأمشى خلفك ، فإنّ الناس كما تراهم يا أمير المؤمنين ، وخفت عليك. قال : ويحك أمن أهل السماء تحرسنى أم من أهل الأرض؟ فقال : لا ، بل من أهل الأرض. قال : إنّ أهل الأرض لا يستطيعون بى شيئا إلّا بإذن الله عزوجل من السماء فارجع فرجع» ، (التوحيد ، ص ٣٣٨).

(٢٣) ومن طريق «الكافى» ، (ج ٢ ، ص ٥٨) ، في الصحيح ، عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن على بن حكم عن صفوان الجمّال ، عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : «كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول : لا يجد عبد طعم الإيمان حتّى يعلم أنّ ما أصابه لم يكن ليخطئه ، وما أخطأه لم يكن ليصيبه ، وإنّ الضارّ النافع هو الله عزوجل».

(٢٤) وفي معناه من طريقه عن الوشّاء ، عن أبان عن زرارة ، عن أبى عبد الله عليه‌السلام ، قال : «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام على المنبر : لا يجد أحد طعم الإيمان حتى يعلم أنّ ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه» ، (الكافى ، ج ٢ ، ص ٥٨).

(٢٥) وفي معناه من طريق مسند الصدوق في (٣٧٤) ، «التوحيد» مسلسلا عن جعفر بن محمّد قال : «حدّثني أبى عن أبيه عن جدّه عليهم‌السلام قال : دخل الحسين بن علىعليهما‌السلام على معاوية ، فقال له : ما حمل أباك على أن قتل أهل البصرة ، ثمّ دار عشيّا

٢٣٣

في طرقهم في ثوبين؟ فقال عليه‌السلام : حمله على ذلك علمه أنّ ما أصابه لم يكن ليخطئه ، وأنّ ما أخطأه لم يكن ليصيبه ، قال : صدقت. قال : وقيل لأمير المؤمنين ، عليه‌السلام ، لمّا أراد قتال الخوارج : لو احترزت يا أمير المؤمنين ، فقال عليه‌السلام :

أيّ يومىّ من الموت أفرّ

يوم لم يقدر أم يوم قدر

يوم ما قدر لا أخشى الرّدى

وإذا قدّر لم يغن الحذر

(٢٦) ومن طريق في جامعه المسند في «التوحيد» ، (ص ٣٦٩) ، وفي كتاب «عيون أخبار الرضا» في المسلسل ، حدّثنا ابو الحسن محمّد بن عمرو بن على البصرى ، قال : حدّثنا أبو الحسن على بن الحسن الميثى ، قال : حدّثنا أبو الحسن على بن مهرويه القزوينى ، قال : حدّثنا أبو أحمد القزوينى وهو داود بن سليمان ، قال : حدّثنا أبو الحسن على بن موسى الرضا عليه‌السلام قال : حدّثنا أبى عن آبائه عن الحسين بن على عليه‌السلام ، قال : «سمعت على بن أبى طالب عليه‌السلام ، يقول : الأعمال على ثلاثة أحوال : فرائض وفضائل ومعاصى. فأمّا الفرائض فبأمر الله تعالى وبرضاء الله وبقضاء الله وبقدره ومشيّته وعلمه. وأمّا الفضائل فليست بأمر الله ولكن برضاء الله وبقضاء الله وبقدر الله وبمشيّته وبعلمه. وأمّا المعاصى فليست بأمر الله ولكن بقضاء الله وبقدر الله وبمشيّته وبعلمه ثمّ يعاقب عليها».

(٢٧) ومن طريق الصدوق في الكتابين في القويّ بل في الحسن ، حدّثنا الحسين بن إبراهيم بن أحمد المؤدّب ، رضى الله عنه ، قال : حدّثنا على بن ابراهيم بن هاشم ، عن أبيه، عن على بن معبّد ، عن الحسين بن خالد ، عن على بن موسى الرضا ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن على بن ابى طالب عليهم‌السلام ، قال : «سمعت رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : قال الله جلّ جلاله : من لم يرض بقضائى ولم يؤمن بقدرى فليلتمس إله غيرى. وقال رسول للهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : في قضاء الله خيرة للمؤمن».

(٢٨) ومن طريق الصدوق في كتابيه جامع «التوحيد» ، (ص ٤١٦) ، وكتاب «عيون أخبار الرضا» في الصحيح العالى الإسناد من الثلاثيات مكاتبة. حدّثنا عبد الواحد بن محمّد بن عبدوس النيشابورىّ العطّار رضى الله عنه ، قال : حدّثنا على بن محمّد بن قتيبة النيشابورىّ ، عن حمدان بن سليمان ، قال : «كتبت إلى الرضا ، عليه

٢٣٤

السلام ، أسأله عن أفعال العباد مخلوقة هي أم غير مخلوقة؟ فكتب عليه‌السلام : أفعال العباد مقدّرة في علم الله قبل خلق العباد بألفي عام».

(٢٩) ومن طريق جامع الصدوق في «التوحيد» ، (ص ٣٦٦) ، مسندا عن سيف بن عيينة ، عن الزهريّ ، وهو محمّد بن مسلم بن شهاب التابعىّ المدنىّ ، قال : قال رجل لعلىّ بن الحسين عليهما‌السلام ، «جعلنى الله فداك ، أبقدر الله يصيب الناس ما أصابهم أم بعمل؟ فقال فقال : إنّ القدر والعمل بمنزلة الروح والجسد. فالروح بغير جسد لا تحسّ ، والجسد بغير روح لا حراك بها ، فإذا اجتمعا قويا وصلحا. كذلك العمل والقدر. فلو لم يكن القدر واقعا على العمل لم يعرف الخالق من المخلوق وكان القدر شيئا لا يحسّ ، ولو لم يكن العمل بموافقة من القدر لم يمض ولم يتمّ ، ولكنّهما باجتماعهما قويا. ولله فيه العون لعباده الصالحين. ثم قال عليه‌السلام : ألا إنّ من أجور الناس من رأى جوره عدلا وعدل المهتدى جورا. ألا إنّ للعبد أربعة أعين : عينان ليبصر بهما أمر آخرته ، وعينان يبصر بها أمر دنياه. فإذا أراد الله عزوجل بعبد خيرا فتح له العينين اللتين في قلبه ، فأبصر بهما العيب. وإذا أراد غير ذلك ترك القلب بما فيه. ثمّ التفت إلى السائل عن القدر فقال : هذا منه وهذا منه».

(٣٠) ومن طريق الصدوق في جامعة المسند في «التوحيد» ، (ص ٣٥٢) ، حدّثنا أبى ، رضى الله عنه ، قال : حدّثنا أبو الخير صالح بن أبى حمّاد ، قال : حدّثني أبو خالد السجستانىّ ـ وهو الذي لمّا مضى أبو الحسن موسى ، عليه‌السلام ، وقف عليه ، ثمّ نظر في نجومه فزعم أنّه قد مات فقطع بموته عليه‌السلام ، ورجع إلى الحقّ وخالف أصحابه ـ عن على بن يقطين عن أبى ابراهيم عليه‌السلام ، قال : «مرّ أمير المؤمنين عليه‌السلام بجماعة بالكوفة وهم يختصمون في القدر ، فقال لمتكلمهم : بالله تستطيع أم مع الله أم من دون الله تستطيع؟ فلم يدر ما يردّ عليه. فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : إنّ زعمت أنّك بالله تستطيع فليس لك من الأمر شيء وإنّ زعمت أنّك مع الله تستطيع فقد زعمت أنّك شريك معه في ملكه ، وإنّ زعمت أنّك من دون الله تستطيع فقد ادّعيت الربوبيّة من دون الله عزوجل. فقال : يا أمير المؤمنين : لا ، بل بالله أستطيع. فقال عليه‌السلام : أمّا إنّك لو قلت غير هذا لضربت عنقك».

٢٣٥

(٣١) ومن طريق رئيس المحدّثين في الصحيح العالى الإسناد من ثلاثيّات «الكافى» ، (ج ١ ، ص ١٥٢) ، محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن أحمد بن محمّد بن أبى نصر قال : قال أبو الحسن الرضا عليه‌السلام : «قال الله عزوجل : ابن آدم ، بمشيّتى كنت أنت الذي تشاء لنفسك ما تشاء ، وبقوّتى أدّيت فرائضى ، وبنعمتى قويت على معصيتى. جعلتك سميعا بصيرا قويّا ، ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيّئة فمن نفسك. وذلك أنّى أولى بحسناتك منك وأنت أولى بسيّئاتك منّى. وذلك أنّى لا أسأل عمّا أفعل وهم يسألون».

(٣٢) ومن الطريقين حسنة حمزة بن الطيار ، بل صحيحة فضالة بن أيّوب ، عن حمزة بن الطيّار ، عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : «إنّه ليس شيء فيه قبض أو بسط ممّا أمر الله به أو نهى عنه إلّا وفيه لله عزوجل ابتلاء وقضاء» ، (التوحيد ، ص ٣٥٤).

(٣٣) ومن طريقهما في الحسن على الأصحّ على بن إبراهيم بن هاشم ، عن محمّد بن عيسى بن عبيد عن يونس بن عبد الرحمن ، عن حمزة بن محمّد الطيّار ، عن أبى عبد اللهعليه‌السلام ، قال : «ما من قبض ولا بسط إلّا ولله فيه مشيّة وقضاء وابتلاء» ، (التوحيد ، ص ٣٥٤).

(٣٤) ومن طريق «الكافى» ، (ص ١٥٣) ، لرئيس المحدثين ، على بن محمّد ، رفعه ، عن شعيب العقرقوفي عن أبى بصير ، قال : كنت بين يدى أبى عبد الله عليه‌السلام جالسا ، وقد سأله سائل فقال : جعلت فداك يا ابن رسول الله ، من أين لحق الشقاء أهل المعصية حتّى حكم لهم في علمه لا عذاب على عملهم؟ فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : أيّها السائل علم الله عزوجل الّا يقوم أحد من خلق بحقّه. فلمّا علم ذلك وهب لأهل المعصية القوّة على معصيتهم ، لسبق علمه فيهم ولم يمنعهم إطاقة القبول منه. لأنّ علمه أولى بحقيقة التصديق ، فوافقوا ما سبق لهم في علمه ، وإن قدروا أن يأتوا خلالا تنجيهم عن معصيته ، وهو معنى شاء ما شاء ، وهو سرّه». (التوحيد ، ص ٣٥٤).

قلت : يعنى عليه‌السلام : لسوء استعدادهم الجبلّىّ ونقص استحقاقهم الذاتىّ وقصور قابليّتهم الطباعيّة الموجبة لسوء الاختيار وخسران الاتّجار. وذلك الذي يقال له سرّ القدر. ويتضح لك ببيان أشفى ممّا قد أسبقناه إن شاء الله سبحانه.

٢٣٦

(٣٥) ومن طريق الصدوق عروة الإسلام في جامعه في «التوحيد» ، (ص ٢٣٧) ، في الحسن عن عبد الله بن ميمون القدّاح ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه عليهما‌السلام. قال : «قيل لعلىّ عليه‌السلام : إنّ رجلا يتكلّم في المشيّة. فقال : ادعه لى. قال : فدعا له ، فقال : يا عبد الله ، خلقك الله لما شاء ، قال : فيمرضك إذا شاء أو إذا شئت؟ قال : إذا شاء ، قال : فيشفيك إذا شاء أو إذا شئت؟ قال : إذا شاء. قال : فيدخلك حيث شاء أو حيث شئت؟ قال : حيث شاء. قال : فقال على عليه‌السلام له : لو قلت غير هذا لضربت الذي فيه عيناك».

(٣٦) ومن طريقه بهذا الإسناد ، قال : دخل على أبى عبد الله عليه‌السلام أو أبى جعفرعليه‌السلام رجل من أتباع بنى أميّة ، فخفنا عليه. فقلنا له : لو تواريت ، وقلنا : ليس هو هاهنا. قال : ائذنوا له ، فإنّ رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : إنّ الله عزوجل عند لسان كلّ قائل ويد كلّ باسط. فهذا القائل لا يستطيع أن يقول : إلّا ما شاء الله. وهذا الباسط لا يستطيع أن يبسط يده إلّا بما شاء الله. فدخل عليه فسأله عن أشياء وآمن بها وذهب» ، (التوحيد، ص ٣٣٧).

(٣٧) ومن طريقه فيه مسندا في الموثّق عن مروان بن مسلم ، عن ثابت بن أبى صفية ، عن سعد الخفّاف ، عن الأصبغ بن نباتة. قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : أوحى الله عزوجل إلى داود عليه‌السلام : يا داود ، تريد ، وأريد ولا يكون إلّا ما أريد. فإنّ أسلمت لما أريد أعطيتك ما تريد ، وإن لم تسلم لما أريد أتعبتك في ما تريد ، ثمّ لا يكون إلّا ما أريد» ، (التوحيد ، ص ٣٣٧).

(٣٨) ومن طريقه رضى الله عنه فيه ، حدّثنا على بن أحمد بن محمّد بن عمران ، رضى الله عنه ، قال : حدّثنا محمّد بن أبى عبد الله الكوفي ، قال : حدّثنا موسى بن عمران النخعى ، عن عمّه الحسين بن يزيد النوفلىّ ، عن على بن سالم ، عن أبى عبد الله عليه‌السلام ، قال : «سألته عن الرّقى ، أتدفع من القدر شيئا؟ فقال : هي من القدر. وقال عليه‌السلام : إنّ القدريّة مجوس هذه الأمّة ، وهم الذين أرادوا أن يصفوا الله بعدله فأخرجوه من سلطانه ، وفيهم نزلت هذه الآية : (يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ ، ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ ، إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) ، (الإسراء ، ٢٣) (التوحيد ، ص ٣٨٢).

٢٣٧

(٣٩) وفي كتاب «الاعتقادات» (ص ٧١) ، قال رضى الله عنه : «وسئل الصادق عليه‌السلام عن الرّقى ، هل تدفع من القدر شيئا؟ فقال : هي من القدر.

(٤٠) ولقد ورد وصحّ لدى العامّة والخاصة عن سيّدنا رسول الله (ص) أنّه سئل : هل يغنى الدواء والرّقيّة من قدر الله؟ فقال ، لمن سأله : الدواء والرّقية أيضا من قدر الله».

(٤١) ومن طريقه ، رضى الله عنه ، في كتابه الجامع المسند في «التوحيد» (ص ٣٤٩) ، صحيحة أبان بن عثمان ، عن حمزة بن محمّد الطيّار ، قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ) (القلم ، ٤٣) ، قال : مستطيعون ، يستطيعون الأخذ بما أمروا به والترك لما نهوا عنه. وبذلك ابتلوا. ثمّ قال : ليس شيء ممّا امروا به ونهوا عنه إلّا ومن الله عزوجل فيه ابتلاء وقضاء».

(٤٢) ومن طريقه في الصحيح أبى رحمه‌الله قال : حدّثنا سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن أبى عبد الله البرقىّ ، قال : حدّثني أبو شعيب صالح بن خالد المحاملى ، عن أبى سليمان الجمّال ، واسمه داود بن سليمان ، عن أبى بصير ، عن أبى عبد الله عليه‌السلام ، قال : «سألته عن شيء من الاستطاعة ، فقال : ليست الاستطاعة من كلامى ولا كلام آبائى» ، (التوحيد ، ص ٣٤٤).

(٤٣) ومن طريقه فيه بإسناده عن محمّد بن عجلان ، قال : «قلت لأبى عبد اللهعليه‌السلام : فوّض الله الأمر إلى العباد؟ فقال : الله أكرم من أن يفوّض إليهم ، قلت : فأجبر الله العباد على أفعالهم؟ فقال : الله أعدل من أن يجبر عبدا على فعل ثمّ يعذّبه عليه» ، (التوحيد ، ص ٣٦١).

(٤٤) ومن طريقه فيه في القويّ ، بل في الحسن العالى الإسناد ، حدّثنا أبى ومحمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمهما‌الله ، قالا : حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار وأحمد بن إدريس جميعا ، عن محمّد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعريّ ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن على بن معبد ، عن عمر بن اذينة ، عن زرارة ، قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام ، يقول : كما أنّ بادى النّعم من الله عزوجل وقد نحلكموه ، فكذلك الشرّ من أنفسكم وإن جرى به قدره» ، (التوحيد ، ص ٣٦٨).

(٤٥) ومن طريقه فيه مسندا عن الأوزاعى عن يحيى بن كثير ، قال : «قيل

٢٣٨

لأمير المؤمنين عليه‌السلام : ألا نحرسك؟ قال : حرس كلّ امرئ أجله» ، (التوحيد ، ص ٣٧٩).

(٤٦) ومن طريقه في «عيون أخبار الرضا» (ص ١٣٨) ، بإسناده عن عبد العظيم بن عبد الله الحسنى ، عن الإمام على بن محمّد ، عن أبيه محمّد بن على ، عن أبيه الرضا عليهم‌السلام ، قال : «خرج أبو حنيفة ذات يوم من عند الصادق عليه‌السلام ، فاستقبله موسى بن جعفر عليه‌السلام فقال له : يا غلام ، ممّن المعصية؟ قال عليه‌السلام : لا تخلو من ثلاث : إمّا أن يكون من الله وليست منه ، فلا ينبغى للكريم أن يعذّب عبده بما لا يكسبه ، وإمّا أن تكون من الله عزوجل ومن العبد ، فلا ينبغى للشريك القويّ أن يظلم الشريك الضعيف ، وإمّا أن تكون من العبد ، وهي منه ، فإن عاقبه الله فبذنبه وإن عفى عنه فبكرمه وجوده» ، (التوحيد ، ص ١٣٨ ؛ عيون الأخبار الرضا ، ص ١٣٨).

(٤٧) ومن طريقه رضى الله عنه في جامع «التوحيد» (ص ٤١٥) ، في الصحيح ، حدّثنا أبى رضى الله عنه ، قال : حدثنا على بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن ابن أبى عمير ، عن محمّد بن حمران ، عن سليمان بن خالد. ومن طريق «الكافى» (ص ١٦٦) ، أيضا بهذا الإسناد بعينه عن سليمان بن خالد ، عن أبى عبد الله عليه‌السلام ، قال : «إن الله تبارك وتعالى إذا أراد بعبد خيرا نكت في قلبه نكتة من نور ، وفتح مسامع قلبه ووكّل به ملكا يسدده. وإذا أراد الله بعبد سوء نكت في قلبه سوداء وسد مسامع قلبه ووكّل به شيطانا يصلّه. ثمّ تلى هذه الآية : ومن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ، ومن يرد أن يضلّه يجعل صدره ضيّقا حرجا كأنّما يصعّد في السماء».

(٤٨) ومن طريقه فيه : حدّثنا أبى ومحمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد (رض) قالا : حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار وأحمد بن إدريس جميعا ، عن محمّد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعرى ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن على بن معبد ، عن درست ، عن فضيل بن يسار ، قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : شاء الله أن أكون مستطيعا لما لم يشأ أن أكون فاعله. قال : وسمعته يقول : شاء وأراد ولم يحبّ ولم يرض. شاء أن لا يكون في ملكه شيء إلّا بعلمه ، وأراد مثل ذلك ، ولم يحبّ أن يقال له : «ثالث ثلاثة» ، ولم يرض لعباده الكفر» ، (التوحيد ، ص ٣٤٣).

(٤٩) ومن طريقه رضى الله عنه فيه في الصحيح ، حدّثنا الحسين بن أحمد بن

٢٣٩

إدريس ، قال : حدّثنا أبى قال : حدّثنا ابراهيم بن هاشم ، عن محمّد بن أبى عمير ، عن هشام بن سالم ، قال : «سئل ابو عبد الله عليه‌السلام ، فقيل له : بما عرفت ربّك؟ قال : بفسخ العرم ونقض الهمم ، عزمت ففسخ عزمى وهممت فنقض همّى» ، (التوحيد ، ص ٢٨٩). قلت : العزم بكسر المهملة وفتح الزاء لمشاكلة الهمم من باب صنعة الازدواج ، كما في قولهم : أخذه ما حدث وما قدم بالضمّ للمشاكلة.

(٥٠) ومن طريقه فيه ، حدّثنا احمد بن زياد بن جعفر الهمدانى ، رض ، قال : حدّثنا على بن ابراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن محمّد بن سنان ، عن زياد بن المنذر ، عن أبى جعفر محمّد بن على الباقر عن أبيه عن جدّه عليهم‌السلام أنّه قال : «إنّ رجلا قام إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فقال : يا أمير المؤمنين ، بما ذا عرفت ربّك؟ قال : بفسخ العزم ونقض الهمّ ، لمّا هممت فحيل بينى وبين همّى ، وعزمت فخالف القضاء عزمى ، عرفت أنّ المدبّر غيرى. قال : فبما ذا شكرت نعماءه؟ قال : فنظرت إلى بلاء قد صرفه عنّى وأبلى به خيرى ، فعلمت أنّه قد أنعم على فشكرته. قال : فلما ذا أحببت لقاءه؟ قال : لما رأيته قد اختار لى دين ملائكته وأنبيائه ورسله ، علمت أنّ الّذي أكرمنى بهذا ليس ينسانى ، فأحببت لقاءه» ، (التوحيد ، ص ٢٨٨).

(٥١) ومن طريقه رضى الله عنه فيه في الموثق ، حدّثنا أبى ومحمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد (رض) ، قالا : حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار وأحمد بن إدريس جميعا ، عن محمّد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعرى. قال : حدّثنا يعقوب بن يزيد ، عن على بن حسّان ، عن إسماعيل بن ابى زياد الشعيرىّ ، عن ثور بن يزيد ، عن خالد بن سعدان ، عن معاذ بن جبل قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «سبق العلم وجفّ القلم ومضى القدر بتحقيق الكتاب وتصديق الرسل ، وبالسعادة من الله عزوجل لمن آمن ، واتقى ، وبالشقاء لمن كذّب وكفر ، وبولاية الله المؤمنين وببراءته من المشركين». ثمّ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «عن الله أروى حديثى ، إنّ الله تبارك وتعالى يقول : يا ابن آدم ، بمشيّتى كنت أنت الذي تشاء لنفسك ما تشاء ، وبإرادتى كنت أنت الذي تريد لنفسك ما تريد ، وبفضل نعمتى عليك قويت على معصيتى ، وبمعصيتى وعونى وعافيتى أدّيت إلى فرائضى. فأنا

٢٤٠