منهج التربية في القرآن والسنّة

عمر أحمد عمر

منهج التربية في القرآن والسنّة

المؤلف:

عمر أحمد عمر


المحقق: الدكتور وهبة الزحيلي
الموضوع : علم‌النفس والتربية والاجتماع
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع
المطبعة: مطبعة الصباح
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٣٦

وأصحاب النزعة العلمية يحددون الغرض من التربية بأنه الإعداد للحياة الكاملة وهذا يكون بالحصول على القدر الكافي المناسب من المعرفة لتكوين الإنسان من الناحية الفردية والاجتماعية ، وبتنمية القدرة على استخدام هذه المعرفة (٦٧).

أما أصحاب النزعة الاجتماعية فينظرون إلى التربية على أنها وسيلة لبقاء الجماعة ونموها ، ويتناولون البحوث التربوية بطريق دراسة بناء المجتمع ومظاهر النشاط والمطالب الاجتماعية. وهدف التربية في نظرهم هو إعداد الفرد للمشاركة الناجحة في حياة زملائه الاقتصادية والسياسية والاجتماعية)٦٨(. وعلى العموم توجد أهداف ونظريات عديدة في التربية نجملها فيما يلي :

١ ـ التربية لكسب الرزق

٢ ـ نظرية تحقيق الذات

٣ ـ نظرية النمو

٤ ـ نظرية ايجاد المواطن الصالح.

١ ـ والذين قالوا بالهدف الأول ، وجعلوا التربية وسيلة للتدريب على الأعمال اللازمة لكسب الرزق ، ضيقوا مجال التربية ، وحطوا من شأنها ، لأن الإنسان لا تقتصر حاجته على إشباع دوافع جسده ؛ ولا يحتاج إلى كل هذا الإعداد وهذه الجهود للحصول على الرزق ، فقد قدر الله للناس أرزاقهم ، وهيأ لكل مخلوق ما يحتاج إليه. قال تعالى :

(وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ. فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) (٦٩)

(أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) (٧٠)

والرزق موجود في مناكب الأرض بما يكفي كل الناس ، وما على الإنسان إلا أن يسعى إليه ويستخرجه من مستودعه.

(وَبارَكَ فِيها وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ) (٧١) وقد تكفل الله برزق خلقه جميعا حتى الحيوانات والحشرات :

(وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللهُ يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ). (٧٢)

٢١

وما يروجه بعض الكتاب من أن زيادة الغذاء الذي يتم الحصول عليه لا تتناسب مع زيادة عدد السكان وهم باطل. وإذا وجدت مجاعة في بلد ما فسببها سوء الاستغلال وسوء التوزيع ، فلو استغلت الأرض الصالحة للزراعة استغلالا جيدا ، واستغلت مياه الأمطار والأنهار والينابيع لري المزروعات ، واستغلت الثروات المخبوءة في أعماق البحار والمحيطات ووزع ذلك على أساس العدل والمساواة ، لفاضت الخيرات وعمت البركات :

(وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ). (٧٣)

وسوء الاستغلال يجعل بعض الجشعين يحرصون على زراعة ما يزيد أرباحهم لا ما يحتاج إليه الناس. وسوء التوزيع يجعل بعض المحاصيل الزراعية تتراكم في خزانات أولئك الجشعين بدلا من توزيعها على المحتاجين إليها. وهذا ما ينذر المجتمع بكارثة خطيرة :

(فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً (٧٤) فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ (٧٥) فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ (٧٦) الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (٧٧)

وأولئك الذين يجعلون التربية وسيلة للحصول على شهادة للعمل في إحدى المهن والوظائف لا يستفيدون من التربية فائدة كبيرة ، ولا يحصلون على الرزق الوفير. وكم من جاهل يزيد دخله على دخل المتعلم ، وكم من أمي يملك أضعاف ما يملكه حاملو الشهادات العليا!

والرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمرنا بالقناعة والزهد ، ونهانا عن الطمع ومحاولة الحصول على الرزق بالوسائل غير المشروعة.

«إن روح القدس نفث في روعي : لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها. فاتقوا الله وأجملوا في الطلب. (٧٨)»

وبالتالي فلا ننكر أن التربية تسهم في رفع مستوى المعيشة وتحسين سبل الحصول على الأرزاق. ولكن كسب الرزق إذا جعله بعض الأفراد هدفا لهم ، فلا يصح أن يعتبر هدفا عاما أساسيا ، ويجب البحث عن هدف آخر.

٢ ـ نظرية تحقيق الذات : تعني هذه النظرية أن تجعل للفرد من خلال التربية شخصية قوية ، وأن يشعر بكيانه المستقل ، ويصبح له وجود ذو أهمية ، ويحصل على مكانة مرموقة في المجتمع.

٢٢

غير أن الصفات التي يحقق بها الفرد ذاته تختلف من واحد إلى آخر ، ومن مجتمع إلى سواه ، بحسب عقيدته وثقافته ونظرته إلى الوجود. فلا يمكن تحديد معايير موضوعية لتحقيق الذات ، وتكون مقبولة في كل البلدان والأزمان ثم إن هذه النظرية تجعل الأفراد في سباق وصراع دائمين لتحقيق الذات. وكل منهم يريد أن يتفوق على غيره ، ويتبوأ مكان الصدارة ، وهذا وإن كان له أثره الجيد في الرقي والتقدم ، إلا أنه يكون على حساب العلاقات الإنسانية والعواطف النبيلة التي تجعل الإنسان يفعل الخير دون أن تكون الأضواء مسلطة عليه ، ويأخذ بيد الضعيف ، ويساعد العاجز ، ويحسن إلى المحتاج بدون أن يرغب في جزاء أو ثناء سوى ما أعده الله للمحسنين وكان نتيجة هذه النظرية في المجتمعات الغربية تفكك المجتمع وانحلال الأسرة والتردي في حمأة المادية ، واضمحلال القيم التي تجعل الناس أخوة متحابين. أما تأثير النظرية على العلاقات بين الدول فهو أشد خطرا وأعظم وقعا ، إذ تجعلها في سباق جنوني لتملك أسباب القوة والهيبة. وهذا ما يؤدي إلى الحروب فيما بينها بدلا من أن يعم السّلام والأمن.

٣ ـ نظرية النمو :

قال الفيلسوف" كانط" : (إن هدف التربية هو أن تنمي لدى الفرد كل ما يستطيعه من كمال). ويعني بهذا الكمال العقلي ، وعلى الأخص الكمال الخلقي (٧٩) وتحرص هذه النظرية على إزالة كل ما يعيق النمو السليم ، وعلى توفير الوسائل التي تسهل نمو الجسم والعقل ، وتزيد مختلف القوى المادية والمعنوية للإنسان.

غير أنها لا تحدد الغاية من استكمال الإنسان نموه وقوته ، ولا تبين ما يعمله الإنسان بعد أن يجتاز فترة النمو المقدرة له. فكأن هذه النظرية تجعل الوسيلة هدفا ، وتتعامى عن الهدف الصحيح!

٤ ـ نظرية إعداد المواطن الصالح :

إن معظم النظم البشرية وكثيرا من حكام ورجال هذا العصر يجعلون إعداد المواطن الصالح هدفا للتربية. ويحاولون التوفيق بين حقوق الفرد وواجباته الاجتماعية ، وإيجاد توازن بينهما ، كذلك التوفيق بين" نمو الذات" وبين السعادة أو الرفاهية الاجتماعية.

وهذه النظرية إن كانت مقبولة داخل حدود الوطن الواحد ، فإنها غير مقبولة على مستوى الإنسانية ؛ لأن المواطن الصالح قد يعامل أبناء وطنه باحترام وتقدير ،

٢٣

ويحافظ على حقوقهم ويصون كرامتهم ، ولكنه قد يحتقر أبناء الأوطان الأخرى ويسلب أموالهم. ولهذا فإن الأوربي المتأثر بهذه النظرية يحترم أبناء وطنه ، ويعاملهم معاملة إنسانية تتحقق فيها العدالة والمساواة. ولكنه حين يذهب إلى آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية يصبح كالوحش المفترس ، يستعبد الناس ويذلهم وينهب ثرواتهم ، ويعيث في الأرض فسادا. وهو في هذا لا يتعدى الهدف المرسوم له.

وبعد هذا العرض والتلخيص لأهداف التربية المختلفة ، نعرج على هدف التربية في الإسلام ، ولا بد من استنباطه من القرآن والسنة.

هدف التربية في القرآن والسنة :

تهدف التربية بالقرآن والسنة إلى جعل الإنسان يحقق الغاية التي خلق من أجلها ، وهي عبادة الله سبحانه ، بدليل قوله تعالى :

(وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ. ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ. إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ). (٨٠)

وعبادة الله لا تقتصر على الصلاة والصيام والزكاة والحج ، لأن هذه العبادات ـ وإن كانت أركان الإسلام ـ لا تستغرق حياة الإنسان كلها ، ولا تستنفد جهوده جميعها. والعبادة التي خلقنا الله لأجلها تشتمل كل طاعة يتقرب فيها العبد إلى ربه ، وكل عمل صالح يعود على صاحبه أو على غيره بالنفع ، ويقصد به وجهه الكريم. والعمل هو الذي يستغرق من الإنسان حياته ، ويجزى عليه بعد مماته. قال تعالى :

(الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ (٨١) أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ). (٨٢)

والذي يقوم بالأعمال الصالحة يكون إنسانا صالحا. ولا يقتصر صلاحه على نفسه وأبناء وطنه ، بل يشمل الإنسانية جميعها والخلائق كلها.

وبذلك يكون هدف التربية في الإسلام هو إعداد الإنسان الصالح ، وهو الإنسان التقي الذي يعبد الله ويهتدي بهديه. وهو الذي يعمر الأرض ويفي بشروط الخلافة فيها ، وهو الذي يحيا حياة فاضلة سعيدة ، لأنه استجاب لله ، ونظم أمور حياته بأحكام شريعته ، عملا بقوله سبحانه :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ). (٨٣)

وقد وعد الله المؤمنين الصالحين الذين يطيعون الله ورسوله ، ويقيمون الصلاة

٢٤

ويؤتون الزكاة بأن يجعل لهم مكانة عالية في الأرض ويثبت أقدامهم فيها. وأنذر الكافرين الذين أعرضوا عن هديه بالدمار والبوار. قال سبحانه :

(قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ. وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ. وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ). (٨٤)

وهذا الهدف يتناول جوانب الإنسان وكيانه كله. ولا بد لتحقيقه من تنمية جسمه ، وحفظ صحته ، وتقويم لسانه وتثقيف عقله ، وتزويده بالعلوم الصحيحة النافعة. ويتناول تدريبه على وسائل الكسب ، وإرهاف شعوره بجمال الكون ، وتعريفه بحقوق المجتمع والبشرية. ويشمل أقسام التربية كلها (٨٥).

* * *

٢٥

هوامش الفصل الأول

__________________

(١) سورة الروم : ٣٩

(٢) مدخل إلى التربية في ضوء الإسلام ـ عبد الرحمن الباني ص ٧ ـ ١٢ وأصول التربية ـ عبد الرحمن النحلاوي ص ١٢

(٣) أنوار التنزيل وأسرار التأويل ، طبع ١٣٠٥ ه‍ ص ٣

(٤) معجم مفردات ألفاظ القرآن للراغب الأصفهاني ـ تحقيق نديم مرعشلي دار الكتاب العربي. ص ١٨٩.

(٥) نقلنا هذا التعريف والتعريفات السابقة له من كتاب التربية العامة (١) للدكتورة فاطمة الجيوشي ، ص : آ ب ، ١٢٧.

(٦) أصول التربية ـ عبد الرحمن النحلاوي ص ١٤.

(٧) طرق

(٨) شديدة السواد. والآية في سورة فاطر : ٢٧.

(٩) بعضه فوق بعض كسنابل الحنطة.

(١٠) ثمرها أول انعقاده

(١١) عراجين النخل أي عناقيده تكون قريبة بعضها من بعض ومتدلية

(١٢) أي يشبه بعضها بعضا في الأوراق ، ويختلف في الطعم واللون

(١٣) نضجه

(١٤) سورة الأنعام : ٩٩

(١٥) أي بعضها يتسلق العرائش كأشجار العنب ، وبعضها لا يحتاج إلى عرائش ، وبعضها يزحف على الأرض ، وبعضها يرتفغ عاليا.

(١٦) سورة الأنعام : ١٤١

(١٧) حملت

(١٨) لا نبات فيه

(١٩) فسد ترابه

٢٦

__________________

(٢٠) عسرا بمشقة

(٢١) سورة الأعراف ٥٧ ـ ٥٨

(٢٢) أي تخرج نخلتان أو أكثر من أصل واحد

(٢٣) سورة الرعد : ٤

(٢٤) ترعون دوابكم

(٢٥) سورة النحل : ١١

(٢٦) أدخله

(٢٧) ييبس

(٢٨) فتاتا

(٢٩) لذوي العقول والآية في سورة الزمر : ٢١.

(٣٠) سورة البقرة : ٢٦١

(٣١) تعطي ثمرها

(٣٢) سورة ابراهيم : ٢٤ ـ ٢٥

(٣٣) الأنعام هي الإبل والبقر والغنم والماعز

(٣٤) تردونها إلى مراحها بالعشي.

(٣٥) تخرجونها إلى المرعى بالغداة

(٣٦) بجهدها

(٣٧) بيان الطريق المستقيم

(٣٨) حائد عن الاستقامة.

(٣٩) سورة النحل : ٥ ـ ٩

(٤٠) الفرث : ما في كرش الحيوانات وأمعائها من الغذاء

(٤١) سورة النحل : ٦٦

(٤٢) سخرناها

(٤٣) سورة يس : ٧١ ـ ٧٣.

(٤٤) الحاجة هي حمل الأثقال إلى البلاد.

(٤٥) الفلك : السفن. والآيتان في سورة المؤمن : ٧٩ ـ ٨٠

(٤٦) الحمولة : الصالحة للحمل عليها كالإبل الكبار. والفرش : التي لا تصلح له كالإبل الصغار والغنم. سميت فرشا لأنها كالفرش للأرض ، لدنوها منها. أو لأنها تتخذ منها المفروشات.

٢٧

__________________

(٤٧) سورة الأنعم : ١٤٢

(٤٨) يبنون

(٤٩) مسخرة لك

(٥٠) سورة النحل : ٦٨ ـ ٦٩

(٥١) سورة المائدة : ٤

(٥٢) إحياء علوم الدين ج ٢ ص ٢٧٥.

(٥٣) رجعي صوته بالتسبيح والقراءة.

(٥٤) سورة سبأ : ١٠.

(٥٥) سورة طه : ١١٤

(٥٦) سورة الإسراء : ٨٥

(٥٧) سورة البقرة : ٣٠

(٥٨) لتطلبوا

(٥٩) سورة الجاثية : ١٢ ـ ١٣.

(٦٠) سورة الإسراء : ٧٠

(٦١) سورة البقرة : ٢١ ـ ٢٣.

(٦٢) المرجع في تاريخ التربية ـ بول منرو ج ٢ ص ١٥ ، ١٨٦

(٦٣) المرجع في تاريخ التربية ـ بول منرو ج ٢ ص ١٥ ، ١٨٦

(٦٤) المرجع في تاريخ التربية : ج ٢ ص ٢٩٧ ـ ٢٩٨ ـ ٣١٧ ، ٣٥٣ ، ٣٨١.

(٦٥) المرجع في تاريخ التربية : ج ٢ ص ٢٩٧ ـ ٢٩٨ ـ ٣١٧ ، ٣٥٣ ، ٣٨١.

(٦٦) المرجع في تاريخ التربية : ج ٢ ص ٢٩٧ ـ ٢٩٨ ـ ٣١٧ ، ٣٥٣ ، ٣٨١.

(٦٧) المرجع في تاريخ التربية : ج ٢ ص ٢٩٧ ـ ٢٩٨ ـ ٣١٧ ، ٣٥٣ ، ٣٨١.

(٦٨) المرجع في تاريخ التربية ج ٢ ص ٤٠٤

(٦٩) سورة الذاريات : ٢٢ ـ ٢٣

(٧٠) سورة الزخرف : ٣٢.

(٧١) سورة فصلت : ١٠.

(٧٢) سورة العنكبوت : ٦٠

(٧٣) سورة الأعراف : ٩٦

(٧٤) فجأة

(٧٥) آيسون من كل خير

(٧٦) أي استؤصلوا

(٧٧) سورة الأنعام : ٤٤ ـ ٤٥.

٢٨

__________________

(٧٨) رواه الديلمي في سند الفردوس عن جابر ، وأبو نعيم والطبراني عن أبي أمامة ، والبزار عن حذيفة. وأخرجه ابن أبي الدنيا ، وصححه الحاكم عن ابن مسعود. (كشف الخفاء)

(٧٩) التربية العامة (١) للدكتورة فاطمة جيوشي ص ١ ب.

(٨٠) سورة الذاريات : ٥٦ ـ ٥٨

(٨١) ليختبركم

(٨٢) سورة الملك : ٢

(٨٣) سورة الأنفال : ٢٤

(٨٤) سورة النور : ٥٤ ـ ٥٦

(٨٥) منهج التربية الإسلامية ـ محمد قطب ص ١١ ـ ١٤ ، مدخل إلى التربية في ضوء الإسلام ـ عبد الرحمن الباني ص ٦٢ ـ ٧٢.

٢٩
٣٠

الفصل الثاني :

مجالات التربية

تتناول التربية كل جوانب الإنسان الجسمية والعقلية والروحية ، ثم تتجاوز ذلك إلى تهذيب انفعالاته وعواطفه ، وتهتم بمشاعره وأحاسيسه ، وتحدد علاقته بغيره على أسس سليمة.

فهي تشمل التربية البدنية والتربية العقلية ، والتربية الروحية والتربية الاجتماعية ، والتربية الانفعالية والتربية الجمالية.

وهذا ما نفصله فيما يلي :

١ ـ التربية البدنية

أول ما يقع عليه نظرنا من الإنسان هو جسمه المميز له ، وهو كغيره من الثديات يولد صغيرا ضعيفا ، ثم ينمو ويقوى شيئا فشيئا حتى يبلغ أوج قوته. وبعد ذلك تميل أعضاؤه إلى الضمور ، وقوته إلى الضعف ، حتى تنتهي حياته على هذه الأرض. ولقد أنعم الله على الإنسان بالصورة الحسنة والقامة المعتدلة. قال سبحانه :

(لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) (١)

ومنحه عينين جميلتين يبصر بهما ، ولسانا ينطق به ، وشفتين رقيقتين تحفظان فمه وأسنانه ، وتعينانه على الكلام والطعام :

(أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ وَلِساناً وَشَفَتَيْنِ) (٢)

والثديات ـ بما فيها الإنسان ـ تتغذى باللبن بعد ولادتها لفترة تطول لدى الإنسان إلى عامين ، وتقصر لدى غيره إلى أشهر معدودة.

قال تعالى : (وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ) (٣)

وأفضل لبن يتغذى به الطفل من الناحية الصحية والنفسية والاقتصادية هو لبن أمه. وقد ثبت علميا أن تركيب لبن الأم يتغير مع نمو الطفل الرضيع بما يتناسب مع

٣١

حاجته إلى الغذاء وقدرته على هضمه ؛ فيكون رقيقا خفيفا في البدء ، ثم يزداد تركيزا وكثافة كلما كبر الرضيع. وهذا اللبن يكون نظيفا غير ملوث بالجراثيم التي تملأ الزجاجة والحلمة الصناعية التي تقدم إليه بدلا من ثدي أمه. وشعور الطفل بالأمن والسرور حين يوضع في حجر أمه لترضعه يجعله يستفيد من لبنها فائدة كاملة وو ينمو نموا حسنا من الناحية الجسمية والعاطفية.

وبعد الفطام يحتاج الطفل إلى الغذاء. وقد أحل الله لنا الطعام الطيب النافع :

(يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) (سورة البقرة : ١٦٨)

وحرم علينا ما هو ضار خبيث :

(قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً (٤) أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ (٥) أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ (٦) فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ). (٧)

ونهانا عن الإسراف في الطعام والشراب ، لأنه يؤدي إلى اضطراب في جهاز الهضم ، أو يجعل خلايا الجسم تتكدس بالشحم الذي تنوء بحمله الأطراف ، ويصبح عبئا ثقيلا على القلب. قال تعالى : (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) (٨).

وأمرنا بالصيام لأنه يؤدي إلى تنقية الجسم من الفضلات والرواسب المتراكمة فيه ؛ مما يجعله كبير النفع من الناحية الصحية ، بالإضافة إلى فوائده الخلقية والنفسية والروحية. قال تعالى :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ). (٩)

ويحتاج الناس إلى ثياب تقيهم البرد والحر ، وتستر عوراتهم ، وتزين أجسامهم وقد امتن الله عليهم بتوفير المواد التي تصنع منها الثياب وتعليمهم صنعها :

(يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ (١٠) وَرِيشاً ، وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ ، ذلِكَ مِنْ آياتِ اللهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ). (١١)

وعورة الرجل الواجب سترها ما بين السرة والركبة. وعورة المرأة على المرأة مثل ذلك ، وعورتها على الرجل الأجنبي عنها كل جسمها عدا الوجه والكفين. ودليل ذلك

٣٢

قوله تعالى : (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ (١٢) وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ (١٣) ذلِكَ أَزْكى (١٤) لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ. وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها (١٥) وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَ (١٦) وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَ (١٧) أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَواتِهِنَّ أَوْ نِسائِهِنَّ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَ (١٨) أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ (١٩) أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ (٢٠) وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (٢١)

وقد رخص الإسلام للمرأة أن تكشف عن رأسها وساعديها وساقيها أمام محارمها المذكورين في الآية السابقة لأنه يكثر اختلاطها بهم ، وقد تعيش معهم في بيت واحد. فلو أمرت بالستر أمامهم كما تفعل حين تخرج من البيت لوقعت في الحرج. وإذا كشفت هذه الأعضاء للقيام بأعمال المنزل. فلا يراها فيه أحد غيرهم ، ولا يخشى عليهم من الفتنة بها إذا نظروا إليها في تلك الحالة.

أما الرجل! فعمله خارج المنزل قد يجعله يكشف عن رأسه ويديه وساقيه ، وهو مرخص له في ذلك. وهذا الحكم يدل على يسر الإسلام وحكمته.

ومع أن الناس تعلموا صنع الألبسة الناعمة والجميلة إلا أن كثيرا من الذين لم يهتدوا بهدي هذا الدين ، ولم يتربوا بتربيته يكشفون ما أمر الله بستره من أجسامهم. وهم في ذلك يرجعون القهقرى ، ويفعلون كالإنسان البدائي الذي لم يكن يجد ما يستر به جسمه. وبهذا يبؤون بغضب من الله ، ويصبحون أتباعا للشيطان عدوهم الأول الذي حذرنا الله من غوايته :

(يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ). (٢٢)

وحثنا الإسلام على القيام بالتمرينات التي تزيد الجسم قوة ونشاطا. وللصلاة أثر ملموس في هذه الناحية ، فهي تجعل معظم عضلات الجسم تتحرك برفق مرات عديدة كل يوم ، مما يحفظ عليها مرونتها ، كما إنها تنشط الدورة الدموية بسبب تغير

٣٣

أوضاع الجسم ما بين الركوع والسجود والقيام والجلوس والطهارة التي لا تصح الصلاة بدونها تجعل الجسم نظيفا ونشيطا. وتقيه شر كثير من الجراثيم والفطريات التي تعلق به ، فإذا اغتسل أو توضأ سقطت عنه.

ونهانا الإسلام عن التعرض للأوبئة والاختلاط بالمصابين بالأمراض السارية ، وشرع مبدأ الحجر الصحي ، وأمر بالتداوي.

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إذا سمعتم بالطاعون في أرض فلا تدخلوها. وإذا وقع في أرض وأنتم فيها فلا تخرجوا منها» (٢٣)

وقال : «تداووا فإن الله لم يضع داء إلا وضع له دواء» (٢٤).

وحرم الإسلام الانتحار والقتل بدون حق وإيقاع أي ضرر بالجسم. وشرع القصاص والجزاء العادل لمن يقدم على قتل غيره أو يتلف عضوا منه ، للمحافظة على سلامة الإنسان وحقه في الحياة.

ومن واجب القائمين على التربية في المدارس والمعاهد أن يولوا الناحية الجسمية لطلابهم العناية اللائقة. ويتم ذلك بقياس طول كل طالب ووزنه ، وملاحظة تناسب القياس مع سنه. ويعاد القياس مع كل سنة على الأقل ، مع تقديم الوصايا اللازمة إذا ظهر أي تأخر أو اضطراب في النمو. ويجب تقديم وجبه غذائية للطلاب تمنح أجسامهم العناصر التي تحتاج إليها. كما يجب أن يشرف عليهم لجنة طبية تفحص عيونهم وآذانهم وأسنانهم وسائر حواسهم وأعضائهم في أوقات معينة ، وتقدم العلاج لكل من يحتاج إليه ، ويجب تعليمهم العادات الصحية في طعامهم وشرابهم وعملهم وجلوسهم وأحوالهم كلها. ثم يجب أن تكون مقاعد الطلاب مناسبة لأجسامهم ، وأن تكون الغرف التي يدرسون فيها نظيفة وجيدة التهوية والتدفئة والإضاءة. وأن تكون التمرينات الرياضية التي يقومون بها مناسبة لأعمارهم وقواهم.

فإذا ما روعيت كل هذه الأمور نبتت الأجسام نباتا حسنا ، ونمت نموا سليما. وبذلك يصبح الإنسان قوي الجسم صحيح البنية ، وهذا ما يجعله يضطلع بالتكاليف الملقاة عليه ، ويقوم بالواجبات المطلوبة منه.

٣٤

٢ ـ التربية العقلية

هذه التربية أهم وأخطر من التربية الجسمية ، لأن الإنسان يمتاز عن الحيوان بعقله لا بجسمه ، فكثير من الحيوانات أعظم منه جسما وأشد منه قوة ، وهو يستطيع التغلب عليها وتجنب أذاها ، وإخضاعها له بعقله ودهائه.

وليس العقل تلك الكتلة من الأعصاب الموجودة داخل عظام الجمجمة والتي يسمونها الدماغ. ولكن الدماغ ضروري لحياة الإنسان ولقيام أعضائه بوظائفها ، ولجعله قادرا على الحس والشعور والتعلم كضرورة القلب لحياة الجسم. ونسبة العقل إلى الدماغ كنسبة الرؤية إلى العين ، ونسبة الحركة إلى اليد ، فالعقل نتيجة خاصية جعلها الله في الدماغ ، يفارق بها الإنسان سائر البهائم ، وهو الذي يستعد به لقبول العلوم النظرية وتدبير الصناعات الخفية الفكرية ، وبه يعرف عواقب الأمور (٢٥).

ولا تعني التربية العقلية نمو الدماغ ، فنموه مرتبط بنمو الجسم وهو مع نموه وزيادة حجمه لا تتكاثر خلاياه ولا تتجدد طيلة الحياة ، فالخلايا العصبية تتكون أثناء فترة الحمل ، والإنسان جنين في بطن أمه. وتبقى تقوم بوظائفها حتى يعتريها الضمور والتلف في فترة الهرم والشيخوخة. ولكن التريبة العقلية تنصرف إلى الذكاء وزيادة القدرة على التفكير والإبداع ، وجعل الإنسان أكثر علما ومعرفة ، وجعله يزداد خبرة ومهارة ، للقيام بمهمته في الحياة على أكمل وجه.

والقدرات العقلية للإنسان تنمو بالتعلم والتدريب وبالإطلاع والتفكير. ويمكن لعلماء النفس قياس الذكاء وملاحظة ارتفاعه بالتربية المناسبة ، كما يمكن لغيرهم قياس طول القامة وملاحظة زيادتها في فترة النمو. ويجب أن تخضع المناهج التربوية للدراسة والتجربة ، وأن تجعل بشكل يؤدي إلى نمو الذكاء والقدرة على التفكير ، ولا تقتصر على معلومات تلقن للطلاب ، ويؤمرون بحفظها ، بدون نظر إلى حاجتهم إليها ، وصلتها بالحياة التي تسعى التربية لإعدادهم لخوض غمارها.

ولقد مضى العصر الذي كان يظن فيها أن العلماء توصلوا لمعرفة كل شيء ، وكانت المناهج التربوية فيه تشمل خلاصات كل العلوم ، ليحفظها الطلاب. فالعلماء أصبحوا أكثر تواضعا ويقينا بأن علومهم محدودة ، وأن ما يجهلونه أكثر مما يعلمونه ، وتتسع دائرة المجهول أمامهم كلما اتسعت الدائرة التي تنطوي فيها معلوماتهم. وظروف الحياة لا تبقى على نمط واحد ، بل تتغير من حين إلى آخر ، وتزداد سرعة

٣٥

تغيرها بتقدم الحضارة ورقي المجتمع. ولذلك أصبحت التربية تسعى لجعل الإنسان يواجه الظروف المختلفة التي تمر عليه ، وتجعله يكتسب مرونة وقدرة على التفكير والتكيف مع الظروف الجديدة ، وإيجاد الحلول لكل المشاكل الطارئة ، وتجعله يبدع طرقا جديدة ، في إنجاز أعماله ، ويخترع أدوات حديثة تسهل عليه مهامه ، ويبتكر أجهزة معقدة تقوم بما لم يكن في الحسبان.

ولأن التفكير والعلم هما الزاد الذي يغذي العقل وينمي الذكاء ، فإن القرآن الكريم أمر بإعمال الفكر وتحصيل العلم ، وأثنى الله فيه على العلماء المفكرين والعقلاء الباحثين الذين يفكرون في السموات والأرض وينظرون إلى ما فيهما من أشياء محكمة الصنع ، ويعلمون ما تجري عليه الحوادث من نظام دقيق ؛ فيؤمنون بالله الواحد الذي خلق الكون ونظم الوجود قال سبحانه :

(إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَ (٢٦) فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (٢٧)

(إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ(٢٨). الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ) (٢٩).

(وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ. وَمِنْ آياتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَابْتِغاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ. وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ). (٣٠)

وبالمقابل ذم الله المعطلين لعقولهم وحواسهم ، والمتبعين لآبائهم اتباعا أعمى بدون تفكير وبغير برهان. قال سبحانه :

(وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا (٣١) عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ) (٣٢).

(وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قالُوا

٣٦

حَسْبُنا (٣٣) ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ) (٣٤)

فهم لا يقبلون الحقائق العلمية ، ولا يهتدون بكتاب منزل. ولكنهم ضالون متكبرون ، يتبعون الشيطان الذي يوردهم المهالك :

قال الله تعالى : (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ. وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ). (٣٥)

وليس أضر على الإنسان وأخطر على الحق من اتباع الهوى وتعطيل العقل والحواس ، قال سبحانه :

(أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً. أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ. بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً). (٣٦)

ومما يدل على قيمة العلم أن الله عزوجل امتن على الإنسان بخلقه وبتعليمه القرآن والبيان ، أي التعبير عن الأفكار والإفصاح عن المعاني. فقال :

(الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ خَلَقَ الْإِنْسانَ. عَلَّمَهُ الْبَيانَ). (٣٧)

ولعل هذا الجمع بين ذكر خلق الإنسان وتعليمه ، وذكر تعليمه قبل ذكر خلقه وبعده ، لدليل على أنه لا شأن للإنسان بغير العلم ، ولا غنى له عنه.

وفوق ذلك فقد رفع الله من شأن العلماء الأتقياء ، ودل على فضلهم بقوله :

(أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ (٣٨) آناءَ اللَّيْلِ (٣٩) ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ). (٤٠)

وبين الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم المنزلة العالية للعلماء والأجر الكبير الذي يحصلون عليه بقوله :

«من سلك طريقا يطلب فيه علما سلك الله به طريقا من طرق الجنة. وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم. وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض ، والحيتان في الماء. وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب. وإن العلماء ورثة الأنبياء. وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما ، ورثوا العلم ، فمن أخذه أخذ بحظ وافر» (٤١).

٣٧

وذكر لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم رجلان : أحدهما عابد والآخر عالم فقال :

«فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم. ثم قال : إن الله وملائكته وأهل السموات والأرض حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير» (٤٢)

والعالم يؤجر على علمه ، ويبقى ثوابه يكتب له بعد موته ، ما دام الناس ينتفعون بعلمه ، ويستفيدون من مخترعاته.

عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال :

«إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث :

صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له» (٤٣)

والعلماء هم أشد الناس خشية لله وأقواهم إيمانا به ، بسبب ما يتوصلون إلى معرفته من الآيات الناطقة بعظمته وحكمته.

قال سبحانه : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها وَغَرابِيبُ سُودٌ. وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ كَذلِكَ إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ). (٤٤) والعلم المذكور في هذه الآيات وغيرها لا يقتصر على القرآن وأحكام الشريعة ، بل يشمل كل العلوم النافعة للإنسان.

والأية السابقة التي تضمنت خشية العلماء لله أعقبت ذكر ما يهتم به المختصون في علوم الطبيعة ، كعلماء الفلك وعلماء الأجناس البشرية ، وعلماء طبقات الأرض والنبات والحيوان. وهذا يدل على عناية الإسلام بالعلوم كلها بدون تمييز بين العلوم الدينية والعلوم الطبيعية.

وقد جعل الله العلماء شهودا على أهم قضية في العقيدة ، وهي وحدانية الله عزوجل ، وقرن شهادتهم بشهادته وشهادة ملائكته ، فقال : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (٤٥).

وجعلهم حكاما على الناس يوم القيامة. قال سبحانه :

(وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ (٤٦). وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي

٣٨

كِتابِ اللهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (٤٧).

والعلماء يشفعون في الخلائق يوم القيامة ومرتبتهم بعد مرتبة الأنبياء.

عن عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال :

«يشفع يوم القيامة ثلاثة : الأنبياء ثم العلماء ثم الشهداء» (٤٨).

ولطالب العلم ثواب كالجهاد في سبيل الله.

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من خرج في طلب العلم كان في سبيل الله حتى يرجع» (٤٩).

وبلغ احترام العقل في هذا الدين أن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يكن يعتمد في دعوته على المعجزات التي يقف الإنسان مبهوتا أمامها.

وإنما كان يدعو الناس بالحكمة ، ويقنعهم بالحجة ، ويأمرهم بالتفكير في هذا الوجود كلما طلبوا منه معجزة خارقة. قال تعالى :

(وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللهَ قادِرٌ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ. وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ (٥٠) مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ). (٥١)

فانظر كيف نقلهم من طلب المعجزة إلى التفكير في الحيوانات والطيور ؛ وذلك لأن المعجزة تدفع إلى الإذعان والخضوع بدون تعقل ، والتفكير يدفع إلى عبادة الخالق القدير بفهم وقناعة.

وكان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقابل طلبهم للمعجزات بإعلانه أنه بشر يبلغ ما يوحى إليه ، لا يملك قوى خارقة ، ولا يستطيع أن يفعل شيئا إلا بإذن الله. قال سبحانه :

(وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً. أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً. أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً (٥٢) أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً (٥٣) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ (٥٤) أَوْ تَرْقى (٥٥) فِي السَّماءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً) (٥٦).

وكان من فضل هذا الدين على العقل أن قضى على الخرافات والأساطير ، وأنقذ الناس من الجهل والضلال.

٣٩

وللمحافظة على العقل حرم الله المسكرات والمخدرات التي تشل الأعصاب وتعطل العقول. كما حرم الميسر الذي يجعل لاعبه يستسلم للمصادفات ، ولا يقوم بأي جهد يعود بالنفع على الفرد والمجتمع.

فالله سبحانه هو الذي وهب الناس العقول ، وهو الذي أنزل اليهم ما يحتاجونه من البينات والهدى. فإذا ما اهتدوا بهديه ، واقتبسوا من نوره ، حققوا الهدف من وجودهم والغاية من حياتهم بدون اضطراب أو انحراف. وبذلك تكتمل العقول كما اكتملت الأجسام من قبل كمالها اللائق بها ، وتصبح جديرة بالتقديم والتقدير ، كما قال تعالى : (إِنَّ اللهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ). (٥٧)

* * *

٤٠