منهج التربية في القرآن والسنّة

عمر أحمد عمر

منهج التربية في القرآن والسنّة

المؤلف:

عمر أحمد عمر


المحقق: الدكتور وهبة الزحيلي
الموضوع : علم‌النفس والتربية والاجتماع
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع
المطبعة: مطبعة الصباح
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٣٦

والأثقال وغير ذلك من الطرق الأخرى التي تؤدي إلى التقليل من ملاذ الحياة أو القضاء على رغبات الإنسان الطبيعية ، أو التي يتسبب عنها الآلام لعدم العناية بتلك المطالب عناية كافية. وقد يودي هذا الأسلوب من أساليب الحياة بالقوى العقلية ، أو يؤدي إلى إضعافها. وفي كثير من الأحيان قد ينتهي بالراهب إلى الشذوذ العقلي ، أو يجعله نهبا للأحلام الشاذة (٢٢).

وهكذا غدت التربية المسيحية نظاما قاسيا يهيء لحياة مقبلة ، تنظر إلى كل ما يتصل بأمور هذه الحياة الدنيا نظرة احتقار وازدراء ، وإلى كل ما ينتسب إلى هذا العالم نظرها إلى شر كبير. وتعد كل عناية بنمو الشخصية الفردية ويتعهد الغرض البديعي أو النشاط الفكري خطيئة كبيرة. وكان المسيحي منفصلا عن العالم الإنساني ليدخل في ملكوت الله وكان عليه أن يعزف عن عالم فاسد مليء بالشرور ، وأن يتعهد نفسه بالحرمان والانصراف عن كل لذة (٢٣)

وميزة الوسطية والاعتدال أهلت الأمة الإسلامية لتولي قيادة البشرية وتوجيهها نحو الخير والهدى. قال الله تعالى :

(وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً). (٢٤)

٤ ـ الواقعية والمثالية :

لا ينكر هذا المنهج واقع الإنسان وبيئته ، ولا ما جبل عليه من ضعف ونقص ، ولا ما وضع فيه من غرائز وشهوات ، ولا ما يريد الحصول عليه من ملذات ومسرات. وهو إذ يعترف بواقعه البشري وبكيانه الجسمي والنفسي وبحاجاته المادية والمعنوية ، لم يتركه ملتصقا بالأرض وإنما حلق به في جو السماء ، ولم يدعه يتمرغ في الطين ، وإنما جعله يتضمخ بالطيب ، ولم يمنعه من اللذات والشهوات ، وإنما وفر له كل متعة جسمية وعقلية وروحية. ولم يفعل به ذلك قسرا ، ولم يفرض عليه ذلك فرضا. بحيث يرى نفسه مكلفا بما لا يستطيعه ، ومأمورا بما لا يقدر عليه ، مما يجعله لا يستقر على القمة التي رفع إليها ، بل ينتكص على عقبيه ، ويهوي إلى الحضيض ، ولكنه أخذ بيده برفق ، وسار به خطوات وئيدة ، وجعله يرفرف بجناحيه ، ويحلق شيئا فشيئا ، حتى يبلغ أعلى الدرجات ، ويسمو إلى أرفع المقامات ، وجعله رافع الرأس ، يتقدم نحو الأمام ، ويرتفع إلى الأعلى حتى تنتهي رحلة الحياة ، فيستقر في عليين.

٣٠١

ومثال ذلك أن هذا المنهج اعترف بحاجة الجسم إلى الطعام والشراب ، ولكنه لم يترك الإنسان يأكل كل ما يجده ، ويتجرع كل ما يصادفه ، بأي شكل وكيفما اتفق ؛ وإنما أحل له الطيبات وحرم عليه الخبائث ، وعلمه آداب تناول الطعام والشراب بما يتفق مع فضل الإنسان ومنزلته الرفيعة. ولم يدع الإنسان يلتهم الطعام كلما أحس بالجوع ، وينهل من الشراب كلما أحس بالعطش ، ولم يخل بينه وبينهما ، يملأ معدته بهما حتى يصاب بالتخمة ، ويصبح عبدا لبطنه ؛ وإنما جعله يمسك عن طعامه وشرابه طيلة اليوم حين يصوم ، ونهاه عن الإسراف في تناولهما حين يفطر. وجعلهما وسيلة لحياته ولم يجعلهما غاية له. فإباحة تناول المأكولات والمشروبات واقعية لا بد منها ، وتحريم الخبائث ، وتعليم الآداب في تناول الطعام والشراب ، والنهي عن الإسراف فيهما مثالية وقد جمع هذا المنهج بين الواقعية والمثالية.

ثم اعترف هذا المنهج بغريزة الإنسان وبرغبته في إشباع شهوته ، واقتران الرجل بالمرأة ، ولكنه لم يدع الرجل ينزو على أي امرأة تحلو له ، كما هو حال كثير من الحيوانات ، وإنما وضع لذلك حدودا وأحكاما ، فهناك محرمات لا يحل الزواج منهن ، ولعقد الزواج أحكام شرعية تكفل المحافظة على حقوق الزوجين والأولاد ، ولمعاشرة الزوجة آداب تتفق مع سمو الإنسان. ومباشرتها منهي عنها حين الصوم والاعتكاف في المساجد والإحرام بالحج أو العمرة ، وحين يعتريها الحيض والنفاس. قال الله تعالى :

(أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ (٢٥) هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَ (٢٦) وَابْتَغُوا (٢٧) ما كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَقْرَبُوها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) (٢٨)

(وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ). (٢٩)

فالاعتراف بالغريزة وإباحة الزواج واقعية ، والتشريعات والأحكام التي تنظم الزواج وتجعله بالشكل الذي يتناسب مع قيمة الإنسان مثالية. وقد جمع المنهج الإسلامي بينهما.

٣٠٢

واعترف هذا المنهج بحب الإنسان للحياة وحرصه على البقاء ورغبته في النساء والأولاد والأموال. ولكنه لم يرض بأن يصبح الإنسان عبدا لشهوته وأمواله ، بل ندبه إلى الترفع عن ذلك والاكتفاء بما يصلح حياته وإلى الرغبة في الدار الآخرة.

قال الله تعالى :

(قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ) (٣٠)

وشرع الزواج لحفظ النسل ، والقصاص لحفظ الحياة وحرم القتل بدون حق ، وأباح كسب المال بالطرق المشروعة ، وحرم أكل الأموال بالباطل ، ووضع الأحكام التي تؤدي إلى المحافظة عليها.

ومع تشريع القصاص والدية حث ولي القتيل والمعتدى عليه على العفو عن المعتدي ومسامحته ببعض الحق ، قال الله تعالى :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ). (٣١)

فالقصاص وأخذ الدية واقعية وحق لولي القتيل ، والعفو عن القاتل والتجاوز عنه مثالية يرغب الإسلام فيها.

ومكن الإسلام صاحب المال من المحافظة على ماله ، والدائن من الحصول على حقه ، وهذا واقعية. ولكنه رغب في انظار المعسر والحط عنه بعض الدين ، وهذا مثالية. قال الله تعالى : (وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ). (٣٢)

وكذلك جمع الله بين الأمر بالعدل ـ وهو واقعية ـ والأمر بالإحسان وهو مثالية. قال سبحانه :

(إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ (٣٣) يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ). (٣٤)

وبين الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن الإحسان يشمل الأشياء كلها ، وحث الناس على الارتفاع إلى مقامه السامي ، فقال :

«إن الله كتب الإحسان على كل شيء ، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة ، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة ، وليحد أحدكم شفرته (٣٥) وليرح (٣٦) ذبيحته (٣٧)».

كما أمر بالرفق في كل الأشياء ، فقال :

٣٠٣

«إن الرفق لم يكن في شيء قط إلا زانه ، ولا ينزع من شيء قط إلا شأنه (٣٨)».

«إن الله رفيق يحب الرفق ، ويعطي عليه ما لا يعطي على العنف» (٣٩).

والأمر بالرفق والإحسان مثالية يتصف بها الفضلاء الذين تربوا في ظل هذا المنهج ، ويترفعون بذلك فوق مستوى غيرهم من البشر ، بدون التنكر للواقع الذي يعيشون فيه أو الشعور بالضيق في هذا الارتفاع.

وهكذا امتاز المنهج الإسلامي عن المناهج البشرية التي غلبت عليها الواقعية فتركت الإنسان يتخبط في مستنقع آسن ، ويعب من الشهوات بشكل يحط من شأنه ، كما في الأنظمة المادية المنتشرة في الشرق والغرب. وامتاز عن المناهج التي غلبت عليها المثالية فتنكرت لحاجات الإنسان ولدوافع النفس ، وفرضت على الناس أن يرتقوا إلى مستويات لا يمكنهم الارتقاء إليها ، وحملتهم ما لا طاقة لهم به. امتاز عنها بملائمة الواقع والانطلاق منه إلى معارج الخير والفضيلة ، والارتقاء إلى مقام الأخلاق والمثل العليا ، فكان صالحا للبشر كلهم ودافعا إلى صلاحهم ورقيهم.

٥ ـ الإيجابية السوية :

يرفع هذا المنهج من شأن الإنسان ، ويعده ليكون خليفة صالحة في الأرض ، ويجعله ينطلق في هذا الكون الفسيح بنظره وفكره ، ولا يمنعه من اكتشاف منطقة مجهولة ، ولا يحظر عليه ارتياد مكان قريب أو بعيد ، ولقد كرم الله الإنسان ، وركبه على أحسن صورة ، ومنحه العقل ليفكر فيه ، والإرادة ليتوجه بها والقدرة ليعمل بها. ولم يجعله كالحيوانات خاضعا لغرائزه ، لا يستطيع الانفلات من قيودها ولا الخروج عليها ، وسخر له ما في السموات والأرض ، وهداه للاستفادة مما فيهما من خيرات ، واطلق يديه وفكره لاستخراج ما فيهما من كنوز وأبعد عنه الوهم وحرره من الخرافات والأساطير.

ولقد كان الناس يخضعون للخرافات ويؤمنون بالأساطير ، ويخافون من قوى مجهوله فيعجزون عن الاستفادة مما خلقه الله لهم. وكانوا يقدمون أموالهم وأنعامهم قرابين للأصنام والكهان ، ويلقون الأنفس البريئة في الأنهار ليفيض ماؤها ، وفي البحار لتجنب أخطارها ، ويذبحونها إرضاء لآلهتهم ودفعا لغضبها.

وكانوا يتشاءمون من أشياء عديدة ، حتى حررهم الإسلام من ذلك كله.

قال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر» (٤٠).

وقد أراد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بذلك من المسلمين قوة اليقين والتوكل ،

٣٠٤

بحيث يستطيعون أن يدفعوا عن أنفسهم الوسواس بالعدوى فيما لم تثبت فيه من الأمراض التي تنتقل من المريض إلى الصحيح بالمخالطة.

والطيرة هي التشاؤم. وأصل التطير أنهم كانوا في الجاهلية يعتمدون على الطير ، فإذا خرج أحدهم لأمر ، فإن رأى طيرا طار يمنة تيمن به واستمر ، وإن رآه طار يسرة تشاءم به ورجع.

وربما كان أحدهم يهيج الطير ليطير فيعتمدها فجاء الشرع بالنهي عن ذلك.

وكانت العرب في الجاهلية تقول : إذا قتل الرجل ولم يؤخذ بثأره خرجت من رأسه هامة ـ وهي دودة ـ فتدور حول قبره فتقول : اسقوني اسقوني ، فإن أدرك بثأره ذهب وإلا بقيت.

وقال القزاز : (الهامة طائر من طير الليل). كأنه يعني البومة. وقال ابن الأعرابي : (كانوا يتشاءمون بها إذا وقعت على بيت أحدهم فيقول : نعت إلى نفسي أو أحدا من أهل داري). فأبطل الإسلام ذلك ، ومنع الشؤم بالبومة ونحوها.

وكانت العرب تحرم شهر صفر وتستحل شهر المحرم ، فجاء الإسلام برد ما كانوا يفعلونه. والصفر أيضا داء يأخذ البطن ، أو حية تكون في البطن تصيب الماشية والناس ، وهي أعدى من الجرب عند العرب فالمراد بنفي صفر ما كانوا يعتقدونه فيه من العدوى (٤١).

ولقد احترم هذا المنهج إرادة الإنسان ، وجعله حرا في عقيدته وعبادته وتصرفاته ونظام حياته ، ولم يقسره على الإيمان بخالقه ، وإنما خاطبه بالدليل وأرسل إليه الرسل ليكون مؤمنا بدون اكراه ومهتديا بدون إجبار.

ولكن الإنسان يعجز عن التفكير في ذات الله سبحانه ، لأن فكره لا يستطيع أن يخرج من نطاق البيئة التي يعيش فيها ، وخياله يعجز عن تصور ما لا يراه. والله سبحانه يختلف عن الأشياء كلها :

(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ). (٤٢)

(لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ). (٤٣)

ثم إن الإنسان مسؤول عن عمله ومجزي على فعله.

وهكذا يجمع هذا المنهج بين استعداد الإنسان للسلبية والإيجابية ، فيجعل السلبية في خضوعه لله تعالى ، والإيجابية في علاقته بالكون ، بدون أن يذل أو يطغى.

٣٠٥

٦ ـ التطور والثبات

وهذا المنهج يتصف بالثبات في أهدافه ومبادئه وأسسه العامة ، والتطور في فروعه وأجزائه ووسائله ، ليس بالجامد الذي يصلح لأمة دون غيرها ولعصر دون سائر العصور ، وليس بالمائع الذي لا يعرف له شكل ولا يستقر على حال ، وإنما هو مرن يلائم الناس جميعا في كل أحوالهم مع المحافظة على خصائصه ومزاياه. وهو في هذا شبيه بالأرض وسائر الكواكب التي تدور وتسبح في الفضاء الرحب ، ولكنها لا تسير في كل اتجاه ، ولا تتجه حيثما بدا لها ، وإنما تدور حول محور ثابت ، وتسير في فلك معين لا تحيد عنه ، وكذلك يقبل هذا المنهج التطور حول محور ثابت وضمن إطار محدد.

فما يتعلق بكيان الإنسان الجسمي والنفسي ، وما ينظم صلته بربه هو ثابت ، لأن الإنسان لا يتغير في تكوينه وبنيته ، ولا في خصائصه وحاجاته الأساسية. أما ما يتعلق بكيفية حصول الإنسان على حاجاته ، وبطريقة استفادته من هذا الكون الذي يعيش فيه ، وبشكل مسكنه وملبسه ونوع طعامه وشرابه ، فهو متطور ليتناسب مع درجة الرقي ومستوى الحضارة التي وصل إليها. وهو في تطوره يبقى مقيدا بأحكام أساسية حتى لا يضل في رحلته الطويلة.

ولقد فصل هذا المنهج تفصيلا دقيقا لا يقبل الزيادة ولا التغير فيما هو ثابت كأركان الإيمان والإسلام ، وأحكام العبادات وكيفيتها ، والمحرمات من النساء ونصيب كل وارث من تركة المتوفى. واكتفى بالبيان المجمل والمبادئ العامة فيما هو متطور ، كنظام المال ونظرية الملكية ، ونظام المعاملات وأنواع العقود التجارية ، ونظام الحكم وطرق السياسة الشرعية.

ففي نظام الحكم مثلا أمر بالعدل والشورى وطاعة الحاكم المؤمن ما لم يأمر بمعصية. ولم يحدد ما وراء ذلك من التفصيل كشكل الشورى وكيفية اختيار الحاكم ، ودرجات المحاكم واختصاصها ، كما لم يحدد أعضاء الحكومة وواجبات كل منهم ، وإنما ترك تنظيم ذلك للأمة بما يتفق مع درجة التطور التي وصلت إليها.

وبإمكان هذا المنهج أن يستفيد من دراسات العلماء وأبحاثهم ، ومن اكتشافات المخترعين وتجاربهم ، بل إنه يدفع المؤمنين إلى مواصلة البحث ومتابعة الدراسة في المجالين العلمي والنفسي ، لتيسير سبل الحياة ، وتسهيل طرق التربية ، وخدمة البشر ورفع مستواهم ، ثم يعتمد على ما توصلوا إليه من نتائج ، ويدخل ذلك في مضمونه بدون أن يتخلى عن هويته ، وبذلك أصبح هذا المنهج صالحا لكل الأمم والشعوب في كل مكان وزمان.

٣٠٦

هوامش الفصل الثامن

__________________

(١) سورة فصلت : ٤٢

(٢) سورة النجم : ٣ ـ ٤

(٣) سورة الأنعام : ١٢٢

(٤) سورة الأنعام : ١٢٥

(٥) سورة الأنعام : ١٥٣

(٦) سورة آل عمران : ٧٩

(٧) تفسير البيضاوي ، وتاج العروس.

(٨) تاريخ التربية ـ عبد الله عبد الدائم ص : ١٤ ، ٣٣ ـ ٣٤ ، ٥١ ، ٩١ ، ٢٤٦ ـ ٢٤٧ ، ٢٧٢ ـ ٢٧٣ ، ٢٨٥ ، ٣١٩ ـ ٣٢٠. والمرجع في تاريخ التربية ـ بول منرو ج ١ ص ١٨٦ ، ٢١٧ ، ج ٢ ص ٢٦٤ ـ ٢٦٥

(٩) المعيد في أدب المفيد والمستفيد ص ٥١

(١٠) المصدر السابق ص ج نقلا عن مختصر طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى ص ١١٩

(١١) سورة الحج : ٧٨

(١٢) سورة البقرة : ١٨٥

(١٣) سورة البقرة : ١٤٨.

(١٤) بولا : اسم الفتاة التي كتب رسائل لتربيتها.

(١٥) تاريخ التربية ـ عبد الله عبد الدائم ص ٢٣ ، ٧٢

(١٦) المرجع في تاريخ التربية ـ الدكتور بول منرو ج ١ ص ٣٠٥.

(١٧) اطلب

(١٨) لا تطلب

(١٩) سورة القصص ٧٧

(٢٠) سورة المائدة : ٨٧ ـ ٨٨

(٢١) رواه البخاري من حديث أنس في كتاب النكاح.

(٢٢) المرجع في تاريخ التربية ـ د. بول منرو ج ١ ص ٢٥٣

(٢٣) تاريخ التربية ـ عبد الله عبد الدائم ص ٦٨ ، ٧٠

٣٠٧

__________________

(٢٤) سورة البقرة : ١٤٣.

(٢٥) الإفضاء إليهن بالجماع.

(٢٦) جامعوهن.

(٢٧) اطلبوا.

(٢٨) سورة البقرة : ١٨٧.

(٢٩) سورة البقرة : ٢٢٢

(٣٠) سورة آل عمران : ١٥.

(٣١) سورة البقرة : ١٧٨ ، ٢٨٠.

(٣٢) سورة البقرة : ١٧٨ ، ٢٨٠.

(٣٣) الظلم

(٣٤) سورة النحل : ٩٠

(٣٥) الشفرة : السكين العظيمة ، وقد أمر بجعلها حادة مرهفة.

(٣٦) من الإراحة ، وتكون باحداد السكين وتعجيل امرارها وحسن الصنيعة

(٣٧) رواه مسلم من حديث شداد بن أوس

(٣٨) رواه أبو داود عن عائشة في كتاب الأدب.

(٣٩) رواه أبو داود عن عبد الله بن المغفل ، وابن ماجه عن أبي هريرة.

(٤٠) رواه الشيخان عن أبي هريرة.

(٤١) فتح الباري لابن حجر العسقلاني ج ١ ص ١٧١ ، ٢١٢ ، ٢٤١

(٤٢) سورة الشورى : ١١

(٤٣) سورة الأنعام : ١٠٣.

٣٠٨

خاتمة

إن التربية أهم وأخطر عملية يخضع لها الإنسان ، فهي التي تجعله مهذبا لطيفا أو فظا غليظا ، وتجعله عالما صالحا أو جاهلا فاسدا. وهي التي تغير حال الأمة فتجعلها راقية قوية أو متخلفة ضعيفة. فمن الواجب الاهتمام بها والحرص عليها ، لتحقيق الخير والرخاء والعزة والكرامة. وقد أعلن" لوثر" منذ عام ١٥٢٤ م في كتاب خاص وجهه إلى السلطات العامة في" ألمانيا" سخطه على إهمال شؤون الثقافة. ومما قال فيه :

(إن كل مدينة تنفق في كل سنة أموالا طائلة لشق الطرق وبنائها وتحصين الحصون وشراء الأسلحة وتجهيز الجنود. فلم لا تصرف مثل هذه الأموال أجرا لمعلم أو معلمين! فازدهار المدينة لا يتبع ثرواتها الطبيعية فحسب ، ولا يتبع مناعة أسوارها وأناقة بيوتها أو غزارة الأسلحة في معسكراتها ، بل خلاص المدينة وقوتها في قوة التربية التي تقدم لها مواطنين مثقفين عاقلين شرفاء).

ورأى أن العالم في حاجة إلى رجال مثقفين ونساء مثقفات كي يحسن الرجال حكم بلادهم ، وكي تحسن النساء تربية أولادهن والعناية بخدمتهن وشؤون منزلهن (١).

وبالتربية القويمة تنهض الأمم وتتقدم الشعوب وتسعد البشرية. قال" كومنيوس" (أسلموا لي خلال بضع سنين قيادة التربية ، وأنا زعيم بأن أغير لكم وجه العالم) (٢).

والتربية هي سبيل القوة والمنعة ، وبدون التربية الجيدة لا يرجى للأمة أن تحمي كيانها وتحافظ على وجودها وتصد المعتدين عليها.

قال الفيليسوف" فيخته" بعد أن هزم" نابليون" الألمان هزيمة منكرة في موقعة" ينا" سنة ١٨٠٦ : (إن التربية وحدها هي التي تستطيع أن تغسل عار الهزيمة ، وهي التي تستطيع أن تنقذنا من أكثر الذي وقعنا فيه) (٣).

وإن منهج التربية المستمد من القرآن والسنة لهو خير منهج عرفته البشرية ، فهو منهج رباني أنزله اللطيف الخبير ، وهدف التربية فيه واضح محدد ، وجدير بالسعي لتحقيقه ، ومجاله رحب واسع يشمل الإنسان كله ، روحه وجسمه وعقله ونفسه ، ولا يفصل بين الروح والعقل والجسم ، وإنما يحقق التوازن بين جوانب الإنسان. ويتسع للواقع والخيال في تصور الكمال والجمال في العالم الآخر.

٣٠٩

ويستغل الطاقة الحسية والطاقة المعنوية المتعلقة بالفضيلة والإيمان والقيم العليا والعدل والحق والجمال. ويقوم هذا المنهج على مقومات متينة فوق قاعدة صلبة تكفل له البقاء والسمو. ويعتمد على مبادئ وأساليب تحقق غايته بسهوله ويسر. ويصبح الجميع سائرين على طريقه في كل مراحل العمر.

ولا يقتصر هذا المنهج على دراسة القرآن والسنة ، وليس من الواجب حذف ما سواهما من الدروس ليكون المنهج إسلاميا ، بل من الواجب دراسة كل المواد والعلوم النافعة ، والاستفادة من كل البحوث والدراسات الحديثة. ولا مانع من الاستعانة بالأجهزة والمخترعات الجديدة. وإن هذا المنهج يدفع إلى الاختراع ويحث على الابتكار ما دام ذلك يستعمل لتحقيق النفع والخير العام. ولكن يجب أن تكون سائر العلوم والأبحاث متفقة مع مبادئ القرآن الكريم وأهدافه وروح الشريعة ومقاصدها ، وأن يكون القرآن مهيمنا على كل الفرضيات والنظريات ، ومصدرا لكل النظم والمناهج ، وألا نقبل ما يتعارض مع أحكامه ، حتى نضمن السلامة للبشر والسعادة للناس والهداية للعالمين.

ولقد عاش المسلمون حقبا من الزمن في ظل هذا المنهج ، فكانوا أعز الأمم وأقوى الدول ، وسبقوا العالم في العلم والحضارة.

ثم مالوا إلى حياة البذخ والترف ، وأخلدوا إلى الراحة ، ونهضت أقوام كانت متأخرة عنهم أشواطا طويلة ، بعد أن اقتبسوا من منهجهم واستفادوا من علومهم ومبادئهم. ومع أن أولئك الأقوام أصبحوا اليوم متفوقين في القوة والعلم وفي المادة والصناعة ، فإنهم متخلفون في المجال الاجتماعي والخلقي والروحي ، ولهذا لم يذق الإنسان في ظل حضارتهم طعم السعادة ، بل أصيب بالقلق والأرق ، وأصبح يعاني من الكبت والصرع ، ويئن من الأمراض الجسمية والنفسية ، ويشكو من العلل العقلية والعصبية.

وقد انعدم الأمن ، وسفكت الدماء وسلبت الأموال ، وأبيحت الحرمات وانتهكت الأعراض حتى أقدم الإنسان في تلك البلاد على الانتحار ليتخلص مما يعانيه ، وأدمن على المسكرات والمخدرات ليهرب من الواقع الذي لم يستطع أن يتكيف فيه. وأصبحت البشرية كلها معرضة للفناء بالأسلحة الفتاكة التي أنتجتها تلك الحضارة الزائفة.

٣١٠

وإن اقتباس أمتنا لمناهج ونظم أولئك الأقوام ينقل إلينا مشاكلهم ومفاسدهم ، ويجعلنا أبدا متأخرين عنهم. أما رجوعنا إلى منهج القرآن والسنة فهو الكفيل بصلاحنا ، وهو الضمان لرقينا وتقدمنا. وإن دراسة هذا المنهج تثبت صحة هذا الرأي ، وإن العمل بموجبه يثبت حقيقة ما نقول. ولن يصلح حال آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها ، ولن يرجى لنا صلاح حتى نعمل بهذا المنهج :

(إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ). (٤)

ولقد ذكرت بجانب الآيات والأحاديث الدالة على هذا المنهج التربوي آراء وأقوال بعض المربين الكبار من المسلمين وغيرهم لزيادة التوضيح وبيان الفرق بين منهجنا المحكم ومنهج البشر المضطرب.

فالله أسأل أن يجعل هذا الجهد الذي بذلته خالصا لوجهه الكريم ، وأن يلهم كل من عمل في مجال التربية من أبناء هذه الأمة أن يقتبس من هذ المنهج ، وأن يسير على هداه ، وأن يجزل الثواب لي ولكل من ساهم في نشره ، وعمل على تحقيقه ، وسعى إلى غايته.

(رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَإِلَيْكَ أَنَبْنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) (٥).

__________________

(١) ، (٢) تاريخ التربية ـ عبد الله عبد الدائم ص ٢٥٣ ، ٢٦٩.

(٣) التربية الحديثة ـ صالح عبد العزيز ص ٢٦ ـ ٢٧.

(٤) سورة الرعد : ١١

(٥) سورة الممتحنة : ٤

٣١١

تراجم أشهر علماء التربية

الذين ذكرت آراؤهم التربوية في هذا الكتاب

أ ـ العلماء المسلمون

١ ـ ابن جماعة :

هو الشيخ الإمام العالم العلامة شيخ المحدثين والمحققين ومفتي المسلمين ، ومتولي القضاء بينهم ، أقضى القضاة في مصر والشام ، أبو عبد الله ، بدر الدين محمد ابن الشيخ العارف قدوة الزهاد ، برهان الدين ، أبي اسحاق ، ابراهيم بن السيد العارف أبي الفضل سعد الله بن جماعة الكناني الشافعي.

ولد عام ٦٣٩ ، ١٢٤١ م ، ونشأ في حماه ، ودرس فيها علوم الرياضة والفلك والفقه. ثم أصبح خطيبا في المسجد الأقصى وقاضيا في الشام ومصر.

أشهر مؤلفاته : (رسالة في الأسطرلاب)

و (مختصر السيرة النبوية) و (مستند الأحفاد في آلات الجهاد).

توفي في مصر عام ٧٣٣ ، ١٣٣٣ م (١).

٢ ـ ابن خلدون :

هو أبو زيد ، عبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر ، ابن خلدون الحضرمي. ولد بتونس عام ٧٣٢ ه‍ ، ١٣٣٢ م ، وحصل فيها علومه ، ثم غادرها وتنقل في بلدان كثيرة ، وحصل على حظ وافر من العلوم الدينية والعقلية والفلسفية. ثم استقدمه السلطان أبو عنان المريني إلى فاس عام ٧٥٥ ه‍ ، وقربه وجعله كاتبا ، فحسده أقرانه وأوشوا به ، فأعتقله ، وبقي معتقلا حتى مات السلطان ، فأطلقه الوزير الحسن بن عمر ثم رحل إلى ملوك بني الأحمر بالأندلس ، وأقام فيها حينا ، وتردد بين شمال افريقية والأندلس ، وعمل كاتبا ووزيرا لعدد من الملوك والحكام.

ثم استقر في مقاطعة وهران بالجزائر في قلعة ابن سلامة زهاء أربعة أعوام ، وبدأ بتدوين مؤلفه التاريخي المشهور ، وقدم له ببحث عام في شؤون الاجتماع

٣١٢

الإنساني وقوانينه ، وهو المعروف بمقدمة ابن خلدون ، وعاد إلى تونس سنة ٧٨٠ ه‍. ثم انتقل إلى القاهرة ، ودرس في الأزهر ، واتصل بالسلطان برقوق ، فجعله مدرسا للفقه المالكي ، وولاه قضاء المالكية عام ٧٨٦ ه‍. وعندئذ استدعى أفراد أسرته ، فغرقت بهم السفينة خارج ميناء الإسكندرية ، وحزن كثيرا وأعرض عن الدنيا واستقال من منصبه القضائي ، وانقطع للتدريس والتأليف ، فأتم تاريخه. وذهب للحج عام ٧٨٩ ه‍ ، وتوجه إلى دمشق عام ٨٠٣ ه‍ مع السلطان الناصر لصد تيمور لنك قائد التتر الذي كان قد استولى على حلب ، وقدم إلى دمشق ، وقام مع وفد من العلماء بمفاوضته فأعجب به ، ودعاه للعمل عنده ، فبقي عدة شهور ، وعاد إلى مصر عام ٨٠٤ ه‍. وبقي فيها حتى وافته المنية في القاهرة عام ٨٠٨ ه‍ ، ١٤٠٦ م وهو مؤسس علم الاجتماع ورائد من رواد العلوم السياسية.

حاول في مقدمته تفسير التاريخ على أساس دراسة الأوضاع الاقتصادية والجغرافية للجماعات البشرية بدوية أو حضرية.

ووضع مبادئ ، واستخلص نتائج ونظريات لم يسبقه إليها أحد من المؤرخين (٢).

٣ ـ إبن سحنون :

هو أبو عبد الله ، محمد بن أبي سعيد سحنون ، واسمه عبد السّلام ابن سعيد بن حبيب التنوخي. ولد بالقيروان سنة ٢٠٢ ه‍ ، وكان أبوه فقيه افريقية بلا مدافع ، فاعتنى بتربيته وتأديبه. وبعد أن أخذ حظه من القرآن والعلوم الضرورية تحول إلى مجالس الدروس العالية. وذهب للحج ٢٣٥ ه‍. والتقى بعلماء الفسطاط والمدينة المنورة ، وتعرف على الكثير من أئمة العلم ، وشاع ذكره بينهم. ثم عاد إلى القيروان ، وانكب على التأليف والتدريس ، وقصده الطلاب من كل حدب وصوب.

كان إماما بالفقه عالما بالآثار ، ثقة ، وكان كريما سمحا جوادا وجيها. له مؤلفات كثيرة في الفقه والعقيدة والحديث والتاريخ والأعلام. توفي سنة ٢٥٦ (٣)

٣١٣

٤ ـ ابن عبد الله البر :

هو الإمام المجتهد الفقيه الحافظ أبو عمر ، يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر النمري. ولد بقرطبة لخمس بقين من ربيع الآخر سنة ٣٦٨ ه‍. ونشأ بها وتفقه ، وسمع من أكابر المحدثين بقرطبة وغيرها. ثم أجلي عن وطنه فأقام في المغرب مدة ، وبعد ذلك تحول إلى شرق الأندلس ، وتولى قضاء لشبونة. توفي في شاطبة سنة ٤٦٣ ه‍. وله مؤلفات كثيرة في السنة والسيرة والقراءات والأدب (٤).

٥ ـ ابن العربي :

هو أبو بكر محمد (٤٦٩ ـ ٥٤٣ ه‍ ، ١٠٧٦ ـ ١١٤٨ م)

وهو رحالة وفقيه أندلسي ، نشأ في اشبيلية ، ورحل وهو صبي مع أسرته إلى الشام ، وتتلمذ فيها على أبي بكر الطرطوشي. ثم رحل إلى العراق ، وتتلمذ على فقيه المدرسة النظامية التبريزي ، ثم حج. وقدم مصر وعاد إلى الأندلس ، وأصبح من أكبر فقهائها وكتب وصفا لرحلته أسماه (الرحلة) (٥).

٦ ـ العلموي :

هو الشيخ عبد الباسط بن محمد العلموي المتوفى بدمشق سنة ٩٨١ ه‍.

زعم أنه اختصر كتابه المعيد في أدب المفيد والمستفيد من كتاب الدر النضيد للبدر الغزي. وهو شبيه بكتاب تذكرة السامع والمتكلم لابن جماعة.

٧ ـ الغزالي :

هو الإمام الجليل محمد بن محمد بن أحمد ، أبو حامد ، حجة الإسلام. ولد بطوس سنة ٤٥٠ ه‍ ، ١٠٥٩ م. وكان والده يغزل الصوف ويبيعه ، ولما حضرته الوفاة وصىّ به وبأخيه أحمد إلى صديق له متصوف ، ووصاه بتعليمهما.

قرأ طرفا من الفقه ببلده ، ثم سافر إلى جرجان وأخذ العلم عن أبي نصر الإسماعيلي ، ثم رجع إلى طوس وحفظ ما كتبه. وبعد ذلك قدم نيسابور ولازم الإمام الجويني ، وبرع في العلم ، وألف الكتب. وبعد وفاة الجويني قصد الغزالي الوزير نظام الملك ، وناظر العلماء في مجلسه ، واعترفوا بفضله ففوض إليه التدريس في المدرسة النظامية ببغداد ، فقدم إليها سنة ٤٨٤ ه‍ ، ودرس فيها أربع سنوات ، واشتهر بعلمه

٣١٤

وفضله ، والتف حوله طلاب كثيرون. ثم قصد البيت الحرام فحج ، وتوجه إلى الشام وانتقل إلى القدس والقاهرة والإسكندرية ، وهو يؤثر العزلة ومجاهدة النفس والقيام بالعبادات. ثم رجع إلى بغداد وعقد بها مجلس الوعظ ، وعاد إلى نيسابور ودرس فيها مدة يسيرة. وبعد ذلك رجع إلى طوس ، وأنشأ جانب داره مدرسة للفقهاء. ومأوى للصوفية. وبقي فيها حتى انتقل إلى رحمة الله تعالى يوم الاثنين ١٤ جمادى الآخر سنة ٥٠٥ ه‍ ، ١١١١ م.

له مؤلفات كثيرة في العقيدة والفقه وأصول الفقه ، والفلسفة والتربيه. أهمها : الاقتصاد في الاعتقاد والمنقذ من الضلال ، وتهافت الفلاسفة والمستصفى ، وإحياء علوم الدين.

وأشهر مؤلفاته التي تتضمن آراءه في التربية : رساله (أيها الولد) ، و (احياء علوم الدين) و (ميزان العمل) و (خاتمة العلوم) و (الرسالة اللدنية) (٦)

٣١٥

ايفردون. وعني بتطبيق مبادئ روسو وتوضيحها. وتعتبر مدرسة نويهوف تجربة في التربية الخلقية والمادية عن طريق العمل والنظام والتعليم.

ظهر له كتاب عام ١٧٨٠ بعنوان" تأملات راهب ساعة المساء" وهو طائفة من الحكم ترمي إلى نهضة الشعب بالاعتماد على التربية ، وهاجم فيه أسلوب التعليم المصطنع في عصره ، وأصر على ضرورة تنمية الروح بإثارتها من الداخل بالتربية الباطنية. وبعد عام نشر أول جزء من كتابه الشهير" ليونارد وجيرو ترود" وهو قصة لأسرة من العمال تمثل فيه" جيروترود" الآراء الخاصة ببستالوزي حول تربية الطفل.

ثم نشر أجزاء الكتاب الثلاثة الأخرى ، وهي تتحدث عن بعث إحدى القرى بالعمل المنسق في مجال التشريع والإدارة والدين بالتعاون مع المدرسة.

وغاية بستالوزي التي نذر لها نفسه هي بعث الإنسانية بالتعليم.

وهو يعتبر التربية أداة للإصلاح الاجتماعي ووسيلة إلى بعث اجتماعي جديد ، ويرى أنه لا يمكن تحقيق الإصلاح الاجتماعي والسياسي بدونها. وقد حاز حب جميع العاملين في التربية وإعجابهم ، وكان أعظم ملهم في إصلاح التربية الشعبية في ألمانيا. وكان عظيما في حبه الشديد للشعب وفي تضحيته بذاته ، لم يفتر طيلة حياته عن العمل من أجل الأطفال ، ولم يقصر في بذل الجهد لتعليمهم. وكان يجمع اليتامى والمشردين من كل مكان ، ويعمل على متابعة تعليمهم.

وهو من أشهر المربين الحديثين ، ويمثل طائفة المصلحين العاطفيين.

والمفهوم العام الذي انطلق منه هو أن التربية الحقيقية عملية نمو وتفتيح حياة داخلية. وقد نبه إلى علاقة التربية بنمو عقلية الطفل.

ويرى أن قوى الإنسان الخيرة هي هبات طبيعية ، وأن الطبيعة تعمل على نموها بتمرينها ، لأن الاستعمال يزيدها قوة ومضاء ، كما يرى أن استخدام الإنسان لمواهبه يجب أن يتبع النظام الذي وضعته الطبيعة لتربية الإنسان.

مات في بروغ عام ١٨٢٨ (٧)

٥ ـ سان بيير (١٦٥٨ ـ ١٧٤٣)  Saint Pierre

راهب فرنسي اعتنى بالتربية الخلقية ، وطلب من الإنسان أربع خصال أساسية هي العدل والإحسان ومعرفة الفضيلة والثقافة. ويعتبر أول فرنسي عني بالتعليم المهني. وقد أوصى بإنشاء مكتب دائم للمعارف العامة. ورأى ضرورة تثقيف المرأة (٨).

٣١٦

ب ـ العلماء الأجانب

١ ـ أرسطو (٣٨٤ ـ ٣٢٢ ق. م).

كان فيلسوفا غزير المعارف واقعي النظرة. وكان مريبا للاسكندر الأكبر. ويعتبر أحد واضعي نظريات التربية الذين كان لهم أثر عظيم في العصور التالية. وكان همه الأول إعداد المواطنين الصالحين.

وتوجد آراؤه في كتابي (السياسة) ، و (الأخلاق) (٩).

من هذا الكتاب.

٢ ـ أفلاطون : (٤٢٠ ـ ٣٤٨ ق. م).

فيلسوف يوناني ، اتسع نطاق الفلسفة لديه فأصبحت تبحث في الكون وفي الإنسان وغيرها من القضايا. أشهر كتبه (الجمهورية) و (القوانين) (١٠)

٣ ـ ايراسموس (١٤٦٧ ـ ١٥٣٦ م) sumsare

أديب وفيلسوف ومرب هولندي ، وهو أشهر ممثلي الحركة الإنسانية الواقعية. قضى سنوات قليلة في إحدى مدارس الرهبنة ، ثم انتقل إلى مدرسة الكنيسة المشهورة في (دافنتر) بهولندا.

وحذق آداب القدماء ولغاتهم بالدراسة في باريس واكسفورد وايطاليا. وبعد ذلك درّس في انجلترا وفرنسا والأراضي المنخفضة وسويسرا وايطاليا. ونشر كتبا عديدة في الأدب وقواعد اللغة اللاتينية والإغريقية وشرح الكتاب المقدس والأخلاق والتربية والأمثال (١١).

٤ ـ بستالوزي :

ولد في زوريخ عام ١٧٤٦ ، وعاش متأثرا بالتربية العاطفية التي ربته عليها أمه بعد أن ترملت وهو في الخامسة. وبرز بين طلاب الأكاديمية بمحاسنه وجرأته الثورية وتكون لديه شعور عميق ببؤس الشعب وحاجاته. وجعل هدفه مداواة أمراض المجتمع ونما لديه تذوق للحياة البسيطة الخشنة ، وكانت تستهويه الحياة في الهواء الطلق ، ويرى أن الحضر موطن الشر.

عمل مزارعا ، وافتتح في مزرعته في نويهوف ملجأ للأطفال الفقراء ، ثم أنشأ ملجأ الأيتام في ستانتز ومدرسة ابتدائية في بورغدورف ومعهدا فيها ومعهد

٣١٧

٦ ـ جيرسون (١٣٦٣ ـ ١٤٢٦) Gerson

كان حامل أختام جامعة باريس. وعرف بين أبناء عصره بحبه للشعب. كتب بلغة عامية رسائل صغيرة مبسطة ، جعلها في متناول العامة. وينم كتابه الذي كتبه باللاتينية بعنوان : " الأطفال الذين ينبغي أن نهديهم إلى المسيح" عن روح كبيرة فيها الكثير من الوداعة وحب الخير. وفيه كثير من الملاحظات الدقيقة حول التعليم ، وهو يطلب أن يجنح المعلمون إلى الصبر والشفقة ، ويحارب العقوبات الجسدية (١٢).

٧ ـ القديس جيروم Saint Jerrome

تعد رسائله حول تربية الفتيات من أثمن الوثائق التربوية عن العصور المسيحية الأولى في أوربا ، وقد حظيت بإعجاب كثير من الكتاب المتقدمين والمتأخرين. وهو يحتقر الجسد ويدعو إلى التقشف (١٣)

٨ ـ رابليه (١٤٨٣ ـ ١٥٥٣) Rabelais

هو خير معبر عن آراء الإنسانيين الواقعيين.

كان راهبا ثم طرد من الدبر. انتقد منهج التربية القائمة على دراسة الألفاظ والكتب بدلا من دراسة الحقائق الحيوية.

ونادى بالتربية المحتوية على العناصر الاجتماعية والفكرية والخلقية والدينية والجسمية التي تؤدي إلى الحرية في الفكر والعمل بدلا من الاعتماد على السلطة. ورأى أن تكون مواد الدراسة سارة وأن تكون وسائلها جذابة لا إجبارية (١٤)

٩ ـ جان جاك روسو :

ولد في جنيف سنة ١٧١٢ م. وكانت تربيته في سني حياته الأولى تخضع للانغماس في الشهوات. وعند ما تعلم القراءة عكف على قراءة روايات غرامية خلقت في أعماق شعوره احساسا عاطفيا شديدا. وفي الثانية عشرة امتهن مهنة قال عنها : إنه تعلم منها الغش وسوء الخلق والخيانة. وبعد أربع سنوات أصبح جوالا. وهذه الفترة التي امتدت بضع سنين حببت إليه الطبيعة وعرفته بأسرارها. ثم عمل خادما ومربيا.

وفي سنة ١٧٤٩ دخل في مسابقة أدبية نظمتها أكاديمية" ديجون" وكان موضوعها : هل عمل تقدم العلوم على تطهير الأخلاق أم على فسادها؟ وكان جوابه بالنفي. ورأى أن الحياة الصحيحة هي التي توافق القوانين الطبيعية. وفي سن

٣١٨

الأربعين تملكته فكرة كان لها أثر كبير ، وهي أن سعادة الإنسان ورفاهيته حقوق طبيعية لكل فرد ، وليست امتيازا لطبقة دون غيرها. وكتب مقالا عن أسباب عدم المساواة بين الناس ورسالة" العقد الاجتماعي" وفيها وضع أهم المبادئ التي نادت بها الثورة الفرنسية.

ونشر كتاب : اميل" عام ١٧٦٢ م. وقد طرح فيه مشكلات التربية وحلها حلولا طريفة ، وضمنه كثيرا من المبادئ التربوية.

كان لكتاباته أثر في الثورة الفرنسية ، وكان مجددا في الأدب والاجتماع والتربية. ويعد من رواد الحركة الرومنطيقية الفرنسية.

توفي عام ١٧٧٨ (١٥)

١٠ ـ هربرت سبنسر (١٨٢٠ ـ ١٩٠٣)

فيلسوف إنكليزي ، له كتاب مشهور في" التربية الفكرية والخلقية والجسدية" يرى أن الأخلاق هي التي تحدد موضوعات الدراسة التي تكون الإنسان المثقف ثقافة صحيحة ، وأن علم النفس هو الذي يحدد الطرائق المثلى التي يجب أن تتبع في التعليم وتربية الفكر واكمال الخلق وتقوية الجسد ، ويرى أن النفع وما للشيء من أثر في سعادة الإنسان هو المعيار الحقيقي في تقدير موضوعات دراسة الطالب وعناصر تربيته ، وان الإعداد للحياة الكاملة هو وظيفة التربية ، وان العلم هو أساس التربية (١٦)

١١ ـ سقراط (٤٦٩ ـ ٣٩٩ ق. م)

فيلسوف يوناني جاء بعد السوفسطائيين ، وأراد أن يصلح ما أفسدوه ، وأن يعيد إلى العقول ثقتها بالحقيقة والمعرفة وإيمانها بالخير والفضيلة ، وجعل هدفه الأول أن يدعو إلى الفضيلة عن طريق العلم والمعرفة ، وجعل الفلسفة منحصرة في دائرة الأخلاق.

وتدور الأخلاق عنده حول محور واحد هو ماهية نفس الإنسان.

ورأى أن الإنسان روح وعقل يسيطر على الحس ويعقله ، وأن القوانين العادلة صادرة عن العقل ومطابقة للطبيعة الحقة.

قضى حياته في التعليم وتلقين المعرفة ، وكان يتوجه إلى مخاطبه ، ويطلب منه أن يعرض أفكاره ، ثم ينهال عليه بأسئلته الدقيقة حتى يجعله يعترف بالحقيقة التي

٣١٩

يريدها ، أو يدعه تائها في طريق لا يعرف الخلاص منها ، كي يكشف له بعد ذلك عن خطئه.

لم يسجل أفكاره وآراءه في كتب أو رسائل (١٧)

١٢ ـ صولون :

مشرع أثيني جعل تمارين الجسد وتمارين الروح في مرتبة واحدة وقرر أن على الأطفال أن يتعلموا السباحة والقراءة (١٨).

١٣ ـ فريدريك ولهلم أوجست فروبل Frobel

ولد في قرية" أوبر فايسباخ" من مقاطعة" تورنجيا" عام ١٧٨٢ من قس بروتستانتي ، وتوفيت أمه وهو في الشهر التاسع. وعند ما شب لم يستطع أبوه أن يرسله إلى الجامعة لعجزه عن توفير النفقات اللازمة له ، فأوكل أمره إلى صديق له صاحب غابات ليعلمه مهنته. فعاش في الطبيعة ، ولا حظ ما فيها من حيوانات ونباتات ، وقرأ كتبا في الهندسة والرياضيات. ثم انتسب إلى جامعة" يينا" وتابع فيها دراسة الرياضيات ، ولم يلبث أن سجن بسبب عجزه عن وفاء الديون المتراكمة عليه.

ثم ذهب إلى" فرانكفورت" عام ١٨٠٤ ليعمل في بناء البيوت ، وفيها تعرف على مدير المدرسة ، فعينه معلما للتلاميذ الذين تتراوح أعمارهم بين التاسعة والحادية عشرة. ثم زار" بستالوزي" في" إيفردون" واطلع على منهجه ، وعاد للتعليم في مدرسة" فرانكفورت".

ولمع اسمه منذ ذلك الحين ، واشتهرت دراسته في الطبيعة والجغرافيا.

وبعدئذ عمل مربيا لثلاثة أولاد ينتمون إلى أسرة غنية ، وذهب ثانية إلى" ايفردون" ومعه الأولاد الثلاثة ، وقضى فيها سنة ، وجلس طويلا إلى" بستالوزي" وأعجب بطريقته في تدريب الحواس ، وتوجه إلى الاهتمام بنمو الطفل ، وبعد أن عاد إلى" فرنكفورت" رحل إلى" غوتنغن" ليدرس في جامعتها اللغات الشرقية واليونانية ثم رحل إلى جامعة" برلين". واضطر في مستهل عام ١٨١٣ إلى قطع دراسته لينخرط في الحرب مع كثير من الطلبة لطرد" نابليون". ثم عاد بعد عام إلى" برلين" وحينئذ توفي أخوه مخلفا ثلاثة صبية في حاجة إلى الرعاية التربوية ، فافتتح من أجلهم مدرسة في قرية" جريسهايم" ثم نقلها إلى قرية قريبة منها هي" كايلهاو" حين تبرعت أرملة بمزرعتها لتكون مركزا لمعهده.

٣٢٠