منهج التربية في القرآن والسنّة

عمر أحمد عمر

منهج التربية في القرآن والسنّة

المؤلف:

عمر أحمد عمر


المحقق: الدكتور وهبة الزحيلي
الموضوع : علم‌النفس والتربية والاجتماع
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع
المطبعة: مطبعة الصباح
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٣٦

أيضا أسلحة فتاكة تعرض البشرية للفناء ، وعجزت عن النهوض بالجانب الاجتماعي والروحي للناس ، فبقي المرء يعيش في عزلة عن غيره ، وبقي المجتمع متفككا ، يعاني من سلب الأموال وسفك الدماء ، وانتهاك الأعراض ، ولم يذق الإنسان طعم السعادة ؛ فانصرف إلى تناول الخمر والمسكرات والمخدرات ، وأصبح يئن مما أصابته به تلك الحضارة المادية من أمراض نفسية وعصبية وعقلية وجسمية ، وأقدم على الانتحار ليضع حدا لبؤسه وشقائه.

أما المناهج المستمدة من القرآن والسنة فإنها تصلح للفرد والجماعة ، وتتلاءم مع فطرة الإنسان ، وتحقق سعادته ، وتشمل كيانه كله ، وتنهض بكل جانب من جوانبه الجسمية والنفسية والاجتماعية والخلقية ، وتؤدي إلى التقدم والتفوق على أمم الأرض كلها.

ولتحقيق ذلك يجب إعداد معلمين ومدرسين يربون تلاميذهم وطلابهم وفق هذا المنهج ، يخلصون في عملهم ، ويبذلون أقصى جهودهم للنهوض بأمتهم. ويجب إقصاء من يعمل في حقل التربية ، ولا توجد لديه الرغبة في هذا العمل الخطير ، أو لا يوجد لديه الاستعداد للقيام بهذا العمل الجليل. ويجب إنصاف هؤلاء المربين ، وجعلهم في مستوى لا يقل عن مستوى الأطباء والمهندسين وكبار الموظفين. فالذي يهذب النفوس ، وينمي العقول ، ويصنع الأبطال ، أعظم من الذي يداوي الأجسام وينشئ الأبنية والمصانع. ولو لا المعلم ما تخرج طبيب ولا مهندس ، ولا وجد عالم أو مخترع. وكلما زادت الأموال التي ننفقها في مجال التربية ، زاد المردود الذي يعود على الفرد والأمة بالنفع العظيم. فالتربية هي الأساس في كل إصلاح وهي السبب في كل تقدم.

ولإنجاز ذلك يجب اختيار الطالب على أسس نفسية وعلمية سليمة ؛ فزيادة طلاب الصف عن عدد معين يمنع من تأثرهم بالتربية بالشكل المثمر. ووجود طلاب في الصف لا يستطيعون فهم دروسهم ولا يبذلون جهدا لتعلمها ، يعرقل تعلم الأذكياء والمجتهدين.

ولا يجوز أن يبقى بين الطلاب من يزعجهم بالثرثرة والحركات الطائشة ، ولا أن يقبل في المدارس من يتعمد تكسير ما فيها من المقاعد والأدوات ، ولا يحافظ على النظافة والهدوء ، ولا ينصاع للنظام ، ولا يحترم المربين.

وإذا أصبح التعليم الابتدائي إلزاميا للتلاميذ الأسوياء في عقولهم وحواسهم ، فلا ينبغي أن يقبل في المرحلة الإعدادية من لم يتقن القراءة والكتابة! ولا يناسب أن

٢٨١

يكون الطالب في المرحلة الثانوية والجامعية في فرع لا يميل إليه ، وليست لديه القدرة على تحصيل الدروس المقررة فيه : فمثل هذا يؤدي إلى ضياع المال والوقت والجهد ، وتنشأ عنه خسارة كبيرة.

وإذا كنا عاجزين عن توفير التربية الرفيعة لكل أبناء الأمة ، فمن الأفضل اختيار من يستجيب لها أكثر من غيره. ومن غير الجائز أن تستوعب المدرسة أعدادا كبيرة لا تتمكن من الإشراف عليها ، ولا تستطيع توجيهها وقياس قدراتها وتنميتها.

وما مصير الذين أبعدوا عن المدارس ، وحرموا من التربية فيها؟ هل يتركون للعبث والفوضى في الشوارع والحدائق والملاعب والملاهي ...؟

لا ، وإنما يجب أن يعهد بتربيتهم إلى مؤسسات ومعاهد خاصة ، تتناسب مناهجها مع ميولهم واستعداداتهم. أو يجب أن يكلفوا بأعمال تناسبهم وتنفع أمتهم.

ولا بأس في توفير عمل مناسب للكبار الذين يكملون تعليمهم ، ليحصلوا على دخل يكفيهم. فالعمل ينشط الجسم ، ويشحذ الذهن ، ويقوي الشخصية. وهو أسلوب هام من أساليب التربية. والتربية النظرية وحدها تجعل الإنسان خاملا والجسم ضعيفا ، والعقل كالا ، وتؤدي إلى الضجر والملل. ولذا يجب ألا تزيد ساعات التدريس النظري عن حد معين في اليوم. وأن يدرب الطلاب على القيام بالخدمات التي يحتاجون إليها ، وإصلاح الأدوات التي يستخدمونها. وأن تتاح لهم الأعمال المناسبة لاختصاصهم ، مما يجعلهم يعتمدون على أنفسهم ، ويسهمون في تقدم أمتهم قال الله تعالى :

(وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ). (١٣)

٢٨٢

٣ ـ المساجد

المساجد بيوت الله ورياض الجنة وأقدس الأماكن وأطهرها في هذه الأرض. ولها دور عظيم في التربية. وتبدأ صلة المسلم بالمسجد من سن التمييز حين يؤمر بالصلاة ، وتستمر حتى وفاته ، وهو أخر مكان يعرج عليه في دنياه حين يسجى في نعشه ، ويصلى عليه.

ولهذا فإن الأثر التربوي للمساجد كبير وفعال. وينشأ هذا الأثر مما يلقى فيها من الخطب أيام الجمع والأعياد. والدروس الدينية التي تبين أركان الدين وأحكام العبادات ونظام المعاملات ، والمواعظ التي ترشد إلى محاسن الأخلاق وتحذر من سيئها ولقد كانت التربية في المساجد مرحلة أعلى من التربية في الكتاتيب والمدارس الأولية. وكانت تدرس فيها جميع أنواع العلوم قبل أن توجد الجامعات والمدارس النظامية ، ولم تكن تلك الدروس تقتصر على القرآن والسنة والفقه ونظام الإسلام ، وإنما تشمل اللغة العربية وآدابها وقواعدها ، والتاريخ والجغرافية والفلسفة والمنطق والرياضيات وغيرها مما هو نافع للناس يبتغى بتدريسه وجه الله عزوجل.

وإن أسلافنا الذين تعلموا في المساجد كانوا علماء أجلاء ، قضوا على الجهل ، وأناروا الدنيا بعلمهم. وإن الحائز على أعلى الشهادات التي تمنحها الجامعات اليوم ليحني رأسه إجلالا أمام أولئك العلماء الأفاضل ، لسعة علومهم وتنوع معارفهم وتعمقهم في البحث والدراسة ، ولعظم مؤلفاتهم التي كتبوها على ضوء الشمعة ، دون أن ينعموا بشيء من وسائل الترف وزينة الحياة.

وإن حصيلة المتعلم في جلسة واحدة تمتد من الفجر إلى الظهر ، يجلسها بين يدي عالم معتكف في أحد المساجد ، تفوق حصيلة المدارس في أيام عديدة ؛ لأنه كان يجلس باختياره ، ويصغي إلى كل كلمة تصدر عن العالم ، فتقع في قلبه ، وهو يشعر بالسكينة وتغشاه الرحمة ، وتحفه الملائكة.

كما إن المسجد يسهم في التربية الذاتية بما يحتويه من المصاحف والكتب القيمة في التفسير والحديث النبوي والفقه والأخلاق والأدب والنحو وسواها ؛ مما يؤدي إلى سعة المعرفة وزيادة الاطلاع ، ويفسح المجال للبحث والتحقيق العلمي.

وحين يراعي المصلي آداب المسجد كالمحافظة على الطهارة ، والامتناع عن اللغط ورفع الصوت ، والتحلي بالسكينة والوقار ؛ فإنه يكتسب الأدب والخلق ،

٢٨٣

ويتعلم احترام الآخرين والمحافظة على حقوقهم وممتلكاتهم. وللمسجد آثار تربوية اجتماعية ، تنشأ من التقاء المسلمين بعضهم ببعض ، وقيامهم إلى الصلاة ووقوفهم في صفوف منتظمة. وقد أشرت إليها فيما سبق.

ولتحقيق هذه الآثار كانت صلاة الجماعة واجبة ، وهمّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعقاب من يتخلف عنها :

عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال :

«والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب فيحتطب ، ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها ، ثم آمر رجلا فيؤم الناس ، ثم أخالف إلى رجال (١٤) فأحرق عليهم بيوتهم. والذي نفسي بيده لو يعلم أحدهم أنه يجد عرقا سمينا (١٥) أو مرماتين حسنتين (١٦) لشهد العشاء (١٧)».

ومشي المسلم إلى المسجد يعتبر عبادة يثاب عليها :

عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال :

«من تطهر في بيته ، ثم مشى إلى بيت من بيوت الله ، ليقضي فريضة من فرائض الله ، كانت خطوتاه إحداهما تحطّ خطيئة ، والأخرى ترفع درجة» (١٨).

وبشر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم محب المسجد ، الذي يذهب إليه كل صلاة بالأمن والظل يوم القيامة :

عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال :

سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله :

الإمام العادل ، وشاب نشأ في عبادة الله ، ورجل قلبه معلق في المساجد ، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ، ورجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال فقال : إني أخاف الله ، ورجل تصدق فأخفى حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه (١٩)»

وقد أثنى الله ـ عزوجل ـ على الذين يبنون المساجد ، ويعمرونها بالصلاة والذكر والعلم ، فقال :

(إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللهَ فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (٢٠)

(فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ (٢١) وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ (٢٢) رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ

٢٨٤

وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ). (٢٣)

ولا يقتصر هذا الفضل على الرجال ، فالنساء أيضا كن يسعين إلى صلاة الجماعة في المسجد ، وقد سمح لهن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بذلك :

عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال :

«إذا استأذنكم نساؤكم بالليل إلى المسجد فأذنوا لهن» (٢٤)

واختصاص الليل بذلك لكونه استر. أو إنه إذا أذن لهن بالليل مع ظلمته ووحشته ، فالإذن لهن في النهار أولى. وقد جاء إطلاق الإذن للنساء في الذهاب إلى المسجد دون تخصيص بليل أو نهار :

عن ابن عمر وزيد بن خالد ـ رضي الله عنهم ـ عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال :

«لا تمنعوا إماء الله مساجد الله» (٢٥)

ولذلك فمن الواجب الاهتمام بتشييد المساجد ، وجعلها عامرة بالصلاة وحلقات العلماء. وإذا ما أحسنا إعداد الأئمة والخطباء للمساجد ، وأحسنا إعداد المعلمين والمدرسين للمدارس ، أمكننا التعجيل في إصلاح المجتمع ، والنهوض به في وقت قصير.

٢٨٥

٤ ـ المكتبات

لا تزال الكتب أفضل وسيلة للحصول على العلم والمعرفة ، ولا يستغني عنها طالب أو معلم أو مثقف. فالكتاب يطلعك على المادة العلمية بشكل مفصل مرتب مدعم بالأدلة. وبإمكانك أن تنهل من معينه كلما وجدت في نفسك رغبة في العلم ، وأن ترد حياضه كلما شعرت بظمأ إلى المعرفة ، دونما حاجة إلى إذن لدخول حماه ، ودون أن يكلفك بشيء من آداب الزيارة وحقوق الأصحاب. وهو لا يمتنع عن المثول بين يديك كلما أردت ذلك في ليل أو نهار ، ولا يبخل عليك بمنحك ما يحتويه من ذخائر وجواهر. ومهما قلبت أوراقه ونظرت في سطوره ازدت أدبا وفضلا ، ووجدت الأنس والمتعة والتسلية والبهجة.

وليس أدل على قيمة الكتاب في هذا الدين من أن أول ما نزل من القرآن الكريم يأمر بالقراءة ، ويبين فضل الله على الإنسان في تعليمه.

قال سبحانه وتعالى : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ. الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ. عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ) (٢٦)

ثم أقسم الله بالكتاب تنويها لرفعته وبيانا لأهميته فقال سبحانه :

(وَالطُّورِ (٢٧) وَكِتابٍ مَسْطُورٍ. فِي رَقٍ (٢٨) مَنْشُورٍ). (٢٩)

ولقد حذر الله من الإعراض عن الكتب القيمة ، وأمر بتدبرها وامتثال أحكامها وشبه المعرض عنها الذي لا ينتفع بها بالحمار الذي ينوء بحمل كتب كثيرة ، ولا يعقل منها شيئا. قال تعالى :

(مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً (٣٠) بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (٣١)

وقد أنشد أبو عبد الله بن الأعرابي في فضل الكتب :

لنا جلساء ما نمل حديتهم

ألباء مأمونون غيبا ومشهدا

يفيدوننا في علمنا علم ما مضى

وعقلا وتأديبا ورأيا مسددا

بلا فتنة تخشى ولا سوء عشرة

ولا نتقي منهم لسانا ولا يدا.

وقال محمد بن بشير في شعر له :

٢٨٦

لله من جلساء لا جليسهم

ولا خليطهم للسوء مرتقب

ولا بادرات الأذى يخشى رفيقهم

ولا يلاقيه منهم منطق ذرب (٣٢)

أبقوا لنا حكما تبقى منافعها

أخرى الليالي على الأيام وانشعبوا

إن شئت من محكم الآثار يرفعها

إلى النبي ثقاة خيرة نجب

أو شئت من عرب علما بأولهم

في الجاهلية تنبيني بها العرب

أو شئت من سير الملوك من عجم

تنبي وتخبر كيف الرأي والأدب

حتى كأني قد شاهدت عصرهم

وقد مضت دونهم من دهرنا حقب

ما مات قوم إذا أبقوا لنا أدبا

وعلم دين ولا بانوا ولا ذهبوا (٣٣)

ولقد كانت تنشأ مكتبات ضخمة بجانب المدارس والمعاهد العلمية ، يجد فيها روادها طرفا من كل علم وجانبا من كل فن ، ولم يكن هناك مانع من استعارة كتبها والنظر في مؤلفاتها ، أو الجلوس فيها ساعات طويلة للمطالعة في النسخ والتأليف ، وكانت الثقة والأمانة تغني عما استحدث من الوسائل المعقدة لاستعارة الكتب في العصر الحديث.

ولقد عني الخلفاء المسلمون منذ الأمويين بالكتاب ونشره بين الناس ، وإنشاء الخزائن التي تضم الكتب والدفاتر والسجلات. وكانوا يزودون المساجد الجامعة من كل إقليم بالخزائن التي تضم المصاحف وكتب العلم. وكان كثير من العلماء يقفون كتبهم وأوراقهم ومخطوطاتهم على خزائن المساجد ودور العلم ، يتقربون بذلك إلى الله ، ويرجون نشر العلم ومعونة أصحابه. ولعل أقدم الخزائن العربية التي عرفت بعض أخبارها هي خزانة الخليفة الأموي خالد بن يزيد بن معاوية ، وقد ظلت محفوظة في البلاط الأموي حتى فتحها عمر بن عبد العزيز للناس للإفادة منها والتعلم من نفائسها وروي أن الوليد بن عبد الملك جمع خزانة ، وجعل عليها خازنا اسمه سعد ، وأن يزيد ابن عبد الملك كان محبا للعلم ومنقبا عن كتبه ودواوين الشعر ، وأنه جمع خزانة كتب كبيرة في قصره ، رغم أن خلافته لم تزد على سنة وثلاثة أشهر.

أما العباسيون فقد اهتموا بالعلم وكتبه اهتماما كبيرا ، وانتشرت في عهدهم المكتبات العديدة. وعرف في العالم الإسلامي ثلاثة أنواع من المكتبات : عامة وخاصة بأصحابها ، ومفتوحة لطائفة معينة :

أما المكتبات العامة! فقد أنشئت بالمساجد لتكون في متناول الدارسين. وكانت

٢٨٧

كثيرة جدا ، بحيث لا يكاد يخلو مسجد أو مدرسة منها. ومن أشهرها" بيت الحكمة" الذي أسسه هارون الرشيد ، وبلغ ذروته في عهد المأمون. وكان أول مكتبة عامة ذات شأن في العالم الإسلامي ، بل كان أول جامعة إسلامية اجتمع فيها العلماء والباحثون وطلاب العلم ، ومن المكتبات العامة الشهيرة أيضا" المكتبة الحيدرية" بالنجف ، وهي لا تزال موجودة إلى اليوم ، ومكتبة ابن سوار بالبصرة التي أسسها أبو علي ابن سوار الكاتب من رجال عضد الدولة ، وخزانة" سابور" التي أنشأها أبو نصر سابور بن أردشير عام ٣٨٣ ه‍. وكانت مركزا ثقافيا ، يلتقي فيه العلماء والباحثون للقراءة والدرس ، وتعقد فيه المناظرات والمناقشات ، وكان يتردد إليها أبو العلاء المعري عند ما حل ببغداد أما المكتبات الخاصة! فقد أنشأها العلماء والأدباء لأنفسهم ، وكانت كثيرة جدا ومنتشرة بينهم ، وقلما يوجد عالم أو أديب دون أن تكون له مكتبة.

وأما المكتبات المفتوحة لطائفة معينة فقد أنشأها الخلفاء والملوك ، وأباحوا دخولها للوجهاء من الناس بإذن منهم (٣٤)

وكانت تنتشر دكاكين الوراقين في الأسواق لبيع الكتب وأدوات الكتابة. وكان العلماء يؤمونها في النهار ، ويبيتون فيها الليل ، ليطلعوا على ما تحتويه من آداب وعلوم وكان اللطف والزهد والرضى والقناعة أبرز ما يتصف به أصحابها فلم يكونوا يغالون في الثمن ، ولم يكونوا يحرصون على الربح مثل حرصهم على خدمة العلماء ومساعة طلاب العلم والإسهام في الحضارة.

فإذا ما أردنا النهضة العلمية والارتقاء إلى أعلى المراتب ، فإنه يجب إنشاء المكتبات العامة في كل الأحياء والبلدان ، وتسهيل سبل إعارة الكتب والمطالعة فيها ، كما يجب نشر الكتب الخاصة. في كل الأنحاء ، وتشجيع الكتاب والمؤلفين ، وتقديم الكتاب النافع بأقل التكاليف وأدنى الأرباح. فإن الحاجة إلى الكتب لا تقل عن الحاجة إلى الخبز والماء فهما أساس في غذاء الأجسام ، وهي أساس في غذء العقول ، وهي الوسيلة لتمكين كل متعلم من العلم الذي يرغب فيه ويتناسب مع قدراته ، وهي السبب في اتساع الثقافة والاستمرار في التربية.

٢٨٨

٥ ـ المجتمع

تبدأ صلة الفرد بالمجتمع منذ نعومة أظفاره ، حين يقدم أقرباؤه وجيرانه لزيارة أهله ، أو يذهب لزيارتهم. وتزداد صلته به حين يذهب إلى المدرسة ،. ويلتقي بكثير من التلاميذ والمعلمين ، ثم يتخذ أصدقاء منهم ويبادلهم الزيارة ، ويتعرف على أهليهم وتعظم هذه الصلة حين يلتقي بالمصلين في بيوت الله ، وحين يصبح عاملا في أحد المصانع أو موظفا في إحدى الدوائر. وهو في كل ذلك يتأثر بالمجتمع ويؤثر فيه ، يتلقى منه العلم والمعرفة ، ويحصل على الأدب والخلق ، ويخضع لعاداته وأعرافه. فإذا كان المجتمع صالحا جعل أبناءه صالحين ، وإذا أصبح الفرد صالحا وصار عالما فاضلا فإنه يسهم في رقي مجتمعه ونهضته ، ويعمل لإصلاح أفراده وتربيتهم.

والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هما دعامتان أساسيتان في القضاء على عوامل الفساد وتهيئة أسباب النجاح ، وفي محاربة الرذيلة ونشر الفضيلة ، ويقوم بهذه المهمة كل مؤمن ومؤمنة ، فيحرص الفرد على مصالح غيره كما يحرص على مصلحته ويحب الخير لأخيه كمن يحبه لنفسه فيصبح المجتمع متراحما متكافلا قال الله تعالى.

(وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ). (٣٥)

ولذلك كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرضا في هذا الدين ، فإذا أهمل هذا الغرض كانت العاقبة اللعنة والبوار كما حل ببني إسرائيل :

عن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل كان الرجل يلقى الرجل فيقول : يا هذا اتق الله ودع ما تصنع ، فإنه لا يحل لك. ثم يلقاه من الغد ، فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده. فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض ثم قال :

(لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ. كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ). (٣٦)

ثم قال : كلا والله لتأمرون بالمعروف ، ولتنهون عن المنكر ، ولتأخذن على يدي الظالم ، ولتأطرنه على الحق أطرا (٣٧) ولتقصرنه على الحق قصرا ، أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض ، ثم ليلعننكم كما لعنهم (٣٨)».

٢٨٩

وعن حذيفة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال :

والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ، ولتنهون عن المنكر ، أو ليوشكن الله يبعث عليكم عقابا منه ، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم» (٣٩).

وإذا ما قام الناس بهذا الغرض ، واستجابوا لهذه الدعوة كانت العاقبة الرحمة والفلاح قال الله تعالى :

(وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ). (٤٠)

وبهذا تصبح الأمة المهتدية بهذا الهدي والمتربية بهذا المنهج أفضل الأمم. قال الله تعالى :

(كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ). (٤١)

وهكذا يحصل التكافل بين الفرد والمجتمع ، فالفرد يشعر بانتمائه إلى المجتمع ، ويحرص على رفعته وعزته ، ويضحي بنفسه وماله للدفاع عنه ، ويقدم المصلحة العامة على مصلحته الخاصة ، والمجتمع يوفر لأفراده الحياة الكريمة ، ويلبي حاجياتهم ، ويتكون فيه رأي عام صالح ، بحيث يكرم الصالحون ، ويجزون بالحسنى ، ويردع المفسدون ، ويمنعون من العبث بحقوق الناس والعدوان عليهم ، فيصبح من دعا إلى الخير يجد الأعوان والمؤيدين ، ومن دعا إلى الشر يجد الأبواب موصدة في وجهه ، والناس واقفين في طريقه لمقاومته ومنعه.

٢٩٠

هوامش الفصل السابع

__________________

(١) متفق عليه من حديث أبي هريرة.

(٢) رواه الترمذي

(٣) سورة الشورى : ٤٩ ـ ٥٠

(٤) رواه الشيخان والترمذي

(٥) رواه الترمذي وأبو داود

(٦) رواه ابن حبان

(٧) آداب المعلمين ص : ٣٣ ، ٣٧.

(٨) آداب المعلمين ص ١٠٢ ـ ١١٠

(٩) آداب المعلمين ص ١٤٠ نقلا عن كتاب الأحكام لابن العربي ج ٢ ص ٢٩١

(١٠) آداب المعلمين ص ١٤١ نقلا عن العواصم من القواصم لابن العربي. والموطأ والمدونة كتابان في الحديث والفقه للإمام مالك.

(١١) المقدمة لابن خلدون ص ٦٣٠ ـ ٦٣١ والمراد بالرسم كتابة المصحف.

(١٢) آداب المعلمين ص ٩٧

(١٣) سورة التوبة : ١٠٥

(١٤) أي آتيهم من خلفهم ، أو اتخلف عن الصلاة لأذهب إليهم

(١٥) العرق : العظم الذي عليه لحم رقيق

(١٦) المرماة : ما بين ظلفي الشاة من اللحم.

(١٧) رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.

(١٨) رواه مسلم والنسائي والترمذي

(١٩) رواه البخاري ومسلم والنسائي والترمذي.

(٢٠) سورة التوبة : ١٨

(٢١) تعظم.

(٢٢) أي الصباح والمساء.

(٢٣) سورة النور : ٣٦ ـ ٣٨

(٢٤) متفق عليه.

(٢٥) رواه البخاري وأبو داود وابن حبان وابن خزيمة.

(٢٦) سورة العلق : ١ ـ ٥

٢٩١

__________________

(٢٧) الطور : هو الجبل الذي كلمه الله عليه موسى.

(٢٨) الرق : جلد رقيق يكتب فيه.

(٢٩) سورة الطور : ١ ـ ٣

(٣٠) الأسفار : جمع سفر وهو الكتاب.

(٣١) سورة الجمعة : ٥

(٣٢) حاد ، عنيف.

(٣٣) مختصر جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر ص ٢٢٩ ـ ٢٣٠

(٣٤) تاريخ التربية ـ عبد الله عبد الدائم ص ١١٨ ـ ١٢٠

(٣٥) سورة التوبة : ٧١

(٣٦) سورة المائدة : ٧٨ ـ ٧٩

(٣٧) أي لتحملنه عليه.

(٣٨) رواه أبو داود والترمذي بسند حسن.

(٣٩) رواه الطبراني والترمذي بسند حسن.

(٤٠) سورة آل عمران : ١٠٤

(٤١) سورة آل عمران : ١١٠

٢٩٢

الفصل الثامن

خصائص المنهج

نحاول في هذه الفصل الأخير أن نلقي ضوءا على منهج التربية في القرآن والسنة ، لنستخلص أبرز الخصائص التي يختص بها هذا المنهج الفريد في نوعه ، وأعظم المزايا التي تميزه عن غيره :

١ ـ فهو منهج رباني مستمد من كتاب عزيز (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ). (١)

ومستمد من سنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الذي قال الله فيه :

(وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى. إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى). (٢)

وكل من عمل بهذا المنهج كان علي هدى وبصيرة :

(أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ). (٣)

ولقد تخبط الناس طويلا في مناهج من صنع الإنسان ، تميل بهم ذات اليمن وذات الشمال. وكانوا لا يخرجون من متاهة حتى يضلوا في سواها ، تعصف بهم الأعاصير ، وتلقي بهم في ظلمات مدلهمة ، وهم حائرون ، لا يعلمون لماذا وجدوا فوق هذه الأرض ، وما مصيرهم بعد أن يعودوا فيها ، ولا يهتدون إلى ما ينظم علاقة بعضهم ببعض ، ولا إلى ما يحدد صلتهم بهذا الكون الذي يعيشون فيه وبالقوة العظمى التي أوجدته.

وما إن اهتدوا إلى هذا الدين حتى أيقنوا أن الله خلقهم وكلفهم بعبادته ، وأن عبادته ـ سبحانه ـ تجعلهم سعداء في هذه الحياة ، وأنهم سيبعثون بعد موتهم ليجازوا على أعمالهم. وعلموا أن الكون مسخر لهم ، وأن التفكير في آفاقه يهديهم إلى نظامه ويمكنهم من الاستفادة منه على أكمل وجه.

وهذا المنهج الرباني مبرأ من العيب والنقص ومن التحيز والهوى ، تلك العيوب

٢٩٣

التي لا يخلو منها منهج وضعه واحد من البشر يجهل حقيقة نفسه فضلا عن جهله بحقيقة غيره. ومهما أوتي الإنسان من العلم يظل عاجزا عن الوصول إلى المنهج الذي ينعم في ظله ويهتدي بهديه إلا أن يهتدي بهدي الله سبحانه وتعالى :

(فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ كَذلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ). (٤)

ولو حاول الإنسان وضع منهج للتربية بدون أن يقتبس من نور هذا المنهج الرباني لتأثر بجهله وهوى نفسه ، مما يجعل منهجه بعيدا عن الصواب وعن الحق ، ويجعله متحيزا غير ملائم للإنسان في جوانب حياته كلها ، وغير مناسب له في تكوينه الجسمي والنفسي ، وغير مستند إلى مبدأ المساواة والعدل بين الناس جميعا.

ومع أن الإنسان اكتشف الكثير من أسرار الكون ، وتمكن من التحليق في جو السماء والارتقاء إلى القمر ، ومن إطلاق السفن التي تخرق أجواز الفضاء لتصل إلى الكواكب البعيدة ، وتبث إليه صورها والمعلومات التي تسجلها آلاتها الدقيقة ، فإنه ما زال جاهلا بنفسه التي بين جنبيه ، وبعقله الذي يفكر فيه ، وكأنه غير مؤهل للخوض في هذا الغمار. ولا غرابة في ذلك ، فالعين تبصر ما حولها وتعجز عن إبصار نفسها ولا يستطيع أي عالم أن يجعل بني جنسه حقلا للتجارب ، ليخضعهم لمنهج وضعه ، ويقيس نتائج عمله ، ويعدل فيه حتى يصل إلى المنهج السوي ؛ لعدم قدرته على التحكم في العوامل التي تؤثر على الإنسان في حياته ، ولأن التنائج لا يمكن قياسها ومعرفة أبعادها قبل انقضاء حياة أولئك النفر الذين تربوا على ذلك المنهج ، وحينئذ تكون حياة العالم نفسه قد انقضت قبل أن يستكمل دراسته. ولو قدر بقاؤه أجيالا عديدة يجرب عليها ، لكان في تجاربه متأثرا بعقله القاصر وعلمه المحدود وهوى نفسه وسائر انفعالاته وعواطفه ، ولما تمكن من الوصول إلى الحقيقة ، وأنى له أن يتصورها ويضع المقاييس التي تحدد بعد طلابه أو اقترابهم منها ، وهو عاجر عن تصويب نظره إليها والإحاطة بها.

والإنسان أسمى من أن يجعل حقلا ليجرب عليه مناهج وأنظمة مختلفة. والمفاسد التي تنجم عن المناهج والنظم الفاسدة لا يمكن درؤها ، ومن الخير للناس أن يستمدوا نظام حياتهم ومنهجهم التربوي من الكتاب الذي أنزل لهدايتهم ، والذي وضعه العليم ببواطن النفوس الخبير بما يصلحهم.

٢٩٤

(وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ). (٥)

والعاملون لتحقيق هذا المنهج الرباني هم الذين يستحقون التمكين في الأرض وأن يجعلوا خلفاء فيها ، وأن يوجهوا دفة سفينة المجتمع نحو شاطئ الأمان ، وأن يمسكوا بحبل النجاة ليجنبوها المخاطر. وهم ورثة الأنبياء ، يقتفون أثرهم ويسلكون سبيلهم

(ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللهِ وَلكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ). (٦)

والرباني منسوب إلى الرب ، وهو الكامل في العلم والعمل. وهو العالم المعلم الذي يغذو الناس بصغار العلم قبل كبارها ، أو العالي الدرجة في العلم ، والعالم الراسخ في العلم والدين والعارف بالله تعالى. وكونوا ربانيين : أي حكماء علماء (٧).

٢ ـ ومن أبرز خصائص هذا المنهج الشمول والتكامل : فهو لا يجعل التربية خاصة بطبقة من طبقات المجتمع دون غيرها كما كانت عند مختلف الأمم ، لا يتاح العلم سوى للأمراء والنبلاء وأبناء الأشراف والوجهاء. أما سائر الناس فكانوا هملا يساقون لخدمة الحكام الإقطاعيين ، أو يجبرون على العمل في زراعة الأرض والأعمال المهنية وتقديم الضرائب والأتاوات إلى أسيادهم ، وهم محرومون من العلم ، وممنوعون من دخول معاهد التربية :

ففي بلاد الهند كانت الدراسات العليا وقفا على طبقة الكهان وفي أثينا كان التعليم مقصورا على المواطنين الأثرياء أما الفقراء فكانوا ـ كما أراد لهم صولون ـ لا يتعلمون إلا القراءة والسباحة ومهنة من المهن. وكان هذا البون بين الأثرياء والفقراء يبدو أوضح في نوع آخر من التعليم شاع فيما بعد هو الخطابة والفلسفة. وأفلاطون قسم المجتمع إلى ثلاث طبقات : طبقة الفلاحين والصناع ، وطبقة المحاربين ، وطبقة الحكام. وحرم الطبقة الأولى من كل تربية سوى تعلم مهنة من المهن ، وجعل ثقافة المحاربين تشتمل على الموسيقى والرياضة ، أما الحكام فكانوا يدرسون جميع العلوم ومعها المتيافيزياء ، ويحصلون على ثقافة فلسفية عالية.

والتربية التي كان يحلم بها" أرسطو" محصورة في أقلية ضئيلة ولم يكن للعبيد أي نصيب منها.

٢٩٥

وكان الرومان يعدون أبناء الأشراف للحياة الحديثة أو لوظائف الدولة ، ويوجهون أبناء الفقراء توجيها مهنيا للعمل في الصناعة أو التجارة. ثم أصبحت التربية في القرون الأخيرة لعصر الإمبراطورية الرومانية مقصورة على الطبقة العليا وحدها. ولم تكن التربية حينئذ تقدر على أساس أنها تدريب للشعب عامة ، بل على أساس أنها حلية وشرف لطائفة معينة.

وبقيت التربية العالية وقفا على رجال الكنيسة وأبناء الطبقات العليا في أوربا طيلة العصر الوسيط ، واستمرت التفرقة بين الطبقات إلى عصر النهضة ، حتى إن جماعة اليسوعيين الذين انتشرت مدارسهم منذ منتصف القرن السادس عشر إلى القرن الثامن عشر لم يعنوا بتربية الطبقة الدنيا من الناس ، وكان هدفهم أن يكونوا عددا من الزعماء ، والأشخاص اللبقين المحببين إلى المجتمع ،. وكانوا يعتبرون جهل الشعب خير حام لعقيدته ، ويقولون :

(ينبغي ألا يعلم القراءة والكتابة أحد ممن يستخدمون في الأعمال المنزلية لدى الجماعة ، وإذا علمهما فعليه ألا يزداد علما بهما. وينبغي ألا يعلم إلا بعد موافقة القائد ، إذا حسبه أن يخدم في بساطة وتواضع المسيح سيدنا).

وفي سنة ١٧٧٤ أسس" بزداو" في" دساو" بألمانية معهدا أطلق عليه اسم" المنشأة الإنسانية" كان غرضه تعليم الغني والفقير على السواء. ولكنه كان يهيء الأول للنشاط الاجتماعي وللزعامة الاجتماعية ، ويعد الثاني ليصبح معلما.

وكانت المرأة محرومة من أي ثقافة في بلاد الهند قديما ، وكانت مرتبطة بالرجل ارتباطا مطلقا.

وبقيت كذلك في أوربا إلى العصر الحديث ، حتى إن" مونتيني" رأى أن تبقى المرأة في الجهالة ، بحجة أن الثقافة تسيء إلى مفاتنها الطبيعية ، ومنعها من دراسة البلاغة لأنها تعني في نظره (أن نكسو جمالها جمالا غريبا مجلوبا). ورأى أن على النساء أن يقنعن بالمزايا التي يحققها لهن جنسهن ؛ فبالعلم الفطري الذي يملكنه يستطعن أن يدرن مديري المدارس ، وأن يقدنهم بالعصا.

وكذلك" فينيلون" الكاتب الفرنسي الذي ألف رسالة" تربية الفتيات" عام ١٦٨٠ لم يطالب المرأة بتعلم غير ما يتلاءم مع مهمتها المنزلية. ورأى أن الدراسات التي لا جدوى فيها تجعل منها عالمة مضحكة.

٢٩٦

لكن الراهب سان بيير (١٦٥٨ ـ ١٧٤٣) رأى ضرورة تثقيف المرأة وأراد أن تنشأ للنساء معاهد قومية ومدارس تعليم ثانوي ، وأن تحبس الفتيات في مدارس داخلية ، لا تعرف أيام العطل ، ورجا الحكومة أن تهيء دروسا عامة لتلك النسوة اللائي يكون نصف الأسر (٨).

أما الإسلام قد أعلن مبدأ المساواة ، وجعل التربية حقا للناس أجمعين ، وجعل العلم فرضا على المسلمين. ولقد نص علماء التربية الذين تأثروا بهذا المنهج على وجوب المساواة بين الطلبة ، ونهوا عن تفضيل بعضهم على بعض ، قال الشيخ عبد الباسط العلموي : (ولا يظهر الشيخ للطلبة تفضيل بعضهم على بعض ، لا سيما إذا تساووا في الصفات من سن أو فضيلة أو تحصيل ديانة. فترجيح بعضهم على بعض مما يوغر الصدور. فإذا ظهرت فضيلته يثني عليه في حد ذاته من غير تصريح بأن فلانا أفضل من فلان) (٩).

وكان علماؤنا لا يخصون أحدا من الناس بعلم دون غيره لوجاهته وشرفه ؛ فقد طلب الأمير أبو أحمد الموفق من أبي داود السجستاني أن يروي لأولاده كتاب السنن ، وأن يفرد لهم مجلسا للرواية ، لأن أولاد الخلفاء لا يقعدون مع العامة! فقال أبو داود : " أما هذه فلا سبيل إليها ، لأن الناس شريفهم وو ضيعهم في العلم سواء"(١٠)

وفي هذا المعنى نظم الشاعر :

علم العلم من أتاك لعلم

واغتنم ما حييت منه الدعاء

وليكن عندك الغني إذا ما

طلب العلم والفقير سواء

ولم تكن عناية هذا المنهج قاصرة على العقل دون الجسم ، أو على الجانب الروحي دون المادي من حياة الإنسان ، بل هي شاملة لكل كيانه وجوانب حياته ، وهذا الشمول والتكامل ليس له وجود في غير هذا المنهج القويم.

ثم هو لا يسعى لتوجيه الناس وجهة تضيق عن استعداداتهم وتقصر عن تطلعاتهم ، ولا يصب الجميع في قوالب جامدة تجعلهم يشعرون بالضيق والحرج ؛ فالحرج مرفوع من هذا الدين : (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ). (١١)

وأحكامه سهلة لا عسر فيها : (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) (١٢) ومنهجه التربوي يوجه الناس نحو ما يناسبهم ويتفق مع قدراتهم من الأعمال الفكرية والجسمية ويأخذ بيد الجميع نحو ما فيه صلاحهم وسعادتهم ، فيتحقق التكامل فيما بينهم. ، ويجعلهم يتسابقون لفعل الخير :

٢٩٧

(وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ). (١٣)

٣ ـ وهو منهج متوازن معتدل :

يوفق بين جوانب الإنسان الجسدية والعقلية والروحية دون أن يسمح بطغيان جانب على غيره. ولقد كان اليونان القدماء في اسبارطة يضحون بالتربية الروحية في سبيل التربية الجسدية ؛ إذ كانت القوة الجسدية والقدرة الحربية هي الخصال المفضلة لدى الأسبارطيين الذين جعلوا هدفهم الأوحد تكوين أبطال وجنود ، فكانت نتيجة هذه التربية لديهم جهلا وغلظة في الطباع أما المشرع الأثيني" صولون" فقد جعل تمارين الجسد وتمارين الروح في مرتبة واحدة ، وقرر أن على الأطفال أن يتعلموا السباحة والقراءة قبل كل شيء.

وكانت التربية الجسدية موضع العناية في أول عهد الجمهورية الأثينية ، إلا أن التربية فيها ما لبثت بعد ذلك حتى غدت أميل إلى الثقافة الفكرية الأدبية ، ولا سيما في القرن السادس قبل الميلاد فأصبح اليونان يهتمون بالفكر والفلسفة ، وغلبت الناحية العقلية الفلسفية على التربية عندهم. ثم أعقبهم الرومان فأصبحوا على العكس منهم ، يعنون بقوة الأجسام ، ويدربون الأبطال على مصارعة بعضهم بعضا حينا ، وعلى مصارعة الثيران والوحوش حينا آخر ، وهم يمجدون القوي المنتصر ، ويسخرون من الضعيف الخاسر ؛ فغلبت الناحية المادية العملية على التربية الرومانية حتى سيطرت الكنيسة على أوربا في العصور الوسطى ، فأولت الناحية الروحية والخلقية اهتمامها ، وغلبت الناحية المثالية الخلقية على تربيتها ، فلم يعد للجسد عند القديس" جيروم" قيمة ، ولم يبق ثمة مجال للبحث في أمر تقويته والعناية به لنخلق منه أداة صالحة لنفس جميلة ، بل غدا عدوا يجب قهره بالصوم والامتناع عن الطعام. ومما قاله هذا القديس : (احرص على ألا تأكل بولا (١٤) أبدا أمام جمع ، وألا تحضر الموائد والحفلات العائلية ، خشية أن تصبو إلى ما يقدم فيها من صنوف اللحم ، ولتعتد الامتناع عن الخمرة ، فهي مصدر كل دنس ، ولتغتذ بالبقول غالبا وبالسمك نادرا ، ولتحاول إذا أكلت ألا تشبع) وذهب في احتقاره للجسد إلى أبعد من هذا فقال : (لو أن الرأي لي لمنعت الفتاة من الاغتسال منعا باتا). غير أنه أباح للأطفال الصغار الاغتسال وتناول الخمرة واللحم" عند ما تقضي الضرورة بذلك ، وخوفا من أن تخونهم أقدامهم قبل أن يصبحوا قادرين على المشي"(١٥) فكانت التربية المدرسية قبل عصر

٢٩٨

النهضة الأوربية تدور حول أمور معنوية بحتة بينما تميل التربية الحديثة إلى نبذ المعنويات والاهتمام بالمحسوسات والماديات ، وأصحبت تهتم بالجسم والإعداد للحياة العملية ، وتعتني بالناحية الجمالية (١٦).

أما الإسلام فقد اهتم بتربية الإنسان في جميع جوانبه البدنية والعقلية والعاطفية والروحية بدون أن يطغى جانب على غيره ، أو يكون الاهتمام بناحية أكثر مما يناسبها ، وقد وازن بين جوانبه المختلفة توازنا دقيقا ، وأعطى كلا منها ما يستحقه من العناية والاهتمام.

كما وفق هذا المنهج بين الفرد والمجتمع حين عجزت المناهج البشرية عن التوفيق بينهما ، وجعلت الناس عبيدا بعضهم لبعض ؛ ما إن حررهم القائمون عليها من ربقة العبودية والإقطاع ، ومنحوهم حقوقا مطلقة ، وجعلوهم أحرارا في كل شيء ، وظنوا أنهم بذلك يحققون العدل والمساواة ، ويمنعون الظلم والاستغلال ؛ ما إن فعلوا ذلك حتى سيطر أصحاب المصانع والمصارف ، وتسلطوا على رقاب العمال والمحرومين. وما إن ثاروا على هذا الوضع الجائر ، وحدوا من حقوق الأفراد ، وزعموا أن الغالبية من الناس هم الذين يمثلون المجتمع ، ومصلحتهم هي التي يجب أن تراعى ؛ حتى سلب الفرد عزته وكرامته ، وشعر بالذل والهوان ، ورأى نفسه مرة أخرى خاضعا لفرد مستبد أو جماعة متعسفة.

والإسلام وحده هو الذي وفق بين الأفراد من جهة والمجتمع من جهة ثانية ؛ فالأفراد هم أعضاء المجتمع ، وعزتهم وقوتهم تؤدي إلى عزة الأمة ومنعتها. والمجتمع مكون من عدد من الأفراد ، وله شخصيته الاعتبارية وكيانه المستقل ، وإذا ما سمحنا له بالعدوان على حقوقهم ، فإنهم يهملون الدفاع عنه ، ويعرضونه للذل والانهيار ، كما إنا إذا سمحنا لفرد بتجاوز حده والحصول على أكثر من حقه ، نكون قد أخللنا بمبدأ التوازن ، وحرمنا الأخرين من حقوقهم. ولهذا أنصف هذا المنهج الفرد. ومنحه حقوقه كاملة ، وأشعره بعزته وكرامته ؛ ولكنه منعه من استغلال الضعفاء ، وحرم عليه الظلم والعدوان والتسلط على الآخرين ، وجعله مسؤولا عن نفسه وعن غيره ، وكلفه بأن يسهم في تحقيق التكافل الاجتماعي. أما إذا تعارضت مصلحة الفرد الخاصة مع مصلحة المجتمع العامة فإن الإسلام يرجح المصلحة العامة ، على أن يعوض على الفرد المتضرر التعويض العادل. وبذلك يتم التوفيق بين المصلحتين ، وتتم المحافظة على حقوق الأفراد والمجتمع.

٢٩٩

وهذا المنهج لا يجعل الإنسان يعمل لدنياه ويهمل أخرته ، أو يعمل للآخرة ويهمل الدنيا ، كما هو شأن غيره من المناهج التي تغلب عليها النزعة المادية أو الروحية ، بل يجعله يعمل للدارين ويسعد فيهما ، لأن الآخرة امتداد للدنيا ، وما الموت إلا نقله من هذه الدار إلى تلك. وعلى الإنسان أن يبتغي الدار الآخرة ولا ينسى نصيبه من الدنيا. ومن قصر اهتمامه على الدنيا كان فيها شقيا ، لا يدري كيف يقضي حياته ، يجري وراء السعادة وهي تفر منه ، والموت ينتظره حتى يبغته ، وهو لاهث منهوك القوى ، فيخسر الخسران المبين ، ومن عزف عن الدنيا وأهمل حظه منها ، فإنه يعجز عن حمل الزاد الذي يلزمه للدار الآخرة ، ولا يتمكن من الارتقاء إلى الدرجات العلى ، قال الله تعالى :

(وَابْتَغِ (١٧) فِيما آتاكَ اللهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ (١٨) الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ). (١٩)

ولقد أباح الله الطيبات للمؤمنين ، ونهاهم عن تحريمها والعزوف عنها :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ. وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ). (٢٠)

وأنكر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم على النفر الذين أراد أحدهم أن يصوم الدهر ولا يفطر ، والثاني أن يصلي الليل أبدا ولا ينام ، والثالث أن يعتزل النساء ولا يتزوج أبدا ، ظانين أنهم بذلك يصبحون أكثر عبادة وأقرب إلى الله تعالى. وقال لهم : «أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له ، لكني أصوم وأفطر ، وأصلي وأرقد ، وأتزوج النساء. فمن رغب عن سنني فليس مني» (٢١).

وبذلك يكون هذا المنهج ملائما للفطرة ، وملبيا لحاجات الإنسان المختلفة. أما المناهج الأخرى ، فكثيرا ما تتصادم مع الفطرة ، وتترك آثارا سيئة على النفس. مثل ذلك ما كان عليه الرهبان ، إذ كانت فضيلة الراهب تقاس بمهارته في ابتكار طرق جديدة وغريبة للتقشف ، وذلك عن طريق تعذيب الجسد بالجوع ، أو التغذية بغذاء غير مناسب ، وعدم النوم بما يكفيه ، وعن طريق ارتداء الملابس غير الكافية ، أو الوقوف وقفة غير طبيعية ، ومجهدة للغاية ، والبقاء على مثل هذا الوضع عدة شهور أو عن طريق عدم العناية بنظافة الجسد ، أو ربط الأطراف بالأربطة ، وبحمل السلاسل

٣٠٠