منهج التربية في القرآن والسنّة

عمر أحمد عمر

منهج التربية في القرآن والسنّة

المؤلف:

عمر أحمد عمر


المحقق: الدكتور وهبة الزحيلي
الموضوع : علم‌النفس والتربية والاجتماع
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع
المطبعة: مطبعة الصباح
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٣٦

__________________

(٢١٥) مملوءة خمرا

(٢١٦) سورة النبأ : ٣١ ـ ٣٦

(٢١٧) سورة مريم : ٩٦

(٢١٨) سورة القيامة : ٢٢ ـ ٢٣

(٢١٩) الخليقة

(٢٢٠) سورة البينة : ٧ ـ ٨

(٢٢١) سورة نوح : ١٠ ـ ١٢

(٢٢٢) سورة هود : ٥٢

(٢٢٣) لا يخطر بباله

(٢٢٤) كافيه

(٢٢٥) سورة الطلاق : ٢ ـ ٣

(٢٢٦) رواه أحمد وأبو داود والترمذي والحاكم والدار قطني

(٢٢٧) عصيانهن. والمرأة الناشز هي المرتفعة على زوجها التاركة لأمره المعرضة عنه

(٢٢٨) سورة النساء : ٣٤

(٢٢٩) رواه أصحاب السنن والمسند من حديث معاوية بن حيدة القشيري.

(٢٣٠) رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه والحاكم وصححه عن إياس بن عبد الله بن أبي ذئب.

(٢٣١) سورة المائدة : ٤٥

(٢٣٢) سورة البقرة : ١٧٩

(٢٣٣) سورة النور : ٢.

٢٦١

__________________

(٢٣٤) رواه الشيخان وأبو داود والنسائي والترمذي ، واللفظ له ، عن أبي هريرة وجابر وابن عباس.

(٢٣٥) المحصنة هي الحرة البالغة العفيفة

(٢٣٦) سورة النور : ٤

(٢٣٧) عقوبة لهما

(٢٣٨) سورة المائدة : ٣٨

(٢٣٩) سورة المائدة : ٣٣

(٢٤٠) رواه مسلم وأبو داود.

(٢٤١) مروج الذهب للمسعودي ج ٣ ص ٣٦٢

(٢٤٢) ،

(٢٤٣) آداب المعلمين ص ١٥ ـ ١٦ ، ٨٩

(٢٤٤) رواه البخاري ومسلم وأحمد والبيهقي من حدي أبي بردة.

(٢٤٥) المقدمة ص ٦٣٢ ـ ٦٣٣.

(٢٤٦) ،

(٢٤٧) ،

(٢٤٨) تاريخ التربية ـ عبد الله عبد الدائم ص : ١٤ ، ١٧ ، ٨٧ ـ ٨٨ ، ٢٢٨.

(٢٤٩) تاريخ التربية ـ عبد الله عبد الدائم ص : ٢٤٢ ، ٣٠٢ ، ٣١٠.

٢٦٢

الفصل السادس

مراحل التربية (*)

لا تقتصر تربية الإنسان على فترة محدودة من عمره ، وإنما تستغرق حياته كلها بل تسبق وجوده في هذه الدنيا ويمكننا تقسيمها إلى هذه المراحل الخمس :

١ ـ مرحلة ما قبل الولادة :

تبدأ هذه المرحلة باختيار الزوجة الصالحة التي ستصبح أما للأولاد ، وأول مربية لهم. فالطفل يتلقى من أبويه صفاتهما الجسمية عن طريق الوراثة ، ويكتسب كثيرا من طباعهما ، وأخلاقهما بطريق الإلف والعادة والقدوة. واختيار الزوجة الفاضلة شبيه بانتقاء الأرض الخصبة لتوضع فيها البذرة الجيدة ، فتنبت نباتا حسنا.

وقد أمر بذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقوله : «تخيروا لنطفكم ، فإن العرق دساس» (١)

وحين يريد الرجل أن يجامع امرأته ينبغي أن يذكر اسم الله ، وأن يدعوه ليحفظهما ونسلهما من غواية الشيطان.

عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال :

(لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله قال : باسم الله ، اللهم جنبنا الشيطان ، وجنب الشيطان ما رزقتنا. فإنه إن يقدر بينهما ولد في ذلك لم يضره الشيطان أبدا (٢)

ثم إن المعاشرة الحسنة بين الزوجين لها أثر جميل في صحة الجنين من الناحية الجسمية والنفسية ؛ فالحامل التي تشعر بالبهجة والسرور ، وتتناول الغذاء الجيد ، ستضع طفلا سليما أما التي تشعر بالبؤس والشقاء وتعاني من الجوع ونقص التغذية ، فستضع طفلا ضعيفا معرضا للعلل الجسدية والنفسية. ولهذا أمر الله بالإحسان إلى الزوجات ومعاشرتهن بالمعروف.

__________________

(*) نشر هذا الفصل في مجلة الثقافة الإسلامية عدد ٤١ تاريخ رجب ١٤١٢ ه‍ ـ كانون الثاني ١٩٩٢ ص ١٧٠ ـ ١٨٣.

٢٦٣

٢ ـ مرحلة الطفولة الأولى :

تمتد هذه المرحلة من الولادة إلى سن التمييز. وحين ولادة الطفل يستحب الآذان في أذنه اليمنى والإقامة في اليسرى ، ليكون الذكر أول ما يطرق سمعه ، فتشمله بركته.

عن أبي رافع ـ رضي الله عنه ـ قال : رأيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أذن في أذن الحسن بن علي حين ولدته فاطمة ، رضي الله عنهم (٣).

ثم يستحب أن ترضعه أمه من ثدييها ، فلبن الأم خير غذاء للطفل لأنه نظيف خال من الجراثيم ، ونسبة الدم والسكر فيه مناسبة للمولود ، وتتغير هذه النسبة مع نمو الطفل لتبقى مناسبة له دوما ، ولبن الأم يتميز بميزة خاصة بسبب مكوناته المتفردة من الحمض الأميني ، فمثلا يشتمل لبن البقرة على عدد من الأحماض الأمينية بمقادير تزيد من ثلاثة إلى أربعة أضعاف مقاديرها في لبن الأم. كما يوجد فرق في النسب المئوية التي توجد بها الأنواع المختلفة من الأحماض الأمينية في كل من لبن الأم ولبن البقرة. والكثير من الخمائر اللازمة لتحليل الأحماض الأمينية المختلفة لا تكون موجودة بالقدر المناسب عند الأطفال حديثي الولادة. ولذلك فإن الأطفال ـ خاصة المولودين قبل اكتمال فترة النمو الطبيعي ـ الذي يتغذون على لبن البقرة قد يواجهون ارتفاعا في نسبة الأحماض الأمينية في الدم ، ويستمر ذلك الارتفاع عدة أسابيع ، وقد تسبب هذه التغذية غير الملائمة بعض أنواع القصور العقلي ؛ وذلك لأن المخ والجهاز العصبي يمران بتغيرات سريعة خلال سنوات الطفولة الأولى ، والدهن مكون مهم من مكونات هذا الجهاز ، فتناول أنواع من الأحماض الدهنية غير المناسبة يؤثر تأثيرا كبيرا على نموه.

ويكون الجهاز الهضمي للطفل المولود بعد فترة حمل طبيعية مهيئا لهضم وتمثيل لبن الأم ، إذ توجد لديه كل خمائر الهضم بمقادير مناسبة للبن الأم.

ويتغير تكون لبن الأم خلال كل رضعة ، فيحتوي في نهايتها أربعة أمثال ما يحتويه في أولها من الدسم ، وتزداد نسبة البروتين مرة ونصف ، أما نسبة سكر اللبن فتبقى دون تغيير. وهذا يحقق إشباعا لجوع الرضيع من ناحية وريا لعطشه من ناحية أخرى ويحتوي لبن الأم على الأملاح المعدنية والمعادن النادرة بالكميات المعادلة لمتطلبات النمو ، كما يحتوي على فيتامين" د" الذي يمنع حدوث الكساح ، وعلى

٢٦٤

الأجسام المضادة لكثير من الأمراض المعدية ، وهي تمنح الرضيع الحصانة والمناعة ضد البكتريا. ولبن الأم بجنب الطفل كثيرا من أمراض الحساسية.

أما لبن الأبقار وغيرها من الثديات فلا يناسب لتغذية الرضيع ، ولا يحتوي على المواد التي يحتاج إليها ، ولا يستطيع جهازه الهضمي أن يهضمه ؛ فيخلف كميات كبيرة من المواد البروتينية الغريبة والقاسية ، ويسبب حمى الإسهال ، ويجهد الكلى حتى تتمكن من طرح المواد والأملاح الزائدة عن حاجة الجسم (٤).

أضف إلى ذلك أن الطفل يشعر بالعطف والحنان حين تضعه أمه في حجرها ، وتلقمه ثديها ، مما يكون له أثر كبير في نموه وانفعالاته.

ولهذا أوصى الله الوالدات برضاع أولادهن فقال سبحانه :

(وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ). (٥)

والحد الأدنى للرضاعة من ثدي الأم هو ستة أشهر ، وذلك لحماية الطفل من الالتهابات ومن الحساسية. وهذه الحماية ضرورية بصفة خاصة في الأشهر الأولى من الولادة ، حين يكون الطفل سريع التأثر ، ويكون لبن الأم هو الغذاء الوحيد المناسب له (٦).

وإذا وجد ما يمنع الأم من إرضاع ولدها ، فلا حرج في التماس مرضع له ، على أن تكون ذات صحة جيدة ، وعقل كبير وخلق حسن ، فهذا أفضل من تقديم لبن الحيوانات للرضيع ، سواء أكان اللبن طازجا أم مجففا. قال الله تعالى :

(وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ). (٧)

ويجب أن يسمى المولود باسم حسن : عن أبي الدرداء ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم فأحسنوا أسماءكم» (٨)

وأحسن الأسماء أسماء الأنبياء تفاؤلا بالاقتداء بهم وتبركا بذكر أسمائهم ، وأحب الأسماء إلى الله ما اشتمل على كلمة عبد مضافة إلى اسم من أسمائه الحسنى. وأصدق الأسماء حارث وهمام ، لأن حارثا يدل على الكسب والسعي ، وهماما يدل على الهم والطلب ، وكل إنسان لا يخلو من ذلك ، وأقبح الأسماء حرب ومرة ، لما فيهما من البشاعة والعنف والمرارة.

عن أبي وهب الجشعي رضي الله عنه ـ عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال :

«تسموا بأسماء الأنبياء. وأحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن ، وأصدقها حارث وهمام. وأقبحها حرب ومرة (٩)»

٢٦٥

وكان من هدي الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم تغيير الاسم القبيح باسم حسن عن سعيد بن المسيب عن أبيه أن أباه جاء إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : ما اسمك؟ قال : حزن (١٠). قال : أنت سهل (١١)».

وذلك لأن الحزن ضد السهل ، وهو ما غلظ من الأرض ، ويدل على الشدة والصعوبة.

وعن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أن ابنة لعمر كانت يقال لها عاصية فسماها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جميلة (١٢).

ويستحب أن تذبح شاة في اليوم السابع من عمر الطفل ، وأن يدعى الأقارب والأصحاب والجيران ليعلموا به ، ويحيطوه بعطفهم ورعايتهم ، أو أن يتصدق بلحمها على المساكين ، ويهدى للجيران والأرحام. وهذه الذبيحة تسمى بالعقيقة. ويستحب أن يحلق رأسه حينئذ ويتصدق بوزن شعره من الذهب أو الفضة ، وأن يلطخ رأسه بطيب كزعفران ، لأنه ينعش النفس :

عن سمرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال :

«الغلام مرتهن بعقيقته ، تذبح عنه يوم السابع ، ويحلق رأسه ويسمى» (١٣).

وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال : عق النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن الحسن بشاة ، وقال : يا فاطمة! احلقي رأسه ، وتصدقي بزنة شعره فضة. فوزناه ، فكان درهما أو بعض درهم (١٣).

ويستحب أن يختن الغلام في ذلك الحين.

وبعد ذلك ينبغي بر الأبناء وغمرهم بالعطف والرحمة :

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الحسن بن علي وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالسا ، فقال الأقرع : إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحدا! فنظر إليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم قال : «من لا يرحم لا يرحم (١٤)»

وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : جاء أعرابي إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : أتقبلون الصبيان! فما نقبلهم. فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم «أو أملك لك أن نزع الله من قلبك الرحمة (١٥)».

وقال أسامة بن زيد ، رضي الله عنهما : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يأخذني فيقعدني على فخذه ، ويقعد الحسن على فخذه الآخر ، ثم يضمهما ، ثم يقول : اللهم ارحمهما فإني أرحمهما (١٦).

٢٦٦

وكان صلى‌الله‌عليه‌وسلم يعطف على الصغار ، ويشعرهم بالرحمة في كل أحواله ، لا يمنعه من ذلك قيامه للخطبة أو الصلاة :

عن عبد الله بن بريدة عن أبيه ـ رضي الله عنهما ـ أنه قال : رأيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يخطب ، فجاء الحسن والحسين ـ رضي الله عنهما ـ وعليهما قميصان أحمران ، يمشيان ويعثران. فنزل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فحملهما ، ووضعهما بين يديه ثم قال : (صدق الله عزوجل : (إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ). نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران ، فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما) (١٧).

وعن عبد الله بن شداد عن أبيه قال : (خرج علينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في إحدى صلاتي العشاء ، وهو حامل حسنا أو حسينا ، فتقدم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فوضعه ، ثم كبر للصلاة فصلى ، فسجد بين ظهراني صلاته سجدة أطالها. قال أبي : فرفعت رأسي ، وإذا الصبي على ظهر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو ساجد ، فرجعت إلى سجودي. فلما قضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الصلاة قال الناس يا رسول الله! إنك سجدت بين ظهراني صلاتك سجدة أطلتها حتى ظننا أنه قد حدث أمر ، أو أنه يوحى إليك؟ قال : «كل ذلك لم يكن ، ولكن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته» (١٨).

ولا تمنع الصلاة من حمل الطفل وإشعاره بالعطف.

عن أبي قتادة الأنصاري (أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يصلي وهو حامل أمامه بنت زينب بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فإذا سجد وضعها ، وإذا قام حملها» (١٩).

فكان يحملها على عاتقه ، حتى إذا أراد أن يركع أخذها فوضعها ، ثم ركع وسجد ، حتى إذا فرغ من سجوده قام وأخذها ، فردها في مكانها. ولعل السر في حملها أن يدفع ما كانت تألفه العرب من كراهة البنات وحملهن ، فخالفهم في ذلك حتى في الصلاة ، للمبالغة في ردعهم. والبيان بالفعل قد يكون أقوى من القول.

وبهذا ينشأ الطفل محبا لوالديه وأقاربه ، ويشب على احترام الكبار وإكرامهم.

وفي هذه المرحلة يعرف الطفل بربه ، ويبين له أن الله هو الخالق المنعم بكل شيء ويغرس في قلبه حب الله ورسوله. وفيها يتعلم الطفل الكلمات ، فيجب أن يجنب الكلمات البذيئة ، وأن يعود على النظافة وآداب الطعام والشراب ، ويعلم ما يسهل عليه من سورة القرآن الكريم.

٢٦٧

٣ ـ مرحلة التمييز :

يصبح الطفل واعيا مميزا بين السادسة والسابعة من عمره ، وهذه هي السن التي يرسل فيها الأولاد إلى المدارس الابتدائية ليتعلموا القراءة والكتابة. ويجب تعليمهم تلاوة القرآن الكريم وتحفيظهم العديد من سوره وأجزائه.

ولقد كان أسلافنا يعلمون الطفل القرآن ، فيتقوم لسانه ، ويصبح نطقه بالحروف سليما ، ويصير فصيحا بليغا. أما المدارس التي تهمل تعليم القرآن الكريم ، أو تعتبره مادة ثانوية قليلة الأهمية ، فإنها مهما خصصت من الساعات لتعليم اللغة العربية لا تستطيع أن تجعل التلاميذ يتقنونها. ويبقى أحدهم يتعثر في قراءته ويخطئ في كتابته ، ولا يستطيع التعبير عن أفكاره بأسلوب بليغ ، حتى فشا اللحن بين الطلاب في أعلى المستويات.

وقد وجدت علوم اللغة في الأصل لخدمة القرآن الكريم ؛ فإذا جعلناه أساسا في التعليم ، وجعلنا النحو والصرف وقواعد الإملاء والبلاغة وسيلة لحفظه أمكننا حفظ القرآن واللغة التي نزل بها. أما إذا أهملنا القرآن أو قللنا من أهميته ، واعتبرنا اللغة غاية بذاتها ، فإنا نعرضها وإياه للضياع لو لا أن تكفل الله بحفظه.

ولا يوجد دافع يجعل الطالب يعتبر اللغة العربية الفصحى غاية ، ويحرص على تعلمها لذاتها ، لا سيما وهو يتكلم اللهجة العامية ، ويسمع أهله والناس حوله يتكلمون بها ، ولكنه حين يعلم أنها لغة الكتاب الذي أنزله الله ، وأمره بترتيله ، وتدبره والاهتداء بهديه ، فإنه يحرص على تعلمها وحفظ قواعدها وعلومها. ولقد أدرك الأدباء والكتاب هذا مؤخرا ، مما جعل مجمع اللغة العربية بالقاهرة في مؤتمر الدورة الحادية والخمسين سنة ١٩٨٥ م يوصي" بأن تزود مكتبات مدارس التعليم العام بتسجيلات المصحف المرتل ، لتمكين الطلبة من محاكاة الفصحى والنطق بها نطقا سليما ، وأن تهتم وزارات التربية بزيادة رصيد الطلبة من محفوظات القرآن الكريم ، ليزداد وعيهم بالألفاظ والأساليب القرآنية". (٢٠)

ولا ضير من تعليم الطلاب العرب غير المسلمين القرآن الكريم وتفسيره لهم وبيان أحكامه ، ودعوتهم إلى العمل به. وليس في ذلك إكراه لهم على اعتناق الإسلام ولا يجوز لعربي أن يجهل الكتاب الذي حفظ لغة أمته ، وجعل لها حضارة وأمجادا تعتز بها.

٢٦٨

وذهب القاضي أبو بكر بن العربي إلى تقديم تعليم العربية والشعر على سائر العلوم ، لأن الشعر ديوان العرب ، ثم ينتقل منه إلى الحساب فيتمرن فيه حتى يرى القوانين. ثم ينتقل إلى درس القرآن فإنه متيسر له بهذه المقدمة.

ووجه تقديم دراسة القرآن كما قال ابن خلدون" إيثار التبرك والثواب ، وخشية ما يعرض للولد في جنون الصبا من الآفات والقواطع عن العلم ؛ فيفوته القرآن. لأنه ما دام في الحجر منقاد للحكم. فإذا تجاوز البلوغ ، وانحل من ربقة القهر ، فربما عصفت به رياح الشبيبة ، فألقته بساحل البطالة. فيغتنمون في زمان الحجر وربقة الحكم تحصيل القرآن ، لئلا يذهب خلوا منه. ولو حصل التيقن باستمراره في طلب العلم وقبوله التعليم لكان المذهب الذي ذكره القاضي أولى.

ويرى ابن خلدون أن تعليم الصنائع والكتابة والحساب ينمي العقل ، ومن قوله : «والملكات الصناعية تفيد عقلا. والكتابة من بين الصنائع أكثر إفادة لذلك ، فإنها تشتمل على العلوم والأنظار بخلاف الصنائع. وبيانه أن في الكتابة انتقالا من الحروف الخطية إلى الكلمات اللفظية في الخيال ، ومن الكلمات اللفظية في الخيال إلى المعاني التي في النفس .. فيحصل لها ملكة الانتقال من الأدلة إلى المدلولات ، وهو معنى النظر العقلي الذي يكسب العلوم المجهولة ، فيكسب ذلك ملكة من التعقل ، تكون زيادة عقل ويحصل به قوة فطنة وكيس في الأمور لما تعوده من ذلك الانتقال. ويلحق بذلك الحساب ، فإن في صناعة الحساب نوع تصرف في العدد بالضم والتفريق يحتاج فيه إلى استدلال كثير ، فيبقى متعودا للاستدلال والنظر. وهو معنى العقل. والله أعلم (٢١). وفي هذه المرحلة يتعلم التلاميذ مبادئ الرياضيات والعلوم والجغرافية والتاريخ وغيرها. وينبغي أن يكون ما يتعلمونه متناسبا مع قدراتهم وميولهم ومع بيئتهم وواقعهم ، وذا أثر في نموهم الجسمي والعقلي والوجداني وصقل مواهبهم.

ولا يجوز أن توضع المناهج المدرسية جزافا ، وأن يوكل وضعها وتغييرها إلى غير الأكفاء. فمثل هذه المناهج قد تعرقل نمو الطلاب ، وتنفرهم من المدرسة ، وتكون حجر عثرة في طريق الرقي. ولكن يجب أن يعهد بوضعها إلى مربين حكماء وباحثين مخلصين ، يقيسون ذكاء الطلاب في كل مرحلة من مراحل الدراسة ، ويتعرفون على قدراتهم وميولهم واهتماماتهم ، ويصنفونهم على مستويات مختلفة ، ويضعون لكل صنف ما يناسبه ، فيراعون الفروق الفردية ويجعلون مناهجهم شاملة للناحيتين النظرية والعملية ، وللجوانب الجسمية والعقلية والنفسية والروحية ، ومناسبة للمجتمع والبيئة ويسعون لتكوين علماء عاملين وأتقياء مخلصين.

٢٦٩

ويتم التلاميذ في هذه المرحلة الدراسة الابتدائية ، فتصبح لديهم القدرة على القراءة والكتابة وفهم ما يقرؤنه ، والتعبير عن آرائهم بأسلوب صحيح واضح. ثم يتابعون الدراسة الإعدادية ، فيكملون تحصيلهم ، وتنضج شخصيتهم ، وتتضح استعداداتهم واتجاهاتهم ، ويوجهون نحو ما ينفعهم ويرفع أمتهم.

ويكمل الوالدان مهمة المدرسة. وأهم ما يجب الحرص عليه هو تعليم أركان الإسلام والإيمان والأحكام الأساسية في الدين ، والقيام بالصلاة ، والتحلي بالأخلاق الحميدة والآداب الرفيعة.

عن أيوب بن موسى عن أبيه عن جده عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال :

«ما نحل والد ولدا من نحل أفضل من أدب حسن» (٢٢).

ولا ينكر أثر المجتمع في تربية الطفل بعد أن يخرج من نطاق الأسرة ويختلط بالآخرين. فبإمكان هؤلاء أن يعلموه قواعد التعامل مع الناس ، ويجعلوه يحترمهم ويحافظ على حقوقهم ، ولهذا كان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم يسلم على الصبيان ، ويداعبهم ويكرمهم :

عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ (أنه مر على صبيان فسلم عليهم ، وقال كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يفعله) (٢٣).

مرحلة البلوغ والرشد :

يكمل الطلاب في هذه المرحلة دراستهم في المدارس الثانوية والمعاهد والكليات الجامعية ، ثم يتوجهون للقيام بالأعمال التي يحصلون منها على دخل مناسب. كما يمكنهم العمل من بداية هذه المرحلة. على أنه لا يجوز الانقطاع عن المطالعة ودراسة الكتب النافعة ، بل يجب الاستمرار في التعلم والمضي في طريق التربية. ولهذا يجب التشجيع على المطالعة وتوفير الكتب وإعداد المكتبات والاهتمام بذلك كاهتمامنا بالطعام والشراب. فلا تنهض الأمم بغير العلم ولا تتقدم الشعوب بدون المعرفة. والعلم يؤدي إلى اتقان العمل ، والعمل وسيلة للحصول على العلم.

وفي هذه المرحلة تنضج غريزة الإنسان ، ويصبح لديه ميل نحو الجنس الآخر ، فيجب معالجة ذلك بالصبر والعفة. قال الله تعالى :

٢٧٠

(وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) (٢٤)

والصوم يعين الشباب على العفاف وغض البصر وحفظ الفرج ، كما يعينهم على ذلك منع النساء من إظهار زينتهن لغير أزواجهن ومحارمهن ، ومنع الاختلاط بين الجنسين ، ومنع كل ما يؤدي إلى إثارة الشهوات من روايات ومسرحيات وصور ماجنة.

ويستمر هذا العلاج حتى يتزوج الشاب. وقد حث الإسلام على الزواج لأنه الطريق الطبيعي لإرواء الدوافع الفطرية ، والوسيلة الأساسية للمحافظة على كيان المجتمع وإمداده بعناصر جديدة. قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم» (٢٥).

والودود : المحبوبة بما هي عليه من خصال الخير وحسن الخلق والتحبب إلى زوجها.

والودود : كثيرة الولادة. ويعرف ذلك في البكر بحال قريباتها.

وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «تناكحوا تكثروا فإني أباهي بكم الأمم يوم القيامة» (٢٦).

ولا ينبغي أن يكون الفقر عائقا دون الزواج ، فقد وعد الله المتزوجين بالغنى واليسار :

(وَأَنْكِحُوا الْأَيامى (٢٧) مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ (٢٨) إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ). (٢٩)

وحذر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الامتناع عن تزويج الأكفياء الصالحين :

عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

«إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه. إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض» (٣٠).

وقد نهى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن المغالاة في المهور ، ورغب في تيسير الزواج فقال :

«أعظم النساء بركة أيسرهن صداقا» (٣١).

«خير الصداق أيسره» (٣٢).

فالمجتمع الإسلامي يمنع الفاحشة ، ويعاقب من يفعلها ، ويضيق كل السبل المؤدية إليها. ويرغب في الزواج ويزيل ما يقف في سبيله من عقبات ؛ مما يؤدي إلى صون الشرف والكرامة ، وحفظ العرض والنسل ، وانطلاق الفرد للعلم والعمل. أما المجتمعات الفاسدة المنحلة فإنها تغري بالفاحشة ، وتسهل ارتكابها ، وتستهين بالزواج

٢٧١

وتضع العوائق في طريقه : مما يؤدي إلى انهيار الأسرة ، والتحلل من الأخلاق ، وانتشار البؤس والشقاء.

وبعد ذلك يصبح الرجل أبا ومربيا لأولاده ، وقد يعهد إليه بتربية أولاد غيره في المؤسسات التربوية ، وبهذا يرد إلى المجتمع ما عليه من ديون ؛ فقد أتاح له مجتمعه العيش الكريم والتربية القويمة ، ووفر له الكثير من الخدمات ، وأنفق عليه المبالغ الضخمة حتى بلغ أشده واستوى. وحين يكون أسرة ، ويسهم في تربية أولاده وغيرهم ويعمل في بعض المجالات النافعة ، فإنه يقضي دينه ، ويرد الحقوق إلى أصحابها ؛ فيعلو صرح المجتمع ، وتتصل حلقات التربية ، ويصبح أبناؤه علماء مؤمنين. قال الله تعالى :

(يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ). (٣٣)

مرحلة الكبر والشيخوخة :

الشيخوخة هي المرحلة الأخيرة في حياة الإنسان. قال الله تعالى :

(هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ (٣٤) ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ). (٣٥)

وفي هذه المرحلة يعود الإنسان ضعيفا كما كان في مرحلة الصغر :

(اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ). (٣٦)

وحينئذ يضعف عقله كما يضعف جسمه ، وتضعف ذاكرته ، وينسى الكثير مما تعلمه : (وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ (٣٧) لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً). (٣٨)

وخير مكان يقضي فيه الشيخ أيامه الأخيرة هو بيته الذي قضى فيه شبابه ، بين أبنائه وأحفاده ، ووسط جيرانه وأصحابه ، حيث يبادلونه الحب ، ويشعرونه بالاحترام ويستفيدون من تجاربه في الحياة ، ويقتبسون منه الحكمة ، ويتلقون منه العلم والخلق

٢٧٢

أما تخصيص دور للعجزة فأمر غير إنساني ، وعادة غريبة عن دار الإسلام ، حيث يصبح العاجز فيها كالشجرة الكبيرة التي قطعت جذورها وقلعت من تربتها ، ووضعت في تربة غير صالحة لها ؛ فسرعان ما تموت.

وكذلك فإن العاجز في هذه الدور يشعر بالغربة وبعزوف ذويه عنه ، ويصعب عليه التكيف في مجتمعه الجديد ، ولا يمكنه تكوين صداقات جديدة ، فينزوي على نفسه ، وتسوء حاله ، حتى يأتي أجله.

وقد أمر الله ـ سبحانه وتعالى ـ بالإحسان إلى الوالدين ، حتى إنه قرن ذلك بالأمر بإفراده بالعبادة في كثير من الآيات ، وأمر بالتواضع لهما والرفق بهما والصبر على أخلاقهما حين الكبر. ونهى عن كل إزعاج لهما ، وأشار إلى وجوب إسكانهما مع الابن في قوله :

(وَقَضى (٣٩) رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍ (٤٠) وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيماً وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِ (٤١) مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً). (٤٢)

وحذر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم من تضييع الكبير وعدم احترامه فقال :

ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا» (٤٣)

ووعد من يكرم الكبير بالتكريم حين يكبر :

عن أنس رضي الله عنه ـ عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال :

«ما أكرم شاب شيخا لسنه إلا قيض الله له من يكرمه عند سنه» (٤٤)

ولا ينبغي للشيخ أن يتوانى في طلب العلم ، بل عليه أن يستدرك ما فاته ، ويراجع ما حصله ، ويتذكر ما نسيه.

قيل لأبي عمرو بن العلاء هل يحسن بالشيخ أن يتعلم؟

قال : إن كان يحسن به أن يعيش فإنه يحسن به أن يتعلم (٤٥)

وبالإضافة إلى هذا فإن عليه أن يقدم علومه التي حصلها وخبرته التي اكتسبها وحكمته التي أوتيها لمن يخلفه من بعده ، حتى لا يذهب العلم بموت العلماء.

٢٧٣

هوامش الفصل السادس

__________________

(١) رواه ابن ماجه من حديث عائشة مقتصرا على أوله. وروى أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من حديث أنس : «تزوجوا في الحجر الصالح ، فإن العرق دساس». وروى أبو موسى المديني في كتاب تضييع العمر والأيام من حديث ابن عمر : «وانظر في أي نصاب تضع ولدك فإن العرق دساس». وكلاهما ضعيف.

(٢) رواه البخاري ومسلم ، واللفظ له ، وأبو داود والترمذي والنسائي.

(٣) رواه أبو داود والترمذي وصححه.

(٤) الرضاعة الطبيعية : ١٠٥ ، ١٠٨ ـ ١١٠ ، ١٣٨ ، ١٤٥ ، ١٥٢ ، ١٥٥ ، ١٥٩ ، ١٦٤

(٥) سورة البقرة : ٢٣٣

(٦) الرضاعة الطبيعية ص : ١٢٩

(٧) سورة البقرة : ٢٣٣

(٨) رواه أبو داود.

(٩) رواه أبو داود والنسائي وأحمد

(١٠) وهو حزن بن أبي وهب ، جد سعيد بن المسيب

(١١) رواه البخاري وأحمد وأبو داود

(١٢) رواه مسلم وأبو داود والترمذي.

(١٣) رواه أبو داود والترمذي والنسائي.

(١٤) رواه البخاري وأبو داود والترمذي.

(١٥) رواه الشيخان

(١٦) رواه البخاري

(١٧) رواه الترمذي. والآية في سورة التغابن : ١٥

(١٨) رواه النسائي والحاكم

(١٩) رواه الشيخان وأحمد والنسائي وأبو داود.

(٢٠) مجلة الدوحة العدد ١١٤ ص ١٣٢.

(٢١) المقدمة لابن خلدون ص ٤٧٨ ـ ٤٧٩ ، ٦٣٢.

(٢٢) رواه الترمذي والحاكم. ومعنى نحل : وهب

(٢٣) رواه الشيخان وأبو داود والنسائي.

(٢٤) سورة النور : ٣٣

٢٧٤

__________________

(٢٥) رواه أحمد ، وصححه ابن حبان عن أنس ، ورواه أبو داود والنسائي والحاكم وصححه من حديث معقل بن يسار.

(٢٦) أخرجه أبو يعلى من حديث ابن عباس بسند حسن

(٢٧) جمع أيم ، أي من لا زوج له ذكرا أو أنثى بكرا أو ثيبا.

(٢٨) جمع أمة ، وهي الجارية المملوكة. والمقصود كل امرأة غير متزوجة.

(٢٩) سورة النور : ٣٢

(٣٠) رواه الترمذي في كتاب النكاح

(٣١) رواه أحمد والبيهقي والحاكم من حديث عائشة. والصداق : المهر.

(٣٢) أخرجه أبو داود وصححه الحاكم من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه.

(٣٣) سورة المجادلة : ١١

(٣٤) تكامل قوتكم من الثلاثين سنة إلى الأربعين.

(٣٥) سورة غافر : ٦٧

(٣٦) سورة الروم : ٥٤

(٣٧) اخسه من الهرم والخرف

(٣٨) سورة الحج : ٥

(٣٩) أمر

(٤٠) مصدر بمعنى تبا وقبحا

(٤١) أي ألن لهما جانبك

(٤٢) سورة الإسراء : ٢٣ ـ ٢٤.

(٤٣) رواه الترمذي من حديث ابن عباس رضي الله عنهما

(٤٤) رواه الترمذي

(٤٥) العقد الفريد لابن عبد ربه ، اختيار د. محمود يوسف زايد ق ١ ص : ٨٤.

٢٧٥

الفصل السابع

المؤسسات التربوية (*)

يتلقى الإنسان التربية في أماكن مختلفة ، يقوم بالعملية التربوية فيها منظمات عديدة ، أهمها : الأسرة والمسجد والمدرسة والمكتبة والمجتمع. وهذه نبذة عن كل منها.

١ ـ الأسرة

الأسرة هي المؤسسة التربوية الأولى في حياة الإنسان ، فأول ما يفتح عينيه يجد نفسه في حضن أمه وأبيه بين إخوته وأخواته.

وفيها يحصل على الطعام الذي يؤدي إلى نمو جسمه ، ويتعلم اللغة التي تمكنه من التعلم بخطوات سريعة ، ويتلقى أصول العقيدة والأخلاق ، ويقوم بالعبادات المفروضة ، ويتحلى بالآداب الرفيعة ، ويكتسب العادات الحسنة ، وتنشأ بينه وبين أفراد أسرته علاقات تجعله سعيدا أو كئيبا. ومنفتحا علي الناس أو منزويا على نفسه وتحدد معالم شخصيته ، وترسم ملامح صورته.

وقد بين الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم الدور الخطير الذي تقوم به الأسرة ، وتأثيرها العظيم على عقيدة الطفل ونظرته إلى الحياة بقوله :

كل مولود يولد على الفطرة ، وأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه» (١)

فالطفل يولد سويا ، لديه القابلية ليكون مسلما موحدا لله ، لكن أبويه يجعلانه يهوديا إذا كانا يهوديين ، أو نصرانيا إذا كانا نصرانيين ، أو مجوسيا إذا كانا مجوسيين يعبدان النار. وهما يتحملان عاقبة فعلهما ، فيثابان إذا جعلا ألادهما مؤمنين صالحين ، ويعذبان إذا حالا بينهم وبين الإيمان ، وجعلاهم كافرين فاسقين.

ولا إثم عليهما إن فعلا غاية وسعهما لتنشئة الأولاد على الإيمان والعبادة والخلق الحميد ، وصار الولد طاغيا فاجرا.

__________________

(*) نشر هذا الفصل في مجلة الثقافة الإسلامية عدد ٤٠ تاريخ جمادى الأولى ١٤١٢ ه‍ ـ تشرين الثاني ١٩٩١ ص ١٦٠ ـ ١٧٣.

٢٧٦

وقد جعل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم تأديب الولد وحسن تربيته أفضل من مساعدة الآخرين والإحسان إلى المحتاجين ؛ وذلك لأن التربية أعظم أثرا وأكثر نفعا من الصدقة.

عن جابر بن سمرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال :

«لأن يؤدب الرجل ولده خير من أن يتصدق بصاع» (٢).

ولا أريد الخوض في المشكلات الناشئة عن تربية الولد البكر والوحيد ، والذكر بين أخواته الإناث ، والأنثى بين إخوتها الذكور ، مما هو مذكور في علم نفس الطفل. فالله هو الذي خلق الذكر والأنثى ، ومن الواجب الرضى بعطائه والعمل على مرضاته ، قال تعالى :

(لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ ما يَشاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ. أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ) (٣)

وقد اعتبر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم تربية البنات أعظم أجرا لما هن عليه من رقة الجانب وشدة الانفعال ، ولأن الناس في الجاهلية كانوا يكرهون البنات ويفضلون البنين.

عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

«من بلي من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كن له سترا من النار» (٤)

وعن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال «من كان له ثلاث بنات أو ثلاث أخوات أو ابنتان أو اختان فأحسن صحبتهن ، واتقى الله فيهن فله الجنة» (٥)

ولا يقتصر دور الأسرة في التربية على مرحلة الطفولة ، بل يستمر طيلة مراحل العمر ، وإن كان يعظم أثره في تلك المرحلة. ثم إن الوالدين هما أول من يجني ثمرات التربية الصالحة لأولادهم ، وذلك حين يكبرون ويصبحون بارين بهم.

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «رحم الله والدا أعان ولده على بره» (٦)

٢٧٧

٢ ـ المدارس

نشأت الحاجة إلى المدارس مع رقي المجتمع وازدهاره وتعقد سبل الحياة وعجز الوالدين عن تعليم أولادهم ما يحتاجون إليه ، وزادت أهميتها مع تعلم الإنسان القراءة والكتابة. وازدادت المدارس زيادة ملموسة مع انتشار الإسلام الذي فرض على أبنائه طلب العلم.

وكانت تسمى في العصور السابقة بالكتاتيب.

ومما يدل على عناية المسلمين بالمدارس وإقبال الناس عليها في ظل الإسلام قول العلامة" حسن حسني عبد الوهاب" عن ظهور الكتاتيب في افريقية : «لا مراء أن الغزاة العرب من الصحابة وتابعيهم لما فتحوا افريقية أواسط القرن الأول للهجرة ، كان الكثير منهم في عيالهم وذراريهم ، فعند ما أناخوا بعسكرهم وخطوا" قيروانهم" أول ما أنشؤوا الدور والمساجد ، ثم التفتوا إلى تعليم صبيانهم ، فاتخذوا لهم محلا" كتابا" بسيط البناء يجتمعون فيه لقراءة كلام الله العزيز ، لما كان لأولئك الأفاضل من العناية الكبرى بأمر دينهم القويم ، وهم القائمون بنشر دعوته ، المكلفون بركز دعامته سواء بين الأقارب أو الأباعد من أبناء الشعوب المغلوبة على أمرها أو المؤلفة قلوبها .. ولم يزل شأن الكتاتيب في نمو ، وعددها في ازدياد وتكاثر في العاصمة وفي المدائن الإفريقية الكبيرة" كتونس وصفاقس وسوسة" حتى لم يخل منها درب من الدروب أو حي من الأحياء. وربما تعددت الكتاتيب في الحارة الواحدة مثلما تعددت المساجد في الحارات» (٧)

ولم يكن الكتاب غير غرفة يجلس فيها التلاميذ على الحصر والجلود. ويجلس أمامهم شيخ جليل يعلمهم القرآن الكريم ومبادئ القراءة والكتابة ، وقد يعلمهم الحساب والشعر والنحو والخطابة. قال" سحنون" :

" ويلزمه أن يعلمهم الوضوء والصلاة ، لأن ذلك دينهم"(٨)

وكان أهل المشرق يبدؤون بتعليم الطفل الخط والحساب والعربية ، فإذا حذق كله أو حذق منه ما قدر له خرج إلى المقرئ ، فلقنه كتاب الله فحفظ منه كل يوم ربع حزب أو نصفه أو حزبا ، حتى إذا حفظ القرآن خرج إلى ما شاء الله من تعليم أو تركه وكان عنايتهم بدراسة القرآن وصحف العلم وقوانينه في زمن الشبيبة (٩).

أما أهل الأندلس فكانوا إذا عقل الصبي علموه كتاب الله ، فإذا حذقه نقلوه إلى الادب ، فإذا نهض منه حفظوه الموطأ ، فإذا لقنه نقلوه إلى المدونة (١٠).

ذكر ابن خلدون أن مذهب أهل الأندلس تعليم القرآن والكتاب من حيث هو ،

٢٧٨

ولا يقتصرون عليه ، بل يخلطون في تعليمهم للولدان رواية الشعر والترسل ، وأخذهم بقوانين العربية وحفظها ، وتجويد الخط والكتاب.

وكذلك كان أهل افريقية يخلطون في تعليمهم للولدان القرآن بالحديث في الغالب ومدارسة قوانين العلوم ، وتلقين بعض مسائلها إلا أن عنايتهم بالقرآن واستظهار الولدان إياه ، ووقوفهم على اختلاف رواياته وقراءاته أكثر مما سواه ، وعنايتهم بالخط تبع لذلك.

وأما أهل المغرب فكان مذهبهم في الولدان الاقتصار على تعليم القرآن فقط ، وأخذهم أثناء المدارسة بالرسم ومسائله واختلاف حملة القرآن فيه ، لا يخلطون ذلك بسواه في شيء من مجالس تعليمهم ، لا من حديث ولا من فقه ولا من شعر ولا من كلام العرب ، إلا أن يحذق فيه أو ينقطع دونه (١١).

وكان عدد التلاميذ قليلا ، وفيهم الكبير والصغير الذي لم يتجاوز الخامسة أو السادسة من العمر. وكان الشيخ يتقاضى أجرا منهم ، وكان متعففا يقنع بالقليل الذي يكفي لسد رمقه ، ويبتغي بعمله وجه الله تعالى. وكانت مدة الدراسة قصيرة لا تزيد على سنة أو سنتين إن لم تنقص عن ذلك ، وكانت تغلق أبواب الكتاب يوم الجمعة وأيام الأعياد الشرعية : يوما أو ثلاثة في عيد الفطر ، وثلاثة أيام أو خمسة في عيد الأضحى (١٢).

وكان التلميذ يترك الكتاب غالبا حين يختم القرآن الكريم ، ثم يعمل في الزراعة أو التجارة ، أو يمتهن إحدى المهن ، ويتابع تعليمه بين يدي العلماء الكبار إن كان من النابهين ، دون أن يمنعه طلب العلم من كسب العيش.

وتطورت المدارس ، فاتسعت وزاد عدد طلابها ، وزادت مدة الدراسة فيها مع اتساع المعرفة التي حصلت عليها البشرية خلال العصور المتتابعة ، حتى أصبحت مدة الدراسة تزيد على العشرين سنة ؛ وأصبحت منقسمة إلى درجات وأنواع مختلفة ، وأصبحت الواحدة منها تضم ما يزيد عن الألف من الطلبة.

وأصبح الآباء ملزمين بإرسال أبنائهم إلى المدارس الابتدائية في سن السادسة أو السابعة ، ليقضوا فيها نحوست سنوات.

وهناك رياض الأطفال أو دور الحضانة قبل المرحلة الابتدائية. ثم يتابع التلاميذ الذين تخرجوا من المدرسة الابتدائية الدراسة في المرحلة الإعدادية والثانوية ، ليقضوا نحو ثلاث سنوات في كل منهما. وأصبحت المدارس الثانوية متعددة الاختصاصات ،

٢٧٩

تشمل التعليم العام في فرع الآداب أو العلوم ، والتعليم الشرعي والمهني في الصناعة أو التجارة أو الزراعة ، وغير ذلك مما يطول شرحه. وينتقل الطالب الذي حصل على شهادة الدراسة الثانوية إلى المعاهد المتوسطة أو كليات الجامعة بأقسامها العديدة ، ويقضي نحو سنتين في الأولى وأربع سنين في الأخرى. ثم يكمل تخصصه في الدراسة الجامعية العليا خلال مثل ذلك من السنين.

وبعد هذا العناء الكبير الذي يستغرق نحو نصف أو ثلث عمر الإنسان ، ويكلف الأموال الكثيرة يحق لنا أن نسأل : هل استطاعت هذه المدارس أن تحقق أهداف التربية وهل تقدم المجتمع وقضى على الفساد والجهل وسائر أسباب التخلف؟ وهل أصبح الحائز على أعلى الشهادات الجامعية مختلفا في تفكيره ونظرته إلى الوجود وسلوكه وخلقه عن الذي لم يتلق تعليما قط؟ أم إن المجتمع تتعقد مشاكله ، وتتسع عوامل فساده! والمتخرج من أرقى الجامعات لا يتميز في سلوكه وجشعه وأنانيته عن غيره!

ألسنا نعاني من الغش وعدم الإتقان لشيء ، ومن الفوضى والاضطراب ، ومن الظلم والفساد ، ومن الأثرة والجشع ، ومن الرشوة والاحتكار ومن ضياع الأمانة وانتشار الخيانة ومن الكذب ونقض العهود ، وغير ذلك من الأمراض الاجتماعية والاقتصادية ، والخلقية!

وما فائدة المدارس إن لم تكن وسيلة لرقي المجتمع ، وما قيمة العلم إذا لم يؤد إلى سمو الإنسان! وما السبيل إلى هذا؟

إن السبيل إلى إصلاح الفرد والمجتمع هو صياغة التربية وفق منهج القرآن والسنة. ولا يعني هذا الاقتصار عليهما في التعليم ، بل جعلهما أساسا في التربية ، والانطلاق مما فيهما من الأحكام والأسس. ويجب أن تكون مناهج المواد المختلفة منبثقة من منهج القرآن والسنة ، وموافقة لهما ، وملائمة للطلاب الذين يدرسونها ، وللمجتمع الذي يعيشون فيه. ولا يتمكن من وضع هذه المناهج غير العلماء المؤمنين الذي نهلوا من معين القرآن ، واقتبسوا من نوره ، فتخلصوا من رواسب المجتمعات الجاهلية ، وطرحوا الأفكار الدخيلة على هذا الدين.

ولا يحسبن أحد أن مناهج الدول الغربية التي سبقتنا في مضمار الرقي والتقدم صالحة لبلادنا ، لأن المناهج يجب أن تكون متفقة مع عقيدة الذين وضعت لهم وملائمة لواقعهم. ثم إنا لا نريد تقدما في الناحية المادية وحدها كما حدث في تلك الدول الغربية ، إذ تقدمت صناعاتها ، واخترعت أجهزة لرفاهية الإنسان ، ولكنها اخترعت

٢٨٠