منهج التربية في القرآن والسنّة

عمر أحمد عمر

منهج التربية في القرآن والسنّة

المؤلف:

عمر أحمد عمر


المحقق: الدكتور وهبة الزحيلي
الموضوع : علم‌النفس والتربية والاجتماع
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع
المطبعة: مطبعة الصباح
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٣٦

٦ ـ التربية بالقدوة الحسنة

يميل الإنسان إلى تقليد الكبار والعظماء والاقتداء بهم. والتربية بالقدوة ذات أثر كبير في النفس يفوق أثر الكلام الجميل المنمق وقد اعتمد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم على هذه الطريقة في التربية ، ففي الحديبية أمر أصحابه بالتحلل من الإحرام بعد أن تم الصلح بينه وبين المشركين على أن يرجع المسلمون في ذلك العام ، ثم يؤدون العمرة في العام الذي يليه ، ولكن الصحابة كانوا في غاية الشوق إلى البيت الحرام والطواف بالكعبة المشرفة ، فصعب عليهم أن يرجعوا بدون زيارته ، وقد أصبحوا على مشارف مكة المكرمة ؛ فامتنعوا عن التحلل من الإحرام رجاء أن يغير الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم رأيه. ودخل ـ عليه الصلاة والسّلام ـ على أم سلمة رضي الله عنها ، فذكر لها ما لقي من الناس. فقالت : يا نبي الله! اخرج ولا تكلم أحدا منهم حتى تنحر بدنك (١٧٣) وتحلق شعرك. فخرج ونحر بدنه ، ودعا حالقه فحلقه. وما إن رأوا ذلك حتى أيقنوا أن الأمر لا رجعة فيه ، فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضا (١٧٤).

ولذا يجب على الآباء والمربين أن يكونوا قدوة حسنة لأبنائهم وتلاميذهم. فهؤلاء يمليون إلى محاكاتهم وينطبعون بطباعهم ، ويتأثرون بأخلاقهم وصفاتهم أكثر من تأثرهم بما يسمعونه منهم من النصائح والدروس.

وقد أدرك مربونا أهمية هذه الطريقة في التربية ، وأوصوا بالاعتماد عليها ؛ فقال عمرو بن عتبة لمعلم ولده : (ليكن أول إصلاحك لولدي إصلاحك لنفسك ، فإن عيونهم معقودة بعينك ، فالحسن عندهم ما صنعت والقبيح عندهم ما تركت. علمهم كتاب الله ولا تكرههم عليه فيملوه ، ولا تتركهم منه فيهجروه. وروهم من الحديث أشرفه ومن الشعر أعفه. ولا تنقلهم من علم إلى علم حتى يحكموه ، فإن ازدحام الكلام في القلب مشغلة للفهم. وعلمهم سنن الحكماء ، وجنبهم محادثة النساء ولا تتكل على عذر مني لك ، فقد اتكلت على كفاية منك) (١٧٥).

وقال الشيخ الصالح أبو اسحق الجبنياتي المتوفى سنة ٣٦٩ ه‍ :

(لا تعلموا أولادكم إلا عند رجل حسن الدين ؛ لأن دين الصبي على دين معلمه) (١٧٦).

وأعظم قدوة لكل إنسان صغير أو كبير هو سيدنا محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذو الخلق العظيم والقدر الجليل. وقد أمر الله ـ جل جلاله ـ كل مؤمن بأن يقتدي به فقال :

(لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً). (١٧٧)

٢٤١

٧ ـ طريقة التربية باللعب

يميل المرء إلى اللعب واللهو طيلة حياته ، ويقضي معظم وقته في اللعب حين يكون صغيرا غير مميز ، ثم يقل انصرافه إليه مع تقدمه في السن. فإذا ما جعلنا اللعب بطريقة منظمة ذات أثر في تقوية الجسم وتنشيط العقل وتكوين الخلق أمكننا تحقيق أهداف التربية مع الشعور بالمتعة ، وذلك كما في الألعاب والتمارين الرياضية التي تؤدي إلى صحة الجسم ومرونة أعضائه وقوة عضلاته. وكما يحدث حين توضع عدة قطع أمام الطفل ، وتكون قابلة للتركيب على وجوه عديدة ، فيصنع منها بناء أو دراجة أو سيارة أو غير ذلك ، ثم يفك أجزاءها ليركبها بشكل آخر ؛ فينشط ذهنه ، وينمو عقله ، وتصبح لديه قدرة على الإبداع والاختراع.

ويمكن أن يؤدي اللعب المشترك بين عدد من الأفراد إلى تعليم النظام والتعاون ومحبة بعضهم بعضا ، ويجعل اللعب الأطفال يوجهون كل اهتمامهم نحو موضوع اللعبة ولا يملون منه ، ولا يفكرون بغيره. وذلك يؤدي إلى زيادة الانتباه ودقة الفهم وسرعة التعلم.

غير أن الإفراط في اللعب قد يؤدي إلى ضياع الوقت ، ويصرف عن الجد والعمل المثمر ، لذا يجب أن يسمح باللعب في أوقات محددة عقب الساعات المخصصة للدرس والعمل ، وأن تتناسب الألعاب مع عمر الطفل وقدراته حتى تكون ذات أثر تربوي.

وقد أذن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم للأحباش أن يلعبوا بالحراب في المسجد في يوم عيد لما في ذلك من الفائدة في تعلم الرمي بها ، واتقاء ضرباتها ، ولما فيه من المتعة والبهجة ؛ حتى إنه جعل عائشة ـ رضي الله عنها ـ تنظر إليهم ، فعنها قالت : «رأيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يسترني بردائه ، وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد ، حتى أكون أنا التي أسأم ، فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن الحريصة على اللهو» (١٧٨).

وقد أدرك مربونا الكبار حاجة الأولاد إلى اللعب منذ العصر الأول في تاريخ هذه الأمة. حكى معتب بن أبي الأزهر ، وهو من علماء القيروان في القرن الثاني الهجري ، قال : قال لي : أبو القاسم عبد الله بن محمد في معرض حديث :

(وما حال صبيانكم في الكتاب؟

٢٤٢

قلت : لهم ولع كثير باللعب

فقال : إن لم يكونوا كذلك فعلق عليهم التمائم!)

يعني إنه لا يمنع الطفل من اللعب إلا أن يكون مريضا (١٧٩).

وقال الغزالي مبينا الطريق في رياضة الصبيان وتأديبهم :

(وينبغي أن يؤذن له بعد الانصراف من الكتاب أن يلعب لعبا جميلا يستريح إليه من تعب الكتب ، بحيث لا يتعب في اللعب.

فإن منع الصبي من اللعب وإرهافه إلى التعليم دائما يميت قلبه ، ويبطل ذكاءه ، وينغص عليه العيش ، حتى يطلب الحيلة في الخلاص منه رأسا» (١٨٠)

وبعد ذلك بقرون عديدة أراد" رابليه" أن يتعلم تلميذه عن شوق ورغبة ، وأن يثقف وهو يلعب ، وأن يدرس الرياضيات نفسها عن طريق اللهو والتسلية ، واعتنى بالفنون المسلية (١٨١).

ثم جاء" فروبل" المربي الألماني فجعل اللعب أساسا لعملية التربية في السنوات الأولى من الحياة ، واعتبره خير وسيلة يستطيع بها المربي أن يدمج الطفل في عالم العلاقات الاجتماعية الحقيقية ، وأن يلقنه معنى الاستقلال والمساعدة المتبادلة ، وأن يمده بفرصة الابتكار وبدافع الحركة ، وأن ينميه باعتباره فردا يكون جزءا مستقلا من أجزاء الكل الاجتماعي. وجعل للعب قيمة خلقية وفكرية بالإضافة إلى قيمته الجسمية (١٨٢).

* * *

٢٤٣

٨ ـ التربية بالترغيب والترهيب

يعتبر الترغيب والترهيب حافزا يدفع الإنسان إلى التعلم الصحيح وتجنب الأخطاء وفعل الحسن وترك القبيح. ولا ينكر وجود عاطفتي الحب والكره ، والميل إلى الشيء أو النفور منه في نفس كل إنسان.

فإذا حققت التربية رغبات النفس البشرية ، وأصبح ما يتعلمه المرء وسيلة للحصول على ما يرغب فيه ، أو النجاة مما يخاف منه ، فإنه يتأثر بها إلى أبعد الحدود.

وتتنوع رغبات الناس بين الأشياء المادية والمعنوية ، وكلها ترجع إلى ما يحفظ عليهم صحتهم ، ويشبع غرائزهم ، ويلبي دوافعهم ويجعلهم في مكانة مرموقة ، ويشعرهم بالسعادة والعظمة ، كما أنهم يخافون من الموت ومن فقدان ما يحتاجون إليه ومن أي ضرر يصيبهم أو يصيب أحبابهم.

وقد أبعد الإسلام عن الناس الخوف من الموت حين أعلمهم أن الموت باب يدخلون منه إلى الدار الآخرة ، وهو يأتي في أجله المحدد ، ولا يستطيع أحد أن يمد في عمر إنسان أو ينقص منه ساعة واحدة ، وأبعد عنهم المخاوف المجهولة حين أعلمهم أن الضرر والنفع بيد الله وحده ، ولا يستطيع أحد أن ينفع غيره أو أن يضره فيما لم يأذن به الله قال سبحانه : (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلا نَفْعاً إِلَّا ما شاءَ اللهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ). (١٨٣)

(وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ). (١٨٤)

وأبعد عنهم الخوف من الفقر حين قرر أن الله قد تكفل بأرزاق عباده ، وأن كل مخلوق يحصل على ما قسم له. قال تعالى :

(وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُها وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ). (١٨٥)

ولكنه حذرهم من غضب الله ونقمته إن هم عصوه وكفروا به. قال تعالى :

(أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا (١٨٦) بَياتاً وَهُمْ نائِمُونَ. أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ. أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ). (١٨٧)

٢٤٤

(أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ. أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ. أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ). (١٨٨)

(قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً (١٨٩) وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ). (١٩٠)

كما حذرهم من عذابه في الدار الآخرة.

(قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ). (١٩١)

(إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً لِلطَّاغِينَ مَآباً (١٩٢) لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً (١٩٣) لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَلا شَراباً. إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً). (١٩٤)

(وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها كَذلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ). (١٩٥)

(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ إِنَّ اللهَ كانَ عَزِيزاً حَكِيماً). (١٩٦)

وبالمقابل رغبهم بالجنان التي ينعمون فيها إن هم آمنوا به وأطاعوه :

(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلاً). (١٩٧)

(إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ. فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ. يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ (١٩٨) مُتَقابِلِينَ. كَذلِكَ وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ). (١٩٩). يَدْعُونَ (٢٠٠) فِيها بِكُلِّ اكِهَةٍ آمِنِينَ) (٢٠١)

(إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ. فاكِهِينَ (٢٠٢) بِما آتاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقاهُمْ رَبُّهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ. كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ. مُتَّكِئِينَ عَلى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ. وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَما أَلَتْناهُمْ (٢٠٣) مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ. وَأَمْدَدْناهُمْ بِفاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ. يَتَنازَعُونَ (٢٠٤) فِيها كَأْساً لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ. وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ) (٢٠٥).

٢٤٥

(وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ. أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ. ثُلَّةٌ (٢٠٦) مِنَ الْأَوَّلِينَ. وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ. عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (٢٠٧) مُتَّكِئِينَ عَلَيْها مُتَقابِلِينَ. يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ. بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ (٢٠٨) وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ. وَحُورٌ عِينٌ كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ. لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً إِلَّا قِيلاً سَلاماً سَلاماً. وَأَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ. فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (٢٠٩) وَطَلْحٍ (٢١٠) مَنْضُودٍ. وَظِلٍّ مَمْدُودٍ. وَماءٍ مَسْكُوبٍ. وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ. لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ. وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ. إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً عُرُباً (٢١١) أَتْراباً (٢١٢) لِأَصْحابِ الْيَمِينِ. ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ. وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ). (٢١٣)

(إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً. حَدائِقَ وَأَعْناباً. وَكَواعِبَ (٢١٤) أَتْراباً. وَكَأْساً دِهاقاً (٢١٥) ، لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا كِذَّاباً. جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً). (٢١٦)»

وهذا النعيم لا يقتصر على الأنواع المادية الحسية ، وإنما يشمل الأنواع المعنوية الروحية التي يستمتع فيها أصحاب النفوس الكبيرة أكثر من الأولى. وهذا ما يشير إليه قوله سبحانه :

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا) (٢١٧).

وهم يبتهجون بالنظر إلى وجهه الكريم :

(وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ. إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ). (٢١٨)

ويشعرون بالرضى حين يعلمون برضوان الله عليهم :

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ). (٢١٩) جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ). (٢٢٠)

هذا في الآخرة ، وفي الدنيا وعد الله المستغفرين التائبين بسعة الرزق وكثرة المال والولد ، إذ جاء في دعوة نوح ـ عليه‌السلام ـ لقومه قوله :

٢٤٦

(فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً. يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً. وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً) (٢٢١)

وجاء في دعوة هود عليه‌السلام ـ قوله :

(وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ). (٢٢٢)

كما وعد الله المتقين المتوكلين عليه بالفرج والرزق الكثير والعون :

(وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ (٢٢٣) وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ (٢٢٤) إِنَّ اللهَ بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً). (٢٢٥)

وقد شرع الإسلام للوالد أن يؤدب أولاده إن هم قصروا في عبادة الله ، أو خرجوا على طاعته. وله أن يضربهم إن لم يجد فيهم الكلام اللين. قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين ، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين» (٢٢٦).

وشرع للرجل أن يمنع امرأته من النشوز ، وأن يحملها على طاعته والقيام بواجباتها الدينية والبيتية ، وأن يضربها حين لا ينفع فيها الوعظ والتذكير ولا الهجر والامتناع عن معاشرتها. قال تعالى :

(وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَ (٢٢٧) فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً). (٢٢٨)

ولكن الضرب المشروع هو الضرب الخفيف غير المبرح. ولا يجوز إيقاعه على الوجه والرأس. قال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت» (٢٢٩).

ويبقى الضرب وسيلة غير مرغوب فيها ، فبعد الإذن فيه جاء إلى آل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم نساء يشتكين أزواجهن فقال : «لقد أطاف بآل محمد نساء كثير يشتكين من أزواجهن ، ليس أولئك بخياركم» (٢٣٠).

غير أن الذين يهملون واجباتهم ، ويتعدون حدود الله ، ولا يتأثرون بالأساليب التربوية اللينة ، من الأفضل تحذيرهم بهذه الوسيلة القاسية حتى لا يكونوا بؤرة فساد في المجتمع أو حجر عثرة في سبيل تقدمه.

٢٤٧

ولهذا شرع الإسلام الحدود والقصاص للمحافظة على الأنفس والأعراض والأموال ولمنع الظلم والعدوان.

والقصاص أن يعاقب المعتدي عمدا على إنسان في نفسه أو أحد أعضائه ، بأن يعتدى عليه بمثل عدوانه. فإن قتله عمدا يقتل ، وإن قلع عينه تقلع عينه ، وإن جدع أنفه يجدع أنفه .. إلا أن يعفو ولي القتيل أو من وقع عليه العدوان. قال الله تعالى :

(وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ). (٢٣١)

والقصاص هو الذي يمنع القتل وسفك الدماء ، ويصون حق الحياة للناس ويؤدي إلى استتباب الأمن والعدل. قال الله عزوجل :

(وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ). (٢٣٢)

أما الحدود فهي العقوبات المقدرة في القرآن والسنة. ومنها :

حد الزنى : وقد ذكر في كتاب الله حد الزاني غير المحصن ، أي الذي لم يتزوج بقوله سبحانه :

(الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ). (٢٣٣)

أما المحصن وهو الذي قد وطأ في نكاح صحيح وهو حر بالغ عاقل فيعاقب بالرجم بالحجارة حتى الموت إذا ارتكب هذه الفاحشة. ودليل ذلك من السنة ، فقد جاء ما عز الأسلمي إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : إنه قد زنى ، فأعرض عنه ، ثم جاء من شقه الآخر فقال : إنه زنى ، فأعرض عنه.

ثم جاء من شقه الآخر فقال : إنه قد زنى. فأمر به في الرابعة فأخرج إلى الحرة فرجم بالحجارة. فلما وجد مس الحجارة فر يشتد ، فلقيه رجل معه لحي جمل فضربه به وضربه الناس حتى مات. فذكروا ذلك للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : هلا تركتموه (٢٣٤)

ومع شدة هذا العقاب فإن الإسلام شدد في إثبات هذه الجريمة ، فلا تثبت إلا بالاعتراف الصريح أو بشهادة أربعة رجال على أنهم رأوا الزاني يزني أمام أعينهم. وكل من اتهم غيره بهذه الفاحشة ، ولم يثبت صدقه بشهادة أربعة رجال ، فإنه يقام عليه حد القذف وهو الجلد ثمانين ورد شهادته ،. قال تعالى :

٢٤٨

(وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ (٢٣٥) ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ). (٢٣٦)

وبذلك صان الإسلام العرض وحفظ النسل.

ولصيانة لأموال شرع حد السرقة ، وهو قطع اليد اليمنى من الرسغ. قال الله تعالى :

(وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالاً (٢٣٧) مِنَ اللهِ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ). (٢٣٨)

أما قطاع الطرق الذين يعتدون على المسافرين فيعاقبون بالحبس أو النفي إلى مكان لا يتمكنون فيه من فعل جريمتهم إن هم أخافوهم ولم يأخذوا شيئا من أموالهم ولم يقتلوا أحدا منهم. ويعاقبون بقطع أيديهم اليمنى وأرجلهم اليسرى إن أخذوا أموالهم ، وبالقتل إن قتلوا ، وبالصلب إن قتلوا وأخذوا المال. وهذا هو حد المحاربة المذكور في قوله سبحانه وتعالى :

(إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ). (٢٣٩)

وهناك حد السكر وشرب الخمر شرعه الإسلام لصيانة العقل ، وهو الجلد أربعين أو ثمانين كما ثبت في السنة الشريفة.

قال علي رضي الله عنه : «جلد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أربعين ، وجلد أبو بكر أربعين وجلد عمر ثمانين. وكل سنة. وهذا ـ أي الأربعين ـ أحب إلي» (٢٤٠)

وبالإضافة إلى ذلك هنالك التعزيرات ، وهي العقوبات التي لا نص فيها ، ويترك تقديرها للحاكم.

وبهذا طهر الإسلام المجتمع ، وقطع دابر الفساد من الأرض وجعل الناس ينعمون بالأمن والحرية ، ويشعرون بالعزة والكرامة. ولا يغرنك قول من يزعم إن هذه العقوبات قاسية ، ولا تتناسب مع المستوى الحضاري الذي بلغته البشرية في هذا العصر! لأن هذه العقوبات وضعت لمنع الناس من ارتكاب هذه الجرائم وليس من المناسب أن تكون العقوبات خفيفة يستهين بها المفسدون في الأرض.

ويكفي التلويح بهذه العقوبات لمنع معظم الناس من التعدي على حدود الله.

٢٤٩

وقد فشلت كل العقوبات الأخرى التي شرعها البشر في منع الزنى والقتل والسرقة وغير ذلك من المفاسد. وليس المجتمع المتحضر بالذي يسمح بالإجرام ويتساهل مع المجرمين وإنما هو الذي يربي أفراده على الأمانة والفضيلة ، ويمنع الشر والرذيلة.

ولهذا يكون من المجدي استعمال المثوبات والعقوبات في التربية بالوسائل المادية والمعنوية. فتشجيع المتعلم والثناء عليه ومكافأته إن أحسن يؤدي إلى تعزيز إجابته واستمرار تقدمه وزيادة فعالياته. وتأنيب المسيء وعقابه وحرمانه من بعض الأشياء يجعله يعلم أن الأمر جد لا هزل فيه. فيصبح أكثر يقظة وانتباها وأشد حذرا واهتماما ، فيجتنب الخطأ ويبتعد عن القبيح.

والمربي الحكيم هو الذي يضع كل شيء في موضعه ، ويعامل كل واحد بما يناسبه فلا يؤنب من تكفيه الإشارة ، ولا يضرب من تنفعه العبارة ، والترغيب والثواب مقدم على الترهيب والعقاب :

حكى الأحمر النحوي عن نفسه قال : (بعث إلى الرشيد لتأديب ولده محمد الأمين ، فلما دخلت قال : يا أحمر! إن أمير المؤمنين قد دفع إليك مهجة نفسه وثمرة قلبه ، فصير يدك عليه مبسوطة وطاعتك عليه واجبة. فكن عليه بحيث وضعك أمير المؤمنين. أقرئه القرآن ، وعرفه الآثار ، وروه الأشعار ، وعلمه السنن ، وبصره مواقع الكلام وبدأه. وامنعه من الضحك إلا في أوقاته. لا تمرن بك ساعة إلا وأنت مغتنم فيها فائدة تفيده إياها من غير أن تخرق به فتميت ذهنه. ولا تمعن في مسامحته فيستحلي الفراغ ويألفه.

وقومه ما استطعت بالقرب والملاينة ، فإن أباهما فعليك بالشدة والغلظة) (٢٤١).

والطفل الرقيق المرهف الحس لا يحتاج إلى الضرب والعنف.

كان" سحنون" يقول لمعلم ابنه : «لا تؤد به إلا بالمدح ولطيف الكلام ، ليس هو ممن يؤدب بالضرب والتعنيف» (٢٤٢).

وذهب" محمد بن سحنون" إلى أن المعلم لا يجاوز بضرب الأولاد ثلاثة أو عشرة أسواط فقال : «ولا بأس أن يضربهم على منافعهم. ولا يجاوز بالأدب ثلاثا إلا أن يأذن الأب في أكثر من ذلك إذا آذى أحدا.

ويؤدبهم على اللعب والبطالة ، ولا يجاوز بالأدب عشرة. وأما على قراءة القرآن فلا يجاوز أدبه ثلاثا (٢٤٣) وقال في تعليل هذا المقدار : سمعت مالكا يقول : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا يضرب أحدكم أكثر من عشرة أسواط إلا في حد» (٢٤٤).

٢٥٠

وقد حذر العلامة ابن خلدون من الإفراط في الشدة والعنف وبين سوء ذلك بقوله (إن إرهاف الحد في التعليم مضر بالمتعلم سيما في أصاغر الولد ، لأنه من سوء الملكة ومن كان مرباه بالعسف والقهر من المتعلمين أو المماليك أو الخدم سطا به القهر ، وضيق على النفس في انبساطها ، وذهب بنشاطها ، ودعاه إلى الكسل ، وحمل على الكذب والخبث ، وهو التظاهر بغير ما في ضميره خوفا من انبساط الأيدي بالقهر عليه ، وعلمه المكر والخديعة لذلك ، وصارت له هذه عادة وخلقا ، وفسدت معاني الإنسانية التي له من حيث الاجتماع والتمدن ، وهي الحمية والمدافعة عن نفسه ومنزله. وصار عيالا على غيره في ذلك ، بل وكسلت نفسه عن اكتساب الفضائل والخلق الجميل ، فانقبضت عن غابتها ومدى إنسانيتها ، فانتكس وعاد في أسفل سافلين) (٢٤٥).

وقد اختلف موقف المربين من العقوبات على مدى العصور :

فكانت النظم في الهند قديما تبيح العقاب الجسدي. وكان المعلمون يستخدمون العصا وبعض الوسائل الأخرى ، كأن يصبوا الماء البارد على المتعلم (٢٤٦).

وكان نظام التربية لدى بني إسرائيل لينا بعض الشيء ، ومما يقوله التلمود : (عاقب الأطفال بإحدى يديك ، وداعبهم بكلتيهما) ومع ذلك فقد كانوا يبيحون العقاب الجسدي للأطفال الذين يجاوزون الحادية عشرة. وكان من الجائز أن يحرم من جاوز هذه السن من الخبز ، وأن يضرب بشسع النعل (٢٤٧).

وكان نظام التربية المسيحية الذي ساد أوربا في العصر الوسيط قاسيا ، إذ كانوا يسيئون الظن بالنفس الإنسانية ، ويحاولون أن يرهقوها وأن يعذبوها ليطهروها. ولقد حرم على الطلاب مثلا عام ١٣٦٣ م الجلوس على المقاعد والكراسي بحجة أنها تفسح المجال للكبرياء والغرور ، أما العقاب فكان سائدا وغليظا. وكان العقاب الجسدي خاصة كثير الاستعمال متنوع الأشكال ، وبقي استعمال الدرة حتى القرن الخامس عشر حيث اتخذت التربية اتجاها مختلفا على يد" جيرسون" (١٣٦٣ ـ ١٤٢٦ م) الذي طلب أن يجنح المعلمون إلى الصبر والشفقة (لأن الأطفال الصغار أسهل انقيادا بالمداعبة واللين منهم بالإرهاب والخوف) وحارب العقوبات الجسدية ، وطلب من الأساتذة أن يحملوا لطلابهم عطف الأب ورحمته.

وكذلك دعا المربي الهولندي" ايراسموس" (١٤٦٧ ـ ١٥٣٦) إلى استبعاد النظام القاسي والطرق الوحشية في التعليم ، وأن يستبدل بها طرق التشويق والإغراء (٢٤٨).

ومثله" مونيني" (١٥٣٣ ـ ١٥٩٢ م) صاحب النزعة الإنسانية الذي احتقر

٢٥١

العقوبات الجسدية والنظام القاسي الذي كان سائدا في المدارس الداخلية في زمنه وقال : (إننا بدلا من أن نحبب الآداب للأطفال ، لا نزودهم في الواقع إلا بالذعر والقسوة ، فانزعوا القسوة والقوة ، إذ لا شيء في نظري أقتل للطفل وأخطر على الطبيعة السليمة منهما .. ولقد ساءني دوما مثل هذه التدابير التي تلجأ إليها معظم كلياتنا ... إنه لسجن حقيقي لشبيبة أسيرة. إنك إذا دخلت عليهم لا تسمع إلا صراخ أطفال يعذبهم معلمون قد ملكتهم نشوة الغضب. فيا لها من خطة لإيقاظ الشهوة إلى الدروس ، ولتوجيه تلك النفوس الغضة السريعة الخوف إلى تلك الدروس بيدين مسلحتين بالدرر ويا له من مظهر مسيء للعدالة قتال .. أو ليس من الأليق أن نغرس صفوفهم بالأزهار والأوراق بدلا من أن نغرسها بقضب القصب الدامية).

ثم جاء عالم النفس الإنكليزي" جون لوك" ، فمنع العقاب الجسدي ، وحكم على الدرة بقوله : (إن الدرة أداة خنوع تجعل الطبع ذليلا).

غير أن" مالبرانش" (١٦٧٨ ـ ١٧١٥ م) رأى أن نحذف كل المكافآت الحسية ، وأبقى على العقاب المادي ، وأجاز الضرب بالدرة (٢٤٩).

* * *

٢٥٢

هوامش الفصل الخامس

__________________

(١) انظر أصول التربية الإسلامية للنحلاوي : ٢٠٥ ، ومنهج التربية الإسلامية لمحمد قطب : ٢١٩ ـ ٢٦٢.

(٢) سورة لقمان : ١٣ ، ١٦ ـ ١٩

(٣) لا تمل وجهك عنهم تكبرا

(٤) خيلاء

(٥) اعتدل وتوسط فيه

(٦) اخفض

(٧) سورة لقمان : ١٣ ، ١٦ ـ ١٩

(٨) سورة الشعراء : ١٣١ ـ ١٣٩.

(٩) أي طبيعتهم عاداتهم

(١٠) سورة الشعراء : ١٣١ ـ ١٣٩.

(١١) متفق عليه. ورواه أحمد من حديث عائشة رضي الله عنها.

(١٢) ،

(١٣) سورة يوسف : ٣ ـ ٤

(١٤) يحتالون في هلاكك

(١٥) يختارك ويصطفيك.

(١٦) تعبير الرؤيا

(١٧) اسحق جد يوسف ، وابراهيم جد أبيه ، فهو يوسف بن يعقوب بن اسحق بن ابراهيم

(١٨) سورة يوسف : (٥ ـ ١٤).

(١٩) جماعة ، وكانوا عشرة عدا يوسف وشقيقه ، وهما أخوان لهم من أبيهم ، وأمهما غير أمهم.

(٢٠) بأن يقبل عليكم ولا يلتفت لغيركم

(٢١) سورة يوسف : (٥ ـ ١٤).

(٢٢) البئر المظلم

(٢٣) السائرين المسافرين.

(٢٤) ،

(٢٥) سورة يوسف : (٥ ـ ١٤).

(٢٦) سورة يوسف : ١٦ ـ ١٨

(٢٧) زينت

(٢٨) من يأتيهم بالماء

(٢٩) باعوه بثمن قليل.

(٣٠) مقامه

(٣١) سورة يوسف : ١٩ ـ ٢٤

٢٥٣

__________________

(٣٢) أي هلم وتعال

(٣٣) مقامي

(٣٤) سورة يوسف : ١٩ ـ ٢٤

(٣٥) شقت

(٣٦) وجدا زوجها

(٣٧) سورة يوسف : (٢٥ ـ ٢٩)

(٣٨) تنزيها له

(٣٩) امتنع

(٤٠) الذليلين

(٤١) أصبو : أميل

(٤٢) البراهين والعلامات على براءة يوسف

(٤٣) سورة يوسف : (٣٠ ـ ٣٥)

(٤٤) دين

(٤٥) حجة وبرهان.

(٤٦) أي سيده الملك

(٤٧) سورة يوسف : (٣٦ ـ ٤١)

(٤٨) هزيلة

(٤٩) منامات مختلطة.

(٥٠) متتابعة

(٥١) اتركوه

(٥٢) مجدبات ، صعاب

(٥٣) أي يعصرون الأعناب وغيرها. والآيات في سورة يوسف (٤٢ ـ ٤٩)

(٥٤) ما شأنكن

(٥٥) وضح وتبين.

(٥٦) ذو مكانة وأمانة

(٥٧) ينزل

(٥٨) سورة يوسف : (٥٠ ـ ٥٧).

(٥٩) سورة يوسف : (٥٨ ـ ٦٢)

(٦٠) نأتي بالميرة ، وهي الطعام.

٢٥٤

__________________

(٦١) سورة يوسف : (٦٣ ـ ٧٦).

(٦٢) أي الإناء الذي يشرب به ، وكانت تكال به الحبوب

(٦٣) القافلة ، وما تحمل عليه الميرة من الإبل والبغال والحمير

(٦٤) كفيل

(٦٥) علمناه الكيد والاحتيال في أخذ أخيه.

(٦٦) سورة يوسف : (٦٣ ـ ٧٦).

(٦٧) سورة يوسف : ٧٧ ـ ٨٢

(٦٨) تزال

(٦٩) مشرفا على الهلاك.

(٧٠) سورة يوسف : (٨٣ ـ ٩٨)

(٧١) كاسدة ، غبر مرغوب فيها.

(٧٢) فضلك

(٧٣) لا لوم ولا عتاب.

(٧٤) أن تسفهوني وتنسبوني إلى الخطل والخرف.

(٧٥) سورة يوسف : (٨٣ ـ ٩٨)

(٧٦) أفسد

(٧٧) سورة يوسف : ٩٩ ـ ١٠١

(*) قيل إن أمه توفيت بعد ولادة شقيقه. وإن المراد بأبويه : أبوه وخالته.

(٧٨) ، (٧٩) سورة يوسف : (١٠٢ ، ١١١).

(٨٠) في رواية سالم : " إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم" (البخاري).

(٨١) مكيال يسع ثلاثة آصع

(٨٢) أي انشقت. وفي رواية سالم : " فانفرجت شيئا لا يستطيعون الخروج"

(٨٣) الضغاء : الصياح ببكاء.

(٨٤) أي يضعفان لعدم شربتهما.

(٨٥) رواه البخاري ومسلم وابن حبان والبزار وأحمد والطبراني ، عن أبي هريرة وأنس والنعمان بن بشير وعبد الله بن أبي أوفى وعقبة بن عامر.

(٨٦) فتح الباري لابن حجر ج ٦ ص ٥٠٥ ـ ٥١١

(٨٧) رواه البخاري عن أبي هريرة. والحديث متواتر.

(٨٨) سورة الحج : ٨ ، سورة لقمان : ٢٠

٢٥٥

__________________

(٨٩) لاوي عنقه تكبرا ، والعطف : الجانب

(٩٠) سورة الحج : ٩

(٩١) سورة الحج : ٣

(٩٢) سورة النحل : ١٢٥

(٩٣) سورة العنكبوت : ٤٦

(٩٤) أسافلنا

(٩٥) أي ابتداء من غير تفكير

(٩٦) أنجبركم على قبولها.

(٩٧) تحتقر.

(٩٨) سورة هود : ٢٥ ـ ٣٣

(٩٩) تحير ودهش

(١٠٠) سورة البقرة : ٢٥٨

(١٠١) حجة وبرهانا

(١٠٢) لم يخلطوا.

(١٠٣) سورة الأنعام : ٨٠ ـ ٨٣

(١٠٤) سورة الشعراء : ٢٣ ـ ٢٩

(١٠٥) ثمرها

(١٠٦) عشيرة

(١٠٧) مرجعا

(١٠٨) صواعق

(١٠٩) أرضا ملساء لا يثبت عليها قدم

(١١٠) ساقطة على دعائمها

(١١١) سورة الكهف : ٣٢ ـ ٤٤

(١١٢) رواه البخاري عن ابن عباس رقم ٧٣١٥.

(١١٣) أخرجه أحمد عن أبي أمامة

(١١٤) حوالي الجنة وأطرافها

(١١٥) رواه ابن ماجه رقم ٥١ والترمذي وقال : حديث حسن

(١١٦) رواه البزار والطبراني

٢٥٦

__________________

(١١٧) رواه ابن ماجه رقم ٤٨ وابن عبد البر عن أبي أمامة والآية في سورة الزخرف : ٥٨

(١١٨) مختصر جامع بيان العلم وفضله ص ١٥٧.

(١١٩) سورة البقرة : ٢٦

(١٢٠) أضعف

(١٢١) سورة العنكبوت : ٤١.

(١٢٢) سورة الحج : ٧٣

(١٢٣) سورة ابراهيم : ١٨

(١٢٤) جمع قاع أي فلاة

(١٢٥) يظنه العطشان

(١٢٦) عميق.

(١٢٧) سورة النور : ٣٩ ـ ٤٠

(١٢٨) أصحاب مطر

(١٢٩) سورة البقرة : ١٧ ـ ٢٠

(١٣٠) سورة البقرة : ٢٦١

(١٣١) الوابل : المطر الغزير ، والطل : المطر الخفيف

(١٣٢) سورة البقرة : ٢٦٥

(١٣٣) أرض طيبة.

٢٥٧

__________________

(١٣٤) الكلأ : يطلق على النبات الرطب واليابس. والعشب : الرطب فقط.

(١٣٥) جمع جدب ، وهي الأرض الصلبة التي لا ينضب منها الماء

(١٣٦) جمع قاع ، وهو الأرض المستوية الملساء التي لا تنبت.

(١٣٧) رواه البخاري (٧٩) ومسلم وابن عبد البر عن أبي موسى الأشعري.

(١٣٨) فتح الباري لابن حجر ، وقد عزا هذا الشرح للقرطبي ، ج ١ ص ١٧٧

(١٣٩) رواه الشيخان وأبو داود والترمذي والنسائي من حديث أبي موسى الأشعري.

(١٤٠) رواه الشيخان والترمذي من حديث أبي موسى الأشعري.

(١٤١) رواه الشيخان من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه.

(١٤٢) رواه ابن ماجه من حديث أبي هريرة.

(١٤٣) رواه ابن عبد البر.

(١٤٤) سورة المائدة : ٩

(١٤٥) سكنوا واطمأنوا أو أنابوا.

(١٤٦) سورة هود : ٢٣

(١٤٧) مصدر من الطيب أو شجرة في الجنة

(١٤٨) مرجع ، والآية في سورة الرعد : ٢٩

(١٤٩) رواه ابن عبد البر

(١٥٠) رواه ابن عبد البر

(١٥١) العقد الفريد لابن عبد ربه ـ اختيار د. محمود يوسف زايد ق ١ ص ٨٨

(١٥٢) رواه أبو نعيم عن أنس (كشف الخفاء).

(١٥٣) تفسير ابن كثير ج ١ ص ٣

(١٥٤) الماء المعد للوضوء.

(١٥٥) رواه البخاري : ١٦٤

(١٥٦) رواه البخاري : ٢٥١

(١٥٧) فتح الباري ج ١ ص ٣٦٥

(١٥٨) رواه البخاري والدارمي وأحمد من حديث مالك بن الحويرث.

(١٥٩) رواه البخاري.

(١٦٠) رواه ابن عبد البر من حديث جابر.

٢٥٨

__________________

(١٦١) تاريخ التربية ـ عبد الله عبد الدائم ص : ٥٠ ـ ٥١ ، ٢٥٥ ٢٥٩ ، ٢٦٨ ـ ٢٦٩ ، ٣١٤ ـ ٣١٥.

(١٦٢) تاريخ التربية ـ عبد الله عبد الدائم ص : ٥٠ ـ ٥١ ، ٢٥٥ ٢٥٩ ، ٢٦٨ ـ ٢٦٩ ، ٣١٤ ـ ٣١٥.

(١٦٣) المرجع في تاريخ التربية ـ بول منرو ج ٢ ص ٢٤٩ ، ٣٥٩ ، ٣٦٠.

(١٦٤) الأذكار للنووي ص ٢٣ ، فتح الباري ج ١ ص ٢٧٠.

(١٦٥) أي لبس نعليه ، وتسريح شعره ودهنه.

(١٦٦) متفق عليه.

(١٦٧) رواه أبو داود بإسناد صحيح.

(١٦٨) حديث حسن رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه والبيهقي.

(١٦٩) أي في تربيته وتحت نظره ، لأنه كان يربيه في حضنه تربية الولد.

(١٧٠) أي كان يأكل من نواحي الإناء الموضوع فيه الطعام.

(١٧١) أي صفة أكلي

(١٧٢) رواه الشيخان وأبو داود والترمذي.

(١٧٣) البدنة : الناقة التي تهدي للحرم

(١٧٤) البداية والنهاية لابن كثير ج ٤ ص ١٧٦ ، الكامل في التاريخ لابن الأثير ج ٢ ص ٢٠٥.

(١٧٥) العقد الفريد لابن عبد ربه الأندلسي ج ٢ ص ٤٣٦.

(١٧٦) آداب المعلمين لابن سحنون ص ٤٧ ، نقلا عن مناقب أبي اسحق : ٢٥

(١٧٧) سورة الأحزاب : ٢١.

(١٧٨) رواه البخاري في كتاب النكاح

(١٧٩) آداب المعلمين : ٥٣ ـ ٥٤ نقلا عن كتاب المدارك في ترجمة معتب بن أبي الأزهر ٤ / ٢٣٢

(١٨٠) احياء علوم الدين ج ٣ ص ٧٣

(١٨١) تاريخ التربية ـ عبد الله عبد الدائم : ٢٣٧

(١٨٢) المرجع في تاريخ التربية ـ بول منرو ج ٢ ص ٣٥٦ ـ ٣٥٧.

(١٨٣) سورة يونس : ٤٩

(١٨٤) سورة الأنعام : ١٧

(١٨٥) سورة هود : ٦

(١٨٦) عذابنا

٢٥٩

__________________

(١٨٧) سورة الأعراف : ٩٧

(١٨٨) سورة النحل : ٤٥ ـ ٤٧

(١٨٩) يخلطكم فرقا مختلفة الأهواء.

(١٩٠) سورة الأنعام : ٦٥

(١٩١) سورة الأنعام : ١٥

(١٩٢) مرجعا

(١٩٣) دهورا لا نهاية لها.

(١٩٤) ماء حارا غاية الحرارة ، وما يسيل من صديد أهل النار ، والآيات في سورة النبأ : ٢١ ـ ٢٥.

(١٩٥) سورة فاطر : ٣٦

(١٩٦) سورة النساء : ٥٦ ـ ٥٧

(١٩٧) سورة النساء : ٥٦ ـ ٥٧

(١٩٨) الحرير الرقيق والغليظ

(١٩٩) بنساء بيض واسعات الأعين حسان.

(٢٠٠) يطلبون.

(٢٠١) سورة الدخان : ٥١ ـ ٥٥

(٢٠٢) متلذذين.

(٢٠٣) نقصناهم.

(٢٠٤) يتعاطون بينهم.

(٢٠٥) مكنون : مصون. والآيات في سورة الطور : ١٧ ـ ٢٤

(٢٠٦) جماعة.

(٢٠٧) منسوجة بالذهب والجوهر.

(٢٠٨) أي لا يحصل لهم صداع ولا ذهاب عقل.

(٢٠٩) شجر النبق لا شوك فيه.

(٢١٠) شجر الموز.

(٢١١) جمع عروب ، وهي المتحببة إلى زوجها.

(٢١٢) جمع ترب ، أي مستويات في السن.

(٢١٣) سورة الواقعة : ١٠ ـ ٤٠

(٢١٤) جواري تكعبت أثداؤهن.

٢٦٠