قصص الأنبياء عليهم السلام - ج ١

قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي [ قطب الدين الراوندي ]

قصص الأنبياء عليهم السلام - ج ١

المؤلف:

قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي [ قطب الدين الراوندي ]


المحقق: عبدالحليم عوض الحلّي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة العلامة المجلسي رحمه الله
المطبعة: عمران
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-91180-2-1
ISBN الدورة:
978-600-91180-7-6

الصفحات: ٤٥٤

وبما أنّ المروي يرتبط بأحوال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فلابدّ من ذكره في آخر أجزاء هذا الكتاب على ترتيب الأنبياء كما أنّ الراوندي أيضا ذكره في الباب العشرين وهو آخر أبواب كتابه ، فالكتاب كلّه في تقسيم المؤلّف في أربعة أجزاء.

كما أنّ ابن طاوس يروي خبرا في كتاب إقبال الأعمال حول حمل سيّدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن أواخر الجزء الرابع من كتاب النبوّة (١) ، وكذلك ابن حاتم الشامي يروي خبرا حول جيش إبرهة وتكلّم عبد المطّلب معه من الجزء الرابع منه.

ومع هذا صرّح الحافظ ابن شهر آشوب المازندراني في معالم العلماء أنّ الكتاب في تسعة أجزاء (٢) ، وعلى الظاهر فإنّ إخباره هذا عن حسّ حيث إنّه ممّن وصل الكتاب إليه ونقل عنه في كتابه المناقب (٣).

وهذا موافق لنقل آخر لابن طاوس ؛ فإنّه نقل خبرا من الجزء السادس [كذا] من كتاب النبوّة في علائم النجوم قبل ولادة عيسى بن مريم على نبيّنا وآله وعليه‌السلام (٤).

ولعلّه لهذا الكتاب نسخ وقراءات متفاوتة وعلى حسبها جزّئت النسخ وكانت عند ابن طاوس نسختان منه.

هذا ؛ لكنّ العلّامة المجلسي ؛ الذي كانت عنده نسخة كاملة من كتاب فرج المهموم (٥) نقل العبارة المذكورة في موضعين من بحار الأنوار بدون ذكر الأجزاء (٦).

__________________

(١) إقبال الأعمال ٣ : ١٦٢.

(٢) معالم العلماء : ١١٢ / ٧٦٤.

(٣) مناقب آل أبي طالب ١ : ١٧ و ٥٩ و ٥٣ و ٢٤٣.

(٤) فرج المهموم : ٢٨.

(٥) لا يخفى على الباحث المطّلع بأنّ الفرج المطبوع في النجف الأشرف فيه نقص.

(٦) بحار الأنوار ١٤ : ٢١٧ ـ ٢١٨ / ٢٢ و ٥٥ : ٢٣٨.

٦١

مسلكه في نقل الحديث :

إنّ منهج الشيخ الصدوق رحمه‌الله في نقل الأحاديث وكيفية ذاك وطرقها وأسانيدها في الكتب الحديثيّة الواصلة إلينا واضح لا خفاء فيه على الباحثين ؛ إنّما يصعب علينا ـ شيئا ما ـ منهجه في هذا الكتاب حيث لم يصل إلينا حتّى جزء منه من المخطوطات الأصليّة ، إلّا أنّه بإمكاننا أن نستخرج منهجه فيه على ضوء النسخ المنتزعة من أصل الكتاب وهي المنقولات الواردة في كتب العلماء منه وروايتهم عنه ؛ وذلك ما أردنا أن نذكره في هذا المقام

تعليقات على الكتاب :

يظهر من بعض القرائن أنّ للمؤلّف على أحاديث هذا الكتاب بعض التعاليق كما سلك على هذا المسلك في عدّة من كتبه. وقد توجد بعض هذه التعاليق في النصوص المنقولة منه ؛ وذلك مثل ما ذيّله القطب الراوندي في هذا الكتاب على الحديث ٤٣٤ والشيخ الطبرسي في مجمع البيان على حديث نقله عن كتاب النبوّة حول آية (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ) ، فقال الطبرسي بعد نقل الحديث : «وقال أبو جعفر بن بابويه رحمه‌الله : ولقوله : (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ) وجه آخر ؛ فإنّ الإبتلاء على ضربين ؛ أحدهما ...». «وقال بعد نقل كلام طويل منه : «انتهى كلام الشيخ أبي جعفر رحمه‌الله» (١).

وأيضا في موضع آخر عند رواية قصّة حام ويافث قال : «قال الشيخ أبو جعفر بن بابويه القمّي رحمه‌الله : ذكر يافث في هذا الخبر غريب لم أروه إلّا من هذا الطريق ، وجميع الأخبار التي رويتها في هذا المعنى ...» إلى آخر كلامه الشريف (٢).

__________________

(١) مجمع البيان ١ : ٣٧٩.

(٢) مجمع البيان ٤ : ٢٨٣.

٦٢

مراسيله في كتاب النبوّة :

وقع في أثناء الأحاديث والأخبار المنقولة عن كتاب النبوّة المنقولة في النسخة الملخّصة منه ـ يعني كتاب قصص الأنبياء للراوندي ـ أحاديث مرسلة ، وردت بعبارات مختلفة ؛ منها :

«وفي رواية» (١) ، «وفي رواية أخرى» (٢) ، «وروي» (٣) ، «وفي خبر آخر» (٤) ، «وأمّا فلان ...» (٥) ، «وقال أبو جعفر أو أحد الأئمّة عليهم‌السلام» (٦) ، «سئل الصادق عليه‌السلام» (٧) ، «سئل عنهم عليهم‌السلام» (٨) ....

__________________

(١) قصص الأنبياء : ٥٢ / ١٩ و ٨٨ و ١٦٠ / ١٧٠ و ٢٤٢ و ٢٤٧ و ٢٦٩ / ٣٣٢ و ٢٦٩ / ٣٤٤ و ٢٧٦ / ٣٦٣ و ٣٠٠ / ٤٠١.

(٢) قصص الأنبياء : ٤٦ / ٨ ، و ٤٨ / ١١ ، ١٩٢ / ٢٣٨ و ٣٢٤ / ٤٣٧ ، وانظر أيضا : من لا يحضره الفقيه ٢ : ١٢ / ١٥٩١ و ٢٤٨ / ٢٣٢٤ و ٤٥٨ / ٢٩٦٠ و ٣ : ٥٤ / ٣٣١٧ و ٢٠٣ / ٣٧٦٧ و ٥٤٧ / ٤٨٨٤ ، التوحيد : ٣١٧ / ٦ ، الخصال : ٥٨١ / ٦ ، كمال الدين : ١٥٢ / ١٥.

(٣) قصص الأنبياء : ٧٥ / ٥٣ و ٧٦ / ٥٧ و ١٢٥ / ١٢٦ و ٢٧٦ / ٣٦٥ ، ٤٣٢ و ٣١٤ / ٤٣٢٧ ، وانظر أيضا : من لا يحضره الفقيه ١ : ٣١ / ٦١ و ٣٣ / ٦٥ و ٣٧ / ٧٥ و ٤١ / ٨١ ـ ٨٢ و ٤٦ / ٩٠ و ٤٨ / ٩٧ ... ، الأمالي : ٧٤٤ ، التوحيد : ٤٥٩ ، الخصال : ١١٨ و ٢٦٥ و ٣٩١ و ٥٤٦ وثواب الأعمال : ٤٩ و ١٩٧ ، علل الشرائع ٢ : ٤٤٥ و ٥٤٦ و ٥٥٤ وعيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٦١ و ١٧٧ ، فضائل الأشهر الثلاثة : ٩٧ ، كمال الدين : ١٥١ ، معاني الأخبار : ١٨٨ / ١.

(٤) قصص الأنبياء : ٢٢٠ و ٢٢١ / ٢٨٩ و ٢٥٣ و ٢٦٨ / ٣٤١ ، وانظر أيضا : التوحيد : ٢٤١ / ٢ ، الخصال : ٤٧ / ٤٩ و ٢٨٠ و ٤٤٣ و ٥٣٤ ، علل الشرائع : ٤٣ / ٢ و ٢٩٢ و ٥١٣ ، عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٤٣ ، كمال الدين : ٣٤٤ و ٣٨٧ ...

(٥) قصص الأنبياء : ٧٥ / ٥٦.

(٦) قصص الأنبياء : ١٦٦ / ١٨٥ ، وانظر أيضا : من لا يحضره الفقيه ١ : ١٤٢ / ٣٩٥ ...

(٧) قصص الأنبياء : ٧٥ / ٥٤.

(٨) قصص الأنبياء : ١٥٦ / ١٦٤ و ١٦٥.

٦٣

هاهنا سؤالان وهما :

١ ـ هل هذه الأحاديث المرسلة من أصل كتاب النبوّة أم هي من إضافات الراوندي؟ ، وعلى فرض كونها من أصل كتاب النبوّة ، من هو الذي أرسلها ، الشيخ الصدوق مؤلّف الأصل أو القطب الراوندي المنتخب من الأصل؟

٢ ـ لماذا أرسل الصدوق بعض أخبار كتبه؟

جواب السؤال الأوّل :

أوّلا : إنّ إرسال الأخبار لم يكن من مختصّات هذا الكتاب بل يرى ذلك في جميع كتب الصدوق بعين الألفاظ التي مرّ ذكرها وغيرها من الألفاظ ؛ مثل : «وقال في حديث آخر» (١) ، «في حديث آخر» (٢) ، «وقد ورد في الخبر» (٣) ...

ثانيا : وجدنا جملة من هذه المراسيل ـ الموجودة في كتاب القصص ـ في باقي كتب الصدوق مسندة أو مرسلة ؛ فإنّ شئت فلاحظ الهوامش المثبتة على كتاب القصص في مظانّها.

وثالثا : جاء بعض الأخبار المرسلة في كتاب القصص بهذا اللفظ : «بإسناده في رواية أخرى» (٤) يعني بإسناد الصدوق في رواية أخرى ، وهذا الكلام صريح بأنّ الرواية من كتاب الصدوق.

__________________

(١) انظر : عيون أخبار الرضا (عليه السلام) ٢ : ١١٦ / ٢٠.

(٢) انظر : من لا يحضره الفقيه ٢ : ١٢ / ١٥٩١ و ٢٤٨ / ٢٣٢٤ و ٤٥٨ / ٢٩٦٠ و ٣ : ٥٤ / ٣٣١٧ و ٢٠٣ / ٣٧٦٧ و ٥٤٧ / ٤٨٨٤ ، التوحيد : ٣١٧ / ٦ ، الخصال : ٥٨١ / ٦ ، كمال الدين : ١٥٢ / ١٥.

(٣) انظر : من لا يحضره الفقيه ٢ : ١٢ / ١٥٩١ و ٢٤٨ / ٢٣٢٤ و ٤٥٨ / ٢٩٦٠ و ٣ : ٥٤ / ٣٣١٧ و ٢٠٣ / ٣٧٦٧ و ٥٤٧ / ٤٨٨٤ ، التوحيد : ٣١٧ / ٦ ، الخصال : ٥٨١ / ٦ ، كمال الدين : ١٥٢ / ١٥.

(٤) قصص الأنبياء : ١٩٢ / ٢٣٨.

٦٤

ومن هاتين المقدّمتين يثبت وجود هذه المراسيل في تأليف الأصل ومن الشيخ الصدوق لا من الراوندي.

نكات هامّة :

١ ـ توجد بعض الأخبار المرسلة يظنّ أنّ الراوندي أرسلها أو هي من إضافاته ؛ وذلك مثل عبارته في أوّل خبر : «ومن شجون الحديث ...» (١) ، ولعلّ الخبر المروي في هذا الموضع من إضافات الراوندي في كتاب القصص لا من الصدوق ، والدليل على ذلك أنّا ما وجدنا هذا الاصطلاح «ومن شجون الحديث» في كتب الصدوق بل استفاد الراوندي منه في كتبه (٢).

٢ ـ وكذا يستفاد من قوله في بعض المواضع : «وبإسناده (٣) أنّه قال ...» و «وبإسناده في رواية أخرى ...» و «وبإسناده قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام» ، أنّ الراوندي هو المسقط لبعض الأسانيد وهو الذي أرسلها ، اللهمّ إلّا على فرض أنّ المرسل هو الصدوق ومراد الراوندي من قوله «بإسناده ...» أنّ هذه المراسيل أيضا من أحاديث الصدوق وله طريق لتلك الأخبار.

٣ ـ ويرى في كتاب قصص الأنبياء أخبار بدون أن يذكر في أوّلها عبارة : «بإسناده» أو «بالإسناد» ، ومع إمعان النظر في تلك الأخبار نفهم بأنّ هذه الأخبار

__________________

(١) قصص الأنبياء : ٥١ / ١٧.

(٢) انظر : سلوة الحزين (الدعوات) : ٢٩ / ٥٢ ، الخرائج والجرائح ٣ : ١٠٨٢ ، فقه القرآن ١ : ١٢١ و ١٤٦ و ٣٩٩ و ٢ : ٣٥٨.

(٣) الضمير في قوله : بإسناده راجع إلى الصدوق كما ذكر اسمه وطرقه فيما قبله ، فلا يظنّ أنّ الضمير يرجع إلى راوي الطريق السابق كما حكم به بعض في مراسيل الكافي (وسائل الشيعة ٣٠ : ١٤٧ ، الرسائل الرجاليّة للكلباسي ٤ : ١٣٣) ؛ لأنّ في هذه المواضع الحديث السابق روي عن غير المعصوم الذي روى الحديث اللاحق عنه.

٦٥

أيضا كانت من الصدوق ؛ وذلك أنّه يروي في موضع بعبارة : «وعن أبي حمزة ، عن الأصبغ ...» (١). و «وقال زرارة ...» (٢) ، و «ذكر وهب» أو «قال وهب» (٣) و «وعن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد ...» و «وعن أحمد بن محمّد ...» (٤) فإنّ هذه الأحاديث لم تكن مرسلة بل ذكر الراوندي طريق الصدوق إلى هؤلاء الرجال فيما قبلها بحديثين أو عدّة أحاديث ، أو أرسلها لكثرة تكرار اسمهم في الأسانيد مثل سعد بن عبد الله وأحمد بن محمّد بن عيسى ، ووهب بن منبه ، فلا يحتاج أن يكرّر هذه الكلمة (يعني : بإسناده) ، فلابدّ للباحث المحقّق أن يمعن النظر في الكتاب بكمال الدقّة والنظر حتّى يستخرج طرق الصدوق إلى الرواة.

نعم ؛ وقد جاء في كتاب القصص بعض الأخبار المرسلة بدون أيّ لفظ من الألفاظ السابقة (يعني : بالإسناد ، بإسناده ، في رواية أخرى ...) ، وأكثر هذه الأخبار وقعت في أوّل الفصول ، ومن المظنون قويّا أنّها من إضافات الراوندي حيث لم يسندها إلى الصدوق ، وكذا بعض الأخبار التي ذكرها في ذيل بعض الروايات.

مع هذا وذاك فقد توجد في كتاب القصص بعض الأخبار لم تسند إلى الصدوق وقد وجدناها بعينها في كتاب المجمع عن كتاب النبوّة (٥).

جواب السؤال الثاني :

اعلم أنّ الجواب على هذا السؤال يقتضي مقاما آخر فإنّ البحث فيه طويل ويتطلّب مقالا مستقلّا واسعا ، لكن نقول ـ موجزا رعاية للمقام ـ : إنّ للمتقدّمين

__________________

(١) قصص الأنبياء : ٢١١ / ٢٧٣.

(٢) قصص الأنبياء : ٦١ / ٣٣.

(٣) قصص الأنبياء : ٧٤ / ٥١ و ٥٢ و ٧٥ / ٥٥ و ١٤٥ / ١٥٢.

(٤) قصص الأنبياء : ١٦٩ / ١٩٢ و ١٩٣.

(٥) قصص الأنبياء :

٦٦

من أصحابنا ـ رضوان الله تعالى عليهم ـ في قبول الخبر منهجين ، وهما ما قد سلكهما كلّ من شيوخ القمّيّين والبغداديّين رحمهم‌الله ؛ فإنّ كثيرا من مرسلات الأصحاب لعلّ سببها يرجع إلى منهجهم الحديثي والمدرسة التي اتّبعوها ؛ فالبغداديّون قسّموا الأخبار إلى قسمين : أخبار الأصول وأخبار الفقه ؛ ففي أخبار الفقه اتّبعوا النصّ مع العمل الرجالي والفهرستي ، وفي أخبار الأصول اتّبعوا العقل وما أوجبه ، وإذا وجدوا الخبر الموافق للعقل نقلوه بعنوان مؤيّد وإرشاد لدليل العقلي.

ومنهج قبول الخبر عند القمّيّين هو قبول الخبر المروي من الراوي الثقة الإمامي العدل ... بدون فرق بين أخبار الأصول وأخبار الفقه مع تشدّدهم ومواظبتهم على عدم نقل أخبار الضعاف أو الغلاة في مجتمعهم (١) إلّا القليل من القمّيّين مثل الشيخ أبي جعفر الصدوق ومن ماثله فإنّهم عملوا كما عمل البغداديّون مع حفظ منهج شيوخهم القمّيّين.

بالجملة : يمكن على ضوء هذا الاختلاف في المنهج كان الشيخ الصدوق يرسل هذه الأخبار ، وهذا الإرسال يرتبط بمسلكه الحديثي.

وقد يقال : لعلّه أرسل هذه الأخبار بالرغم من عدم قبول مشايخه القمّيّين إلّا أنّ موافقتهم للنقل المعتبر كوجودها في كتاب مهمّ جعله يرسلها مع عدم اعتماد مشايخه لذلك الكتاب ، أو أنّه أرسلها مع وجودها في الكتب المعتمدة عند مشايخه لعدم مقبوليّة مضمونها عنده ... ودلائل كثيرة لا يقتضي المقام إيرادها ونسأل الله تبارك وتعالى أن يوفّقنا أن نكتب حولها في مجال آخر.

__________________

(١) ولذا ترى أنّ الشيخ محمّد بن يعقوب الكليني مع كونه من البغداديّين أخذ أكثر من ثمانين بالمائة من أخباره عن القمّيّين ، ولذا قالوا : إنّ بلدة قم في أواخر القرن الثالث والقرن الرابع مجمع الأحاديث لتصفيتها ، من الغثّ والسمين والقويّ والضعيف.

٦٧

أهمّ مصادر الشيخ الصدوق في كتاب النبوّة :

لا شكّ أنّه كان لشيخنا الصدوق رحمه‌الله كأقرانه من القدماء مصادر من التراث المكتوب لرواية الأخبار في كتبه أجمع ، علما بأنّه قد كان منهج علمائنا السلف أنّهم لم يكونوا يصرّحون بأسماء مصادرهم في كتبهم (١) ، بل الطرق الواقعة في أوّل الأحاديث المشتملة على بعض الأسماء تنقسم إلى ثلاثة أقسام :

الأوّل : اسم مؤلّف مصدر الحديث.

الثاني : أسماء رواة ذلك المصدر لصاحب الكتاب.

الثالث : رواة الحديث لصاحب المصدر.

ونحن عن طريق هذا المنهج المسلّم الواضح نستطيع أن نستخرج بعض تلك المصادر الموجودة عند الشيخ الصدوق في تأليف كتاب النبوّة وما له من رواية الكتب المصنّفة والأصول القديمة لرواة أحاديث أهل البيت عليهم أفضل الصلاة والتحيّات.

فلابدّ لنا قبل البحث عن مصادر الصدوق في كتاب النبوّة أن نذكر الكتب المصنّفة قبله في هذا الموضوع ـ يعني تاريخ الأنبياء ـ حتّى يسهّل لنا كشف مصادره من ضمن تلك الكتب والمصنّفات ؛ فنقول : ما ورد ذكره من الكتب والمصنّفات في كتب الفهارس الموضوعة لهذا الغرض والتي يرتبط اسمها مع موضوع النبوّة والأنبياء وقصصهم وتواريخهم هي ما يلي :

١ ـ كتاب الأنبياء لأبي جعفر أحمد بن الحسين بن سعيد بن حمّاد بن سعيد بن مهران الأهوازي الملقّب دندان (٢).

__________________

(١) مرّت نبذة من هذه البحوث تحت عنوان تمهيد في بداية البحث.

(٢) ذكره النجاشي في الرجال : ٧٨ / ١٨٣ ، والشيخ الطوسي في الفهرست : ٥٥ / ٦٧.

٦٨

٢ ـ كتاب الأنبياء للحسن بن موسى بن الخشاب (١).

٣ ـ كتاب الأنبياء لعلي بن إبراهيم بن هاشم القمّي (٢).

٤ ـ كتاب الأنبياء للشريف أبي القاسم علي بن أحمد الكوفي المتوفّى ٣٥٢ ه‍ (٣).

٥ ـ كتاب تثبيت نبوّة الأنبياء للشريف أبي القاسم علي بن أحمد الكوفي (٤).

٦ ـ كتاب الأنبياء لأبي الحسن علي بن الحسن بن علي بن فضّال (٥).

٧ ـ كتاب الأنبياء لأبي الحسن علي بن مهزيار الأهوازي (٦).

٨ ـ كتاب الأنبياء لمحمّد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري القمّي (٧).

٩ ـ كتاب الأنبياء والأئمّة لأبي نضر محمّد بن مسعود السلمي السمرقندي العيّاشي (٨).

١٠ ـ كتاب صفات الأنبياء لأبي الحسن علي بن أبي سهل حاتم بن أبي حاتم القزويني (٩).

١١ ـ كتاب الأنبياء والأوصياء عليهم‌السلام من آدم إلى المهدي عليه‌السلام

__________________

(١) ذكره النجاشي في الرجال : ٤٢ / ٨٥.

(٢) ذكره النجاشي في الرجال : ٢٦٠ / ٦٨٠.

(٣) ذكره النجاشي في الرجال : ٢٦٥ / ٦٩١.

(٤) ذكره النجاشي في الرجال : ٢٦٥ / ٦٩١.

(٥) ذكره النجاشي في الرجال : ٢٥٨ / ٦٧٦.

(٦) ذكره النجاشي في فهرسته : ٢٥٣ / ٦٦٤ ، والشيخ في فهرسته : ٢٦٥ / ٣٧٩ ، وروى عنه الصدوق هذه الأحاديث بأرقام : ١٧١ و ٣٢٩ و ٤٠٢ و ٤٠٩.

(٧) ذكره الطوسي في فهرسته : ٤٠٩ / ٦٢٣.

(٨) ذكره النجاشي في فهرسته : ٣٥٢ / ٩٤٤ ، والطوسي في فهرسته : ٣٩٧ / ٦٠٥ ، وابن النديم في فهرسته : ٢٤٥ / الفنّ الخامس من المقالة الخامسة.

(٩) ذكره النجاشي في فهرسته : ٢٦٣ / ٦٨٨.

٦٩

لمحمّد بن علي ذكره السيّد ابن طاوس (١).

١٢ ـ كتاب قصص الأنبياء لمحمّد بن خالد البرقي ذكره السيّد ابن طاوس (٢).

١٣ ـ كتاب قصص الأنبياء لوهب بن منبّه وهو أوّل من صنّف فيها ، مات سنة ١١٤ ه‍.

١٤ ـ أخبار بني إسرائيل لأبي الحسن علي بن الحسن بن علي بن فضّال (٣).

١٥ ـ أخبار ذي القرنين لإبراهيم بن سليمان بن عبيد الله بن خالد النهمي (٤).

١٦ ـ إرم ذات العماد لإبراهيم بن سليمان بن عبيد الله بن خالد النهمي (٥).

١٧ ـ كتاب أحكام الأنبياء والرسل من المحاسن لأبي جعفر أحمد بن محمّد بن خالد البرقي ، توفّي ٢٧٤ ه‍ (٦).

١٨ ـ كتاب أخبار الأمم لأبي جعفر أحمد بن محمّد بن خالد البرقي ، توفّي ٢٧٤ ه‍ (٧).

١٩ ـ كتاب الأنبياء والمبتدأ للحسن بن علي التيملي (٨).

٢٠ ـ كتاب في الأدب وذكر الأنبياء وأوّل كلامه في العرب لأبي أحمد عبد العزيز بن يحيى الجلودي الأزدي البصري (٩).

__________________

(١) عنه في بحار الأنوار ٤٦ : ٤٢.

(٢) فرج المهموم : ١٤٣.

(٣) ذكره الطوسي في الفهرست : ١٢٢.

(٤) ذكره النجاشي في الرجال : ١٨ / ٢٠ ، والشيخ الطوسي في الفهرست : ١٥ / ٨.

(٥) ذكره النجاشي في الرجال : ١٨ / ٢٠ ، والشيخ الطوسي في الفهرست : ١٥ / ٨.

(٦) ذكره النجاشي في الرجال : ٧٧ / ١٨٢.

(٧) ذكره النجاشي في الرجال : ٧٧ / ١٨٢.

(٨) ذكره الطوسي في فهرسته : ١٢٤.

(٩) ذكره النجاشي في فهرسته : ٢٤٢ / ٦٤٠. وله كتاب آخر ذكره متّصلا بهذا الكتاب باسم : كتاب بقية كلامه في العرب وقريش والصحابة والتابعين ومن ذمّه.

٧٠

وهذه غير الكتب المصنّفة حول تأريخ الرسول الأكرم عليه وعلى آله الصلاة والسّلام عند أصحابنا فإنّ إحصاءها يتطلّب مقاما آخر.

وهناك عناوين أخرى يحتمل وجود بعض أخبار الأنبياء وتواريخهم على نبيّنا وآله وعليهم‌السلام فيها ؛ وذلك مثل كتاب التاريخ لعدّة أشخاص مثل : إبراهيم ابن محمّد بن سعيد الثقفي ، وأحمد بن محمّد البرقي ، وأحمد بن محمّد بن محمّد سنسن ، وأحمد بن محمّد بن سعيد المعروف بابن عقدة ، وغيرهم من قدماء الأصحاب.

ملاحظة هامّة :

يلزم أن نشير إلى أنّ هذه العناوين التي مرّت علينا كلّها نماذج من تآليف أصحابنا في هذا المقام وليس مرادنا بذكرها هنا أنّها مصادر الصدوق في كتابه ، بل يروي الصدوق أكثر أخبار هذا الكتاب عن المصادر المعتمدة وهي غير الكتب المذكورة ، ومن المسلّم أنّه أخذ كثيرا من أخباره عن بعض الأصول وكتب الأحاديث التي رواها ؛ لاحتوائها على بعض أخبار الأنبياء ولاشتمالها على توضيح أو إثبات حكم أو قضية كما سيأتي عناوينها فيما بعد.

وبالجملة : نستطيع أن نعرف أنّ الشيخ الصدوق استفاد من هذه الكتب أو غيرها كمصادر في تأليف كتابه كتاب النبوّة ؛ وذلك من خلال الأسانيد التي ساقها في كتابه هذا ، وفيه ذكر أسماء أصحاب أمّهات كتب الشيعة ممّن مرّ ذكرهم في ما سبق أو لم يمرّ بضميمة بعض القرائن العامّة لكشف المصدر في كتب الحديث (١).

__________________

(١) انظر لتفصيل البحث دراسة العلّامة السيّد محمّد جواد الشبيري الزنجاني حول مصادر الشيخ الطوسي في كتابه التهذيب ، ومصادر الكاتب النعماني في كتابه الغيبة المطبوعين في مجلّة علوم الحديث برقم : ٣ و ٦.

٧١

وأمّا الطرق التي جاءت في كتاب القصص عن كتاب النبوّة فكلّها معروفة في أسانيد الأخبار وكتب المشيخات والفهارس ، وكثيرا ما روى الشيخ الطوسي والنجاشي ـ رحمهما‌الله ـ كتب الأصحاب عن طريق هذه المشايخ (١) ، وهؤلاء الرواة معروفون باسم مشايخ الإجازة لرواية التراث ، وهذا يعدّ من القرائن المعرّفة لكشف مصدر الحديث عند الصدوق.

ومن القرائن لاستخراج صاحب المصدر للحديث هو تشعّب الطرق بعد راو واحد ؛ بمعنى أنّه يورد عدّة طرق بسند واحد ثمّ تتشعّب الطرق بعد أحد الرواة الواقع في السند حيث يروي عن جماعة كثيرة.

ومن القرائن المهمّة في هذا المقام كثرة الطرق المذكورة إلى راو واحد وتكرّرها في الكتاب ، حيث إنّ من المعمول به أنّ كلّ مؤلّف في تأليفه عادة يأخذ كتابا ويتفحّص عن المطالب التي يستفيدها في تأليفه فينقلها واحدا بعد واحد ، فإذا تكرّر أسماء عدّة من المشايخ في طريق إلى راو يعلم أنّهم كانوا رواة كتاب إلى الصدوق مثلا.

ومن القرائن في إثبات صاحب المصدر هو ما إذا واجهنا في الأسانيد ألفاظا مثل «عمّن ذكره» «عن رجل» «رفعه إلى» «بإسناده» وغيرها من الألفاظ المبهمة في ذكر الراوي ، فنحن نعلم أنّ صاحب المصدر هو قبل هذه الألفاظ ، وهذا أمر واضح لمن تورّق عدّة أوراق من كتب الفهارس والمشيخات ، فإنّهم لم يرفعوا ولم يبهموا طرقهم إلى أصحاب الكتب والأصول حتّى في موضع واحد.

__________________

(١) انظر الأسانيد والطرق الواقعة في كتب الصدوق وغيرها من الكتب خصوصا الكافي للكليني. ولاحظ : فهرست الطوسي : ٤٠٥ / ٦١٨ ، مشيخة من لا يحضره الفقيه ٤ : ٤٦٠.

٧٢

ومن الفوائد المهمّة لهذا البحث أنّ الرواة الواسطة فيما بين صاحب الكتاب أو الأصل وبين أمثال الكليني والصدوق وغيرهما تعدّ من مشايخ الإجازة ، واشتهر عند الأصحاب استغناء مشايخ الإجازة عن التوثيق ؛ لأنّ المراد من السند مجرّد اتّصال السند إلى صاحب الكتاب أو الأصل لا تحصيل العلم لنسبته إلى مصنّفه.

نعم شيخ الإجازة إمّا يجيز كتاب نفسه (يعني هو المؤلّف) ، وفيه يشترط ثبوت وثاقته كغيره من رواة الحديث عن المعصوم ، وإمّا يجيز كتاب غيره وفيه إمّا أن يكون الكتاب مشهور ومقطوع نسبته إلى صاحبه فكلام الأصحاب فيه وارد. وإمّا أن يكون الكتاب غير مقطوع نسبته فيحتاج إلى توثيق المشايخ ؛ هذا غيض من فيض من تحقيق كلام الأصحاب حول توثيق مشايخ الإجازة ، والفوائد المذكورة لهذا البحث.

فنحن فيما يلي نبحث عن بعض مصادر الصدوق من تراث أصحابنا القدامى التي كانت تحت يده في تأليف كتاب النبوّة من باب النماذج لكيفيّة استخراجها ، ونؤيّدها على ضوء هذه القرائن والأمارات المذكورة بضميمة بعض النكات والاعتراضات حول أصحاب الأصول حتّى نصل من هذا المنطلق إلى حدّ من الاطمئنان.

وها هي بعض أسماء الكتب المستفادة بتوسّط الصدوق :

١ ـ كتاب النوادر لابن أبي عمير :

وهو أبو أحمد محمّد بن أبي عمير زياد بن عيسى الأزدي البغدادي (المتوفّى ٢١٧) ، من أوثق الناس عند الخاصّة والعامّة وأنسكهم نسكا وأورعهم وأعبدهم ، روى عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام ، وروى كتب مائة رجل من رجال أبي عبد الله عليه‌السلام ، وبالجملة هو في الثقة والرواية بلغ إلى أنّ أصحابنا

٧٣

يسكنون إلى مراسيله (١).

وكتابه النوادر : ذكره أبو غالب الزراري (٣٦٨ ه‍) في فهرست ما رواه وقال : «نوادر ابن أبي عمير ، وهي ستّة أجزاء» (٢).

وأيضا ذكره الشيخ الطوسي في أوّل كتب ابن أبي عمير ووصفه ب : «كبير حسن» (٣).

وأورده النجاشي (٤٥٠ ه‍) فقال : «فأمّا نوادره فهي كثيرة ؛ لأنّ الرواة لها كثيرة ، فهي تختلف باختلافهم» (٤).

وصرّح الشيخ الصدوق بنقله عنه في عدّة من مواضع كتابه من لا يحضره الفقيه (٥) ، وذكر اسمه في جملة الكتب المشهورة والمعوّل عليها والمرجع إليها عند الأصحاب في (٦) مقدّمته.

نكتة هامّة :

مرّ في كلام النجاشي بأنّ نوادر ابن أبي عمير كثيرة وتختلف باختلاف الرواة ؛ وكثيرا ما استفاد النجاشي من هذه العبارة في تراجم بعض الرجال (٧) وصارت

__________________

(١) انظر : الرجال للنجاشي : ٣٢٦ / ٨٨٧ والفهرست للطوسي : ٤٠٤ / ٦١٨.

(٢) فهرست أبي غالب الزراري : ١٨٢ / ١١٣.

(٣) المصدر السابق. وطريق الشيخ إلى ما رواه عن ابن أبي عمير في مشيخته : ١٠ / ٧٩ أيضا هو هذا فيعلم أنّه أخذ أخباره في التهذيب من النوادر.

(٤) المصدر السابق ٢ : ١٦١ / ٢٠٣٢.

(٥) من لا يحضره الفقيه ٢ : ١٦١ / ٢٠٣٢.

(٦) من لا يحضره الفقيه ١ : ٤.

(٧) الرجال للنجاشي : ٥٠ / ١٠٧ في ترجمة الحسن بن صالح الأحول ، و ٥٠ / ١٠٩ في ترجمة الحسن ابن الجهم ، و ٥٢ / ١١٥ في ترجمة الحسين بن زيد بن علي بن الحسين عليهما‌السلام أبي عبد الله يلقّب ذا الدمعة ، و ٥٣ / ١١٨ في ترجمة الحسين بن أحمد المنقري.

٧٤

اصطلاحا له بل لقدماء الأصحاب ؛ وليس هذا قدحا للكتاب حتّى يظنّ أنّه خانت في الكتاب يد التحريف وزاد أو نقص فيه ، بل يشمّ منه رائحة المدح بأن اهتمّ كثير من المحدّثين بروايته ؛ فإنّ مرادهم من هذا الكلام هو مثل ما قاله في كتاب المحاسن للبرقي من قوله : «وقد زيد في المحاسن ونقص» ؛ وذلك من الزيادة والنقصان في أجزاء الكتاب بحسب الرواة ، فإنّ بعضهم لم يرووا جميع الكتاب بل كانوا يروون بعض الأبواب أو الأجزاء على ما احتاجوا إليه.

الطرق إلى رواية كتب ابن أبي عمير :

بتصريح النجاشي فإنّ طرق الأصحاب إلى كتبه ـ خصوصا إلى كتابه النوادر كثيرة ؛ فنحن نذكر هنا الطرق الواقعة في كتب الفهارس حتّى نقترب إلى بحثنا هذا فنقول :

طريق أبي غالب الزراري هو هذا : «رويتها عن عبد الله بن جعفر الحميري ، عن أيّوب بن نوح ، عن ابن أبي عمير» (١).

وأورد الصدوق (٣٨١ ه‍) طريقه إلى روايات ابن أبي عمير في المشيخة وهو ما يلي :

«وما كان فيه عن محمّد بن أبي عمير فقد رويته عن أبي ومحمّد بن الحسن رضي الله عنهما ، عن سعد بن عبد الله والحميري جميعا ، عن أيّوب بن نوح وإبراهيم بن هاشم ويعقوب بن يزيد ومحمّد بن عبد الجبّار جميعا ، عن ابن أبي عمير» (٢).

وروى الطوسي (٤٦٠ ه‍) كتبه أجمع بهذه الطرق :

__________________

(١) المصدر السابق.

(٢) مشيخة من لا يحضره الفقيه ٤ : ٤٦٠.

٧٥

«أخبرنا بجميع كتبه ورواياته جماعة ، عن ابن بابويه ، عن أبيه ومحمّد بن الحسن ، عن سعد والحميري ، عن إبراهيم بن هاشم ، عنه.

وأخبرنا بها ابن أبي جيد ، عن ابن الوليد ، عن الصفّار ، عن يعقوب بن يزيد ومحمّد بن الحسين وأيّوب بن نوح وإبراهيم بن هاشم ومحمّد بن عيسى بن عبيد ، عنه.

ورواها ابن بابويه ، عن أبيه وحمزة بن محمّد العلوي ومحمّد بن علي ماجيلويه ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عنه».

طريق رواية النوادر خاصّة :

ثمّ روى كتاب النوادر بطريق خاصّ مضافا إلى طرقه العامّة لرواية كتبه ؛ وهو هذا : «وأخبرنا بالنوادر خاصّة جماعة ، عن أبي المفضّل ، عن حميد ، عن عبيد الله بن أحمد بن نهيك ، عن ابن أبي عمير.

وأيضا أخبرنا بها جماعة ، عن أبي القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه ، عن أبي القاسم جعفر بن محمّد الموسوي ، عن ابن نهيك ، عن ابن أبي عمير».

وذكر النجاشي (٤٥٠ ه‍) طرقا مختلفة إلى رواية كتبه بعضها مثل الطوسي (١) ثمّ خصّ النوادر بالذكر ورواه بطريق خاصّ فقال : «فأمّا التي رواها عنه عبيد الله بن أحمد بن نهيك فإنّي سمعتها من القاضي أبي الحسين محمّد بن عثمان بن الحسن يقرأ عليه : حدّثكم الشريف الصالح أبو القاسم جعفر بن محمّد بن إبراهيم قراءة عليه ، قال : حدّثنا معلّمنا عبيد الله بن أحمد بن نهيك ، عن ابن أبي عمير بنوادره».

وبالجملة : قد وقع ابن أبي عمير في كثير من طرق الصدوق في كتابه هذا ؛

__________________

(١) المصدر السابق ، وطريق الشيخ إلى ما رواه عن ابن أبي عمير في مشيخته ١٠ / ٧٩ ، أيضا هو هذا ، فيعلم أنّه أخذ أخباره في التهذيب من النوادر.

٧٦

وهذه أرقامه : (٥ و ٧ و ٨ و ١٨ و ١٩ و ٢٦ و ٢٧ و ٣٩ و ٤٠ و ١٠٧ و ١٠٩ و ١١٤ و ١١٥ و ١١٦ و ١١٩ و ١٢١ و ١٢٦ و ١٣٢ و ١٤٨ و ١٤٩ و ١٥٨ و ١٦٩ و ١٧٨ و ١٩٦ و ٢٠٠ و ٢١١ و ٢١٢ و ٢٢٢ و ٢٢٧ و ٢٢٨ و ٢٣٤ و ٢٣٥ و ٢٤٠ و ٢٦٧ و ٣٠٨ و ٣١١ و ٣٣٩ و ٣٤١ و ٣٧٨ و ٤٠٥ و ٤٤١ و ٤٤٢).

وطرقه إليه في هذه الأرقام هي هذه :

١ ـ محمّد بن بابويه ، عن أبيه وأحمد بن زياد بن جعفر الهمداني ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ....

٢ ـ محمّد بن بابويه ، عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله ، عن يعقوب بن يزيد وأحمد بن محمّد بن عيسى ، عن ابن أبي عمير ....

٤ ـ محمّد بن بابويه ، عن ابن الوليد ، عن الصفّار ، عن إبراهيم بن هاشم وأيّوب بن نوح ويعقوب بن يزيد ، عن ابن أبي عمير ....

٥ ـ محمّد بن بابويه ، عن جعفر بن محمّد بن مسرور ، عن الحسين بن محمّد بن عامر ، عن عمّه عبد الله ، عن ابن أبي عمير ....

ثمّ تتشعّب الطرق بعد ابن أبي عمير حيث يروي عن جماعة كثيرة ؛ مثل :

جميل بن صالح ، ومعاوية بن عمّار ، وهشام بن صالح ، وهشام بن سالم ، وأبان بن عثمان ، وعبد الرحمن بن الحجّاج ، وأبان بن تغلب ، وعلي بن يقطين ، وعلي بن أبي حمزة ، وغياث بن إبراهيم ، وجميل بن صالح ، وأبي علي البصري ، وعلي بن معبد ، وابن بكير ، ومنصور بن يونس.

وهذه أوّل قرينة على أنّ الأسماء الواقعة قبل ابن أبي عمير شأنهم شأن رواة كتابه للصدوق ، وابن أبي عمير هو صاحب مصدر الصدوق للحديث ، والأسماء الواقعة بعده هم رواة الحديث لابن أبي عمير ؛ نعم لعلّ ابن أبي عمير أيضا أخذ عن كتبهم إن كانوا أصحاب كتب.

وأمّا الطرق التي ذكرناه من كتاب القصص فكلّها معروفة في أسانيد الأخبار

٧٧

وكتب المشيخات ، وروى الشيخ الطوسي والنجاشي رحمهما‌الله كتب ابن أبي عمير عن طريق هذه المشايخ (١).

وتوجد في الأسانيد المنتهية إلى ابن أبي عمير في كتاب قصص الأنبياء طريق برقم : (٣٣٨) وهو هكذا :

«محمّد بن بابويه ، عن الحاكم أبي محمّد جعفر بن محمّد بن شاذان النيسابوري ، عن أبي عبد الله محمّد بن شاذان ، عن الفضل بن شاذان ، عن ابن أبي عمير ...».

أقول :

أوّلا : الظاهر وقوع تصحيف في السند ، وجاء السند صحيحا في حديث آخر رواه الصدوق في كتاب عيون أخبار الرضا عليه‌السلام وهو هكذا :

«حدّثني عبد الواحد بن محمّد بن عبدوس ، قال : قال أبو الحسن علي بن محمّد بن قتيبة النيسابوري ، قال : قال أبو محمّد الفضل بن شاذان ؛

وحدّثنا الحاكم أبو جعفر محمّد بن نعيم بن شاذان النيسابوري رحمه‌الله ، عن عمّه أبي عبد الله محمّد بن شاذان ، قال : قال الفضل بن شاذان النيسابوري ...» (٢).

وأمّا طريق القصص الذي جاء في بحار الأنوار وفيه : «عن أبيه» بدلا من : «أبي عبد الله محمّد بن شاذان» فهو من إضافة العلّامة المجلسي يعلم من منهجه الذي اختاره في تأليف البحار وهو تلخيص الأسانيد ؛ فهكذا فهم رحمه‌الله العبارة من ظاهر السند المذكور في نسخ كتاب القصص (٣).

__________________

(١) انظر الأسانيد والطرق الواقعة في كتب الصدوق وغيرها من الكتب خصوصا الكافي للكليني. ولاحظ : فهرست الطوسي : ٤٠٥ / ٦١٨ ، مشيخة من لا يحضره الفقيه ٤ : ٤٦٠.

(٢) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ١٠٦ / ١. وانظر : علل الشرائع ١ : ٢٥٦ / ٩.

(٣) بحار الأنوار ٦ : ٥٨ / ١.

٧٨

ثانيا : لا شكّ بأنّ المطلب المذكور في كتاب العيون من كتاب العلل للفضل (١) ، والطريق طريق لرواية كتابه ، بقي هنا أنّ طريق القصص من أيّ مصدر؟ والأسامي الواقعة في السند من هي صاحب مصدر الصدوق؟ وهل هو لرواية كتاب الفضل أم هو راوي كتاب ابن أبي عمير؟

ففي الجواب نقول :

لهذه الجهة استعرضنا لجميع السند في كتاب العيون لأن نبيّن ـ للقرّاء الكرام ـ من الطريق الأوّل الذي هو معروف برواية ابن قتيبة النيسابوري التلميذ الخاصّ للفضل وراوي ميراثه (٢) أنّ الحاكم النيسابوري المذكور وعمّه ، هما من رواة ميراث الفضل من كتبه ورواياته لكتب الأصحاب لا غيره.

كما هما غير معروفين وليس لهما كتاب ولا مصنّف ولم يذكرهما الشيخ والنجاشي في فهرستيهما بل عرفا بعنوان رواة ميراث الفضل (٣) ، وليس في السند راو آخر صاحب كتاب إلّا الفضل وابن أبي عمير ، فمن كثرة رواية الصدوق في كتاب النبوّة عن كتاب ابن أبي عمير وتعدّد طرقه إليه ـ كما مرّ ـ ، وأيضا من أنّ الفضل يعدّ من رواة ميراث ابن أبي عمير وكتبه ـ كما هو ظاهر لمن تتبّع كتب الأصحاب وهو خبير على الأسانيد ـ ففي هذا الطريق ـ يعني طريق الصدوق ـ شأن

__________________

(١) الرجال للنجاشي : ٣٠٧ ، الفهرست للطوسي : ٣٦١ ، الذريعة ١٥ : ٣١٢ / ١٩٩٦.

(٢) ترجمه النجاشي فقال عنه : ٢٥٩ / ٦٧٨ : «علي بن محمّد بن قتيبة النيسابوري ـ عليه اعتمد أبو عمرو الكشّي في الرجال ـ أبو الحسن صاحب الفضل بن شاذان وراوية كتبه».

(٣) انظر : اختيار معرفة الرجال ١ : ٤١٢ و ٢ : ٤٥٨ / ٣٥٧ و ٨٢٤ / ١٠٣٧ و ٨٣١ / ١٠٥٦ و ٨٣٣ و ٨٥٥ / ١١٠٥. وذكر الشيخ الطوسي في الرجال : ٤٢٣ / ٦٠٩٦ ذيل ترجمة حيدر بن شعيب بن عيسى الطالقاني ما نصّه : «خاصّي ، نزيل بغداد ، يكنّى أبا القاسم ، روى عنه التلعكبري وسمع منه سنة ستّ وعشرين وثلاثمائة ، وقال : روى كتب الفضل بن شاذان عن أبي عبد الله محمّد بن نعيم بن شاذان المعروف بالشاذاني ابن أخ الفضل ، وله منه إجازة».

٧٩

الفضل واسطة لرواية كتاب ابن أبي عمير ولا غير.

ونحن نرى العناوين المبهمة ؛ مثل : «عمّن ذكره» «عن رجل» «رفعه إلى» «بإسناده» وغيرها وقعت ـ في بعض الأسانيد ـ بعد ابن أبي عمير ، فلابدّ أن يكون صاحب المصدر قبله لا بعده (١) كما مرّ الكلام عنه.

وهناك نكتة هامّة :

وهي أنّه قد مرّ أنّ لعلي بن إبراهيم القمّي كتاب الأنبياء فلأيّ سبب لم نقل : إنّ الروايات التي وقع في أسانيدها علي بن إبراهيم هي من كتابه الأنبياء بل هي من كتاب ابن أبي عمير فنقول : من البعيد جدّا أنّ المصدر المأخوذ منه هو كتاب علي بن إبراهيم ؛ لأنّه يبعد أن تكون الطرق الواقعة في كتابه الأنبياء كلّها برواية أبيه عن ابن أبي عمير ، وليس له طريق آخر في كتابه غير هذا الطريق كما لا يخفى.

٢ ـ المحاسن (كتاب أحكام الأنبياء والرسل) لأحمد بن أبي عبد الله البرقي

هو أبو جعفر أحمد بن أبي عبد الله محمّد بن خالد بن عبد الرحمن بن محمّد ابن علي البرقي الكوفي المتوفّى ٢٧٤ ه‍ أو ٢٨٠ ه‍ ، وقد وثقّه علماء الرجال (٢) ، ونقل النجاشي عن أحمد بن الحسين رحمه‌الله من تاريخه قوله : «توفّي أحمد بن أبي عبد الله البرقي في سنة أربع وسبعين ومائتين ، وقال علي بن محمّد ماجيلويه :

__________________

(١) انظر : قصص الأنبياء الرقم : ١٧٨ و ٢٢٧ و ٢٣٥ و ٣٠٨.

(٢) انظر : الرجال للنجاشي : ٧٦ / ١٨٢ ، الفهرست للطوسي : ٥١ / ٦٥ ، خلاصة الأقوال للعلّامة الحلّي : ١٤ ، الرعاية لحال البداية في شرح الدراية للشهيد الثاني : ١٦٥ ، بحار الأنوار للعلّامة المجلسي ١ : ٨ ، البلغة للمحقّق البحراني : ٣٣٠ .. وغيرهم من علماء الفنّ في غيرها من المصادر.

٨٠