قصص الأنبياء عليهم السلام - ج ١

قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي [ قطب الدين الراوندي ]

قصص الأنبياء عليهم السلام - ج ١

المؤلف:

قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي [ قطب الدين الراوندي ]


المحقق: عبدالحليم عوض الحلّي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة العلامة المجلسي رحمه الله
المطبعة: عمران
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-91180-2-1
ISBN الدورة:
978-600-91180-7-6

الصفحات: ٤٥٤

فأتاه أصحاب له ، فقالوا : يا أيّوب ، ما كان أحد من الناس في أنفسنا ولا خير علانية (١) عندنا منك ، فلعلّ هذا الشيء كنت أسررته فيما بينك وبين ربّك لم تطلع عليه أحدا ، فابتلاك الله من أجله ، فجزع جزعا شديدا ودعى ربّه ، فشفاه الله تعالى وردّ عليه ما كان له من قليل أو كثير في الدنيا ، قال : وسألته عن قوله تعالى : (وَوَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً)(٢) فقال : الذين كانوا ماتوا (٣).

[١٦٥ / ٣] ـ وعن ابن بابويه ، عن محمّد بن الحسن ، عن محمّد بن الحسن الصفّار ، عن يعقوب بن يزيد ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : لمّا طال بلاء أيّوب عليه‌السلام ، ورأى إبليس صبره أتى إلى أصحاب له كانوا رهبانا في الجبال ، فقال لهم : مرّوا بنا إلى هذا العبد المبتلى نسأله عن بليّته ، قال : فركبوا وجاؤوه ، فلمّا قربوا منه نفرت بغالهم فقرّبوها بعضا إلى بعض ، ثمّ مشوا إليه وكان فيهم شابّ حدث ، فسلّموا على أيّوب وقعدوا ، وقالوا : يا أيّوب ،

__________________

(١) في البحار زيادة : (خيرا).

(٢) سورة ص : ٤٣.

(٣) عنه في بحار الأنوار ١٢ : ٣٥٠ / ١٩.

وورد مضمونه في تفسير القمّيّ ٢ : ٢٣٩ وعنه في بحار الأنوار ١٢ : ٣٤١ / ٣ وقصص الأنبياء للجزائريّ : ٢٢٩ ، وعلل الشرائع ١ : ٧٥ / ١ وص ٧٦ / ٥ وعنه في بحار الأنوار ١٢ : ٣٤٤ / ٤ و ٥ وج ٦٠ : ٢٠٠ / ١٧.

وقد جاء في تفسير الآية (٨٤) من سورة الأنبياء (وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَذِكْرى لِلْعابِدِينَ) .. قال القمّيّ في تفسيره ٢ : ٧٤ : حدّثنا محمّد بن جعفر ، قال حدّثنا محمّد بن عيسى بن زياد ، عن الحسن بن عليّ بن فضّال ، عن عبد الله بن بكير وغيره ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «أحيى الله له أهله الذين كانوا قبل البليّة ، وأحيى له أهله الذين ماتوا وهو في البليّة .. وعنه في بحار الأنوار ١٢ : ٣٤٦ / ٦.

وقال الطبرسيّ في تفسير مجمع البيان ٧ : ١٠٦ عن ابن عبّاس وابن مسعود : «ردّ الله سبحانه عليه أهله الذين هلكوا بأعيانهم ، وأعطاه مثلهم معهم ، وكذلك ردّ الله عليه أمواله ومواشيه بأعيانها ، وأعطاه مثلها معها» ، وبه قال الحسن وقتادة ، وهو المروي عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

٣٦١

لو أخبرتنا بذنبك ، فلا نرى تبتلي بهذا البلاء إلّا لأمر كنت تسرّه.

قال أيّوب صلوات الله عليه : وعزّة ربّي إنّه ليعلم أنّي ما أكلت طعاما قطّ إلّا ومعي يتيم أو ضعيف يأكل معي ، وما عرض لي أمران كلاهما طاعة إلّا أخذت بأشدّهما على بدني.

فقال الشابّ : سوءة لكم عمدتم إلى نبيّ الله ، فعنّفتموه حتّى أظهر من عبادة ربّه ما كان يستر (١) فعند ذلك دعا ربّه وقال : ربّ (أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ)(٢).

وقال : قيل لأيّوب صلوات الله عليه بعد ما عافاه الله تعالى : أيّ شيء أشدّ ممّا مرّ عليك؟ قال : شماتة الأعداء (٣).

فصل

[رفع البلاء عن أيّوب عليه‌السلام]

[١٦٦ / ٤] ـ وبإسناده عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله صلوات الله عليه قال : أمطر الله على أيّوب من السماء فراشا من ذهب ، فجعل أيّوب صلوات الله عليه يأخذ ما كان خارجا من داره فيدخله داره ، فقال جبرئيل عليه‌السلام : أما تشبع يا أيّوب؟ قال : ومن يشبع من فضل ربّه (٤).

__________________

(١) في «م» : (يسرّ).

(٢) سورة ص : ٤١.

(٣) عنه في بحار الأنوار ١٢ : ٣٥١ / ٢١.

وورد صدره في تفسير القمّيّ ٢ : ٢٤٠ ـ ٢٤١ باختلاف يسير ، وذيله في ص ٢٤٢ ضمن حديث طويل : عن أبيه ، عن ابن فضّال ، عن عبد الله بن بحر ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام .. وعنه في بحار الأنوار ١٢ : ٣٤٢ وص ٢٤٤ / ضمن الحديث ٣ وتفسير الصافي ٤ : ٣٠٤ وتفسير نور الثقلين ٤ : ٤٦٤ / ضمن الحديث ٦٩ وقصص الأنبياء للجزائريّ : ٢٣٠.

(٤) عنه في بحار الأنوار ١٢ : ٣٥٢ / ٢٢. ـ

٣٦٢

[١٦٧ / ٥] ـ وبالإسناد المتقدّم (*) عن وهب بن منبّه : أنّ أيّوب كان في زمن يعقوب بن إسحاق صلوات الله عليهم ، وكان صهرا له ، تحته ابنة يعقوب يقال لها : إليا ، وكان أبوه ممّن آمن بإبراهيم صلوات الله عليه ، وكانت أمّ أيّوب ابنة لوط ، وكان لوط جدّ أيّوب صلوات الله وسلامه عليهما أبا أمّه.

ولمّا استحكم البلاء على أيّوب من كلّ وجه صبرت عليه امرأته ، فحسدها إبليس على ملازمتها بالخدمة ، وكانت بنت يعقوب ، فقال لها : ألست أخت يوسف الصدّيق؟ قالت : بلى ، قال : فما هذا الجهد وهذه البليّة التي أراكم فيها؟

قالت : هو الذي فعل بنا ليأجرنا بفضله علينا ، لأنّه أعطاه بفضله منعما ثمّ أخذه ليبتلينا ، فهل رأيت منعما أفضل منه؟ فعلى إعطائه نشكره ، وعلى ابتلائه نحمده ، فقد جعل لنا الحسنيين كلتيهما ، فابتلانا (١) ليرى صبرنا ، ولا نجد على الصبر قوّة إلّا بمعونته وتوفيقه ، فله الحمد والمنّة على ما أولانا وأبلانا ، فقال لها : أخطأت خطأ عظيما ليس من هيهنا ألحّ عليكم البلاء وأدخل عليها شبها دفعتها كلّها.

وانصرفت إلى أيّوب صلوات الله عليه مسرعة وحكت له ما قال اللعين ، فقال أيّوب : قاتل الله اللعين (٢) لقد حرص على قتلي ، إنّي لأقسم بالله لأجلدنّك مائة ـ لم أصغيت إليه ـ إن شفاني (٣) الله (٤).

__________________

ـ ورواه القمّيّ في تفسيره ٢ : ٢٤٢ بتفاوت في ألفاظه ، وعنه في بحار الأنوار ١٢ : ٣٤٤ ضمن الحديث ٣ وتفسير الصافي ٤ : ٣٠٥ / ذيل الحديث ٤٤ وتفسير نور الثقلين ٤ : ٤٦٦ / ذيل الحديث ٦٩ وقصص الأنبياء للجزائريّ : ٢٣١.

(*) تقدّم الإسناد برقم : (٥٥).

(١) في «ر» «س» «ص» والبحار : (فابتلاه).

(٢) في البحار : (القائل إبليس) بدلا من : (قاتل الله اللعين).

(٣) في «ر» «س» : (عافاني) ، والمثبت من «ص» «م» والبحار.

(٤) عنه في بحار الأنوار ١٢ : ٣٥٢ / صدر الحديث ٢٣.

٣٦٣

[١٦٨ / ٦] ـ قال وهب : قال ابن عبّاس : فأحيى الله لهما أولادهما وأموالهما وردّ عليه كلّ شيء لهما بعينه ، وأوحى الله تعالى إليه : (وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ)(١) ، فأخذ ضغثا من قضبان دقاق من شجرة يقال لها : الثّمام (٢) ، فبرّ به يمينه وضربها ضربة واحدة ، وقيل : أخذ عشرة منها فضربها بها عشر مرّات ، وكان عمر أيّوب ثلاثا وسبعين سنة (٣) قبل أن يصيبه البلاء فزاده الله مثلها ثلاثا وسبعين سنة أخرى (٤).

فصل

في نبوّة شعيب عليه‌السلام

[١٦٩ / ٧] ـ أخبرنا السيّد ذو الفقار بن معبد الحسنيّ ، عن الشيخ أبي جعفر الطوسيّ ، عن الشيخ المفيد ، عن أبي جعفر بن بابويه ، حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل ، حدّثنا عليّ بن الحسين السعد آباديّ ، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقيّ ، عن الحسن بن محبوب ، عن هشام بن سالم ، عن سعد الإسكاف ، عن عليّ بن الحسين صلوات الله عليهما قال : إنّ أوّل من عمل المكيال والميزان شعيب النبيّ عليه‌السلام عمله بيده ، فكانوا يكيلون ويوفون ، ثمّ إنّهم بعد طفّفوا في المكيال

__________________

(١) ص : ٤٤.

(٢) الثمام وزان غراب نبت يسدّ به خصاص البيوت ، الواحدة ثمامة ، كما في المصباح المنير : ٨٤ ، وفي الإفصاح في فقه اللغة ٢ : ٢٠ / ١ : هو عشب من الفصيلة النجيلية ينبت خيطانا دقاقا صغار العيدان كالكولان ، وفي ترتيب كتاب العين ١ : ٢٥٠ : الثمام ما كسر من أغصان الشجر فوضع نضدا للثياب ونحوه ، وإذا يبس فهو الثمام ، وقيل : بل هو شجر اسمه الثمام.

(٣) قوله : (سنة) لم ترد في «م» والبحار.

(٤) عنه في بحار الأنوار ١٢ : ٣٥٢ / ذيل الحديث ٢٣.

٣٦٤

وبخسوا في الميزان فأخذتهم الرجفة فعذّبوا بها فأصبحوا في ديارهم جاثمين (١).

[قصّة قبر شعيب بن صالح]

[١٧٠ / ٨] ـ وبهذا الإسناد عن ابن محبوب ، عن يحيى بن زكريّا ، عن سهل (٢) ابن سعيد ، قال : بعثني هشام بن عبد الملك أستخرج له بئرا في رصافة عبد الملك (٣) فحفرنا منها مائتي قامة ، ثمّ بدت لنا جمجمة رجل طويل ، فحفرنا ما حولها ، فإذا رجل قائم على صخرة عليه ثياب بيض ، وإذا كفّه اليمنى على رأسه على موضع ضربة برأسه ، فكنّا إذا نحّينا يده عن رأسه (٤) سالت الدماء ، وإذا تركناها عادت فسدّت الجرح ، وإذا في ثوبه مكتوب : أنا شعيب بن صالح رسول رسول الله شعيب النبيّ عليه‌السلام (٥) إلى قومه فضربوني وأضرّوا بي وطرحوني في هذا الجبّ ، وهالوا عليّ التراب ، فكتبنا إلى هشام بما رأيناه فكتب : أعيدوا عليه التراب كما كان واحتفروا في مكان آخر (٦).

[الباقر عليه‌السلام قام مقام شعيب عليه‌السلام]

[١٧١ / ٩] ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا أحمد بن عليّ ، عن أبيه ، عن جدّه إبراهيم

__________________

(١) عنه في بحار الأنوار ١٢ : ٣٨٢ / ٦ وقصص الأنبياء للجزائريّ : ٢٤٤.

(٢) في الخرائج والجرائح ٢ : ٥٥٢ (سهيل).

(٣) الظاهر أنّها رصافة الشام ، وتعرف برصافة هشام بن عبد الملك في غربي الرقة بناها هشام لما وقع الطاعون بالشام ، وكان يسكنها في الصيف ، وشربهم من صهاريج لبعدها عن الفرات (مراصد الإطلاع ٢ : ٦١٨).

(٤) قوله : (عن رأسه) ليس في «ر» «س».

(٥) قوله : (شعيب النبيّ عليه‌السلام) ليس في البحار.

(٦) عنه في بحار الأنوار ١٢ : ٣٨٣ / ٧ وقصص الأنبياء للجزائريّ : ٢٤٤ ونقله القطب في الخرائج والجرائح ٢ : ٥٥٢ و ٣ : ١١٦٧ عن كتاب النبوّة للشيخ الصدوق وعنه في بحار الأنوار ١٢ : ٣٨٣ / ٧.

٣٦٥

ابن هاشم ، عن عليّ بن معبد ، عن عليّ بن عبد العزيز ، عن يحيى بن بشير ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله صلوات الله عليه ، قال : بعث هشام بن عبد الملك إلى أبي عليه‌السلام ، فأشخصه إلى الشام ، فلمّا دخل عليه قال له : يا أبا جعفر ، إنّما بعثت إليك لأسألك عن مسألة لم يصلح أن يسألك عنها غيري ، ولا ينبغي أن يعرف هذه المسألة إلّا رجل واحد.

فقال له أبي : يسألني أمير المؤمنين عمّا أحبّ ، فإن علمت أجبته ، وإن لم أعلم قلت : لا أدري ، وكان الصدق أولى بي.

فقال هشام : أخبرني عن الليلة التي قتل فيها عليّ بن أبي طالب ، بما (١) استدلّ الكاتب (٢) عن المصر الذي قتل فيه عليّ وما كانت العلامة فيه للناس ، وأخبرني هل كانت لغيره في قتله عبرة؟

فقال له أبي : إنّه لمّا كانت الليلة التي قتل فيها عليّ صلوات الله عليه لم يرفع عن وجه الأرض حجر إلّا وجد تحته دم عبيط حتّى طلع الفجر.

وكذلك كانت الليلة التي فقد فيها هارون أخو موسى عليهما‌السلام.

وكذلك كانت الليلة التي قتل فيها يوشع بن نون.

وكذلك كانت الليلة التي رفع فيها عيسى بن مريم عليهما‌السلام.

وكذلك كانت الليلة التي قتل فيها الحسين صلوات الله عليه.

فتربّد وجه هشام ، وامتقع (٣) لونه ، وهمّ أن يبطش بأبي ، فقال له أبي : يا أمير المؤمنين ، الواجب على الناس الطاعة لإمامهم والصدق له بالنصيحة ، وإنّ الذي دعاني إلى ما أجبت به أمير المؤمنين فيما سألني عنه معرفتي بما يجب له من

__________________

(١) في «ر» «س» : (إنّما) ، والمثبت عن «ص» «م» والبحار.

(٢) في البحار ٤٦ : ٣١٥ وإثبات الهداة : (الغائب) ، وفي البحار ٤٢ : ٣٠٢ (النائي) بدلا من : (الكاتب).

(٣) في «ص» «م» : (وانتقع) ، وامتقع أي : تغيّر من حزن أو فزع وفي ترتيب كتاب العين ٣ : ١٨٣٣ انتقع لون الرجل وامتقع أصوب إذا تغيّر.

٣٦٦

الطاعة ، فليحسن ظنّ أمير المؤمنين.

فقال له هشام : أعطني عهد الله وميثاقه ألّا ترفع هذا الحديث إلى أحد ما حييت ، فأعطاه أبي من ذلك ما أرضاه.

ثمّ قال هشام : انصرف إلى أهلك إذا شئت ، فخرج أبي متوجّها من الشام نحو (١) الحجاز ، وأبرد هشام بريدا وكتب معه (٢) إلى جميع عمّاله ما بين دمشق إلى يثرب يأمرهم أن لا يأذنوا لأبي في شيء من مدينتهم ، ولا يبايعوه في أسواقهم ، ولا يأذنوا له في مخالطة أهل الشام حتّى ينفذ إلى الحجاز ، فلمّا انتهى إلى مدينة مدين ومعه حشمه ، وأتاه بعضهم فأخبره أنّ زادهم قد نفد ، وأنّهم قد منعوا من السوق ، وأنّ باب المدينة أغلق.

فقال أبي : فعلوها؟ ائتوني بوضوء ، فأتي بماء فتوضّأ ، ثمّ توكّأ على غلام له ، ثمّ صعد الجبل حتّى إذا صار في ثنيّة استقبل القبلة ، فصلّى ركعتين ، ثمّ قام وأشرف على المدينة ، ثمّ نادى بأعلى صوته ، وقال : (وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ* وَيا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ* بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)(٣) ثمّ وضع يده على صدره ، ثمّ نادى بأعلى صوته : أنا والله بقيّة الله ، أنا والله بقيّة الله.

قال : وفي (٤) أهل مدين شيخ كبير قد بلغ السنّ وأدّبته التجارب ، وقد قرأ الكتب ، وعرفه أهل مدين بالصلاح ، فلمّا سمع النداء قال لأهله : أخرجوني ،

__________________

(١) في «ر» «س» : (يريد).

(٢) في «ر» «س» : (له) ، والمثبت عن «م» والبحار.

(٣) هود : ٨٤ ـ ٨٦.

(٤) في البحار ٤٦ : ٣١٧ (وكان في).

٣٦٧

فحمل ووضع وسط المدينة ، فاجتمع الناس إليه ، فقال لهم : ما هذا النداء الذي سمعته من فوق الجبل؟

قالوا : هذا رجل يطلب السوق فمنعه السلطان من ذلك وحال بينه وبين منافعه ، فقال لهم الشيخ : تطيعونني؟ قالوا : اللهمّ نعم.

قال : قوم صالح إنّما ولي عقر الناقة منهم رجل واحد وعذّبوا جميعا على الرضا بفعله ، وهذا رجل قد قام مقام شعيب ، ونادى مثل نداء شعيب عليه‌السلام ، وهذا رجل ما بعده (١) ، فارفضوا السلطان وأطيعوني وأخرجوا إليه بالسوق فاقضوا حاجته ، وإلّا لم آمن والله عليكم الهلكة.

قال : ففتحوا الباب وأخرجوا السوق إلى أبي ، فاشتروا حاجتهم ودخلوا مدينتهم ، وكتب عامل هشام إليه بما فعلوه ، وبخبر الشيخ ، فكتب هشام إلى عامله بمدين بحمل الشيخ إليه ، فمات في الطريق رضى الله عنه (٢).

فصل

[شعيب عليه‌السلام وقومه]

[١٧٢ / ١٠] ـ أخبرنا السيّد عليّ بن أبي طالب السليقيّ (٣) ، عن جعفر بن محمّد

__________________

(١) قوله : (وهذا رجل ما بعده) لم يرد في البحار.

(٢) عنه في بحار الأنوار ٤٦ : ٣١٥ / ٣ بتمامه ، وفي ج ٤٢ : ٣٠٢ / ٢ إلى قوله : (الليلة التي قتل فيها الحسين صلوات الله عليه) ، وفي ج ١٣ : ٣٦٨ / ١٢ وج ١٤ : ٣٣٦ / ٤ (قطعة منه).

ورواه ابن قولويه في كامل الزيارات : ١٥٨ / ١ باختلاف في بعض ألفاظه إلى قوله : (من ذلك ما أرضاه) : عن أبيه ، عن يحيى بن بشير ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام .. وعنه في بحار الأنوار ٤٥ : ٢٠٣ / ٥.

وورد مضمونه في دلائل الإمامة لابن جرير الطبريّ : ٢٣٣ / ٢٦ وعنه في بحار الأنوار ٦٩ : ١٨١ / ٩ ، وانظر قصص الأنبياء للجزائريّ : ٤٧٣. وورد قسم من الحديث في إثبات الهداة : ٢ : ٤٦٤ / ٢١٣.

(٣) في «ص» : (السيقلي) ، وفي «م» : (الصيقلي) ، والمثبت موافق لما في رياض العلماء ٢ : ٤٢٧ و ٤٣٧.

٣٦٨

ابن العبّاس ، عن أبيه ، عن ابن بابويه ، حدّثنا محمّد بن عليّ ماجيلويه ، حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار ، عن الحسين بن الحسن بن أبان ، عن محمّد بن أورمة ، عن بعض أصحابنا ، عن سعيد بن جناح ، عن أيّوب بن راشد رفعه إلى عليّ عليه‌السلام قال : قيل له : يا أمير المؤمنين ، حدّثنا ، قال : إنّ شعيبا النبيّ صلوات الله عليه دعا قومه إلى الله حتّى كبرت سنّه ورقّ (١) عظمه ، ثمّ غاب عنهم ما شاء الله ، ثمّ عاد إليهم شابّا فدعاهم إلى الله ، فقالوا : ما صدّقناك شيخا ، فكيف نصدّقك شابّا؟ وكان عليّ عليه‌السلام يكرّر عليهم الحديث مرارا كثيرة (٢).

[١٧٣ / ١١] ـ وبهذا الإسناد عن ابن أورمة ، عمّن ذكره ، عن علاء ، عن فضيل بن يسار : قال أبو عبد الله صلوات الله عليه : لم يبعث الله عزوجل من العرب إلّا خمسة أنبياء : هودا ، وصالحا ، وإسماعيل ، وشعيبا ، ومحمّدا خاتم النبيّين صلوات الله عليهم ، وكان شعيب بكّاء (٣).

[شعيب عليه‌السلام ونقص المكيال]

[١٧٤ / ١٢] ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا محمّد بن إبراهيم الطالقانيّ ، حدّثنا أحمد ابن عمران بن خالد ، حدّثنا يحيى بن عبد الحميد ، حدّثنا عيسى بن راشد ، عن عليّ بن خزيمة ، عن عكرمة ، عن ابن عبّاس رضى الله عنه ، قال : إنّ الله تعالى بعث شعيبا إلى قومه ، وكان لهم ملك ، فأصابه منهم بلاء ، فلمّا رأى الملك أنّ القوم قد خصبوا أرسل إلى عمّاله ، فحبسوا على الناس الطعام ، وأغلوا أسعارهم ، ونقصوا مكائيلهم وموازينهم ، وبخسوا الناس أشياءهم ، وعتوا عن أمر ربّهم ، فكانوا مفسدين في

__________________

(١) في «ر» «س» : (دقّ) ، وفي البحار : (كبر سنّه ودقّ).

(٢) عنه في بحار الأنوار ١٢ : ٣٨٥ / ١٠ وقصص الأنبياء للجزائريّ : ٢٤٦.

(٣) عنه في بحار الأنوار ١١ : ٤٢ / ١١ وج ١٢ : ٣٨٥ / ١١ وقصص الأنبياء للجزائريّ : ٢٤٦.

٣٦٩

الأرض ، فلمّا رأى ذلك شعيب عليه‌السلام قال لهم : لا تنقصوا المكيال والميزان إنّي أراكم بخير ، وإنّي أخاف عليكم عذاب يوم محيط ، فأرسل الملك إليه بالإنكار.

فقال شعيب : إنّه منهيّ في كتاب الله تعالى ، والوحي الذي أوحى الله إليّ به : أنّ الملك إذا كان بمنزلتك التي نزلتها ينزل الله بساحته نقمته ، فلمّا سمع الملك ذلك أخرجه من القرية ، فأرسل الله إليه سحابة فأظلّتهم ، فأرسل عليهم في بيوتهم السموم ، وفي طريقهم الشمس الحارّة وفي القرية ، فجعلوا يخرجون من بيوتهم وينظرون إلى السحابة التي قد أظلّتهم من أسفلها ، فانطلقوا سريعا كلّهم إلى أهل بيت كانوا يوفون المكيال والميزان ولا يبخسون الناس أشياءهم ، فنصحهم الله وأخرجهم من بين العصاة ، ثمّ أرسل على أهل القرية من تلك السحابة عذابا ونارا فأهلكتهم ، وعاش شعيب عليه‌السلام مائتين واثنين وأربعين سنة (١).

فصل

[شعيب عليه‌السلام وأهل مدين]

[١٧٥ / ١٣] ـ وعن ابن بابويه حدّثنا أبو عبد الله محمّد بن شاذان ، عن أحمد بن عثمان المراوديّ (٢) ، حدّثنا أبو عليّ محمّد بن محمّد بن الحارث بن سفيان الحافظ السمرقنديّ ، حدّثنا صالح بن سعيد الترمذيّ ، عن عبد المنعم بن إدريس ، عن وهب بن منبّه اليمانيّ ، قال : إنّ شعيبا وأيّوب عليهما‌السلام وبلعم بن باعورا كانوا من ولد رهط آمنوا لإبراهيم يوم أحرق فنجا ، وهاجروا معه إلى الشام ، فزوّجهم بنات لوط ، فكلّ نبيّ كان قبل بني إسرائيل وبعد إبراهيم صلوات الله عليه من نسل أولئك الرهط ، فبعث الله شعيبا إلى أهل مدين ، ولم يكونوا فصيلة شعيب ولا قبيلته

__________________

(١) عنه في بحار الأنوار ١٢ : ٣٨٦ / ١٣.

(٢) في «ص» «م» : (المرواديّ).

٣٧٠

التي كان منها ، ولكنّهم كانوا أمّة من الأمم بعث إليهم شعيب صلوات الله عليه.

وكان عليهم ملك جبّار ، لا يطيقه أحد من ملوك عصره ، وكانوا ينقصون المكيال والميزان ، ويبخسون الناس أشياءهم ، مع كفرهم بالله وتكذيبهم لنبيّه وعتوّهم ، وكانوا يستوفون إذا اكتالوا لأنفسهم أو وزنوا لها ، وكانوا في سعة من العيش ، فأمرهم الملك باحتكار الطعام ونقص مكائيلهم وموازينهم ، ووعظهم شعيب فأرسل إليه الملك فقال : ما تقول أنت فيما صنعت أراض أنت أم ساخط؟

فقال شعيب : أوحى الله تعالى إليّ أنّ الملك إذا صنع مثل ما صنعت يقال له : ملك فاجر ، فكذّبه الملك وأخرجه وقومه من مدينته ، قال الله تعالى حكاية عنهم : (لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا)(١).

فزادهم شعيب في الوعظ (٢) ، فقالوا : يا شعيب ، أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء ، فآذوه بالنفي من بلادهم ، فسلّط الله عليهم الحرّ والغيم ، حتّى أنضجهم الله ، فلبثوا فيه تسعة أيّام ، وصار ماؤهم حميما لا يستطيعون شربه ، فانطلقوا إلى غيضة (٣) لهم ، وهو قوله تعالى : (وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ)(٤) فرفع الله لهم سحابة سوداء ، فاجتمعوا في ظلّها ، فأرسل الله عليهم نارا منها فأحرقتهم ، فلم ينج منهم أحد ، وذلك قوله تعالى : (فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ)(٥).

وإنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان (٦) إذا ذكر عنده شعيب قال : ذلك خطيب الأنبياء يوم

__________________

(١) الأعراف : ٨٨.

(٢) في «ص» «م» : (الوعد).

(٣) الغيضة الأجمة ، وهي الشجر الملتف وجمعه غياض (المصباح المنير : ٤٥٩).

(٤) ص : ١٣.

(٥) الشعراء : ١٨٩. وبعدها في «ر» زيادة : (قال :).

(٦) قوله : (كان) ليس في «ص» «م» والبحار.

٣٧١

القيامة ، فلمّا أصاب قومه ما أصابهم ، لحق شعيب والذين آمنوا معه بمكّة ، فلم يزالوا بها حتّى ماتوا.

والرواية الصحيحة : أنّ (١) شعيبا عليه‌السلام سار منها إلى مدين فأقام بها ، وبها لقيه موسى بن عمران صلوات الله عليهما أجمعين (٢).

__________________

(١) في «ر» «س» : (صحيحة وإنّ) بدلا من : (الصحيحة : أنّ).

(٢) عنه في بحار الأنوار ١٢ : ٣٨٤ / ٩ وقصص الأنبياء للجزائريّ : ٢٤٥.

٣٧٢

الباب الثّامن :

في نبوّة موسى بن عمران عليه‌السلام

٣٧٣
٣٧٤

[البشارة بنبوّة موسى عليه‌السلام وخوف فرعون]

[١٧٦ / ١] ـ أخبرنا الشيخ عليّ بن عبد الصمد ، عن أبيه ، حدّثنا السيّد أبو البركات الجوريّ (١) ، عن الشيخ أبي جعفر محمّد بن بابويه ، عن أبيه ، حدّثنا سعد بن عبد الله ، حدّثنا أحمد بن محمّد بن عيسى ، حدّثنا أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطيّ ، عن أبان بن عثمان ، عن محمّد الحلبيّ ، عن أبي عبد الله صلوات الله عليه قال : إنّ يوسف بن يعقوب عليهما‌السلام حين (٢) حضرته الوفاة جمع آل يعقوب وهم ثمانون رجلا ، فقال : إنّ هؤلاء القبط سيظهرون عليكم ، ويسومونكم سوء العذاب ، وإنّما ينجيكم الله برجل من ولد لاوي بن يعقوب اسمه موسى بن عمران ابن فاهث بن لاوي. غلام طويل (٣) ، جعد الشعر ، أدم اللون ، فجعل الرجل من بني إسرائيل يسمّي ابنه عمران ، ويسمّي عمران ابنه موسى.

فذكر أبان ، عن أبي الحصين ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله صلوات الله عليه أنّه قال : ما خرج موسى حتّى خرج ثمانون كذّابا من بني إسرائيل ، كلّهم يدّعي أنّه

__________________

(١) في «م» «ص» : (الحوزي) ، وفي «ر» «س» : (الخوريّ) ، والصواب ما أثبتناه وقد مرّ وجه ذلك.

(٢) في «ر» «س» : (لمّا).

(٣) في «ر» «س» «ص» : (طوّال).

٣٧٥

موسى بن عمران ، فبلغ فرعون أنّهم يرجفون (١) به ويطلبون هذا الغلام ، فقال له كهنته وسحرته : إنّ هلاك دينك وقومك (٢) على يدي هذا الغلام الذي يولد العام من بني إسرائيل.

قال : فوضع القوابل على النساء ، فلمّا رأى ذلك بنو إسرائيل قالوا : تعالوا لا نقرب النساء ، فقال عمران أبو موسى : آتوهنّ فإنّ أمر الله واقع ولو كره المشركون ، اللهمّ من تركه فإنّي لا أتركه ، ووقع على أمّ موسى ، فحملت ، فوضع على أمّ موسى قابلة تحرسها ، فإذا قامت قامت معها وإذا قعدت قعدت.

قال : فلمّا حملته أمّه وقعت عليه (٣) المحبّة ، وكذلك حجج الله على خلقه ، فقالت لها القابلة : مالك يا بنت ، تصفرين (٤) وتذوبين؟

فقالت : لا تلوميني فإنّي إذا ولدت أخذ ولدي فذبح. فقالت : فلا تحزني فإنّي سوف أكتم عليك ، فلم تصدّقها ، فلمّا أن ولدت التفتت إليها وهي مقبلة ، فقالت : ما شاء الله.

فقالت : ألم أقل : إنّي سوف أكتم عليك ، ثمّ حملته فأدخلته المخدع (٥) وأصلحت أمره (٦) ، ثمّ خرجت إلى الحرس وكانوا على الباب ، فقالت : انصرفوا فإنّما خرج دم مقطّع فانصرفوا فأرضعت (٧) ، فلمّا خافت عليه أوحى الله إليها : اجعليه في تابوت ، ثمّ أخرجيه ليلا فاطرحيه في نيل مصر ، فوضعته في التابوت

__________________

(١) في «ر» «س» : (يرجعون) ، والمثبت عن «م» والبحار. ويرجفون به أي : يخوضون في ذكره وأخباره.

(٢) قوله : (وقومك) لم يرد في «ر» «س».

(٣) في «ص» «م» والبحار : (عليها).

(٤) في «ر» «س» : (تصغرين).

(٥) المخدع : البيت الصغير الذي يكون داخل البيت الكبير.

(٦) في «ر» «س» : (شأنه).

(٧) في البحار : (فأرضعته).

٣٧٦

ثمّ دفعته في اليم ، فجعل يرجع إليها وجعلت تدفعه في الغمر (١) وأنّ الريح ضربته ، فانطلقت به ، فلمّا رأته قد ذهب به الماء همّت أن تصيح فربط الله على قلبها.

وقد كانت الصالحة امرأة فرعون ، وهي من بني إسرائيل قالت : إنّها أيّام الربيع فأخرجني حتّى أتنزّه هذه الأيّام ، فضرب لها قبّة على شطّ النيل إذ أقبل التابوت يريدها ، فقالت : هل ترون ما أرى على الماء؟ قالوا : إي والله يا سيّدتنا إنّا لنرى شيئا ، فلمّا دنا منها ثارت (٢) إلى الماء فتناولته بيدها ، وكاد الماء يغمرها حتّى صاحوا عليها ، فجذبته فأخرجته من الماء ، فأخذته فوضعته في حجرها فإذا غلام أجمل الناس ، فوقعت عليها له محبّة (٣) ، وقالت : هذا ابني.

فقالوا : إي والله يا سيّدتنا مالك ولد ولا للملك ، فاتّخذي هذا ولدا ، فقالت لفرعون : إنّي أصبت غلاما طيّبا نتّخذه ولدا ، فيكون قرّة عين لي ولك ، فلا تقتله ، قال : ومن أين هذا الغلام؟ قالت : ما أدري إلّا أنّ الماء جاء به ، فلم تزل به حتّى رضي.

فلمّا سمع الناس أنّ الملك يربّي ابنا لم يبق أحد من رؤوس من كان مع فرعون إلّا بعث امرأته إليه لتكون ظئرا له ، فأبى أن يأخذ من امرأة منهنّ ثديا ، قالت إمرأة فرعون : اطلبوا لا بني ظئرا ولا تحقّروا أحدا ، فجعل لا يقبل من امرأة منهنّ.

فقالت أمّ موسى لاخته : قصّيه ؛ انظري أثر من له أثر ، فانطلقت حتّى أتت باب الملك ، قالت : هيهنا امرأة صالحة تأخذ ولدكم وتكفله لكم ، قالت : ادخلوها ، فلمّا دخلت قالت لها امرأة فرعون : ممّن أنت؟

قالت : من بني إسرائيل ، قالت : اذهبي فليس (٤) لنا فيك حاجة ، فقال لها النساء :

__________________

(١) الغمر : معظم الماء (لسان العرب ١٠ : ١١٦).

(٢) أي نهضت (المصباح المنير : ٨٧).

(٣) في «ر» «س» : (المحبّة) ، والمثبت عن «م» والبحار.

(٤) في «ر» «س» : (فما).

٣٧٧

انظري هل يقبل ثديها؟

فقالت امرأة فرعون : إن يقبل هل يرضى فرعون بذلك؟ فيكون الغلام من بني إسرائيل ، والمرأة من بني إسرائيل ـ يعني الظئر ـ لا يرضى أبدا ، قلن : فانظري هل يقبل أم (١) لا يقبل؟

قالت امرأة فرعون : فاذهبي فادعيها فجاءت إلى أمّها فقالت : إنّ امرأة الملك تدعوك ، فدخلت عليها ، فدفعت إليها موسى فوضعته في حجرها ثمّ ألقمته ثديها فقبل ، فقامت امرأة فرعون إلى فرعون فقالت : إنّ ابنك قد أقبل على ثديها وقبلته ، فقال : وممّن هي؟ قالت : من بني إسرائيل.

قال : هذا ما لا يكون أبدا ، فلم تزل تكلّمه وتقول : لا نخاف (٢) من هذا الغلام ، إنّما هو ابنك ينشأ في حجرك حتّى قلبت رأيه ورضي.

فنشأ موسى في آل فرعون ، وكتمت أمّه خبره وأخته والقابلة ، حتّى هلكت الأمّ والقابلة ، وكان بنو إسرائيل تطلبه ، فبلغ فرعون أنّهم يسألون عنه فزاد في عذابهم ، فشكوا ذلك إلى شيخ لهم عنده علم ، فقال : إنّكم لا تزالون فيه حتّى يجيء الله بغلام من ولد لاوي بن يعقوب اسمه : موسى بن عمران ، غلام ، أدم ، جعد ، فبينا هم كذلك إذ أقبل موسى صلوات الله عليه يسير على بغلة حتّى وقف عليهم ، فرفع الشيخ رأسه فعرفه بالصفة ، فقال له : ما اسمك؟ قال : موسى.

قال : ابن من؟ فقال : ابن عمران ، فوثب إليه الشيخ وقبّل يده وثاروا إلى رجليه (٣) فقبّلوهما ، فعرفهم وعرفوه واتّخذهم (٤) شيعة ، فمكث بعد ذلك ما شاء

__________________

(١) في «ر» «س» والبحار : (أو).

(٢) في البحار : (ما تخاف).

(٣) أي نهضوا إلى رجليه (المصباح المنير : ٨٧).

(٤) في البحار : (واتّخذ).

٣٧٨

الله ، ثمّ خرج فدخل مدينة لفرعون فيها رجل من شيعته يقاتل رجلا قبطيّا فاستغاثه ، فوكز القبطيّ فمات ، فذكره الناس وشاع أمره أنّ موسى قتل رجلا من آل فرعون ، فكان خائفا حتّى جاءه رجل وقال : إنّهم يطلبونك ، فخرج من مصر بغير دابّة حتّى انتهى إلى أرض مدين ، فانتهى إلى أصل شجرة تحتها بئر وعندها أمّة من الناس وجاريتان معهما غنيمات (١) في ناحية ، فقال لهما : ما خطبكما؟

قالتا : أبونا شيخ كبير ونحن ضعيفتان لا نزاحم الرجال ، فإذا استقى (٢) الناس وانصرفوا سقينا من بقيّة مائهم ، فرحمهما موسى فأخذ الدلو واستقى وسقي لهما ، فرجعتا قبل الناس وجلس موسى موضعه.

قال أبو جعفر صلوات الله عليه (٣) : لقد قال : (رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ)(٤) وأنّه لمحتاج إلى شقّ تمرة. فلمّا رجعتا إلى أبيهما قال : ما أعجلكما!

قالتا : وجدنا صالحا رحمنا (٥) فسقي لنا ، فقال لإحداهما : اذهبي فادعيه (٦) فجاءت تمشي على استحياء ، قالت : إنّ أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا ، فقال موسى لها : وجّهيني إلى الطريق وامشي خلفي ، فإنّا بني يعقوب لا ننظر إلى النساء (٧).

فلمّا جاءه وقصّ عليه القصص ، قال : لا تخف نجوت (٨) ، ثمّ استأجره ليزوّجه

__________________

(١) في «ص» «م» والبحار : (غنيمة).

(٢) في «ر» «س» «ص» : (أسقى) ، وفي البحار : (سقى).

(٣) في «م» والبحار ١٣ : ٥٩ (أبو جعفر عليه‌السلام) ، ولم ترد في البحار ١٣ : ٤١ ولا في كمال الدين ١ : ١٥٠.

(٤) القصص : ٢٤.

(٥) في «ر» «س» : (فرحمنا) ، وفي البحار : (رحيما).

(٦) في البحار زيادة : (لي).

(٧) في «ر» «س» : (فإنّ بني يعقوب لا ينظر إلى النساء) ، وفي البحار : (فإنّا بنو يعقوب لا ننظر في أعجاز النساء) بدلا من : (فإنّا بني) إلى هنا.

(٨) في البحار زيادة : (من القوم الظالمين).

٣٧٩

ابنته ، فلمّا قضى موسى الأجل وسار بأهله نحو بيت المقدس أخطأ الطريق ليلا ، فأورى نارا فلم يمكنه الزند (١) ، فرأى نارا فقال لأهله : امكثوا (٢) لعلّي آتيكم منها بقبس أو خبر ، فلمّا انتهى إلى النار إذا شجرة تضطرم من أسفلها إلى أعلاها ، فلمّا دنا منها تأخّرت ثمّ دنته ، فنودي : أنّي أنا الله ربّ العالمين ، وأن ألق عصاك ، فألقاها فإذا هي حيّة مثل الجذع لأسنانها صرير يخرج من فمها مثل لهب (٣) النار ، فولّى مرتعدا ، فنودي : لا تخف وخذها ، فوقع عليه الأمان ووضع رجليه على ذنبها وتناول لحييها ، فإذا يده في شعبة العصا قد عادت عصا (٤).

فصل

[تزوج موسى عليه‌السلام بنت شعيب]

[١٧٧ / ٢] ـ وعن ابن بابويه ، عن أبيه ، حدّثنا سعد بن عبد الله ، حدّثنا أحمد ابن محمّد بن عيسى ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، قال : سألت أبا الحسن الرضا صلوات الله عليه عن قوله تعالى : (إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا)(٥) أهي التي تزوّج بها؟ قال : نعم ، ولمّا قالت : (اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ

__________________

(١) أورى : أخرج ناره (المصباح المنير : ٦٥٦) ، والزند يقدح به النار (المصباح المنير : ٢٥٦).

(٢) في البحار زيادة : (إنّي آنست نارا).

(٣) في «ر» «س» : (فيها مثل لهيب).

(٤) عنه في بحار الأنوار ١٣ : ٣٨ / ٩ وأيضا عن كمال الدين : ١٤٧ / ١٣ والسند في كمال الدين : عن أبيه ومحمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ، عن سعد بن عبد الله وعبد الله بن جعفر الحميري ومحمّد بن يحيى العطّار وأحمد بن إدريس جميعا عن أحمد بن محمّد بن عيسى .. (وباقي السند كما في المتن) وعنه أيضا في تفسير نور الثقلين ١ : ٧٩ / ١٩٣.

ونقل في البحار ١٣ : ٥٩ من قوله : (وقال أبو جعفر عليه‌السلام) إلى آخر الحديث باختلاف في المتن.

(٥) القصص : ٢٥.

٣٨٠