قصص الأنبياء عليهم السلام - ج ١

قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي [ قطب الدين الراوندي ]

قصص الأنبياء عليهم السلام - ج ١

المؤلف:

قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي [ قطب الدين الراوندي ]


المحقق: عبدالحليم عوض الحلّي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة العلامة المجلسي رحمه الله
المطبعة: عمران
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-91180-2-1
ISBN الدورة:
978-600-91180-7-6

الصفحات: ٤٥٤

فصل

[الذبيح إسماعيل أو إسحاق]

[١١٣ / ٧] ـ وعن ابن بابويه ، عن محمّد بن موسى بن المتوكّل ، حدّثنا عبد الله ابن جعفر الحميريّ ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسن بن محبوب ، عن داود بن كثير الرقّيّ قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أيّهما كان أكبر إسماعيل أم إسحاق؟ وأيّهما كان الذبيح؟

قال : كان إسماعيل أكبر بخمس سنين ، وكان الذبيح إسماعيل عليه‌السلام ، وكانت مكّة منزل إسماعيل عليه‌السلام ، ولمّا أراد إبراهيم أن يذبح إسماعيل أيّام الموسم بمنى قال الله تعالى : (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى)(١) ثمّ قال : (وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا)(٢) فمن زعم أنّ إسحاق أكبر من إسماعيل وأنّه كان الذبيح فقد كذّب بما أنزل الله تعالى في القرآن من نبأهما صلوات الله عليهما (٣).

[١١٤ / ٨] ـ وعن ابن بابويه ، عن أبيه ، حدّثنا عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليه الصلاة والسلام ، قال : كان لإبراهيم ابنان ، فكان أفضلهما ابن الأمة (٤).

[١١٥ / ٩] ـ وبإسناده عن ابن أبي عمير ، عن عبد الرحمن بن الحجّاج ، عن

__________________

(١) الصافّات : ١٠٢.

(٢) الصافّات : ١١٢.

(٣) عنه وعن معاني الأخبار : ٣٩١ / ٣٤ في بحار الأنوار ١٢ : ١٣٠ / ١١.

ورواه ابن شعبة الحرّانيّ في تحف العقول : ٣٧٥ بالمضمون ، وعنه في بحار الأنوار ٧٥ : ٢٦٠ / ١٥٥.

(٤) عنه في بحار الأنوار ١٢ : ١١٠ / ٣٥.

٣٠١

أبي عبد الله صلوات الله عليه في قوله تعالى : (وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِكَتْ)(١) يعني : حاضت ، وهي يومئذ ابنة تسعين سنة ، وإبراهيم ابن مائة وعشرين سنة ، قال : وإنّ قوم إبراهيم عليه‌السلام نظروا إلى إسحاق عليه‌السلام وقالوا : ما أعجب هذا وهذه ـ يعنون إبراهيم عليه‌السلام وسارة ـ أخذا صبيّا وقالا : هذا ابننا يعنون إسحاق ، فلمّا كبر لم يعرف هذا وهذا لتشابههم (٢) حتّى صار إبراهيم يعرف بالشّيب.

قال : فثنى إبراهيم عليه‌السلام لحيته ، فرأى فيها طاقة بيضاء فقال : اللهمّ ما هذا؟ فقال : وقار فقال : اللهمّ زدني وقارا (٣).

[إبراهيم عليه‌السلام وملك الموت]

[١١٦ / ١٠] ـ وبإسناده عن ابن أبي عمير ، عن أبان بن عثمان ، عن محمّد بن مروان ، عن زرارة ، عن أبي جعفر صلوات الله عليه قال : كان إبراهيم عليه‌السلام رجلا (٤) غيورا ، كان إذا خرج أغلق بابه ، فرجع يوما فرأى رجلا في داره عليه ثوبان أبيضان يقطر رأسه ماء ودهنا ، فقال له : من أنت؟

فقال : أنا ملك الموت ، ففزع إبراهيم عليه‌السلام فقال : جئت لتسلبني روحي؟ قال :

__________________

(١) هود : ٧١.

(٢) في البحار : (لتشابههما).

(٣) عنه في بحار الأنوار ١٢ : ١١٠ / ٣٦.

وروى ذيله في كتاب من لا يحضره الفقيه ١ : ١٣٠ / ٣٣٦.

وروى الكلينيّ ذيله في الكافي ٦ : ٤٩٢ / ٥ بلفظ آخر : عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حفص بن البحتريّ ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : كان الناس لا يشيبون ، فأبصر إبراهيم عليه‌السلام شيبا في لحيته ، فقال : يا ربّ ، ما هذا؟ فقال : هذا وقار ، فقال : يا ربّ ، زدني وقارا.

وفي علل الشرائع ١ : ١٠٤ / ١ عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله ، عن أيّوب بن نوح ، عن ابن أبي عمير .. وعنه في بحار الأنوار ١٢ : ٨ / ١٩ وج ٧٣ : ١٠٦ / ٤ بعين متن الكافي.

(٤) قوله : (رجلا) لم يرد في «ر» «س».

٣٠٢

لا ولكن اتّخذ الله عبدا خليلا فجئته ببشارة ، فقال : ومن هو؟ قال : وما تريد منه؟ قال إبراهيم عليه‌السلام : أخدمه حتّى أموت ، فقال : أنت هو (١).

[١١٧ / ١١] ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا عبد الله بن داود ، عن عبد الله بن هلال ، عن أبي عبد الله صلوات الله عليه قال : لمّا جاء المرسلون إلى إبراهيم صلوات الله عليه جاءهم بالعجل ، فقال : كلوا ، قالوا : لا نأكل حتّى تخبرنا ما ثمنه؟ قال : إذا أكلتم فقولوا : بسم الله ، وإذا فرغتم فقولوا : الحمد لله.

فقال : فالتفت جبرئيل عليه‌السلام إلى أصحابه وكانوا أربعة وجبرئيل رئيسهم ، فقال : حقّ لله أن يتّخذ هذا خليلا (٢).

__________________

(١) رواه العيّاشيّ في تفسيره ١ : ٢٧٧ / ٢٨٠ بتقديم وتأخير مع تفاوت يسير بسندين : عن سليمان بن الفرّاء ، عمّن ذكره ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام .. ، وعن محمّد بن هارون ، عمّن رواه ، عن أبي جعفر عليه‌السلام .. وعنه في تفسير الصافي ١ : ٥٠٣ عن الباقر عليه‌السلام ، والكلينيّ في الكافي ٨ : ٣٩٢ / ٥٨٩ بسنده المذكور في بحار الأنوار ٥٦ : ٢٥٧ / ٢١ : عن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد وعليّ بن إبراهيم ، عن أبيه جميعا ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عن أبان بن عثمان ، عن محمّد بن مروان ، عمّن رواه عن أبي جعفر عليه‌السلام .. ، والصدوق في علل الشرائع ١ : ٣٥ / ٥ : عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله ، عن يعقوب بن يزيد ، عن محمّد بن أبي عمير .. وعنه في بحار الأنوار ١٢ : ٤ / ١١.

ويؤيّد ذلك ما رواه البرقيّ في المحاسن ١ : ١١٥ / ١١٧ : عن أحمد بن محمّد ، عن ابن محبوب ، عن رجل ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : كان إبراهيم عليه‌السلام غيورا وأنا غيور ، وجدع الله أنف من لا يغار.

(٢) رواه العيّاشيّ في تفسيره ٢ : ١٥٣ / ٤٧ باختصار في أوّله : عن عبد الله بن أبي هلال ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام .. وعنه في بحار الأنوار ١٢ : ١٦٨ / ٢٦ وتفسير الصافي ٢ : ٤٥٩.

ورواه الصدوق في علل الشرائع ١ : ٣٥ / ٦ : عن محمّد بن الحسن ، عن محمّد بن يحيى العطّار ، عن الحسين بن الحسن بن أبان ، عن محمّد بن أورمة ، عن عبد الله بن محمّد ، عن داود بن أبي يزيد ، عن عبد الله بن هلال ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام .. وعنه في بحار الأنوار ١٢ : ٥ / ١٢ وج ٦٣ : ٣٦٨ / ٣ ووسائل الشيعة ٢٤ : ٣٥٥ / ١٠ وتفسير نور الثقلين ١ : ٥٥٥ / ٥٨٧ وتفسير كنز الدقائق ٢ : ٦٣٥ وقصص الأنبياء للجزائريّ : ١١١.

٣٠٣

[الهجرة إلى مكّة]

[١١٨ / ١٢] ـ وعن ابن أورمة ، حدّثنا عمرو بن عثمان (١) ، عن العنقزيّ (٢) ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن حارثة بن مضرب ، عن عليّ عليه‌السلام قال : شبّ إسماعيل وإسحاق فتسابقا فسبق إسماعيل ، فأخذه إبراهيم عليه‌السلام فأجلسه في حجره وأجلس إسحاق إلى جنبه ، فغضبت سارة وقالت : أما إنّك قد جعلت أن لا تسوّي بينهما فاعزلهما (٣) عنّي ، فانطلق إبراهيم عليه‌السلام بإسماعيل صلوات الله عليهما وبأمّه هاجر حتّى أنزلهما بمكّة ، فنفد طعامهم ، فأراد إبراهيم أن ينطلق فيلتمس لهم طعاما ، فقالت هاجر : إلى من تكلنا؟ فقال : أكلكم إلى الله تعالى.

وأصابهما جوع شديد ، فنزل جبرئيل عليه‌السلام وقال لهاجر : إلى من وكلكما؟ قالت : وكلنا إلى الله.

قال : لقد وكلكما إلى كاف ، ووضع جبرئيل يده في زمزم ثمّ طواها ، فإذا الماء قد نبع ، فأخذت هاجر قربة مخافة أن يذهب الماء ، فقال جبرئيل : إنّها تبقى فادعي ابنك فشربا وعاشا حتّى أتاهم إبراهيم عليه‌السلام فأخبرته الخبر فقال : هو جبرئيل عليه‌السلام (٤).

[قصّة الصفا والمروة]

[١١٩ / ١٣] ـ وبإسناده عن ابن أبي عمير ، عن معاوية بن عمّار ، قال : سألت أبا عبد الله عليه الصلاة والسلام عن السعي ، فقال : إنّ إبراهيم عليه‌السلام لمّا خلّف هاجر

__________________

(١) في النسخ : (عمرة بن عثمان) وهو تصحيف ، والمثبت عن البحار ، وهو الصحيح (عرفانيان).

(٢) في النسخ : (العبقري) ، والصواب ما أثبتناه وقد مرّ وجهه في أوّل الكتاب.

(٣) في «ص» «م» والبحار : (فاعزلها).

(٤) عنه في بحار الأنوار ١٢ : ١١١ / ٣٧ وقصص الأنبياء للجزائريّ : ١٤٧.

٣٠٤

أمّ إسماعيل عطش الصبيّ ولم يكن بمكّة ماء ، فأتت هاجر إلى الصفا ، فصعدت فوقها ، ثمّ نادت : هل بالوادي من أنيس؟ فلم يجبها أحد ، فرجعت إلى المروة حتّى فعلت ذلك سبعا ، فأجرى بذلك سنّة.

قال : فأتاها جبرئيل وهي على المروة ، فقال لها : من أنت؟ فقالت : أنا أمّ ولد إبراهيم. فقال : إلى من ترككما (١)؟ قالت : إلى الله تعالى ، فقال : ولقد وكلكما إلى كاف.

قال : وفحص الصبيّ برجله (٢) فنبعت زمزم ، ورجعت هاجر إلى الصبيّ ، فلمّا رأت الماء قد نبع جمعت التراب حوله ولو تركته لكان سيحا.

قال : ومرّ ركب من اليمن يريد سفرا فلمّا رأوا الطير قد حلقت قالوا : وما حلقت إلّا على ماء ، وقد كانوا يتجنّبون منه ، لأنّه لم يكن بها ماء ، فأتوهم فأطعموهم وسقوهم ، وكان الناس يمرّون بمكّة ، فيطعمونهم من الطعام وهم يسقونهم من الماء (٣).

[١٢٠ / ١٤] ـ وعن ابن بابويه عن أبيه ، حدّثنا سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن النعمان ، عن سيف بن عميرة ، عن أبي بكر الحضرميّ قال :

__________________

(١) في «ر» «س» «ص» : (ترككم) ، وفي العلل : (وكلكم).

(٢) في «ص» : (وفحص الصبي رجله) ، وفي العلل والبحار : (ففحص الصبي برجله).

(٣) رواه البرقيّ في المحاسن ٢ : ٣٣٧ / ١١٩ باختلاف يسير : عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن معاوية بن عمّار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام .. وعنه في بحار الأنوار ١٢ : ١١٣ / ٤٣.

ورواه الكلينيّ في الكافي ٤ : ٢٠٢ / ٢ : عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن معاوية ابن عمّار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام .. وعنه في بحار الأنوار ١٢ : ١٠٦ / ١٩ ومنتقى الجمان ٣ : ٢٨.

ورواه الصدوق في علل الشرائع ٢ : ٤٣٢ / ١ عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله ، عن يعقوب بن يزيد ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن معاوية بن عمّار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام .. وعنه في بحار الأنوار ١٢ : ١٠٦ / ١٩ وج ٩٦ : ٢٣٣ / ٣ ووسائل الشيعة ١٣ : ٤٧ / ١٠ وتفسير نور الثقلين ١ : ١٤٥ / ٤٦١ وتفسير كنز الدقائق ١ : ٣٨٦.

٣٠٥

قال أبو عبد الله صلوات الله عليه : إنّ إسماعيل دفن أمّه في الحجر وجعله عليها (١) لئلّا يوطأ قبرها (٢).

فصل

[نبي الله إبراهيم عليه‌السلام وزوجة ابنه]

[١٢١ / ١٥] ـ وبإسناده عن ابن أبي عمير ، عن أبان ، عن عقبة ، عن أبي عبد الله صلوات الله عليه قال : إنّ إسماعيل لمّا تزوّج امرأة من العمالقة يقال لها : سامة (٣) وأنّ إبراهيم اشتاق إليه ، فركب حمارا ، فأخذت عليه سارة ألّا ينزل حتّى يرجع ، قال : فأتاه وقد هلكت (٤) أمّه فلم يوافقه ووافق امرأته ، فقال لها : أين زوجك؟

__________________

(١) في الكافي : (وحجر عليها) ، وفي علل الشرايع : (وجعله عاليا ، وجعل عليها حائطا) ، وفي البحار : (وجعل عليها حائطا) بدلا من : (وجعله عليها).

(٢) عنه في بحار الأنوار ١٢ : ١٠٤ / ١٣ وج ٩٦ : ٢٠٣ / ١٤ ومستدرك الوسائل ٩ : ٣٩٦ / ٤.

وورد في الكافي ٤ : ٢١٠ / ١٣ : عن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد .. إلى آخر السند في المتن ، وعنه في بحار الأنوار ١٢ : ١٠٤ / ١٣ ووسائل الشيعة ١٣ : ٣٥٣ / ٢.

وفي رواية أخرى في الكافي ٤ : ٢١٠ / ١٥ : عن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة بن أيّوب ، عن معاوية بن عمّار قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الحجر أمن البيت هو أو فيه شيء من البيت؟ فقال : لا ، ولا قلامة ظفر ، ولكن إسماعيل عليه‌السلام دفن أمّه فيه فكره أن توطأ ، فحجر عليه حجرا ، وفيه قبور أنبياء.

وورد في علل الشرائع ١ : ٣٧ / ١ : عن محمّد بن الحسن الصفّار ، عن العبّاس بن معروف ، عن عليّ بن مهزيار ، عن الحسن بن سعيد ، عن عليّ بن النعمان .. إلى آخر السند في المتن ، وعنه في بحار الأنوار ١٢ : ١٠٤ / ١٣ ووسائل الشيعة ١٣ : ٣٥٣ / ٢.

وورد بالمضمون في كتاب من لا يحضره الفقيه ٢ : ٢٣٢ / صدر الحديث ٢٢٨٢ ، وعنه في وسائل الشيعة ١٣ : ٣٥٥ / ٧.

(٣) في «ر» «س» : (شامة) ، والمثبت من «ص» «م» والبحار.

(٤) في «ر» «س» : (ماتت).

٣٠٦

فقالت : خرج يتصيّد.

فقال : كيف حالكم؟ فقالت : حالنا شديد وعيشنا شديد ، قال : ولم تعرض عليه المنزل ، فقال : إذا جاء زوجك فقولي له : جاء هيهنا شيخ وهو يأمرك أن تغيّر عتبة بابك.

فلمّا أقبل إسماعيل صلوات الله عليه وصعد الثنية وجد ريح أبيه ، فأقبل إليها وقال : أتاك أحد؟ قالت : نعم شيخ قد سألني عنك ، فقال لها : هل أمرك بشيء؟ قالت : نعم ، قال لي : إذا دخل زوجك فقولي له : جاء شيخ وهو يأمرك أن تغيّر عتبة بابك ، قال : فخلّى سبيلها.

ثمّ إنّ إبراهيم عليه‌السلام ركب إليه الثانية ، فأخذت عليه سارة أن لا ينزل حتّى يرجع ، فلم يوافقه ، ووافق امرأته ، فقال : أين زوجك؟ قالت : خرج ـ عافاك الله ـ إلى الصيد ، فقال : كيف أنتم؟ فقالت : صالحون.

قال : وكيف حالكم؟ قالت : حسنة ونحن بخير ، انزل يرحمك الله حتّى يأتي ، قال : فأبى ولم تزل به تزيده على النزول فأبى.

قالت : أعطني رأسك حتّى أغسّله ، فإنّي أراه شعثا ، فجعلت له غسولا ، ثمّ أدنت منه الحجر ، فوضع قدمه عليه ، فغسلت جانب رأسه ، ثمّ قلبت قدمه الأخرى فغسلت الشقّ الآخر ثمّ سلّم عليها وقال : إذا جاء زوجك فقولي له : قد جاء هيهنا شيخ وهو يوصيك بعتبة بابك خيرا.

ثمّ إنّ إسماعيل صلوات الله عليه أقبل فلمّا انتهى الثنيّة وجد ريح أبيه ، فقال لها : هل أتاك أحد؟ قالت : نعم شيخ ، وهذا أثر قدميه ، فأكبّ على المقام وقبّله.

وقال : شكى إبراهيم عليه‌السلام إلى الله ما يلقى من سوء خلق سارة ، فأوحى الله إليه : أنّ مثل المرأة مثل الضلع الأعوج إن تركته استمتعت به وإن أقمته كسرته.

وقال : إنّ إبراهيم عليه‌السلام تزوّج سارة وكانت من أولاد الأنبياء على أن لا يخالفها

٣٠٧

ولا يعصي لها أمرا فيما وافق الحقّ ، وأنّ إبراهيم كان يأتي مكّة من الحيرة في كلّ يوم (١).

[١٢٢ / ١٦] ـ وعن ابن بابويه ، عن محمّد بن موسى بن المتوكّل ، حدّثنا عبد الله ابن جعفر ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى (٢) ، عن ابن محبوب ، عن عبد الرحمن ابن الحجّاج ، قال : سمعت أبا عبد الله صلوات الله عليه يقول : إنّ إبراهيم عليه‌السلام استأذن سارة أن يزور إسماعيل بمكّة ، فأذنت له على أن لا يبيت عنها ولا ينزل عن حماره ، قلت : كيف كان ذلك؟ قال : طويت له الأرض (٣).

فصل

[١٢٣ / ١٧] ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا محمّد بن الحسن ، حدّثنا محمّد بن يحيى

__________________

(١) عنه في بحار الأنوار ١٢ : ١١١ / ٣٨.

وورد قريب منه في تفسير مجمع البيان ١ : ٣٨٠ : عن ابن عبّاس .. وعنه في بحار الأنوار ١٢ : ٨٤ / الباب الخامس في أحوال أولاده وأزواجه صلوات الله عليهم ، وبناء البيت.

وأورده الجزائريّ في قصص الأنبياء : ١٣٩ بلفظ (وروي).

(٢) قوله : (أحمد بن محمّد بن عيسى) عن نسخة الشيخ المحدّث الحرّ العاملي في وسائل الشيعة ١١ : ١٣٢ / ٣٤ ، ورواية الحميري عن الحسن بن محبوب هنا مرسلة إن كان المراد به (ابن محبوب) كما لا يخفى ، لأنّه توفّى سنة ٢٢٤ والمعهود وجود الواسطة بينهما.

وأمّا واسطة أحمد بن محمّد بن عيسى فجاء في كثير من الأسانيد (انظر : علل الشرايع ٢ : ٥٣٧ / ٦ ومعاني الأخبار : ٢٥٣ / ١ و ٢٥٥ / ٢ ، و ٢٩١ / ١ ، عقاب الأعمال : ٣٠٢ / ٧٦ ، ٣٢٥ / ١ ، الأمالي : ٣٤٠ / ٤). (من إفادات السيّد الشبيري الزنجاني).

ولعلّ المراد ب : (ابن المحبوب) هو : أحمد بن محبوب ، وقد ورد اسمه ـ بنفس طريق المتن ـ في بعض الأسانيد إن لم يصحّف الحسن بأحمد أو لم يسقط منه شيء. (انظر : ثواب الأعمال : ٢٢٧).

(٣) عنه في بحار الأنوار ١٢ : ١١٢ / ٣٩.

ورواه الطبرسيّ في تفسير مجمع البيان ١ : ٣٨١ وعنه في بحار الأنوار ١٢ : ٨٥.

٣٠٨

العطّار ، عن الحسين بن الحسن بن أبان ، عن محمّد بن أورمة ، عن يحيى اللحّام ، عن سماعة بن مهران ، عن أبي عبد الله صلوات الله عليه ، قال : إنّ إبراهيم ناجى ربّه فقال : يا ربّ (١) ، كيف ذا العيال من قبل أن يجعل له من ولده خلفا يقوم بعده في عياله؟ فأوحى الله تعالى إليه : يا إبراهيم ، أو تريد لها خلفا منك يقوم مقامك من بعدك (٢) خيرا منّي؟ قال إبراهيم : اللهمّ (٣) لا ، الآن طابت نفسي (٤).

[١٢٤ / ١٨] ـ وعن ابن بابويه ، عن محمّد بن عليّ ماجيلويه ، عن محمّد بن أبي القاسم ، عن محمّد بن عليّ البرقيّ ، عن أحمد بن محمّد ، عن أبان بن عثمان ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إنّ إسماعيل صلوات الله عليه توفّي ، وهو ابن مائة وثلاثين سنة ، ودفن في الحجر (٥) مع أمّه ، فلم يزل بنو إسماعيل ولاة الأمر يقيمون للنّاس حجّهم وأمر دينهم يتوارثونها كابرا عن كابر حتّى كان زمان عدنان بن أدد. (٦)

[١٢٥ / ١٩] ـ وعن ابن بابويه ، عن أبيه ، حدّثنا سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عن أبان ، عمّن ذكره ، عن مجاهد ، عن ابن عبّاس ، قال : كانت الخيل العرابة (٧) وحوشا بأرض العرب ، فلمّا رفع إبراهيم وإسماعيل صلوات الله عليهما القواعد من البيت ، قال : إنّي أعطيتك

__________________

(١) قوله : (يا ربّ) لم يرد في «ر» «س» ، والمثبت من «ص» «م» والبحار.

(٢) قوله : (من بعدك) لم يرد في «ر» «س».

(٣) قوله : (اللهمّ) من «ص» «م» والبحار.

(٤) عنه في بحار الأنوار ١٢ : ٨٢ / ١١.

(٥) في «ص» «م» والبحار : (بالحجر) بدلا من : (في الحجر).

(٦) عنه في بحار الأنوار ١٢ : ١١٣ / ٤١.

وورد مضمونه في الكافي ٤ : ٢١٠ / صدر الحديث ١٧ وعنه في بحار الأنوار ١٥ : ١٧٠ / ٩٧ وتفسير نور الثقلين ٥ : ٢٤٢ / ٦٣.

(٧) في البحار : (العراب) ، قال في المصباح المنير : ٤٠١ خيل عراب خلاف البراذين ، الواحد عربي.

٣٠٩

كنزا لم أعط أحدا كان قبلك ، فخرج إبراهيم وإسماعيل صلوات الله عليهما حتّى (١) صعدا ، فقالا : ألا هلا ألا هلمّ ، فلم يبق في أرض العرب فرس إلّا أتاه وذلّل له فأعطته بنواصيها. (٢)

فصل في وفاة إبراهيم عليه‌السلام

[١٢٦ / ٢٠] ـ عن ابن بابويه ، عن أبيه حدّثنا عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن أبان بن عثمان ، عن أبي بصير ، عن أحدهما صلوات الله عليهما ، قال : كان سبب وفاة إبراهيم عليه‌السلام أنّه أتاه ملك الموت ليقبضه فكره إبراهيم ، فرجع ملك الموت إلى ربّه ، فقال : إنّ إبراهيم كره الموت ، فقال : دع إبراهيم فإنّه يحبّ أن يعبدني حتّى رأى إبراهيم شيخا يأكل ويخرج منه ما يأكله ، فكره (٣) الحياة

__________________

(١) قوله : (حتّى) من «ص» «م» ، وفي البحار : (حتّى صعدا جيادا) ، وفي العلل : (حتّى صعدوا جيادا) ، وفي المحاسن : (فصعد إبراهيم وإسماعيل على جياد) ، وفي الكافي : (فصعد إبراهيم وإسماعيل على جبل جياد) ، وفي الفقيه : (فصعد إبراهيم وإسماعيل على أبي قبيس).

أقول : الجياد كما في الصحاح اسم جبل بمكّة.

(٢) رواه الصدوق في علل الشرائع ١ : ٣٧ / ١ بنفس السند والمتن مع زيادة فيه : (وإنّما سمّيت جيادا لهذا ، فما زالت الخيل بعد تدعو الله أن يحببها إلى أربابها ، فلم تزل الخيل حتّى اتّخذها سليمان ، فلمّا ألهته ، أمر بها أن تمسح أعناقها وصوفها حتّى بقي أربعون فرسا) ، وعنه في بحار الأنوار ١٢ : ١٠٤ / ١٦ وج ٦١ : ١٥٤ / ٥ ووسائل الشيعة ١١ : ٤٦٧ / ٤.

وورد في المحاسن ٢ : ٦٣٠ / ١٠٩ باختصار : عن غير واحد من أصحابه ، عن أبان الأحمر ، رفعه إلى أبي عبد الله عليه‌السلام .. والكافي ٥ : ٤٧ / ١ : عن عدّة من أصحابه ، عن أحمد بن محمّد ، عن غير واحد ، عن أبان ، عن زرارة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام .. وعنهما في بحار الأنوار ٦١ : ١٥٥ / ٦ ، ومن لا يحضره الفقيه ٢ : ٢٨٦ / ٢٤٦٤ وعنها في وسائل الشيعة ١١ : ٤٦٦ / ٢.

(٣) في «ر» «س» زيادة : (من).

٣١٠

وأحبّ الموت ، فأتى داره فإذا فيها أحسن صورة ما رآها قطّ.

قال : من أنت؟ قال : أنا ملك الموت ، فقال : يا سبحان ، من هذا الذي يكره قربك ورؤيتك وأنت بهذه الصورة ، قال : يا خليل الله ، إنّ الله تعالى إذا أراد بعبد خيرا بعثني إليه في هذه الصورة ، وإذا أراد بعبد شرّا بعثني إليه في صورة غيرها وقبض إبراهيم عليه‌السلام بالشام (١).

[١٢٧ / ٢١] ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا علي بن أحمد بن موسى (٢) ، حدّثنا محمّد ابن هارون الصوفيّ ، حدّثنا عبيد الله بن موسى الحبّال الطبريّ (٣) ، حدّثنا محمّد بن الحسين الخشّاب ، حدّثنا محمّد بن محسن ، عن يونس بن ظبيان ، قال : قال لي الصادق عليه‌السلام : يا يونس ، قال أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام : لمّا أراد الله تعالى قبض روح إبراهيم عليه‌السلام هبط إليه ملك الموت عليه‌السلام فقال : السلام عليك يا إبراهيم ، فقال : وعليك السلام يا ملك الموت ، أداع أنت أم ناع؟ قال : بل داع (٤) فأجبه ، فقال إبراهيم : هل رأيت خليلا يميت خليله.

قال : فرجع ملك الموت حتّى وقف بين يدي الله تعالى ، فقال : إلهي قد سمعت ما قال خليلك إبراهيم عليه‌السلام. فقال الله جلّ جلاله : يا ملك الموت ، اذهب إليه

__________________

(١) رواه الصدوق في علل الشرائع ١ : ٣٨ / ١ بتفاوت يسير : عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد ابن محمّد بن عيسى ، عن أحمد بن أبي نصر ، عن أبان بن عثمان ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام .. وعنه في بحار الأنوار ١٢ : ٧٩ / ٨ ومستدرك الوسائل ٢ : ٩٥ / ٥ وقصص الأنبياء للجزائريّ : ١٣٧.

(٢) في النسخ : (أحمد بن موسى) بسقط (علي بن) ، وما أثبتناه هو الصواب ، وهو الذي يعرف بالدقّاق وقد أكثر ابن بابويه من الرواية عنه ، وروى الخبر بنفس السند في الأمالي ، فراجع.

(٣) في النسخ : (عبد الله بن موسى الجمّال الطبري) ، والصحيح ما أثبتناه (انظر : الأمالي للصدوق : ٩١ / ٥ و ٢٦٣ / ١ و ٢٦٥ / ٥ و ٦٠٥ ، والخصال : ١٨٨ / ٢٥٩ ، وعلل الشرائع ١ : ٢٣٤ / ١).

(٤) في العلل : (بل ناع يا إبراهيم).

٣١١

وقل له : هل رأيت حبيبا يكره لقاء حبيبه؟ إنّ الحبيب يحبّ لقاء حبيبه (١).

[١٢٨ / ٢٢] ـ وتوفّي إبراهيم بالشام ، ولم يعلم إسماعيل صلوات الله عليهما بموته ، فتهيّأ لقصده (٢) ، فنزل جبرئيل عليه‌السلام فعزّاه بإبراهيم ، وقال : يا إسماعيل ، لا تقل في موت أبيك ما يسخط الربّ ، وإنّما كان عبدا دعاه الله تعالى فأجابه (٣).

[١٢٩ / ٢٣] ـ ولمّا ترعرع إسماعيل وكبر أعطوه سبعة أعنز ، فكانوا (٤) أصل ماله ، فنشأ وتكلّم بالعربيّة وتعلّم الرمي ، وكان إسماعيل صلوات الله عليه بعد موت أمّه تزوّج امرأة من جرهم اسمها زعلة أو عمادة (٥) ، وطلّقها ولم تلد له شيئا ، ثمّ تزوّج السيّدة بنت الحرث بن مضاض فولدت له ، وكان عمر إسماعيل مائة وسبعة وثلاثين سنة ، ومات صلوات الله عليه ودفن في الحجر ، وفيه قبور الأنبياء عليهم‌السلام ، ومن أراد أن يصلّي فيه فلتكن صلاته على ذراعين من طوفه ممّا يلي باب البيت ،

__________________

(١) رواه الصدوق في الأمالي : ٢٦٤ / ٢ ، بنفس السند والمتن وفيه : عن يونس بن ظبيان ، عن الصادق عليه‌السلام ، عن أبيه ، عن عليّ بن الحسين ، عن أبيه ، عن أمير المؤمنين عليه‌السلام .. وعنه في بحار الأنوار ٦ : ١٢٧ / ٨ ومستدرك الوسائل ٢ : ٩٤ / ٤ وقصص الأنبياء للجزائريّ : ١٣٦.

وعلل الشرائع ١ : ٣٦ / ٩ : عن عليّ بن أحمد ، عن محمّد بن هارون الصوفي ، عن أبي بكر عبد الله ابن موسى ، عن محمّد بن الحسين الخشّاب ، عن محمّد بن محصن ، عن يونس بن ظبيان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام .. وعنهما في بحار الأنوار ١٢ : ٧٨ / ٧.

وأورده الفتّال النيسابوريّ في روضة الواعظين : ٤٨٨.

(٢) في البحار ١٢ : ٩٦ : (تهيّأ إسماعيل لأبيه إبراهيم).

(٣) رواه الصدوق في علل الشرائع ٢ : ٥٨٨ ـ ٥٨٩ / ضمن ح ٣٢ بتفاوت : عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن العبّاس بن معروف ، عن عليّ بن مهزيار ، عن الحسن بن سعيد ، عن عليّ بن منصور ، عن كلثوم بن عبد المؤمن الحرانيّ ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام .. وعنه في بحار الأنوار ١٢ : ٩٦ / ضمن ح ٥ وج ٩٦ : ٥٦ / ضمن ح ٦.

(٤) في «ص» «م» : (فكان ذلك).

(٥) في «ر» «س» : (وعلة أو عمارة).

٣١٢

فإنّه موضع شبير وشبّر ابني هارون عليه‌السلام (١).

[ماريا بن أوس ونبي الله إبراهيم عليه‌السلام]

[١٣٠ / ٢٤] ـ وكان على عهد إبراهيم عليه‌السلام رجل يقال له : ماريا بن أوس ، قد أتت عليه ستّمائة وستّون سنة ، وكان يكون في غيضة (٢) له بينه وبين الناس خليج من ماء غمر (٣) ، وكان يخرج إلى الناس في كلّ ثلاث سنين ، فيقيم في الصحراء في محراب له يصلّي فيه ، فخرج ذات يوم فيما كان يخرج ، فإذا هو بغنم كان عليها الدهن ، فأعجب بها وفيها شاب كأنّ وجهه شقّة قمر ، فقال : يا فتى ، لمن هذا الغنم؟

قال : لإبراهيم خليل الرحمن ، قال : فمن أنت؟ قال : أنا ابنه إسحاق ، فقال ماريا في نفسه : اللهمّ أرني عبدك وخليلك حتّى أراه قبل الموت.

ثمّ رجع إلى مكانه ورفع إسحاق خبره إلى أبيه فأخبره بخبره ، فكان إبراهيم يتعاهد ذلك المكان الذي هو فيه ، وكان يصلّي فيه يوما فرآه ، فسأله عن اسمه وما أتى عليه من السنين فخبّره ، فقال : أين تسكن؟ فقال : في غيضة.

فقال إبراهيم عليه‌السلام : إنّي أحبّ أن آتي موضعك فأنظر إليه وكيف عيشك فيها ، قال : إنّي أيبّس من الثمار الرطب ما يكفيني إلى قابل ، ولكن لا تقدر أن تصل إلى ذلك الموضع فإنّه خليج وماء غمر. فقال له إبراهيم : فمالك فيه معبر؟ قال : لا.

قال : فكيف تعبر؟ قال : أمشي على الماء ، قال إبراهيم : لعلّ الذي سخّر لك الماء يسخّره لي.

__________________

(١) عنه في بحار الأنوار ١٢ : ١١٢ / ٤٠.

(٢) الغيضة : الأجمة ، مجتمع شجر في مغيض الماء ، وفي المصباح المنير : ٤٥٩ : الغيضة : الأجمة وهي الشجر الملتف وجمعه غياض.

(٣) الغمر بفتح الغين وسكون الميم : الكثير ، أي يغمر من دخله ويغطيه (لسان العرب ١٠ : ١١٦).

٣١٣

قال : فانطلق وبدأ ماريا فوضع رجله في الماء وقال : بسم الله ، قال إبراهيم عليه‌السلام : بسم الله ، فالتفت ماريا وإذا إبراهيم يمشي كما يمشي هو ، فتعجّب من ذلك ، فدخل الغيضة ، فأقام معه إبراهيم صلوات الله عليه ثلاثة أيّام لا يعلمه من هو ، ثمّ قال له : يا ماريا ، ما أحسن موضعك ، هل لك أن تدعو الله أن يجمع بيننا في هذا الموضع؟

فقال : ما كنت لأفعل. قال : ولم؟ قال : لأنّي دعوته بدعوة منذ ثلاث سنين فلم يجبني فيها ، قال : وما الذي دعوته؟ فقصّ عليه خبر الغنم وإسحاق ، فقال إبراهيم عليه‌السلام : فإنّ الله قد استجاب منك أنا إبراهيم ، فقام وعانقه فكانت أوّل معانقة (١).

__________________

(١) عنه في بحار الأنوار ١٢ : ٩ / ٢٣ وقصص الأنبياء للجزائريّ : ١١٢.

٣١٤

الباب الخامس :

في ذكر لوط وذي القرنين عليهما‌السلام

٣١٥
٣١٦

[قصّة نبي الله لوط عليه‌السلام وقومه]

[١٣١ / ١] ـ أخبرنا الأستاذ أبو جعفر محمّد بن المرزبان ، عن الشيخ أبي عبد الله جعفر الدوريستيّ ، عن أبيه ، عن ابن بابويه ، حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل ، حدّثنا عبد الله بن جعفر الحميريّ ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن ابن محبوب ، عن مالك بن عطيّة ، عن أبي حمزة الثماليّ ، عن أبي جعفر صلوات الله عليه قال : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سأل جبرئيل : كيف كان مهلك قوم لوط؟

فقال : إنّ قوم لوط كانوا أهل قرية لا يتنظّفون عن الغائط ، ولا يتطهّرون من الجنابة ، بخلاء أشحّاء على الطعام ، وأنّ لوطا لبث فيهم ثلاثين سنة ، وإنّما كان نازلا فيهم ولم يكن منهم ، ولا عشيرة له فيهم ولا قوم ، وأنّه دعاهم إلى الله تعالى وإلى الإيمان به واتّباعه ، ونهاهم عن الفواحش ، وحثّهم على طاعة الله فلم يجيبوه ولم يطيعوه.

وأنّ الله لمّا أراد عذابهم بعث إليهم رسلا عذرا أو نذرا (١) ، فلمّا عتوا عن أمره بعث الله إليهم ملائكة ليخرجوا من كان فيها من المؤمنين ، وقالوا : يا لوط ، أسر بأهلك ، فلمّا انتصف الليل سار لوط عليه‌السلام ببناته وتولّت امرأته مدبرة ، فانطلقت إلى

__________________

(١) في العلل وتفسير العيّاشيّ : (منذرين عذرا نذرا).

٣١٧

قومها تسعى بلوط وتخبرهم أنّ لوطا سار ببناته.

وإنّي نوديت من تلقاء العرش لمّا طلع الفجر : يا جبرئيل ، حقّ القول من الله بحتم عذاب قوم لوط اليوم ، فاهبط إلى قرية لوط وماحوت ، وأقلبها (١) من تحت سبع أرضين ، ثمّ أعرج بها إلى السماء وأوقفها حتّى يأتيك أمر الجبّار في قلبها ودع منها آية بيّنة منزل لوط عبرة للسيّارة ، فهبطت على أهل القرية فقلعت ذلك حتّى سمع أهل السماء زقاء (٢) ديوكها ، فلمّا طلعت الشمس نوديت : أقلب القرية فقلبتها عليهم حتّى صار أسفلها أعلاها.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا جبرئيل ، وأين كانت قريتهم؟ قال : في موضع بحيرة طبريّة اليوم ، وهي في نواحي الشام.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : حين قلبتها في أيّ موضع وقعت؟ قال : وقعت فيما بين بحر الشام إلى مصر ، فصارت تلولا في البحر (٣).

[عاقبة البخل]

[١٣٢ / ٢] ـ وعن ابن بابويه ، عن أبيه ، حدّثنا عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي بصير ، قال : قلت لأبي جعفر عليه الصلاة والسلام : أخبرني عن عاقبة البخل ، فقال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يتعوّذ من البخل إلى الله تعالى ، والله تعالى يقول : (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(٤)

__________________

(١) في «ص» «م» : (فاقلبها) ، وفي هامش «س» : (واقطعها) ، وفي العلل : (فاقلعها).

(٢) في «ص» «م» : (بريا) ، وفي «ر» «س» : (برثا) ، والمثبت عن البحار والعلل ، والزقاء : الصياح.

(٣) رواه الصدوق في علل الشرائع ٢ : ٥٥٠ / ٥ بنفس السند والمتن مع زيادة في المتن ، والعيّاشيّ في تفسيره ٢ : ١٥٧ / ٥٧ : عن أبي حمزة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام .. وعنهما في بحار الأنوار ١٢ : ١٥٢ / ٧ ، وفي تفسير نور الثقلين ٢ : ٣٨٤ / ١٦٦ وج ٥ : ١٢٧ / ٤٢ وقصص الأنبياء للجزائريّ : ١٥٥.

(٤) الحشر : ٩ ، التغابن : ١٦.

٣١٨

وسأخبرك عن عاقبة البخل : إنّ قوم لوط كانوا أهل قرية أشحّاء على الطعام ، فأعقبهم البخل داء لا دواء له في فروجهم ، قلت : وما أعقبهم؟

قال : إنّ قرية قوم لوط كانت على طريق السيّارة إلى الشام ومصر ، فكانت السيّارة تنزل بهم فيضيفونهم ، فلمّا كثر ذلك عليهم ضاقوا بذلك ذرعا (١) ، فدعاهم البخل إلى أن كانوا إذا نزل بهم الضيف فضحوه من غير شهوة بهم إلى ذلك ، حتّى صاروا يطلبونه من الرجال ويعطون عليه النّحل (٢).

وأنّ لوطا عليه‌السلام لبث مع قومه ثلاثين سنة يدعوهم إلى الله تعالى ويحذّرهم عقابه ، وكانت امرأة إبراهيم عليه‌السلام سارة أخت لوط ، وكان لوط رجلا شيخا كريما يقرئ الضيف إذا نزل به ويحذّره قومه ، فقال قومه : إنّا ننهاك عن الضيف وقرائه ، فإن لم تفعل أخزيناك فيه ، فكان لوط إذا نزل به الضيف كتم أمره مخافة أن يفضحه قومه ، وذلك أنّه لم يكن للوط عشيرة ولم يزل لوط وإبراهيم يتوقّعان نزول العذاب على قوم لوط.

وكان لإبراهيم ولوط منزلة عند الله شريفة ، وأنّ الله تعالى لمّا أراد عذاب قوم لوط أدركه خلّة إبراهيم ومحبّة لوط ، فبرأفتهم أخّر (٣) عذابهم ، أراد الله أن يعوّض إبراهيم من عذاب قوم لوط بغلام عليم ، فيسلّي به مصابه بهلاك قوم لوط ، فبعث الله رسلا إلى إبراهيم يبشّرونه بإسماعيل ، فدخلوا عليه ليلا ففزع وخاف أن يكونوا سرّاقا فلمّا رأوه فزعا قالوا : (إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ)(٤) ، ثمّ قالوا : (إِنَّا

__________________

(١) أي ضاق بهم صدرا ، وهو كناية عن شدّة الانقباض للعجز عن مدافعة المكروه والاحتيال فيه (تفسير غريب القرآن : ٣٦٤).

(٢) في البحار : (ويعطونهم عليه الجعل).

(٣) في «ص» «م» : (يؤخّر).

(٤) الحجر : ٥٣.

٣١٩

أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ)(١) ، قوم لوط ، فلمّا كان اليوم الثامن مع طلوع الفجر قدّم الله رسلا إلى إبراهيم يبشّرونه بإسحاق ويعزّونه بهلاك قوم لوط (٢).

فصل

[قوم لوط والفاحشة]

[١٣٣ / ٣] ـ وعن ابن بابويه ، عن أبيه ، حدّثنا سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسن بن عليّ بن فضّال ، عن عمر الجرجانيّ ، عن أبان ، عن أبي بصير ، عن أحدهما صلوات الله عليهما في قوله تعالى : (أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ)(٣) فقال : إنّ إبليس أتاهم في صورة شابّ حسن فيه تأنيث وعليه ثياب حسنة ، فلجأ إلى شباب منهم فأمرهم أن يقعوا به ففعلوا ، ولو أمرهم أن يفعل بهم لأبوا عليه فالتذّوا ذلك ، ثمّ ذهب وتركهم فأحال بعضهم على بعض (٤).

__________________

(١) الحجر : ٥٧.

(٢) رواه الصدوق في علل الشرائع ٢ : ٥٤٨ / ٤ بتفاوت يسير مع زيادة في ذيله : وعنه في تفسير نور الثقلين ٢ : ٣٨١ / ١٦٥ وقصص الأنبياء للجزائريّ : ١٥٤ ، وفي مستدرك الوسائل ٧ : ٣٠ / ١٣.

والعيّاشيّ في تفسيره ٢ : ٢٤٤ / ٢٦ : عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام .. وعنهما في بحار الأنوار ١٢ : ١٤٧ / ١.

(٣) الأعراف : ٨٠ ، النمل : ٥٤.

(٤) عنه في بحار الأنوار ١٢ : ١٦١ / ١٣.

ورواه الكلينيّ في الكافي ٥ : ٥٤٤ / ٤ بتفاوت يسير : عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عن أبان بن عثمان ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام .. وعنه في وسائل الشيعة ٢٠ : ٣٢٩ / ٣.

وأخرجه الصدوق في علل الشرائع ٢ : ٥٤٧ / ٣ : عن محمّد بن موسى بن المتوكّل ، عن عبد الله بن جعفر ، عن محمّد بن الحسين ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطيّ ، عن أبان بن عثمان ، ـ

٣٢٠