قصص الأنبياء عليهم السلام - ج ١

قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي [ قطب الدين الراوندي ]

قصص الأنبياء عليهم السلام - ج ١

المؤلف:

قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي [ قطب الدين الراوندي ]


المحقق: عبدالحليم عوض الحلّي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة العلامة المجلسي رحمه الله
المطبعة: عمران
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-91180-2-1
ISBN الدورة:
978-600-91180-7-6

الصفحات: ٤٥٤

وليّ صالح النبيّ إليه وقال له : ائتني طوعا أو كرها ب : بسم الله (١) الكريم فنزل عن أحواته.

فقال الوليّ : ائتني عليهنّ لئلّا يكون من القوم في أمري شك ، فأتى الحوت إلى البرّ يجرّها وتجرّه إلى عند وليّ صالح ، فكذّبوه بعد ذلك فأرسل الله إليهم ريحا ، فقذفهم في اليمّ ومواشيهم ، فأتى الوحي إلى وليّ صالح بموضع ذلك البئر وفيها الذهب والفضّة ، فانطلق فأخذه ، ففضّه على أصحابه بالسويّة على الصغير والكبير.

وأمّا الذين ذكرهم الله في كتابه فهم قوم (٢) كان لهم نهر يدعى الرسّ ، وكان فيها أمياه كثيرة.

فسأله رجل : وأين الرسّ؟

فقال : هو نهر بمنقطع آذربيجان ، وهو بين حدّ أرمينيّة وآذربيجان ، وكانوا يعبدون الصلبان ، فبعث الله إليهم ثلاثين نبيّا في مشهد واحد فقتلوهم جميعا ، فبعث الله إليهم نبيّا وبعث معه وليّا فجاهدهم ، وبعث الله ميكائيل في أوان وقوع الحبّ والزرع ، فأنضب ماءهم ، فلم يدع عينا ولا نهرا ولا ماءا لهم إلّا أيبسه ، وأمر ملك الموت فأمات مواشيهم ، وأمر الله الأرض فابتلعت ما كان لهم من تبر (٣) أو فضّة أو آنية «فهو لقائمنا عليه‌السلام إذا قام» فماتوا كلّهم جوعا وعطشا وبكاءا ولم يبق منهم باقية وبقي منهم قوم مخلصون ، فدعوا الله أن ينجيهم بزرع وماشية وماء (٤) ويجعله قليلا لئلّا يطغوا ، فأجابهم الله إلى ذلك ، لما علم من صدق نيّاتهم.

__________________

(١) في «ص» «م» والبحار : (بسم الله) بدلا من : (ب «بسم الله»).

(٢) في «م» : (الذين) بدلا من : (قوم) ، وكلمة : (قوم) لم ترد في «ص».

(٣) أي ذهب.

(٤) قوله : (وماء) من «ص» «م» والبحار.

٢٨١

ثمّ عاد القوم إلى منازلهم ، فوجدوها قد صارت أسفلها أعلاها ، وأطلق الله لهم نهرهم وزادهم فيه على ما سألوا ، فقاموا على الظاهر والباطن في طاعة الله ، حتّى مضى أولئك القوم ، وحدث نسل بعد ذلك النسل (١) أطاعوا الله في الظاهر ونافقوا (٢) في الباطن وعصوا بأشياء شتّى ، فبعث الله من أسرع فيهم القتل ، فبقيت شرذمة منهم ، فسلّط الله عليهم الطاعون ، فلم يبق منهم أحد وبقي نهرهم ومنازلهم مائتي عام لا يسكنها أحد.

ثمّ أتى الله تعالى بقوم بعد ذلك فنزلوها وكانوا صالحين ، ثمّ أحدث قوم منهم فاحشة واشتغل الرجال بالرجال والنساء بالنساء ، فسلّط الله عليهم صاعقة ، فلم يبق منهم باقية (٣).

[قصّة ناقة صالح عليه‌السلام]

[١٠٢ / ١٠] ـ وبإسناده (٤) عن ابن أورمة ، عن عليّ بن محمّد الخيّاط ، عن عليّ ابن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله صلوات الله عليه في قوله تعالى :(كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ)(٥) فقال : هذا لمّا كذّبوا صالحا صلوات الله عليه ، وما أهلك الله تعالى قوما قطّ حتّى يبعث إليهم الرسل قبل ذلك فيحتجّوا عليهم ، فإذا لم يجيبوهم أهلكوا ، وقد كان بعث الله صالحا عليه‌السلام فدعاهم إلى الله تعالى فلم يجيبوه وعتوا عليه ، وقالوا : لن نؤمن لك حتّى تخرج لنا من هذه الصخرة ناقة

__________________

(١) قوله : (النسل) لم يرد في «ص» «م» والبحار.

(٢) في «ص» «م» والبحار : (نافقوه).

(٣) عنه في بحار الأنوار ١١ : ٣٨٧ / ١٣ وج ١٤ : ١٥٣ / ٤ ، وفي قصص الأنبياء للجزائريّ : ٤٤٠ باختصار.

(٤) في «ر» «س» : (وبالإسناد).

(٥) القمر : ٢٣.

٢٨٢

عشراء (١) ، وكانت صخرة يعظّمونها ويذبحون عندها في رأس كلّ سنة ويجتمعون عندها ، فقالوا له : إن كنت كما تزعم نبيّا رسولا ، فادع الله يخرج لنا ناقة منها ، فأخرجها لهم كما طلبوا منه.

وأوحى الله تعالى إلى صالح أن قل لهم : إنّ الله تعالى جعل لهذه الناقة شرب يوم ولكم شرب يوم ، وكانت الناقة إذا شربت يومها شربت الماء كلّه ، فيكون شرابهم ذلك اليوم من لبنها ، فيحلبونها فلا يبقى صغير ولا كبير إلّا شرب من لبنها يومه ذلك ، فإذا كان الليل وأصبحوا غدوا إلى مائهم فشربوا هم ذلك اليوم ولا تشرب الناقة ، فمكثوا بذلك ما شاء الله حتّى عتوا ودبّروا في قتلها ، فبعثوا رجلا أحمر أشقر أزرق لا يعرف له أب ولد الزّنا ، يقال له : قذار (٢) ليقتلها ، فلمّا توجّهت الناقة إلى الماء ضربها ضربة ، ثمّ ضربها أخرى فقتلها ، وفرّ (٣) فصيلها حتّى صعد إلى جبل ، فلم يبق منهم صغير ولا كبير إلّا أكل منها.

فقال لهم صالح عليه‌السلام : أعصيتم ربّكم ، إنّ الله تعالى يقول : إن تبتم قبلت توبتكم ، وإن لم ترجعوا بعثت إليكم العذاب في اليوم الثالث.

فقالوا : يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين.

قال : إنّكم تصبحون غدا ووجوهكم مصفرّة ، واليوم الثاني محمرّة ، واليوم الثالث مسودّة ، فاصفرّت وجوههم فقال بعضهم : يا قوم قد جاءكم ما قال صالح.

فقالت العتاة : لا نسمع ما يقول صالح ولو هلكنا ، وكذلك في اليوم الثاني والثالث ، فلمّا كان نصف الليل أتاهم جبرئيل ، فصرخ صرخة خرقت أسماعهم

__________________

(١) ناقة عشراء : وهي التي مضى من حملها عشرة أو ثمانية أشهر أو هي كالنفساء من النساء. (لسان العرب ٩ : ٢١٩) ، وفي النهاية ٣ : ٢٤٠ : ثمّ اتسع فيه لكلّ حامل : عشراء.

(٢) في «ر» «س» «ص» ، والكافي : (قدار) بدون نقطة على «د».

(٣) في «س» «ص» «م» والبحار : (ومرّ).

٢٨٣

وقلقلت قلوبهم ، فماتوا أجمعين في طرفة عين كبيرهم وصغيرهم ، ثمّ أرسل الله عليهم نارا من السماء فأحرقتهم (١).

فصل

[في رجوع نبي الله صالح عليه‌السلام لقومه بعد غيابه]

[١٠٣ / ١١] ـ وبإسناده عن الصفّار ، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب ، عن عليّ بن أسباط ، عن سيف بن عميرة (٢) ، عن زيد الشحّام ، عن أبي عبد الله صلوات الله عليه قال : إنّ صالحا عليه‌السلام غاب عن قومه زمانا ، وكان يوم غاب كهلا (٣) حسن الجسم ، وافر اللحية ، ربعة من الرجال ، فلمّا رجع إلى قومه لم يعرفوه ، وكانوا على ثلاث طبقات : طبقة جاحدة ولا ترجع أبدا ، وأخرى شاكّة ، وأخرى على يقين ، فبدأ حين رجع بالطبقة الشاكّة ، فقال لهم : أنا صالح فكذّبوه وشتموه وزجروه ، وقالوا : إنّ صالحا كان على غير صورتك وشكلك ، ثمّ رجع إلى (٤) الجاحدة فلم يسمعوا منه ونفروا منه أشدّ النفور.

ثمّ انطلق إلى الطبقة الثالثة وهم أهل اليقين ، فقال لهم : أنا صالح ، فقالوا : أخبرنا خبرا لا نشكّ فيه (٥) أنّك صالح ، إنّا نعلم أنّ الله تعالى الخالق (٦) يحوّل في أيّ

__________________

(١) عنه في بحار الأنوار ١١ : ٣٨٥ / ١١.

ورواه الكلينيّ في الكافي ٨ : ١٨٧ / ٢١٤ : عن عليّ بن محمّد ، عن عليّ بن العبّاس ، عن الحسن بن عبد الرحمن ، عن عليّ بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام .. وعنه في بحار الأنوار ١١ : ٣٨٨ / ١٤ وتفسير الصافي ٢ : ٢١٥ وتفسير نور الثقلين ٢ : ٣٧٤ / ١٥٣ وج ٥ : ١٨٢ / ٢٧.

(٢) في «ر» «س» : (يوسف بن عمرة) ، وفي البحار : (ابن أبي عمير) بدلا من : (سيف بن عميرة).

(٣) في كمال الدين زيادة : (مبدح البطن).

(٤) في «م» : (أتى) بدلا من : (رجع إلى) ، وفي «ص» والبحار : (أتى إلى).

(٥) قوله : (فيه) لم يرد في «ر» «س» «ص» والبحار.

(٦) في البحار : (لخالق).

٢٨٤

صورة شاء ، وقد أخبرنا وتدارسنا بعلامات صالح عليه‌السلام إذا جاء.

فقال : أنا الذي آتيتكم بالناقة ، فقالوا : صدقت وهي التي تتدارس فما علامتها؟

قال : لها شرب يوم ولكم شرب يوم معلوم ، فقالوا : آمنّا بالله وبما جئتنا به ، فقال عند ذلك «الذين استكبروا» وهم الشكّاك والجحّاد : «وإنّا بالذي آمنتم به كافرون».

قال زيد الشحّام : قلت : يابن رسول الله ، هل كان فيهم (١) ذلك اليوم عالم؟ قال : الله أعلم من أن يترك الأرض بلا عالم ، فلمّا ظهر صالح عليه‌السلام اجتمعوا عليه ، وإنّما مثل عليّ والقائم صلوات الله عليهما في هذه الأمّة مثل صالح عليه‌السلام (٢).

[١٠٤ / ١٢] ـ أخبرنا الشيخ أبو جعفر محمّد بن عليّ النيسابوريّ ، عن عليّ بن عبد الصمد التميميّ ، عن السيّد أبي البركات عليّ بن الحسين ، عن ابن بابويه ، حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل ، حدّثنا عبد الله بن جعفر ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسن بن محبوب ، عن جميل بن صالح ، عن سدير قال : سأل أبا جعفر عليه‌السلام رجل وأنا حاضر عن قول الله تعالى : (فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا)(٣).

فقال : هؤلاء قوم كانت لهم قرى متّصلة ، ينظر بعضهم إلى بعض ، ولهم أنهار جارية وفواكه وأعناب ، وكانت قراهم فيما بين المدينة على ساحل البحر إلى الشام ، فكفروا فغيّر الله ما بهم من نعمة ، فأرسل عليهم سيل العرم ، فغرق قراهم (٤).

__________________

(١) كلمة : (فيهم) من كمال الدين.

(٢) عنه في بحار الأنوار ١١ : ٣٨٦ / ١٢.

ورواه الصدوق في كمال الدين : ١٣٧ / ١ بزيادة في المتن : عن محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ، عن محمّد بن الحسن الصفّار وسعد بن عبد الله وعبد الله بن جعفر الحميريّ ، قالوا : حدّثنا محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب .. إلى آخر السند ، وعنه في بحار الأنوار ٥١ : ٢١٥ / ١ وتفسير نور الثقلين ٢ : ٤٥ / ١٨٣.

(٣) سبأ : ١٩.

(٤) عنه في بحار الأنوار ١٤ : ١٤٤ / ٣ بتفاوت. ـ

٢٨٥

[قصّة الحيتان]

[١٠٥ / ١٣] ـ وبإسناده عن الحسن بن محبوب ، عن عليّ بن رئاب ، عن أبي عبيدة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام : إنّ قوما من أهل أيلة (١) من قوم ثمود كانت الحيتان تستبق إليهم كلّ يوم ، وكانوا نهوا عن صيدها ، فأكلها الجهّال ، ولا ينهاهم عن ذلك العلماء ، ثمّ انحازت طائفة منهم ذات اليمين ، فقالت : إنّ الله تعالى ينهاكم عنها واعتزلت طائفة منهم ذات اليسار ، فسكتت ولم تعظهم.

وقالت الأولى : «لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذّبهم قالوا : معذرة إلى ربّكم ولعلّهم يتّقون ، فلمّا نسوا ما ذكّروا به» (٢) أي : تركوا ما وعظوا به ، خرجت الطّائفة الواعظة من المدينة مخافة أن يصيبهم العذاب وكانوا أقلّ الطائفتين ، فلمّا أصبح أولياء الله أتوا أبواب (٣) المدينة ، فإذا هم بالقوم قردة لهم أذناب.

ثمّ قال أبو جعفر : قال عليّ بن أبي طالب عليه الصلاة والسلام : لهذه الأمّة بعد نبيّها سنّة أولئك لا ينكرون منكرا (٤) ولا يغيّرون عن معصية الله ، وقد قال الله تعالى : (أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ بِما

__________________

ـ ورواه الكلينيّ في الكافي ٢ : ٢٧٤ / ٢٣ باختلاف يسير مع زيادة : عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن جميل بن صالح ، عن سدير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام .. وعنه في بحار الأنوار ١٤ : ١٤٤ / ٣ وج ٧٠ : ٣٣٤ / ٢٠ وتفسير نور الثقلين ٢ : ٤٨٧.

ورواه أيضا في الكافي ٨ : ٣٩٥ / ٥٩٦ : عن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن محبوب ، عن جميل بن صالح ، عن سدير ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ...

(١) مدينة على ساحل بحر القلزم ممّا يلي الشام (معجم البلدان ١ : ٤٢٢).

(٢) قوله : (ما ذكّروا به) لم يرد في «ص» ، وهذا الكلام مقتبس من سورة الأعراف : ١٦٤ و ١٦٥.

(٣) في «ص» «م» : (باب).

(٤) قوله : (منكرا) لم يرد في «ص» «م».

٢٨٦

كانُوا يَفْسُقُونَ)(١)(٢).

فصل

[أصحاب الرسّ والبلاء]

[١٠٦ / ١٤] ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمدانيّ ، حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، حدّثنا أبو الصلت الهرويّ ، حدّثني عليّ بن موسى الرضا ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن آبائه عليهم الصلاة والسلام قال : جاء عليّ ابن أبي طالب عليه‌السلام قبل مقتله بثلاثة أيّام رجل من أشرافهم ، يقال له : عمر ، فسأل (٣) عن أصحاب الرسّ فقال : إنّهم كانوا يعبدون شجرة صنوبر (٤) ، يقال لها : شاه درخت ، كان يافث بن نوح عليه‌السلام غرسها على شفير عين يقال لها : روشاب.

وإنّما سمّوا أصحاب الرسّ ، لأنّهم رسّوا نبيّهم في الأرض ، وكانت لهم اثنتا عشرة قرية على شاطئ نهر يقال له : الرسّ من بلاد المشرق ، ولم يكن يومئذ نهر

__________________

(١) الأعراف : ١٦٥.

(٢) نقله العلّامة المجلسيّ في بحار الأنوار ١٤ : ٥٢ / ضمن ح ٥ ، عن قصص الراونديّ وتفسير العيّاشيّ ٣ : ٣٣ / ٩٣ وتفسير القمّيّ ١ : ٢٤٤ وسعد السعود لابن طاوس الحسنيّ : ١١٨ واللفظ فيه لتفسير القمّيّ.

والسند في تفسير العيّاشيّ هكذا : عن أبي عبيدة عن أبي جعفر عليه‌السلام ...

والسند في تفسير القمّيّ هكذا : عن أبيه ، عن الحسن بن محبوب .. إلى آخر السند في قصص الراونديّ.

والسند في سعد السعود هكذا : عن تفسير أبي العبّاس ابن عقدة الكوفي ، عن عليّ بن الحسن ، عن عمرو بن عثمان ، عن الحسن بن محبوب ، عن عليّ بن رئاب ، عن أبي عبيدة الحذّاء ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : وجدنا في كتاب عليّ عليه‌السلام أنّ قوما من أهل أيلة ...

(٣) في «ص» «م» : (عمرو فسأله).

(٤) الصنوبر : وزان سفرجل شجر معروف ويتخذ منه الزفت (المصباح المنير : ٣٤٨).

٢٨٧

أغزر منه ولا أقوى (١) ولا قرى أكبر منها ، وقد جعلوا في كلّ شهر من السنة في كلّ قرية عيدا يجتمع إليه أهلها ، فيضربون على الشجرة التي غرسوا من حبّ تلك الصنوبرة كلّة من حرير (٢) ، ثمّ يأتون بشاء (٣) وبقر فيذبحونها قربانا للشجرة هذا عيد شهر كذا ، فإذا كان عيد قريتهم العظيمة التي فيها الصنوبرة العظيمة ضربوا سرادق ديباج عليه ، ويجتمع عليه صغيرهم وكبيرهم ويسجدون له ويقرّبون الذبائح أضعاف ما قرّبوا للشجرة التي في قراهم.

فلمّا طال كفرهم بعث الله نبيّا يدعوهم إلى عبادة الله فلا يتّبعونه ، فلمّا رأى شدّة تماديهم ، قال : يا ربّ ، إنّ عبادك أبوا إلّا تكذيبي فأيبس شجرهم ، فأصبح القوم وقد يبس أشجارهم كلّها فهالهم ذلك ، فقالت فرقة : سحر آلهتكم هذا الرجل الذي يزعم أنّه رسول ربّ السماء والأرض (٤).

وقالت فرقة : لا بل غضبت آلهتكم ، فحجبت حسنها لتنتصروا منه ، فاجتمع رأيهم على قتله ، فاتّخذوا أنابيب طوالا من نحاس واسعة الأفواه ، ثمّ أرسلوها في قرار البئر واحدة فوق الأخرى مثل البرابخ (٥) ونزحوا ما فيها من الماء ، ثمّ حفروا في قعرها بئرا ضيّقة المدخل عميقة.

فأرسلوا فيها نبيّهم صلوات الله عليه وألقوا فيها (٦) صخرة عظيمة ، ثمّ أخرجوا الأنابيب من الماء ، فبقي عامّة قومه (٧) يسمعون أنين نبيّهم عليه‌السلام ، وهو يقول : سيّدي

__________________

(١) قوله : (ولا أقوى) لم يرد في «ص» «م» ، وفي البحار : (ولا أعذب منه) بدلا من : (ولا أقوى).

(٢) كلّة ـ بالكسر ـ : الستر الرقيق.

(٣) في «ص» : (شاة) ، وشاء جمع شاة.

(٤) في «ر» «س» : (العالمين) بدلا من : (السماء والأرض).

(٥) في «ر» «س» : (النزايح) ، وفي العلل : (البرانخ) ، والمثبت من «م» والبحار ، والبرابخ : ما يعمل من الخزف للبئر ومجاري الماء.

(٦) في «ص» «م» : (ألقموا) ، وفي العلل والبحار : (ألقموا فاها) بدلا من : (ألقوا فيها).

(٧) في العلل : (عامّة يومهم).

٢٨٨

قد ترى ضيق مكاني وشدّة كربي ، فارحم ضعف ركني وقلّة حيلتي ، فعجّل بقبض روحي ، فمات صلوات الله عليه.

فقال الله عزوجل : يا جبرئيل ، لأجعلنّهم عبرة للعالمين ، فلم يرعهم وهم في عيدهم ذلك إلّا ريح عاصف شديدة الحمرة ، فتحيّروا وتضامّ بعضهم إلى بعض ، ثمّ صارت الأرض من تحتهم كبريتا يتوقّد ، وأظلّتهم سحابة سوداء ، فذابت أبدانهم كما يذوب الرصاص (١)(٢).

__________________

(١) في العلل والعيون زيادة : (في النار).

(٢) رواه الصدوق في علل الشرائع ١ : ٤٠ / ١ وعيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ١٨٣ / ١ بنفس السند مع زيادة في المتن وعنهما في بحار الأنوار ١٤ : ١٤٨ / ١ وج ٥٦ : ١٠٩ / ٧ وتفسير الصافي ٤ : ١٣ وقصص الأنبياء للجزائري : ٤٣٧ ، وفي تفسير نور الثقلين ٤ : ١٦ / ٥٨ عن العيون.

وجاءت قطعة منه في معاني الأخبار : ٤٨ في معنى أصحاب الرسّ.

٢٨٩
٢٩٠

الباب الرّابع :

في نبوّة ابراهيم عليه‌السلام

٢٩١
٢٩٢

[في ولادة إبراهيم عليه‌السلام]

[١٠٧ / ١] ـ أخبرنا السيّد أبو البركات محمّد بن إسماعيل ، عن عليّ بن عبد الصمد النيسابوريّ ، عن السيّد أبي البركات الجوريّ (١) ، عن أبي جعفر بن بابويه ، [عن أبيه ومحمّد بن الحسن](٢) حدّثنا سعد بن عبد الله ، عن يعقوب بن يزيد ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : كان آزر عمّ إبراهيم عليه‌السلام منجّما لنمرود ، وكان لا يصدر إلّا عن رأيه ، فقال : لقد رأيت في ليلتي عجبا.

فقال : ما هو؟ قال : إنّ مولودا يولد في أرضنا هذه يكون هلاكنا على يده ، فحجب الرجال عن النساء ، وكان تارخ وقع على أمّ إبراهيم عليه‌السلام فحملت ، فأرسل إلى القوابل لينظرن إلى النساء ، ولا يكون في البطن شيء إلّا علمن به ، فنظرن إلى أمّ إبراهيم ، وألزم (٣) الله ما في الرحم [إلى] الظهر ، فقلن : ما نرى بها شيئا.

فلمّا وضعته ذهبت به إلى بعض الغيران (٤) فجعلته فيه وأرضعته ، وجعلت على

__________________

(١) قوله : (الجوريّ) لم يرد في «ر» ، وفي «س» : (الجوزي) ، وفي «ص» «م» : (الحوريّ).

والصحيح ما أثبتناه وقد مرّ وجهه في أوّل الكتاب.

(٢) ما بين المعقوفين من كمال الدين.

(٣) من الممكن أن تكون مصحّفة عن : (وألزق).

(٤) جمع الغار.

٢٩٣

باب الغار صخرة ، فجعل الله رزقه في إبهامه فجعل يمصّها فتشخب لبنا ، وجعل يشبّ في اليوم كما يشبّ غيره في الجمعة ، ويشبّ في الجمعة كما يشبّ غيره في الشهر ، فمكث ما شاء الله أن يمكث.

ثمّ أخرج إبراهيم من السرب (١) ، فرأى الزهرة وقوما يعبدونها ، فقال : أهذا ـ على سبيل الإنكار ـ ربّي؟ فلم يلبث أن طلع القمر وعبده قوم أيضا فقال عليه‌السلام على سبيل الإنكار [: أهذا ربّي؟](٢) ليكون ذلك حجّة عليهم في إثبات التوحيد ونفي التشبيه ، وذلك قوله تعالى : (وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ)(٣)(٤).

[١٠٨ / ٢] ـ وعن ابن أورمة ، حدّثنا الحسين بن عليّ (٥) ، عن عمر ، عن أبان ، عن حجر ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : خالف إبراهيم عليه‌السلام قومه وعادى آلهتهم حتّى أدخل على نمرود فخاصمه ، فقال إبراهيم عليه‌السلام : (رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ)(٦) الآية ،

__________________

(١) السرب : الحفير تحت الأرض.

(٢) ما بين المعقوفتين أضفناه لاستقامة المعنى.

(٣) الأنعام : ٨٣.

(٤) عنه في بحار الأنوار ١٢ : ٤٢ / ٣١.

وورد قريب منه في كمال الدين : ١٣٨ / ٧ ، بإسقاط : (أبي بصير) من السند ، وعنه في بحار الأنوار ١٢ : ٤١ / ٣٠.

وأورده في الكافي ٨ : ٣٦٦ / ٥٥٨ : عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي أيّوب الخزّاز ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام .. وعنه في بحار الأنوار ٥٥ : ٢٤٨ / ٢٨ وتفسير نور الثقلين ١ : ٧٢٩ / ١٧٩.

(٥) لم أجد رواية ابن أورمة عن الحسين بن عليّ في موضع ، ولا يبعد كون الصواب الحسن ابن علي ، وقد روى ابن أورمة عن الحسن بن علي في مواضع من هذا الكتاب وغيره ، ومرّ رواية الحسن بن علي ، عن عمر عن أبان بن عثمان بالرقم (٤٩) ، ويأتي رواية الحسن ابن علي ابن فضّال عن عمر الجرجاني ، عن أبان بالرقم (١٣٣) (من إفادات السيّد الشبيري الزنجاني).

(٦) البقرة : ٢٥٨.

٢٩٤

وكان في عيد لهم دخل على آلهتهم قالوا : ما اجترأ عليها إلّا الفتى الذي يعيّبها ويبرأ منها ، فلم يجدوا له مثلة أعظم من النار ، فأخبروا نمرود ، فجمع له الحطب وأوقد عليه ، ثمّ وضعه في المنجنيق ليرمى به في النار ، وأنّ إبليس دلّ على عمل المنجنيق لإبراهيم عليه‌السلام (١).

[دعاء إبراهيم عليه‌السلام للخلاص من النار]

[١٠٩ / ٣] ـ وعن ابن بابويه ، عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله ، حدّثنا يعقوب بن يزيد ، عن ابن أبي عمير ، عن أبان بن عثمان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : أخبرني أبي عن جدّي عن النبيّ صلوات الله عليه وآله عن جبرئيل عليه الصلاة والسلام قال : لمّا أخذ نمرود إبراهيم عليه‌السلام ليلقيه في النار ، قلت : يا ربّ ، عبدك وخليلك ليس في أرضك أحد يعبدك غيره.

قال الله تعالى : هو عبدي آخذه إذا شئت ، ولمّا ألقي إبراهيم عليه‌السلام في النار ، تلقّاه جبرئيل عليه‌السلام في الهواء وهو يهوي إلى النار ، فقال : يا إبراهيم ، ألك (٢) حاجة؟

فقال : أمّا إليك فلا ، وقال : يا الله ، يا أحد ، يا صمد ، يا من لم يلد ، ولم يولد ، ولم يكن له كفوا أحد ، نجّني من النار برحمتك. فأوحى الله إلى النار : (كُونِي بَرْداً

__________________

(١) نقله عنه العلّامة المجلسيّ في بحار الأنوار ١٢ : ٣٨ / ٢٣ بهذا الإسناد : بإسناده إلى الصدوق ، عن أبيه ، عن محمّد العطّار ، عن ابن أبان ، عن ابن أورمة ، عن الحسين بن عليّ ، عن عمر ، عن أبان ، عن حجر ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

وورد صدره في تفسير العيّاشيّ ١ : ١٣٩ / ٤٦٤ : عن أبان بن حجر ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

ورواه الكلينيّ في الكافي ٨ : ٣٦٨ / ٥٥٩ مع زيادة في المتن : عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عن أبان بن عثمان ، عن حجر ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام .. وعنه في بحار الأنوار ١٢ : ٤٤ / ٣٧ وتفسير نور الثقلين ١ : ٢٦٧ / ١٠٧٦.

(٢) في «ص» «م» : (لك).

٢٩٥

وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ)(١)(٢).

[١١٠ / ٤] ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا محمّد بن عليّ ماجيلويه ، عن عمّه محمّد ابن أبي القاسم ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عن أبان بن عثمان ، عن محمّد بن مروان ، عن أبي جعفر صلوات الله عليه ، قال : كان دعاء إبراهيم عليه‌السلام يومئذ : «يا أحد ، يا صمد ، يا من لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد» ثمّ توكّلت على الله ، فقال : كفيت.

وقال : لمّا قال الله تعالى للنّار : (كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ)(٣) لم تعمل يومئذ نار على وجه الأرض ، ولا ينتفع بها أحد ثلاثة أيّام (٤) ، ونزل جبرئيل يحدّثه وسط النار ، قال نمرود : من اتّخذ إلها فليتّخذ مثل إله إبراهيم ، فقال عظيم من عظمائهم : إنّي عزمت على النار (٥) أن لا تحرقه ، قال : فخرجت عنق من النار فأحرقته ، وكان لنمرود منظر يشرف على النار.

فلمّا كان بعد ثلاثة أيّام قال نمرود لآزر : اصعد بنا حتّى ننظر فصعدا ، فإذا إبراهيم في روضة خضراء ومعه شيخ يحدّثه ، قال : فالتفت نمرود إلى آزر ، وقال : ما أكرم ابنك على الله.

والعرب تسمّي العمّ «أبا» قال تعالى في قصّة يعقوب : (قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ)(٦) وإسماعيل كان عمّ يعقوب عليهما‌السلام وقد سمّاه

__________________

(١) الأنبياء : ٦٩.

(٢) عنه في بحار الأنوار ١٢ : ٣٩ / ٢٤ وج ٩٢ : ١٨٨ / ١٤.

ووردت قطعة منه في علل الشرائع ١ : ٣٦ / ذيل الحديث ٦ وعنه في بحار الأنوار ١٢ : ٥ / ٦ وتفسير نور الثقلين ٣ : ٤٣٧ / ٩٦.

(٣) الأنبياء : ٦٩.

(٤) في «ر» «س» زيادة : (قال).

(٥) في «ص» «م» : (النيران).

(٦) البقرة : ١٣٣.

٢٩٦

أبا في هذه الآية (١).

فصل

[توسّل أولى العزم بالأئمّة عليهم‌السلام]

[١١١ / ٥] ـ أخبرنا الأستاذ أبو القاسم بن كميح (٢) ، عن الشيخ جعفر الدوريستيّ ، عن الشيخ المفيد ، عن الشيخ أبي جعفر بن بابويه ، حدّثنا محمّد بن بكران النقّاش ، حدّثنا أحمد بن محمّد بن سعيد الكوفيّ ، حدّثنا عليّ بن الحسن ابن فضّال ، عن أبيه ، عن الرضا صلوات الله عليه قال : لمّا أشرف نوح صلوات الله عليه على الغرق دعا الله بحقّنا ، فدفع الله عنه الغرق ، ولمّا رمي إبراهيم في النار دعا الله بحقّنا ، فجعل الله عليه النار (٣) بردا وسلاما ، وأنّ موسى عليه‌السلام لمّا ضرب طريقا في البحر دعا الله بحقّنا ، فجعله يبسا ، وأنّ عيسى عليه‌السلام لمّا أراد اليهود قتله دعا الله بحقّنا فنجّي (٤) من القتل فرفعه إليه (٥).

__________________

(١) عنه في بحار الأنوار ١٢ : ٣٩ / ٢٦ كاملا وج ٩٢ : ١٨٩ / ١٥ إلى قوله : (كفيت).

ورواه الكلينيّ في الكافي ٨ : ٣٦٩ / ضمن ح ٥٥٩ باختلاف في بعض ألفاظه مع زيادة في آخره : عن أبان ، عن محمّد ابن مروان ، عمّن رواه ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ....

ووردت قطعة منه في الأمالي للطوسيّ : ٦٥٩ / ٦ أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن إبراهيم القزوينيّ ، قال : أخبرنا أبو عبد الله محمّد بن وهبان الهنائيّ البصريّ ، قال : حدّثني أحمد بن إبراهيم بن أحمد ، قال : أخبرني أبو محمّد الحسن بن عليّ بن عبد الكريم الزعفرانيّ ، قال : حدّثني أحمد بن محمّد بن خالد البرقيّ أبو جعفر ، قال : حدّثني أبي عن محمّد بن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ...

(٢) في النسخ : (كمح) ، والمثبت موافق لكتب التراجم.

(٣) في «ص» «م» والبحار : (النار عليه).

(٤) في البحار : (فنجّاه).

(٥) عنه في بحار الأنوار ١١ : ٦٩ / ٢٧ وج ٢٦ : ٣٢٥ / ٧ وفي ج ١٢ : ٤٠ / ٢٧ من قوله : (لمّا رمي إبراهيم) إلى قوله : (بردا وسلاما) ، ووسائل الشيعة ٧ : ١٠٣ / ١٣.

٢٩٧

[غيرة إبراهيم عليه‌السلام على سارة]

[١١٢ / ٦] ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل ، حدّثنا عبد الله بن جعفر الحميريّ ، حدّثنا أحمد بن محمّد ، عن الحسن بن محبوب ، عن إبراهيم بن أبي زياد (١) الكرخيّ ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : إنّ إبراهيم عليه‌السلام كان مولده بكوثا (٢) ، وكان من أهلها وكانت أمّ إبراهيم وأمّ لوط عليهما‌السلام اختين ، وأنّه تزوّج سارة بنت لاحج ، وهي بنت خالته ، وكانت صاحبة ماشية كثيرة وحالة (٣) حسنة ، فملّكت إبراهيم جميع ما كانت تملكه ، فقام فيه وأصلحه ، فكثرت الماشية والزرع ، حتّى لم يكن بأرض كوثا رجل أحسن حالا منه.

وإنّ إبراهيم عليه‌السلام لمّا كسّر أصنام نمرود أمر به فأوثق وعمل له حيرا (٤) فيه الحطب ، وألهب فيه النار ، ثمّ قذف بإبراهيم عليه‌السلام ليحرقه ، ثمّ اعتزلوها ثلاثا حتّى خمدت ، ثمّ أشرفوا على الحير فإذا هم بإبراهيم صلوات الله عليه سليما مطلقا من وثاقه ، فأخبروا نمرود ، فأمرهم أن ينفّروا إبراهيم من بلاده ، فإنّه إن بقي في بلادكم أفسد دينكم وأضرّ بآلهتكم ، فأخرجوا إبراهيم ولوطا إلى الشامات.

فخرج إبراهيم ومعه لوط وسارة وقال : (إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ)(٥) ، يعني

__________________

(١) في النسخ : (رباب) ، والمثبت عن الكافي والبحار موافق لكتب التراجم.

(٢) في الكافي : (بكوثى ربا) ، وفي البحار ١٢ : ٤٥ : (بكوثى ربى).

قال العلّامة المجلسيّ في البحار ١٢ : ٤٧ كوثى ربى كانت قرية من قرى الكوفة كما ذكره المؤرّخون ، والذي ذكره اللغويّون هو كوثى. قال الجزريّ : كوثى العراق هي سرّة السواد ، وبها ولد إبراهيم الخليل عليه‌السلام (وانظر : النهاية في غريب الحديث ٤ : ٢٠٧).

(٣) في «ص» «م» والكافي والبحار ١٢ : ١١٠ : (وحال).

(٤) الحير : المكان المطمئن الوسط المرتفع الحروف يجتمع فيه الماء (لسان العرب ٤ : ٢٢٣).

(٥) الصافات : ٩٩.

٢٩٨

بيت المقدس ، فتحمّل إبراهيم بماشيته وماله وعمل تابوتا وحمل سارة فيه ، فمضى حتّى خرج من سلطان نمرود ، وصار إلى سلطان رجل من القبط ، فمرّ بعشّار (١) له ، فاعترضه فقال : افتح هذا التابوت حتّى تعطيني عشره وأبى إلّا فتحه ، ففتحه إبراهيم صلوات الله عليه ، فلمّا بدت سارة وكانت موصوفة بالحسن. قال : فما هي؟ قال إبراهيم : حرمتي وابنة خالتي.

قال : فما دعاك إلى أن حبستها (٢) في هذا التابوت؟! فقال إبراهيم صلوات الله عليه : الغيرة عليها أن لا يراها أحد.

قال : فبعث الرسل إلى الملك فأخبره بخبر إبراهيم ، فأرسل الملك أن احملوه والتابوت معه ، فلمّا دخل عليه قال الملك لإبراهيم : افتح التابوت وأرني من فيه ، قال : إنّ فيه حرمتي وابنة خالتي وأنا مفتد فتحه بجميع ما معي ، فأبى الملك إلّا فتحه ، قال : ففتحه فلمّا رأى سارة الملك ، فلم يملك حلمه سفهه أن مدّ يده إليها.

فقال إبراهيم : اللهمّ احبس يده عن حرمتي ، فلم تصل يده إليها ولم ترجع إليه ، فقال الملك : إنّ إلهك هو الذي فعل بي هذا؟

قال : نعم إنّ إلهي غيور يكره الحرام ، وهو الذي حال بينك وبينها ، فقال الملك : ادع ربّك يردّ عليّ يدي ، فإن أجابك لم أعترض لها ، فقال إبراهيم صلوات الله عليه : اللهمّ ردّ عليه يده ليكفّ عن حرمتي ، فردّ الله تعالى عليه يده.

فأقبل الملك نحوها ببصره ، ثمّ عاد بيده نحوها ، فقال إبراهيم عليه‌السلام : اللهمّ احبس يده عنها ، فيبست يده ولم تصل إليها ، فقال الملك لإبراهيم : إنّ إلهك لغيور فادع إلهك يردّ عليّ يدي ، فإنّه إن فعل بي لم أعد ، فقال له ابراهيم عليه‌السلام : أسأل ذلك على أنّك إن عدت لم تسألني أن أسأله ، فقال الملك : نعم ، فقال إبراهيم : اللهمّ إن كان

__________________

(١) في «ص» «م» والكافي والبحار : (بعاشر).

(٢) في الكافي : (أخبيتها).

٢٩٩

صادقا فردّ عليه يده ، فرجعت يده عليه.

فلمّا رأى الملك ذلك عظّم إبراهيم عليه‌السلام وأكرمه وقال : فانطلق حيث شئت ، ولكن لي إليك حاجة ، قال إبراهيم عليه‌السلام : وما هي؟

قال : أحبّ أن تأذن لي أن أخدمها قبطيّة عندي جميلة عاقلة (١) تكون لها خادمة (٢) ، فأذن له إبراهيم عليه‌السلام فدعا بها فوهبها لسارة ، وهي هاجر أمّ إسماعيل عليه‌السلام ، فسار إبراهيم بجميع ما معه ، وخرج الملك معه يتّبعه ويمشي خلف إبراهيم عليه‌السلام إعظاما له ، فأوحى الله تعالى إلى إبراهيم عليه‌السلام : أن قف ولا تمش قدّام الجبّار ، فوقف إبراهيم صلوات الله عليه وقال للملك : إنّ إلهي أوحى إليّ الساعة أن أعظّمك وأقدّمك وأمشي خلفك ، فقال : أشهد أنّ إلهك رفيق حليم كريم.

قال : وودّعه الملك ، وسار إبراهيم حتّى نزل بأعلى الشامات ، وخلّف لوطا بأدنى الشامات ، ثمّ إنّ إبراهيم أبطأ عنه الولد ، فقال لسارة : أن لو شئت لمتّعتيني (٣) من هاجر ، لعلّ الله أن يرزقني (٤) منها ولدا فيكون خلفا ، فابتاع إبراهيم عليه‌السلام هاجر من سارة فوقع عليها ، فولدت إسماعيل عليه‌السلام (٥).

__________________

(١) قوله : (عاقلة) من «ص» «م».

(٢) في «س» «ص» : (خادما).

(٣) في «ص» «م» : (لمتّعتني) ، وفي الكافي : (لبعتني) ، وفي البحار : (لبعتيني).

(٤) في الكافي : (يرزقنا).

(٥) عنه في بحار الأنوار ١٢ : ١١٠ / ٣٤ وأشار إلى أنّ تتمّته في ص ٤٤ ح ٣٨.

ورواه الكلينيّ في الكافي ٨ : ٣٧٠ / ٥٦٠ بتفاوت يسير مع زيادة في المتن : عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه وعدّة من أصحابه ، عن سهل بن زياد جميعا ، عن الحسن بن محبوب ، عن إبراهيم بن أبي زياد الكرخيّ .. وعنه في بحار الأنوار ١٢ : ٤٤ / ٣٨ وتفسير نور الثقلين ٤ : ١٥٦ / ٣٢ وص : ١٨٥ / ٦٨ ، وقصص الأنبياء للجزائريّ : ١٢٣.

٣٠٠