تراثنا ـ العددان [ 99 و 100 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العددان [ 99 و 100 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٠
ISBN: 1016-4030
الصفحات: ٥٢٦

١

تراثنا

صاحب الامتیاز

مؤسّسة آل البيت لإحياء التراث

المدير المسؤول :

السيّد جواد الشهرستاني

العددان الثالث والرابع [٩٩ ـ ١٠٠]

السنة الخامسة والعشرون

محتـويات العـدد

* سياحة عَجلى على ضفاف (المراجعات).

................................................... السيّد عبد الستّار الحسني ٧

* علماء الشيعة ومصنّفاتهم في مصادر أهل السنّة (١).

................................................... السـيّد مصطفى المطهّري ٤٩

* صحيفة الإمام عليّ عليه‌السلام.

...................................................... الشيخ خالد الغفوري ٧٢

* المنهج التاريخي في كتابي ابن المطهّر وابن داود في علم الرجال (١).

................................................. سامي حمود الحاج جاسم ١٠٣

٢

رجب ـ ذوالحجّة

١٤٣٠ هـ

* مدرسة الحلّة وتراجم علمائها من النشوء إلى القمّة (٥).

.............................................. السـيّد حيدر وتوت الحسيني ١٧٤

* من تراث مكتبات النجف الأشرف (٢).

.................................................... أحمد علي مجيد الحلّي ٢٢٦

* من ذخائر التراث :

* النكت البديعة في تحقيق الشيعة للشيخ سليمان بن عبدالله الماحوزي.

............................................. تحقيق : مشتاق صالح المظفّر ٢٧٣

* بغية الطالب في حال أبي طالب لمحمّد بن حيدر الموسوي الحسيني العاملي.

.................................. تحقيق : محمّد جواد نور الدين فخر الدين ٤١١

* من أنباء التراث.

........................................................... هيـئة التحرير ٥٠٧

* صورة الغلاف : نموذج من مخطوطة (النكت البديعة في تحقيق الشيعة) للشيخ سليمان بن عبدالله الماحوزي المتوفّى ١١٢١ هـ والمنشورة في هذا العدد.

٣
٤

٥
٦

سياحةٌ عَجْلى على ضِفافِ

(المُراجَعات)

السيّد عبد الستّار الحسني

بسم الله الرحمن الرحيم

فَذلَكةُ البحث :

الإمام السيّد عبد الحسين شرف الدين (ت ١٣٧٧ هـ) ، من أعلام القرن الرابع عشر الهجري ، الذي امتلأت صفحاتٌ كثيرةٌ من اسمه وآثاره العلميّة والجهاديّة ، وخلّف تراثاً ضخماً من التصانيف في مختلف العلوم (١) ، ويبرزُ بين أعماله كتابُ المُراجَعات عَمَلاً لامِعاً خالداً بما فيه من المزايا :

* فهو كتابٌ بأسلوب أدبيّ هادىء ، وبِلُغة واضحة ، وبيان سَلِس مفهوم حتّى لغير المتخصّصين في موضوعه من القرّاء عامّة.

* وهو كتابٌ علميٌ رصينٌ ، مع عمق البحث في (الإمامة) وتعدّد جهات البحث فيه ممّا يوسّع رقعة البحث.

* وهو كتابٌ اشتركَ في إنتاجه عَلَمانِ من أعلام المُسلمين ، وهما :

__________________

(١) نشرت مجموعة أعماله في (موسوعة الإمام شرف الدين) في المؤتمر الذي أقيم باسمه في قُمّ المقدّسة سنة (١٤٢٧ هـ).

٧

الإمام السيّد شرفُ الدين ، والإمامُ الشيخُ سليمُ البشريّ ، والأوّل : هو من فُقهاءالشيعة ، والثاني : من فُقهاء العامّة وثقتهم ، وهو شيخُ الجامع الأزهر في مصر.

إنّ اشتراك هذينِ العَلَمينِ اللّذين هُما القِمّةُ في أكبر طائفتينِ يستوعبان الأمّة الإسلاميّة وهما : الشيعةُ وأهلُ السنّة ، ومحاولتُهما حسمَ الخلاف في أهمّ مسألة وقع فيها بين المسلمين منذُ فَجْرِ عصرِ الخِلافة وعلى طُول تاريخ المُسلمين ، وهي مسألةُ الخلافة نفسها ، لهو من أهمّ الإنجازات العلميّة في ذلك العصر ، وقد تَوَصّلَ العَلَمانِ إلى نتائجَ متّفق عليها ، منها :

* جمعُ الكلمة والرأي فيها على انحسار الخلاف إلى أصغر حجم ، فلايؤثّر سلباً في حياة المسلمين بسوء ولايستدعي النزاعَ والشرَّ.

* ثُمَّ التركيز على الموافِقاتِ التي تشمل المساحة الأكبرَ ، وتستوعبُ الحجمَ الأكبرَ ، وتستدعي الهمَّ الأعظمَ؛ لأنّها الأوغلَ في حياة المُسلمين العمليّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة.

* وفرز نُقطة الخلاف الضئيلة الحجم ، وتأطيرها وعَزْلها وجعلها في ذِمّةِ البحث السِلْميّ والنَظَريّ ، بحيث لا تؤثّر سوى في الفكر والمعتقد القلبيّ ، لا على سطح الحياة العمليّة ، ولا تمسّ الُمخاطبين الذين يعتقدُون بغيرها.

إنّ أهمّ ما يتعرّض له المسلمون اليوم على الأرض والواقع الحياتيّ هوالهُجُوم العنيفُ الذي يشُنُّه الكُفّار الأجانب ؛ سواء من اليهود والنصارى ، أم من المُلحدين والعِلْمانيّين ، أو العُلماء المُصطنَعِين الذين يقومون بإثارة الخُصُومة والنزاع وتكبير حجم الخلاف والشقاق وتشويه سمعة

٨

المسلمين بما يحدث بينهم من القتل والفساد والإرهاب والتفجير خارجَ الوَطَن الإسلاميّ وداخله ، وبينَ أهله ، ممّا يزيد في افتراق الأمّة ، وتضعيف قواهم ، وإهدار إمكاناتهم الماديّة ، وزعزعة ملتزماتهم الروحيّة وأعرافهم الوطنيّة ، مضافاًإلى المخالفات الدينيّة التي في مقدّمتها مخالفة الأمر الإلهيّ ، ومعارضة النهي القرآني الذي قال : (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَـزَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّـبِرِينَ)(١).

وهذه التوالي المذكورة في هذه الآية التي هي من الوحي الإلهي هي المتحقّقة عياناً ، حيث نجد فعلاً أنّ المسلمين أذلاّء أمامَ جميع شُعُوب العالَمِوأمامَ أهلِ الدِيانات أجمع ، لِما يقومُ به جماعاتٌ منهم باسم (القاعدةوالطالبان والسلفيّة والوهابيّة) من اعتداءات وتفجيرات وإعدامات وقتل وتهجير واختطاف ورهائن وإرهاب في الأرض ، بدءاً بأنفسهم وبُلدانهم وشُعوبهم ، حتّى بلدان العالَم من شَرْقِه إلى غَرْبِه ، كلّ ذلك باسم الإسلام! والجهاد! والدفاع عن العروبة!.

مما جعل الكُفّار يؤكّدون ويعلنون لشعوب العالم على أنَّ الإسلامَ هوَ الإرهاب والمسلمين همُ الإرهابيّون!.

هذا ، مضافاً إلى ما أدّاهُ عملُهم من زرع الخوف والفزع والتشرّد والتهجيربين المسلمين ، لعدم الأمن والاستقرار في أوطانهم ، فتراهُم نُفُوا من عُقر دارهم.

والغريب أنّ الغَرْبَ أصبحَ مَلْجأً للمسلمين ومهجراً وموطناً يأمنون فيه ، ويقتاتون على صدقات الكنائس هُناك ، وأرضُهم تقبعُ على بحار من النفط!

__________________

(١) سورة الأنفال ٨ : ٤٦.

٩

وهكذا يظهرُ الغربُ وكأنّه المَلْجأ والمأمَنَ للمهجّرين من كلّ أنحاء العالم ، ومن الوطن الإسلاميّ بالخُصُوص.!!!

بينما يعلمُ أهلُ الحلّ والعقد أنّ جميعَ المَآسِي التي تحلُّ بالعالَم وبالوطن الإسلاميّ بالخُصُوص هوَ نتيجةٌ لمؤامرات الغَرْب ودسائسه وأحابيله :

فهو الذي خَطَّطَ للسيطرة على مقدّرات العالم الثالث وشعوبها!

والغربُ هو الذي يزوّد العالم بأدوات القمع والتعذيب.

وهو الذي ساهم بقمع حركات التحرّر في العالم.

وهو الذي كبّل البلادَ الإسلاميّة بالقوانين الظالمة المفروضة باسم (حقوق الإنسان ، والديمقراطيّة) ممّا أدّى إلى استمرار سيطرة هؤلاء العُملاء ، وبثّ روح العُنصريّة ، ونشر الأخلاق الفاسدة والإلحاد بينَ الشُعُوب الأسيرة.

وهو الذي حمّل كاهلَ الشُعُوب والبُلدان بِالديون الثقيلة ببيع الأسلحة وتكديسها ، وشنّ الحروب المفتعلة بين بُلدان المنطقة ، وبين البلدان التي يَسكنها ولو أقلّية مسلمة وجاراتها : كالبوسنة والهرسك ، وكشمير ، والصومال وبلدان أفريقيا.

فالغربُ وراءَ كلّ هذه المشاكل مُستفيداً من عمالة الجهلة ، ومن تخلّف الشعوب ، ومن غياب العقول وهجرتها ، ومن ضياع الوطنيّين والمخلصين بين سِندان همجيّة الغربيّين ومطرقة ظلم العملاء.

وتكفي نظرةٌ سطحيّةٌ على ما يجري على العراق من التفجيرات والهدم للمراكز العلميّة والدينيّة والمقامات والمراقد المقدّسة ، وإلى ما تشهد عليه المقابر الجماعيّة التي ملأت البلادَ من شماله إلى جنوبه.

١٠

ويأتي الغربيّون إلى البلد ـ بعدَ كلّ هذه المآسي والإجرام ـ وكأنّهم المُنقِذُون ، حاملين شعارَ الديمقراطيّة ، وتخليص الشُعُوب ، وإنّما هدفهم أن يستثمروا ما زرعه لهم عملاؤُهم ، ويستحصلوا ما مهّده لهم أولئك الجُناة ، بتطويع الشعب وتجويعه وإخناعه ؛ ليكون جاهزاً لتحمّل ما يُفرضُ عليه من اتّفاقيّات مذلّة بعيدة المدى ، فيكون البلدُ مستعمَراً من جديد إلى مائة سنةً على الأقل كما كان مستعمَراً للإنكليز من قبل لمدّة مائة عام.

وكأنّ ما حصلَ قبلَ هذا وعلى أيدي عُملائهم لم يكن لهم علمٌ به ، ولم يكن صادراً من مؤسّساتهم ، وبأوامرهم ، وبتخطيطهم!

إنّ السَدّ الوحيد أمام كلّ هذه التدابير الجهنّمية الشيطانيّة كان من أهداف العَلَمَينِ : شرف الدين ، والبشري ، لمّا قاما بالخطوة العلميّة الإصلاحيّة الفذّة قبلَ ما يقارب القرن ، ولنحنُ أحوجُ إليها اليومَ في هذا الزمن.

إنّ عمل هذين العملاقينِ بتأليف (المُراجَعات) كان منذُ صُدُوره بَلْسَماًللجرح الذي هدّد المسلمين طوال قُرُون.

والمُصلحون الُمخلصون في العالم الإسلاميّ بَاركوا هذا الكتابَ ، وتقبّلوهُوقرّظوهُ ونشروهُ في البلاد السُّنيّة في القاهرة والسودان ولبنان وسوريا ، مثلَما نشر فى البلاد الشيعيّة كبغداد والنجف وكربلاء ومشهد وطهرانوقمّ.

فتنعّمَ الجميعُ بما فيه من حقائق ومُوافقات ، ومايدعو إليه من صفاء وإخاء.

فمحتواه مجموعةٌ من الرسائل المتبادَلة بين العَلَمين ، يُتابِعانِ البحث الرصينَ حولَ الإمامة ، بأسلوبِ الرسائل ، ولكن لمّا أراد السيّد شرفُ الدين

١١

إصداره مجموعاً في (كتاب) منظّم بأسلوب التأليف أوجبَ ذلك عليه إجراء مايُناسب هذا الأسلوب ، كما صرّح به في مقدّمة الكتاب.

وصرّح السيّدُ كذلك بأنّ بعض المحاورات المتبادلة قد فقدتْ منه فكتبهاعلى ما علقَ بباله من المطالب.

وقد اتّخذت هذه التصريحات عندَ بعض أهل الأهواء والأغراض طريقاً للتهجّم على الكتاب بالنقد والتزييف ، وإنكار تبادل الرسائل بين العَلَمينِ!

غافِلين عن أنّ تصريحات السيّد تدلّ على سلامة قصد ، وصدق نيّة ، وأداء للأمانة العلميّة ، لايشوبه رَيْبٌ.

ثمّ إنّ المطلوبَ من الكتاب ، لايتخلّفُ مادام هو قائمٌ على الحقّ الوارد في الكتاب ، بالنظر إلى ما وردَ فيه ، وبقطع النظر عن مَن أوردهُ أو كتبهُ ، فإنّ الواجبَ هو النظرُ إلى ما قيل ، لا إلى مَن قال.

معِ أنّ الحشويّة والسلفيّة قد تعوّدوا أسلوب التشويه والتهويل والإنكاروالتكذيب والدفع بالصدر ، عندَما تضيق بهم الأمور :

فهم أنكروا وجود مؤلّف كتاب (لماذا اخترتُ مذهب أهل البيت عليهم‌السلام) وهو العلاّمة الشيخ مرعي الأمين الأنطاكيّ الحلبيّ السوري ّمن أهل مدينة (عنصو) وهو الذي اعتنق التشيّعَ مذهباً بعد أن كان شافعيّاً ، وألّف ذلك الكتاب مُبيّناً فيه أسباب تشيّعه وانتقاله.

معَ أنّ الرجلَ من عُلماء تلك المنطقة ، وقد كانَ من تلامذة العلاّمة الشهير الشيخ محمّد سعيد العَرْفي الحلبيّ الدَيرزوري ، وقد اتّصل به هو وأخوه الشيخ أحمد أمين الأنطاكي صاحب كتاب (في طريقي إلى التشيع) كما اتّصلا بالإمام السيّد شرف الدين.

١٢

فكَيْفَ يُنكرُ السلفيّ وجودَهما ، وينفيهما من الأرض؟!

والأخوانِ قد عرفتْهما الأوساط العلميّة في لبنان ومصر ـ الذي درسا في أزهره الشريف ـ وفي سوريا والعراق وإيران!

لكن الحشويّة السلفيّة يُنكرون وجودَ مَا ومَنْ لمْ يَرَوْهُ بأعينهم العُمْشِ؟أو لم يلمسوه بأيديهم؟ وهذا مبلغ علمهم!

وبعدَ هذا اللجاج ، فهم إذا أُفْحِمُوا ، ولم يتمكّنُوامن إنكار الوجود لشخص مّا؟ استعملوا أساليب أخرى أكثر فضيحةً لهم.

فهذا الإمام الأكبر شيخ الإسلام وشيخ الأزهر الأسبق الشيخ محمود شلتوت ، العلاّمةُ الفقيهُ الُمجدّدُ ، الذي أفتى بجواز التعبّد بمذهب الشيعة الإماميّة ، وجوّز للمسلمين الالتزام والعمل بفقه هذا المذهب الذي هو مذهب أهل البيت النبوي الطاهر ، فاعتبرهُ من المذاهب الإسلاميّة ، في فتواه الشهيرة الصادرة من الأزهر الشريف.

فلمّا لم يجد الحشويّة طريقاً إلى انكار وجود الشيخ ، ولا إلى إنكار الفتوى بتكذيب صدوره منه ، ولاطريقاً إلى تحريف الفتوى مدلولاً وأداءً ونصّاً ، ولا التشكيك في اعتباره ومصداقيّته ، لكونه موقّعاً من قبل مكتب الإمام ومشيخة الأزهر. ولمّا انسدّتْ عليهم الطرقُ جميعُها ، عَمَدوا إلى اتّهام الشيخ الإمام شلتوت نفسِه ، وهو رئيس الأزهر وشيخُ الإسلام في مصر ، فاتّهموه بـ : (الجنون)!

من غير خجل أو حياء أو خشية من الله ، أو ردع من وجدان أو ضمير!

يبهتونَ شيخاً لأكبر مركز إسلاميّ في العالَم ، وهو الأزهرُ الشريفُ ، فيصفونَه بالجنون!

١٣

وكفى أنّه عالمٌ ، محقّقٌ ، ومجتهدٌ ، فقيهٌ ، ومصلحٌ كبيرٌ ، تدلّ أعماله على كونه واحداً من عُيون رجال العلمِ والإصلاح في عصره ، فكَيْفَ يواجَه بهذا البُهتان العظيم! لكنّها شنشنةٌ معروفةٌ من الأعراب في اتّهام رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسائر الأنبياء ، بالجنون.

وكما ذهبتْ مساعي أولئك الأحلافِ هَباءً مَنْثوراً ، فجُهُودُ هؤلاء الأجلافِ تذهبُ هَباءً ، وأمّا ما ينفعُ النّاسَ فيمكثُ في الأرض.

إنّ جميع تلك الأعمال والأساليب قد ولّى عهدُها ؛ فلا تأثيرَ لها بعدَ ما وصلَ إليه المُسلمون ـ اليومَ ـ من الوَعي والرُشد على أَثَر سَعة أدوات المعلُومات ، وتنوّع وسائل الإعلام ، وعلى أَثَر كثرةِ التجارب التى زاولوها ، والضغوطات التي مارسَها الأعداءُ ضدّهم في القرن الماضي ، والمكر والحيلة والخداع الذي مارسه الظالمونَ وأتباعهم من رِجال دِين وعُلماء بِلاط ووُعّاظ سلاطين.

فقدْ تبيّن للأمّة زَيْفُ كلّ هذه الأساليب ، وبُطلان تلك الدعاوي ، وكذب الاتّهامات ، ولم يَكَدْ أحدٌ يصدّق ما يُطلقُهُ هؤلاء ضدّ الحقّ وأهله ، وضدّحزب الله وبُطولاته ، كما حَدَثَ بالأمسِ القريب ، من إصدار الفتاوى الزائفة التي مَنَعَ أصحابُها المُفتون من تأييد حزب الله ، حتّى من الدعاء إلى الله لانتصار حزب الله.

ولكنّ الله خيّبَ آمالَ المُعتدين ، ولمّا خَرَجَ حزبُ الله من المعركة مُنتصِراًبإذن الله ؛ تراجعَ الأذلاّء من المُفتين الوهابيّين ، وأعلنوا تأييدهم ومباركة الانتصار و... الرائعه الخالدة.

والحمدُ لله الذي جعلَ أعداءَ الحقّ أغبياء ، لايعرفون كَيْفَ يتصرّفُون ، وهم يفضحُون أنفسَهم بألسنتِهم ، ويُخرّبُون بُيُوتَهم بِأيديهِم ، من حيث

١٤

يَعلمُون أو لايعلمُون!

ونعود إلى (المراجعات) :

إنّ اعتزازَ الأمّة الإسلاميّة بهذا الكتاب ، ورُجُوعهم إليه واهتداءَهم بهديه ، مدى الأعوام السوالف ، لهوَ دليلٌ على أنّه كتابُ حقٍّ يدحض الباطلَ ، كما يدلّ على وَعي الأمّة وحبّها للحقّ والعلم.

وليسَ يعني ما نقوله عن كتاب (المُراجَعات) سلامَتَه من بعض النَقْدِ ، لعدمِ عصمةِ أيّ كتاب ، سوى كتاب الله تعالى ، ولكن ملاحظة بعض السهو من القلم ، أو الخطأ في الطبع الواقع فيه ، وهو قليلٌ ، إذا كانَ دليلاً على شيء ، فهو ـ أيضاً ـ دليلٌ على (الفضل) فإنّ الفاضلَ مَن تُعَدُّ أخطاؤُهُ ، كما يقول العلماء.

وبما أنّ في حصر ما ورد فيه من السهو ، معونةً للمُراجعين الكرام على تصحيح الكتاب ، فقد قام كاتب هذا المقال بجمع ذلك حسب الإمكان ، فجزاهُ الله خيراً ، وهو المستعان.

وكتب السيد محمّد رضا الحسيني الجلالي

قم المقدّسة صفر المظفّر / ١٤٢٩.

١٥

بسم الله الرحمن الرحيم

سياحةٌ عَجلى على ضفاف (المراجعات)

الإمامُ السيّدُ عبد الحسين آل شرف الدين عنوانٌ بارزٌ ، ومعلمٌ جامعٌ لـ (جمهرة) متميّزة من المواهب اللَّدُنِيّة والمَلَكات القُدسيّة ، تفاعلتْ (وشائج القربى) بينَها بمقتضى العِناية الربّانيّة والإضافات المَلَكُوتيّة ، تحتَ نَظارةِ مَن يختصّ برحمته مَن يَشاءُ المرشّح لها بِإشارة (... ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ)(١) لتُنتِج ذلك الفكرَ الأصيلَ الذي تميّزَ به ذلك (العَلَمُ الفَرْدُ) والعَيْلَمُ الذي ليسَ لِمَدِّ عُلُومِهِ ومَعارِفِهِ رَسْمٌ ولا حَدٌّ.

وإذا سَجَّلْنا على أنفسِنا ـ مَبدئيّاً ـ هذا الاعترافَ ، فمِن الخُلْفِ والتخلّفِ أنْ نَدَّعيَ إمكانَ الإحاطة بجميع ما لتلك (الشخصيّة) من هاتيك المواهب والعبقريّات على نحو السَبْرِ والاستيعاب أو مَخْر عُباب ذلك (القامُوس الُمحيط) لنُحيطَ بِما احْتَجَنَتْهُ فُصولُه الضافيةُ مِن (مُفردات) الفَذاذَةِوالعبقريّة التي اتَّسَمَتْ بها شخصيّةُ ذلك الربّانيُّ المُتألِّهُ والإمامُ الذي انعقدَ له لواءُ الإمامة في عُلوم الإسلام ومعارفه ، وأتاهُ المجدُ من هَنّا فجمعَ بينَ تَوالِدِهِ وطَوارِفِهِ :

(أتاكَ المجدُ مِن هَنّا وهَنّاو

كُنْتَ لَهُ كَمُجْتَمَعِ السُيُوْلِ)

وإذا كانَ الأمرُ على هذا النحوِ من (التَعَسُّرِ) بلْ (التَعَذُّرِ) ـ وإنّهُ لِكذلكَ

__________________

(١) سورة يس ٣٦ : ٣٨.

١٦

ـ فلامَندُوحةَ مِن الاكتفاءِ بالإشارة ؛ وإنْ كانَ بينَها وبينَ فَصْلِ القولِ وإيْفاءِ الحقّ على جِهة الإِجْزاء مَهامِهُ فِيْحٌ ، وفياف تقصُرُ عن قَطعِها مَسافي الريح.

وإذا أفضى بِنا مجالُ القولِ إلى تقرير هذهِ الحقيقةِ ، الحقيقةِ بِالتسليمِ ، القمينةِ بالإذعان لحُكمها :

فمِن أينَ نَبْدأُ؟!

أستغفرُ الله ، بل إلى أيّ منحىً من مَناحي (أوحديّتهِ) نُشيرُ؟!

لا أُذيعُ سِرّاً إذا ما قلتُ : إنّي غبرتُ لأيْاً من الزَمَنِ وأنا مُتردّدٌ بينَ الإقدامِ والإحجامِ ـ أُقدِّمُ رِجلاً وأُؤخِّرُ أُخرى ـ.

فأنّى لمثلي ـ وأنا ذُو البِضاعة المُزجاة ـ أنْ يستبضِعَ بِالنَزْرِ القليلِ في دُنيا الأفذاذ و (عباقرة البشر) فيكون (كمُستبْضِعِ الَتمْرِ إلى هَجَر)؟!!

ومَن لي بِضمانِ التوفيقِ ولو على جهةِ الإشارة في أداء واجبِ الوفاءِ لصاحبِ الذِكرى ، وهو مِن عملتْ في تقرير (قواعدِ العقائدِ) بقواطعِ الدلائلِ وسواطعِ الشواهدِ ، حتّى لكأنّه يُلْهَمُها مِن لسانِ الوَحي إِلهاماً ، ويتلقّاها من فَمِ (المعصوم) بَدْأً وخِتاماً.

هكذا ساوَرَتْني هذه السوانِحُ ، وأنا بِسبيلِ كِتابةِ سُطُور عن سيّدنا الإمام شَرِفِ الدين ـ رضوان الله عليه.

ثمّ ثُبْتُ إلى نفسي مُردِّداً قولَ الطَّغْرائيّ في لاميّته السائرة :

ما لاقْتِحامِكَ لُجَّ البَحْرِ تَرْكَبُهُ

وأَنْتَ يَكْفِيْكَ مِنْهُ مَصَّةُ الوَشَلِ

وماذا بعدُ؟

لقدْ قرّ الرأيُ مِنَى ـ غِبَّ ما قدّمتُ لك من ذرائعِ تهيّبي ودواعي تخلُّفي عن خوضِ غِمارِ ذلك البحرِ الزخّارِ ـ أنْ أَكُونَ قارِئاً مستلهِماً ومستفهِماً لأحد روائع آثار هذا السيّد الإمام ، وهو كتابُهُ الخالدُ المراجعات الذي هو بحكم (النصّ) لا (الاجتهاد) سِفْرٌ عظيمٌ تتضاءَلُ أمام مشارق إسْفارِهِ بوارقُ (الأسفار) ويشهدُ لناظم فرائده ومجلي فرائده بـ : (الإمامة) بين

١٧

نياقدة عُلماء الكلام وجهابذة النُّظّار

ـ سَبُوحٌ لَها مِنها عَليها شَواهِدُ ـ

ذلك الكتابُ الفريدُ في بِنائه وتنسيقه ، الفارعُ البارعُ في توثيقه وتحقيقه ، الذي صبّه مؤلّفه الحكيمُ الأمينُ في قالب من الإبداع والإتقان ، حتّى صار موضعَ قولِ القائل : (ليس بالإمكان أبدع ممّا كان) وحقّ لمُنشيه ومُوشّي حواشيه أن يخاطبه بقول القائل :

كتابِيَ سِرْ في الأرْضِواسْلُكْ فِجاجَها

وخَلِّ عِبادَ اللهِ تَتْلُوكَ مَا تَتْلُو

فَمَا بِكَ مِنْ أُكْذُوبَة فِأخافها

ومَا بِكَ مِنْ جَهْل فِيُزْرِي بِكَ الجَهْلُ

إنّ كتاب المُراجَعات ـ بحقٍّ ـ فتحٌ جديدٌ وإنجازٌ رائدٌ في باب الدراسات العقائديّة الجادّة ، وأثرٌ رائعٌ في عالَمِ الحِجاجِ والمُناظراتِ ، لم يُطبعْ كتابٌ آخر على غِرارِهِ ، ولم يُنسجْ على مِنوالِهِ في موضوعِه وموضوعيّتهِ ، وفي صِياغة أسلوبه وبلاغة تحريرهِ وتوشيةِ تحبيرِهِ وإشراقِ بيانهِ واطِّرادِ فُصُولهِ وتَساوُقِ ألفاظهِ ومعانيهِ واتّساقِ حُججهِ ومَبانيهِ وقُوّةِ إفحامِه وإلزامَه ، وفي التزامِ مؤلّفهِ (طيّبَ اللهُ ثَراهُ) بِأَدَبِ البحثِ والمُناظرةِ ، والبُعدِعن العِنادِ والمُكابرةِ ، والنأيِ عن طرائقِ السُبابِ والشَتْمِ والمُهاتَرةِ ، وفي احتوائه أُمّاتِ المسائلِ الخلافيّةِ بينَ الطائفتينِ المُسلمَتَينِ ـ الشيعةِ وأهل السنّةِ ـ ومُناقشتها على ضوءِ الكِتابِ العزيزِ ، الذي (... لاَّيَأْتِيهِ الْبَـطِـلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيم حَمِيد)(١) والسُنّة المُطهرة ، ووزنها بميزان الاعتدال والإنصاف ، بعيداً عن الجَنَف والاعتساف ، وفي ضمن ذلك الدعوة إلى توحيد كلمة أهل التوحيد ، ونبذ الفرقة والخصومة وأن يعمل الفريقان بما اتّفقا ـ من ضرورات الإسلام ـ

__________________

(١) سورة فصّلت ٤١ : ٤٢.

١٨

عليه ، ويعذر بعضُهم بعضاً بما اختلفوا فيه ، على ما هو المفهومُ والمستفادُ من جملة تلك المُناظرات الجياد ، فالمُسلمون كلّهم شَرَعٌ سواء في تفيُّؤ ظِلال دوحة الإسلام الوارفة ، لا تتميّزُ في هذا الحقّ المشروع من قِبَلِ الشارع المُقَدّس طائفةٌ عن طائفة ، ما دامَ الجميعُ مُجتمِعينَ ومُجمِعينَ على الاعتقاد بضروريّات الدين الحنيف ، ومُستهدينَ ـ في الجملة ـ بصُوى مَنهجِهِ الرشيدِ المنيف. ولا بأسَ على المُتفائلينَ من أبناء هذه الأمّة الكريمة ـ شيعة وسُنّة ـ أنْ يشيموا (شمس) الإسلام الساطعة يتألّق سنا إشراقها بـ : (ميم) (مُحَمَّد) (صلى الله عليه وآله) وأنْ يكون (شين) الشيعة (وسين) السُنّة مُرتبطينِ بـ : (ميم) (مُحَمَّد) (صلى الله عليه وآله).

كما لا غرابةَ أنْ يُعلنَ بعضُ أعلام الشيعة ومثقّفيهم بأنّهم تشيّعوا تشيُّعاً عِلميّاً بكُتُبِ السيّد شرف الدين ، وفي رأس القائمة منها كتاب المُراجَعات.

وما من شكٍّ في أنّ كلّ منصف ـ من أهل القِبلةِ ـ وإنْ كانَ من غير ينبوع التشيّع مشربُهُ ، وسوى مذهب أئمّة العترة مذهبُهُ ، يرى في هذا الكتاب مُحَيّا الهُدى متألّقَ القَسماتِ واضحَ الدِلالاتَ ، فلايمضي في قراءة فُصُوله إلاّ وقد ازدادَ يَقيناً بِأحقيّةِ مذهب أهل البيت عليهم الصلاةُ والسلامُ ، وأنّ الشيعةَ (في الفروع والأصول على ما كان عليه الأئمّة من آل الرسول).

ومن شواهد ذلك ما رأيناهُ وقرأناهُ من تشيّع العالِمَينِ العَلَمينِ الأَخَوينِ : الشيخ محمّد أمين الأنطاكيّ ، والشيخ أحمد الأنطاكيّ ، وكانا في أوّل الأمر على مذهب الشافعيّ ، ومن أفاضل أعلامه ، ثُمَّ قدّر لهما أن يَطَّلِعا على المُراجَعات بعدَ تردّد وممانعات ، لِما وَقَرَ في نُفُوسهما(١) من كراهة

__________________

(١) العرب لاتكاد تضيف المثنّى إلى المثنّى إلاّ مجموعاً كما في قوله تعالى : (إنْ تَتُوبَا إلى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوْبُكُما).

١٩

الشيعة والتشيّع ، فكانَ ذلك سببَ انتحالِهما مذهبَ الإماميّة.

وكانَ مِن ثَمَراتِ هذا الانتقال أنْ ألّفَ أوّلُهما كتاباً قيّماً سمّاه لِماذا اختَرْتُ مذهبَ أهلِ البيتِ عليهم‌السلام حكى في مقدّمتِهِ قصّة تشيّعهِ بسببِ قِراءةِ المُراجَعات وقد طُبع غيرَ مرّة.

كما ألّفَ أخوه الشيخ أحمد الأنطاكيّ كتاباً نفيساً سمّاه في طريقي إلى التشيّع.

وقد تشيّع بتشيّعهما كثيرٌ من ذَوي قرابتهم ومعارفهم وأبناء بلدهم.

كما تشيّع غير هذين العالِمينِ بِبركةِ كتاب المُراجَعات جماعةٌ من أعلام المذاهب الأخرى ومثقّفيهم.

ومن أجمع وأبلغ ما وُصِفَ بهِ هذا الكتابُ المباركُ هو كلمةُ الإمام آية الله العظمى علم الهدى الشيخ مُرتضى آل ياسَيْنَ قدس‌سره وهو ابنُ خالة السيّد شرف الدين ، في مقدّمة الكتاب ، الجامعة ، وإنّها لحريّة أن تكونَ لوحةً خالدةً من نماذج النَثْرِ الفنّي الرائع ، من حيث دقّة الوصفِ وبراعة البيانِ وجمالِ التصويرِ.

قال الإمام المرتضى من آل ياسِيْنَ : «لستُ ببالغ من تعريفك ـ أيّها القارىء الكريم ـ بالسيّد المؤلّف مبلغَ تعريف هذا الكتاب به ، وحسبُكَ منه ـ وأنتَ تقرؤُهُ في هذا الكتاب ـ أن تعرفَ بهِ بَطَلاً من أبطالِ العلمِ ، وفارِساً من فُرسان البيانِ ، تأتيه حين تأتيه مالكاً لأمرك ، مسيطراً على نفسك ، فإذا استقرّبك المقامُ عندَه ، لم تتمالَكْ دونَ أن تَضَعَ قيادَكَ بينَ يديه ، فإذا هو يَتَمَلّكُ زِمامَ أمركَ ، ويدخل إلى قرارة نفسك ، فيُسيْطِرُ عليك بطبيعةِ قوّتهِ وأدبِهِ وعلمهِ ، وأنتَ لاتخشى مغبّةَ العاقبة من هذه السيطرة ، فإنّها سيطرةٌ مضمونةُ الخير مأمونةُ الشرّ بعيدةٌ عن الكيدِ والمكروهِ ، بُعْدَ الصِحّة عن الفساد ، وكُنْ واثقاً أكبرَ الثقة ـ حينَ يأخُذُكَ بيانُهُ وبُرهانُهُ ـ أنّه إنّما يردُ بِكَ

٢٠