تراثنا ـ العددان [ 99 و 100 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العددان [ 99 و 100 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٠
ISBN: 1016-4030
الصفحات: ٥٢٦

عن المتن ، وتتمّ المقابلة بالترتيب حسب إعجام الإسم أو بحسب الكتاب المستخرج منه أو الأصل ، وبهذه المقابلة يتمّ كشف بعض الوسائط الساقطة أواختلاف النسخ واشتباهها ، كما يتمّ به كشف المشتركات ، وهو يعطي فوائدأيضاً ، كمعرفة أسماء الراوي المتعدّدة وألقابه وكناه وتلاميذه الراوين عنه ومن يكثر منهم ومن يقلّ ، ومعرفة عمر الراوي وأسفاره وتنقّلاته في المواطن العلمية ، كما يظهر مرتبته العلمية. واعتمد السيّد البروجردي على هذاالمنهج في كتابه تجريد الأسانيد في الكتب الأربعة(١).

المنهج الرابع : النصوص الرجالية :

ويعتمد فيه على الاقتصار على أقوال الرجاليّين المتقدّمين كالأصول الخمسة ، وقد يلحق بهم أقوال المتأخّرين كخلاصة العلاّمة ورجال ابن داود ، وقد يضيف إليهم أقوال متأخّري المتأخّرين ممّن له الريادة في التحقيقات الرجالية ، ومن الكتب الرجالية المؤلّفة على هذا النمط كتاب خلاصة الأقوال للعلاّمة الحلّي ، ورجال ابن داود ، ومجمع الرجال للقهبائي ، ونقد الرجال للتفرشي(٢).

المنهج الخامس : تراجم البيوتات والأسر الروائية :

وقد اعتمد على هذا المنهج في مصنّفات العديد من الرجاليّين ، كما صنّف أبو غالب الزراري في آل زرارة بن أعين ، وبعض آخر عن آل النجاشي ، وآخر في النوبختية ، وقد وضع العلاّمة بحر العلوم كتابه في

__________________

(١) بحوث في مباني علم الرجال : ١٧٩.

(٢) بحوث في مباني علم الرجال : ١٧٩ ـ ١٨٠.

١٦١

الرجال على هذا المنهج ، حيث ترجم لكثير من البيوتات الشيعية. ويمتاز هذاالمنهج بتسليط الضوء على الراوي من جهة التربية الأسرية وقراءة ترجمة المفردة من جهة التنشئة التي نشأ فيها والمهد الذي ترعرع فيه المؤثّرفي انطباع سلوكه به. ويكفي أن يعدّ ما ألّف في نسب الطالبيّين من مؤلّفات عديدة في هذا القبيل ، مثل مقاتل الطالبيّين لأبي الفرج الأصفهاني وغيره ، بل إنّ هناك تأليفات تأريخية في القبائل وبطونها وأفخاذها(١).

المنهج السادس : تاريخ المدن :

يقوم على ترجمة كلّ من دخل المدينة أو سكن فيها وأقام ممّن وقع في سلسلة الرواة أو كان له شأن في الوقائع التاريخية ، ويتحرّى في هذا المنهج التطرّق لذكر الوقائع التي جرت لصاحب الترجمة في تلك المدينة وسلسلة رواة تلك المدينة الراوين عنه ، كما يذكر هذا المنهج الروايات التي تبدأ طرقها من الرواة والمنتسبين إلى تلك المدينة. وبعبارة أخرى : إنّ هذا المنهج يركّز على الحواضر العلمية والروائية وغيرها التي نشأت في تلك المدينة والرواة الذين فيها ممّن قد لا توجد تراجمهم لدى أرباب التراجم والكتب الرجالية بسبب كون مؤلّفيها يقطنون في حواضر علمية ومدن أخرى لم يكن بينهم صلات علمية حديثية ، ومن أمثلة هذا المنهج تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ، وابن عساكر في تاريخه ، وابن شبة في تاريخ المدينة ، والأزرقي في تاريخ مكّة(٢).

__________________

(١) بحوث في مباني علم الرجال : ١٨١.

(٢) بحوث في مباني علم الرجال : ١٨١ ـ ١٨٣.

١٦٢

المنهج السابع : المنهج الروائي :

ويعتمد فيه على خصوص الروايات الواردة لمضمون مدح أو قدح أو مايلازمها حول الترجمة ، وقد اعتمد على هذا المنهج كثيراً الشيخ الكشّي في رجاله ، حيث ذكر في كلّ ترجمة الروايات الواردة حولها ، وقد استدرك عليه بعضهم في كتبهم الرجالية إلى عصرنا هذا كثيراً من الروايات ، وهذا المنهج يوضّح المنزلة العلمية للراوي ودرجة أمانته لدى الإمام عليه‌السلامومرتبةوثاقته.

المنهج الثامن : أصحاب كلّ إمام :

ويعتمد فيه على ذكر أصحاب كلّ إمام الشيوخ منهم والمتوسّطين والأحداث ، وقد يشترك بعض الرواة في صحبة أكثر من إمام ، وبهذا يمتاز هذاالمنهج عن منهج الطبقات الذي سبق ، وقد اعتمده الشيخ الطوسي في رجاله ، كما ألّف فيه الرجالي الكبير ابن عقدة كتاباً في أصحاب الإمام الصادق عليه‌السلام ، وقد ألّف على هذا المنوال العديد من الكتب ولاسيّما في الأعصر المتأخّرة ، كما ألّف في صحابة النبيّ (صلى الله عليه وآله) كثيراً كالإصابة في معرفة الصحابة لابن الأثير وأسد الغابة في معرفة الصحابة وطبقات ابن سعد وغيرها(١).

المنهج التاسع : الفهرست وتراجم الكتب :

وهو من أقدم مناهج التصنيف في علم الرجال ، ويعتمد على ذكر

__________________

(١) بحوث في مباني علم الرجال : ١٨٤.

١٦٣

الكتب التي ألّفها الفرد المترجَم ومن روى تلك الكتب عنه والطرق إلى تلك الكتب مع ترجمة مختصرة لكلّ كتاب ومدى شهرتها واعتماد الطائفة عليها ، وقد تطوّر هذا المنهج إلى ذروته عند المحقّق الكبير والرجالي الشهير آقابزرك الطهراني ، ويمكن ملاحظة ذلك في كتابه الذريعة إلى تصانيف الشيعة ، ويعدّ ابن النديم في فهرسته من الروّاد الذين خاضوا في هذا المضمار(١).

المنهج العاشر : المشيخة :

وهو يشبه المنهج السابق إلاّ أنّه يتميّز عنه في كون المشيخة أسلوباً في التدوين يرفق بكتاب الحديث لتوضيح طرق أصحاب الكتاب إلى الكتب التي استخرج روايات كتابه عنها مقتصراً عليها ، بخلاف كتب الفهرست فإنّها أعمّ من ذلك وأعمّ من أن يكون مؤلّف الفهرست محدّثاً وصاحب مدوّنات حديثيّة ـ كما هو الحال في الشيخ النجاشي ـ فضلا عن أنّه في المشيخة يقتصر فقط على ذكر الطرق إلى الكتب التي استخرجت منهاالروايات من دون تعريف زائد بأحوال الكتب والنسخ والتعريف بخصوصيّات أخرى ، وهذا بخلاف كتب الفهرست. ويعدّ أوّل من ألّف في المشيخة الراوي الجليل الحسن بن محبوب الزرّاد في كتابه المعروف بالمشيخة ، والشيخ منتجب الدين في فهرسته ، وابن شهرآشوب في معالم العلماء ، وغيرهم(٢).

__________________

(١) بحوث في مباني علم الرجال : ١٨٤ ـ ١٨٥.

(٢) بحوث في مباني علم الرجال : ١٨٦ ـ ١٨٧.

١٦٤

المنهج الحادي عشر : منهج الفوائد :

وهو يعتمد على ذكر الفوائد العامة في التوثيق أو الجرح أو المبيّنة لحال الطرق وبيان الاصطلاحات الرجالية ، كما قد يتعرّض إلى الترجمات المنهجية عن بعض المفردات بتقصٍّ واف ، كما وقد يتعرّض إلى فوائد عامّة في التوثيق مبتكرة جديدة ، وأيضاً قد يبحث فيها عن أصول علم الرجال. ويعدّهذا المنهج بمثابة البنية التحتية لمباحث علم الرجال ، ويرى أنّ كلّ كتاب يوضع عند المتأخّرين لابدّ أن يشتمل على الفوائد في مقدّمته أو خاتمته ، وهي تعكس مبنى المؤلّف في المنهج الرجالي ، وبعض هذه الفوائد توضع مستقلّة أو تلحق بكتاب حديث(١) ، وللاستزادة ينظر(٢).

المنهج الثاني عشر : منهج تراجم الأعيان :

وهو يعتمد على ترجمة طبقات علماء الطائفة من ابتداء عصر الغيبتين ، ويكون لهذا المنهج أثر مهم في توثيق سلاسل الطرق في كتب الأصحاب سواء في المجاميع الأربعة الأولى أو الكتب الروائية التي ألّفت بعدهم ، كالطرق التي اعتمد عليها الطبرسي في الاحتجاج والطبري في دلائل الإمامة والمسعودي في إثبات الوصية ، وكذلك طرق المحمّدين الثلاثة(٣) ، ولايخفى أهمّيتها لتصحيحها النسخ التي اعتمدوا عليها في استخراج روايات كتبهم. وممّن كتب في هذا المنهج : السيّد محمّد باقر الخونساري

__________________

(١) مباني علم الرجال : ١٨٤ ـ ١٨٧.

(٢) الفوائد الرضوية في أحوال علماء مذهب الإمامية ، (طهران ، د. ت).

(٣) هم : الشيخ الكليني (ت٣٢٩ هـ) والشيخ الصدوق (ت٣٨١ هـ) والشيخ الطوسي (ت٤٦٠ هـ) أصحاب الكتب الحديثية الأربعة ، وهي تعدّ بمثابة الصحاح عند الشيعة الإمامية.

١٦٥

في روضات الجنّات ، والسيّد محسن الأمين العاملي في أعيان الشيعة ، وآقا بزرك الطهراني في كتابه المعروف طبقات أعلام الشيعة ، والعلاّمة الشيخ عبد الحسين الأمين في شهداء الفضيلة ، والمحدّث القمّي في الكنى والألقاب ، وغيرهم(١).

المنهج الثالث عشر : منهج الإجازات :

وهو يتعرّض لسلاسل الإجازة في الرواية لطبقات المشايخ ، وكذلك إجازة رواية الكتب ، وهي أعمّ من كونها كتب حديث أو من علوم وفنون أخرى ، وهذا المنهج وإن كان أحد أبواب علم الدراية إلاّ أنّه يتبع علم الرجال لمافيه من الفوائد والثّمرات الرجالية ، وقد كتب فيه العديد من العلماء ، فترى في كلّ قرن وطبقة من وضع رسائل وكتباً في ذلك ، مثل إجازتي العلاّمة الحلّي لبني زهرة الطويلة والقصيرة ، وإجازات الشهيد الثاني لتلاميذه ، وإجازات العلاّمة المجلسي. وهذا المنهج يقرب من المنهج السابق مورداً وفائدة إلاّ أنّه يختلف عنه في الحيثية والجهة ، إذ هو يقتصر على من وقع في سلسلة الإجازة وإن لم يكن من الأعيان بخلاف المنهج السابق فإنّه يعمّ من لم يكن من مشايخ الإجازة ولكنّه يختصّ بأعيان العلماء(٢).

المنهج الرابع عشر : علم الأنساب :

وهو العلم الباحث عن أنساب القبائل وبطونها وأفخاذها ومواطن

__________________

(١) بحوث في مباني علم الرجال : ١٨٩ ـ ١٨٨.

(٢) بحوث في مباني علم الرجال : ١٩٠.

١٦٦

سكناها وأحوالها وصفاتها ومدنها التي عاشت فيها وانتهاء شجراتها إلى الأفراد ، وحيث إنّ النسب النبوي والعلوي قد اختصّ ببالغ الشرف فقد وضعت كتب خاصّة به ، فكان دخول علم الأنساب في الكشف عن هوية المفردة هو من الأوّليّات الضرورية لمعرفة ترجمة المفردة ، فكلّما كان الرجالي محيطاً بهذه الكتب كان أقدر على تمييز المشتركات في اللقب أو الكنية أو موطن السكنى وتاريخها وغير ذلك ممّا له دخل في هوية المفردة الرجالية ، وقد كان الشيخ النجاشي يتميّز بالاهتمام بهذا العلم.

وهذا العلم في بداية نشوئه مدرج في كتب التاريخ تارة وفي كتب اللغة القديمة باعتبار أسماء القبائل تارة أُخرى ، إلاّ أنّه أُلْحِق بأحد الأبواب الرجالية ، بل انتهى الأمر إلى جعله علماً برأسه. وعلى كلّ حال فإنّ فائدته تصبّ في علم الرجال بنحو بالغ الأهمية وان استفيد منه في علوم أخرى(١).

الأخطاء والأوهام التي يقع فيها مصنّفو الرجال :

نظراً إلى صعوبة علم الرجال لتناوله الرواة وتحرّكهم ورصدهم والحكم عليهم بالجرح والتعديل كان لابدّ من تعرّض مصنّفيه إلى جملة من الأخطاء والأوهام ، وهي كالآتي :

١ ـ الخلط بين الرواة الذين اتّفقت أسماؤهم أو أنسابهم أو ألقابهم أو كناهم ، مثل عليّ بن أبي حمزة الثمالي وعليّ بن أبي حمزة البطائني ، فقد أشارالعلاّمة إلى أنّهما ليسا واحداً(٢).

__________________

(١) بحوث في مباني علم الرجال : ١٩١.

(٢) خلاصة الأقوال : ١٨١.

١٦٧

٢ ـ الوهم في جعل الراوي الواحد رجلين أو أكثر ، أو العكس بجعل الرواة المتعدّدين رجلاً واحداً ، مثل قول العلاّمة : «أحمد بن محمّد أبو غالب الزراري»(١) و «أحمد بن محمّد أبو غالب الزراري»(٢) ، وفي مثال آخر «سيف بن عميرة»(٣) و «سيف بن عميرة»(٤) ، أمّا ما يخصّ جعل الرواة واحداً فمثل : بكربن محمّد الأزدي وبكر بن محمّد بن أخي سدير الصيرفي(٥).

٣ ـ الوهم في تاريخ ولادة الراوي أو تاريخ وفاته عند المصنّفين ، وهومشهور ، مثل : «... كان مولده يوم الحادي عشر من ذي القعدة سنة ٣٣٦ هـ ، وقيل : سنة ٣٣٨ هـ»(٦) ، ومثال آخر : «... فمات في جمادي الأولى سنة ٣٠٥ هـ ، وقيل : سنة ٣٠٤ هـ ...»(٧).

٤ ـ ذكر الراوي في غير بلده. وقد جرت العادة عند المصنّفين على نسبة الراوي إلى البلدان التي رحل إليها حسب القدم ، يقال : فلان المكّي المدني الكوفي الشامي ، أي مسار حياته ، فإنّه مكّيّ المولد شاميّ الوفاة. ومثال ذلك ما جاء في الخلاصة في بعض الرواة : «...أصله كوفيّ وانتقل إلى أصفهان ...»(٨) ، فيعبّر عنه بالكوفي الأصفهاني. أو : «...أبو محمّد

__________________

(١) إيضاح الاشتباه : ٩٦.

(٢) إيضاح الاشتباه : ١٠١.

(٣) إيضاح الاشتباه : ١٩٤.

(٤) إيضاح الاشتباه : ١٩٨.

(٥) انظر اختيار معرفة رجال الكشّي : ٥٩٢ ، ورجال ابن داود : ٥٨.

(٦) خلاصة الأقوال : ٢٤٨.

(٧) خلاصة الأقوال : ٢٥١.

(٨) خلاصة الأقوال : ٤٩.

١٦٨

البوفكي ، وبوفك قرية من قرى نيسابور ...»(١).

٥ ـ إغفال المصنّفين ذكر بعض الأعلام والمشاهير من الرواة والعلماء ، ومثال ذلك عدم ترجمة العلاّمة الحلّي(٢) لابن داود الحلّي على الرغم من معاصرته له ـ وابن داود من العلماء البارزين الذين لهم تصانيف كثيرةومتشعّبة ـ وعلى الرغم من أنّ ابن داود ترجم للعلاّمة الحلّي في رجاله(٣). ومن الأمثلة الأخرى عدم ترجمة العلاّمة الحلّي(٤) وابن داود الحلّي(٥) للشيخ محمّد بن عليّ بن شهرآشوب المازندراني (ت٥٨٨ هـ) ، وفضله أكبر من أن ينكر ، فهو صاحب كتاب الرجال : معالم العلماء ، فضلا عن اعتمادهما ـ أعني الحلّيّين ـ عليه في استقاء معلوماتهما حول الرواة في كتبهما الرجالية.

أهمّ الصعوبات التي تواجه مصنّفي الرجال :

١ ـ عدم توافر المعلومات التاريخية الكافية عن الراوي المترجم له ، إذإنّ قلّة المعلومات المتوافرة للمصنّف عن الراوي تجعله في إشكالات كثيرة تحرمه من المقدرة على وضع حدود واضحة المعالم للترجمة وتبقى الترجمة قاصرة ، وتعود أسباب صعوبة وجود المعلومات التاريخية إلى كثرة الترحال في طلب العلم ، مثال ذلك ما جاء في الخلاصة في حقّ بعض

__________________

(١) خلاصة الأقوال : ٢٢٧.

(٢) ينظر : خلاصة الأقوال وإيضاح الاشتباه ، (باب الحاء).

(٣) ينظر رجال ابن داود : ٧٨.

(٤) ينظر : خلاصة الأقوال وإيضاح الاشتباه (باب الميم).

(٥) ينظر : رجال ابن داود (فصل الميم).

١٦٩

الرواة : «... كان ينزل ببني شيبان بالكوفة ، وانتقل إلى بغداد سنة تسع وتسعين ومائة ، ويقال : إنّ في هذه السنة مات ، ومولده كان بالكوفة ومنشأه واسط وتجارته بغداد ثمّ انتقل إليها في آخر عمره ونزل قصر وضاح ...»(١).

٢ ـ رحلة الراوي إلى بلد غير مشهور بالعلم فيموت فيه أو يندر من يروي عنه في ذلك البلد ، بما أنّ الترحال ديدن الرواة فأحياناً يصلون إلى بلدان غير مشهورة بالعلم ، وأحياناً يكون ذهابهم هناك لأسباب سياسية ، مثل ماحصل مع الكثيرين منهم : كسعيد بن جبير (ت٩٥ هـ) الذي كان يحزن لعدم سؤاله من أهل فارس عندما هرب إليهم على إثر طلب الحجّاج له(٢).

٣ ـ التضارب في الأقوال المنقولة والأخبار المدوّنة عن الراوي المترجم له وصعوبة الترجيح بينهما أو صعوبة الجمع بينهما على الرغم من وجود معايير مفاضلة عند النقاد وذلك بالاعتماد على المصنّف والمصدر لكونه أقرب إلى الحدث التاريخي ، وهذا التفاوت في الروايات المنقولة إمّا أن يكون تناقضاً في الأقوال كأن يقول : فلان قتل ، ورواية تقول : فلان مات ، أويكون الاختلاف ناتجاً عن تعدّد الروايات كأن يقول : مات سنة كذا أو قتل سنة كذا ... إلخ(٣).

__________________

(١) خلاصة الأقوال : ٢٨٨.

(٢) ينظر : الحاج جاسم ، سامي حمود ، سعيد بن جبير ـ دراسة تاريخية ـ رسالة

ماجستيرمقدّمة إلى كلّية التربية ، ابن رشد ، جامعة بغداد ، غير منشورة : ٧٩ ـ ٩٢.

(٣) ينظر : خلاصة الأقوال : ١٥٦ ، ٢٤٨.

١٧٠

أهمّية التصنيف في الرجال :

يمكن إجمال بيان أهمّية تصنيف الكتب الرجالية بالنقاط الآتية :

١ ـ إنّ كتب الرجال تعكس تراث الأمّة وعمق حضارتها ونتاجها الفكري والعلمي عبر التسلسل الزمني والتاريخي حتّى عصر المؤلّف.

٢ ـ إنّ كتب الرجال تبيّن تطوّر العلوم بفروعها المتنوّعة من خلال الترجمة للرواة والإشارة إلى ريادة بعضهم في وضع قسم من العلوم أو إضافة أحد الرواة (العلماء) إضافات نوعية على علم معيّن.

٣ ـ رصد الحركة العلمية في كلّ عصر ومصر أو جيل من خلال الترجمة للرواة والعلماء من الرواة في عصر معيّن أو مصر معيّن.

٤ ـ تقويم العلماء المتخصّصين من خلال جهودهم العلمية في مؤلّفاتهم ونتاجهم العلمي ، كما يسهم ذلك في حفظ حقوق هؤلاء العلماء في مؤلّفاتهم وعدم سرقة المنتحلين لها.

٥ ـ يحفظ للأمّة أنسابها ويؤرّخ أصالتها وذلك من خلال الإشارات النسبية عند الترجمة للرواة ، وبذلك تعدّ مصدراً لعلم الأنساب.

٦ ـ تساعد القارئ على الحصول على معلوماته بسهولة ولاسيّما ما يخصّ التراجم والسير والأحداث التاريخية المتعلّقة ببعض المترجم لهم فضلاعن وثاقة الراوي المترجم له أو عدمها.

٧ ـ إنّ كثيراً من مصنّفي الرجال حرصوا في كتبهم على تثبيت تراجم النابغين من العلماء وقادة الفكر ومن كان لهم أثر مميّز في نشر الحركة العلمية والتأليف أو من كان لهم أثر في عصرهم في اتجاه ما ، بل أفرد المصنّفون كتباً مخصّصة للضعفاء والمتروكين والمدلّسين والوضّاعين ممّا يسهل الرجوع والحكم على المترجم لهم.

١٧١

٨ ـ إنّ قسماً من كتب الرجال تتعرّض ضمناً إلى الأخوة والأخوات والآباء والذراري عندما يترجم لأحد الرواة ، وهذا يفيد في معرفة الأخوة والأخوات والعلاقات العائلية للرواة(١).

٩ ـ قد يشير قسم من مصنّفي الرجال لأحد الرواة بصورة مختصرة جدّاً(٢) ، أو بصورة موسّعة يذكر أخبارهم الشخصية والعائلية ومذاهبهم(٣).

١٠ ـ تضمّنت كتب الرجال الكثير من الحكم والأقوال والأشعار والزهدوالعلوم والفتاوى الخاصّة بالرواة ولاسيّما الصحابة والتابعين ، وقد تذكرضمناً عند الترجمة للرواة.

١١ ـ تعرف حركة الرواة ـ ولاسيّما الصحابة والتابعين ـ بين الأمصار وهجرتهم.

١٢ ـ الكشف عن وثاقة رجال الإسناد وتمييز الأسانيد ومعرفة الرجال المذكورين في السند والمرويّات.

١٣ ـ الكشف عن الخطأ في الإسناد من التصحيف والتحريف في أسماءرجال السند.

١٤ ـ الكشف والتمييز في الرواة المتشابهة أسماؤهم ، وقد صنّف في هذاالمضمار تصنيفات كثيرة تميّز الرواة المتشابهة أسماؤهم وألقابهم وكناهم.

١٥ ـ معرفة أنّ الراوي شخص واحد أو أكثر وإن ذكر بأسماء أو كنى

__________________

(١) ينظر : خلاصة الأقوال : ٨٦ ، ٩٦ ، ١٢٥ ، ١٤١ ، ١١٦ ، ٢١٦ ، وإيضاح الاشتباه : ١٤٧ ،

ورجال ابن داود : ٥٧.

(٢) ينظر : خلاصة الأقوال : ١٣٣ ، إيضاح الاشتباه : ١٠٠ ، ورجال ابن داود : ٨٩.

(٣) ينظر : خلاصة الأقوال : ١٠٩ ـ ١١٣ ، إيضاح الاشتباه : ٢٩١.

١٧٢

وألقاب متعدّدة في الكتب.

١٦ ـ تقدير مواليد الرواة ووفياتهم التي لم تدوّن وتصحيح المدوّن خطأًوالترجيح فيما اختلف فيه.

وللبحث صلة ...

١٧٣

مدرسة الحلّة وتراجم علمائها

من النشوء إلى القمّة

(٥٠٠ ـ ٩٥٠ هـ)

(٥)

السـيّد حيدر وتوت الحسيني

لقد تعرضنا في الأعداد السابقة إلى تأريخ تأسيس مدينة الحلّة ، والنهضة العلمية والأسر والبيوت العلمية فيها ، وتأثير مدرسة الحلّة بالمدارس في المدن الإسلامية الأخرى ، وتطرقنا إلى العلوم الإسلامية التي كانت محل اهتمام مدرسة الحلّة ، واستعرضنا الحركة العلمية ، وعلماء الحلّة منذتأسيس المدينة في القرن السادس الهجري ، ونستأنف البحث هنا في مدرسة الحلّة في القرن السابع الهجري ...

٨٥ ـ الحسن بن شهاب الواعظ :

جاء في شعراء الحلّة : «هو أبو محمّـد الحسن بن عبد بن شهاب الحلّي الواعظ الملقّب بـ : محبّ الدين ، كان حيّاً عام (٦٥٠ هـ). ذكره ابن الفوطي في المجمع فقال : ذكره شيخنا جمال الدين أبو الفضل أحمد بن المهنّاالحسيني وقال : سافر إلى الشام وكان فصيح الكلام ، ولمّا رجع إلى العراق كتب إليهم رسالة تشتمل على الاشتياق ، له شعر».

١٧٤

أقول :

من المؤسف أنّه لم يؤثر عنه ما يدلّ على أدبه وشاعريّته ، وكلّ ما ذكره المؤرّخون أنّ له شعراً دون أن يذكروا له ذلك.

٨٦ ـ الشيخ الحسن بن داود الحلّي :

هو الفقيه الجليل الفاضل والعالم النحوي الكامل الأديب البارع والشاعرالمبدع اللامع الشيخ أبو محمّـد تقي الدين الحسن بن علي بن داودالحلّي الذي كان من أعاظم علماء عصره وأكابر أدباء مصره صاحب كتاب الرجال المشهور بـ : رجال ابن داود والذي ذكر ذات نفسه فيه(١) قائلاً :

«الحسن بن علي بن داود مصنّف هذا الكتاب ، مولده خامس جمادى الآخرة سنة سبع وأربعين وستمائة ، له كتب ، منها في الفقه : كتاب تحصيل المنافع ، وكتاب التحفة السعدية ، وكتاب المقتصر من المختصر ، وكتاب الكافي ...».

وقال السيّد التفريشي في نقد الرجال(٢) :

«الحسن بن علي بن داود من أصحابنا المجتهدين ، شيخ جليل ، من تلاميذ الإمام العلاّمة المحقّق الشيخ نجم الدين أبو القاسم الحلّي قدس‌سره والإمام المعظّم فقيه أهل البيت جمال الدين ابن طاووس رحمه‌الله ، له أزيد من ثلاثين كتاباً نظماً ونثراً ، وله في علم الرجال كتاب معروف حسن الترتيب إلاّ أنّ فيه أغلاطاً كثيرة ، غفر الله له».

__________________

(١) رجال ابن داود : ٧٥.

(٢) نقد الرجال ٢/٤٣.

١٧٥

وقال الحرّ العاملي في أمل الآمل(١) :

«الشيخ تقي الدين الحسن بن علي بن داود الحلّي ، كان عالماً فاضلاً جليلاً صالحاً محقّقاً متبحّراً ، من تلامذة المحقّق نجم الدين الحلّي ، يروي عنه الشهيد بواسطة ابن مُعَيَّة. قال الشهيد الثاني في إجازته للحسين بن عبدالصمد العاملي عند ذكر ابن داود : صاحب التصانيف الغزيرة والتحقيقات الكثيرة التي من جملتها كتاب الرجال ، سلك فيه مسلكاً لم يسلكه فيه أحد من الأصحاب ، وله من التصانيف في الفقه ـ نظماً ونثراً مختصراًومطوّلاً وفي العربية والمنطق والعروض وأُصول الدين نحو من ثلاثين مصنّفاً.

قال الحرّ العاملي : وسلوكه في كتاب الرجال أنّه رتّبه على الحروف الأوّل فالأوّل في الأسماء وأسماء الآباء والأجداد كما فعلنا نحن هنا ، وجمع جميع ما وصل إليه من كتب الرجال مع حسن الترتيب وزيادة التهذيب ، فنقل مافي فهرستي الشيخ والنجاشي والكشّي وكتاب الرجال للشيخ وكتاب ابن الغضائري والبرقي والعقيقي وابن عقدة والفضل بن شاذان وابن عبدون وغيرهما ، وجعل لكلّ كتاب علامة ، بل لكلّ باب حرفاً أو حرفين ، وضبط الأسماء ، ولم يذكر من المتأخّرين عن الشيخ إلاّ أسماء يسيرة جدّاً ، وذكر نفسه أيضاً ... إلى قوله معقّباً على كلام صاحب نقد الرجال الذي وصف كتاب ابن داود بأنّه كتاب حسن إلاّ أنّه فيه أغلاط كثيرة قائلاً : وكأنّه أشار إلى اعتراضاته على العلاّمة وتعريضاته به ونحو ذلك ممّا ذكره ميرزا محمّـد في كتاب الرجال ونبّه عليه».

__________________

(١) أمل الآمل ٢/٧١.

١٧٦

وفي لؤلؤة البحرين(١) قال الشيخ يوسف البحراني معقّباً على قول صاحب أمل الآمل :

«وما تأوّل به في كتاب أمل الآمل في كلام السيّد مصطفى في ذمّهِ لكتاب ابن داود بعيد ، فالطعن عليه إنّما هو بالنسبة إلى الرجال المذكورين في كتابه من عدم موافقة ما في كتابه لما هم عليه لامن حيث اعتراضاته على العلاّمة رحمه‌الله».

وحكى السيّد محمّـد صادق بحر العلوم(٢) قول صاحب رياض العلماء في المترجم له قائلاً :

«الشيخ تقي الدين أبو محمّـد الحسن بن علي بن داود الحلّي الفقيه الجليل رئيس أهل الأدب ورأس أرباب الرتب العالم الفاضل الرجالي النبيل المعروف بـ : ابن داود صاحب كتاب الرجال ، وقد يُعبَّر عنه بالحسن بن داود اختصاراً من باب النسبة إلى الجدّ ، وهذا الشيخ حاله في الجلالة أشهر من أن يذكر وأكثر من أن يُسطر ، وكان شريكاً في الدرس مع السيّد عبدالكريم بن جمال الدين أحمد بن طاووس الحلّي عند المحقّق الحلّي وغيره ، وله سبط فاضل ، وهو الشيخ أبو طالب بن رجب ...».

وفي روضات الجنات(٣) :

«الشيخ تقي الدين الحسن بن علي بن داود الحلّي الرجالي المعروف بابن داود ، كان من العلماء الجامعين والفضلاء البارعين ، يصفونه في الإجازات بسلطان الاُدباء والبلغاء وتاج المحدّثين والفقهاء ، وهو من قرناء

__________________

(١) لؤلؤة البحرين : ٢٧١.

(٢) رجال بحر العلوم ٢/٢٢٤ الهامش.

(٣) روضات الجنّات ٢/٢٨٧.

١٧٧

العلاّمة المرحوم وشركائه في التدرّس بالعلوم ، راوياً عن جملة من مشايخه أيضاً كالمحقّق والسيّد أحمد بن طاووس والمفيد بن الجهم ، ويروي عنه الشهيد رحمه‌الله بواسطة الشيخ علي بن أحمد المزيدي وابن مُعَيَّة وأضرابهما ، ذاكراًمن جملة أوصافه الجميلة : سلطان الاُدباء ، ملك النثر والنظم ، المُبرَّز في النحو والعروض. وفي إجازة الشهيد الثاني رحمه‌الله : إنّه صاحب التصنيفات الغزيرةوالتحقيقات الكثيرة ...».

وجاء في الكنى والألقاب(١) :

«تقي الدين الحسن بن علي بن داود الحلّي الشيخ العالم الفاضل الجليل الفقيه المتبحّر صاحب كتاب الرجال المعروف ونظم التبصرة وغيرهما ممّا ينوف على الثلاثين ، تلمّذ على السيّد الأجل جمال الدين أحمدبن طاووس والمحقق قدّس سرّهما ، وكانت ولادته ٥ جمادي الثاني سنة ٦٤٧ (خمز) ، يروي عنه الشيخ الشهيد بواسطة ابن مُعَيَّة. وحكي أنّ الشيخ أبا طالب بن رجب العالم الذي يُنقل عنه دعاء الجوشن الكبير وشرحه هو سبط ابن داود المذكور ...».

شيوخه :

١ ـ السيّد الفقيه جمال الدين أبو الفضائل أحمد بن موسى بن طاووس.

٢ ـ الشيخ الإمام المحقّق جعفر بن الحسن بن سعيد الحلّي.

٣ ـ السيّد غياث الدين عبدالكريم بن أحمد بن موسى بن طاووس.

__________________

(١) الكنى والألقاب ١/٢٨٢.

١٧٨

٤ ـ الشيخ الفقيه الأصولي محمّـد بن الجهم الأسدي الحلّي.

٥ ـ الشيخ نجيب الدين يحيى بن أحمد بن يحيى الهذلي ابن عمّ المحقّق.

تلاميذه :

١ ـ السيّد العلاّمة تاج الدين محمّـد بن مُعَيَّة الحسني.

٢ ـ الشيخ الفقيه رضي الدين علي بن أحمد المزيدي الحلّي.

٣ ـ الشيخ الفقيه زين الدين علي بن طراد المطارآبادي.

٤ ـ ويروي عنه الشهيد الأوّل الشيخ محمّـد بن مكّي العاملي بواسطة ابن مُعَيَّة الحسني.

مؤلّفاته :

١ ـ كتاب الرجال الشهير بـ : رجال ابن داود ، وهو من أشهر مؤلّفاته القيمة. قال السيّد محمّـد مهدي بحر العلوم في كتابه الفوائد الرجالية(١) عند ذكره لهذا الكتاب :

«وهو أوّل من رتّب الأسماء والكنى والألقاب ووضع الرموز والعلامات وقرّر الاصطلاحات فيه على ما هو المعهود في كتب المتأخّرين ، وقال في أوّل كتابه : وهذه لجّة لم يسبقني أحد من أصحابنا ـ رضي الله عنهم إلى خوض غمرها ، وقاعدة أنا أبو عذرها ...».

٢ ـ كتاب تحصيل المنافع.

٣ ـ كتاب التحفة السعدية.

__________________

(١) الفوائد الرجالية ٢/٢٣٢.

١٧٩

٤ ـ كتاب المقتصر من المختصر.

٥ ـ كتاب الكافي.

٦ ـ كتاب النكت.

٧ ـ كتاب الرائع.

٨ ـ كتاب خلاف المذاهب الخمسة.

٩ ـ كتاب تكملة المعتبر.

١٠ ـ كتاب الجوهرة في نظم التبصرة.

١١ ـ كتاب اللمعة ، في فقه الصلاة ، نظماً.

١٢ ـ كتاب عقد الجواهر في الأشباه والنظائر ، نظماً.

١٣ ـ كتاب اللؤلؤة ، في خلاف أصحابنا ، لم يتمّ.

١٤ ـ كتاب الرائض في الفرائض ، نظماً.

١٥ ـ كتاب عدّة الناسك في قضاء المناسك ، نظماً.

١٦ ـ كتاب الدرّ الثمين في أصول الدين ، نظماً.

١٧ ـ كتاب الخريدة العذراء في العقيدة الغرّاء ، نظماً.

١٨ ـ كتاب الدرج.

١٩ ـ كتاب إحكام القضية في أحكام القضية ، في المنطق.

٢٠ ـ كتاب حلّ الإشكال في عقد الأشكال ، في المنطق.

٢١ ـ كتاب البغية في القضايا.

٢٢ ـ كتاب الإكليل التاجي ، في العروض.

٢٣ ـ كتاب قرّة عين الخليل في شرح النظم الجليل لابن الحاجب ، في العروض.

٢٤ ـ كتاب شرح قصيدة صدر الدين الساوي ، في العروض.

١٨٠