تراثنا ـ العددان [ 99 و 100 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العددان [ 99 و 100 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٠
ISBN: 1016-4030
الصفحات: ٥٢٦

١١ ـ حلية الأولياء وطبقات الأصفياء : للاصبهاني ، أبو نعيم أحمد بن عبدالله ، حلية الأولياء وطبقات الأصفياء ، دار الكتاب العربي ـ بيروت ، ط ٥/١٤٠٧ هـ = ١٩٨٧م.

١٢ ـ الرياض النضرة في مناقب العشرة : للطبري ، أحمد بن عبدالله ، دار الغرب الإسلامي ـ بيروت ، ط ١/١٩٩٦ م.

١٣ ـ سنن الترمذي : للترمذي ، محمّد بن عيسى ، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت١٢٧٥ هـ = ١٩٣٨ م.

١٤ ـ سنن الدارقطني : للدارقطني ، عليّ بن عمر ، دار الكتب العلمية ـ بيروت ، ط ١٤١٧١ هـ = ١٩٩٦ هـ.

١٥ ـ سنن الدارمي : للدارمي ، أبو محمّد عبدالله بن عبدالرحمن بن الفضل بن بهرام ، دار الفكر ـ بيروت/بدون تاريخ.

١٦ ـ شواهد التنزيل لمن خصّ بالتفضيل : لابن رويش السقّاف ، عيدروس بن أحمد ، المجمع العالمي لأهل البيت : ط ١/١٤١٥ هـ = ١٩٩٤ م.

١٧ ـ الصواعق المحرقة : لابن حجر الهيتمي ، أحمد بن محمّد ، دار الكتب العلمية ـ بيروت ، ط٣/١٤١٤ هـ ـ ١٩٩٣ م.

١٨ ـ الطبقات الكبرى : لابن سعد ، محمّد بن سعد ، دار صادر ـ بيروت/بدون تاريخ.

١٩ ـ الغدير في الكتاب والسنة والأدب : للأميني ، عبدالحسين أحمد ، مركز الغدير ـ قم ، ط ١/١٤١٦ هـ = ١٩٩٥ م.

٢٠ ـ فضائل الصحابة : للشيباني ، أحمد بن حنبل ، مؤسّسة الرسالة ـ بيروت ، ط ١٤٠٣١ هـ = ١٩٨٣ م.

٢١ ـ فيض القدير شرح الجامع الصغير : للمنّاوي ، عبدالرؤوف ، دار المعرفة ـ بيروت/١٣٩١ هـ = ١٩٧٢ م.

١٠١

٢٢ ـ الكافي ، الكليني : لمحمّد بن يعقوب ، دار الكتب الإسلامية طهران ، ط ١٣٨٨٣ هـ.

٢٣ ـ كتاب الغيبة : للنعماني ، محمّد بن إبراهيم المعروف بابن أبي زينب ، أنوار الهدى ـ قم ط ١/١٤٢٢ هـ.

٢٤ ـ كنز العمّال في سنن الأقوال والأفعال : للمتّقي الهندي ، علاءالدين عليّ ابن حسام الدين ، مؤسّسة الرسالة ، ـ بيروت/١٤٠٩ هـ = ١٩٨٩ م.

٢٥ ـ مجمع الزوائد ومنبع الفوائد : للهيثمي ، عليّ بن أبي بكر ، دار الفكر ـ بيروت١٤٠٨ هـ = ١٩٨٨م.

٢٦ ـ مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل : للنوري الطبري ، ميرزا حسين ، مؤسّسة آل البيت : لإحياء التراث ، ط ١/١٤٠٧ هـ.

٢٧ ـ المستدرك على الصحيحين : للحاكم النيسابوري ، أبو عبدالله ، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت ، ط ١/١٤٢٢ هـ = ٢٠٠٢ م.

٢٨ ـ مسند الإمام أحمد : للشيباني ، أحمد بن حنبل. مؤسّسة التاريخ العربي ـ بيروت ، ط ١ /١٤١٢ هـ = ١٩٩١ م.

٢٩ ـ المصنّف في الأحاديث والآثار : للكوفي العبسي ، عبدالله بن محمّد بن أبي شيبة ، بيروت ـ دار الفكر ، ط ١/١٤٠٩ هـ = ١٩٨٩ م.

٣٠ ـ معالم المدرستين : للعسكري ، مرتضى ، مؤسّسة البعثة ـ طهران ، ط ٤/١٤١٢ هـ =١٩٩٢ م.

٣١ ـ معجم رجال الحديث وتفصيل طبقات الرواة : للسيّد الخوئي ، أبو القاسم ، ط ١٤١٣٥ هـ = ١٩٩٢ م.

٣٢ ـ ينابيع المودّة لذوي القربى : للقندوزي ، سليمان بن إبراهيم ، دار الأسوة ـ قم ، ط١ /١٤١٦ هـ.

١٠٢

المنهج التاريخي في كتابي

ابن المطهّر وابن داود الحلّيّين

في علم الرجال

(١)

سامي حمود الحاج جاسم

بسم الله الرحمن الرحیم

المقدّمة :

الحمد لله ربّ العالمين ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيّئات أعمالنا ، من يهد الله فهو المهتد ، ومن يضلل فلن تجد له وليّاً مرشداً.

تعدّ الدراسات المتعلّقة بمناهج العلماء المسلمين من الدراسات المهمّة ، وتقع أهمّية هذه الدراسة في كونها دراسة لمنهج علمين بارزين في علم الرجال عند الإمامية ، وهذا يعطيها الريادة في هذا المضمار ، لأنّ كتب هذين العلمين : خلاصة الأقوال وإيضاح الاشتباه ورجال ابن داود تحوي معلومات وفيرة عن الكثير من الرواة الذين كان لبعضهم أثر في الحياة السياسيةوالاقتصادية والاجتماعية في المجتمع الإسلامي ـ فضلا عن كونهم محدّثين ـ ممّا يتيح لنا فرصة الإطلال على تاريخ الأمّة من خلالهم كما أنّ معرفة هؤلاء الرجال ودراسة أحوالهم المذكورة في كتب الرجال الإمامية

١٠٣

يمكن أن تنفعنا في تصحيح بعض المعلومات أو الحوادث التاريخية تفنيداً أوتعضيداً.

واعتمدت هذه الدراسة على مجموعة من المصادر والمراجع اللاتي كان لها العون الأكبر في إتمام هذا البحث وإخراجه ، فبعد القرآن الكريم كان لكتب الرجال الأثر الكبير في رصد الكثير من المعلومات ، ولاسيّما عند الموازنة في المعلومات الواردة في الكتب المدروسة : الخلاصة والإيضاح ورجال ابن داود ، أو مراجعة موارد هذه الكتب المذكورة آنفاً ، ومن أهمّ هذه الكتب الرجالية : رجال النجاشي (ت٤٥٠ هـ) والفهرست للطوسي (ت ٤٦٠ هـ) واختيار رجال الكشّي للطوسي أيضاً والتحرير الطاووسي للشيخ حسن بن زين الدين الشهيد (ت٥٨٨ هـ) ، فضلا عن كتب الرجال الخاصّة بأهل السنّة أمثال : الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (ت٣٢٧ هـ) ولسان الميزان وتهذيب التهذيب لابن حجر (ت٨٥٢ هـ) وأمثالها من الكتب الشبيهة.

وكان لكتب الفهارس أثر كبير في تتبّع المصنّفات الرجالية مثل كتاب مصفى المقال في مصنّفي الرجال للطهراني الذي ساعدني في رصد المؤلّفات والمؤلّفين في علم الرجال بشكل خاصّ ، واقتصر مصفى المقال على مصنّفي الرجال من الإمامية فقط.

كما أنّ هناك مصادر تاريخية اقتضت الضرورة أن أستقي منها معلوماتي ، مثل كتاب صورة الأرض لابن حوقل (ت٣٦٧ هـ) ، والنهاية في غريب الحديث لابن الأثير أبي السعادات الجزري (ت٦٠٦ هـ) ، والكامل في التاريخ لابن الأثير (ت٦٣٠ هـ) ، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير (ت٧٧٤ هـ) ، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي (ت٨٧٤ هـ) وغيرها.

١٠٤

وأخذت من المعاجم اللغوية ، مثل كتاب العين للخليل بن أحمد الفراهيدي (ت١٧٥ هـ) ، وكتاب مختار الصحاح للرازي (ت٦٦٥ هـ) ، وكتاب لسان العرب لابن منظور(ت٧١١ هـ) وغيرها ، كما كان لقسم من البحوث المنشورة في المجلات العربية والعراقية المحكمة والدراسات الأكاديمية الأثرفي توجيهي إلى المصادر الأوّلية.

وكان من الصعوبات التي واجهتني خلال مدّة البحث ندرة المصادر الخاصّة ببعض المباحث والفصول ، ولاسيّما في الفصل الخاصّ بعلم الرجال وأهمّيته ، فضلا عن صعوبة الحصول على الكتاب بسبب تغيير أماكن الكتب في المكتبات وعدم تصنيفها ، فضلا عن فقدان بعضها بعد ٩/٤/٢٠٠٣ ، فاضطررت إلى السفر خارج العراق للحصول على قسم من المصادر ، وكذلك الاستعانة ببعض الأخوة في الخارج من خلال المراسلة للحصول على المصادر ، فضلا عن اللجوء إلى أصحاب المكتبات الخاصّة والعامّة في النجف الأشرف.

في سبيل وضع اليد ببصمات واضحة على المنهج التاريخي في كتابي علم الرجال لابن المطهّر وابن داود الحلّيّين ، لابدّ من إيراد لمحة تاريخية عن مناهج التأليف والتصنيف عند مؤرّخي الإسلام ، وليقودنا هذا التمهيد إلى موضوع البحث الأساسي على وفق ما هو مبيّن في عنوانه ، وكان متن البحث كالآتي :

أمّا المادّة الرئيسة للبحث فقد تكوّنت من أربعة أبواب ـ عقد لكلّ باب ثلاثة فصول ـ مع المقدّمة والتمهيد والخاتمة وقائمة المصادر والمراجع والدراسات والبحوث ، وهي كالآتي :

الباب الأوّل وعنون بـ : علم الرجال عند الإمامية.

١٠٥

وجاء الفصل الأوّل منه لبيان ماهية علم الرجال عند الإمامية وأهمّيته فضلا عن موضوعه وبداياته التاريخية وأهمّ التعريفات التي حصرت هذا العلم.

أمّا الفصل الثاني فأكّد علاقة علم الرجال بالعلوم الأخرى كالتاريخ والدراية وعلم الجرح والتعديل وغيرها ، ثمّ تطرّق إلى معالم هذا العلم (علم رجال الإمامية) ومناهجه وذلك من خلال معرفة شروط الراوي وأهمّ مناهج التصنيف الرجالية عن الإمامية.

وجاء الفصل الثالث ليدرس ويحلّل قسماً من الألفاظ الجارحة والمعدّلة التي استعملها الرجاليّون فضلا عن بعض التوثيقات الخاصّة والعامّة التي هي من مفردات علم الرجال عند الإمامية ، كما أشار هذا الفصل إلى أهمّية التوثيقات الرجالية الخاصّة بالمتقدّمين والمتأخّرين.

ثمّ الباب الثاني الموسوم بـ : (منهج ابن المطهّر الحلّي في الرجال) متكوّناً من ثلاثة فصول أيضاً.

الأوّل يشير إلى منهج ابن المطهّر الحلّي في كتابه الرجالي خلاصة الأقوال في معرفة الرجال ، واستهلّ الفصل بمقدمة عن سيرة حياة العلاّمة الحلّي العلمية والشخصية ، ثمّ بعد ذلك تحليل منهجه في خلاصة الأقوال بعدأن ذكرنا موارده لهذا الكتاب.

وجاء الفصل الثاني ليدرس منهج العلاّمة الحلّي في كتابه الرجالي إيضاح الاشتباه عن أسماء الرواة ، وحاولت أن اختصر في هذا الفصل ، ولم آت بالأمثلة حتّى لا يتكرّر الكثير من المعلومات ، فضلا عن محاولتي اتّباع نمط الموازنة بين كتابي العلاّمة : خلاصة الأقوال وإيضاح الاشتباه عند محاولة تحليل منهجية الأخير ، مع بيان الاختلافات الحاصلة بين الكتابين : الخلاصة والإيضاح.

١٠٦

أمّا الفصل الثالث فقد جاء ليسلّط الضوء على بعض الأفكار والرؤى الإنتقادية لتجاوزات العلاّمة الحلّي عن منهجه في خلاصة الأقوال.

أمّا الباب الثالث فعنون بـ : (منهج ابن داود الحلّي في الرجال).

وجاء الفصل الأوّل منه لدراسة منهج ابن داود في رجاله ، وبعد الترجمة لابن داود وحياته العلمية وذكر مؤلّفاته تمّ تحليل منهجه في رجاله من حيث خطّة الكتاب والمعلومات الواردة في المتن وكيفيّة الإشارة إليها فضلاعن ذكر موارده في الكتاب.

أمّا الفصل الثاني فسلّط الضوء على بعض الأفكار والرؤى الانتقادية لتجاوزات ابن داود الحلّي عن منهجه الذي اختطّه وبيّنه في مقدّمة كتابه الرجالي.

أمّا الفصل الثالث فقد جاء ليعقد موازنة بين كتاب خلاصة الأقوال ورجال ابن داود من حيث خطّة التأليف في الكتابين وموارد متن الكتاب ، وقدبيّنت من خلالها مواطن الالتقاء والافتراق في المنهجين.

أمّا الباب الرابع فجاء لرصد التعليقات والحواشي على كتب الحلّيَّين الرجالية.

فعقد الفصل الأوّل حول حاشية الشهيد الثاني على خلاصة الأقوال في معرفة الرجال.

والفصل الثاني حول كتاب نضد الإيضاح لابن الفيض الكاشاني ، وهو تعليقة على كتاب إيضاح الاشتباه في أسماء الرواة.

أمّا الفصل الثالث فكان حول حاشية الشهيد الثاني على رجال ابن داود ، وختم هذا الباب ببعض الآراء الرجالية عن الخلاصة ورجال ابن داود.

١٠٧

ثمّ بعد ذلك جاءت الخاتمة لتشتمل على قسم من الأفكار المستنتجة من خلال البحث ، ثمّ الملاحق وضمّت ملحقاً واحداً ذكر فيه ولادات الأئمّة الإثني عشر عليهم‌السلام ووفياتهم مضافاً إلى ذكر كناهم ومواطن ولادتهم ووفياتهم وذلك حتّى يسهل على قارىء النصوص المقتبسة من الكتب المدروسة في البحث ـ وحتّى قراءة الكتب نفسها ـ معرفة متى عاش هذا الراوي وفي أيّ عصركان من خلال معرفة معاصرته لأحد الأئمّة عليهم‌السلام ، ولاسيّما أنّ ابن المطهّروابن داود دأبا على ذكر معاصرة الأئمّة عليهم‌السلام للكثير من الرواة.

ثمّ بعد ذلك تأتي قائمة المصادر والمراجع والبحوث والدراسات.

وهنا لا يسعني إلاّ أن أتقدّم بخالص الشكر والعرفان إلى أستاذي الفاضل الدكتور محمّد مفيد راضي آل ياسين لما بذله من جدّ ومثابرة في متابعة هذا البحث منذ أن كان بذرة إلى أن استوى على سوقه بالشكل الذي هوعليه ، لم يبخل عنه بملاحظاته ولا بآرائه القيّمة التي لولاها لما خرج هذا البحث على هذه الشاكلة ، فجزاه الله عنّي جزاء العلماء العاملين ، وأسأل الله أن يطيل في عمره خدمة للعلم والمتعلّمين.

وفي الختام أقول : إنّ هذا الجهد هو محاولة للتعريف بالجهد العلمي الذي يقوم به الرجالي بغية ضبط رجاله المترجم لهم من جميع النواحي الشخصية والعلمية والفكرية فضلا عن الأساليب التي يتّبعونها في مناهجهم ، فأرجو أن يغنى بالملاحظات السديدة التي تقوّمه من خلال رصد مواطن الوهن في البحث وتقويمها حتّى يخرج بصورة متكاملة.

وهنا لابدّ من الإشارة إلى ملاحظة مهمّة ، وهي أنّي سوف لا أعتمد على منهجية الاختصار بألفاظ (المصدر السابق) و (المصدر نفسه) عند

١٠٨

الإشارة إلى المظانّ في هوامش البحث.

وما توفيقي إلاّ بالله ... ولله الحمد في الأولى والآخرة ، ونسأله تعالى حسن العاقبة.

١٠٩

التمهيد

لمحة تاريخية عن مناهج التأليف وأشكال التصنيف

عند مؤرّخي الإسلام

على الرغم من الغموض الذي ما زال يكتنف بدايات التدوين التاريخي عند العرب فإنّه قد نال في أواخر القرن الثالث للهجرة وبدايات القرن الرابع للهجرة تطوّراً في المنهج والطريقة واستمرّ على ذلك خلال القرون التالية ، غير أنّ الآراء في منهجية الكتابات التاريخية ظلّت متضاربة متباينة ، فلا يستطيع الباحث تقديم صورة واضحة لهذا الموضوع بالارتكاز عليها إلاّ إذا استقرأ المادّة بنفسه وأعاد النظر في نتائجها التي توصّل إليها الباحثون(١).

فعرب ما قبل الإسلام كانوا بسبب معيشتهم يفضّلون حفظ أيّامهم وأحداثهم عن طريق الرواية الشفهية على هيأة أشعار مقصّدة أو أخبار متفرّدة(٢) ، فهو في الواقع شيء من الأساطير الشعبية والقصص المنقولة بالتواتروشيء أخذ من هنا وهناك ومزج مزجاً ، فكان نواة مادّة التاريخ كعلم الذي بدأ يظهر في القرن الثاني الهجري ، وعندما بدأ الشروع بالتدوين واجهته عقبة التمييز بين المادّة التي يبنى عليها المؤرّخ أحكامه التاريخية

__________________

(١) علم التاريخ ، دائرة المعارف الإسلامية ٣/٢٦.

(٢) تاريخ التراث العربي١/٣٩٥.

١١٠

والموادّ التي صنعها الخيال واقتضتها الأحوال التي مرّت بها تلك الأمّة(١).

ومن هذا القبيل التاريخ المأثور عن العرب قبل الإسلام ، ولاسيّما التاريخ المنقول بالسّماع والرواية شعراً أو نثراً لشبه الجزيرة العربية في عهد ماقبل الإسلام ، ويستثنى من ذلك من ترك منهم البداوة ونزل حواضر الجزيرةولاسيّما أهل اليمن والحيرة ، فقد نقش الأوّلون بالخطّ المسند على مبانيهم من أخبار ملوكهم وشؤونهم العامّة ، ودوّن الآخرون بخطّهم أخبار مملكتهم وأودعوها أديرة الحيرة وكنائسها(٢).

فلمّا ظهر الإسلام وقامت الدولة الإسلامية ومسّت الحاجة إلى معرفة سيرة الرسول (صلى الله عليه وآله) واستقصاء السنة توافر رجال على جمع أخبار السيرة وتدوينها ، فكان ذلك بدء انشغال العرب بالتاريخ ، ولما كان الرسول (صلى الله عليه وآله) هو خاتم الأنبياء والمرسلين كان من الطبيعي لمعرفة تاريخ الرسالة وسيرة الرسول (صلى الله عليه وآله) ودراسة أحوال الرسل والأنبياء الذين جاؤوا قبله ونوع رسالتهم والأقوام الذين اتّبعوا الرسالة أو رفضوها أن يتوسّع مجال التاريخ ، وبذلك أصبحت هذه الدراسة مقدّمة لدراسة تاريخ الرسول (صلى الله عليه وآله) والرسالة أو (السيرة) والذي قيل عنها : (المبتدأ) أو (المبدأ) ، التي تبدأ بتاريخ آدم عليه‌السلام ثمّ تستمرّ إلى أن تصل إلى السيرة التي تبتدئ بالنسب ونسب النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، ثمّ صار يلحق بالسيرة قسم آخر يمكن أن يقال له : (المغازي) ، وقد استعمل هذاالأسلوب من قبل المؤرّخين الأوائل(٣).

وقد دلّ الربط بين السيرة والتاريخ على تطوّر مهمّ في الفكرة

__________________

(١) موارد تاريخ الطبري١/١١٤.

(٢) مقدّمة ابن خلدون : ٣٧٥.

(٣) المغازي الأولى ومؤلّفوها ، المقدّمة.

١١١

التاريخية وفي المفهوم التاريخي ، ودلّ على شعور المؤرّخين بأنّ التاريخ الإسلامي صفحة من صفحات كثيرة مطوّية تكوّن منها التاريخ العالمي ، وأنّ هذالا يمكن أن يبقى معزولا عن تاريخ الشعوب الأخرى(١).

ولقد ساعدت الدعوة الإسلامية ونشوء الدولة الإسلامية الموحّدة ـ فضلا عن حركات الفتح الإسلامي ـ على توسيع أفق الفرد العربي فكريّاً وحضاريّاً ، ورافق هذه التطوّرات تطوير منهج الكتابة وتوسيع هدفها وفلسفتها ، فلم تبق الكتابة التاريخية الإسلامية محصورة بحدود قصص أيّام العرب وأنسابهم وصولاتهم الحربية وإنّما تجاوزت ذلك ، وقد شهد القرن الأوّل الهجري ظهور عدد من المؤرّخين الروّاد الذين أخذوا على عاتقهم وضع حجر الأساس لكتابة تاريخية عربية على وفق مفهوم متطوّر للتاريخ ومستندة إلى منهج البحث التاريخي(٢).

فكان الخبر التاريخي يستند إلى الحفّاظ الموثوق بهم وهو ما يعرف بالأسانيد أو الإسناد(٣) الذي يعني الاعتماد ، وسند : أي معتمد ، والإسناد في الحديث : رفعه إلى قائله(٤) ، والهدف منه ـ أي الإسناد ـ التوصّل إلى حقيقة الخبرأو صحّته(٥).

فنرى أنّ الطريقة التي اتّبعها الإخباريّون كانت فرعاً من علم الحديث ، إذتأثّروا بطريقة المحدّثين في جمع الرواية التاريخية ونقدها ،

__________________

(١) المنهجية التاريخية في العراق : ١١.

(٢) إسهامات مؤرّخي البصرة في الكتابة التاريخية حتّى القرن الرابع الهجري : ١٧٣.

(٣) العرب والفكر التاريخي : ٨٠.

(٤) مختار الصحاح : ٣١٦.

(٥) ضوابط الرواية عند المحدّثين : ٥٧.

١١٢

وهذا يدلّ على أنّ التاريخ العربي عند نشأته سلك الطريق نفسه الذي سلكه الحديث ، فكان الخبر التاريخي على هذا النحو من عنصرين : رواة الخبر على التتابع وهوما يعرف بالسند أو الإسناد ، ثمّ نصّ الخبر ويسمّى المتن(١).

وتجلّى الانتفاع المشترك بين المحدّثين والمؤرّخين المسلمين الرواد في ابتكار علم الجرح والتعديل أو علم نقد الرجال ، إذ تكلّموا على كلّ راو وعرضوا تاريخه وسيرته ووضعوا له قواعد محكمة ، وقد اشتهر علماء مختصّون في هذا الباب مثل يحيى بن سعيد القطّان (ت١٨٩ هـ) ومحمّد بن سعد (ت٢٣٠ هـ) ويحيى بن معين (ت٣٣٣ هـ)(٢).

وقد أفاد المؤرّخون من نتائج هذا العلم الذي ساعدهم على تمتين روايتهم وتوثيقها ، وهكذا ظهرت كتب الطبقات وتاريخ الرجال التي تناولت السيرة النبوية ونبذاً من سيرة الصحابة والتابعين (رضي الله عنهم) ، ثمّ تابعت انتقال رواية الحديث إلى العلماء والرواة ، وممّا يزيد في وضوح هذا التأثير مانلمسه من جمع نسبة كبيرة من مؤرّخي الطبقات والتراجم بين الاهتمام بالتاريخ والاهتمام بالحديث ، فمعظم هؤلاء المؤرّخين كانوا أيضاً محدّثين(٣).

غير أنّ التأثّر بأسلوب المحدّثين لم يستمرّ بسبب التفاعل الحضاري مع الأمم الأخرى من ناحية ، وظهور كثير من الفرق الإسلامية واختلافها حول موضوع الخلافة والإمامة من ناحية أخرى ، فقد دفعها إلى اللجوء

__________________

(١) علم الحديث ومصطلحه : ٣٢.

(٢) ضحى الإسلام ٢/١٢٩.

(٣) الباعث الحثيث بشرح مختصر علوم الحديث : ٨٧ ـ ٨٨.

١١٣

للنقد والتحليل ومحاولة كلّ طرف إثبات رأيه بالحجّة والبيّنة(١).

ولم يلبث المؤرّخ المسلم أن تحرّر تدريجيّاً من طريقة الإسناد التي كانت تلزم المؤرّخ بأن يكون مجرّد إخباري أي ناقل للخبر إلى الكتابة المرسلة التي تعنى بالخبر في ذاته ومناقشته ، وبينما كان الطبري (ت٣١٠ هـ) في كتابه تاريخ الرسل والملوك ومن سبقه من الإخباريّين يعنون عناية خاصّة بالإسناد وتسلسل الرواة فقد ظهر فريق آخر من المؤرّخين المسلمين ابتعدوا في كتاباتهم عن طريق الإسناد واكتفوا بإيراد الأخبار غير المسندة إلى أصحابها(٢).

وبذلك تميّز المؤرّخون المسلمون بالضبط في تسجيل الحوادث وصحّة الأخبار التي أوردوها ولاسيّما الأحداث الإسلامية ، وقد جاءتهم هذه الصحّة من الطريقة التي عالجوا بها هذه الأخبار واعتمادهم على مبدأ النقد وعدم أخذهم إلاّ عن العدول الثقات وفي نقدهم لسلسلة الرواة وتطبيق مبدأ الجرح والتعديل عليهم ، كما كان هناك عناية بالموضوعات التاريخية(٣).

وسلك المؤرّخ العربي منهجين امتازا بالدقّة والحذر في تدوين الأحداث هما : المنهج الأفقي (المنهج الموضوعي) ، والمنهج العمودي (المنهج الحولي).

١ ـ المنهج الموضوعي :

إنّ كلمة منهج تعني الطريق أو السلك المستقيم الواضح كما ورد في

__________________

(١) بحث في نشأة علم التاريخ عند المسلمين : ١٨ ، موارد تاريخ الطبري : ١٥٧.

(٢) علم التاريخ عند العرب : ١٦٢.

(٣) علم التاريخ عند المسلمين : ٩٥ ـ ٩٦ ، أصول الحديث التاريخي : ٦٩ ، فجر الإسلام : ٧٨.

١١٤

المعاجم اللغوية(١) ، فالمنهج : الطريق الواضح ، وكذلك المنهج والمناهج كما في قوله تعالى : (لِكُلّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً)(٢). والمعروف عند المعنيّين بالتاريخ أنّ الكتابة التاريخية حسب الموضوعات هي طريقة كتابة التاريخ إمّا للدول أو عهود الخلفاء والحكّام وإمّا للتراجم أو للأنساب أو للتاريخ المحلّي وغير ذلك ، وأنّ العوامل التي أدّت إليه متّصلة بالتطوّرات الثقافية من جهة ، والتيّارات والاتجاهات العامّة في المجتمع الإسلامي من جهة ثانية(٣).

وكانت أولى صور المنهج الموضوعي في كتابات المؤرّخين العراقيّين هو تاريخ الدول ، ومن الذين ألّفوا فيه الحسن بن ميمون بن نصر البصري (من رجال القرن الثاني الهجري) وله من الكتب كتاب الدولة(٤) ، وكذلك عوانة بن الحكم (ت١٤٧ هـ) في كتابه تاريخ الدولة الأموية(٥) ، ومن الذين كتبوافي تاريخ الدول والعهود ابن قتيبة الدينوري (ت٢٧٦ هـ) في كتابه تاريخ الخلفاء الراشدين ودولة بني أمية المعروف بكتاب الإمامة والسياسة(٦) ، وهو منسوب إليه. أمّا الأنساب والتراجم فيعدّ ضرباً آخر من ضروب التاريخ عني به مؤرّخو الإسلام ، ولمّا قام الخليفة عمر بن الخطاب بتأسيس الديوان أعطى هذا العمل للأنساب أهمّية جديدة ، وجاءت

__________________

(١) الصحاح ٢/٦١٤ مادّة (منهج) ، لسان العرب ٢/٣٨٣ ، القاموس المحيط والقابوس البسيط ١/٣٠٩.

(٢) سورة المائدة ٥ : ٤٨.

(٣) بحث في نشأة علم التاريخ : ٥٩.

(٤) الفهرست لابن النديم : ١٠٨.

(٥) الفهرست لابن النديم : ١١٣.

(٦) وفيات الأعيان ٣ / ٤٢.

١١٥

المعلومات عن الأنساب في الشعر وفي تراجم رواة الحديث وفي الروايات القبلية في سجلاّت دواوين الجند(١).

أمّا بدايات التاريخ للمدن والأقاليم فقد ارتبطت بالجغرافية والفتوح ولذافهي ترجع إلى صدر الإسلام ، وهذا الضرب من الكتابة هو تعبير صادق عن ارتباط المؤرّخ بوطنه واعتزازه به(٢) ، ومن المؤلّفات الرائدة في هذا النوع كتاب وصف البصرة الذي ألّفه زياد بن أبيه (ت٥٣ هـ)(٣).

وقد عبّر ابن خلدون عن هذا الاتجاه بقوله : «وهناك من عدل عن الإطلاق إلى التقييد ووقف العموم والإحاطة عن المنشأ والبعيد ، فقيّد شوارد عصره واستوعب أخبار أُفُقه وقطره على تاريخ دولته ومصره»(٤).

أمّا التاريخ المحلّي الديني فقد اتّبع فيه منهجاً خاصّاً يتضمّن عرض مقدّمة طوبوغرافية يتلوها تعداد للشخصيّات التي ولدت أو عاشت أو كان لهااتّصال ما بذلك المكان المؤرّخ له ، وكانت هذه الشخصيّات في البداية مقصورة على علماء الدين ثمّ صارت تشمل جميع العلماء والأدباء ورجال الدولة(٥) ، وأقدم ما وصل إلينا من هذا النوع هو تاريخ واسط لبحشل الواسطي(ت٢٨٠ أو ٢٩٢ هـ)(٦).

أمّا عن التاريخ المحلّي الدنيوي فأقدم ما ألّف فيه تاريخ الموصل

__________________

(١) تاريخ التراث العربي ١ / ٤٠٦ ، المنهجية التاريخية في العراق : ١٩٤.

(٢) المنهجية التاريخية في العراق : ٤١ ـ ٩٢.

(٣) معجم البلدان ١ / ٩٠٥.

(٤) مقدّمة ابن خلدون : ٥.

(٥) التاريخ والجغرافية في الحضارة الإسلامية : ٨٤.

(٦) لسان الميزان ١٢/٣٨٨.

١١٦

للمعافى بن عمران بن نفيل الموصلي (ت١٨٤ هـ)(١) ، وتاريخ بغداد لأحمد بن يحيى طاهر بن طيفور (ت٢٨٨ هـ) الذي يعدّ من أقدم ما كتب عن تاريخ هذه المدينة ، وهو يتناول تاريخ الخلفاء العباسيّين وأيّامهم(٢).

ومن مزايا هذا المنهج الرجوع بالأحداث إلى مسيرتها الواسعة التي تكون داخل الإطار الأفقي للتاريخ ، وكذلك جعلها متّصلة من دون تقطّع زمني ، وجمع الحادثة في موضوع واحد ، وهي بهذا تكون متناسقة يأخذ بعضها برقاب بعض ، وذكر تاريخ الدول من أوائلها إلى أواخرها ، والمأخذ عليه هو اختصار مؤلّفي التاريخ على طريقة الموضوعات للإسناد مقتصرين على إشارة موجزة للمصدر ممّا يجعل بعض الحوادث والأخبار التي لم يعاصرها المؤرّخ محطّ شكّ لعدم إسنادها(٣).

٢ ـ المنهج الحولي :

لغويّاً الحول يعني السنة كما ورد في المعاجم العربية(٤) ، وقال تعالى : (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ)(٥).

ويكون منهج التاريخ الحولي شكلا تخصّصياً من علم التاريخ لسنين وهو كما يدلّ اسمه يخضع لتعاقب السنين المفردة ، فكانت الحوادث المختلفة تعدّد كلّ سنة بعناوين مثل (في سنة كذا ...) أو (ثمّ جاء في سنة كذا ...) ، أمّا الصلة بين الحوادث المتعدّدة التي تحدث في السنة نفسها

__________________

(١) الإصابة في تمييز الصحابة ٤/٩٣ ، التاريخ والمؤرّخون العرب ١/٨٩.

(٢) تاريخ بغداد أو مدينة السلام ٥ / ٣٤٥.

(٣) المنهجية التاريخية في العراق : ٤٦ ـ ٤٧.

(٤) الصحاح ١٥/٣٠٨ ، لسان العرب ١١/١٨٤ ، القاموس المحيط ٣/٣٦٣.

(٥) سورة البقرة ٢ : ٢٣٣.

١١٧

فكانت في الغالب تبيّن بطريقة سهلة ، وهي إضافة جملة (وفي السنة نفسها) ، وغالباً ما تختم السنة بذكر بعض التراجم والوفيات ، فإذا انتهت حوادث السنة الواحدة انتقل المؤرّخ إلى حوادث السنة التالية فيستعمل جملة (ثمّ دخلت سنة كذا ...)(١).

ومن المحتمل أن يكون العلماء المسلمون الذين ربّما تعرّفوا استعمال المعلومات التاريخية منذ إدخال التقويم الهجري قد توصّلوا بصورة مستقلّة إلى الاستنتاج بأنّ صورة التاريخ على السنين هي الوسيلة الملائمة للعرض التاريخي(٢).

أمّا موسى بن عقبة (ت١٤١ هـ) فقد دوّن أسماء المهاجرين إلى الحبشةوأسماء المشتركين في بيعتي العقبة ، وكان يعرض مادّته التاريخية على وفق السنين ، وهو منهج كان قد استخدم عند عدد من أسلافه منهم عبد الله بن أبي بكر بن حزم (ت١٣٥ هـ)(٣).

وتأسيساً على ما تقدّم فإنّ الكتابة التاريخية على المنهج الحولي كانت معروفة في النصف الثاني من القرن الثاني للهجرة ، وفيه ظهرت أوّل الكتب المنشورة والمعروفة من هذا النوع(٤).

ومن المآخذ على هذه الطريقة أنّها تشتّت الخبر أو الحادث الذي يستغرق وقائعه أكثر من سنة ، وبذلك تتجزّأ الرواية ، وهو ما يفقد الخبر

__________________

(١) علم التاريخ عند المسلمين : ١٠٢.

(٢) علم التاريخ عند المسلمين : ١٠٥.

(٣) تذكرة الحفّاظ ١/٧٢.

(٤) الفهرست لابن النديم : ١١٢.

١١٨

أهميّته ووحدته لتعرف أسبابه ونتائجه(١) ، إلاّ أنّ مزايا هذا المنهج تجعل من مؤرّخيه أوّل الأعلام التي جاءت وأبدعت في توقيت هذه الحوادث باليوم والشهر والسنة ، مع تنوّع تآليفهم ، إذ تشجّع المؤرّخين على السرد والرواية ، ويتركّز الفكر في إطار محدّد يجعله أكثر التصاقاً بسير الأحداث ، ويساعد القارئ على استيعاب أسرع بالنسبة للزمان والمكان اللذين هما موضع اهتمامه ، كما يفيد بوجه خاصّ في ميدان التراجم الذي يربط الواقع بالتاريخ الأدبي والفكري ولا يمكن والحالة هذه أن نجرّده من القيمة والأهمّية(٢).

وقد تميّزت كتاباتهم ـ أعني مؤرّخي الإسلام ـ بالوضوح وسلامة العبارةوصحّتها ، إذ كانت الروايات الأولى للإخباريّين فيها علوّ العبارة وارتفاع مستواها ممّا يؤكّد أصالة اللغة العربية في نفوس هؤلاء(٣) ، وهناك من مؤرّخي الإسلام من تجنّب في كتاباته الزخرفة اللفظية والألفاظ الدارجة(٤) ، إلاّ أنّه في العصور المتأخّرة غزت الكتابة التاريخية ألفاظ أعجميةوعامّية شاعت في كتابات المؤرّخين(٥).

أشكال التصنيف التاريخي عند مؤرّخي الإسلام :

إنّ تعدّد العوامل والحاجات التي أوجدت علم التاريخ هو الذي يفسّر

__________________

(١) معالم الحضارة العربية في القرن الثالث الهجري : ٣٧٥.

(٢) التاريخ والمؤرّخون في العراق : ١٨٤.

(٣) علم التاريخ عند العرب : ١٣٩ ـ ١٤٠.

(٤) محاضرات في تاريخ العرب ١/٢٤٣ ـ ٢٤٤.

(٥) التاريخ والمؤرّخون العرب : ٨٩.

١١٩

تنوّع الكتابات التاريخية وسعتها وقد تناولت كافّة أنواع التدوين التاريخي وفروعها كافّة ، فهناك كتب عامّة وكتب في السيرة والأخبار وكتب الخلفاء والفتوح والفرق والبلدان ..إلخ.

ولم يعرف العرب التاريخ بمعناه الذي تبلور في نهاية القرن الثالث الهجري ، بل عرفوا فنوناً تاريخية سبقته وأصبحت مادّته الرئيسة ، ومن أهمّ هذه الفنون أيّام العرب والقصص التاريخية التي كان لها أثر واضح قبل الإسلام ، وكانت مصدراً خصباً من مصادر التاريخ بما حوته من الوقائع والأحداث ، فتكون بذلك مرآة لأحوال العرب وعاداتهم وأسلوب الحياة الدائرة بينهم ونشأتهم في الحرب والسلم(١) ، كما هي مرآة صادقة تظهر من فضائلهم وشيمهم(٢) ؛ وبذلك تنوّعت صنوف الكتابة التاريخية وتوسّعت ، فقددوّنت أخبار ما قبل الإسلام وذلك لما حوته هذه الموضوعات من أخبارتتعلّق بخلق الكون (السموات والأرض) وبدء الخليقة وما حدث من أخبار الأنبياء عليهم‌السلام وصولا إلى نبيّنا محمّد (صلى الله عليه وآله)(٣).

وللاطّلاع على أشهر من ألّف في هذا النوع من الكتابة التاريخية يمكن الرجوع إلى المظانّ المعنية بها(٤).

__________________

(١) الأغاني ٥/٣٩.

(٢) الأغاني ٥/٦٩ ، أيّام العرب في الجاهلية. المقدّمة ، وينظر : مصادر التاريخ الإسلامي : ١٢.

(٣) التاريخ العربي والمؤرّخون ١/٥٣.

(٤) ينظر : المعارف : ٣٠٢ ، الفهرست لابن النديم : ٥٨ ، ٩٥ ، ١٠٧ ، ١١٢ ، رجال النجاشي : ٣٤ـ ٣٧ ، ١٣٤ ـ ١٣٥ ، ٤٣٤ ـ ٤٣٥ ، فهرست الشيخ الطوسي : ٩٣ ، معالم العلماء : ٢٨ ـ ٢٩ ، تاريخ بغداد ١٤/٥٠ ، وفيات الأعيان ٥/١٤٣ و ٦/٨٢ ،

١٢٠