البرهان على عدم تحريف القرآن

السيد مرتضى الرضوي

البرهان على عدم تحريف القرآن

المؤلف:

السيد مرتضى الرضوي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: الإرشاد للطباعة والنشر
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٤

(فبدل الذين ظلموا (آل محمد حقّهم) قولا غير الذي قيل لهم ، فانزلنا على الذين ظلموا (آل محمد حقّهم) رجزا من السماء بما كانوا يفسقون).

وبعد .. فإن عرضنا مثل هذا الكتاب لا صلة له من قريب أو بعيد بمعترك الحرب الدائرة بين إيران والعراق ، وكان الدافع إلى عرضه أمرين : الأوّل أنّ للمؤلف الذي بذل جهدا مضنيا في بحثه حقا علينا أن نهتم بفكره ، وبخاصة أنّ المؤلف من أوائل الذين اهتموا بهذه القضية ، والحق أنّ الدكتور الذهبي ـ رحمه‌الله ـ في كتابه «التفسير والمفسرون» قد عرض لنفس القضية في أمانة ودقة وكذلك الأستاذ إحسان إلهي ظهير ، في كتابه الذي طبع بباكستان «السنة والشيعة» أمّا الأمر الثاني فلأني سئلت في مؤتمر جامعة درمان لاتحاد الطلبة عن كتاب شيعي ، يؤكّد فيه مؤلّفه أنّ أحقّيّة علي ـ رضي الله عنه ـ بالخلافة بعد وفاة الرسول ثابتة بالكتاب والسنة على حدّ زعمه .. والله المستعان ، وهو يهدي إلى السبيل.

محمد عبد الله السمان

مجلة أكتوبر المصرية العدد ٥

الأحد ٥ / ٥ / ١٩٨٣ ه‍ (القاهرة).

٢١
٢٢

لقاءات في أسفار

قبل خمسة عشر عاما خلال رحلاتي المتكررة إلى مصر والقاهرة حصلت لي فيها اتصالات وثيقة مع شخصيات إسلامية كبيرة ومرموقة من أساتذة وكتّاب ومفكرين كما حصلت لي خلال هذه الصلات تأكيدات كثيرة من قبلهم على طبع ونشر كتب الشيعة الإمامية بالقاهرة.

وفي رحلة قمت بها عام (١٣٩٤ ه‍ ـ ١٩٧٥ م) حصلت مفاجأة وذلك حين كنت في (مكتبة وهبة).

دخل الأستاذ الدكتور عبد الودود شلبي وهو يبحث عن كتاب (أصل الشيعة وأصولها) للإمام كاشف الغطاء النجفي و (عقائد الإمامية) للعلّامة الكبير الشيخ محمد رضا المظفر (١) قدس الله سرّهما وقد أجابه المساعد في المكتبة بعدم وجودهما فاربدّ وجهه لذلك. فبدا لي أن أسأله عن ذلك فأجاب قائلا :

«لقد أعددت كتابا في العقائد الإسلامية وحاولت الاطلاع على كتب الشيعة الإمامية لأثبت به عقائدهم ، وآراءهم» وما كان منّي إلّا أن وعدته بالكتابين المذكورين ، وزدت عليهما كتابا آخر هو : (مؤلّفو الشيعة في صدر الإسلام) للإمام شرف الدين العاملي طاب ثراه فقال لي : أنت شيعي؟!.

__________________

(١) أصل الشيعة وأصولها طبعناه بمصر الطبعة العاشرة عام ١٣٧٧ ه‍ ، وعقائد الإمامية الطبعة الثانية منه عام ١٣٨١ ه‍ في مطبعة نور الأمل بالقاهرة بشارع بور سعيد رقم ٢٨٩.

٢٣

قلت : نعم.

فقال : لماذا لم تنشروا كتبكم في مصر؟

فأجبته : إنّ هذين الكتابين (أصل الشيعة وأصولها) و (عقائد الإمامية) كنت قد طبعتهما ونشرتهما قبل أعوام بمصر وقد نفدت نسخهما من الأسواق.

فقال : «يجب أن تتوفّر هذه الكتب وأمثالها هنا بمصر ونحن بحاجة ماسة إلى كتبكم.

وقبل أن أغادر القاهرة عام (١٣٩٤ ه‍ ـ ١٩٧٤ م) توجهت إلى دار الأستاذ عبد الكريم الخطيب (١) لأودعه فخاطبني قائلا :

«يجب أن تهتم بتوفير كتب الشيعة بالقاهرة ، وباستطاعتك ذلك ولك دار نشر وصلات مع دور النشر في كثير من الدول العربية والإسلامية ، وإنك أقدر من غيرك على هذا الأمر ، وأملي فيك أن لا تجعل هذا الأمر على حافة تفكيرك بل تهتم به».

وقبل هذا الأستاذ كان قد قال لي فضيلة الأستاذ الشيخ ابو الوفا المراغي ـ مدير المكتبة الأزهرية في الجامع الأزهر في أثناء حديثه :

«وأخذ المصريون في نشر كتب الوهابيه عند ما تصوّروا أن لها سوقا رائجة فهل أن أحدكم يلتفت إلى هذا ليأتي إلى هنا ـ أي مصر ـ ويطبع كتبكم وينشرها فإن الكتاب الذي يطبع في مصر يصل إلى جميع أنحاء العالم ، ولا أدري لماذا لا ينتبه علماؤكم ، ولا يتحرك تجّاركم (٢).

__________________

(١) من كبار المؤلفين البارزين بالقاهرة وله عدّة مؤلفات قيمة منها : (التفسير القرآني للقرآن) في ١٦ مجلدا (إعجاز القرآن) في مجلدين (قضية الألوهية) في مجلدين (عليّ بقية النبوّة وخاتم الأوصياء) (التعريف بالإسلام) (المسيح في القرآن والتوراة والإنجيل) (بين الفلسفة والدين) (القضاء والقدر) (السياسة المالية في الإسلام) وغيرها.

(٢) من الكتب التي نشرتها خلال رحلاتي إلى القاهرة :

٢٤

وقال فضيلة الشيخ العقدة (١) :

لقد سررت من عهد قريب بإخراج وزارة الأوقاف المصرية لكتاب «المختصر النافع» في فقه الإمامية ، وإن كانت أحكامه ليست في الصحة كسواه ولا أقول بأنّ ذلك شعور اختصصت به هذا الكتاب من كتب الفقه فإنّ هذا الشعور قد أجده في أيّ كتاب من كتب المذاهب الأخرى أمام حكم خاص.

ولقد أجد من صباحة الحق ، وصراحته في حكم من أحكام الشيعة الإمامية ما لا أجده في حكم لغيرهم من الفقهاء.

ثم سررت أيّما سرور حين أهداني الأخ «السيّد مرتضى الرّضوي»

__________________

ـ ١ ـ «تفسير القرآن الكريم» للسيد عبد الله شبر ، ٢ ـ «وسائل الشيعة ومستدركاتها» طبعنا منه خمس مجلدات ، ٣ ـ «عبد الله بن سبأ» للسيد مرتضى العسكري ، ٤ ـ «الوضوء في الكتاب والسنّة» ، ٥ ـ «أصل الشيعة وأصولها» للشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء ، ٦ ـ «عقائد الإمامية» للشيخ المظفّر ، ٧ ـ «المتعة وأثرها في الإصلاح الاجتماعي» ، ٨ ـ «علي ومناوئوه» ٩ ـ «الصراع بين الأمويين ومبادىء الإسلام» ١٠ ـ «فلسفة الحكم عند الإمام» وهذه الثلاثة للدكتور نوري جعفر ، ١١ ـ «المراجعات الطبعه ١٧ و ٢٠» ، ١٢ ـ «مع رجال الفكر في القاهرة» ، ١٣ ـ «في سبيل الوحدة الإسلامية» لمؤلف هذا الكتاب ، ١٤ ـ «لماذا نحن شيعة» جزآن ، ١٥ ـ «علي لا سواه» للسيد محمد الرضي الرضوي أخو المؤلف ، ١٦ ـ «دلائل الصدق» في ثلاث مجلدات كبار ، للشيخ محمد حسن المظفر ، ١٧ ـ «الشيعة وفنون الإسلام» للسيد حسن الصدر ، ١٨ ـ «الأرض والتربة الحسينية» لكاشف الغطاء ، ١٩ ـ «مصباح الهداية في إثبات الولاية» للسيد علي البهبهاني الراه هرمزي ، ٢٠ ـ «البراهن الجلية في دحض شبهات الوهابية» للسيد القزويني ، ٢١ ـ «الشيعة الإمامية» للسيد محمد صادق الصدر ، ٢٢ ـ «فدك» للسيد محمد حسن القزويني ، ٢٣ ـ «تحت راية الحق» للشيخ عبد الله السبيتي الطبعة الرابعة ، ٢٤ ـ «نظرات في الكتب الخالدة» للدكتور حامد حقي داود» الطبعة الثانية ، ٢٥ ـ «من وحي الأخلاق» للسيد مصطفى اعتماد الموسوي الطبعة الثانية ، ٢٦ ـ «الروائع المختارة» في خطب الإمام الحسن السبط وكلماته القصار ، ٢٧ ـ «مصادر الحديث عند الإمامية» للسيد محمد حسين الجلالي وغيرها.

(١) انظر «مع رجال الفكر في القاهرة» المجلد الثاني ، الطبعة الرابعة «آراء المعاصرين حول آثار الإمامية» للمؤلف.

٢٥

صاحب مكتبة النجاح في النجف الأشرف ـ الجزءين الأوّلين من كتابي : «وسائل الشيعة ومستدركاتها» الّذين بدأ طبعهما مجتمعين ، لأكمّل نفسي بما أدعو الفقهاء إلى التكمّل به ، ولأزداد بهما إدراكا فيما نحن بأشدّ الحاجة إلى إدراكه ، وإنّي لأرى من قراءتي العاجلة لبعض مباحثهما في كتاب الطهارة أنّهما يمنحان المسلم في فقهه ودينه ، ما لا ينبغي له ـ بوصفه طالبا للحق ـ أن يغفل عنه ، ولا أن يحرم نفسه من الأخذ به ، ولا أن يجادل بالهوى والعصبيّة فيه ... الخ.

أقول : وحيث إنّي رأيت الكثيرين من الأساتذة والعلماء يطلبون منّي دوما نشر كتب الشيعة الإمامية بمصر ؛ ويعبّرون عن رغبتهم ، وحاجتهم إلى الاطلاع على كتب هذا المذهب الإسلامي (١) لذلك استخرت الله تعالى في كتابه المجيد للسير نحو هذه الخطوة الإسلامية المقدّسة في مصر فكانت هذه الآية :

(وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ ، وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً.)

واستجابة لاراء العلماء ، والأساتذة الأزهريّين ، بالإضافة إلى التأييد من كلام ربّ العالمين صمّمت على إتيان مصر ، وصرت أمكث فيها أيّاما وشهورا عديدة وفي خلال الفترة التي مكثت فيها بالقاهرة تعرفت على جلّة من الأساتذة والعلماء ، والكتاب ومنهم الأستاذ السمان (٢).

__________________

(١) الأستاذ عبد المتعال الصعيدي صاحب المؤلفات العديدة ومن أساتذة الأزهر الشريف بمصر زرته مرارا في داره وأهديته بعض كتبنا ومطبوعاتنا فتناولها بيده وخاطبني قائلا :

إني أودّ الاطلاع على كتبكم ـ كتب الشيعة الإمامية ـ ولكن الوقت لم يترك لي فرصة. والذي أراه وأستطيع قراء كتبكم هو : أن الكتب التي نقوم بطبعها هنا في مطابع القاهرة ، أن تترك لي مراجعة وتصحيح البروفة الثانية لأقوم بمراجعتها وتصحيحها وبهذه الطريقة استطيع الاطلاع والوقوف على كتبكم التي تطبع بمصر ، ولا أطلب منك أجرة على المراجعة والتصحيح.

(٢) الأستاذ السمان من خريجي الجامعة الأزهرية وتعرفت عليه عام ١٩٥٨ م حينما كان موظفا في إدارة الجامع الأزهر وكان موظفا في تلك الإدارة قسم المجلة ، وكان يكتب عن الكتب التي

٢٦

__________________

ـ تهدى لمجلة الأزهر ، وكنت أزوره في داره ، في حيّ السيدة زينب إبنة الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، وألتقي به في المكتبات ، خاصة في مكتبة وهبة في شارع الجمهورية.

وفي أحد الأيام صادفني في الطريق وقال :

أرجو أن يكون غذاؤك ظهر غد عندنا بالمنزل ، فلبيّت طلبه ، وفي اليوم الثاني قصدت داره ، وعند ما وصلت الدار طرقت الباب ، وإذا به يفتحها ويشير لي بالدخول إلى غرفة كان فيها ضيوف ، ولمّا دخلت الغرفة خاطب الضيوف قائلا :

هذا سيد مرتضى الرضوي صاحب مكتبة النجاح في العراق.

ثم أشار بيده إلى أستاذ وقال : ـ بعد أن ذكر اسمه ـ

وهذا الأستاذ صاحب (مكتبة النجاح) في تونس. ثم قال :

وهذا الأستاذ صاحب مكتبة النجاح في ليبيا.

وجلست إلى جنب الأستاذ التونسي وقلت :

إنّي نشرت مجموعة من كتب الشيعة الإماميّة بالقاهرة فقال :

اشتريت منها «أصل الشيعة وأصولها» (*) للإمام كاشف الغطاء من المكتبة المحموديّة بميدان الأزهر ، وكنت قد طبعته في المطبعة العربية بشارع درب الجماميز ، قرب حيّ السيدة زينب (عليها‌السلام).

وبين فترة وأخرى كنت ألتقي بالأستاذ السمان ، وكانت لي معه صحبة ومعرفة كاملة.

وعند ما كان الأستاذ السمان موظفا بإدارة مجلة الأزهر يكتب عن الكتب التي ترد للمجلة وكنت آنذاك قد طبعت كتاب «عبد الله بن سبأ» (**) الطبعة الثانية منه في مطبعة الحاج محمد حلمي

__________________

(*) الطبعة العاشرة منه طبعتها بالقاهرة عام ١٣٧٧ ه‍ ـ ١٩٥٨ م بالمطبعة العربية.

(**) للأستاذ العلّامة المحقق السيد مرتضى العسكري أثبت فيه : أن عبد الله بن سبأ أسطورة واضعها سيف ابن عمر التميمي. وللأستاذ العلامة المحقق الشيخ أسد حيدر بحث رائع حول هذه الأسطورة أوردها في موسوعته المسمّاة : «الإمام الصادق والمذاهب الأربعة». ولكاتب هذه السطور حوار مع الدكتور طه حسين في منزله حول عبد الله بن سبأ.

قال لي الدكتور عند ما أهديته كتاب «عبد الله بن سبأ» الّذي طبعته بالقاهرة :

إن عبد الله بن سبأ شخصية خيالية أوجدها خصوم الشيعة للطعن بهم «ما فيش حاجة اسمها عبد الله بن سبأ» أراد الدكتور طه حسين التعريف به وأنه أسطورة ، وأن الله لم يخلق شخصا بهذا الاسم. وذكر هذا في كتابه : «الفتنة الكبرى» كذا أخبرني الدكتور بذلك.

٢٧

وفي حديث لي مع الأستاذ الأكبر الشيخ محمد محمد الفحام شيخ الجامع الأزهر الأسبق بمنزله بالقاهرة في شارع الإمام علي ، في ليلة السبت (٢٣ شهر رمضان المبارك عام ١٣٩٥ ه‍).

قلت لفضيلته :

بصفتكم شيخا للأزهر وقد ترأستم ثلاثة مؤتمرات لعلماء المسلمين وسافرتم إلى معظم البلاد الإسلامية ، ما رأيكم في تقارب وجهات النّظر بين أبناء الأمة الإسلامية على اختلاف مذاهبها؟

أجاب :

__________________

ـ المنياوي بشارع الجيش بالقاهره ، ودفعت عددا منه للأستاذ السمان ليكتب عنه في المجلة ـ مجلة الأزهر ـ فأجاب وكتب.

وكنت ألتقي بالأستاذ السمان في المكتبة العربية بميدان الأوبرا ، وفي مكتبة وهبه بشارع الجمهورية ، والتقيت به مرّة في مطبعة دار المعلّم للطباعة (للأسطة ابراهيم) ، الكائنة في حيّ السيدة زينب عليها‌السلام.

وفي أواخر أيام الرئيس جمال عبد الناصر قبض على الأستاذ السمّان وسجن ، ولما أخبرت ذهبت إلى داره ، وفتحت الباب لي حرمه ، وعند ما دخلت الدار جلست ، وسألتها عن صحتها ، وحالها ، وعن صحة الأستاذ وحاله ، وعن الأولاد فقالت : بخير غير أنّ الأستاذ قبض عليه منذ يومين فأظهرت استعدادي لدفع نقود لها وقلت :

إن كان على الأستاذ دين فيمكنني أن أقوم بتسديده ، وإن كنتم بحاجة إلى نقود لمصارفكم اليومية أنا مستعد أيضا فشكرتني وقالت :

نحن الآن لسنا بحاجة إلى نقود ، وقد ترك الأستاذ لنا مبلغا ، وعندنا مقدار منه. وبعد عشرة أيام مررت ثانيا على دار الأستاذ ، وبعد ما طرقت الباب ، أطلّت عليّ حرم الأستاذ من النافذة ، وبعد التحية كررّت عليها استعدادي بدفع نقود فأجابت بجوابها السابق ، وشكرتني ثم سألتها عن حالها وعن حال الأستاذ ، فأجابت بخير والحمد لله. وبعد أيام غادرت القاهرة وعدت إلى العراق.

والذي دفعني ودعاني إلى المحادثة مع حرم الأستاذ السمّان الحديث الوارد عنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) :

«مثل المؤمنين في توادّهم ، وتراحمهم ، وتعاطفهم ، كمثل الجسد الواحد ، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى» وكلّ الأخلاق الإسلامية ، والفضائل التي دعى المسلمون للتخلق بها كلّها تدعو إلى التحابب ، والتوادد ، والتعاطف.

٢٨

«هذا أمر يجب على كلّ المسلمين أن يتعاونوا ، ويتظافروا على هذا التقارب بالسّفر والزيارات المتبادلة ، بل هذا هو أوّل واجب على المسلمين ، والمعروف أن المسلم هو : كلّ من شهد أن لا إله إلّا الله ، وأنّ محمدا رسول الله ، ولا يخرجه من إسلامه تمسّكه بمذهب من المذاهب.

وقد استفدت ، وأفدت من زياراتي لكلّ البلاد الإسلامية استعداد الجميع لهذا التقارب. ويحثّنا على ذلك قول الله تعالى :

(يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا :) ٤٩ ، ١٣.

فالتعارف قد دعا إليه الإسلام من قديم الزمان ، لأن التعارف يهدي إلى التآلف ، والتآلف يهدي إلى المحبّة ، والمحبّة تهدي إلى التفاهم ، والتفاهم يهدي إلى السلام ، والسلام هو الغاية النبيلة التي دعا إليها الإسلام ، والإسلام دين المحبّة والسلام ، وهذا شعار يجب على كلّ المسلمين أن يعرفوه ، ويتمسّكوا به. ولهذا كان كثير من الأمور التي دعا إليها الإسلام وشرعها تدور حول محبّة الناس بعضهم بعضا.

وفي الحق إننا مأمورون بالتقارب عملا بقوله تعالى :

(وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا :) ٣ ، ١٠٣.

وأنا أشعر بأنّنى بعد زياراتي لكثير من البلدان الإسلامية ، ومخالطتي لعلمائها أشعر بشيء غير قليل من التعاطف ، والتفهّم لوقوفهم على كثير من أسرار الإسلام ، ورغبتهم الشديدة في التقارب بينهم ، وبين إخوانهم المسلمين في كلّ بقاع الأرض.

ونرجو الله أن يوفق المسلمين ، ويؤلف بين قلوبهم. ففي هذا التآلف ، والتقارب ، والتحابب خير المسلمين جميعا (١).

__________________

(١) مع رجال الفكر في القاهرة للمؤلف.

٢٩

يقول السّمان :

«منذ عام أرسل إليّ الكاتب البحريني الأستاذ محمد مال الله كتابه : (الشيعة وتحريف القرآن) مخطوطا لمراجعته ، والإشراف على طبعه بالقاهرة ..».

«.. وقبل أن أقرأ الكتاب دهشت لعنوانه .. فلّما انتهيت من قراءته .. كدت لا أصدق ما جاء فيه من هول المفاجأة .. بالإضافة إلى أنّه قدم شواهد من مصادر الشيعة مدعمة بأسماء المراجع ، وأرقام الصفحات ..

فعامة المثقفين تعرف فحسب أنّ عقيدة الشيعة مضطربة!! لعبت الخرافة فيها دورها!! منبعثة من عقائد الفرس وغيرهم»!!

«أما المؤلف فقد أثار في مقدمته مسألة بالغة الأهمية!! فهو يرى أن هذا الفكر الشيعي الدخيل يخالف الإسلام الّذي نعتقده وندين لله به مخالفة جذرية» (١)!!

أنظر إلى وقاحة هذا المدّعي كيف يتلفظ بهذا الكلام التافه ولم يخش الله ورسوله وليس له هدف من سرد هذا الكلام ، وهذه الأضحوكة سوى شق عصا المسلمين وتفريق كلمتهم لا لشيء سوى إشباع نهمته الشيطانية العاصية ، وإرضاء أسياده من الخونة والمارقين عن خط الإسلام الصحيح قال الله تعالى :

(أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ :) ٢ ، ١٦. صدق الله العلي العظيم. وقد نسي قول الله تعالى :

__________________

(١) مجلة رساله المسجد السعودية

٣٠

(وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا :) ٣ ، ١٠٣.

وقوله تعالى : (إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْكاذِبُونَ :) ١٦ ، ١٠٥.

ولست أدري بماذا يجيب السمان ربّه يوم القيامة ـ إن كان له إيمان ـ بنشره هذه الأكاذيب ، والأباطيل ، والتهم. قال الله تعالى :

(وَما ظَلَمَهُمُ اللهُ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ :) ٢ ، ١٥٩.

وقال تعالى :

(يَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً ، يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً :) ٢٥ ، ٢٦ ، ٢٧.

وقال تعالى :

(ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ :) ١٠ ، ٥٧.

* * *

٣١
٣٢

الشيعة الإمامية والصحابة

قال محمد مال الله البحريني :

«أما موقف الشيعة من الصحابة رضوان الله عليهم الذين قال الله تعالى فيهم : (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ) وكان فيهم أبو بكر ، وعمر ، وابن مسعود وغيرهم من الصحابة» (١).

وقال الدكتور حامد حفني داود :

١ ـ قال محمد عمر الواقدي : وكان طلحة بن عبيد الله ، وابن عباس ، وجابر بن عبد الله ، يقولون :

صلّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على قتلى أحد ، وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أنا على هؤلاء شهيد.

فقال أبو بكر رضي الله عنه : يا رسول الله ، أليس إخواننا ، أسلموا كما أسلمنا وجاهدوا كما جاهدنا؟

__________________

(١) نظرات في الكتب الخالدة ص ١١١ ط دار العلم القاهرة عام ١٣٩٩ ه‍.

٣٣

قال : بلى ، ولكن هؤلاء لم يأكلوا من أجورهم شيئا ، ولا أدري ما تحدثون بعدي. فبكى أبو بكر وقال :

إنا لكائنون بعدك (١)؟

٢ ـ وأخرج البخاري عن العلاء بن المسيّب عن أبيه قال : لقيت البراء بن عازب (رض) فقلت : طوبى لك ، صحبت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وبايعته تحت الشجرة. فقال : يا بن أخي ، لا تدري ما أحدثنا بعده (٢).

وقال العلامة الشيخ لطف الله الصافي :

نعم : لو قال : لقد رضي الله عن الذين بايعوك ، تشمل كل من بايعه كائنا من كان ، وإن شك في إيمانه ولكن لا يجوز التمسك به فيمن شككنا في أصل بيعته ، كما لا يثبت إيمان من شككنا في إيمانه بقوله : (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ.)

وقال الدكتور حامد حفني داود :

فقضية نقد الصّحابة إنّما هي وليدة التشيع لآل محمد ولكنّها كانت وليدة التشيع لا لذات التشيع ، بل لأنّ المتشيعين لآل محمد عرفوا بتبحّرهم في علوم العقائد بسبب ما نهلوا من موارد أئمة أهل البيت ، وهم المصدر الأصيل الذي نهلت منه الثقافات الإسلامية منذ صدر الإسلام إلى اليوم

أن من رضي الله عنه بواسطة عمله يكون مرضيّا طول عمره ، وإن

__________________

(١) موطأ الإمام مالك : ٢ / ٤٦٢ باب الشهداء في سبيل الله.

(٢) البخاري : ٥ / ١٥١.

٣٤

صدرت منه المعاصي الموبقة بعد ذلك ، ورضا الله تعالى عن أهل بيعة الحديبية ليس مستلزما لرضاه عنهم إلى الأبد ، والدليل على ذلك قوله تعالى في هذه السورة في شأن أهل هذه البيعة ، وتعظيمها :

(إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ ، إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ ، يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ ، وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً.)

فلو لم يجز أن يكون من المبايعين من ينكث بيعته ، وكان رضا الله عنهم مستلزما لرضاه عنهم إلى الأبد لا فائدة لقوله : (فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ.)

وأيضا قد دلت آيات من القرآن ، وأحاديث صحيحة على وقوع غضب الله تعالى وسخطه على من يرتكب بعض المعاصي ، ومع ذلك لم يقل أحد بأن هذا مانع من حسن إيمانه في المستقبل ، وذلك مثل قوله تعالى في سورة الأنفال :

(وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ ، أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ :) ٨ ، ١٦.

فإذا لم يكن بوء شخص ، أو قوم إلى غضب الله مانعا من حسن حاله في المستقبل لم يكن رضاه أيضا سببا لعدم صدور فسق ، أو كفر من العبد بعد ذلك.

والقول بدلالة الآية على حسن حال المبايعين مطلقا ، وعدم تأثير صدور الفسق عنهم في ذلك مستلزم للقول بوقوع التعارض بين هذه الآية ، وبين آية الأنفال المذكورة فيمن ولّى دبره عن الجهاد من المبايعين لأنّها أيضا تدل باطلاقها على سوء حال من يولّي دبره ، وعدم تأثير صدور الحسنات في رفع ذلك.

٣٥

والحديث الأول صريح بأن حسن خاتمة مثل أبي بكر من الصحابة المبايعين المهاجرين موقوف على ما يحدث بعد الرسول (ص).

هذا مختصر الكلام حول مدلول الآية الكريمة ، وعليه ليس المستفاد منها ، أن أبا بكر وعمر لم يمحضا الإيمان.

نعم : لا يثبت بها إيمان واحد معين من المبايعين على نحو التفصيل ، فلا يصح التمسك بها في إثبات إيمان صحابي خاص ، وعدم نفاقه ، أو حسن حاله إذا شك فيه (١).

__________________

(١) مع الخطيب في خطوطه العريضة : ص ١٢٠ ـ ١٢٢.

٣٦

عقيدة الشيعة الإمامية في الصحابة

تمهيد

إن موضوع الحديث عن عقيدة الشيعة في الصحابة هو أهم موضوع نريد أن نتحدث عنه وكان بودنا التجنب عن ذلك ولكن من شرط هذا الكتاب هو التعرض لكل ما له علاقة بمذهب أهل البيت ، وسائر المذاهب فإن هذه المسألة من أهم المسائل التي كانت ذريعة لمعارضة مذهب أهل البيت وانتشاره. فقد نسبوا إلى الشيعة ما لا يتفق مع الواقع في اعتقادهم حول الصحابة. وتقوّلوا عليهم بأنّهم (أي الشيعة) يكفّرون جميع الصحابة ـ والعياذ بالله ـ وأنّهم لا يعتمدون على أحاديثهم ، ويطعنون فيهم إلى غير ذلك.

وجعلوا ذلك أساسا لقاعدة بنوا عليها الحكم بالزندقة ، وحلّيّة إراقة الدماء فقالوا : من طعن في الصحابة فقد طعن على رسول الله (ص) ومن طعن على رسول الله فهو زنديق.

وقالوا : إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب محمّد فاعلم أنّه زنديق.

وجعلوا الخوض فيما جرى بين الصحابة ، وحريّة الرأي في مناقشتهم هو انتقاص لهم.

٣٧

فلندرس هذا الموضوع بدقة ، ورجاؤنا معقود على إيلاء هذه الدراسة جلّ عنايتها ، وإعطائها وجهة النّظر بصورة خاصة ، لأن اتهام الشيعة بسب الصحابة ، وتكفيرهم أمر عظيم ، ومعضلة شديدة اتخذها خصوم أهل البيت وسيلة للقضاء على مبادئهم ، وانتشار مذهبهم ، عند ما بان عجزهم عن اللحوق بهم وقد تدخل الدخلاء وأعداء الإسلام في اتساع شقة الخلاف بين صفوف الأمة ليجدوا طريقهم لبثّ آرائهم الفاسدة ، حتى أصبح من المقرّر في تلك العصور تكفير الشيعة ، وإبعادهم عن ذلك المجتمع ، كلّ ذلك مبعثة آراء السلطة وأغراضها التي قضت على الأمة بكبت الشعور ، وكم الأفواه وسلب الأفراد ، حريّة الرأي لأن الجمود الفكري هو الذي يخدم مصالحهم ، عند ما حاولوا ربط العقائد بالدولة ، وإناطة الآراء بما تراه السلطة لا غير ، وفرضوا ربط التعليم بهم وضربوا سلطانهم على بعض العلماء ، ووجّهوهم حيث شاءت إرادتهم ، إلى غير ذلك من المحاولات التي كانوا يقصدون بها القضاء على أهل البيت ومعارضة مذهبهم ولكن شاء الله أن تذهب تلك المحاولات أدراج الرياح.

ويبقى ذكر أهل البيت على ممّر الدهور ، والأعوام ، ولم تقف تلك الدعايات الكاذبة والتهم المفتعلة أمام انتشاره ، وإن اتهام الشيعة بسب الصحابة وتكفيرهم أمر عظيم حاول خصومهم فيه تشويه سمعتهم ، لأنّهم خصوم الدولة وأنصار أهل البيت ، ونحن لا نريد أن نرغم خصوم الشيعة على الاعتراف بالأخطاء التي ارتكبوها في تعبيرهم عنهم بعبارات التهجّم التي تشمئز منها النفوس ، وتنفر منها الطباع.

ولا نريد منهم أن يغالطوا أنفسهم في مجاراتهم للأوضاع الحاضرة ، ولا نريد منهم أن يتركوا الخطأ الّذي وقفوا عليه في زاوية الإهمال ، ولا إسدال الستر على العيوب التي عثروا عليها في المجتمع الشيعي. والنقص الّذي لمسوه.

٣٨

ولكنّا نريد منهم أن لا يكذبوا ، أو يتقوّلوا.

ونريد منهم أن يتحرّروا من تقليد أقوام أعمتهم المادة ، وأخضعتهم السلطة ، فحملتهم على الافتعال ، والأكاذيب.

ونريد منهم أن يصرّحوا بلغة العلم ، والمنطق الصحيح عن الأمور التي استوجبت أن يرتكبوا بحقّ الشيعة ما ارتكبوه وليحاسبوا أنفسهم قبل يوم الحساب ، إن أهملوا محاسبة الوجدان ، والضمير الحر.

ونريد منهم أن يصرّحوا لنا عن نقاط الضعف التي وقفوا عليها فيما تدعيه الشيعة فأباحت لهم ذلك التهجم ، وليقولوا بكلّ صراحة فإنا نتقبل قول الحق.

ولا يهمّ الشيعة أقوال أهل التهريج والهوس ، ولا يعبأون بأقلام المستأجرين من قبل أعداء الإسلام الذين عظم عليهم انتشاره ، وأخضعهم بقوّة برهانه ، وأعطوه الجزية عن يد وهم صاغرون ، فالتجأوا إلى لغة الدس والخيانة.

ونريد منهم أن يتنبّهوا رويدا إلى التباين بين ما يدّعونه أو يفتعلونه على الشيعة وبين الواقع.

ونريد من الباحث أن يتحرّى ببحثه الدقة والتمحيص ، وأن يتثبّت قبل الحكم ، وأن يعرف الخطر الّذي ينجم من وراء ذلك ، فقد بلغ الأمر إلى أشدّ ما يكون من الخطورة.

ومن المؤلم أن تروج هذه الدعايات المغرضة ، أو الأكذوبة الكبرى فتصبح من الأمور المسلّمة بها لا تحتاج إلى نقاش.

والواقع أن اتهام الشيعة كان سياسيّا قائما على مخالفة الواقع ، وإنكار الحقائق ، والجهل الفاضح.

٣٩

الشيعة والصحابة

نحن أمام مشكلة كبرى ، وقف التاريخ أمامها ملجما واختفت الحقيقة فيها وراء ركام من الادعاءات الكاذبة ، والأقوال الفارغة ، فالتوت الطرق الموصلة اليها. كما أثيرت حولها زوابع من المشاكل والملابسات ، ولم تعالج القضيّة بدراسة علميّة ليبدو جوهر المسألة واضحا وتظهر الحقيقة كما هي.

وعلى أيّ حال فقد تولع كثير من المؤرخين بذّم الشيعة ، ونسب أشياء إليهم بدون تثبّت ، فهم يكتبون بدون قيد أو شرط ، ويتقوّلون بدون وازع ديني أو حاجز وجداني ، وقد اتسعت صدور الشيعة لتحمل أقوالهم ، بل تقوّلاتهم كما اتّسعت سلّة المهملات لقبر شخصيّاتهم ، وترفعوا عن المقابلة بالمثل.

وإنّ أهمّ تلك التّهم هي مسألة الصحابة وتكفيرهم (والعياذ بالله) ممّا أوجب أن يحكم عليهم بالكفر والخروج عن الإسلام كما يأتي بيانه.

قال السيد شرف الدين : «إنّ من وقف على رأينا في الصحابة علم أنّه أوسط الآراء إذ لم نفرط فيه تفريط الغلاة الذين كفّروهم جميعا ولا أفرطنا إفراط الجمهور الذين وثقوهم جميعا ، فإن الكاملية ومن كان في الغلوّ على شاكلتهم قالوا : بكفر الصحابة كافة.

وقال أهل السنة بعدالة كلّ فرد ممّن سمع النبيّ أو رآه من المسلمين مطلقا ، واحتجّوا بحديث (كل من دب ، أو درج منهم أجمعين أكتعين).

أمّا نحن فإن الصحبة بمجرّدها وإن كانت عندنا فضيلة جليلة لكنّها بما هي من حيث هي غير عاصمة. فالصحابة كغيرهم من الرجال ، فيهم العدول وهم عظماؤهم وعلماؤهم ، وفيهم البغاة ، وفيهم أهل

٤٠